المقالات

01 يناير 2019

التجسـد الإلهـى

عقيدة التجسد هى أهم عقيدة فى الإيمان المسيحى لأنها هى التى تميز الفكر المسيحى.. فنجد أن العهد القديم هو بعينه إيمان المسيحية فى العهد الجديد ولكن مع زيادة أن الله تجسد العهد القديم كان ينبئ أن الله سوف يتجسد وفى العهد الجديد تحقق التجسد لذلك فلنتخيل وكأن التجسد هذا صبغة إذا وُضع فيها العهد القديم يخرج العهد الجديد ولذلك فإن الانسان المسيحى الذى لا يفهم التجسد فانه لا يفهم المسيحية ليس فقط نفهم بل ايضاً نعيش ونحيا مفاهيم التجسد. 1- ما معنى التجسد؟ 2- لماذا التجسد؟ 3- ماذا حدث فى التجسد؟ 4 - ما فائدة التجسد؟ 5- ما هى الإعتراضات على التجسد؟ ما معنى التجسد؟-1 + فى حياتنا العادية ممكن أن تتواجد فكرة معينة فى عقلك ونحن لا نراها.. وإذا حاولت وصفها فنحن لا نفهمها فتعمل لنا نموذج لنراها.. ففى هذه الحالة تصبح الفكرة تجسدت.. وايضاً الرسم والشعر والقصص والمسرحية... والمهم أن الشئ الغير محسوس يصير محسوساً والغير منظور يُصبح مرئى. +أما فى الفكر المسيحى.. فإننا نتكلم عن تجسد الله.. الله روح لا يًرى وأراد أن نراه فأخذ لنفسه جسد لكى يجعلنا نراه.. وكما نقول فى التسبحة "غير المرئى رأوه وغير المحسوس لمسوه وغير الزمنى صار تحت الزمان".. الله غير المحدود الذى يملأ الوجود صار إنسان فى حجمنا وشكلنا ومشى على الأرض وسطنا.. وممكن أن نشبه التجسد ايضاً بالإرسال التليفزيونى الذى يًبث من الأقمار الصناعية لكل العالم.. والجهاز الصغير (التليفزيون) هو الذى يستقبل الارسال .. وهذه الموجات هى موجات كهرومغناطيسية لا تًرى.. وهكذا ايضاً إرسال الموبايل (الشبكة).. فإذا كان البشر فعلوا كل هذا.. إلا يستطيع الله أن يتجسد ويصير مرئى لكى نعرفه؟!.. + وكلمة تجسد تعطى معلومة أن المسيح كان كائناً قبل ميلاده من العذراء مريم.. فكلمة تجسد هذه لا تقال عن ولادة أى طفل آخر لأن الطفل العادى لا يكن له وجود أساساً.. أما كلمة تجسد تعنى أنه كان موجود بدون جسد ثم أصبح موجود وله جسد.. وكما يقول معلمنا يوحنا فى رسالته الأولى "الذى كان من البدء الذى سمعناه الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة فإن الحياة أُظهرت وقد رأيناه ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التى كانت عند الآب وأُظهرت لنا".. وكلمة أُظهرت تعنى أنها كانت موجودة ولكنها غير ظاهرة.. فالله (المسيح) كان موجود منذ الأزل ولكننا لا نراه لأنه ليس له جسد وهو أراد أن يرينا ذاته فتجسد فى شكل انسان. 2- لماذا التجسد: + تجسد لكى يفدينا من الموت لأن "أجرة الخطية موت" وذلك لأن الخطية إنفصال عن الله ومن ينفصل عن الله يموت.. مثل المصباح الذى ينفصل عن الكهرباء ينطفئ.. إذن فأنا حى بالله وإذا أخطأت أنفصل عن الله وأموت وليس لى رجاء.. فيجئ المسيح ويقول أنه سيموت مكانى.. وتظهر لنا مشكلة وهى أن المسيح لا يمن أن يموت.. فطبيعتة الله فكيف يموت؟!.. وكما نقول فى لحن أجيوس "قدوس الحى الذى لا يموت" طبيعته لا يموت وفى القبطى واليونانى "أثاناطوس" منها كلمة "أثناسيوس" أى "الخالد".. فكيف يموت الله؟!.. فيقول لنا أنه لكى يذوق الموت سيصبح إنسان ولكنه لا يفقد لاهوتيته.. مثل الدكتور الذى يريد أن يكون ضابط فيصبح دكتور ضابط.. وهذا هو ما حدث مع المسيح هو الله (دكتور) ويريد أن يكون انسان (ضابط) فلا يترك اللاهوت بل يدخل كلية الطهر (العذراء مريم) ويبقى داخلها 9 شهور.. ويخرج منها انسان دون أن يفقد لاهوته.. + فالمسيح إله وانسان فى نفس اللحظة.. فممكن أن يعمل أعمال الله أو أعمال الانسان (وكل هذا فى شخصية واحدة فى انسجام بدون انقسام أو إنفصال) وكما نقول فى اللحن "لم يزل إلهاً أتى وصار ابن بشر لكنه هو الإله الحقيقى أتى وخلصنا".. ولم يتغير لاهوته.. فجاء لكى يأخذ جسد (وهذا الجسد قابل للموت فيموت به لأجلنا) وكما نقول فى الأجبية "يا من ذاق الموت بالجسد" وكما نقول فى القداس "بموتك يا رب نبشر" فالله الذى لا يموت مات من أجلنا لأنه أخذ جسد.. + ومثال على ذلك النار لا يمكن أن تمسكها ولكن إذا وضعت فيها حديد يمكن أن تمسكها.. ويصبح الحديد مُحمى بالنار.. وبذلك أصبح الحديد يلسع مثل النار والنار يمكن مسكها مثل الحديد.. ولكن مازال النار نار(لاهوت) والحديد حديد (ناسوت).. ولم يتحول أى منهما للآخر.. ولذلك فالسيد المسيح بلاهوته اتحد بالناسوت فصار انسان حقيقى ولكنه الله يمشى ويتألم ويجوع. + كلمة لاهوت تعنى طبيعة الله.. وكلمة ناسوت تعنى طبيعة الانسان.. فجميعنا عندنا ناسوت كطبيعة واحدة وجميعنا متساويين فى الجوهر ولا فرق بين طفل وشيخ ورجل وامرأة أو حتى الجنين الذى فى بطن أمه فكلنا لنا طبيعة بشرية.. واتحد معنا المسيح فى هذه الطبيعة.. نمشى ونتكلم ولنا عقل ولنا حرية ولنا إرادة.. وجميعنا ننام ونجوع ونأكل ونشرب وننمو فى المعرفة ونكبر وجميعنا سنموت.. وكل انسان قابل للألم والمرض ولكن نختلف مثلاً فى نسبة الذكاء والجمال والطول والعمر.. ولكن جميعنا نشترك فى الطبيعة الانسانية والمسيح شاركنا فى هذه الطبيعة البشرية.. (نمى وكبر ونام وأكل وجاع وعطش وتألم وقبل الموت).. ولذلك نقول فى التسبحة "هو أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له نسبحه ونمجده ونزيده علواً" أخذ كل صفاتنا وأعطانا نعمته وقوته وطهارته وقداسته.. ولكننا لم نبدل الصفات بل أصبحنا شركاء فى نفس الشئ.. والمستفيد من كل هذا هو البشرية. 3- ماذا حدث فى التجسد؟ + أن المسيح بكل قوته ولاهوته دخل فى بطن العذراء وأخذ من لحمها ودمها وخلق لنفسه جسد اتحد به (طبيعة بشرية).. وجميعنا نعرف أنه لا يمكن أن تحبل أى بنت بدون زواج.. فكيف تحبل العذراء بدون زواج؟!... والأجابة هى هكذا: فى النبات لكى يكون عندنا شجرة لابد من وجود بذرة وأرض.. وهكذا فى الانسان الأم (الأرض) والأب عنده(البذرة).. والبذرة لابد أن تزرع فى الأرض الأم لتُخرج لنا انسان.. وهذه البذرة لا تُرى بالعين المجردة ومع ذلك يولد الطفل من الأم ووزنه حوالى 3.5 كيلو.. وكل هذا الجسد أخذه من الأم (ولكن لابد من وجود البذرة).. وأنا كانسان لكى أكون موجود فإنى مُحتاج لأب يمنحنى نعمة الوجود (البذرة) ومُحتاج لأم تعطينى الجسد... والسيد المسيح كان موجود من الأصل.. إذن فهو لا يحتاج لأب يعطيه الوجود ولكنه مُحتاج أم تعطيه الجسد.. ولذلك وُلد المسيح من أم بدون أب.. لأنه ليس له جسد فقط فأخذ يختار عناصر جسده لكى يخرج "أبرع جمالاً من بنى البشر".. وطبعاً المسيح أخذ يبحث عن الأم التى ليس مثيل لها.. ثم دخل داخلها واختار أحسن الصفات فيها.. وهى أحسن امرأة فى الوجود إذ لا يوجد مثلها.. "الآب تطلع من السماء فلم يجد من يشبهك أرسل وحيده أتى وتجسد منك"... + سؤال: أن السيد المسيح لم يحتاج إلى أب فلماذا احتاج إلى أم.. اليس هو الخالق؟!!.. وذلك لكى يأخذ نفس طبيعتنا وليس غريباً عنا فهو (ابن الانسان).. وشارك معنا فى اللحم والدم.. وذلك لكى يكون مساوى لنا فى جوهر الطبيعة البشرية.. وقد قالها معلمنا بولس فى رسالة العبرانين "إذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم تشارك فيهما هو ايضاً" وذلك لكى يبيد الخطية.. وإذا قلنا مثل البروتستانت ان العذراء علبة مجوهرات أخذنا الجوهرة وألقينا العلبة.. فالعلبة خشب والجوهرة ذهب.. ولم تأخذ الجوهرة شئ من العلبة أو من طبيعتها.. ولكننا نقول عليها أنها (أم الله) وليست (علبة الله).. لأنها هى الأرض التى أعطت المسيح الجسد.. والهراطقة قالوا عنها أنها (أنبوبة مر منها الله).. وكل هذا الكلام غير مضبوط لأنها (أم حقيقية) مثلما قالت لها أليصابات "من اين لى هذا أن تأتى أم ربى الىّ".. ويقول الكاهن فى الاعتراف فى القداس "اؤمن أن هذا هو الجسد الذى أخذه ابنك الوحيد من سيدتنا العذراء مريم".. + وهذا ما حدث فى التجسد أن الله بلاهوته دخل إلى بطن العذراء وأخذ من لحمها ودمها وكّون لنفسه جسد واتحد به.. ووُلد من عذراء وشابهنا تماماً ما خلا الخطية وحدها.. ومشى على الأرض كانسان وهو يحمل فى داخله كل جمر اللاهوت ولكنه أخفاه.. ولم يعلم أحد بسره سوى العذراء مريم فقط.. ولذلك جميعنا نقف أمامها مبهورين.. كيف أنها تحملت أن تُخفى فى قلبها معلومات لا أحد يقدر أن يعرفها أو يحتملها غيرها.. وهى بذلك ارتفعت فوق الطابع البشرى "أما مريم فكانت تحفظ جميع هذه الأمور متفكرة بها فى قلبها"... ولم تتكلم سوى مع أليصابات حين فتحت فمها وقالت "تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى...." وفى عرس قانا الجليل قالت "ليس لهم خمر".. وقالت للخدّم "مهما قال لكم فافعلوه".. وهنا نجد أنها لم تتكلم سوى هذه الكلمات فقط ولم تفتح فاها بكلمات أخرى.. لا يوجد مثلها وبكل صراحة فهى تستحق أن تكون أم الله "أكسيا" أى مستحقة.. هكذا تجسد الله من عذراء بكر فتاة. 4- ما هى فوائد أو بركات التجسد؟ 1- الفداء: لولا التجسد ما كان الفداء.. إذ لا أحد يفدينا غيره. 2- إكتشفنا ما لم نكن نعلمه.. إذ اكتشفنا أن البشرية محترمة فى نظر الله.. وبدأ الانسان يسترد شعوره بذاته.. إذ أن الله نزل وعاش وسطنا.. إذن فالجسد ليس شرير.. بل ايضاً ازددنا احتراماً .. وذلك مثل الأب الذى اشترى تى شيرت لابنه ولم يعجبه.. ولكنه أعجبه عندما وجد أن رئيس الجمهورية يلبس مثله.. بل أن هذا التى شيرت هو بعينه الذى كان يلبسه رئيس الجمهورية.. إذن فهذا التى شيرت أصبح له قيمة فى نظر الولد.. وهكذا ربنا أعطانا جسد فاحتقرناه لأنه ملئ بالشهوات والنجاسات.. فأرانا أن ابن الله يلبس جسد مثل جسدنا هذا.. إذن فهذا الجسد محترم.. بل أن المفاجأة الأكبر هى أننا بالمعمودية والتناول اتحدنا بابن الله فصار جسدنا جزءاً منه.. فى هذه الحالة فجسدنا غالى جداً جداً.. ولذلك نقول فى القداس للمسيح "باركت طبيعتى فيك" فطبيعتنا أصبحت مباركة ومكرمة ومحترمة.. 3- أن هذا الجسد الذى اتحد به السيد المسيح عاش به على الأرض حياتنا العادية.. فقدس كل الحياة.. سواء شرب أو أكل أوصوم أو نوم أو استيقاظ أو كلام أو صمت أو عمل أو .. لأن كل هذا فعله هو.. فصارت الحياة كلها مقدسة.. فبعد التجسد لم يصبح المسيح مسيح الهيكل والصلاة فقط.. بل مسيح الحياة كلها.. فتستطيع أن تتقابل مع المسيح ليس فى الكنيسة فقط بل فى كل الأماكن لأنها كلها مقدسة. 4- المسيح بعد الموت والقيامة أخذ جسده وذهب به فى السماء فأصبح يوجد سابقة قانونية.. إذن ايضاً أجسادنا من الممكن أن تدخل معه للسماء.. لذلك يقول معلمنا بولس "دخل كسابق لأجلنا" يفتح لنا الباب.. وقال المسيح "أنا ذاهب لأعد لكم مكان".. فالسماء هى مكان للاهوت والملائكة ولكن المسيح أخذ الناسوت وأدخله فأصبح من الممكن لنا أن ندخل نحن ايضاً على حساب المسيح. 5- ما هى اعتراضات التجسد؟ يوجد ناس لا يصدقون التجسد.. 1- الناس الذين يقللون من قيمة الانسان فانهم يستكثروا أن الله يصبح انسان مثل مثال الولد والتى شيرت فانه لم يعجبه التى شيرت الذى أحضره له أبوه...إذن فيجب أن نحترم الطبيعة الانسانية فلا نستغرب تجسد الله. 2- نحن نقول الله تجسد.. ولكن المعترضون فهموها بالعكس.. إننا نؤله الانسان الذى هو المسيح.. ولكننا نقول أنه المسيح هو الله ثم أصبح انسان.. مثال التلميذ الذى يقول أنه مدير المدرسة لا يقبلوه.. ولكن المدير إذا دخل الفصل وسمع شرح المدرس مثل التلميذ فلا عجب فى ذلك لأن هذا من حقه.. فعندما يتنازل الكبير نمجده وعندما يتعاظم الصغير لا نقبله.. وخصوصاً أننا نعرف "أن الله على كل شئ قدير" ولم يقل أنه على كل شئ قدير إلا التجسد.. فلا يصح أن نحد من قدرات الله.. فيجب أن نفتح قلبنا لالهنا المتضع العظيم حتى لا نجده قد "تحول وعبر نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
25 فبراير 2020

قراءات الصوم الكبير وترابطها

إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العميقة في كل شيء، العميقة في طقوسها وقراءاتها، رتبت أن يكون هناك هدف يربط بين قراءات الصوم المقدس في الكنيسة، وهذا يتضح من خلال وجود : 1- موضوع عام للصوم المقدس. 2- موضوعات عامة لأسابيع الصوم. 3- موضوعات عامة لأيام الصوم. 4- موضوعات خاصة لأيام الصوم. 5- وهناك أيضاً موضوعان لقسمي الصوم. 6- وموضوعات للسبوت والآحاد. أولاً: الموضوع العام للصوم المقدس : إن الكنيسة رتبت لنا أن تدور القراءات التي تتلى خلال الصوم المقدس حول موضوع واحد وهو "الجهاد الروحي"، لأنها تعلِّم مع بولس الرسول "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب 4:12) وهى تناشد كلاًّ منا أن يجاهد الجهاد الحسن كما كان بولس الرسول يناشد تلميذه تيموثاوس قائلاً وهى تناشد كلاًّ منا أن يجاهد الجهاد الحسن كما كان بولس الرسول يناشد تلميذه تيموثاوس قائلاً: "جاهد جهاد الإيمان الحسن وأمسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت أيضاً واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين" (1تى 12:6). ثانياً: الموضوعات العامة لأسابيع الصوم : قسمت الكنيسة الأربعين المقدسة إلى ستة أسابيع يبدأ كل منها يوم الاثنين وينتهي يوم الأحد، وأضافت في أولها أسبوعاً للاستعداد وهو مقدمة للصوم. ثم جعلت جميع القراءات التي تتلى في أيام كل أسبوع من هذه الأسابيع السبعة تدور حول موضوع واحد وهدف واحد يعتبر حلقة من حلقات الموضوع العام للصوم. الأسبوع الأول : تدور قراءاته حول الاستعداد للجهاد، وإذا حذفنا قراءات هذا الأسبوع سوف نجد أنها لن تؤثر على الموضوع العام للصوم لأنه استعداد. الأسبوع الثاني : وموضوع قراءاته هو الجهاد الروحي وطبيعته. الأسبوع الثالث : وتدور قراءاته حول التوبة أو طهارة الجهاد. الأسبوع الرابع : هو أسبوع الإنجيل أو دستور الجهاد. الأسبوع الخامس : أسبوع الإيمان أو هدف الجهاد. الأسبوع السادس : أسبوع المعمودية أو صبغة الجهاد. الأسبوع السابع : أسبوع الخلاص "خلاص الجهاد". ثالثاً: الموضوعات العامة لأيام الصوم : أيام الأسبوع الأول : وقراءات هذا الأسبوع بمثابة الاستعداد لرحلة الجهاد، حيث أن قراءات الأيام السبعة لهذا الأسبوع تسير على الترتيب الآتي : ترك الشر - الالتصاق بالخير - محبة الآخرين - النمو الروحي - الاتكال على الله - السلوك بالكمال - الهداية إلى الملكوت. أيام الأسبوع الثاني : بعد أن أعدت الكنيسة نفوس أولادها للجهاد الروحي على النحو السابق، فهي في هذا الأسبوع تبين من خلال قراءاتها طبيعة الجهاد المطلوب منهم فتتحدث عن: صلاة الجهاد - صدقة الجهاد - أمانة الجهاد - دستور الجهاد - ثبات الجهاد - ضيقات الجهاد - نصرة الجهاد. أيام الأسبوع الثالث : وفى الأسبوع الثالث توضح لنا الكنيسة أن الجهاد لابد أن يكون متسماً بطهارة القلب والفكر عن طريق التوبة الحقيقية من خلال قراءات الأيام السبعة وهى كالتالي: اعتراف التوبة - بر التوبة - تجارب التوبة - دينونة التوبة - أمان التوبة - مغفرة التوبة - قبول التوبة. أيام الأسبوع الرابع : وقراءات هذا الأسبوع تتحدث عن دستور الجهاد؛ الذي هو الكتاب المقدس وهكذا تشير موضوعات هذا الأسبوع على الترتيب التالي إلى : روح الإنجيل - الكرازة بالإنجيل - سلام الإنجيل - إنارة الإنجيل - الإيمان بالإنجيل - العمل بالإنجيل - عزة الإنجيل. أيام الأسبوع الخامس : إن الهدف من الكرازة بالإنجيل هو أن يؤمن به سامعوه، والكنيسة تعالج موضوع الإيمان من خلال قراءات الأسبوع الخامس كما يلى: اتكال الإيمان - خدمة الإيمان - رجاء الإيمان - تحرير الإيمان - قصاص الإيمان - هداية الإيمان - تشديد الإيمان. أيام الأسبوع السادس : إن العضوية في كنيسة المسيح لا تتم لمن يؤمن إلا إذا نال سر المعمودية، وقد رتبت الكنيسة أن توزع أبحاثها فى هذا السر على أيام الأسبوع في ضوء عقيدتها والطقس المتبع في إتمامه، لذلك فالقراءات تدور حول: توبة المعمودية - اعتراف المعمودية - دينونة المعمودية - حياة المعمودية - قيامة المعمودية - خلاص المعمودية - إنارة المعمودية. أيام الأسبوع السابع : إن الخلاص هو غاية الذين يتوبون ويؤمنون بالإنجيل ويعتمدون، وقد رتبت الكنيسة أن تبحث في موضوع الخلاص ممثلا في شخص الرب يسوع من النواحي الآتية: شهود المخلص - الاعتراف بالمخلص - الإيمان بالمخلص - قيامة المخلص - دينونة المخلص - بركة المخلص - فداء المخلص. وعلى ذلك تسير الموضوعات طوال أيام الصوم، ويلاحظ أن هذه القراءات تتألف من فصول العهد القديم والجديد لكل يوم من أيام هذا الصوم. رابعاً: الموضوعات الخاصة لأيام الصوم : إن المتأمل في القراءات الموضحة لكل يوم من أيام الصوم المقدس يرى أنها تتألف من ثلاث مجموعات هي النبوات والأناجيل والرسائل. وهذه المجموعات بينها ارتباط وثيق، وكلها تدور حول موضوع واحد هو الموضوع العام لليوم. خامساً: موضوعا قسمي الصوم : لقد قسمت الكنيسة الصوم إلى قسمين : القسم الأول : يتألف من أسبوع الاستعداد والأسابيع الثلاثة التالية له، وموضوعات هذا القسم كلها تدور حول ما هو مطلوب من هذا الشعب من مظاهر الجهاد الروحي، مثل ترك الشر، وممارسة الصلاة، والصدقة، والتوبة، وإطاعة الإنجيل وما إلى ذلك. والقسم الثاني : ويشمل الأسابيع الثلاثة الأخيرة، والقراءات في هذا القسم تدور كلها حول ثمرة الجهاد، أي مدى استجابة المؤمنين له، كإيمانهم بالإنجيل والتمتع بثمار المعمودية والفوز بالخلاص. سادساً: موضوعات السبوت والآحاد : إن الكنيسة ميزت موضوعات السبوت والآحاد عن أيام الصوم الانقطاعي الخمسة بميزتين، فمن يدقق النظر في نظامهما يلاحظ ذلك: أ- الميزة الأولى : أن موضوعات الأيام الخمسة تنصب على ما يبذله الشعب من جهاد، في حين أن موضوعات السبوت والآحاد تنصب على نعم المخلص المتعددة التي يمنحها لهم جزاء لهذا الجهافإذا تابوا مثلاً يقبل توبتهم مثل الابن الضال. وإذا سمعوا الإنجيل وعملوا به روى نفوسهم كما ارتوت السامرية وإذا آمنوا شدد إيمانهم كما شدد وإذا اعتمدوا أنار بصيرتهم كما استنار المولود أعمى. ب- الميزة الثانية : هي الارتباط الوثيق بين موضوعات السبوت وموضوعات الآحاد، فحلقات الموضوع العام في أي أسبوع تبدأ بيوم الاثنين وتنتهي بيوم الجمعة، لأن هذه الأيام الخمسة مرتبطة ببعضها، قائمة بذاتها، مستقلة عما عداهاثم تستأنف الكنيسة نفس الموضوع يوم السبت، ولكن بحلقة جديدة من الحلقات. فتطالب الشعب بناحية جديدة من الجهاد، حتى إذا قام بها حمل إليه إنجيل الأحد ثواب المخلص له على هذا الجهاد.على سبيل المثال قراءات الأسبوع الثالث تدور حول التوبة، ففي يوم الاثنين الحلقة الأولى منه تدور حول الاعتراف به، يليها تبرير المعترف، ثم تعرضه للتجارب وهكذا.. أما في يوم السبت فإن الكنيسة تحث التائب على المغفرة لغيره، فإذا فعل ذلك قبلت توبته، كما يوضح ذلك إنجيل الأحد.. أي أن إنجيل السبت يمثل جهاد الشعب وإنجيل الأحد يمثل نعمة المخلص له على هذا الجهاد.. وهكذا في كافة الأسابيع.هذه هي موضوعات الصوم كما وضعتها الكنيسة، ولابد أن نلاحظ أن الاهتداء إلى هذه الموضوعات ليس بالأمر الهين، فقد يقتضى ذلك أن نبدأ بقراءة إنجيل القداس ورسالة البولس والنبوة الأولى عدة مرات لمعرفة سر الارتباط بينها، ثم قراءة النبوات واحدة واحدة لمعرفة موضوعها الخاص، وكذلك الحال في بقية الأناجيل والرسائل - ثم البحث في مدى ارتباط قراءات اليوم ببعضها البعض لاستخراج الموضوع العام لقراءات هذا اليوم، ثم الموضوع العام للأسبوع الذي يربط بينها، فإذا انتهينا من الموضوعات العامة للأسابيع توصلنا إلى معرفة الموضوع العام للصوم كله. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
03 ديسمبر 2018

التسبيح في الكنيسة

والآن بعد أن استعرضنا كل النصوص التي تتكلَّم عن التسبيح في الكتاب المقدس بعهديه ماذا عن التسبيح في كنيستنا المسيحية؟ لدينا أيضًا عدد كبير من الآيات التي تحثنا على تسبيح الله بقلب طاهر مُستخدمين المزامير والتسابيح والأغاني الروحية:"مُكلمينَ بَعضُكُمْ بَعضًا بمَزاميرَ وتسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ، مُتَرَنمينَ ومُرَتلينَ في قُلوبِكُمْ للرَّب" (أف19:5)"وأنتُمْ بكُل حِكمَةٍ مُعَلمونَ ومنذِرونَ بَعضُكُمْ بَعضًا، بمَزاميرَ وتسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ، بنِعمَةٍ، مُتَرَنمينَ في قُلوبِكُمْ للرَّب" (كو16:3)."فما هو إذًا أيُّها الإخوَةُ؟ مَتَى اجتَمَعتُمْ فكُلُّ واحِدٍ مِنكُمْ لهُ مَزمورٌ" (1كو26:14). "واظِبوا علَى الصَّلاةِ ساهِرينَ فيها بالشُّكرِ" (كو2:4) " أعلَى أحَدٍ بَينَكُمْ مَشَقّاتٌ؟ فليُصَل. أمَسرورٌ أحَدٌ؟ فليُرَتلْ" (يع13:5) "ونَحوَ نِصفِ اللَّيلِ كانَ بولُسُ وسيلا يُصَليانِ ويُسَبحانِ اللهَ، والمَسجونونَ يَسمَعونَهُما" (أع25:16)هذه التعاليم الإلهية وغيرها كثير في الكتاب المقدس دفعت الكنيسة دفعًا إلى أن تحيا حياة التسبيح الدائم، وكان سفر المزامير هو المصدر الأساسي والرئيسي للتسبيح في الكنيسة فقد وجد فيه الآباء القديسون ما يروي ظمأهم للحب الإلهي ولم يكن الترتيل بالمزامير شيئًا جديدًا، فقد ورثته الكنيسة المسيحية عن الهيكل والمجامع اليهودية والسيد المسيح نفسه قد رتل (مزامير الهلّيل) مع تلاميذه في ليلة العشاء السري وهي (مزامير 113-118) وعبرّت الأناجيل عن هذه التسابيح بالعبارة: "ثُمَّ سبَّحوا وخرجوا إلَى جَبَلِ الزَّيتونِ" (مت30:26، مر26:14) وقيل أيضًا عن الآباء الرسل:"وكانوا كُلَّ حينٍ في الهيكلِ يُسَبحونَ ويُبارِكونَ اللهَ" (لو53:24) "وصَعِدَ بُطرُسُ ويوحَنا مَعًا إلَى الهيكلِ في ساعَةِ الصَّلاةِ التّاسِعَةِ" (أع1:3). وكل الجماعة المسيحية الأولى قيل عنها: "وكانوا كُلَّ يومٍ يواظِبونَ في الهيكلِ بنَفسٍ واحِدَةٍ" (أع46:2) "مُسَبحينَ اللهَ" (أع47:2). "وكانوا لا يَزالونَ كُلَّ يومٍ في الهيكلِ وفي البُيوتِ مُعَلمينَ ومُبَشرينَ بيَسوعَ المَسيحِ" (أع42:5). بكل تأكيد لم يكونوا يشتركون في ذبائح اليهود، إذ قد أدركوا أن ذبيحة المسيح على الصليب، كانت قد أبطلت كل هذه الذبائح الدموية، وإنما اكتفوا بأن يشتركوا في ذبيحة التسبيح بالمزامير والألحان. أما الذبائح الدموية اليهودية فقد استُبدلت بالطقس المسيحي الذي هو ذبيحة الإفخارستيا (كسر الخبز) "وإذ هُم يَكسِرونَ الخُبزَ في البُيوتِ" (أع46:2)وكان هذا الطقس يُتمم في البيوت، حيث لم يكن مُستطاعًا لهم أن يقوموا به في هيكل اليهود كل هذه الذخيرة الروحية الثمينة والعميقة انتقلت بكل مشاعرها الروحية وآثارها النُسكية العميقة إلى كنيستنا القبطية المجيدة، وقد سجل التاريخ أن الشعب القبطي كان يقضي الليل كله في الصلاة والتسبيح حتى الفجر، خاصة في ليالي الآحاد، حيث تبدأ خدمة الإفخارستيا عند الفجر وتنتهي غالبًا مع شروق الشمس وذلك بعد الانتهاء من سهر التسبيح وهناك معنى روحي جميل لاجتماع المؤمنين في الكنيسة والظلام باق، ثم خروجهم منها وقد استنارت المسكونة بضياء الشمس. فهذا يُعبِّر عن إلتجائنا إلى الله في وقت ظلام النفس (إما بسبب الخطية، أو بسبب الضيقات)، ولا نخرج من لُدن الله إلا وقد استنارت نفوسنا بالغفران وحضور الله فينا ومازال هذا الطقس يُجرى يوميًا في الأديرة المقدسة حيث يخرج الرهبان الأتقياء من قلاليهم بعد منتصف الليل والظلام حالك، ثم يخرجون من الكنيسة بعد انتهاء القداس وقد أشرقت الشمس وقد أشار سقراط المؤرخ إلى خدمة التسبيح الليلية في الإسكندرية وبلاد الصعيد، وكذلك وصف يوحنا كاسيان الكثير من التفاصيل عن خدمة السهر والتسبيح لدى الأقباط، وورد في قصة هروب القديس أثناسيوس من أعدائه الأريوسيين، أنه كان مع شعبه في الكنيسة عندما هاجمهم الجند بينما كانوا يقومون بعمل التسبيح. هذا كله يشرح ولع المصريين بالتسبيح، والسهر للصلاة منذ فجر المسيحية وحتى اليوم وبالإضافة إلى سفر المزامير كمصدر رئيسي وأساسي للتسبيح في الكنيسة استخدم الآباء بعض التسابيح والصلوات الواردة في الكثير من أسفار الكتاب المقدس ومنها تبلورت التسبحة اليومية المستخدمة حاليًا بالكنيسة بترتيبها المعروف، ولكنه يظهر بأجلى وضوح في ترتيب سهرة السبت الكبير (أبوغالمسيس)، حيث تُتلى تسابيح الأنبياء المسجلة في الكتاب المقدس ونذكر منها: (1) نشيد الخروج (تسبحة موسى النبي وبني إسرائيل بعد الخروج من مصر وعبور البحر الأحمر) (خروج 15) وهي الآن (الهوس الأول). (2) تسبحة موسى النبي "اِنصِتي أيَّتُها السماواتُ فأتكلَّمَ، ولتَسمَعِ الأرضُ أقوالَ فمي" (تث1:32-43). (3) تسبحة الثلاثة الفتية في أتون النار: وهي الآن (الهوس الثالث)، وقد وردت في (سفر دانيال). (4) تسبحة إشعياء النبي "يارَبُّ، أنتَ إلهي أُعَظمُكَ أحمَدُ اسمَكَ لأنَّكَ صَنَعتَ عَجَبًا مَقاصِدُكَ منذُ القَديمِ أمانَةٌ وصِدقٌ" (إش25). (5) تسبحة أخرى لإشعياء النبي "في ذلكَ اليومِ يُغَنَّى بهذِهِ الأُغنيَّةِ في أرضِ يَهوذا:لنا مدينةٌ قَويَّةٌ. يَجعَلُ الخَلاصَ أسوارًا ومَترَسَةً" (إش26). (6) تسبحة السيدة العذراء"فقالَتْ مَريَمُ: تُعَظمُ نَفسي الرَّبَّ، وتبتَهِجُ روحي باللهِ مُخَلصي" (لو46:1-55). (7) تسبحة زكريا الكاهن"مُبارَكٌ الرَّبُّ إلهُ إسرائيلَ لأنَّهُ افتَقَدَ وصَنَعَ فِداءً لشَعبِهِ" (لو67:1-79). (8) تسبحة الملائكة " المَجدُ للهِ في الأعالي، وعلَى الأرضِ السَّلامُ، وبالناسِ المَسَرَّةُ" (لو13:2-14). (9) تسبحة سمعان الشيخ"الآنَ تُطلِقُ عَبدَكَ يا سيدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بسَلامٍ" (لو28:2-32). (10) التسابيح التي وردت في سفر الرؤيا، وهي كثيرة في آيات متعددة على مدى السفر كله. طرق التسبيح الكنسي تنوعت طرق التسبيح أثناء السهر حتى يكسروا الملل، ويمنعوا تشتت الفكر، وتعب الجسد، ويتجدد الحماس والانتباه ونشاط النفس في الصلاة. ومن هذه الطرق: (1) طريقة المردات: حيث يقوم أحد الشمامسة ويرتل التسبيح، بينما يكون الباقون جالسين ويردون عليه بالمرد مثل: (الليلويا)، أو (آمين الليلويا)، أو (آمين)، أو (لأن إلى الأبد رحمته)، أو (سبحوه ومجدوه زيدوه علوًا إلى الأبد) الخ. (2) طريقة المرابعة (Antiphon): وهي طريقة خورس مقابل خورس آخر. وقد وردت هذه الطريقة في زمان عزرا ونحميا (عز10:3-11)، (نح27:12-40)، كما أُشير إليها في سفر إشعياء. حيث رأى السارافيم يسبحون واحد مقابل واحد آخر (إش2:6-4)، وكذلك في سفر الرؤيا. وهذه الطريقة هي السائدة الآن في تسابيحنا القبطية. (3) طريقة التبادل: حيث يبادل فرد الآخر بالترتيل، والجميع يتابعون جلوسًا ويردون المردات كما يحدث في تسابيح كيهك الآن. كتب التسابيح في الكنيسة - أهم كتب التسابيح في الكنيسة (1) كتاب الإبصلمودية المقدسة: وهو الكتاب المستخدم في التسبحة اليومية على مدار السنة، وكلمة إبصلمودية كلمة يونانية من الفعل (إبصالو) أي (يرتل). (2) توجد كذلك إبصلمودية أخرى كيهكية تحتوي على تسابيح أخرى، تناسب الاحتفال بتجسد الله الكلمة، وميلاده من العذراء مريم. (3) يوجد كتاب للإبصاليات وهي ترانيم للأعياد وللقديسين للاستخدام في أعيادهم. عزيزي القارئ. أرجو أن أكون قد فتحت أمام عين ذهنك الطاهر مقدار كرامة التسبيح من وجهة نظر الكتاب المقدس،ليتحرك قلبك مع قلبي وقلب كل الكنيسة لنمجِّد الله بتسابيح الحب والحمد والفرح الدائم كل حين والرب معكم،،، نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
08 أكتوبر 2018

عصر سبي بابل - الجزء الثاني

(3) سبي مملكة يهوذا ما يعنينا بالأكثر هو مملكة يهوذا.. لنتتبع معًا رحلة التسبيح، وكيف اِنهار هذا الصرح العظيم بسبب السبي. ولقد تنبأ إشعياء النبي عن سبي مملكة يهوذا قبل حدوثه بأكثر من مائة عام بسبب خطية الشعب وقال: "ويَندَفِقُ إلَى يَهوذا. يَفيضُ ويَعبُرُ. يَبلُغُ العُنُقَ. ويكونُ بَسطُ جَناحَيهِ مِلءَ عَرضِ بلادِكَ يا عِمّانوئيلُ" (إش8:8). "هوذا تأتي أيّامٌ يُحمَلُ فيها كُلُّ ما في بَيتِكَ (يقصد بيت حزقيا الملك)، وما ذَخَرَهُ آباؤُكَ إلَى هذا اليومِ إلَى بابِلَ. لا يُترَكُ شَيءٌ، يقولُ الرَّبُّ. ويؤخَذُ مِنْ بَنيكَ الذينَ يَخرُجونَ مِنكَ، الذينَ تلِدُهُمْ، فيكونونَ خِصيانًا في قَصرِ مَلِكِ بابِلَ" (2مل17:20-18) هناك أيضًا نبوات كثيرة جدًّا تنبأ بها الأنبياء بخصوص السبي إلى بابل، وكان الهدف منها أن يرجع الشعب عن خطيته بالتوبة، ولكن لم يحدث فصار حكم الله نافذًا وسُبيت المملكة إلى بابل. وكان سبي مملكة يهوذا على عدة مراحل: سبي نبوخذناصر ملك بابل بعض سكان أورشليم، وكان من بينهم دانيال والثلاثة الفتية القديسون سنة 605 ق.م. (دانيال1:1-7). سبي رجال نبوخذناصر الملك مجموعات أخرى من الشعب إلى بابل في عهد الملك يهوياقيم (2مل1:24-4).. الذي قيل عنه إنه: "عَمِلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّب إلهِهِ" (2أخ5:36).. لذلك كانت عقوبته أنه: "علَيهِ صَعِدَ نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ وقَيَّدَهُ بسَلاسِلِ نُحاسٍ ليَذهَبَ بهِ إلَى بابِلَ، وأتَى نَبوخَذناصَّرُ ببَعضِ آنيَةِ بَيتِ الرَّب إلَى بابِلَ وجَعَلها في هيكلِهِ في بابِلَ" (2أخ6:36-7). جاء نبوخذناصر للمرة الثالثة، وحاصر أورشليم في عهد يهوياكين ملك يهوذا ونهب المدينة وسلب محتويات الهيكل (2مل12:24-16)، وسبى عشرة آلاف من أهلها إلى بابل. حقًا قيل من جهة هذا الدمار: "آثامُكُمْ عَكَسَتْ هذِهِ، وخطاياكُمْ مَنَعَتِ الخَيرَ عنكُمْ" (إر5: 25). في سنة 588 ق.م. ثار صدقيا الملك ضد نبوخذناصر الملك، لقد قيل عن صدقيا الملك: "وعَمِلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّب إلهِهِ، ولم يتواضَعْ أمامَ إرميا النَّبي مِنْ فمِ الرَّب. وتمَرَّدَ أيضًا علَى المَلِكِ نَبوخَذناصَّرَ الذي حَلَّفَهُ باللهِ، وصَلَّبَ عُنُقَهُ وقَوَّى قَلبَهُ عن الرُّجوعِ إلَى الرَّب إلهِ إسرائيلَ، حتَّى إنَّ جميعَ رؤَساءِ الكهنةِ والشَّعبِ أكثَروا الخيانَةَ حَسَبَ كُل رَجاساتِ الأُمَمِ، ونَجَّسوا بَيتَ الرَّب الذي قَدَّسَهُ في أورُشَليمَ. فأرسَلَ الرَّبُّ إلهُ آبائهِمْ إليهِمْ عن يَدِ رُسُلِهِ مُبَكرًا ومُرسِلاً لأنَّهُ شَفِقَ علَى شَعبِهِ وعلَى مَسكَنِهِ، فكانوا يَهزأونَ برُسُلِ اللهِ، ورَذَلوا كلامَهُ وتهاوَنوا بأنبيائهِ حتَّى ثارَ غَضَبُ الرَّب علَى شَعبِهِ حتَّى لم يَكُنْ شِفاءٌ" (2أخ12:36-16). لذلك أسلمه الله مع شعبه لهذا السبي. فجاء "نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ هو وكُلُّ جَيشِهِ علَى أورُشَليمَ ونَزَلَ علَيها، وبَنَوْا علَيها أبراجًا حولها. ودَخَلَتِ المدينةُ تحتَ الحِصارِ إلَى السَّنَةِ الحاديَةَ عشَرَةَ للمَلِكِ صِدقيّا. في تاسِعِ الشَّهرِ اشتَدَّ الجوعُ في المدينةِ، ولم يَكُنْ خُبزٌ لشَعبِ الأرضِ. فثُغِرَتِ المدينةُ، وهَرَبَ جميعُ رِجالِ القِتالِ ليلاً مِنْ طريقِ البابِ بَينَ السّورَينِ اللذَينِ نَحوَ جَنَّةِ المَلِكِ. وكانَ الكِلدانيّونَ حولَ المدينةِ مُستَديرينَ. فذَهَبوا في طريقِ البَريَّةِ. فتَبِعَتْ جُيوشُ الكِلدانيينَ المَلِكَ فأدرَكوهُ في بَريَّةِ أريحا، وتفَرَّقَتْ جميعُ جُيوشِهِ عنهُ. فأخَذوا المَلِكَ وأصعَدوهُ إلَى مَلِكِ بابِلَ، إلَى رَبلَةَ، وكلَّموهُ بالقَضاءِ علَيهِ. وقَتَلوا بَني صِدقيّا أمامَ عَينَيهِ، وقَلَعوا عَينَيْ صِدقيّا وقَيَّدوهُ بسِلسِلَتَينِ مِنْ نُحاسٍ، وجاءوا بهِ إلَى بابِلَ (2مل1:25-7) لقد هُدمت أسوار أورشليم والهيكل وأُحرقت المدينة بالنار، ولم يبقَ في أورشليم سوى المساكين والفلاحين (2مل8:25-12). وتم المكتوب: "فتتشَتَّتَ الغَنَمُ، وأرُدُّ يَدي علَى الصغارِ" (زك7:13) إنها النتيجة المروعة للخطية: "فأصعَدَ علَيهِمْ مَلِكَ الكِلدانيينَ فقَتَلَ مُختاريهِمْ بالسَّيفِ في بَيتِ مَقدِسِهِمْ. ولم يَشفِقْ علَى فتًى أو عَذراءَ، ولا علَى شَيخٍ أو أشيَبَ، بل دَفَعَ الجميعَ ليَدِهِ. وجميعُ آنيَةِ بَيتِ اللهِ الكَبيرَةِ والصَّغيرَةِ، وخَزائنِ بَيتِ الرَّب وخَزائنِ المَلِكِ ورؤَسائهِ أتَى بها جميعًا إلَى بابِلَ. وأحرَقوا بَيتَ اللهِ، وهَدَموا سورَ أورُشَليمَ وأحرَقوا جميعَ قُصورِها بالنّارِ، وأهلكوا جميعَ آنيَتِها الثَّمينَةِ. وسَبَى الذينَ بَقوا مِنَ السَّيفِ إلَى بابِلَ، فكانوا لهُ ولبَنيهِ عَبيدًا إلَى أنْ مَلكَتْ مَملكَةُ فارِسَ"(2أخ17:36-20). وهكذا أيضًا انتهت دولة يهوذا وأصابها العار والضياع. (4) أحوال التسبيح أثناء السبي كيف نتكلَّم عن التسبيح ومجد الهيكل وقد أصاب الدمار كل شيء؟!! لم يعد هناك سوى الذكريات والأنين.. "علَى أنهارِ بابِلَ هناكَ جَلَسنا، بَكَينا أيضًا (بدل الفرح والتسبيح) عِندَما تذَكَّرنا صِهيَوْنَ. علَى الصَّفصافِ في وسطِها عَلَّقنا أعوادَنا (لأننا لا نستطيع أن نعزف ونرتل بسبب الحزن والسبي). لأنَّهُ هناكَ سألَنا الذينَ سبَوْنا كلامَ ترنيمَةٍ (على سبيل التهكم أو التسلية، أو قد يكون لأنهم معجبون ومشتاقون لسماع تسابيح صهيون)، ومُعَذبونا سألونا فرَحًا (بشماتة) قائلينَ: "رَنموا لنا مِنْ ترنيماتِ صِهيَوْنَ". كيفَ نُرَنمُ ترنيمَةَ الرَّب في أرضٍ غَريبَةٍ؟ إنْ نَسيتُكِ يا أورُشَليمُ، تنسَى يَميني! ليَلتَصِقْ لساني بحَنَكي" (مز1:137-6) كانت تسابيح أورشليم قد طبقت شهرتها الآفاق، حتى أن الأعداء البابليين كانوا قد سمعوا عن مجد وبهاء هذا التسبيح، فطلبوا من الشعب المسبي – بحب استطلاع أو بتهكم – أن يرتلوا لهم هذه التسابيح. لكن لم تعد هناك حتى الرغبة في التسبيح. كيف تُسبِّح النفس المسبية بعيدًا عن الله والهيكل والمقدسات؟!! كيف تغني النفس المُعاقَبة بسبب الخطية؟!! لم تكن تسابيح الرب مجرد أغاني يتمتع بها الغرباء في حفلات صاخبة - كما كانوا يفعلون - لكنها كانت ذبيحة حب وفرح يُغنى بها في حضور إله إسرائيل لقد أتت نبوة أيوب: "صارَ عودي للنَّوْحِ، ومِزماري لصوتِ الباكينَ" (أي31:30) وكذلك نبوة إشعياء: "فتَئنُّ وتنوحُ أبوابُها، وهي فارِغَةً تجلِسُ علَى الأرضِ" (إش26:3)، "بَطَلَ فرَحُ الدُّفوفِ، انقَطَعَ ضَجيجُ المُبتَهِجينَ، بَطَلَ فرَحُ العودِ" (إش8:24) وصار إرميا يئن في مراثيه: "مَضَى فرَحُ قَلبِنا. صارَ رَقصُنا نَوْحًا" (مرا 15:5) وناح يوئيل بحزن شديد: "تنَطَّقوا ونوحوا أيُّها الكهنةُ. ولوِلوا يا خُدّامَ المَذبَحِ. ادخُلوا بيتوا بالمُسوحِ يا خُدّامَ إلهي، لأنَّهُ قد امتَنَعَ عن بَيتِ إلهِكُمُ التَّقدِمَةُ والسَّكيبُ" (يؤ13:1). وتكلّم عن هذا عاموس النبي معلنًا غضب الرب على شعبه: "وأُحَولُ أعيادَكُمْ نَوْحًا، وجميعَ أغانيكُمْ مَراثيَ" (عا10:8). وصارت تسابيح الشعب مراثيا، وحقَّ لهم أن يرددوا هذه المزامير بدلاً من مزامير الفرح:"لماذا رَفَضتَنا يا اللهُ إلَى الأبدِ؟ لماذا يُدَخنُ غَضَبُكَ علَى غَنَمِ مَرعاكَ؟" (مز1:74) "إلَى مَتَى يارَبُّ تغضَبُ كُلَّ الغَضَبِ، وتتَّقِدُ كالنّارِ غَيرَتُكَ؟" (مز5:79) "أرجِعنا يا إلهَ خَلاصِنا، وانفِ غَضَبَكَ عَنّا" (مز4:85) "هل إلَى الدَّهرِ تسخَطُ علَينا؟ هل تُطيلُ غَضَبَكَ إلَى دَوْرٍ فدَوْرٍ؟ ألا تعودُ أنتَ فتُحيينا، فيَفرَحُ بكَ شَعبُكَ؟" (مز5:85-6). حقًا قيل: "لَيتَكَ أصغَيتَ لوَصايايَ، فكانَ كنهرٍ سلامُكَ وبِرُّكَ كلُجَجِ البحرِ" (إش18:48). ولكن الله الحنون الذي قيل عنه إنه "رَؤوفٌ، يَغفِرُ الإثمَ ولا يُهلِكُ. وكثيرًا ما رَدَّ غَضَبَهُ" (مز38:78).. لم يترك شعبه إلى الانقضاء، بل أرسل لهم مُخلِّصين ليُخلِّصوهم من السبي، وعادوا إلى أورشليم ليُعمروها بالناس والمباني وأيضًا بالتسبيح. وهذا ما تنبأ عنه إشعياء النبي وقال: "في ذلكَ اليومِ يُغَنَّى بهذِهِ الأُغنيَّةِ في أرضِ يَهوذا: لنا مدينةٌ قَويَّةٌ. يَجعَلُ الخَلاصَ أسوارًا ومَترَسَةً" (إش1:26) "ويكونُ في ذلكَ اليومِ أنَّهُ يُضرَبُ ببوقٍ عظيمٍ، فيأتي التّائهونَ في أرضِ أشّورَ، والمَنفيّونَ في أرضِ مِصرَ، ويَسجُدونَ للرَّب في الجَبَلِ المُقَدَّسِ في أورُشَليمَ" (إش13:27) "ومَفديّو الرَّب يَرجِعونَ ويأتونَ إلَى صِهيَوْنَ بترَنُّمٍ، وفَرَحٌ أبديٌّ علَى رؤوسِهِمِ. ابتِهاجٌ وفَرَحٌ يُدرِكانِهِمْ. ويَهرُبُ الحُزنُ والتَّنَهُّدُ" (إش10:35)."هذا الشَّعبُ جَبَلتُهُ لنَفسي. يُحَدثُ بتسبيحي" (إش21:43) "اُخرُجوا مِنْ بابِلَ، اهرُبوا مِنْ أرضِ الكلدانيينَ. بصوتِ التَّرَنُّمِ أخبِروا. نادوا بهذا" (إش20:48). تُرى ما هي قصة العودة؟ وهل عادت مرة أخرى ذبيحة التسبيح؟ نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
15 أكتوبر 2018

عصر سبي بابل - الجزء الثالث

(5) العودة من السبي + كورش الملك الوثني مسيح الرب صرخ الشعب إلى الله، وندموا على خطاياهم التي تسببت في سبيهم، وأحسوا باحتياجهم للعودة إلى أرضهم، وهيكلهم، وعلاقاتهم القديمة مع الله، واعترفوا بخطيتهم، وأخطائهم قائلين: "أنتَ بارٌّ في كُل ما أتَى علَينا لأنَّكَ عَمِلتَ بالحَق، ونَحنُ أذنَبنا ومُلوكُنا ورؤَساؤُنا وكهَنَتُنا وآباؤُنا لم يَعمَلوا شَريعَتَكَ، ولا أصغَوْا إلَى وصاياكَ وشَهاداتِكَ التي أشهَدتَها علَيهِمْ" (نح33:9-34) حينئذ سخّر الرب الملك الوثني "كورش" لخدمة شعب الله، وذلك بأن أمر بعودتهم إلى بلادهم، وتعمير أورشليم والهيكل وقد تنبأ إشعياء النبي عن هذا الملك الوثني باسمه قبل ولادته بأكثر من مائة عام قائلاً: "هكذا يقولُ الرَّبُّ لمَسيحِهِ، لكورَشَ الذي أمسَكتُ بيَمينِهِ لأدوسَ أمامَهُ أُمَمًا، وأحقاءَ مُلوكٍ أحُلُّ، لأفتَحَ أمامَهُ المِصراعَينِ، والأبوابُ لا تُغلَقُ: أنا أسيرُ قُدّامَكَ والهِضابَ أُمَهدُ أُكَسرُ مِصراعَيِ النُّحاسِ، ومَغاليقَ الحَديدِ أقصِفُ وأُعطيكَ ذَخائرَ الظُّلمَةِ وكُنوزَ المَخابِئ، لكَيْ تعرِفَ أني أنا الرَّبُّ الذي يَدعوكَ باسمِكَ، إلهُ إسرائيلَ لأجلِ عَبدي يعقوبَ، وإسرائيلَ مُختاري، دَعَوْتُكَ باسمِكَ لَقَّبتُكَ وأنتَ لستَ تعرِفُني أنا الرَّبُّ وليس آخَرُ لا إلهَ سِوايَ نَطَّقتُكَ وأنتَ لم تعرِفني" (إش1:45-5)وقد وصفه إشعياء النبي بصفات عجيبة، بالرغم من أنه ملك وثني مثل:- "راعيَّ" (إش28:44). "مسيح الرب" (إش1:45). "رجل مشورتي" (إش11:46). "قد أحَبَّهُ الرَّبُّ" (إش14:48). "كُلَّ مَسَرَّتي يُتَممُ" (إش28:44). " الكاسِرَ" (إش11:46). هذا يوضّح كيف يستخدم الله حتى غير المؤمنين لخدمة كنيسته وقد قيل إن هذه النبوات قُرأت أمام كورش فسُّر بها، وسمع من خلالها صوت الإله الحقيقي، الذي يبارك خطواته، وحياته مما جعله يُطيع النبوة: "القائلُ عن كورَشَ: راعيَّ، فكُلَّ مَسَرَّتي يُتَممُ ويقولُ عن أورُشَليمَ: ستُبنَى، وللهيكلِ: ستؤَسَّسُ" (إش28:44)علمًا بأن هذه النبوات التي قيلت عن كورش كمُخلِّص زمني لإسرائيل من السبي يمكن أيضًا أن تفهم بالبعد المسياني على أنها نبوات عن تجسد الله الكلمة لخلاص كل العالم من السبي الروحي. + العودة من السبي:- نبَّه روح الله كورش، فأطلق نداءه بالسماح لمَنْ يريد من المسبيين من اليهود، بالعودة إلى وطنهم، لبناء هيكل إله السماء: "نَبَّهَ الرَّبُّ روحَ كورَشَ مَلِكِ فارِسَ فأطلَقَ نِداءً في كُل مَملكَتِهِ وبالكِتابَةِ أيضًا قائلاً: هكذا قالَ كورَشُ مَلِكُ فارِسَ: جميعُ مَمالِكِ الأرضِ دَفَعَها لي الرَّبُّ إلهُ السماءِ، وهو أوصاني أنْ أبنيَ لهُ بَيتًا في أورُشَليمَ التي في يَهوذا" (عز1:1-2) وبدأ بعض المسبيين في العودة من السبي إلى بلادهم، وبدأت مع هذه العودة المباركة، نهضة روحية قادها بعض رجال الله القديسون. وكانت هذه العودة من السبي على أربعة مراحل:- (1) المرحلة الأولى:- عاد الفوج الأول من السبي بقيادة زربابل ويهوشع رئيس الكهنة: "آخُذُكَ يا زَرُبّابِلُ عَبدي ابنُ شألتيئيلَ، يقولُ الرَّبُّ، وأجعَلُكَ كخاتِمٍ، لأني قد اختَرتُكَ، يقولُ رَبُّ الجُنودِ" (حج23:2) وقد ذُكر خبر هذا الرجوع في سفر عزرا الأصحاح الثاني"وهؤُلاءِ هُم بَنو الكورَةِ الصّاعِدونَ مِنْ سبيِ المَسبيينَ، الذينَ سباهُمْ نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ إلَى بابِلَ، ورَجَعوا إلَى أورُشَليمَ ويَهوذا، كُلُّ واحِدٍ إلَى مَدينَتِهِ. الذينَ جاءوا مع زَرُبّابَلَ" (عز1:2-الخ)هؤلاء العائدون بنوا المذبح لإصعاد الذبائح والمحرقات، علامة العودة إلى عبادة الله الحي، بعد توقف هذه الذبائح طيلة فترة السبي (عز2:3-3). ولكن بسبب مضايقات الأعداء، توقفوا عن بناء الهيكل، إذ تم استصدار أمر ملكي من بابل بإيقاف العمل في البناء، نتيجة الوشاية لدى الملك (عز1:4-5). (2) المرحلة الثانية:- بعد نحو 16 سنة من النهضة الأولى قام حجي وزكريا النبييْن ببناء الهيكل، والاحتفال بعيديْ الفصح والفطير، وذلك بعد أن حنّن الرب قلب داريوس الملك؛ فأصدر أمرًا ملكيًا باستكمال العمل في بناء الهيكل، وكذلك تنبيه حجي وزكريا للشعب أن يلتفتوا إلى بناء الهيكل (عز1:6-3)، ولا يكتفوا بأنهم بنوا منازلهم الفخمة وسكنوا فيها: "هل الوَقتُ لكُمْ أنتُمْ أنْ تسكُنوا في بُيوتِكُمُ المُغَشّاةِ، وهذا البَيتُ خَرابٌ؟ والآنَ فهكذا قالَ رَبُّ الجُنودِ: اجعَلوا قَلبَكُمْ علَى طُرُقِكُمْ زَرَعتُمْ كثيرًا ودَخَّلتُمْ قَليلاً تأكُلونَ وليس إلَى الشَّبَعِ تشرَبونَ ولا تروونَ تكتَسونَ ولا تدفأونَ والآخِذُ أُجرَةً يأخُذُ أُجرَةً لكيسٍ مَنقوبٍ هكذا قالَ رَبُّ الجُنودِ:اجعَلوا قَلبَكُمْ علَى طُرُقِكُمْ اِصعَدوا إلَى الجَبَلِ وأتوا بخَشَبٍ وابنوا البَيتَ، فأرضَى علَيهِ وأتَمَجَّدَ" (حج4:1-8)، وكذلك تنبأ زكريا النبي عن بناء أورشليم قائلاً: "قد رَجَعتُ إلَى أورُشَليمَ بالمَراحِمِ فبَيتي يُبنَى فيها، يقولُ رَبُّ الجُنودِ" (زك16:1). (3) المرحلة الثالثة:- قادها عزرا النبي بناءً على أوامر من أرتحشستا الملك، بعودة مَنْ يريد من الباقين من السبي، إلى أورشليم "مِنْ أرتَحشَشتا مَلِكِ المُلوكِ، إلَى عَزرا الكاهِنِ كاتِبِ شَريعَةِ إلهِ السماءِ الكامِلِ، إلَى آخِرِهِ قد صَدَرَ مِني أمرٌ أنَّ كُلَّ مَنْ أرادَ في مُلكي مِنْ شَعبِ إسرائيلَ وكهَنَتِهِ واللاويينَ أنْ يَرجعَ إلَى أورُشَليمَ معكَ فليَرجِعْ" (عز12:7-13)، وبعد هذه العودة قرأ عزرا الشريعة على الشعب وألزمهم بتنفيذها "لأنَّ عَزرا هَيّأَ قَلبَهُ لطَلَبِ شَريعَةِ الرَّب والعَمَلِ بها" (عز10:7)وكانت هذه أيضًا نهضة روحية رائعة لشعب الله، بسبب العودة إلى كلمة الله وقراءتها بروح التوبة، والغيرة المقدَّسة. (4) المرحلة الرابعة:- قادها نحميا النبي بعد نحو 14 سنة من النهضة الثالثة (راجع نحميا1:2-8)، وبنى أسوار أورشليم، وعمَّر المدينة، وذلك بعد تجميع الشعب وتحفيزه، وبعد طلب مشورة الرب وتدعيمه وكانت أيضًا عودة بناء أسوار أورشليم والهيكل سببًا في بعث الغيرة المقدَّسة للشعب، مما دفعهم لتجديد العهود مع الله، وإحياء روح ذبيحة التسبيح. (6) النهضة الروحية المصاحبة للعودة من السبي بالطبع كانت عودة الشعب إلى أرضه المقدَّسة سببًا في عودة الروح إليه، وبدأ الناس يفكرون من جديد في إلههم وبدأوا يعودون إلى عبادته المقدسة. فكان من أبرز علامات النهضة الروحية التي صاحبت العودة من السبي عودة ذبيحة التسبيح إلى مكانتها ومجدها اللائقَين بها. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
24 ديسمبر 2018

عقيدة الثالوث القدوس

عقيدة الثالوث هي عقيدة أساسية في الفكر المسيحي، حتى أنه لا يمكن أن يُعتبر الشخص مسيحيًا إن لم يكن مؤمنًا بالثالوث.. وهناك حقائق لا بد أن نعرفها عن الثالوث القدوس: (1) حقيقة أزلية الله ثالوث في أقانيمه (الآب والابن والروح القدس) والله لا يتغيَّر، وهو ثابت من الأزل وإلى الأبد وبالتالي الله ثالوث منذ الأزل الآب كائن منذ الأزل ومعه الابن والروح القدس أيضًا منذ الأزل. بعض الناس يظنون أن الابن يُسمى ابنًا لأنه وُلد من العذراء مريم في ملء الزمان، وهذا خطأ.. لأن الابن اسمه ابن منذ الأزل، لأنه مولود من الآب قبل كل الدهور .. + "الرَّبُّ قَناني أوَّلَ طريقِهِ، مِنْ قَبلِ أعمالِهِ، منذُ القِدَمِ. منذُ الأزَلِ مُسِحتُ، منذُ البَدءِ، منذُ أوائلِ الأرضِ. إذ لم يَكُنْ غَمرٌ أُبدِئتُ. إذ لم تكُنْ يَنابيعُ كثيرَةُ المياهِ. مِنْ قَبلِ أنْ تقَرَّرَتِ الجِبالُ، قَبلَ التِّلالِ أُبدِئتُ. إذ لم يَكُنْ قد صَنَعَ الأرضَ بَعدُ ولا البَراريَّ ولا أوَّلَ أعفارِ المَسكونَةِ. لَمّا ثَبَّتَ السماواتِ كُنتُ هناكَ أنا. لَمّا رَسَمَ دائرَةً علَى وجهِ الغَمرِ. لَمّا أثبَتَ السُّحُبَ مِنْ فوقُ. لَمّا تشَدَّدَتْ يَنابيعُ الغَمرِ. لَمّا وضَعَ للبحرِ حَدَّهُ فلا تتعَدَّى المياهُ تُخمَهُ، لَمّا رَسَمَ أُسُسَ الأرضِ، كُنتُ عِندَهُ صانِعًا، وكُنتُ كُلَّ يومٍ لَذَّتَهُ، فرِحَةً دائمًا قُدّامَهُ. فرِحَةً في مَسكونَةِ أرضِهِ، ولَذّاتي مع بَني آدَمَ" (أم8: 22-31) "تقدَّموا إلَيَّ. اسمَعوا هذا: لم أتكلَّمْ مِنَ البَدءِ في الخَفاءِ. منذُ وُجودِهِ أنا هناكَ. والآنَ السَّيدُ الرَّبُّ أرسَلَني وروحُهُ" (إش48: 16) أما ميلاده من العذراء مريم فهو التجسد الإلهي، وظهوره للبشر، وصيرورته ابنًا للإنسان .. هذا ميلاد آخر غير الميلاد الأزلي من الآب "لَمّا جاءَ مِلءُ الزَّمانِ، أرسَلَ اللهُ ابنَهُ مَوْلودًا مِنِ امرأةٍ، مَوْلودًا تحتَ النّاموسِ" (غل4: 4) "والكلِمَةُ صارَ جَسَدًا وحَلَّ بَينَنا، ورأينا مَجدَهُ، مَجدًا كما لوَحيدٍ مِنَ الآبِ، مَملوءًا نِعمَةً وحَقًّا" (يو1: 14) "عن ابنِهِ. الذي صارَ مِنْ نَسلِ داوُدَ مِنْ جِهَةِ الجَسَدِ" (رو1: 3) "لكنهُ أخلَى نَفسَهُ، آخِذًا صورَةَ عَبدٍ، صائرًا في شِبهِ الناسِ" (في2: 7). (2) إعلان حقيقة الثالوث كان متدرجًا بالرغم من وجود الثالوث منذ الأزل، ولكن الله أعلن لنا ذاته بطريقة متدرجة، لكي نستوعب حقيقته الإلهية تثبيت عقيدة أن الله واحد "اِسمَعْ يا إسرائيلُ: الرَّبُّ إلهنا رَبٌّ واحِدٌ" (تث6: 4) "أنا الرَّبُّ هذا اسمي، ومَجدي لا أُعطيهِ لآخَرَ، ولا تسبيحي للمَنحوتاتِ" (إش42: 8)"أليس أبٌ واحِدٌ لكُلنا؟ أليس إلهٌ واحِدٌ خَلَقَنا؟ فلمَ نَغدُرُ الرَّجُلُ بأخيهِ لتدنيسِ عَهدِ آبائنا؟" (ملا2: 10)"هكذا يقولُ الرَّبُّ مَلِكُ إسرائيلَ وفاديهِ، رَبُّ الجُنودِ: أنا الأوَّلُ وأنا الآخِرُ، ولا إلهَ غَيري... لا ترتَعِبوا ولا ترتاعوا. أما أعلَمتُكَ منذُ القَديمِ وأخبَرتُكَ؟ فأنتُمْ شُهودي. هل يوجَدُ إلهٌ غَيري؟ ولا صَخرَةَ لا أعلَمُ بها؟" (إش44: 6، 8) "هكذا يقولُ الرَّبُّ فاديكَ وجابِلُكَ مِنَ البَطنِ: أنا الرَّبُّ صانِعٌ كُلَّ شَيءٍ، ناشِرٌ السماواتِ وحدي، باسِطٌ الأرضَ. مَنْ معي؟" (إش44: 24) "مِنْ أجلِ نَفسي، مِنْ أجلِ نَفسي أفعَلُ. لأنَّهُ كيفَ يُدَنَّسُ اسمي؟ وكرامَتي لا أُعطيها لآخَرَ" (إش48: 11) "أنتُمْ شُهودي، يقولُ الرَّبُّ، وعَبدي الذي اختَرتُهُ، لكَيْ تعرِفوا وتؤمِنوا بي وتفهَموا أني أنا هو. قَبلي لم يُصَوَّرْ إلهٌ وبَعدي لا يكونُ. أنا أنا الرَّبُّ، وليس غَيري مُخَلصٌ" (إش43: 10-11) "مَنْ فعَلَ وصَنَعَ داعيًا الأجيالَ مِنَ البَدءِ؟ أنا الرَّبُّ الأوَّلُ، ومع الآخِرينَ أنا هو" (إش41: 4)"أخبِروا. قَدموا. وليتشاوَروا معًا. مَنْ أعلَمَ بهذِهِ منذُ القَديمِ، أخبَرَ بها منذُ زَمانٍ؟ أليس أنا الرَّبُّ ولا إلهَ آخَرَ غَيري؟ إلهٌ بارٌّ ومُخَلصٌ. ليس سِوايَ. اِلتَفِتوا إلَيَّ واخلُصوا يا جميعَ أقاصي الأرضِ، لأني أنا اللهُ وليس آخَر" (إش45: 21-22) "أنا الرَّبُّ وليس آخَرُ. لا إلهَ سِوايَ. نَطَّقتُكَ وأنتَ لم تعرِفني. لكَيْ يَعلَموا مِنْ مَشرِقِ الشَّمسِ ومِنْ مَغرِبِها أنْ ليس غَيري. أنا الرَّبُّ وليس آخَرُ. مُصَورُ النّورِ وخالِقُ الظُّلمَةِ، صانِعُ السَّلامِ وخالِقُ الشَّر. أنا الرَّبُّ صانِعُ كُل هذِهِ" (إش45: 5-7)"وأنا الرَّبُّ إلهُكَ مِنْ أرضِ مِصرَ، وإلهًا سوايَ لستَ تعرِفُ، ولا مُخَلصَ غَيري" (هو13: 4)"اُذكُروا الأوَّليّاتِ منذُ القَديمِ، لأني أنا اللهُ وليس آخَرُ. الإلهُ وليس مِثلي" (إش46: 9). وهذه الحقيقة الأزلية أن الله واحد هي أيضًا جوهر الإيمان المسيحي في العهد الجديد، فالسيد المسيح نفسه وآباؤنا الرسل علَّموا بأن الله واحد كمثلما في هذه الآيات:- "فأجابَهُ يَسوعُ: إنَّ أوَّلَ كُل الوَصايا هي: اسمَعْ يا إسرائيلُ. الرَّبُّ إلهنا رَبٌّ واحِدٌ. وتُحِبُّ الرَّبَّ إلهَكَ مِنْ كُل قَلبِكَ، ومِنْ كُل نَفسِكَ، ومِنْ كُل فِكرِكَ، ومِنْ كُل قُدرَتِكَ. هذِهِ هي الوَصيَّةُ الأولَى. وثانيَةٌ مِثلُها هي: تُحِبُّ قريبَكَ كنَفسِكَ. ليس وصيَّةٌ أُخرَى أعظَمَ مِنْ هاتَينِ. فقالَ لهُ الكاتِبُ: جَيدًا يا مُعَلمُ. بالحَق قُلتَ، لأنَّهُ اللهُ واحِدٌ وليس آخَرُ سِواهُ" (مر12: 29-32) "إلهٌ وآبٌ واحِدٌ للكُل، الذي علَى الكُل وبالكُل وفي كُلكُمْ" (أف4: 6)"وهذِهِ هي الحياةُ الأبديَّةُ: أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقيقيَّ وحدَكَ ويَسوعَ المَسيحَ الذي أرسَلتهُ" (يو17: 3)"فمِنْ جِهَةِ أكلِ ما ذُبِحَ للأوثانِ: نَعلَمُ أنْ ليس وثَنٌ في العالَمِ، وأنْ ليس إلهٌ آخَرُ إلاَّ واحِدًا. لأنَّهُ وإنْ وُجِدَ ما يُسَمَّى آلِهَةً، سِواءٌ كانَ في السماءِ أو علَى الأرضِ، كما يوجَدُ آلِهَةٌ كثيرونَ وأربابٌ كثيرونَ، لكن لنا إلهٌ واحِدٌ: الآبُ الذي مِنهُ جميعُ الأشياءِ، ونَحنُ لهُ. ورَبٌّ واحِدٌ: يَسوعُ المَسيحُ، الذي بهِ جميعُ الأشياءِ، ونَحنُ بهِ" (1كو8: 4-6) كل هذه الآيات وغيرها .. أراد الله القدوس أن يثبِّت فينا معرفة أنه واحد لا إله آخر معه. (3) إشارات عن الثالوث في العهد القديم ومع أن الله قد ركّز في الإعلان الإلهي في العهد القديم على وحدانيته .. لم يكن ممكنًا اختفاء الثالوث نهائيًا بطول الأسفار المقدسة، لذلك هناك أيضًا إشارات في العهد القديم للثالوث "في البَدء خلق الله السماوات والأرض ... وروح الله يَرف على وجه المياه. وقال الله: (كلمة الله) ليكن نور، فكان نور" (تك1: 1-3). هنا يظهر الثالوث بوضوح منذ أول آية في الوحي المقدس (الله وروح الله وكلمة الله) "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26). هنا استخدم صيغة الجمع.. ليست للتعظيم (كمثلما في اللغة العربية) ولكن لإعلان حقيقة الثالوث، بدليل أنه جاء بعدها "فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خَلقهُ. ذكرًا وأُنثى خَلقهُم" (تك1: 27). وهنا يؤكد على حقيقة التوحيد وهناك إشارة أخرى عن الابن جاءت في صيغة سؤال في سفر الأمثال .. "مَنْ صَعِدَ إلَى السماواتِ ونَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفنتيهِ؟ مَنْ صَرَّ المياهَ في ثَوبٍ؟ مَنْ ثَبَّتَ جميعَ أطرافِ الأرضِ؟ ما اسمُهُ؟ وما اسمُ ابنِهِ إنْ عَرَفتَ؟" (أم30: 4). (4) الظهور الإلهي الواضح في العهد الجديد بسبب تجسد ابن الله الوحيد عرفنا حقيقة الثالوث، فقد ظهر لنا الابن متجسدًا وأعلمنا بأبيه الصالح والروح القدس بداية هذا الإعلان الواضح كان عند معمودية ربنا يسوع المسيح حيث سمعنا صوت الآب قائلاً: "هذا هو ابني الحَبيبُ الذي بهِ سُرِرتُ" (مت3: 17) ورأينا الروح القدس في شكل حمامة "وإذا السماواتُ قد انفَتَحَتْ لهُ، فرأَى روحَ اللهِ نازِلاً مِثلَ حَمامَةٍ وآتيًا علَيهِ" (مت3: 16)، والابن كائنًا في الماء يشهد له الآب.. لذلك سُمي عيد الغطاس "عيد الظهور الإلهي" (الثيؤفانيا). وهنا تحققت نبوءات الأنبياء "ويَحُلُّ عليه روح الرب، روح الحكمة والفَهم، روح المَشورَة والقوة، روح المعرفة ومَخافة الرب" (إش11: 2) "هوذا عَبدي الذي أعضُدُهُ، مُختاري الذي سُرَّتْ بهِ نَفسي. وضَعتُ روحي علَيهِ فيُخرِجُ الحَقَّ للأُمَمِ" (إش42: 1) "إني أُخبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضاءِ الرَّب: قالَ لي: أنتَ ابني، أنا اليومَ ولَدتُكَ" (مز2: 7) وبدأنا نعرف أن الله إلهنا هو الآب والابن والروح القدس، وبدأ السيد المسيح يكلمنا عن الآب والروح القدس في أحاديث طويلة، لذلك نقول له في القداس الغريغوري: "الذي أظهر لنا نور الآب، الذي أنعم علينا بمعرفة الروح القدس (الحقيقية)". (5) لماذا أخفى الله حقيقة الثالوث منذ البداية؟ لقد كانت البشرية في حالة ضعف شديد، ومائلة إلى عبادة الأوثان وتعدد الآلهة، فأراد الله أن يثبّت أولاً فكرة وحدانية الله حتى لا يُفهم الثالوث على أنه ثلاثة آلهة ولذلك نلاحظ أن جميع المسيحيين يؤمنون بالثالوث، ولم يحدث أن واحدًا فقط من المسيحيين قد فهم الثالوث على أنه تعدد آلهة أو ثلاثة آلهة. نحن نؤمن بإله واحد فيه ثلاثة أقانيم. (6) شرح معنى الثالوث أبسط شرح للثالوث هو أن نستخدم مثلثًا مجسمًا متساوي الأضلاع، وبالطبع سيكون متساوِ الزوايا لدينا الآن مثلث واحد وثلاثة رؤوس .. وكذلك نحن نؤمن بإله واحد وثلاثة أقانيم في المثلث تستطيع أن تقول أ = ب = ج ولكنك لا تستطيع أن تقول أ هو ب هو ج بعينه وإلا تحول المثلث إلى نقطة واحدة ولا يصير له وجود كذلك في الثالوث نقول إن الآب يساوي الابن ويساوي الروح القدس ولكننا لا نقول إن الآب هو الابن هو الروح القدس بعينه. مرة ثانية: لدينا مثلث واحد وثلاثة رؤوس .. وكذلك لدينا إله واحد وثلاثة أقانيم الآب متميز عن الابن ومتميز عن الروح القدس .. الثلاثة أقانيم متمايزة لو عرفنا أن المثلث كله من معدن الذهب الخالص، فإذا أردنا أن نعرف ما هو معدن الرأس (أ) سنقول إنه (ذهب)، الرأس (ب) هو أيضًا (نفس الذهب)، الرأس (ج) هو (نفس الذهب). لاحظ أننا نتكلم عن الرأس (أ) وليس النقطة (أ). الرأس (أ) : معناه المثلث كله وأنت تنظر إليه من النقطة (أ). الرأس (ب) : معناه المثلث كله وأنت تنظر إليه من النقطة (ب). الراس (ج) : معناه المثلث كله وأنت تنظر إليه من النقطة (ج). نفس الكلام ممكن أن يقال عن الثالوث: فالآب هو الله، الابن هو الله، الروح القدس هو الله والثلاثة هم إله واحد "فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو5: 7). وإذا سألت: ما هو جوهر الآب؟ تكون الإجابة: (لاهوت) ما هو جوهر الابن؟ تكون الإجابة: (نفس اللاهوت) ما هو جوهر الروح القدس؟ تكون الإجابة: (نفس اللاهوت) فالثلاثة أقانيم لهم لاهوت واحد "نسجد له ونمجده"وبما أن الرأس (أ) هو المثلث كله منظورًا إليه من ناحية (أ)، والرأس (ب) هو المثلث كله منظورًا إليه من ناحية (ب).. نستطيع أن نقول إن الراس (أ) في الرأس (ب)، والرأس (ب) في الرأس (أ) .. ونفس الكلام يقال عن الرأس (ج) وهذا أيضًا ينطبق على الثالوث القدوس له المجد .. فالسيد المسيح أعلن لنا أنه في الآب والآب فيه"ألستَ تؤمِنُ أني أنا في الآبِ والآبَ فيَّ؟" (يو14: 10)"الآبَ الحالَّ فيَّ هو يَعمَلُ الأعمالَ" (يو14: 10)"صَدقوني أني في الآبِ والآبَ فيَّ" (يو14: 11)"ولكن إنْ كُنتُ أعمَلُ، فإنْ لم تؤمِنوا بي فآمِنوا بالأعمالِ، لكَيْ تعرِفوا وتؤمِنوا أنَّ الآبَ فيَّ وأنا فيهِ" (يو10: 38)"كما أنَّكَ أنتَ أيُّها الآبُ فيَّ" (يو17: 21). لذلك قال السيد المسيح:- "الذي رَآني فقد رأَى الآبَ" (يو14: 9). "والذي يَراني يَرَى الذي أرسَلَني" (يو12: 45). وهناك حقيقة أخرى هي:- بما أن: أ = ب = ج ولهم نفس الجوهر ونفس المقاسات.. لذلك فكل صفات (أ) موجودة في (ب) وفي (ج) وكذلك في الثالوث القدوس: كل صفات الألوهية التي في الآب موجودة أيضًا في الابن وفي الروح القدس، وهذا ما أعلنه السيد المسيح له المجد: "كُلُّ ما للآبِ هو لي" (يو16: 15) فالصفات (الأزلي، الخالق، القادر على كل شيء، العارف كل شيء، ضابط الكل، المُخلِّص، القدوس، .....) يشترك فيها الأقانيم الثلاثة .. ولا يمكن أن نتخيل أن أقنومًا رحيم والآخر غير رحيم، أو أقنومًا عادل والآخر غير عادل!! ففيهم جميعًا كل الصفات بالتساوي. ومع ذلك:- هناك صفة واحدة موجودة في الآب ولا يمكن أن توجد في الابن أو الروح القدس، وصفة أخرى في الابن لا يمكن أن توجد في الآب ولا الروح القدس، وصفة ثالثة تُسمى الصفة الأقنومية، والتي بدونها لا يكون هناك تمايز بين الأقانيم فلماذا يُسمى الآب آب، ولا يُسمى الابن أو الروح القدس؟ وكذلك نفس الكلام يقال عن الابن والروح القدس هذه الصفة الأقنومية لكل أقنوم تحِّدد لنا تميزه واسمه وعلاقته بالأقنومين الآخرين:- الصفة الأقنومية للابن أنه مولود لذلك فهو ابن والصفة الأقنومية للروح القدس أنه منبثق ولذلك فهو ليس ابنًا لأنه ليس مولودًا بل هو منبثق والآب هو الوالد للابن الباثق للروح القدس، ولذلك فصفته الأقنومية أنه ينبوع لا يمكن للآب أن يكون مولودًا وإلا لكان اسمه الابن ولا يمكن للابن أن يكون ينوعًا وإلا لصار اسمه الآب وكذلك الروح القدس أن يكون ينبوعًا ولا مولودًا بل هو روح قدس لأنه منبثق من الآب الآب هو الأقنوم الوالد والباثق، ولا يمكن أن يكون مولودًا ولا منبثقًا الابن هو الأقنوم المولود، ولا يمكن أن يكون والدًا ولا باثقًا ولا منبثقًا الروح القدس هو الأقنوم المنبثق، ولا يمكن أن يكون والدًا ولا مولودًا ولا باثقًا. شرح هذه العلاقة:- الآب كائن منذ الأزل بدون بداية وبدون سابق له، فهو أصل الوجود، ولا يمكن أن يكون له بداية، ولا يمكن أن يكون له خالق يخلقه .. بل هو الخالق وليس مخلوقًا الآب هو أصل الثالوث، يخرج منه الابن بطريقة اسمها الولادة، ويخرج منه الروح القدس بطريقة أخرى اسمها الانبثاق ولا يمكن أن يكون خروج الابن والروح القدس من الآب بنفس الطريقة وإلا لصار للآب ابنان أو روحان. ولكن الحقيقة هي أن الآب له ابن وحيد مولود منه قبل كل الدهور، وله روح وحيد منبثق منه أيضًا قبل كل الدهور "اللهُ لم يَرَهُ أحَدٌ قَطُّ. الاِبنُ الوَحيدُ الذي هو في حِضنِ الآبِ هو خَبَّرَ" (يو1: 18) "أنتُمْ تدعونَني مُعَلمًا وسيدًا، وحَسَنًا تقولونَ، لأني أنا كذلكَ" (يو13: 13)"لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ، لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ" (يو3: 16) "فليَعلَمْ يَقينًا جميعُ بَيتِ إسرائيلَ أنَّ اللهَ جَعَلَ يَسوعَ هذا، الذي صَلَبتُموهُ أنتُمْ، رَبًّا ومَسيحًا" (أع2: 36)"الذي يؤمِنُ بهِ لا يُدانُ، والذي لا يؤمِنُ قد دينَ، لأنَّهُ لم يؤمِنْ باسمِ ابنِ اللهِ الوَحيدِ" (يو3: 18) واضح هنا أن السيد المسيح هو الابن الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، وكذلك الروح القدس هو روح واحد وحيد منبثق من الآب قبل كل الدهور .. ونقول في القداس الإلهي "واحد هو الآب القدوس، واحد هو الابن القدوس، واحد هو الروح القدس" نحن نؤمن بآب واحد، وابن واحد، وروح قدس واحد والثلاثة هم الإله الواحد "لكن لنا إلهٌ واحِدٌ الآبُ الذي مِنهُ جميعُ الأشياءِ، ونَحنُ لهُ. ورَبٌّ واحِدٌ يَسوعُ المَسيحُ، الذي بهِ جميعُ الأشياءِ، ونَحنُ بهِ" (1كو8: 6) هذا الشرح لا يُعني أن الآب أقدم أو أقيم أو أهم من الابن والروح القدس لأن الآب أزلي، وهو آب منذ الأزل. فلذلك له ابن خارج منه منذ الأزل والروح القدس أيضًا خارج منه منذ الأزل بدون أسبقية الآب عنهما كلمة الولادة وكلمة الابن توحي لغير العارفين أن هناك زواج، وأن الآب أكبر سنًا من الابن، وأن الابن عندما وُلد انفصل عن الآب كمثل ميلاد البشر والحيوانات. هنا لابد أن غير ولادة الابن من الآب أنها تختلف عن ولادات الناس والبهائم بأربعة اختلافات:- (1) لا يوجد زواج طبعًا، بل ميلاد الابن من الآب كميلاد الحرارة من النار، والشعاع من المصباح. (2) لا يوجد أسبقية، فالابن أزلي مع الآب، لم توجد لحظة أو جزء من الثانية كان الآب بدون ابن، وإلا لما كان أب ثم صار آب. وهذا معناه أن الله يتغير. الحقيقة أن الله لا يتغير وبالتالي فهو آب منذ الأزل، وبالتالي فالابن خارج منه منذ الأزل، كمثل النار أيضًا تخرج من الحرارة بدون أسبقية النار عن الحرارة بل حيث النار هناك الحرارة والضوء. وكذلك حيث الآب هناك الابن والروح القدس. (3) لا يوجد انفصال بين الآب والابن، بل هو خارج منه بينما هو كائن فيه بدون انفصال، كمثل خروج الحرارة من النار بدون أن تبرد النار ولا يكون فيها حرارة. وكمثل خروج الفكر من العقل وانتشاره في كل مكان، بينما هو ما يزال في عقل الإنسان. (4) ولادة الطفل تستغرق لحظات ثم ينفصل عن أمه، وخروج الرصاصة من المسدس تستغرق لحظة وتنطلق تاركة المسدس فارغًا. أما ولادة الابن من الآب فهو ولادة مستمرة بدون انقطاع منذ الأزل وإلى الأبد. كمثل أيضًا دوام خروج الحرارة من النار وما يقال عن ولادة الابن من الآب يقال أيضًا عن انبثاق الروح القدس من الآب .. أيضًا يكون الانبثاق بدون أسبقية. فالآب ليس أسبق على الروح القدس، وكذلك بدون زواج وبدون انفصال وبدون انقطاع بل باستمرار. الفرق بين الولادة والانبثاق:- في عالم الفيزياء يفرّقون بين طريقة خروج الحرارة من النار، فيقال (توليد الحرارة)، وبين خروج الضوء من النار، فيقال (انبعاث الضوء) .. وذلك لأن فيزيقيًا هناك اختلاف بين الطريقتين، ولو كان خروج النور والحرارة من النار بنفس الذبذبات والترددات والموجات لكان الاثنان حرارة أو الاثنان ضوءًا، ولكن هناك فارق بين الطريقتين، ولذلك هناك حرارة وهناك ضوء وكذلك في مجال شرح اللاهوت، لقد أعلن لنا الكتاب المقدس أن الابن مولود من الآب، والروح القدس منبثق من الآب، وليس لدينا معرفة كافية عن كنه الولادة أو كنه الانبثاق .. لعلنا سنعرف ذلك في الأبدية!! نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
21 يوليو 2018

نماذج من تسابيح القديسين في الكتاب المقدس

(1) القديسة العذراء مريم والتسبيح إن حياة العذراء مريم هي تسبيح في حد ذاتها صمتها واتضاعها، طهارتها ونقاوتها، احتمالها وخضوعها إن العذراء نفسها تسبحة كانت تمشي على الأرض، والآن في السماء وعندما فتحت هذه العروس الطهور فاها المبارك المقدَّس المملوء نعمة، كانت الكلمات الخارجة من فمها هي تسابيح غنية وعميقة تدل على روحها النسكية الأصيلة، وتدل أيضًا على شبعها بكلام الله فتسبحتها الواردة في إنجيل مُعلمنا لوقا البشير تتشابه كثيرًا مع تسبحة القديسة حَنَّة أم صموئيل، والتي وردت في (1صم1:2-10) عندما أدركت العذراء أنها صارت أم الله "أُمُّ رَبي" (لو43:1)، لم تتكبر ولم تنتفخ بل بالعكس حوّلت المجد والتعظيم لله "تُعَظمُ نَفسي الرَّبَّ" (لو46:1)، فالرب وحده هو الجدير بالتعظيم والرفعة ونحن في كل مرة نرفع تمجيدًا أو مديحًا لأمنا العذراء الطاهرة نراها أيضًا تحوِّل هذا المجد إلى الله ابنها ومخلصها وإلهها قائلة: "تُعَظمُ نَفسي الرَّبَّ، وتبتَهِجُ روحي باللهِ مُخَلصي" (لو46:1-47) لم تفتخر روحها بذاتها، ووضعها الجديد كملكة وأم للملك وأم لله، ولكنها ابتهجت بالله مخلصها لقد كانت العذراء مشغولة بالله وليس بنفسها، مثلما قالت حنة: "فرِحَ قَلبي بالرَّب ارتَفَعَ قَرني بالرَّب" (1صم1:2) هذه هي النفوس القديسة البارة المنشغلة بالله، وليس بذواتها البشرية ليتنا نتعلم هذا الدرس. كذلك لم تنسَ العذراء مريم أنها أمَة الرب "هوذا أنا أَمَةُ الرَّب ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ" (لو38:1)، "لأنَّهُ نَظَرَ إلَى اتضاعِ (مذلة) أَمَتِهِ" (لو48:1)ونحن يجب أن نتعلّم أيضًا من هذه الأم القديسة الطاهرة ألا ترتفع قلوبنا، بل ندرك دائمًا أننا "عَبيدٌ بَطّالونَ" (لو10:17) مهما عملنا من البر، ومهما وصلنا إلى مراتب روحية، أو كنسية، أو في العالم فالمسيح دائمًا مُمجد في عبيده المتضعين فقط بروح النبوة تنبأت القديسة العذراء مريم عما سيحدث في الكنائس في كل العالم، وفي كل الأجيال من جهة تطويبها وتمجيدها ومديحها: "فهوذا منذُ الآنَ جميعُ الأجيالِ تُطَوبُني" (لو48:1) نحن بالحق نُطوبك يا أم النور الحقيقي، لأنكِ صرتِ أهلاً لأن تحملي بين يديكِ الجالس على مركبة الشاروبيم، ومَنْ تسجد له الملائكة وكل الخليقة فأنتِ بالحقيقة تستحقي كل إكرام وتمجيد وتعظيم يا أم الله بالحقيقة وفي ملء الاتضاع العطر تفهم العذراء القديسة أن ما نالته من نعمة هو من إحسانات القدير ورحمته نحن نقول عنها إنها تستحق كل كرامة، وهي تقول عن نفسها إن ما نالته من كرامة كان إحسانًا ورحمة من القدير "لأنَّ القديرَ صَنَعَ بي عَظائمَ، واسمُهُ قُدّوسٌ، ورَحمَتُهُ إلَى جيلِ الأجيالِ للذينَ يتَّقونَهُ" (لو49:1-50)هذه هي الروح المُتضعة الحقيقية التي يقبلها الله، ويفرح بها "ليَمدَحكَ الغَريبُ لا فمُكَ" (أم2:27) وانطلقت العذراء القديسة مريم تسبِّح الله على صنيعه المجيد مع شعبه: "صَنَعَ قوَّةً بذِراعِهِ شَتَّتَ المُستَكبِرينَ بفِكرِ قُلوبِهِمْ أنزَلَ الأعِزّاءَ عن الكَراسي ورَفَعَ المُتَّضِعينَ أشبَعَ الجياعَ خَيراتٍ وصَرَفَ الأغنياءَ فارِغينَ عَضَدَ إسرائيلَ فتاهُ ليَذكُرَ رَحمَةً، كما كلَّمَ آباءَنا لإبراهيمَ ونَسلِهِ إلَى الأبدِ" (لو51:1-55) إنه هو الذي صنع القوة بتجسده، وغلبته للشيطان والخطية والموت، وهو الذي "يُميتُ ويُحيي يُهبِطُ إلَى الهاويَةِ ويُصعِدُ الرَّبُّ يُفقِرُ ويُغني يَضَعُ ويَرفَعُ يُقيمُ المِسكينَ مِنَ التُّرابِ يَرفَعُ الفَقيرَ مِنَ المَزبَلَةِ للجُلوسِ مع الشُّرَفاءِ ويُمَلكُهُمْ كُرسيَّ المَجدِ" (1صم6:2-8) حقًا بالرب قد "اتَّسَعَ فمي علَى أعدائي، لأني قد ابتَهَجتُ بخَلاصِكَ ليس قُدّوسٌ مِثلَ الرَّب، لأنَّهُ ليس غَيرَكَ، وليس صَخرَةٌ مِثلَ إلهِنا" (1صم1:2-2) "قِسيُّ الجَبابِرَةِ انحَطَمَتْ، والضُّعَفاءُ تمَنطَقوا بالبأسِ الشَّباعَى آجَروا أنفُسَهُمْ بالخُبزِ، والجياعُ كفّوا حتَّى أنَّ العاقِرَ ولَدَتْ سبعَةً، وكثيرَةَ البَنينَ ذَبُلَتْ" (1صم4:2-5) إن إلهنا هو إله المستحيلات "لأنَّهُ ليس بالقوَّةِ يَغلِبُ إنسانٌ" (1صم9:2) وإله تحقيق الوعد "كما كلَّمَ آباءَنا. لإبراهيمَ ونَسلِهِ إلَى الأبدِ" (لو55:1)، فهو لا يخلف وعده لأنه "أمينٌ وعادِلٌ" (1يو9:1) ليتنا نتعلم روح التسبيح من أمنا العذراء، ونتكلم في حضرة الرب مثلها بكلام مُتضع روحاني مليء بالفكر والعقيدة والإيمان الراسخ. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
25 أغسطس 2018

ثيؤطوكية يوم الأحد العذراء مريم قدس الأقداس

وهي من أجمل وأروع الثيؤطوكيات، وكذلك هي أكبر الثيؤطوكيات من حيث عدد القطع التي نُسبِّح بها، وتربط هذه الثيؤطوكية ربطًا محكمًا بين أجزاء خيمة الاجتماع وبين القديسة مريم. القطعة الأولى تتكلّم عن أن العذراء مريم هي "قدس الأقداس"، الموضع الذي يحِّل فيه الله. وقدس الأقداس يُسمى "القبة الثانية" أو "المسكن الثاني"، وكان مفصولاً عن بقية الخيمة رمزًا للعذراء التي اختارها الله وقدّسها بحلول الروح القدس عليها، وأفرزها من وسط الناس لتكون قدسًا مقدسًا له. وعدم دخول أي أحد إلى قدس الأقداس إلا رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة.. يرمز هنا إلى دوام بتولية العذراء مريم، وأنه لم يدخل أحشاءها إلا رئيس الكهنة الحقيقي ربنا يسوع المسيح مرة واحدة. دخل وخرج والباب مغلق، كمثل باب حزقيال الذي رآه في المشرق. وتشرح هذه القطعة لماذا تكون العذراء هي قدس الأقداس؟!! ففي قدس الأقداس يوجد لوحا العهد اللذان هما كلام الله المنقوش على حجارة، أما في بطن العذراء فوجد ربنا يسوع المسيح كلمة الله الأزلي. ولاحظ الآباء أن عدد الوصايا كان عشرة وصايا، وهذا الرقم يُكتب بالقبطية واليونانية على شكل حرف (يوطا)، الذي هو أول حرف في اسم الرب يسوع (ايسوس). لذلك قيل في الثيؤطوكية عن الوصايا العشر: ?"سَبَقَت أن دلتنا على (اليوطة) اسم الخلاص الذي لربنا يسوع المسيح". ?"هذا الذي تجسد منكِ بغير تغيير، وصار وسيطًا لعهد جديد". وفي قدس الأقداس يدخل رئيس الكهنة، ويرش من دم الذبيحة على تابوت العهد من أجل غفران خطايا الشعب، ولذلك تربط الثيؤطوكية بين هذا الدم ودم السيد المسيح فتقول: ?"من قبل رش دمه المقدس طَهُرَ المؤمنين شعبًا مُبررًا". القطعة الثانية تربط هذه القطعة بين التابوت المُصفح بالذهب، والعذراء المتسربلة بمجد اللاهوت. فالذهب لم يتحد بالخشب.. بل كان الخشب مغلفًا فقط بالذهب، وكذلك لم يتحد اللاهوت بشخص العذراء مريم، ولكنه مسحها بمسحة من القداسة والموهبة الإلهية لتصير أم الله.أما خشب التابوت فكان من النوع الذي لا يسّوس، وهذا إشارة إلى المعدن الطاهر النقي لأم النور القديسة مريم. أما الذهب النقي المختار فهو ربنا يسوع "الذي صار إنسانًا بغير افتراق". وتشرح هذه القطعة اتحاد الطبيعتين في شخص ربنا يسوع المسيح قائلة: ?"واحد من اثنين لاهوت قدوس بغير فساد مساو للآب". ?"وناسوت طاهر بغير زواج مساوٍ لنا كالتدبير". ?"هذا الذي أخذه منكِ أيتها الغير الدنسة واتحد به كأقنوم". أما من جهة العذراء القديسة مريم فتشرح الثيؤطوكية قائلة: ?"وأنتِ أيضًا يا مريم العذراء مُتسربلة بمجد اللاهوت من داخل ومن خارج". ?"لأنكِ قدّمتِ شعبًا كثيرًا لله ابنك من قِبَل طهارتك". القطعة الثالثة يشير غطاء التابوت المصنوع من الذهب الخالص إلى الله الكلمة، حيث كان الله يتكلّم مع شعبه من فوق هذا الغطاء. وكلمة غطاء هي بالإنجليزية (Cover)، وتشير إلى كفارة المسيح التي غطّى بها ديون خطايانا. أما الكاروبيمان المظللان على الغطاء.. فهما بحسب تفسير الثيؤطوكية يشيران إلى قوة العلي التي ظللت القديسة مريم "قوة العلي تظللك" (لو1: 35). ?"الغطاء المظلل عليه بالكاروبين المصورين". ?"أي الله الكلمة الذي تجسد منكِ أيتها التي بلا عيب بغير تغيير". ?"وصار تطهيرًا لخطايانا وغافرًا لآثامنا". ?"وأنتِ أيضًا يا مريم العذراء ألوف ألوف وربوات ربوات يظللون عليكِ". ?"مسبحين خالقهم وهو في بطنك هذا الذي أخذ شبهنا ما خلا الخطية والتغيير". نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
09 يناير 2019

مولود قبل كل الدهور

يظن البعض أن السيد المسيح قد سُمي (الابن) لأنه وُلد من العذراء مريم، وهذا الظن خاطىء، لأن ربنا يسوع المسيح هو (الابن) منذ الأزل، لأنه مولود من الآب قبل كل الدهور. فهو ابن الله منذ الأزل وإلى الأبد، وصار ابن إنسان بالتجسد في ملء الزمان. ولذلك يرد لقب (الابن) في العهد القديم (أي) قبل التجسد، ففي سفر الأمثال ورد النص التالي: "مَنْ صَعِدَ إلَى السماواتِ ونَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفنتيهِ؟ مَنْ صَرَّ المياهَ في ثَوبٍ؟ مَنْ ثَبَّتَ جميعَ أطرافِ الأرضِ؟ ما اسمُهُ؟ وما اسمُ ابنِهِ إنْ عَرَفتَ؟" (أم30: 4). كما ورد على سبيل النبوة في مواضع كثيرة منها: "مِنْ مِصرَ دَعَوْتُ ابني" (هو11: 1). والابن مولود من الآب قبل الدهور ولادة طبيعية، أي كخروج الشعاع من المصباح، أو ولادة الحرارة من النار. ونقصد بعبارة (الولادة الطبيعية) أنها بدون إرادة، فالشمس يخرج منها النور والحرارة تلقائيًا، ولا تكون شمس إن لم يخرج منها نور وحرارة، وكذلك الآب يخرج منه تلقائيًا الابن المولود والروح القدس المنبثق، ولا يكون آبًا إن لم يكن له ابن وروح خارجان منه باستمرار وبدون انفصال. وإذا لم يكن الله آبًا فماذا سيكون؟!! هل هو صنم لا يتحرك ولا يتفاعل ولا يتكلم ولا ينتج ولا يُؤثر ولا يشعر به أحد (منذ الأزل)؟ حاشا لله أن يكون هكذا.. بل هو كائن حي نابض بالحيوية والاشعاع الحي، لذلك فهو منذ الأزل إله حي يتكلم ويسمع ويتحرك ويحب، وينبعث منه الابن بطريقة الولادة والروح القدس بطريقة الانبثاق. وهناك حوار منذ الأزل بين الأقانيم وهم في وحدانية الجوهر، وهناك حب وحركة وحيوية في الله الواحد المثلث الأقانيم منذ الأزل. وأبوة الله هي مصدر كل أبوة في الخليقة، لأنه إن لم يكن الله أبًا يلد ابنًا، فكيف يخلق خليقة قادرة على الانجاب؟!! "أحني رُكبَتَيَّ لَدَى أبي رَبنا يَسوعَ المَسيحِ، الذي مِنهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشيرَةٍ (أبوة) في السماواتِ وعلَى الأرضِ" (أف3: 14-15).. أي منه تنبع كل أبوة وكل خصب في الخليقة الحية. + هنا يجب أن أوضح مرة أخرى أن الفروق بين ولادة الابن من الآب، وبين ولادة أي كائن من كائن آخر هي: (1) بدون زواج.. فالآب قادر أن يلد بدون مساعدة من أحد. (2) بدون أقدمية.. فالآب أزلي والابن أزلي. (3) بدون انفصال.. فالآب والابن ليسا إلهين منفصلين بل أقنومان متحدان. (4) باستمرار.. فالولادة من الآب مستمرة منذ الأزل وإلى الأبد. (5) بدون إرادة.. لأن خروج الابن من الآب هو خروج طبيعي تلقائي. ونفس الكلام يُقال أيضًا عن خروج الروح القدس من الآب بطريقة الانبثاق، ومع مساواة الأقانيم الثلاثة في الجوهر والألوهة والأزلية والقدرة. + مثال للإيضاح: ولادة الفكر من العقل.. هو أيضًا بدون زواج، وبدون أقدمية العقل عن الفكر، وبدون انفصال، وباستمرار، وبتلقائية. وكذلك ولادة الحرارة من النار، والشعاع من الشمس. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل