المقالات

20 نوفمبر 2019

مفهوم العثرة

ما هى العثرة ما هى العثرة ، التى قال عنها السيد المسيح له المجد ( ويل للعالم من العثرات ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة ) ( مت 18 : 7 ) ( من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بى ، فخير له أن يعلق فى عنقه حجر الرحى ويغرق فى لجة البحر )( مت 18 : 6 )إن كانت العثرة بهذه الخطورة فى عقوبتها ، فما هى العثرة ؟ العثرة هى أن يتسبب إنسان فى إسقاط غيره وقد تكون العثرة بقصد ، أى أن يتعمد الإنسان ويقصد أن يسقط غيره وهذه عقوبتها أخطر من حالة الإنسان الذى يعثر أحدا بغير قصد أول عثرة فى تاريخ البشرية ، جاءت عن طريق الشيطان فهو الذى أسقط أبوينا الأولين وكانا بسيطين لا يعرفان شرا وفقد أسقطهما بقصد 0 وذلك عن طريق الخداع والإغواء وبهذه العثرة دخل الموت إلى العالم وتسبب الشيطان فى إفساد الطبيعة البشرية وعموما طرق العثرة هى إما أن يعثر الشخص غيره بمعرفة الخطية ، أو بتسهيل الخطية ، أو بمذاقة الخطية أو بإعطاء مفهوم مخادع الخطية ، كأن يقدمها باسم فضيلة ، أو أن يحدثه عن ( منافع ) الخطية وفوائدها !! معرفة الخطية:- يعنى أن بعرف الإنسان أمورا تضره روحيا ، ما كان يعرفها من قبل وهكذا تدخل فى ذهنه معارف تدنس فكره أو تجلب له شهوات ، وتسقطه فى الخطية ولعله عن هذه قال سليمان الحكيم ( الذى يزيد علما ، يزيد حزنا ) (جا 1 : 18 ) وبهذه المعرفة سقطت حواء ، مع أنها كانت معرفة ديع سليمة ، قال لها الشيطان وهو يكذب ( تنفخ أعينكما وتصيران مثل الله ( تك 3 : 5 ) فما الذى أحدثته هذه العبارة ؟ لقد غيرت نظرة حواء وتفكيرها وشعورها ( فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون ، وأن الشجرة شهية للنظر 0 فأخذت من ثمرها وأكلت ) فالذى يصب فى أذن زميل أو صديق معلومات تضره ، إنما يعثره كأن يعطيه معلومات تدين شخصا معينا ، أو تجعله يأخذ فكرة سيئة عنه أو يقدم له معارف معينة تتعبه اخلاقيا ، أو شكوكا تتعبه عقيديا بحيث يخرج صاحبه من هذا اللقاء ليقول ليتنى ما قابلت فلان ، أو ليتنى ما سمعت 0 مثال ذلك أيضا البيئة الشريرة ، وما تقدمه من أفكار هذه التى قال عنها الرسول ( المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ) ( 1كو 15 : 33 ) وهكذا بالعثرة من جانب ، وبالانقياد للعثرة من جانب آخر ، يتعلم منهم التحايل ، أو طرق المكر أو طالب يتعلم التزويغ من الدارسة ، أو الغش فى الامتحان وأطفال تستخدمهم عصابات فتعثرهم وتعلمهم النشل أو شباب يجتمعون معا ،والجديد فيهم يعلمونه تعاطى المخدرات أو لعب القمار كلها عثرات ، ولتفاديها قال عنها المرتل فى المزمور الأول ( طوبى للإنسان الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار وفى طريق الخطاة لم يقف ، وفى المستهزئين لم يجلس ) كذلك يعتبر عثرة من يقدم لك الفكر الخاطئ ، دون أن يرد عليه يقدم لك كل أدلة الفكر الخاطئ وبراهينه ، ويقف عند هذا الحد ، دون أن يذكر تعليقاته على كل ذلك دون ذكر الردود التى تحطم ذلك الفكر الخاطئ وإذا هوجم فلا يورده من أفكار ، يرد قائلا ( أنا لم أقل إن هذا رأيى ، وإنما ذكرت كل ذلك من باب العلم !! )والخطير أيضا أن يكون وراء هذا الشخص تابعوه وتلامذته ومريدوه ، الذين يكررون نفس الكلام ويعملون به ، ويكونون هم أيضا عثرة البعد عن هؤلاء طهارة ، وليس خصومة إنه بعد عن أسباب العثرات ، أو البعد عن معرفة العثرة فالذى يسبب العثرة يفقد صاحبه البساطة والبراءة التى كان يحياها وكأنه يقول له ما قاله الشيطان لحواء ( تنفتح أعينكما ) تنفتح العين ، فتعرف الخطية النقطة الأخرى غير معرفة الخطية ، هى تسهيل الخطية 0 تسهيل الخطية:- إنه نوع آخر من العثرة لأنه ربما يعرف إنسان الخطية ، ولكنه لا يمارسها لأن الباب مغلق أمامه لذلك يعثره من يسهل الأمر عليه فيعرفه أماكن الخطية ووسائلها ، ويقودها إليها ، ويزيل الخوف من قلبه ، كما يزيل العوائق من أمامه مثال ذلك ما فعلته إيزابل مع الملك آخاب فى الاستيلاء على حقل نابوت اليزرعيلى ( 1ما 21 ) وما كان ينويه اخيتوفل فى نصيحته لأبشالوم ليمكنه من القضاء على أبيه داود ( 2صم 17 ) كل هذا أعمق وأخطر بكثير من مجرد معرفة الخطية ، التى علاجها أسهل من علاج مذاقة الخطية مذاقة الخطية:- هى الخطوة العملية الأولى فى ارتكاب الخطية كالذى يقدم لشخص سيجارة ليدخنها ، أو وردة فيها مسحوق الهيروين ليشمها أو يجعله يذوق مكسبا فى لعب القمار ، أو يذوق كأسا من الخمر ، أو يفتح له مجالا عمليا لممارسة الخطايا الشبابية اسم أخر للخطية:- من العثرة أيضا تسمية باسم فضيلة أو باسم آخر يسهل قبوله فالذى ينشر هرطقة مثلا ، يقول عنها إنها المفهوم السليم للدين والذى يعلم زميله لعب القمار ، يسميها تسلية ، أو تحلية للعب والذى يدعو لممارسة الزنى ، يسمى ذلك معالجة للكبت وأضراره والذى يساعد على التهرب من الضرائب ، يقول إن ذلك مجرد تخلص من مغالاة وظلم اللجان التى تقدر قيمة الضريبة وهكذا فإن الشيطان – فى العثرة – لا يحارب بوجه مكشوف 0 أنواع من العثرات:- ليست كلها فى الأمور الشبابية كما يظن البعض فهناك عثرات فى الدين ، كهراطقة ، والذين ينشرون الشكوك فى الدين ، أو الذين ينشرون الإلحاد والذين ينكرون القيامة والمعجزات وهناك عثرات فى الفلسفة والفكر وزعزعة الفكر فى كثير من المبادئ والقيم كأصحاب البدع الذين يأتون بشئ جديد لتحطيم ما تسلمه الناس من قبل ويقدمون ذلك باسم العلم والتجديد إن الأريوسيين كانوا أكثر خطرا من أريوس ، وأكثر إيذاء لأثناسيوس لذلك حسنا قال معلمنا يعقوب الرسول لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتى ، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم ( يع 3 : 1 ) لماذا ؟ ( لأننا فى أشياء كثيرة نعثر جميعنا ) إنها العثرة فى التعليم يعثر نفسه إذ يظن أنه على حق ، ويكون ( حكيما فى عينى نفسه ) ( أم 3 : 7 ) وأيضا يعثر غيره بنشر تعليمه الخاطئ لذلك لا تقبلوا كل فكر جديد يحطم ما تسلمتموه ويكون لكم عثرة ذلك لأن البعض يحاولون أن يقدموا شيئا جديدا ، يلفون به المسلمات القديمة ، ليثبتوا أنهم أكثر علما ومنهم بعض المشتغلين بالنقد الكتابى Biblical Criticism وهم فى الجامعات الأجنبية من رجال الدين ومن أساتذة اللاهوت ، ولكنهم عثرة ، وحسب قول الرسول يأخذون دينونة أعظم دينونة بسبب أخطائهم ، ودينونة بسبب نشرها 0 القدوة السيئة:- هى أيضا عثرة ، إذ يقع الغير فى أخطاء بسبب تقليدهم لتلك القدوة وهؤلاء المخطئون – إن كانوا من القادة أو الرؤساء أو الزملاء – لم يقصدوا أن يجعلوا غيرهم يخطئون 0 ولكنهم كانوا سببا فى ذلك فقد يعلمونهم الروتين ، أو الحضور متأخرين إلى مكان العمل ، أو محاولة تبرير كل خطأ ، أو سوء معاملة الناس وتعطيل مصالحهم ، أو يعلموهم قلة الإنتاج ، أو كتابة تقارير وهمية أو مزورة إلخ فالإنسان فى المجتمع يمتص منه أشياء كثيرة يمتص عادات وعثرات ويدخل فى هذا المجال أيضا الآباء والأمهات بالنسبة إلى أبنائهم فالأنباء ينظرون إلى آبائهم وأمهاتهم كقدوة ويقلدونهم ويدخل فى مجال العثرة أيضا ما يتعرض له البسطاء الذين ليست لديهم القدرة على تحليل تصرفات من هم أكثر منهم خبرة وعلما ومركزا فيعثرون بهم – ليس من جهة انتقادهم – إنما من جهة تقليدهم كذلك الموظف الأدنى مركزا ، إذا توقى إلى مركز أعلى ، قد يسير على نفس نهج من سبقه ، ويكون ذلك له عثرة 0 الثقافة والإعلام:- كل أجهزة الوسائل السمعية والبصرية قد تكون عثرة ، إذا قدمت برامج معثرة للسامعين أو المشاهدين فلها تأثير على شخصياتهم ، من حيث تفكيرهم وأساليبهم ، وما تتركه فى نفوسهم من مشاعر وأحاسيس وبالمثل كل مصادر الفكر من كتب ومجلات وجرائد ونبذات ومنشورات ، هى أيضا قد تكون عثرة ، إن أثرت على أفكار الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم تأثيرا خاطئا وقادتهم فى طريق يضرهم أو يضر المجتمع قال أحد المفكرين قل لى ماذا تقرأ ، لأقول لك من أنت وأريد أن أضيف إلى ذلك ليس الأمر يقتصر فقط على ما تقرأ ، وإنما أيضا ماذا ترى وماذا تسمع فالكاسيتات ، وأجهزة التليفزيون و الفيديو ، لها خطورتها فى التأثير على الناس ، وكذلك الأفلام السينمائية والمسرحية وكثير من هذه كلها قد تكون عثرة وعلينا أن نكون حريصين فى كل ذلك بالنسبة إلى أنفسنا وإلى أولادنا 0 الكبير والصغير:- على الكبير أن يكون حريصا جدا ، فى أقواله وتصرفاته ، حتى لا يعثر الصغير ، أو الضعيف وهكذا يقول الرسول ( أنظروا لئلا يصير 00 هذا معثرة للضعفاء ) ( 1كو 8 : 9 ) ويكرر عبارة ( الأخ الضعيف الذى مات المسيح لأجله ) ( 1كو 8 : 11 ) ثم يقول أخيرا ( إن كان طعام يعثر أخى ، فلن آكل لحما إلى الأبد ، لئلا أعثر أخى ) ( 1كو 8 : 13 ) وهو من جهة العثرة يقول عن الضمير ( ليس ضميرك أنت بل ضمير الآخر غير طالب ما يوافق نفسى ، بل الكثيرين لكى يخلصوا ) ( 1كو 10 : 29 – 33 ) والسيد المسيح – من جهة العثرة – اهتم بالصغار فقال ( من أعثر أحد هؤلاء الصغار ) ( مت 18 : 6 ) إن أسباب العثرة قد يقاومها القوى ولكن ما ذنب الضعيف ؟ ونقصد بالقوى ، القوى فى روحياته ، والقوى فى إرادته ، والناضج فى تفكيره هذا القوى يمكنه أن يدرك الخطأ ويقدر على مقاومته ولو أنه من الجائز أن يقع فى إدانة صاحبه ولكن المشكلة فى عثرة الضعيف أو البسيط والضعيف أيضا قد يقول إن الكبار هكذا يسقطون ، فماذا أفعل أنا الضعيف ؟! وقد يسستلم للخطأ ، أو يقع فيه يأسا ، أو انقبادا وربما من عثرة الضعيف أن تسقط المثل العليا أمامه وهكذا فإن القديس بولس الرسول لما وبخ القديس بطرس الرسول ، قال له قدام الجميع ( إن كنت وأنت يهودى ، تعيش أمميا لا يهوديا ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! )( غل 2 : 14 ) قال ذلك لأنه وجد ( أن برنابا أيضا انقاد إلى ريائهم ) ( غل 2 : 13 ) أى أعثر منهم فليحترس الكبار إذن فى تصرفاتهم 0 ونقصد الأبوين فى محيط الأسرة ، والمدرسين بالنسبة إلى التلاميذ ، والخدام بالنسبة إلى مخدوميهم والكهنة بالنسبة إلى شعبهم والمرشدين بالنسبة إلى من يسترشد بهم يحرصون ألا يكونوا عثرة فى كلامهم وتصرفاتهم وحركاتهم وملامحهم وكذلك فى حفظهم للنظام ، وفى طاعتهم للقانون ، وفى حفظهم للوصية فإذا كان الشماسة مثلا لا يتكلمون فى الكنيسة ، يحرصون على احترام الهيكل والصلوات قد يقتدى بهم الشعب وإن أخطأوا قد يكونون عثرة للشعب ، الذى قد يفعل المثل والذى يتكلم أثناء الصلاة فى الكنيسة يقع فى عدة أخطاء :- أولا : عدم احترام الكنيسة ، وعدم احترام الصلاة ، وعدم وجود مخافة الله فى قلبه0 والخطية الثانية : يكون عثرة لغيره : إما فى أن يفعلوا مثله ، أو أن يقعوا فى إدانته وبالمثل الذى يداوم النظر إلى ساعته ، أثناء الاجتماع أو العظة وكذلك الذى يخرج من الكنيسة قبل البركة أو التسريح على الشخص أن يتنافى العثرة ، حتى لو لم يكن فى تصرفه خطأ إن السيد المسيح عندما طلبت منه الجزية ، وكان يعرف أن الجزية لا تطلب من بنى البلد بل من الغرباء ، قال لبطرس ولكن لكى نعثرهم ، اذهب إلى البحر وألق صنارة ) ( مت 17 : 27 )ولكى لا يعثرهم أيضا ، تقدم إلى معمودية يوحنا التى للتوبة ، مع أنه غير محتاج إلى توبة وإن السيد المسيح أطاع الناموس فى أمور كثيرة لا تلزمه ، وكذلك القديسة العذراء ، لكى لا يعثرهم أحد 0 الضمير:- يوجد ضمير ضيق يتشكك فى كل شئ ، ويظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ وضمير واسع يبرر تصرفات كثيرة وموضوع الضمير يدخل فى موضوع العثرة0 والأمثلة كثيرة هل الجمال مثلا يعثر ؟ فتاة جميلة 0 ينظر إليها البعض ويشتهونها فهل هى عثرة لهؤلاء ؟ وما ذنبها ؟ كلا ، إنها ليست عثرة العثرة هى فى قلوب الذين يشتهونها الخطأ فيهم وليس فيها القديسة يوستينا مثلا كانت جميلة جدا وقد اشتهاها شخص لدرجة أنه لجأ إلى السحر ليحصل عليها فهل كانت هذه القديسة عثرة ؟ كلا ، وإنما العثرة فى قلب ذلك الإنسان غير النقى 0 ما رأيكم فى ملاكين اشتهاهما أهل سادوم ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! هل الملاكان كانا سبب عثرة ؟! حاشا 0 إنما الخطأ فى انحراف ذلك الشعب الشاذ ، لذلك ضربهم الملاكان بالعمى عقابا لهم عل شهوتهم النجسة ( تك 19 : 4 – 11 ) الكتبة والفريسيون انتقدوا السيد المسيح ، لأنه صنع معجزات فى يوم سبت – فهل كان السيد المسيح عثرة لهم ؟! بل عدم فهمهم أو عدم نقاوة قلوبهم كان هو السبب العثرة أتتهم من داخلهم ، وليس من سبب خارجى وما أكثر القديسين الذين أتهموا من الناس ظلما ، مثل القديس مكاريوس الكبير، والقديسة مارينا والقديس افرام السريانى ، ولم يكونوا عثرة ، وأظهر الله براءتهم وهنا ليتنا نتأمل قول الرسول ( كل شئ طاهر للطاهرين ) ( تى 1 : 15 ) غير الطاهرين إذن ، تكون كثير من الأمور عثرة لهم ، بسبب عدم طهارتهم إذ يفكرون بطريقة فيها دنس أما الطاهرون فيفكرون بنقاوة لذلك لا تعثرهم أشياء تعثر غيرهم الأمر إذن يحتاج إلى ضمير نقى يحكم بعدل لقد أمرنا السيد الرب أن نخفى فضائلنا فهل إذا خفينا صلواتنا وأصوامنا وصدقاتنا حسب أمر الرب ( مت 6 ) أيعثر الناس فينا ويظنوننا لا نصلى ولا نصوم ؟!أم نطهر فضائلنا لكى لا يعثروا ونخالف وصية الرب ؟!ّ المسألة إذن مسألة ضميرالمهم أننا نقدم مادة للعثرة أما إن أعثر غيرنا لسبب فيه ، ولا قصد منا فى إعثاره ، فالذنب ذنبه هل كان داود النبى سبب عثرة لشاول الملك ، حينما انتصر على جليات ؟! كلا ، بلا شك وما كان بإمكان داود أن يترك جليات يعير صفوف الرب وداود نفسه نسب الإنتصار للرب وقال لجليات ( اليوم يحسبك الرب فى يدى ) ( لأن الحرب للرب ، وهو يدفعكم ليدنا ) ( 1صم 17 : 46 ، 47 ) ولكن الذى أعثر شاول هو الغيرة التى فى قلبه ، وتعبه من قول النساء ( ضرب شاول ألوفه ، وداود ربواته ) ( 1صم 18 : 7 ) داود النبى قال أيضا فى المزمور ( أكثر من شعر رأسى الذين يبغضونى بلا سبب ) ( مز 69 : 4 ) فهل هو أعثرهم حتى أبغضوه ؟!كلا ، بل هم أبغضوه بلا سبب منه إنما السبب هو حقد قلوبهم ، وغيرتهم من تقواه وانتصاراته ، أو شهواتهم فى أن يغتصبوا سلطانه كما فعل أبشالوم 0 الرياء:- هناك أشخاص لكى لا يجلبوا العثرة ، يقعون فى الرياء يتظاهرون بالبر ، لكى لا يعثر الناس ، بينما هم غير صائمين وهكذا يكونون قد وقعوا فى خطيتين هما عدم الصوم ، والرياء ليس لكى يتفادى الإنسان العثرة ، يتظاهر بالبر ! بل الوضع السليم هو أن يسلك حسنا ، ويكون بارا بالحقيقة ، حتى لا يعثر الناس 0 قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
27 نوفمبر 2019

مفهوم الوداعة

أهمية الوداعة :- من أبرز الآيات عن أهمية الوداعة قول السيد المسيح له المجد ( تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم ) (مت 11 : 29 ) كل الكمالات موجودة فيه ، ولكنه ركز على الوداعة أولا وجعلها سببا لراحة النفس والقديس بولس الرسول وضع الوداعة ضمن ثمار الروح ( غل 5 : 23 ) ويقول القديس يعقوب الرسول( من هو حكيم وعالم بينكم،فليرأعماله بالتصرف الحسن فى وداعة الحكمة ) ( يع 3 : 13 ) وحينما ذكر الرب التطوبيات ، جعل الوداعة فى أوئلها 0 فقال ( طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) ( مت 5 : 5 ) ويوجد تطويب كثير للوداعة فى سفر المزامير ، إذ يقول ( يسمع الودعاء فى الحق ) ( مز 25 : 9 ) وعندما تكلم القديس بطرس الرسول عن زينة النساء ، قال ( زينة الوديع الهادئ الذى هو قدام الله كثير الثمن ( 1بط 3 : 4 ) إن كانت الوداعة بهذا المقدار ، يقف أمامنا سؤال مهم ما هى الوداعة إذن ؟ وما هى صفات الوديع ؟ ما هى الوداعة؟ الإنسان الوديع هو إنسان هادئ طيب ، ومسالم ، وبشوش هو إنسان هادئ ، لا يغضب ولا يثور ، ولا ينفعل بسرعة لا يحتد فى كلامه ، بل الصوت المنخفض الخفيف هو بعيد عن النرفزة أعصابه هادئة قيل عن السيد المسيح فى وداعته ، إنه ( لا يخاصم ولا يصيح ، ولا يسمع أحد فى الشوراع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنة لا يطفئ ) ( مت 12 : 19 ، 20 ) ( أش 42 : 2 ، 3 ) هدوء الوديع ، هدوء من الداخل ومن الخارج يملك السلام على قلبه فى الداخل ، فلا يقلق ولا يضطرب ومن الخارج هو مسالم لجميع لا يهاجم أحدا ، ولا يجرح شعور أحد هو بعيد عن العنف حتى إذا هوجم ، لا ينتقم لنفسه إنه لا يتدخل فى شئون الناس ، ولا يقيم لنفسه رقيبا على أعمالهم ، وبالتالى لا يدين أحدا وإن تدخل فى إصلاح غيره ، يكون ذلك فى هدوء ، حسبما قال الرسول ( أيها الأخوة ، إن إنسيق إنسان فأخذ فى زلة ، فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ، ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا ) ( غل 6 : 1 ) يصلحه بالأقناع بالهدوء ، وبالإتضاع ناظرا إلى نفسه لئلا يجرب هو أيضا الإنسان الوديع يحتمل الآخرين ، بطول الروح بطول بال يضع أمامه قول الكتاب ( الجواب اللين يصرف الغضب ) ( أم 15 : 1 ) هو على صورة الله الذى يحتمل الخطاة ، ويطيل أنته عليهم الإنسان الوديع بعيد عن التذمر سواء فى علاقته مع الله أو الناس بل بلعكس يكون على الدوام بشوشا مبتسما والوديع غالبا ما يكون خجولا يتميز بشئ من الحياء بلل كما قال أحد الآباء ( لا يملأ عينيه من وجه إنسان ) لا يفحص ملامح الناس ، ولا يغوص فى أعماقهم ، ليعرف ما فى داخلهم لا يحلل الناس ومشاعرهم إنما نظراته بسيطة هو إنسان حيى لا يفارقه حياؤه الوديع شخص سهل التعامل بسيط ، ليس عنده دهاء ولا مكر ولا خبث واضح فى تعامله ، يبطن غير ما يظهر ، ولا يعقد الأمور يتعامل فى وضوح ، بلا لف ولا دوران ، ولا يدبر خططا يمكنك أن تستريح إليه ، لأنه واضح ، صريح ، ومريح إنه رقيق ، لطيف ، حلو الطبع لذلك تجده محبوبا من الكل لأنه إنسان طيب حتى لو ظلمه البعض ، تجد الكثيرين يدافعون عنه ويقولون لمن ظلمه ( ألم تجد سوى هذا الإنسان الطيب ، لكى تظلمه ؟!‍ ) حتى الذى ظلمه ، يأتى إليه بعد حين ويعتذر له والكل يدافع عنه ، لأنه لا يؤذى أحدا ولأجل محبة الناس للوداعة ، يقول الرب طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) ( مت 5 : 5 ) هذا بالأضافة إلى السماء ونعمة الله باستمرار تكون عليه والإنسان الوديع ، إنسان ( مهاود ) يميل إلى إراحة الناس ، وعدم العناد معهم لا يكثر من الجدل والنقاش والملاججة والتحقيق إنما الخير الذى يستطيع أن يعمله ، يعمله بهدوء وسرعة وبدون تأجيل مناقشة 0 إنه لا يتشبث برأيه فى كل شئ ، كما يفعل البعض إنما يمرر الأمور مادامت لا تكسر وصية 0 ولذلك فإنه لا يتحزب ، إنما يحب الكل 0 فقد الوداعة:- الإنسان الوديع يحتفظ بوداعته باستمرار لا يفقد وداعته إن نال مركزا كبيرا ، أو تمتع بسلطة فمهما كان مركزه عاليا ، تستمر وداعته كما هى ولا يرتفع قلبه فى أمر ونهى والوديع أيضا لا يفقد وداعته بسبب اصلاح الآخرين فإن كان فى وضع يسمح بهذا ، لا يصلح الناس بالعنف أو بالشدة ، أو بحدة الصوت أو حدة التصرف إنه لا يفقد وداعته أيضا ، إن دافع عن الحق إنما يدافع عنه فى هدوء ، دون أن يجرح شعور أحد كذلك إن تكلم بصراحة ، لا تكون صراحته جارحة وإنما يعبر عما يريد قوله بأسلوب رقيق وفى هذه المناسبة نذكر أسلوب السيد المسيح مع المرأة السامرية كشف لها كل شئ ، بغير أن يخدش حياءها ، أو يجرح شعورها ( يو4 ) والوديع الحقيقى لا يفقد وداعته بحجة الحزم أو الشجاعة ، أو بالفهم الخاطئ للقوة وللكرامة الشخصية ولا يحتج أحد بفقد الوداعة بحجة أنه مولود النارى فموسى الأسود كان من هذا النوع ، ولكنه اكتسب الوداعة بحياة التوبة ، على الرغم من أنه بدأ حياته شديدا ولكنه درب نفسه حتى تحول إلى إنسان طيب القلب جدا 0 الوداعة والشجاعة:- البعض يخطئ فى فهم الوداعة ، فيتصور الوديع كشخصية خاملة ، بلا تأثير ولا فاعلية ويظن الوداعة رخاوة فى الطبع ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! كأن يتحول الوديع – بسبب طبيعته – إلى أضحوكة وسط الناس ، يلهون به ويدوسون على كرامته أو أنه بسبب احتماله للآخرين وعدم تذمره ، يصبح مهزأة أو أيضا بسبب عدم إدانته للناس ، لا يفعل شيئا متى رأى الشر مسيطرا على الخير ! كلا فليست هذه هى الوداعة إنما المفهوم الصحيح للوداعة ، لا يمنع مطلقا من أن ترتبط بالرجولة والنخوة والشجاعة والشهامة فنحن نتحدث عن الوداعة بأسلوب الحقائق ! ونقول إن الوديع هو إنسان طيب ومسالم ومهاود ، ونتغافل أن يكون ذا شجاعة ونخوة وشهامة وأيضا هناك كلمة عميقة قيلت فى سفر الجامعة ، تنطبق على تصرف الوديع فى مختلف المواقف والأحداث ، وهى ( لكل شئ زمان ، ولكل أمر تحت السموات وقت للسكوت وقت وللتكلم وقت ) ( جا 3 : 1 ، 7 ) فنع أن الطيبة هى الطابع العام فى حياة الوديع ، إلا أنه للشجاعة فى حياته وقت وللشهامة وقت ، ولكن فى غير عنف 0 أمثلة : 1- السيد المسيح فى وداعته وحزمه هذا المثل الأعلى الذى قيل عنه ( لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته ) نراه حازما قويا فى تطهيره للهيكل ، حينما طرد الباعة ، وقال لهم ( مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص ) ( مت 12 : 12 ، 13 ) وكان قويا وحازما أيضا فى توبيخه للكتبة والفريسين ) ( مت 23 ) وكان حازما فى شرح شريعة السبت وفعل الخير فيه ، على الرغم من كل المعارضة التى لاقاها 00 2- مثال موسى النبى المشهور بحلمه العجيب حتى أنه قيل عنه ( وكان الرجل موسى حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ) ( عد 12 : 3 ) موسى هذا الذى نزل من الجليل ومعه لوحا الشريعة ، ووجد الشعب يعبد عجلا ذهبيا ويغنى ويرقص لم يقف موقفا سلبيا باسم الحلم والوداعة ، بل حمى غضبه وطرح لوحى الشريعة من يديه وكسرهما ثم أخذ العجل الذى صنعوه ، وأحرقه بالنار ، وطحنه حتى صار ناعما وذاره على وجه الماء ( خر 32 : 19 ، 20 ) وانتهر هرون رئيس هرون رئيس الكهنة ، حتى اضطرب بين يديه 0 3- مثال آخر هو داود النبى هذا الذى قيل عنه فى المزمور ( اذكر يارب داود وكل دعته ) ( مز 132 : 1 ) كان موقفه جريئا وشجاعا ، لما رأى جليات يعير صفوف الله الحى ، بينما كان كل الجيش واقفا فى خوف أمام ذلك الجبار أما داود الوديع فقال من هو هذا الأغلف حتى يعير شعب الله ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! وظل يكلم الناس بشأنه ، ولم يهمه إستهزاء أخيه الأكبر به وأخيرا قال لشاول الملك ( لا يسقط قلب أحد بسببه ) ( 1صم 17 : 32 ) وذهب وحاربه ولم يخف منه ، بل قال له ( أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ، وأنا آتى باسم رب الجنود اليوم يحبسك الرب فى يدى ( 1صم 17 : 45 ، 46 ) هذا هو داود الشاب الهادئ الأشقر ، صاحب المزمار والقيثار ، وفى نفس الوقت صاحب الغيرة ، ورجل الحرب جبار البأس 0 4- مثال ثالث هو بولس الرسول 0 إنه إنسان طيب هادئ ، يقول لأهل كورنثوس فى توبيخه لهم ( أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه ، أنا نفسى بولس الذى هو فى الحضرة ذليل بينكم ، وأما فى الغيبة فمتجاسر عليكم )( 2كو 10 : 1 ) ويقول لشيوخ أفسس ( متذكرين أنى ثلاث سنين ليلا ونهارا ، لم افتر أن أنذر بدموع كل أحد ) ( أع 20 : 31 ) إنه رسول ، من حقه أن ينذر ، ولكنه بوداعة ينذر ، ولكنه بوداعة ينذر بدموع بولس هذا فى الكرازة والتبشير ، كان أسدا إنه حينما يتكلم عن البر والدينونة والتعفف أمام فيلكس الوالى ، يقول الكتاب ( ارتعد فيلكس وقال له إذهب الآن ، ومتى حصلت على وقت أستدعيك ) ( أع 24 : 25 ) ولما وقف أمام اغريباس الملك ، قال له الملك ( بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا ) ( أع 26 : 28 ) وبولس هذا الوديع ، لم يمتنع عن توبيخ بطرس الرسول 0 وقال ( لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل ، قلت لبطرس قدام الجميع : إن كنت وأنت يهودى تعيش أمميا لا يهوديا ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا ) ( غل 2 : 14 ) 5- مثال خامس هو أليهو بن برخئيل كان الرابع بين أصدقاء أيوب ومن وداعته ظل صامتا بينما كان يتكلم أصحاب أيوب الثلاثة معه على مدى 28 إصحاحا ولم يفتح أليهو فمه من فرط وداعته ، لأنهم كانوا أكبر منه سنا وأخيرا لم يستطع أن يصبر هذا الوديع أكثر من هذا ، لما رأى أن الجميع قد أخطأوا وفى ذلك يقول الكتاب ( فحمى غضب أليهو بن برخئيل البوزى من عشيرة رام على أيوب حمى غضبه ، لأنه حسب نفسه أبر من الله وعلى أصحابه الثلاثة حمى غضبه ، لأنهم لم يجدوا كلاما واستذنبوا وأيوب فقال لهم ( أنا صغير فى الأيام ، وأنتم شيوخ ، لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيى ) ( أى 32 : 2 _ 7 ) ثم بدأ رسالته فى التوبيخ حقا لكل شئ تحت السموات وقت لسكوت الوديع وقت ، ولكلامه وقت لطيبته وقت ، ولحزمه وقت 0 ملاحظات:- هل تجد أحد أقربائك على وشك أن يتزوج مطلقة ، أو أية إنسانة لم تأخذ تصريحا من الكنيسة ، أو زيجة بقرابة خاطئة لا يجوز فيها الزواج هى ترى كل هذا ، وتسكت باسم الوداعة والهدوء ، دون أن تحذر قريبك ليبعد عن الزيجة الخاطئة ؟ كلا ، ليست هذه وداعة إنما يجب أن تحذره من الموقف الخاطئ ، وتشرح له فى هدوء خطأ موقفه ولا تكون ضد الوداعة فى موقفك ، لأنك وضحت الموقف دون أن تشتم أو تجرح أو تخطئ إنما عبارة القديس يوحنا المعمدان على فمك ( لا يحل لك أن تأخذ ( هذه ) زوجة لك أو تجد أحد معارفك يريد أن يتزوج إمرأة زواجا عرفيا ، وتقف صامتا باسم الوداعة ؟! كلا قل له إن هذا أمر خاطئ لا يباركه الله ، يقودك إلى حياة خاطئة وليس فى هذا ضد الوداعة إننا لا نقول لك لا نقول لك أن تثور وتضج وتملأ الدنيا صياحا بل أن تنذر فى هدوء إن الله يحب الحق ، ويحب أن يرى من يدافع عنه ، بأسلوب لا يخطئ فيه وفى ذلك يقول الرب فى سفر أرميا النبى ( طوفوا فى شوراع أورشليم ، وفتشوا فى ساحاتها ، هل تجدون إنسانا أو يوجد عامل بالعدل ، طالب الحق ، فاصفح عنه ) ( أر 5 :1 ) إذن الدفاع عن الحق فضيلة يطلبها الله إن سلكت فيها تسلك فى الحق ولا يتنافى هذا مع الوداعة ما دام الأسلوب سليما 0 قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
12 سبتمبر 2018

عيد النيروز

ما هو عيد النيروز؟ نحتفل كل عام في مثل هذا الوقت بعيد النيروز وهو رأس السنة القبطية (أول توت) أو عيد الشهداء. والأقباط جعلوا لأنفسهم تقويم خاص بهم هو التقويم القبطي أو تقويم الشهداء والذي يبدأ بسنة 284م. وهي بداية عصر ديوقلديانوس الذي كان من أقسى عصور الاضطهاد التي مر بها الأقباط. مكانة الشهداء في الكنيسة:- والكنيسة تحب الشهداء وتحب الاستشهاد وإن كنا نحتفل بعيد الشهداء في 10 سبتمبر تقريبًا فنحن نحتفل بالشهداء في كل يوم تقريبًا والشهداء لهم عندنا مقام كبير جدًا وتبنى الكنائس على أسمائهم والأديرة أيضًا على أسمائهم وخصوصًا أديرة الراهبات دير أبو سيفين على اسم الشهيد مارقوريوس أبو سيفين ودير الأمير تادرس على اسم الشهيد الأمير تادرس ودير مارجرجس في مصر القديمة ودير مارجرجس في حارة زويلة ودير القديسة دميانة على اسم الشهيدة دميانة كلها أديرة على أسماء شهداء فنحن نحب الشهداء ونحتفظ بأيقوناتهم ونقدس رفات أجسادهم ونسمي الكنائس بأسمائهم. استفانوس أول الشهداء:- والاستشهاد في الكنيسة بدأ من أول نشأة الكنيسة آخر شهيد في العهد القديم هو يوحنا المعمدان وأول شهيد في العهد الجديد هو استفانوس الشماس واستفانوس الشماس نضع اسمه في المجمع قبل الآباء البطاركة. وقبل كثير من الرسل. الاستشهاد بدأ باستفانوس واستمر على مر الأيام:- والاستشهاد بدأ في الكنيسة في العهد الجديد، من أول استفانوس واستمر على مدى العصور المختلفة. جميع الآباء الرسل أنهوا حياتهم بالاستشهاد ما عدا يوحنا الحبيب الذي تعذب عذابات فوق الوصف ولكنه لم يستشهد. الاستشهاد اكليل:- تصوروا محبة يسوع المسيح ليوحنا المعمدان عندما قال عنه في متى 11 "لم تلد النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان"، ونص الآية هو: "لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ" (إنجيل متى 11: 11) ومع ذلك أكرمه إكرامًا آخر بأن يكون شهيدًا كان يستطيع أن ينقذه بالموت ولكنه أعطى له بركة أن يكون شهيد الاستشهاد شمل الكل وليس الرسل فقط الاستشهاد شمل حتى من كانوا أعداء للمسيحية:- لونجينوس الشهيد:- والاستشهاد شمل الأعداء أيضًا فلونجينوس الذي طعن المسيح بالحربة صار شهيدًا في المسيحية وله يوم في السنكسار نذكره فيه cuna[arion. الشيهد أريانوس والي أنصنا:- وأريانوس الذي كان أقسى ولاة مصر في عهد دقلديانوس، فقد كانوا عندما يحتاروا في شخص مسيحي يسلموه لأريانوس أريانوس هذا حدثت له معجزة وصار شهيدًا ونقول في الكنيسة ونقول في السنكسار في مثل هذا اليوم تعيد الكنيسة لتذكار القديس أريانوس والي أنصنا. الاستشهاد شمل النساء والأطفال أيضًا:- والاستشهاد شمل أيضًا الأطفال والنساء. وليس فقط الرجال نسمع عن الأم دولاجي وأولادها ونسمع عن الشهيدة يوليطا وابنها الشهيد قرياقوس ونسمع عن الطفل أبانوب الاستشهاد شمل الكل وليس الرسل فقط. الاستشهاد صار شهوة المؤمنين:- الاستشهاد صار شهوة في وقت من الأوقات (شهوة الموت على اسم المسيح) فكانت طريقة تفكير المؤمنين هي: ما المشكلة في ضربة سيف ثم أجد نفسي في الملكوت مع المسيح؟! فهذا هو أقصر وأضمن الطرق المؤدية للسماء لذلك في أقوال الآباء نجد كتب كثيرة موضوعها "الحث على الاستشهاد"أصبح الاستشهاد شهوة كما قال بولس الرسول: "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 1: 23). تاريخ الكنيسة هو تاريخ الشهداء:- ووجدنا تاريخ الكنيسة هو تاريخ الاستشهاد بدءًا من العصر الروماني الأول والاستشهاد الذي تم على يد نيرون والذي استشهد في عصره بطرس وبولس إلى أواخر العصر الروماني في أيام دقلديانوس واستمر الأمر إلى سنة 313 م (هذا التاريخ هام يجب أن نحفظه جميعًا)، ففي سنة 313 م صدر قانون من قسطنطين الملك بالحرية الدينية ولكن مع ذلك ومع الحرية الدينية استمر الاستشهاد والإرهاب الديني حتى بعد مجمع خلقيدونية. وكثير من الآباء استشهدوا من اخوتهم المسيحيين المخالفين لهم في المذهب والسيد المسيح لم يقل لتلاميذه أنهم عندما يؤمنوا به سيسيروا في طريق مفروش بالورود، بل قال لهم: "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ" (إنجيل يوحنا 16: 33) وأيضًا في يوحنا الإصحاح السادس عشر قال لهم: "تأتي ساعة وأتت الآن يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" وفي بعض الترجمات "يقدم قربان لله"، ونص الآية هو: "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ" (إنجيل يوحنا 16: 2). القديس الشهيد يوليوس الأقفهصي:- ولأن الاستشهاد يعتبر بركة نحن نشكر القديس يوليوس الأقفهصي الذي كان يكتب أسماء الشهداء وسيرتهم ويجمع أجسادهم كان رجلًا قديسًا وحفظ لنا تاريخًا عظيمًا جدًا. الشهداء هم أعظم القديسين:- الشهداء هم من أعظم القديسين. أعظم من الرهبنة وأعظم من الكهنوت. لماذا؟ لأن السيد المسيح يقول "لا يوجد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه عن أحبائه"، ونص الآية هو: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ" (إنجيل يوحنا 15: 13) والشهيد وضع نفسه عن إيمانه وبذلك يكون قدم أعظم حب كل إنسان يجاهد ولكنه قد لا يصل للاستشهاد. فالاستشهاد هو أقصى جهاد يمكن أن يصل إليه المؤمن والاستشهاد أيضًا كان يسبقه عذابات كثيرة ولكن الله كان يعطي الشهداء القوة على الاحتمال حتى يوصلهم إلى أن يقدموا أنفسهم بسلام. الاستشهاد دليل عمق الإيمان وعمق المحبة لله:- الاستشهاد يدل على عمق المحبة لله. المحبة التي يبذل فيها الإنسان نفسه والاستشهاد يدل على عمق الإيمان. وعمق الإيمان بالحياة الأخرى لأن لولا الإيمان بالله والحياة الأخرى ما كان الإنسان يبذل حياته والاستشهاد هو شهادة للدين، وهو أيضًا قدوة لكل الأجيال التي تبعت عصور الشهداء. الكنيسة تعد أولادها للإستشهاد:- الكنيسة أعدت أولادها الشهداء أعدتهم بالإيمان الثابت وأعدتهم بمجموعة من المدافعين عن الإيمان apologists، الذين كانوا يدافعوا عن الإيمان ويردوا على كل كلام الوثنيين ضد الإيمان المسيحي وأعدتهم أيضًا بالزهد في العالم وعبارة "لا تحبوا العالم وكل ما في العالم"، ونص الآية هو: "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 15)وأعدتهم بعبارة ماران آثا Maranath (اليونانية: μαραν αθα)، أي الرب آت (ماران تعني ربنا وآثا تعني آت) والكنيسة أيضًا شجعتهم بالاهتمام بعائلاتهم"أريد أن الجميع يكون بلا هم" نقطة هامة أريد أن تعرفوها هي:- عندما تكلم بولس الرسول عن عدم الزواج وقال: "أريد أن الجميع يكون بلا هم" لم يكن يقصد بكلمة "بلا هم" معنى "بلا زواج"، بل كان يقصد أن المتزوج – وخاصة أنه كان يتكلم وهو في العصر الروماني- صعب عليه أن يدخل في حياة الاستشهاد لأنه يفكر في مصير امرأته وأولاده، أي أنه يحمل هم امرأته وأولاده فبولس الرسول عندما يقول "بلا هم" يقصد بها "أنه حتى إذا جاءت ساعة الاستشهاد لا يكون لديكم من تحملوا هم مصيره". نفسية الشهيد:- وعصر الاستشهاد قد انتهى والقديس أوغسطينوس تعرض لهذه النقطة حيث قال: "نفرض أن شخص يريد أن يصبح شهيد وقد انتهى عصر الاستشهاد فماذا يفعل". قال: "الذي له نفسية الشهيد يعتبر من الشهداء حتى لو لم يستشهد" أي له نفسية الشهيد الذي لديه الاستعداد أن يبذل حياته. والذي لديه الإيمان القوي والثقة بالله. والذي عنده محبة العالم الآخر والإيمان به. الكنيسة تقوت بالاستشهاد:- وأريد أن أقول أن الاستشهاد لم يضعف الكنيسة بل قوى الكنيسة لذلك نقول أن الكنيسة بنيت على الدم وعلى الصمود وليس مجرد حياة رعوية فقط. كيف نستفيد من عيد النيروز/عيد الشهداء؟ أما الآن ونحن في عيد الشهداء فليتنا نفكر ماذا نستفيد من عيد النيروز في حياتنا نحن نقول أننا أبناء الشهداء. فكيف تكون لنا نفسية الشهداء الذين هم آبائنا؟ كيف يكون لنا نفس مشاعرهم ونفس إيمانهم؟ في بداية عام جديد للشهداء ليت كل واحد منا يفكر كيف يبدأ هذا العيد بداية طيبة. على الأقل يكتسب فضيلة تنمو معه ويدرب نفسه عليها طوال العام. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
07 نوفمبر 2018

الشهوة: أنواعها وخطورتها

الشهوة هي أصل وبداية خطايا كثيرة فالزنى يبدأ أولًا بشهوة الجسد والسرقة تبدأ بشهوة الاقتناء أو شهوة المال والكذب يبدأ بشهوة في تبرير الذات أو في تدبير شيء ما والقتل يبدأ بشهوة الانتقام أو بشهوة أخرى تدفع إليه فإن حارب إنسان شهواته الخاطئة وانتصر عليها، يكون قد انتصر على خطايا عديدةهنا وتحضرني عبارة عميقة في معناها، قالها مرة الأستاذ مكرم عبيد، وهى: افرحوا لا لشهوة نلتموها، بل لشهوة أذللتموها من أكثر العيوب أن يقال عن شخص ما إنه "شهواني" أي أنه يقاد بواسطة شهواته، وليس بضميره أو عقله والشهوة إن بدأت، لا تستريح حتى تكمل. وما دام الأمر هكذا، فالهروب منها أفضل. فلماذا تدخل معها في صراع أو في نقاش؟! إنك كلما أعطيتها مكانًا في ذهنك، أو تهاونت معها واتصلت بها، حينئذ تقوى عليك، وتتحول من مرحلة الاتصال، إلى الانفعال، إلى الاشتعال، إلى الاكتمال. وتجد نفسك قد سقطت فتتدرج من التفكير فيها إلى التعلق بها، إلى الانقياد لها، إلى التنفيذ، إلى التكرار، إلى الاستعباد لها. وقد يلجأ الشخص إلى طرق خاطئة لتحقيق شهواته: إلى الكذب أو الخداع أو الاحتيال وربما إلى أكثر من هذاوقد يظن البعض -إذا ما أرهقته أفكار شهوة ما- إنه إذا ما أكملها بالفعل، سيستريح من أفكارها الضاغطة!! كلا، فهذا خداع للنفس فإن الشهوة لا يمكن أن تشبع... وكلما يمارس الإنسان الشهوة، يجد فيها لذة. واللذة تدعوه إلى إعادة الممارسة. والقصة لا تنتهي إن إشباع الشهوة لا ينقذ الإنسان منها، بل يزيدها إنسان مثلًا يشتهى المال. وكلما يجمع مالًا يشتاق إلى مال أكثر. وموظف طموح يشتهى الترقي. فكلما يصل إلى درجة يشتهى درجة أعلى. ويعيش طول عمره في جحيم الشهوات التي لا تنتهي، ولا يشبعه شيء وصدق سليمان الحكيم حينما قال: "العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع. كل الأنهار تجرى إلى البحر، والبحر ليس بملآن"فلا تظن إذن أن الإشباع ينقذك من الشهوة. لأنه لا ينقذك منها سوى ضبط النفس، والهروب. سواء الشهوة التي تأتيك من الحواس أو من الفكر والقلب، أو التي تأتيك من الغيروقد يعالج الإنسان شهوة رديئة، بأن يجعل شهوة مقدسة تحل محلها. فالجسد يشتهى ضد الروح، والروح تشتهى ضد الجسد. الجسد قد يشتهى الخطية، والروح تشتهى حياة البر والفضيلة. فإن أشبعت الروح فيما تشتهيه، حينئذ تنجو من شهوات الجسد ما أجمل ما قاله أحد الروحيين عن التوبة، "إنها استبدال شهوة بشهوة". فبدلًا من شهوة الخطيئة، تحل محلها شهوة الفضيلة والقرب إلى الله. وأيضًا شهوة الكرامة والعظمة والعلو، يمكن أن تعالجها شهوة الاتضاع. وشهوة الضجيج تحل محلها محبة الهدوء. وهكذا دواليك من الأساطير التي تقال عن بوذا Buddha مؤسس الديانة البوذية إنه جلس في يوم ما تحت شجرة المعرفة. فعرف أن كل الناس يبحثون عن السعادة، وأن الذي يريد السعادة عليه أن يتخلص من الشقاء. ووجد أن للشقاء سبب واحد، وهو وجود رغبة أو شهوة لم تتحقق. وهكذا علّم الناس أن يبتعدوا عن الشهوات والرغبات لكي يعيشوا سعداء على أن تعليم بوذا هذا، غير ممكن عمليًا. لأنه من المستحيل أن يعيش إنسان بدون أية رغبة أو شهوة. إنما الحل المعقول أن تكون له رغبات وشهوات غير ضارة، أو هي تتفق من وصايا الله ذلك لأن هناك شهوات مؤذية ومدمرة. ولعل في أولها شهوة الشيطان في أن يدمر حياة البر مع جميع الأبرار وأعوانه يفعلون مثله إن الذي يدمن المخدرات، إنما بشهوة الإدمان يدمر نفسه، وقد يؤذى غيره أيضًا. والذي يقع في شهوة الخمر والمسكر، بلا شك يدمر معنوياته وكرامته. والذي تسيطر عليه شهوة الزنى، يدمر عفته وأخلاقياته، ويدمر أيضًا من يشاركه في الخطيئة أو من يكون فريسة له وشهوة الحقد أيضًا شهوة مدمرة، وكذلك شهوة الانتقام. وجميع الشهوات التي يقع فيها البشر، تدمرهم خلقيًا واجتماعيًا. وإن لم يحسوا هذا التدمير على الأرض، فإن شهواتهم ستدمر مصيرهم الأبدي إن الشيطان حينما يقدم للإنسان شهوة تشبعه، فإنه لا يفعل ذلك مجانًا أو بدون مقابل!! إنما في مقابل تلك الشهوة، يسلب روحياته منه، ويسلب إرادته، ويضيّع مستقبله في الأرض والسماء. لذلك علينا أن نهرب من شهواته ومن إغراءاته، واضعين في أذهاننا نتائجها وأضرارها والشهوات التي بها يضر الإنسان غيره، عليه أن يضع أمامه احترام حقوق الغير، وسمعته، وعفته. ويقول لنفسه: واجبي هو أن أنفع غيري. فإن لم أقدر على منفعته، فعلى الأقل لا أضره أما الشهوات التي يضر بها نفسه، فعليه أن يتمسك بكل القيم والمثاليات شاعرًا أن الخضوع لأية شهوة إنما هو ضعف لا يليق بمن يحترم شخصيته، ويرتفع بها عن مستوى الدنايا والشهوات الخاطئة ليس من نتائجها فقط أن يضر الإنسان نفسه، أو أن يضره غيره، إنما هي أيضًا تفصل الشخص عن الحياة مع الله، وتدفعه إلى كسر وصاياه. وهذا أمر خطير لذلك نصيحتي لك: اسلك ايجابيًا في حياة النزاهة والعفة. عالمًا أن الإيجابيات تنجيك من السلبيات. وأيضًا اعرف ما هي المصادر التي تجلب لك الشهوة بكافة أنواعها، وتجنبها... فهذا أصلح بكثير من تترك الباب مفتوحًا فتدخل منه الشهوة، ثم تقاومها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 يوليو 2019

خدمة الذين ليس لهم أحد يذكرهم

في صلاة تحليل نصف الليل للآباء الكهنة طلبة عميقة جداً و مؤثرة في معناها و هي : " اذكر يا رب العاجزين و المنقطعين و الذين ليس لهم أحد يذكرهم " نعم ، هؤلاء الذين لم يجدوا أحداً يهتم بهم ، و لا حتي يذكرهم في صلاته هؤلاء الذين أهملهم الكل ، و ربما قد نسوهم أيضاً . لا شك ، أنه يوجد أشخاص لا يحس أحد بالآمهم ، و لا باحتياجاتهم ، و لا بضياعهم . كأنهم ليسوا أعضاء في جسد الكنيسة . و لعله تنطبق عليهم تلك الأبيات التي وردت في قصيدة " النجم " : أنا ملقي في ضلالي ليس من أسقف يرعي و لا من مفتقد فطريقي في ظلام دامس قد ضللت الله دهراً لم أجد ذلك الهادي الذي يهدي يدي يذكرنا بهذا النوع أيضاً مريض بيت حسدا الذي قضي في مرضه 38 سنة دون معونة من أحد . قال للسيد المسيح عن حالته " ليس لي إنسان يلقيني في البركة " ( يو 5: 7 ) . إنها خدمة جميلة أن نخدم تلك النفوس المسكينة المحتاجة ، التي لا تجد من يهتم بها و يفتقدها . 1- الأحياء غير المخدومة:- هناك أحياء توجد فيها كنائس تخدمها ، و يوجد فيها اَباء كهنة روحيون و نشطاء يقومون بإفتقاد كل بيت ، و كل أسرة و كل فرد زو يعرفون كيف يوفرون الخدمة اللازمة لكل أحد ، يحلون الإشكالات ، و يتلقون الإعترافات ،و يحيطون ابناءهم بجو روحي إنها أحياء مخدومة . و لكن ماذا نقول عن الأحياء و المدن و القري غير المخدومة ، التي لا تجد أحداً يذكرها ؟! و ماذا نقول عن الخدام الذين يفضلون أن يرسموا كهنة علي المدن الكبيرة و الأحياء المخدومة ، و يرفضون القرى و الأحياء المحتاجة إلي خدمة ؟! هل هذا هو أسلوب السيد المسيح ، الذي كان يترك التسعة و التسعين ، و بحث عن الواحد الضال المحتاج إلي خدمة ؟! نعم إنه الراعي الصالح ، الذي كان " يطوف المدن و القري كلها ، يعلم في مجامعها و يكرز ببشارة الملكوت ، و يشفي كل مرض و كل ضعف في الشعب " ( مت 9 : 35 ) نعم إنه المعلم الصالح الذي قال لتلاميذه : " لنذهب إلي القري المجاورة لأكرز هناك ، لأني لهذا خرجت " ( مر 1 : 28 ) . إن الذي يفضل بهرجة المدينة علي حاجة القرية ، إنما هو يفكر في ذاته ، بطريقة علمانية ،و لا يفكر في إحتياج الآخرين و خدمتهم ! و نفس هذا الكلام نقوله عن : 2- خدمة أولاد الشوارع:- اذكر أن هذا الأمر قد هز عاطفتي جداً في الأربعينات ، و أنا خادم و قلت في ذلك الوقت لزملائي : إننا نخدم الأطفال الذين في المدارس ، و الذين يلبسون ملابس نظيفة ، و ننسي خدمة الأولاد " الغلابة " . و أتذكر إنني وقتذاك جمعت لنفسي فصلاً جديداً لخدمته و كان فصلي هذا من أولاد الشوارع ، و من بائعي الليمون ، و ماسحي الأحذية ،و أطفال اَخرين يقفزون علي الشمال في الترام ، و أحياناً يقذفون الجمعية بالطوب . و اهتممت بهؤلاء الأولاد روحياً ، و كنت أحبهم جداًو شاءت الظروف أن أنتقل إلي خدمة في منطقة أخري و هي أحد الأيام و أنا سائر بالقرب من " حكر عزت " قفز أحد الصبيان الصغار من محل ماسح أحذية و جري نحوي يسلم علي في محبة و هو يقول " أنا تلميذك " اذكر هذه القصة فتنفعل مشاعري في داخلي . ما أحوج هؤلاء إلي الفتات الساقط من خدمتك بينما اَخرون متخمون بخدمات مركزة !! إن الذين يعيشون في الحواري و الأزقة و القري ، هم يحتاجون أكثر فالذي يسكن في الشارع الكبير قد يجد كثيرين يخدمونه ، أما الذي يسكن في " العطفة " ، , الدرب ، و الزقاق ، فربما يكون من الذين ليس لهم أحد يذكرهم لذلك ما أجمل ما فعله أخوتنا الذين كرسوا جهودهم لخدمة أحياء الزبالين ،و بعض الأحياء الشعبية الأخرى في القاهرة . و ما أجمل الذين يجمعون الأطفال الفقراء من الطرقات ، و أولاد الصناع و العمال و الكنائس و الذين لا عمل لهم و يوصلون إليهم كلمة الله التي يوصلوها إلي أولاد الأغنياء جميلة تلك العبارة التي وردت في الدسقولية عن الراعي أنه يجب أن " يهتم بكل أحد ليخلصه " لذلك سررت لما قال لي أحد الآباء الكهنة إنه سيقيم قداساً كل يوم إثنين فسألته لماذا ؟ فقال " من أجل الحلاقين و أصحاب وظائف أخري عطلتهم هي في هذا اليوم . و آخرون من أصحاب النوبتجيات لا يجدون فراغاً إلا في يوم معين . و من المفروض في الكنيسة أن توفر الرعاية لكل أحد و من بين هؤلاء ، نذكر : خدمة الشباب النحرف:- إننا – للأسف الشديد – نهتم فقط بالشباب الذي يأتي إلينا في الكنيسة في إجتماعات الشبان ، أو مدارس التربية الكنسية ، أو في الأنشطة و الخدمات و نكتفي بهذا . و يندر أن تكون لنا خدمة وسط الشباب الذي يتسكع في الطرقات ، أو يضيع وقته في الملاهي و في المقاهي و الذي يدل شكله ولبسه و حديثه علي أنه بعيد تماماً عن الكنيسة . أمثال هذا الشباب ، هو من النوع الذي ليس له أحد يذكره ، بل بالأكثر قد يوجد متدينون يحتقرونه و يرفضون حتى الحديث معه كيف يخلص هؤلاء إذن ؟ أليسوا هم أيضاً محتاجين إلي رعاية ؟! إن الأسقف حينما يرسم علي إيبارشية ، إنما يرسم عليها كلها ، و ليس سيامته من أجل الصالحين فيها فقط ، المترددين علي الكنيسة ن إنما من أجل الكل . عمله أن يطلب و يخلص ما قد هلك 0 لو 19 : 10 ) كما فعل سيده و تحت عنوان ط ما قد هلك " ، تدخل فئات كثيرة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم : طلبة شطبهم خدام التربية الكنسية من قوائمهم لكثرة غيابهم . و عائلات أعتبرها الآباء الكهنة أنها ليست من أولاد الكنسية بسبب سلوكها . ألوان عديدة من المنحرفين الذين يفضل كل الخدام البعد عنهم خوفاً ، أو حرصاً أو عجزاً ، أو ياساً ...! ليس لهم أحد يذكرهم . ما أخطر أن يوجد إنسان ، تيأس منه الكنيسة ، أو تنساه ، أو تتجاهله أو تحتقره ، أو تطرده ، أو تعتبره من أهل العالم ! نتحدث عن نوع اَخر من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و هو : المنسيون فى الإفتقاد:- قد توجد عائلات في السكندرية أو في القاهرة ،تمر عليها سنوات عديدة لا يزروها أحد من الآباء الكهنة . و لا تهتم الكنسية بهؤلاء ، إلي أن يهتم بهم الشيطان و يفتقدهم ! و حينئذ تبدأ الكنيسة تتعرف إلي أحدهم في قضية طلاق ، أو في حادث إرتداد. و كان السبب في كل هذا ن أن هؤلاء ليس لهم أحد يذكرهم ، مع أنهم ليسوا في قري فقيرة أو نائية ، و إنما هم في القلب العاصمة ! نحن أحياناً لا نهتم بالحالة ، إلا بعد أن تصل غلي أسوأ درجاتها و لو ذكرناها في بادئ الأمر ، ما كنا نحزن في نهايته لست اقصد بالذين ليس لهم أحد يذكرهم ، المحتاجين إلي الرعاية في مجاهل أفريقيا ، أو الهنود الحمر في أمريكا ن مع حاجة كل هؤلاء بلا شك !إنما اقصد " الهنود الحمر ط في قلب العاصمة ، أو في قلب المدينة العامرة و ربما قريباً من الكنيسة ! إن التخصص في خدمة " الضالين " أمر لازم في الرعاية بلا شك كانت المرأة السامرية واحدة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و كذلك زكا العشار ، و متي العشار ، و آخرون و قد قال السيد المسيح " لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي " . فهل يمكن أن يتخصص بعض الخدام في مثل هذه الخدمة ؟ هناك نوع من الخدام كنا نسميهم " خدام الحالات الصعبة " . الحالات الصعبة :- كانوا يذهبون إلي الحالات التي تبدو معقدة ، التي وصلت إلي أسوأ درجاتها . و مع ذلك لم يفقد الخادم الأمل منها . الحالات التي قد لا تقبل الخدام و قد تطردهم ، أو التي لا تقبل كلاماً و لا إقناعاً ، و تصل إلي لون من الإصرار و العناد يدفع إلي اليأس هذه الحالات بالنسبة إلي كنائس أخري ، كانوا يتركونها يائسين ، و ينفضون أيديهم منها ، و تبقي ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم أما خدام الحالات الصعبة ، فكانوا يفتقدون هذه الحالات ، ولو في آخر رمق ، و هم متالمون لأن الحالة لم تكن قد افتقدت منذ البدء إن الخدمة الصعبة لها اجر أكبر عند الله ن لن الخادم يتعب فيها ن و الله لا ينسي تعب المحبة دعوة يوسف الرامي لخدمة السيد المسيح أمر سهل ن و لكن من الصعب أن تدعو رجلاً كزكا . فرق بين أن تدعو إنساناً كيوحنا الحبيب إلي إجتماع ، أن تدعو اَخر كشاول الطرسوسي سهل ان تفتقد العائلات المنحلة و التعب في حل مشاكلها و مصالحة المتخاصمين فيها إن الأجر الكبير ليس لمن يزرع الأرض الجيدة ن إنما لمن يستصلح الأراضي البور و الأراضي المالحة ، و يحولها إلي أرض زراعية جيدة . فتلك الأراضي البور ربما كانت لمدة طويلة من النوع الذي ليس له أحد يذكره بسبب صعوبة العمل فيها . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
14 نوفمبر 2018

المال الحرام في التجارة والمعاملات

اليوم نتكلم عنه في مجال التجارة، حيث يرى البعض أنه لون من المهارة والفن للوصول إلى أكبر ربح ممكن... ومن أمثلته: المال الحرام عن طريق الغش: كأن يبيع أحدهم شيئًا به تلف على أنه شيء سليم، مستغلًا عدم اكتشاف الشاري للعيب الموجود في تلك البضاعة! ما أنبل البائع الذي بكل أمانة يكشف العيب الموجود في بضاعته وينبّه له المشترى. حينئذ سوف تسمو منزلته في أعين من يريد أن يشترى، ويثق به. ولكن قد يقول البعض عن هذا البائع إنه سوف لا يبيع. كلا، إنه سيبيع ولكن بثمن أقل يتناسب مع العيب الموجود في البضاعة. ولكنه مال حلال فيه بركة ومن الغش أيضًا أن يبيع التاجر شيئًا بغير اسمه. كأن يبيع حلى زائفة على أنها حقيقية، أو قطع آثار مغشوشة كما لو كانت أثرية.. وأمثال هذا الغش هو سرقة ممزوجة بالكذب، يزيدها بشاعة ما يحيطها به من فنون الدعاية ومن الغش الواضح الصريح غش المكاييل والمقاييس، وهو غش -لا في نوع البضاعة وجودتها- إنما في مقدارها وكميتها. ويكون الثمن الذي يتقاضاه من فارق الكمية هو مال حرام وأخطر ما في الغش عمومًا هو الغش في الأدوية وبخاصة ما تتوقف عليه حياة الإنسان أو سلامته. وهذا النوع من الغش، يجب أن تشتد فيه عقوبة القوانين لكي تكون رادعة. لأن جريمته ليست مجرد المال الحرام، إنما الاستهانة بأعمار الناس أو سلامتهم. هناك أيضًا مال حرام عن طريق الجشع ورفع الأسعار: فرفع الأسعار بطريقة غير معقولة ولا مقبولة، يدخل في نطاق السرقة، لأنه ابتزاز لمال المشترى... إن الله يسمح للتاجر أن يربح في حدود المعقول. أما الربح الفاحش الذي يتضح فيه الجشع، فإنه خالٍ من الرحمة ، وكله أنانية ولا يوجد دين أو عرف يقرّه وقد يحدث الابتزاز عن طريق الاحتكار: بأن يكون أحد التجار هو الصانع الوحيد، أو المستورد الوحيد لذلك الصنف، أو يكون المتعهد الوحيد لبيعه. وعندئذ يفرض أسعارًا باهظة، مستغلًا حاجة المشترين. فينهب أموالهم، إذ يشترون منه وهم كارهون ومضطرون ومن أمثلة ذلك ما يسمونه بالسوق السوداء. وذلك بأن يخزن البائع عنده البضاعة حتى تنفذ من السوق، وقد يشترى هو ما تبقى منها، ويظل يخزن إلى أن تخلو منها باقي الأماكن. عندئذ يكشف عن وجودها عنده، ويفرض سعرًا خياليًا لبيعها. ويستغل احتياج المشترين لكي يبتز أموالهم. هذا التلاعب بالسوق مصدر للمال الحرام. وتكون الزيادة الفاحشة في السعر مالًا حرامًا يدخل بيته فيتلفه ومما يدخل في التلاعب بالأسواق، ما يفعله التجار في المضاربات إذ يرفعون الأسعار تارة ويخفضونها تارة أخرى. وفي أثناء ذلك، يضيع كثير من التجار الصغار، وتبتز أموالهم لصالح المضاربين الكبارومما يندمج تحت عنوان المال الحرام: المشروعات الاقتصادية الوهمية وكذلك الرحلات الوهمية إلى بلاد الغرب أو إلى بلاد الخليج العربى، حيث تجمع أموال الناس بألوان من الدعاية والإغراء والوعود المعسولة ثم يكتشفون بعد كل ذلك إنها أنواع من النصب لسلب الأموال. هناك مال حرام آخر يحصل عليه المشترى وليس البائع وذلك عن طريق التشدد الزائد في السعر، وبخاصة مع الباعة الفقراء. ففي بعض الأحيان يكون البائع الفقير محتاجًا إلى بيع بضاعته بأي ثمن كان: من أجل أن يحصل على قوته الضروري، أو من أجل علاج مرض أحد أقربائه، أو بسبب أية ضرورة ملزمة، فيضطر أن يبيع ما عنده سواء ربح أو خسر. وهنا يستغل المشترى حاجة البائع، فيفرض عليه ثمنًا لا يتفق مطلقًا مع قيمة ما يشتريه منه. فيرضى ذلك بأن يبيع مضطرًا. ويكون ما ظلمه فيه المشترى هو مال حرام أليس حقًا أن كثيرًا من المساومات مع الباعة الفقراء تدل على قساوة قلب المشترى وجشعه؟! لذلك قيل إن "الحسنة المُخفاة تكون في البيع والشراء"إن البائع الفقير يستحق صدقة منك، حتى دون أن تأخذ منه شيئًا. فلا أقل من أن تمنحه هذه الصدقة عن طريق الشراء بدون أن تجرح شعوره. وثق أن دعاء البائع الفقير لك هو أثمن من فارق السعرهناك أنواع أخرى من مصادر المال الحرام، منها التسخير، والأجر البخس. كأن يسخّر شخصًا إنسانًا آخر، لكي يعمل لأجله عملًا من غير أن يدفع له أجرًا. أو أن يستأجره بأجر بخس دون الكفاف. ويكون بهذا قد سلبه أجرته، وسرق تعبه وعرقه. وينطبق هذا على كل الشركات والمصانع التي لا تعطى عمالها وموظفيها ما يكفيهم من الأجر لسداد تكاليف سكنهم وطعامهم وباقي مصروفاتهم ومصروفات أولادهم. ويكون جزء من الأرباح الكبيرة التي يحصل عليها أصحاب تلك الشركات والمصانع عبارة عن مال حرام مأخوذ من حقوق عمالها الفقراء كذلك يشمل هذا الأمر، تعطيل الحقوق أو إضاعتها، مثل تأخير علاوة موظف، أو تأخير ترقيته، أو حرمانه من أجر إضافي يستحقه... أو خصم جزء من مرتب الموظف كعقوبة بدون وجه حق ومن أمثلة المال الحرام، ما يفعله مأمور ضرائب غير عادل فإنه إن قدّر ضرائب على إنسان أكثر مما يجب، ويكون قد سلب منه ماله مجاملة للدولة. وإن قدّر عليه ضرائب أقل مما يجب، يكون قد سلب الدولة مالها. مع أنه في الحالتين لا يكون قد أخذ شيئًا لنفسه كذلك فإن القمار هو مصدر آخر من المال الحرام. فإن ما يربحه شخص من آخر عن طريق القمار، هو مال حرام قد أخذه بطريقة غير مشروعة. وكذلك من مصادر المال الحرام: الألعاب التي يخدعون بها الصبية والبسطاء، وتعتمد في السرقة على خفة اليد. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
24 فبراير 2021

تأملات في سفر يونان النبي

إن سفر يونان النبي مملوء بالتأملات الروحية الجميلة ، نعرض لهذا السفر من الناحية الروحية البحتة وليس من جهة الجدل اللاهوتي سبيلنا هو الاستفادة وليس النقاش. نريد أن نأخذ من هذا السفر الجميل دروسا نافعة لحياتنا، نستفيد من عمل الله ، ومن فضائل الناس ، ومن أخطائهم وما أجمل ما فعلته الكنيسة إذ اختارت هذا السفر ليكون مقدمة للصوم الكبير ، يسبقه بأسبوعين ، بقصة جميلة للتوبة ، وللصوم حتى نستقبل أيام الأربعين المقدسة بقلب نقى ملتصق بالرب والعجيب أن كثيرين من الذين يدرسون سفر يونان ، يركزون على أهل نينوى وصومهم وينسون ركاب السفينة ، وينسون يونان النبي ومشكلته . فماذا كانت مشكلة يونان ؟ مشكلة يونان إن الله في سفر يونان النبي، يريد أن يعرّفنا حقيقة هامة هي أن الأنبياء ليسوا من طبيعة أخرى غير طبيعتنا ، بل هم أشخاص "تحت الآلام مثلنا" يع 5 : 17.. لهم ضعفاتهم ولهم نقائصهم وعيوبهم، ومن الممكن أن يسقطوا كما نسقط . كل ما في الأمر أن نعمة الله عملت فيهم، وأعطتهم قوة ليست هي قوتهم وإنما هي قوة الروح القدس العامل في ضعفهم ، لكي يكون فضل القوة لله وليس لنا كما يقول الرسول ( 2 كو 4 : 7 )وقد كان يونان النبي من "ضعفاء العالم" الذين اختارهم الرب ليخزي بهم الأقوياء ( 1 كو 1 : 27 ) . كانت له عيوبه، وكانت له فضائله. وقد اختاره الرب على الرغم من عيوبه، وعمل به، وعمل فيه، وعمل معه.. وأقامه نبيا قديسا عظيما لا نستحق التراب الذي يدوسه بقدميه؛ لكي يرينا بهذا أيضا أنه يمكن أن يعمل معنا ويستخدم ضعفنا، كما عمل مع يونان من قبل.. سقطات فى هروب يونان:- سنرى بعضا من ضعف يونان في موقفه من دعوة الرب.. يقول الكتاب : "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلا: قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، ونادِ عليها، لأنه قد صعد شرهم أمامي. فقام يونان ليخرج إلى ترشيش من وجه الرب، فنزل إلى يافا، فوجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش، فدفع أجرتها، ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه الرب"وهنا نرى يونان النبي وقد سقط في عدة أخطاء.. كانت السقطة الأولى له هي المخالفة والعصيان:- لم يستطع أن يطيع الرب في هذا الأمر، وهو النبي الذي ليس له عمل سوى أن يدعو الناس إلى طاعة الرب . عندما نقع في المخالفة ، يجدر بنا أن نشفق على المخالفين . واضعين أمامنا قول الرسول: "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون أيضا مثلهم .." ( عب 13 : 3 ) على أن سقطة المخالفة التي وقع فيها يونان، كانت تخفي وراءها سقطة أخرى أصعب وأشد هي الكبرياء ممثلة في الاعتزاز بكلمته، وترفعه عن أن يقول كلمة وتسقط إلى الأرض ولا تنفذ كان اعتزازه بكلمته هو السبب الذي دفعه إلى العصيان، وحقا إن خطية يمكن أن تقود إلى خطية أخرى، في سلسلة متلاحمة الحلقات.. كان يونان يعلم أن الله رحيم ورؤوف، وأنه لا بد سيعفو عن هذه المدينة إذا تابت. وهنا سبب المشكلة! وماذا يضيرك يا يونان في أن يكون الله رحيما ويعفو؟ يضيرني الشيء الكثير : سأقول للناس كلمة، وكلمتي ستنزل إلى الأرض!.. إلى هذا الحد كان يونان متمركزا حول ذاته! من يستطع أن ينكر ذاته في سبيل خلاص الناس. كانت هيبته وكرامته وكلمته، أهم عنده من خلاص مدينة بأكملها..! كان لا مانع عنده من أن يعمل مع الرب، على شرط أن يحافظ له الرب على كرامته وعلى هيبة كلمته.. من أجل هذا هرب من وجه الرب، ولم يقبل القيام بتلك المهمة التي تهز كبرياءه وكان صريحا مع الرب في كشف ما بداخل القلب، إذ قال لله فيما بعد عندما عاتبه: وكان هرب يونان من وجه الرب يحمل في ثناياه خطية أخرى هي الجهل وعدم الإيمان.. هذا الذي يهرب من الرب، إلى أين يهرب، والرب موجود في كل مكان؟!صدق داود النبي حينما قال للرب: " أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟.. ( مز 139 : 7 – 10 ).. أما يونان فكان مثل جده آدم الذي ظن أنه يختفي من وجه الرب وراء الشجر.. حقا إن الخطية تطفئ في الإنسان نور المعرفة، وتنسيه حتى البديهيات! وجد يونان في يافا سفينة ذاهبة إلى ترشيش، فدفع أجرتها، ونزل فيها.. العجيب أن الخطيئة كلفته مالا وجهدا. دفع أجرة للسفينة ليكمل خطيته.. أما النعمة فننالها مجانا.. عندما دفع يونان أجرة السفينة خسر خسارة مزدوجة: خسر ماله، وخسر أيضا طاعته ونقاوته العجيب أن الله استخدم عصيان يونان للخير. حقا إن الله يمكنه أن يستخدم كل شيء لمجد اسمه.. اللــه يستخدم الكل!! لقد عصى يونان أمر الرب، وهرب راكبا السفينة، ولكن الله الذي "يخرج من الآكل أكلا ومن الجافي حلاوة" ( قض 14 : 14 )، الله الذي يستطيع أن يحول الشر إلى خير، استطاع أيضا أن يستخدم عصيان يونان.. إن كان بسبب طاعة يونان يمكن أن يخلص أهل نينوى، فإنه بعصيان يونان يمكن أن يخلص أهل السفينة!!.. وكأن الله يقول له: هل تظن يا يونان أنك قد هربت مني؟ كلا . أنا سأرسلك إلى ركاب السفينة، ليس كنبي، ولا كمبشر، ولا كصوت صارخ يدعو الناس إلى التوبة، وإنما كمذنب وخاطئ وسبب إشكال وتعب للآخرين، وبهذه الصورة سأخلصهم بواسطتك!! هل ركبت البحر في هروبك يا يونان؟ إذن فقد دخلت في دائرة مشيئتي أيضا.. لأنني أملك البحر كما أملك البر، كلاهما من صنع يدي. وأمواج البحر ومياهه وحيتانه تطيعني أكثر منك كما سترى!! طاعة المخلوقات غير العاقلة:- لقد أخجل الرب يونان النبي بطاعة أهل نينوى، وببر أهل السفينة وإيمانهم.. إلا أنه أيضا أخجله بطاعة الجمادات والمخلوقات غير العاقلة. ومن الجميل أننا نرى كل هؤلاء في إرساليات إلهية وفى مهمات رسمية أدوها على أكمل وجه وأفضله. فما هي هذه الكائنات غير العاقلة التي كانت عناصر نافعة في إتمام المشيئة الإلهية؟ "فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر، فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر" ( 1 : 4 ).. لقد أدت الريح واجبها، وكانت رسولا من الرب، قادت الناس إلى الصلاة، فصرخ كل واحد إلى إلهه وكما أدت هذه الريح الشديدة مهمتها في أول القصة، كذلك أدت مهمة أخرى في آخر القصة، إذ يقول الكتاب: " وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعد ريحا شرقية حارة، فضربت الشمس على رأس يونان فذبل فطلب لنفسه الموت.." ( 4 : 8 ) في سفر يونان كانت كل هذه الكائنات مطيعة للرب، الوحيد الذي لم يكن مطيعا هو الإنسان العاقل، يونان ... الذي منحه الله حرية إرادة يمكنه بها أن يخالفه!.. هكذا الإنسان، أما باقي الكائنات فلا تعرف غير الطاعة. على أنه لم يكن كل إنسان غير مطيع في سفر يونان، بل كل الناس أطاعوا، ما عدا يونان؛ النبــى!! ولم يهرب يونان من المهمة إشفاقا على نينوى من الهلاك، بل على العكس هرب خوفا من أن تبقى المدينة ولا تهلك.. لم يتشفع فيها كإبراهيم عندما تشفع في سدوم. بل إنه حزن واغتاظ واغتم غما شديدا، ورأى أن الموت هو أفضل لنفسه من الحياة، كل ذلك لأن الله لم يتمم إنذاره ويهلك المدينة! أراد الله للبحر أن يهيج فهاج، وأراد له أن يهدأ بعد إلقاء يونان فيه فهدأ.. ما أعجب الطبيعة المطيعة التي لا تعصى لله أمرا، كالإنسان وكما أمر الحوت الضخم الكبير لكي ينفذ جزءا من الخطة الإلهية، كذلك أمر الدودة البسيطة أن تضرب اليقطينة فيبست.. ما أعجب هذا.. أن نرى حتى الدودة تكون جزءا من العمل الإلهي المقدس الكامل.. حقا ما أجمل قول الكتاب: " انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار" متى 18 : 10 ليتنا نأخذ درسا من كل هؤلاء وندرك نحن أيضا عمق عبارة "لتكن مشيئتك" في حياتنا وحياة الناس. هذه العبارة التي فشل يونان في ممارستها، ولم يستطع أن يصل إليها إلا بعد تجارب كثيرة وصراع مع الله، وعقوبات، وإقناعات.. أخيرا استطاع الله أن يقنعه بخيرية المشيئة الإلهية، مهما كانت مخالفة لمشيئته الذاتية. بحارة أمميــــون كانوا أفضل من النبي:- ما أعجب أهل هذه السفينة التي ركبها يونان.. حقا كانوا أممين، ومع ذلك كانت لهم فضائل عجيبة فاقوا بها النبي العظيم. وفيهم تحقق قول الرب: "ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتى بتلك أيضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد" ( يو 10 : 16 ) يذكرني أهل هذه السفينة بكرنيليوس قائد المائة، الذي كان في مظهره رجلا أمميا بعيدا عن رعوية الله، ولكنه كان في حقيقته رجلا تقيا خائفا الله هو وجميع بيته!.. لعله تدبير الهي أن ينزل يونان في هذه السفينة بالذات، من أجله ومن أجل هذه السفينة.. لم يشأ الله أن يمضي إلى كورة بعيدة. فضائل أهل السفينة:- أول صفة جميلة في بحارة هذه السفينة أنهم كانوا رجال صلاة.. يقول الكتاب: "فخاف الملاحون، وصرخوا كل واحد إلى إلهه، وطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليخففوا عنهم" ( 1 : 5 ).نلاحظ هنا أنهم لجأوا إلى الله قبل تنفيذهم ما تتطلبه الحكمة البشرية لإنقاذ الموقف. صلوا أولا ثم ألقوا الأمتعة ليخففوا عن السفينة.. كان كل بحارة السفينة وركابها يصلون، والوحيد الذي لم يكن يصلي في ذلك الوقت هو نبي الله يونان!! وحتى بعد أن أيقظوه، لم يقل الكتاب أنه قام وصلى! إنه موقف مخجل حقا.. عجيب حقا هو الرب إذ يبكت أحد أنبيائه برجل أممي: "مالك نائما".. ما هذا الكسل والتراخي واللامبالاة؟! ألا تقوم وتصلي كباقي الناس؟ "قم اصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك" كيف خالف الله، وكسر وصيته وهرب منه، واستطاع أن ينام نوما ثقيلا؟! لا بد أن ضميره كان قد نام أيضا، نوما ثقيلا، مثله.. صفة جميلة ثانية نجدها في أهل السفينة أنهم كانوا يبحثون عن الله.. لم يقولوا ليونان في تعصب لديانتهم "قم اصرخ إلى إلهنا"، وإنما قالوا له: "قم اصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك".. وهذا يدل على أنهم كانوا يبحثون عن الله.. صفة جميلة ثالثة وهى أنهم كانوا رجال بساطة وإيمان.. لم يكتفوا بالصلاة، وإنما أيضا ألقوا قرعة.. في تقواهم كانوا يشمئزون من بشاعة الخطية ويشعرون أنها سبب البلايا التي تحيق بالإنسان .. كانوا أيضا أشخاصا عادلين لا يحكمون على أحد بسرعة، بل اتصفوا بطول الأناة وبالفحص وإرضاء الضمير.. أما يونان فاعترف لهم وقال: "أنا عبراني، وأنا خائف من الرب إله السماء الذي صنع البحر والبر، وبمجرد سماعهم ذلك الكلام خافوا خوفا عظيما.. هل إلهك يا يونان هو إله البحر والبر؟ نحن الآن في البحر، إذن فنحن في يد إلهك أنت.. ونحن نريد الوصول إلى البر.. وإلهك هو إله البر أيضا، كما هو إله البحر، إذن فنحن في يديه!!.. لذلك خافوا ووبخوه قائلين: "لماذا فعلت هذا ؟!".. وللمرة الثانية يبَكَّت النبي العظيم من الأمميين وكما كان ركاب السفينة عادلين، كانوا أيضا في منتهى الرحمة والشفقة كانوا يوقنون أنه مذنب ويستحق الموت، ومع ذلك لم يكن سهلا على هؤلاء القوم الرحماء، أن يميتوا إنسانا حتى لو كان هو السبب في ضياع متاعهم وأملاكهم وتهديد حياتهم بالخطر قال لهم يونان: "خذوني واطرحوني في البحر، فيسكن البحر عنكم، لأني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم".. لقد بذلوا كل جهدهم لإنقاذ الرجل الخاطئ من الموت، ولكن دون جدوى. كانت مشيئة الرب أن يلقى يونان في البحر.. وهكذا أسقط في أيديهم.. ولكن لكي يريحوا ضمائرهم، صرخوا إلى الرب وقالوا: "آه يارب، لا نهلك من أجل نفس هذا الرجل. ولا تجعل علينا دما بريئا، لأنك أنت يارب فعلت كما شئت"وإذ تحققوا أن هذه هي مشيئة الله، وأنهم لا يستطيعون أن يقفوا ضد مشيئته، "أخذوا يونان وطرحوه في البحر، فوقف البحر عن هيجانه" من كل ما سبق يتضح أن هؤلاء البحارة كان لهم ضمير حساس نقي، وأنهم أرادوا بكل حرص أن يقفوا أمام ضميرهم بلا لوم كانت لهؤلاء الناس قلوب مستعدة لعمل الله فيها: كانوا يتلمسون إرادة الله لتنفيذها. ولما وقف هيجان البحر بإلقاء يونان فيه، تأكدوا من وجود الله في الأمر، فآمنوا بالرب، وذبحوا له ذبيحة، ونذروا له نذورا.. وفى إيمانهم بالرب لم يؤمنوا فقط أنه هو الرب، وإنما بتقديمهم للذبيحة أعلنوا أيضا إيمانهم بالدم والكفارة!! وهكذا كسب الله المعركة الأولى، وتمم خلاص أهل السفينة بعصيان يونان.. وبقيت في خطة الله للخلاص مسألتان مهمتان أخريان: وهما خلاص أهل نينوى، وخلاص يونان نفسه.. وهو ما تممه الله بحكمته ومحبته وطول أناته كما ترى عزيزي القارئ من قراءتك لباقي السفر. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
01 أبريل 2020

قدسوا صوماً

قال الرب علي لسان يوئيل النبي " قدسوا صوماً ، نادوا باعتكاف " ( يوئيل 1:14، 2:15) فما معني تقديسنا للصوم ؟ وكيف يكون ؟ معنى عبارة " قدسوا صوما ً" كلمه " تقديس " كانت في أصلها اليوناني تعني التخصيص فلما قال الرب لموسى " قدس لي كل بكر ، كل فاتح رحم إنه لي " ( خر 13: 2) كان يعني خصص لي هؤلاء الأبكار ، فلا يصيرون لغرض آخ : أبكار الناس كانوا يتفرغون لخدمة الرب قبل اختيار هرون وأولاده وأبكار البهائم كانت تقدم ذبائح والثياب المقدسة هي المخصصه للرب لخدمه الكهنوت وفي هذا قال الرب لموسى النبي " فيصنعون ثياباً مقدسة لهرون أخيك ولبنية ، ليكهن لي "( خر 28: 5) أواني المذبح هي أوان مقدسة للرب ، لأنها مخصصة لخدمته ، لا يمكن أن تستخدم في غرض آخر وتقديس بيت للرب معناها تخصيص بيت للرب ، فلا يمكن أن يستخدم في أي غرض آخر سوي عبادة الرب " بيتي بيت الصلاة يدعي " ( مت 21: 13) ولعل البعض يسأل ما معني قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم أقدس انا ذاتي" ( يو 17: 19) ؟ معناها قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم ، أي لأجل الكنيسة ، لأني جئت لأقدي هؤلاء وبهذه تكون المقدسات هي المخصصات للرب أي أنها أشياء للرب وحده وليس لغيره ، هي مخصصه للرب ، مثل البكور مثلاً وفي هذا يقول الرب علي لسان حزقيال النبي " هناك أطلب تقدمانكم وباكورات جزاكم جميع مقدستكم " ( حز 20: 40) ويقول عن بكور كل شجرة مثمرة " وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدساً لتمجيد الرب " ( لا 19: 24) أي يكون ثمرها مخصصاً للرب ، يعطي لكهنة الرب ( حز 44: 30) والموال التي تدخل إلي خزانه الرب في الهيكل ، قيل عنها " تكون قدساً للرب ، وتدخل في خزانه الرب "( يش 6: 19 ) . أي تخصص للرب وبنفس المعني كان تقديس الأيام أي تكون مخصصه للرب فعبارة " أذر يوم السبت لتقديسه " ( خر 20: 8) أي تخصص هذا اليوم للرب " لا تعمل فيه عملاً ما " إنه للرب وبنفس المعني تقديس كل مواسم الرب ، كل أعياده تقام فيها محافل مقدسة ، وتخصص تلك الأيام للرب لا تعمل فيها أي عمل ( لا 23: 7، 8، 21، 25، 31، 36) وهكذا تقدس الصوم معناه تخصيصه للرب تكون أيام الصوم مقدسه ، أي مخصصة للرب هي أيام ليست من نصيب العالم ، ولكنها نصيب الرب ، قدس للرب ولهذا وضح الوحي الإلهي هذا المعني بقوله " قدسوا صوماً نادوا باعتكاف "لأن الاعتكاف يليق بسبب أعمالك الرسمية أعتكف ما تستطيعة من الوقت لكي تتفرغ للب وإن ضاق وقتك علي الرغم منك ، فهناك معني آخر للتخصيص علي الأقل خصص هدف الصوم للرب وهكذا يكون صوماً مقدساً أي مخصصاً للرب في هدفه ، وفي سلوكه بهذا ندخل في المعني المتداول لكلمة مقدس ، أي طاهر ، لأنه للرب فهل هدف صومك هو الرب . ما هو هدف صومك؟ لماذا نصوم ؟ ما و هدفنا من الصوم ؟ لأنه بناء علي هدف الإنسان ، تتحدد وسيلته وأيضاً بناء علي الهدف تكون النتيجة هل نحن نصوم ، لمجرد أن الطقس هكذا ؟ لمجرد أنه ورد في القطمارس ، أو التقويم ( النتيجة ) ، أن الصوم قد بدأ ، أو قد أعلنت الكنيسة هذا الأمر ؟ إذن فالعامل الفلبي الجواني غير متكامل طبعاً طاعة الكنيسة آمر لازم ، وطاعة الوصية أمر لازم . ولكننا حينما نطيع الوصية ، ينبغي أن نطيعها في روحانية وليس في سطحية وان كانت الكنيسة قد رتبت لنا هذا الصوم ، فقد رتبته من أجل العمق الروحي الذي فيه . فما هو هذا العمق الروحي ؟ ؟ وما هدفنا من الصوم ؟ هل هدفنا هو مجرد حرمان الجسد وإذلاله في الواقع إن الحرمان الجسد ليس فضيلة في ذاته ، إنما هو مجرد وسيلة لفضيلة وهي أن تأخذ الروح مجالها . فهل نقتصر علي الوسيلة ، أم ندخل في الهدف منها وهو إعطاء الروح مجالها ؟ ما اكثر الأهداف الخاطئة التي تقف أمام الإنسان في صومه ! فقد يصوم البعض لمجرد أن يرضي عن نفسه لكي يشعر أنه إنسان بار ، يسلك في الوسائط الروحية ، ولا يقصر في آيه وصية أو قد يصوم لكي ينال مديحاً لكي ينال مديحاً من الناس في صومه ، أو في درجة صومه وهكذا يدخل في مجال المجد الباطل ، أي يدخل في خطية ! ما هو إذن الهدف السليم من الصوم ؟ الهدف السليم أننا نصوم من أجل محبتنا لله من أجل محبتنا ، نريد أن تكون أرواحنا ملتصقة بالله . ولا نشاء أن تكون أجسادنا عائقاً في طريق الروح . لذلك نخضعها بالصوم لكي تتمشي مع الروح في عملها . وهكذا نود في الصوم ، أن نرتفع عن المستوي المادي وعن المستوي الجسداني ، لكي نحيا في الروح ، ولكي تكون هناك فرصه لأرواحنا البشرية أن تشترك في العمل مع روح الله ، وان تتمتع بمحبة الله وبعشرته . حقاً ان التمتع بمحبة الله وحلاوة عشرته ، من المفروض أن يكون أسلوب الحياة كلها . ولكن لا ننسي أننا ننال ذلك بصورة مركزه في الصوم ، فيها عمق اكثر ، وحرص أكثر ، كتدريب وكتمهيد لكي تكون هذه المتعه بالله هي أسلوب الحياة كلها فنحن نصوم لأن الصوم يقربنا إلي الله الصوم فيه اعتكاف ، والاعتكاف فرصة للصلاة والقراءة الروحية والتأمل والصوم يساعد علي السهر وعلي المطانيات والسهر والمطانيات مجال للصلاة . والصوم فيه ضبط للإرادة وانتصار علي الرغبات وهذا يساعد علي التوبة التي هي الطريق إلي الله وإلي الصلح معه ونحن نصوم وفي صومنا تتغذي علي كل كلمة تخرج من فم الله ( مت 4) إذن من اجل محبة الله وعشرته ، نحن نصوم نصوم ، لأن الصوم يساعد علي الزهد في العالميات والموت عن الماديات وهذا يقوينا علي الاستعداد للأبدي والالتصاق بالله إن كان الصوم إذن هو أيام مخصصه لله وحده ، وإن كنا نصوم من اجل الله ومحبته ، فإن سؤالاً يطرح نفسه علينا وهو هل هناك اصوام غير خصصه لله ؟ نعم ، قد توجد أصوام للبعض لا نصيب لله فيا كإنسان يصوم ولا نصيب لله في حياته علي الرغم من صومه ! يصوم وهو كما هو ، بكل أخطائه ، لم يتغير فيه شئ ! أو يصوم كعادة ، أو خوفاً من الإحراج لأجل سمعته كخادم أو أن صيامه مجرد صوم جسداني كله علاقة بالجسد ، ولا دخل للروح فيه ! أو هو صوم لمجرد إظهار المهارة ، والقدرة علي الأمتناع عن الطعام أو قد يكون صوماً عن الطعام ، وفي نفس الوقت يمتع نفسه بشهوات أخري لا يقوي علي الأمتناع عنها! يظن البعض أن الصوم مجرد علاقة بين الإنسان وبين الطعام ، دون أن يكون الله طرفاً ثالثاً فيها كل اهتماماته في صومه هي هذه ما هي فترة الأنقطاع ؟ متي يأكل ؟ وكيف ينمو في أطاله فترة إنقطاعه ؟ وماذا يأكل ؟ وكيف يمنع نفسه عن أصناف معينه من الطعام ؟ وكيف يطوي أياماً ؟ كأن الصوم بين طرفين هو و الطعام ، أو هو والجسد ! دون أن يكون الله طرفاً في هذا الصوم بأيه صورة من الصور !! أحقاً هذا صوم ؟! إن الصوم ليس هو مجرد تعامل مع الجسد بل هو تعامل مع الله والصوم الذي لا يكون الله فيه ، ليس هو صوماً علي الأطلاق نحن من أجل الله نأكل ، ومن أجله نصوم من اجل الله نأكل ، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله ، وأن يكون أميناً في واجباته تجاه الناس ونحن من أجل الله نجوع لكي نخضع الجسد فلا يخطئ إلي الله ولكن يكون الجسد تحت سيطرتنا ، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد ، لكي لا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدتنا في تصرفاتنا وإنما نسلك حسب الروح وليس حسب الجسد ، من أجل محبتنا لله ، وحفاظاً علي شركتنا مع روحه القدوس اما في غير ذلك فيكون الصوم مرفوضاً من الله . أصوام باطلة ومرفوضة :- ليس كل صوم مقبولاً من الله . فهناك أصوام باطلة ، لا تعتبر بالحقيقة أصوامأ ، وهي مرفوضة من الله . وقد قدم لنا الكتاب أمثلة من هذه الأصوام المرفوضة منها 1- الصوم الذي لكسب مديح الناس الصوم المكشوف الظاهر ، الذي يشاء أن يكون مكشوفاً لكي يراه الناس ويمتدحوه وعن هذا الصوم قال السيد الرب في عظته علي الجبل " ومتي صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ، فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتي صمت ، فادهن رأسك واغسل وجهك ، لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخطاء فأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية "( مت 6: 16-18 ) هذا الصوم الذي لمديح الناس ، ليس لأجل الله ، ولا نصيب لله فيه لذلك هو صوم باطل 2- وصوم الفريسي الذي وقف مثال آخر لصوم غير مقبول هذا الفريسي الذي وقف أمام الله يتباهي بفضائله ويقول " أصوم يومين في الأسبوع وأعشر جميع أموالي "وفي نفس الوقت كان يدين العشار قائلاً عن نفسه " لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناه ولا مثل هذا العشار " لذلك لم يخرج من الهيكل مبرراً، مثلما خرج العشار المنسحق القلب ( لو 18: 9-14) وهذا المثل يرينا ان الصوم الذي لا يمتزج بالتواضع والانسحاق هو صوم مرفوض من الله لأن صاحبه يظن في نفسه أنه بار ، ويحتقر الآخرين ( لو 18: 9) . 2- الصوم الذي هدفه خاطئ ، صوم غير مقبول . ومن أمثله هذا الصوم أولئك اليهود الذين صنعوا اتفاقاً فيما بينهم " وحرموا أنفسهم قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتي يقتلوا بولس . وكان الذين صنعوا هذا التحالف نحو الأربعين " أع 23: 12، 13) وطبعاً كان صومهم هذا خطية بل لا نستطيع أن نسمية صوماً بالمعني الروحي . 4- صوم الشعب الخاطئ أيام ارمياء النبي . هؤلاء لم يقبل الرب صومهم بل قال عنهم لأرميا النبي " لا تصل لأجل هذا الشعب للخير حين يصومون لا أسمع صراخهم وحين يصعدون محرقه وتقدمه لا أقبلهم بل بالسيف والجوع والوبأ أنا أفنيهم "( أر 14 : 11، 12)هؤلاء لم يقبل الرب أصوامهم ولا صلواتهم ولا محرقاتهم ، لأنهم كانوا يعيشون في الشر ، وقلوبهم لم تكن طاهرة قدامه أذن الصوم البعيد عن التوبة هو صوم غير مقبول فالله يريد القلب النقي ، أكثر مما يريد الجسد الجائع والإنسان الذي يصوم فمه عن الطعام ، ولا يصوم قلبه عن الخطايا ، ولا يصوم لسانه عن الأباطير ، فصوم هذا الإنسان باطل ، حتي إن يسلم جسده ليحترق فلا ينتفع شيئاً ( 1 كو 13: 3) 5- والصوم العيد عن الرحمة و الصدقة ، غير مقبول وقد شرح الرب هذا الأمر لإشعياء النبي ، فقال له " يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ؟ ها إنكم للخصومة و لنزاع تصومون أمثل هذا يكون صوم اختاره هل تسمي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب ؟! أليس هذا صوماً أختاره حل قيود الشر ، فك عقد النير ، وإطلاق المسحوقين أحرارا أليس أن تكسر للجائع خبزك ، وأن تدخل الماسكين التائهين إلي بيتك " ( أش 58: 3- 7) فالذي يصوم ، حتي ولو كان صوماً بتذللك بالمسوح و الرماد ، يحني فيه كالأسلة رأسة ، هو صوم غير مقبول ، أ لم يكن ممتزجاً بأعمال الرحمة وبنقاوة القلب. 6- والصوم الذي ليس لأجل الله ، صوم باطل فقد يصوم إنسان ، لأن الأطباء أمروه بهذا وقد يصوم آخر من أجل رشاقة جسده وحسن منظرة وكلاهما ليس من أجل الله ، ولا ينتفع روحياً بصومه وقدوم إنسان ثالث ، بأسلوب إضراب عن الطعام ، وليس بهدف روحي ، ولا من أجل الله كما يمتنع رابع عن الطعام حزناً أو يأساً ، ولا نستطيع أن نعتبر أحداً من هؤلاء صائماً بالحقيقة نعود ونقول كل صوم ليس هو من أجل الله ، وليس هو بسبب روحي ، لا يمكن أن نعتبره صوماً علي الأطلاق ، ولا يقبله الله . فما هو الصوم الروحي المقبول أمام الله ؟ هو الصوم الذي تكون فيه علاقة عميقة مع الله الصوم الذي تشعر فيه بالله في حياتك ، هو الفترة المقدسة التي تشعر أن الله يملكها ، وأنها مخصصة كلها لله ، وان وجود الله ظاهراً جداً خلالها في كل تصرفاتك ، وعلاقتك بالله تزداد وتنمو في كل يوم من أيام الصوم ، بمتعة روحية تشتهي بسببها أن يطول صومك ولا ينتهي لعل هذا يجعلنا نفحص سؤال هاماً وهو ما علاقة الله بصومك وهذا ما نجيب عليه فى المقاله القادمة قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
25 ديسمبر 2019

بشرى مفرحة

أود في نهاية عام و بداية العام الجديد ، أن أكلمكم بكلمة أمل ورجاء أود أن يشرق علينا هذا العام كنور ، برسالة فرح من السماء لأنه بميلاد ربنا يسوع المسيح ، وولد السلام وكان ميلاد الرب بشري فرح للجميع وفي يوم ميلاده وقف الملاك يقول للرعاة " ها أنا أبشركم بفرح عظيم ، يكون لجميع الشعب " " إنه ولد لكم اليوم مخلص "( لو 2: 10، 11) ها أنا أبشركم بفرح عظيم " في هذه العبارة نجد رسالة المسيحية كلها لقد جاءت المسيحية لكي تبشر الناس بالفرح العظيم الذي يكون لجميع الشعب لذلك فكلمة إنجيل معناها بشارة مفرحة ، أخبار سارة وكان الرسل يبشرون ، أي ينقلون هذه الأخبار السارة إلي جميع الناس فيقولون لهم أتي الخلاص ويوحنا المعمدان ، الذي هيأ الطريق أمام ربنا يسوع المسيح ، كان يبشر الناس بأنه قد " أقترب ملكوت الله "( مت 3: 2) ونحن كرجال دين ، وليس لنا عمل سوي أن نبشر الناس بهذا الفرح العظيم ورسالتكم أنتم هي هذه ، أن تبشروا الناس بهذا الفرح وأن تفرحوا معهم وأن تفرحوا معهم وأي فرح ؟أن المسيح أتي بديانة مفرحة لجميع الناس ، تحمل لهم الخلاص وتحمل لهم الفداء ، وتكسر أبواب الجحيم ، وتفتح أبواب الفردوس أتي المسيح برسالة تقول للص وهو علي الصليب " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو 23: 43) رسالة تقول لرئيس العشارين الخاطئ ، مثال الظلم و الشر في حيله ، تقول له اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت ، إذ هو أيضاً أبن لإبراهيم ( لو 19: 9 ) إنها رسالة تبشر الأمم الغرباء ، البعدين عن رعوية الله في ذلك الحين ، الذين كانوا محتقرين من إسرائيل ، فتقول عنهم يأتون من المشارق و المغارب ، ويتكئون في أحضان إبراهيم في ملكوت الله ( مت 8: 11، لو 13: 29) الدين عموماً هو رسالة مفرحة للناس ، وبشارة فرح لهم . أسباب للفرح:- " إفرحوا في الرب كل حين . وأقول أيضاً إفرحوا "( في 4: 4) " إفرحوا في الرب "( في 3: 1) إفرحوا بالصلح الذي تم بين السماء والأرض إفرحوا في الرب يسوع المسيح ، الذي أتي ليصالح السمائيين مع الأرضيين ، ويجعل الاثنين واحداً ، ويكمل التدبير بالجسد إفرحوا لأن خطاياكم ستمحي والرب لا يعود يذكرها ( أر31: 34 ) . أفرحوا لأن الرب سيغسلكم ، فتبيضون أكثر من الثلج . حقاً إنها بشري مفرحة للناس بشري بالخلاص من خطاياهم ، يقول فيها الرب " أعطيهم قلباً ليعرفوني إني أنا الرب ، فيكونوا لي شعباً ، وأنا أكون لهم إلهاً ، لأنهم يرجعون إلي بكل قلبهم " أر 24: 7) يقول أيضاً " أجعل شريعتي في داخلهم ، وأكتبها علي قلوبكم " ( أر 31 : 33) وماذا أيضاً يارب في كلامك المفرح هذا ؟ يقول " لأني أصفح عن إثمهم . ولا أذكر خطيتهم بعد " ( أر 31 : 34) حقاً مبارك هو الرب ، في كل عهوده المفرحة ، التي ذكرها في العهد القديم نبوءة عما سيفعله معنا في هذا العهد الجديد ونحن في هذه السنة الميلادية الجديدة ، التي نذكر فيها أنه قد ولد لنا مخلص هو المسيح الرب ( لو 2 : 11 ) ، " يخلص شعبه من خطاياهم" ( مت 1 : 21 ) . يلذ لنا أن نذكر عمله المفرح ، كما رواه أشعياء النبي قال روح الرب علي ونحن لماذا ؟ لأية رسالة ؟ فيجيب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب ، لأنادي للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالإطلاق ، لأنادي بسنة مقبولة للرب ، لأعزي كل النائحين لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد ، ورداء تسبيح ، عوضاً عن الروح اليائسة ( أش 61: 1- 3) نعم ما أجملها رسالة مفرحة ، تبشر المساكين والمنكسري القلوب تنادي للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالإطلاق وكلمة المأسورين تعنينا كلنا فكلنا كنا في أسر إبليس ، مأسورين بالخطايا والذنوب وكان الشيطان له سلطان ، قال عنه الرب لليهود " هذه ساعتكم وسلطان الظلام "( لو 22: 53) ثم جاء المخلص ، الذي ينادي بالإطلاق ، فهتف الملاك قائلاً للرعاة " ها أنا أبشركم بفرح عظيم ". نظرة مستبشرة:- لذلك نريد في هذه السنة ، أن تكون لنا النظرة المستبشرة تكون لنا النظرة المتفائلة ، المملوءة رجاء ، التي دائماً تري الفرح في كل شئ لأنه كثيراً ما يوجد أشخاص يعقدون الأمور ، ويشعرون اليأس ، ويغلقون أبواب الرجاء المفتوحة ، ويكونون كالبوم التي تنعق منذرة بالخراب! وهؤلاء ليس لهم صوت لأن صوت الله يقول ينادي للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالإطلاق يبشر المساكين ، ويعطيهم فرحاً عوضاً عن النوح ولهذا يقول سفر أشعياء أيضاً ما أجمل قدمي المبشر بالسلام ، المبشر بالخير ، المخبر بالخلاص ( أش 52: 7) حقاً ما أجمل أقدام المبشرين بالخير ، المبشرين بالخير ، المبشرين بالسلام ، الذين يغرسون الفرح في قلوب الناس ، وينزعون الحزن من القلوب المكتئبة ، ويجعلونها تمتلئ بالفرح وهذه هي رسالة أولاد الله وقد كان هذا هو عمل المسيح له المجد ، يملاً الدنيا فرحاً وسلاماً ، يبهج قلوب الناس ، ويمسح كل دمعة من عيونهم ( رؤ 7: 17) كان يجول يصنع خيراً ( أع 10 : 38) يفرح قلب السامرية ، والمرأة الخاطئة ، والمضبوطة في ذات الفعل ، ويفرح قلوب العشارين و الخطاة ، ويرفع معنوياتهم بأن يحضر ولائمهم ويبشر الناس بأن النور قد أضاء في الظلمة ، وأنهم في فجر جديد وقد تعلم الرسل هذا الأسلوب من السيد المسيح ، وإذا ببولس الرسول يقول " ثمر الروح محبة ، فرح ، سلام "( غل 5: 22) واضعاً الفرح في مقدمة ثمار الروح ويدعوا الناس إلي الفرح الدائم ، قائلاً لهم " إفرحوا كل حين "( 1تس 5: 16) ،" إفرحوا في الرب كل حين "( في 4: 4) أو ليس هذا أيضاً هو ما قاله لتلاميذه "تفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم "( يو 16: 22)إذن انشروا رسالة الفرح . أفرحوا الناس:- ارسموا ابتسامة علي كل شفة واغرسوا الأمل و الرجاء لا تشيعوا الكآبة فإن الله لا يريدكم أن تحيوا في كآبة ،هذا الذي أرسل ملاكه ليبشركم بفرح عظيم ولكن لعل إنسانا يسأل كيف يستطيع القلب أن يفرح ، وهناك أسباب كثيرة تدعوه إلي الحزن و التعب أبواب مغلقة ، ومشاكل معقدة ، وخطايا تبعد عن الله ؟ وأنا أقول أن الرجاء يحل كل هذا فقولوا للناس كل مشكلة لها حل وكل باب مغلق له مفتاح وما أسهل أن تكون لكل خطية توبة ، ولكل خطية غفران وكل خصومة مع الله تساعد النعمة أن توجد لها صلحاً لذلك عيشوا باستمرار في الرجاء دربوا أنفسكم أن تكونوا كما قال الرسول " فرحين في الرجاء "( رو 12: 12) وكونوا أنشودة فرح في قلوب الجميع لا تجعلوا إنساناً ييأس مهما كانت الأسباب وإن سدت الأبواب أمامه ، افتحوا له طاقة من نور واعطوه رجاء في كل فروع الحياة ، مادية أو روحية كونوا مبشرين بالخير ، ومبشرين بالسلام قولوا لكل ضعيف هناك قوة إلهية تسندك وقولوا لكل خاطئ إن الله مستعد أن يخلصك " لأن الله يريد أن جميع الناس يخلصون ، وإلي معرفة الحق يقبلون "( 2تي 2: 4) قولوا له أن الله مستعدك فروحه القدوس يعمل معك ، ونعمته واقفة علي بابك تقرعه وملائكة الله حالة حولك لتنقذك ، وأرواح القديسين تشفع فيك ووسائط النعمة ستأتي بفاعليتها كونوا رسالة رجاء ، ورسالة سلام ، وأفرحوا الكل قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة ( عب 12: 12 ) وقد اخذ معلمنا بولس هذه النصيحة من قول الوحي الإلهي في العهد القديم لسان أشعياء النبي " شددوا الأيادي المسترخية والركب المرتعشة ثبتوها قولوا لخائفي القلوب تشدوا لا تخافوا هوذا إلهكم هو سيأتي ويخلصكم ( أش 35 : 3، 4) أريحوا الناس من متاعبهم علي قدر ما تستطيعون ، فهكذا كان يفعل السيد المسيح الذي قال " تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الحمال ، وأنا أريحكم " ( مت 11: 28 ) تعالوا إلي ، فأنا قد جئت إلي العالم لأحمل تعب الناس كما قال عني أشعياء " أحزاننا حملها ، وأوجاعنا تحملها "( أش 53: 4) لقد جئت لأبشر المتعبين بالراحة . أتيت لأعصب منكسري القلوب ، لأبشر المساكين حتي القصبة المرضوضة ، و الفتيلة المدخنة قبل عن الرب " قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيله مدخنة لا يطفئ " ( مت 12: 20) إنه يعطي رجاء للكل هذه القصبة المرضوضة يعصبها ربما تشتد وتستقيم وهذه الفتيلة المدخنة قد ينفخ فيها فتعود وتشتعل إن السيد المسيح أراد أن يقدم لنا رسالة فرح ، ديانة فرح بشري كلها رجاء بأن الملكوت قريب ، والخلاص قريب إني أعجب من الذين تملكهم الكآبة في الجو الديني ‍!وتصبح الكآبة هي الطابع الذي تتميز به روحياتهم باستمرار . ولا يجدون في الكتاب المقدس كله من أوله إلي آخره ، من التكوين إلي الرؤيا ، من أول " في البدء خلق الله السموات والأرض " إلي " أمين تعال أيها الرب يسوع " لا يجدون في كل هذا سوي قول سليمان الحكيم " بكآبة الوجه يصلح القلب "( جا 7: 3) وإن أرادا أن يضيفوا عليها شيئاً يضيفون " طوبي للباكين الآن "( لو 6: 21) ونحن نريد أن نقول لهؤلاء حتي البكاء و الحزن في المسيحية ، ممزوجان بالفرح ‍‍!وقد قال السيد المسيح لتلاميذه " أنتم ستحزنون ، ولكن حزنكم سيتحول إلي فرح عندكم الآن حزن ولكني سأراكم فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم " ( يو 16: 20، 22) . وما أجمل قول القديس بولس الرسول ، التي يلخص فيها متاعبه وضيقاته هو وكل العاملين معه ، فيقول كحزانى ، ونحن دائماً فرحون " ( 2كو 6: 10) إنه فرح يميز كل أولاد الله في كل ظروف حياتهم ، فرح في الرب ، فرح لا ينطق به ومجيد ( 1بط 1: 8) ، فرح من النوع السامي ، فرح روحاني ، فرح إلهي ، فرح لا ينتهي فرح كل حين . فرح مهما كانت المتاعب :- حياة أولاد الله لا تخلو من المتاعب ، لأنهم يحملون صليباً ولكنهم يفرحون في وسط متاعبهم لأن المتاعب شئ ، والحزن شئ آخر السيد المسيح كان أمامه الصليب ومع ذلك قيل عن في الصليب وآلامه وخزيه " من اجل السرور الموضوع أمامه ، أحتمل الصليب مستهيناً بالخزي "( عب 12: 2) وقد قال بولس الرسول " لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والضيقات لأجل المسيح "( 2كو 12: 10) أولاد الله يفرحون بالتعب ، أذ يرون في التعب إكليلاً لا تضغطهم المتاعب ، بل يفرحون بها ، عارفين أن كل إنسان ينال أجرته من الله بحسب تعبه ( 1كو 3: 8) والقديس يعقوب الرسول يقول " احسبوه كل فرح يا أخوتي ، حينما تقعون في تجارب متنوعة "( يع 1: 2) وأولاد الله لا يرون في التجارب والمتاعب شيئاً من التخلي ، بل يرون أن الله يفتقد بها أولاده لكي يهبهم نعماً الشهداء كانوا يفرحون ويغنون ، وهم ذاهبون للإستشهاد كما كانوا يحبون في فرح ، كانوا في فرح أيضاً يستقبلون الموت ، شاعرين إن الرباطات التي تربطهم الزائل قد تمزقت لذلك فهم فرحون أن يلتقوا بالله ، وفرحون بالإكليل ، وفرحون بإتمام جهادهم علي الأرض ، وفرحون بالقوة التي جعلتهم يثبتون في الإيمان بولس الرسول كان فرحاً ، وهو في السجن الضيقة دائماً خارجهم ، لا يمكن أن تدخل إلي قلوبهم لذلك فقلوبهم فرحة وفي عزاء لأن العزاء يأخذونه من داخلهم وليس من خارجهم وفي داخلهم يوجد الإيمان بالله المحب الراعي المهتم بالكل الذي قال الكتاب عن اهتمامه ومحبته وحفظه " أما أنتم ، فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة "( لو 12: 7) لا تسقط شعرة واحدة منها بدون إذن أبيكم ، الذي نقشكم علي كفه الله الذي يحافظ حتي علي العصافير ، فلا يسقط واحد منها بدون إذنه ، وأنتم أفضل من عصافير كثيرة ( مت 10: 29- 31) . لذلك كان أولاد الله في كل ضعفاتهم ، يغنون للرب أغنية فرح ، ويسبحونه تسبيحه جديدة ... ويأخذون بركة هذه الضغطات . قيل عن الآباء الرسل الإثني عشر ، بعد أن يجلدوهم ، أنهم مضوا " فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهابوا لأجل إسمه "( أع 5: 41) وأولاد الله كما يفرحون في المتاعب ، يفرحون مهما كانت العوامل الخارجية تدعو إلي اليأس كما في ترنيمة العاقر . ترنيمة العاقر:- إنها قطعة عجيبة في الكتاب ، في نبوءة أشعياء ، تدعو إلي الرجاء العجيب ، وإلي الفرح بالرب ، مهما كانت الظروف الخارجية فهل هناك أصعب من ظروف العقار التي لا رجاء لها في إنجاب البنين ! أنظر ماذا يقول الكتاب لها يقول وهو يحمل لها بشري الفرح " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد أشيدي بالترنيم " ( أش 54: 1) كيف تترنم هذه ؟ وما دواعي الفرح أمامها ؟ فيجيب ترنمي ليس بما هو كائن ، إنما بما سوف يكون وما الذي سوف يكون يارب ؟ يجيب في رجاء " أوسعي مكان خيمتك ، ولتبسط شقق مساكنك "، " لا تمسكي . أطيلي أطنابك ، وشددي أوتادك "، لأنك تمتدين إلي اليمين وإلي اليسار "، ويرث نسلك أمماً ، ويعمر مدناً خربة "( أش 53) ويختم الرب هذه الأنشودة الجميلة بقوله " لحيظة تركتك . وبمراحم عظيمة سأجمعك "( أش 53: 7) إذن بالإيمان " أوسعي مكان خيمتك " سيكون لك أولاد ، وسيكثرون وتمتدين إلي اليمين وإلي اليسار ألا يدعو هذا إلي فرح الرجاء ، الرجاء في وعود الرب لذلك أولاد الله في فرحهم يكونون " غير ناظرين إلي الأشياء التي تري ، بل إلي التي لا تري "( 2كو 4 : 18 ) إنهم يفرحون لأنهم يحيون بالإيمان . وما هو الإيمان ؟ أنه الثقة بما يرجي ، والإيقان بأمور لا تري " ( عب 11: 1 ) ونحن نفرح بهذا الذي لا يري وبالإيمان نغني أيضاً بترنيمة هذا العاقر ، التي تكررت قصتها مع عاقر أخري هي سارة إمرأة أبينا إبراهيم ولم يكن لهما ولد ، حتي أنها حينما سمعت وعد الرب ، ضحكت في داخلها ،وفي يأس قالت " أبعد فنائي يكون لي تنعم ، وسيدي قد شاخ " ( تك 18: 12)ولكن الغير مستطاع عند الناس ، مستطاع عند الله ( مر 10 : 27 ) هكذا قال الرب ( لو 18: 27 ) ، ليجعلنا نرجو ونفرح ولكي يثبت هذا لأبينا إبراهيم وزوجته العاقر قال له نسلك سيكون كنجوم السماء وكرمل البحر إن استطعت أن تعد رمل البحر ، تستطيع أن تعد نسلك وكأن سارة تقول أنا لست أجد أبنا واحداً فقط أفيكون لي نسل كعدد نجوم السماء ؟! هذا عجيب نعم ، في الرجاء " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلك أشيدي بالترنيم لا يأس في الحياة مع الله أنه الرب المعطي بسخاء ، الذي يفتح لنا كوي السماء الذي يفيض من محبته ورعايته علي كل أحد ، الذي قال جئت لأعصب منكسري القلوب ، وأبشر المساكين ، وماذا أيضاً ؟ يقول : أبشر بسنة الله المقبولة:- ما هي البشري الطبية التي تحملها في هذه السنة المقبولة أمام الله ؟ ما هي بشراك يارب ، وكل سنواتك مقبولة ؟ جئت لأبشر شاول مضطهد الكنيسة بأنه سيصير بولس الكارز العظيم وجئت أبشر كثيرين من أمثاله أبشر موسي الأسود ، القاتل السارق الشرير ، بأنه سيصير القس موسي العظيم ، أب الرهبنة ، وصاحب القلب الحاني الطيب الوديع أيضاً أبشره بأنه سيكون شهيداً جئت لأبشر اوغسطنيوس الفاسد ، الذي تبكي عليه أمه ، بأنه سيصبح كنز الروحيات و التأملات الذي تنتفع به أجيال كثيرة جئت لأبشر مريم القبطية الزانية بأنه ستصبح سائحة قديسة ، يتبارك منها الأنبا زوسيما القس جئت لأبشر المسبيين بالعتق ، والمأسورين بالإطلاق ، جئت لأبشركم بسنة سعيدة مقدسة مقبولة أمام الله ، وأقول لكم إنه لا يوجد شئ غير مستطاع عند الله ولا توجد مشكلة يعصي حلها علي خالقها العظيم ، الذي يفتح ولا احد يغلق ( رؤ 3 : 7) جئت لأبشر الأرض المظلمة الخربة المغمورة بالمياه الأرض التي قيل عنها في سفر التكوين أنها خربة وخاوية ومغمورة بالماء ، وعلي وجه الغمر ظلمة ( تك 1: 2) جئت أبشر هذه الخربة بأن روح الله يرف علي وجه المياه ، وأن الله سينيرها ، ويقيم فيها كل نفس حية ، مع جنات وبساتين ، ويجعل فيها أزهاراً وزنابق ، ولا سليمان في كل مجده كواحدة منها وستكون هذه الأرض رمزاً لكل نفس خربة وخالية هذا هو الله المحب القادر ، وهذه هي بشارته المفرحة لذلك كل من يعقد الطريق أمامك ، لم يفهم الله بعد الذي لا يذكر لك سوي الجحيم وجهنم و العذاب والبحيرة المتقدة بالنار و الكبريت ، ويعطيك صورة مسودة عن الأبدية ، هذا لم يعرف الله بعد ، وكلامه غير مقبول في بداية سنة جديدة ، نريد فيها بشري طيبة الأولي إذن أن نبشركم بإلهنا الطيب الحنون ، الذي غني بمراحمه وإحساناته داود النبي ، فقال في مزمور 103 كلاماً جميلاً محبباً إلي النفس ، نقتبس منه قوله باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته "ويتذكر المرتل في فرح إحسانات الله إليه ، ويذكر بها نفسه فيقول الذي يغفر جميع ذنوك ، الذي يشفي كل أمراضك ، الذي يفدي من الحفرة حياتك ، الذي يكللك بالرحمة والرأفة ، الذي يشبع بالخير عمرك ، فيتجدد مثل النسر شبابك ( مز 103 ) ثم يذكر المرتل إحسانات الرب من جهة مغفرة الخطايا ، فيقول لا يحاكم إلي الأبد ، ولا يحقد إلي الدهر لم يصنع حسب خطايانا ، ولم يجازنا حسب آثامنا لأنه مثل ارتفاع السموات والأرض ، قويت رحمته علي خائفيه كبعد المشرق عن المغرب ، أبعد معصينا إذن ليس هو إلهاً يترصد الخطايا ، ليدخل الناس إلي جهنم أنه رحيم ورؤوف ، طويل الروح وكثير الرحمة ، يتراءف علي خائفية ، كما يترأف الأب علي بنيه ومادام هكذا فلنفرح إذن بالرب علينا أذن أن نفرح الناس ، لكي يطمئنوا إلي إله أخذ الذي لنا ، ليعطينا من الذي له صار أبنا للإنسان ، ليجعلنا أولاداً الله هذا الذي أتي ليخلص شعبه من خطاياهم كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلي طريقه والرب وضع عليه إثم جميعاً "( أش 53: 6) هناك أشخاص أفكارهم سوداء كلها قسوة وعنف وعدم مغفرة ويلقون ثيابهم السوداء ، ليلبس كواحد منهم ولكن الرب ، كل ما فيه أبيض ناصع ، ما أبعده عن أفكار الناس السوداء ونشكر الله أنه حتي الملائكة الذين ظهروا ، ظهروا بثياب بيض ، ثياب من نور إلهنا إله طيب وتأكد أنه سيفتح له طريق الخلاص ، وأنه سيخلصك من جميع خطاياك إنه لابد سيفتقدك ، ولو في آخر الزمان ولو في الهزيع الأخير من الليل ، ولو بعد أن يضطرب البحر ، ويخيل إليك أن السفينة ستنقلب إنه لن يتركك ، بل ستدركك رحمته ، ولو ساعة الموت أو قبيل ذلك بقليل نعم لن يتركك أن كانت الخطية أقوي منك ، فرحمة الله أقوي من الخطية إن كانت الخطية تزداد ، فالنعمة تكثر جداً إن خفت من الذين قاموا عليك ، فاعرف أن " الذين معنا أكثر من الذين علينا "( 2مل 6: 6 ) إننا نحب أن نعيش في فرح دائم تهب الأمواج ، وته الرياح ، وتسيل الأمطار ، وتتزلزل الجبال أما نحن فنسبح الرب تسبيحه جديدة نغني أغنية جديدة للرب نعيش في فرح "" راسخين غير متزعزين " ( 1كو 15 : 58 ) ، واضعين في أنفسنا حقيقة هامة ، وهي أن الله يتدخل في كل مشكلة ، ليحلها الله يتدخل والله أقوي من العالم . الله سينتصر فيك:- أن الله قد غلب العالم . وقال لنا " في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبات العالم " ( يو 16 : 33) لقد غلبه في القديم والحاضر وفي كل حين وهو قادر أن يغلب العالم فيك ، وبك وهو مستعد أن يغلبه في كل معركة روحية تقوم ضدك إنه لا يترك عصا الخطاة تستقر علي نصيب الصديقين " ( مز 124 ) إنما يعوزك فقط أن تقول له أرنا يارب رحمتك ( مز 84) أمنحنا بهجة خلاصك ( مز 50 ) جميلة هي عبارة " بهجة خلاصك " أن الرب قد جاء يقدم الخلاص ، ويقدم معه أيضاً بهجة خلاصه لذلك نحن نبشر بسنة مفرحة ، بسنة الله المقبولة سنة يعمل الله فيها عملاً مفرحاً وقوياً نبشر بإله قوي ، أقوي من العالم ومن الشيطان ومن الخطية إله أنتصر في حروب أولاده في القديم ، وينتصر الآن وفي كل زمان إله يعطي المعيي قوة ( أش 40 : 29 ) ويجدد مثل النسر شبابه إله أفرح كل الذين تبعوه ، وقادهم في موكب نصرته ( 2كو 3: 14 ) هذه هي البشري التي نقدمها في سنة جديدة فحاذر أن تنظر إلي العالم الجديد بمنظار قاتم حاذر أن تنظر إليه بمنظار اليأس أو الخوف أو القلق ولا تظن أن الأبواب مسدودة موصدة أخشى أن تكون نفسك هي المسدودة أفتح أذن حواسك الروحية ، لتري مراحم الله ومعونة الله ومعونة الله وتفرح وتبتهج وأطلب من أليشع النبي أن يصلي من أجلك ، كما صلي من أجل تلميذه جيحزي ، ويقول افتح يارب عيني الغلام ، فيري ( 2مل 6: 17 ) وستري جبل الله مملوءاً خيلاً ومركبات ، فتطمئن نفسك وتفرح وستجد الرب قد فتح لك طريقاً في البحر فتفرح وستسمع داود النبي يرتل في أذنيك قائلاً " نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الشياطين الفخ انكسر ونحن نجونا "( مز 123 ) ستسمع هذا من فم داود فتفرح إن القوة الإلهية موجودة . ولكن يعوزك أن تراها لا تقل في بداية العام " لا توجد معونة " أو " أعطني يارب معونة " ، إنما قل أعطني يارب أن أري المعونة الموجودة فأمجدك " أرنا يارب رحمتك "( مز 84 ) أذن رسالة هذه السنة الجديدة ، هي أن نبشر الله المقبلة نبشر الناس بفرح عظيم ، نبشرهم بخلاص الرب نبشر الضعيف بقوة تحيط به من فوق نبشر اليائس بالأمل والرجاء ونبشر الخاطئ بعمل النعمة فيه ، وبافتقاد من الروح القدس ليتوب ويرجع غلي الله نبشر الكل بأن الله يجول يعمل خيراً ، يجول في كل مكان يشبع كل حي من رضاه ، ويمسح كل دمعة يراها في عين كل إنسان هذه هي طريقة الرب ، الذي خلقنا للفرح ، وأعدنا لنعيم أبدي لذلك فالأبدية هي مكان للنعيم والأبدية تعمل فينا نقول عن الأبدية في صلواتنا " الموضع الذي هرب منه الحزن و الكآبة والتنهد "والأرض أيضاً مكان خلقه الله لفرح " فرح للمستقيمين بقلوبهم " وعبارة " أفرحوا في الرب كل حين " الفرح صورة مشرقة للدين:- ليست هي مجرد نصيحة ، إنما هي أمر من الوحي الإلهي إن سرت في طريق الله ، فملكت الكآبة ، ستعطي صورة كئيبة عن الدين و الحياة الروحية ، ويقول كل من يراك هذا الإنسان كان هادئاً ومطمئناً ، وقلبه عامر بالحب والسلام ولكن منذ أن تدين صار متجهم الملامح ، عابس الوجه ، يسير وهموم الدنيا كلها علي كتفيه ، وأحزان العالم كله فوق رأسه وهكذا يعثرون بسببك ، ويخافون من الحياة مع الله ومن الطريق الروحي فلماذا هذا الإتلاف ؟ أعط الناس دروساً بفرحك علمهم أن أولاد الله فرحون ، لأنهم وجدوا الله وعرفوه وعاشروه إنهم فرحون بملكوت الله داخلهم ، فرحون بعمل الروح القدس فيهم فرحون بخروجهم من أسر إبليس وتخلصهم من خطايا عديدة فرحون بالحياة الجديدة بالحديث مع الله ، والتأمل في الإلهيات فرحون بانطلاق أرواحهم من سلطان الجسد والمادة فرحون لأنهم صار تحت قيادة الله المباشرة وتحت رعايته ، وقد ذاقوا ونظروا ما أطيب الرب ، واختبروا جمال الحياة معه وهم فرحون أيضاً لأنهم قد لبسوا ثوباً جديداً من الرب ، بل قد لبسوا المسيح ( غل 3 : 27 )هذه هي أسابا الفرح بالرب التي نبشركم بها أن وضعت كل هذا في ذهنك فستفرح بالرب أما إن ملكت الخوف من المستقبل والخوف من الخطية ، والخوف من السقوط ، فهذا دليل علي أنك نسيت عمل الله معك وعمل فيه ، وبشراه لخلاصك وأعرف هذا إذن إن كل قلق وخوف واضطراب ويأس ، هو من عمل الشيطان هذا هو أسلوبه ، يريد أن يزعجك ويخفيك ، لكي تتسلم له وتترك جهادك الروحي ، وتفشل فلا تسمع له فنحن لا نجهل أفكاره ( 2كو 2: 11) أما ثمار الروح فهي فرح وسلام لذلك لما بشر الملائكة بميلاد المسيح قالوا "علي الأرض السلام ، وفي الناس المسرة "فلتكن المسرة إذن في قلوب الناس ، ولنعش في حياة الفرح الدائم ، نفرح بالرب كل حين ، شاكرين في كل حين ، علي كل شئ ( أف 5 : 20 ) . أرجو لكم :- أرجو لكم سنة سعيدة مباركة ثابتة في الرب ، تكونون فرحين فيها ، مملؤين من الرجاء والبهجة ، شاعرين بعمل الله فيكم ، وعمل الله لأجلكم ,وشاعرين أن قوة الله تظللكم ، وأن يده فوق أيديكم ، تمسك بأيديكم ، تمسك بأيديكم ، وتعمل به ، وتقود خطواتكم إليه وبهذه الروح تستقبلون العام الجديد ، وأنتم لستم وحدكم ، وإنما الله معكم ، مصلين أن يكون عامنا الجيد عاماً سعيداً مباركاً وفي نفس :- نحن نعلم أنه حسبما نكون ، هكذا يكون عامنا كثير من أحداثه وأخباره وتاريخه ، هي من ضعفنا نحن بإمكننا بنعمة الله العاملة فينا أن نملأ هذا العام خيراً وبراً فيكون كذلك أن حياتنا في أيدينا ليست مفروضة علينا نحن نصنعها بحرية الإرادة الموهوبة لنا من الله ، لنسير في الطريق التي نشاء فهكذا ترك لنا الحرية التي نقرر بها مصيرنا وماذا عن عمله الإلهي إذن في هذا العام ؟ إن نعمته مستعدة أن تعمل معنا الأعاجيب ، أن استسلمنا لعملها فينا ، ولم نقاوم الروح القدس الذي يريد لنا الخير الله يريد لنا الخير ، وبقي أن نريده نحن كذلك ، فتتحد مشيئتنا مع مشيئة الله الصالحة حينئذ تصير حياتنا كلنا خيراً حتي أن صادفتنا عقبات أو تجارب أو ضيقات ، تكون كلها للخير أيضاً لسنا محتاجين في حياتنا الروحية إلي من يتنبأ لنا كيف يكون عامنا الجديد إنما نحن محتاجون أن نفحص قلوبنا لنعرف قلوبنا هي مرآة المستقبل هي التي ترسم صورة مستقبلنا القلب القوي النقي هو نبوءة عن مستقبل قوي نقي و القلب الضعيف هو نبوءة عن مستقبل ضعيف فلنصل إلي الله أن يعطينا قلوباً طاهرة وقلوباً صامدة ولنطلب إليه من أجل بلدنا وشعبنا ، ليكون هذا العام عاماً سعيداً ، مهما حاول عدو الخير أن يعرقل عمل النعمة فيه ليكن عاماً كله فرح وكل عام وجميعكم بخير قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كيف نبدأعاماً جديدا
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل