الأنبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحده

Large image

ولد فيليب فايزأبونا الراهب القس يسطس السرياني من مواليد 1 فبراير 1959 م حصل على بكالوريوس الطب من جامعة عين شمس عام 1981 م ذهب إلى الترهب عام 1986 م دير السريان تم رسامته كاهنًا 3 يوليو 1988 م ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية USA في 10 يوليو 1989 تحت رعاية قداسة البابا شنوده الثالث، وتم تعيينه ككاهن مقيم لخدمة الشعب القبطي في كنيسة السيدة مريم العذراء في دالاس/فورت وورث Dallas/Fort Worth سيم أسقف عام في عيد العنصرة عام 1992تم تعيينه سنة 1993 للإشراف على الإيبارشية الجنوبية في أمريكا؛ وذلك بُناءً على القرار البابوي (رقم 22/27 - سبتمبر 1993) بانتدابه لرعاية الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة، ويشمل فلوريدا Florida، وكل الولايات من جورجيا Georgia وتينسي Tennessee شرقًا، حتى أريزونا Arizona غربًا، وما بينهما من ولايات. ويكون مقر إقامته في دالاس Dallas وهيوستن Houston (ولاية تكساس Texas)هو أول أسقف لإيبارشية جنوب أمريكاهو أول رئيس على دير العذراء والأنبا موسى بتكساس.

المقالات (5)

23 أغسطس 2022

النجار ابن مريم

يصف لنا القديس مرقس الرسول بدقة أحد الأحداث المهمة في حياة السيد المسيح والسيدة العذراء في الأصحاح السادس من إنجيله. فهوذا السيد المسيح قد جاء من كفرناحوم بعدما كان قد أقام ابنة يايرس وأتى إلى وطنه أي إلى الناصرة. لقد جاء إلى مدينته كواحد من معلمي الناموس متبوعًا بتلاميذه، وابتدأ يعلم في المجمع في يوم السبت. عندئذ بُهِت السامعون من تعليمه وحكمته وتساءلوا: «أليس هذا هو النجار ابن مريم؟» (مر6: 3). ومن المعروف بين اليهود أن الابن (والابنة) يُنسب لأبيه وليس لأمه حتى ولو كان أبوه ميتًا. فنرى مثلًا: يوحنا ويعقوب ابني زبدي، وسمعان بن يونا، وحنة بنت فنوئيل... إلخ. أمّا أن يُنسب الابن لأمه فكان ذلك يحمل إشارة لكونه ابنًا غير شرعي لا يُعرف اسم أبيه! بالتالي، يكون هذا اللقب "النجار ابن مريم" الذي سُمِّي به يسوع من قِبَل أهل بلدته حاملًا إساءة خفية للسيد المسيح وأمه. وأيّة إساءة أعظم وأمرّ من أن ترى الأم القديسة ابنها يُهان، وأن يرى الابن أمه كلية الطهر تُطعن في بتوليتها وطهارتها؟!لكن على النقيض توجد حالة أخرى وحيدة يُنسب فيها الابن إلى أمه وهو أن يكون واحدًا من ملوك يهوذا. فقد لاحظ دارسو الكتاب المقدس أنه في سفري الملوك الأول والثاني، بينما كان يوثّق كاتبهما سيرة وتتابع كل من ملوك يهوذا وملوك إسرائيل بعد انقسام مملكة داود، تعمّد الكاتب أن يذكر أسماء أمهات ملوك يهوذا وأن يُغفل ذكر أسماء أمهات ملوك إسرائيل. والاستثناء الوحيد في ذلك هو يهورام وآحاز ملكا يهوذا اللذان وُصِفا بأنهما سلكا في طريق ملوك إسرائيل وبالتالي لم يُذكر اسم أم كليهما. واستنتج الشُرّاح أن السبب في ذلك هو أن أم الملك ، وليست زوجته، كانت تحصل على لقب الملكة، وكانت تُسمى "الملكة الأم"، وكان لها الكلمة العليا في القصر بعد ابنها الملك، كما كانت تجلس في مجلس القضاء معه عن يمينه. أما كون ملوك يهوذا فقط هم الذين حُفظت أسماء أمهاتهم في سفر الملوك لأن ذلك له تفسير مسياني. فقد كان من المنتظر أن يجيء المسيا من سبط يهوذا. وبالتالي، كان من المتوقع أن تكون إحدى أمهات ملوك يهوذا تلك هي المرأة التي يسحق نسلها رأس الحية بحسب الوعد الإلهي لحواء. من هنا نرى كل العجب في كلام مار مرقس المــُلهم بالروح القدس. فهو الإنجيلي الوحيد من بين الإنجيليين الثلاثة الذين وصفوا تلك الحادثة الذي ذكر أن أهل الناصرة لقّبوه "بالنجار ابن مريم". ففي إنجيل لوقا قالوا: «أليس هذا ابن يوسف؟» (لو4: 22)، بينما نجدهم في إنجيل متى يقولون: «أليس هذا ابن النجار؟ أليست أنه تُدعى مريم» (مت13: 55).ما أحلى عمل الله العجيب الذي جعل أهل الناصرة يشهدون دون أن يدروا للملك المسيا النجار الذي ملك على خشبة، ولأمه الملكة. فبينما أرادوا الإساءة لها والتشهير بسيرتها الطاهرة، كرّموها كرامة الملكة أم ملك الملوك ورب الأرباب. نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد
16 أغسطس 2022

ولم يعرفــها

«ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر» (مت1: 25). هي آية أعيت عقول الكثيرين فاستغلوها سندًا للتشكيك في بتولية العذراء. أمّا القديس كيرلس الكبير، الذي تربطه بالسيدة العذراء علاقة وطيدة، فقد علّق ببراعة على هذه الآية في ميمر له على نياحة السيدة العذراء قائلًا: "حقًا قال عنكِ الإنجيلي الطاهر أيتها العذراء أن «يوسف لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعي اسمه يسوع» أي أنه لم يعرف مقدار مجدك وكرامتك والنعمة التي تحلّيتِ بها إلا بعد ميلادك السيد له المجد ورأى الملائكة صاعدة ونازلة تسبح المولود منكِ قائلة: «المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة»، والرب دعاكِ بوالدته الحبيبة". يعني ذلك أن القديس كيرلس الكبير فسّر كلمة "يعرفها" بمعناها البسيط، أي لم يعرف مقدار كرامتها.يوجد في الحقيقة نصٌّ رائع في ميمر آخر على "بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء" عثر عليه البابا كيرلس الخامس في دير المحرق وقام بطباعته سنة 1902م في كتاب "ميامر وعجائب السيدة العذراء مريم". هذا النص يصف ببراعة عجيبة حال يوسف النجار لما اكتشف حملها فيقول: "وعندما وقع نظره عليها وإذا هي حبلى تعجب يوسف واستغرب ذلك الأمر، ووقع في دهشة وتاه في بحور الأفكار وهو ما بين مُصدِّق ومُكذِّب. ثم لما فاق من دهشته والتفت وتأمل وجد أن أيام حملها تقدمت وقد ظهر حملها للعيان. فقال لها: يا مريم لم يسعني أن أمكث هنا وأحتمل العار من بني إسرائيل ومن الكهنة ومن شيوخ الشعب، وكاد يلطم على وجهه وبكي بكاء مرًا وينتحب ويحزن ويندب سوء حظه ويقول: ويلي أنا الشقي، كيف يكون حالي وماذا أقول؟ نعم إني سأصير عبرة في بني إسرائيل، وبماذا أجاوب وأي عذر لي وأنتِ معي في منزلي وتسليمي؟".والآن من السهل أن نضع النصين السابقين بجانب بعضهما البعض لندرك أن ظهور الملاك ليوسف في الحلم ليطمئنه من جهة العذراء لم يكن كافيًا ليستوعب مقدار كرامتها، بل أن ميلاد المسيح منها وما صحبه من عجائب كان هو وحده الحدث الجوهري الذي أضاء بصيرة يوسف الروحية فانفتحت على غنى كرامة ومجد العذراء. بالتالي، كل من يحاول تكريم العذراء لشخصها وفضائلها بمنأى عن ربط كرامتها بميلاد المسيح منها فإنه لابد وأن يقع فيما وقع فيه يوسف من شك وحيرة. لقد تشبّهت السيدة العذراء بابنها وتحولت إلى تلك الصورة عينها. فكما صار ذاك، الذي لم يعرف خطية، خطية من أجلنا، هكذا صار حبل تلك التي لم تعرف رجلًا بالسيد المسيح صليبها الذي عُلِّقت عليه بلا خطية منها. وكما تمجد السيد المسيح في أعين تلاميذه بقيامته فانفتحت أعينهم وعرفوه، هكذا صارت حادثة ميلاد المسيح من العذراء قيامةً لها حيث تمجدت في عيني يوسف الذي انفتحت عندئذ عيناه "فعرفها". بالتالي يكون لقب "والدة الإله" هو مجد قيامة العذراء!! نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد
29 يونيو 2021

روح الله يرف على وجه المياه

في قصة الخلق سجّل لنا الوحي الإلهي: «وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرفّ على وجه المياه» (تك1: 2). وكلمة "يرفّ" في أصل الترجمة العبرية هي "راخاف" وهي تعني احتضان الطائر للبيض حتى يفقس. ونفس هذه الكلمة تكررت في سفر التثنية في قول الرب: «كما يحرك النسر عشه وعلى فراخه يرف ويبسط جناحيه ويأخذها ويحملها على مناكبه» (تث32: 11). يعني ذلك أن الوحي الإلهي قصد أن يوضح لنا أن الروح القدس منذ البدء كان يرقد على الأرض كما ترقد الدجاجة على بيضها محتضنة إياه حتى يفقس. ومن المعروف أن الدجاجة عندما تحتضن البيض تنزع الريش من صدرها حتى يحافظ جلدها الدافئ على دفء البيض، وحتى يبقى هذا الريش المنزوع كعازل للعش. والدجاجة لا تقوم من على البيض سوى مرة واحدة في اليوم لتأكل وتشرب ثم تعود سريعًا لترقد على البيض من جديد حتى يفقس.وإن كان السيد المسيح قد علمنا أن نصلي قائلين: «أبانا الذي في السماوات»، إلّا أن الكتاب المقدس يتكلم في مواضع كثيرة عن "أمومة" الله". وفي أغلب الأحيان ترتبط أمومة الله في هذه المواضع الكتابية بالروح القدس. ومن أمثلة ذلك: «كالوالدة أصيح. أنفخ وأنخر معًا» (إش42: 14)؛ «هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساكِ» (إش49: 15)؛ «فترضعون وعلى الأيدي تُحملون وعلى الركبتين تُدلَّلون. كإنسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا، وفي أورشليم تُعزَّون» (إش66: 12-13)؛ «بل هدّأتُ وسكّتُّ نفسي كفطيم نحو أمه» (مز131: 2). أمّا في قصة الخلق، فقال: «فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم» (تك1: 27). أي أن الإنسان الذي هو المرآة العاكسة لصورة الله، أظهر بخلقته أن الله الذي لاجنس له،هو أب وأم بآن واحد!وفي قصة نيقوديموس يرد قول صريح للسيد المسيح عن الروح القدس الذي يلد مثل الأم حيث قال: «إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» (يو3: 5). والأم الجسدية تشعر بمسئولية شديدة من نحو طفلها الذي تلده، فلا تكتفي فقط بولادته بل تعتبر تلك الولادة نقطة البدء في تعهدها له بالرعاية والتربية والتعليم، حتى ينمو ويصير ناضجًا. هكذا أيضًا الروح القدس الذي نولد منه لا يتركنا يتامى، بحسب تعبير السيد المسيح، بل تبقى مسحته داخلنا ثابتة فينا تعلّمنا عن كل شيء كما تعلّم الأم ابنها عن كل شيء، بدءًا من كيف يأكل ويشرب ويمشي ويتكلم. والسيد المسيح وصف أيضًا الروح القدس بأنه "المعزي"، ومن المعروف أن الأم هي أكثر من يعزي أبناءها في حضنها الذي يرتمي فيه الطفل الباكي المضطرب فيجد أمانه وسلامه. وبالتالي، يكون من الأرجح أن عبارة: «شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني» (نش2: 6) تخص العمل الأمومي للروح القدس المعزي بالدرجة الأولى.لقد أعجبني قول أحدهم: "الله هو أب يحبنا بقلب أم"!! كل عيد عنصرة ونحن جميعًا متمتعون بأمومة روحه القدوس الوديعة الحانية!! نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد
22 يونيو 2021

فخر الرسل

ونحن نتمتع في هذه الأيام بصوم آبائنا الرسل أتذكر قول القديس البابا كيرلس عمود الدين في مقدمة قانون الإيمان واصفًا السيد المسيح بأنه: "فخر الرسل، إكليل الشهداء، تهليل الصديقين، ثبات الكنائس، غفران الخطايا". وكأن القديس كيرلس قد لخص بإيجاز بارع مركزية السيد المسيح، فهو اللؤلؤة كثيرة الثمن التي من أجلها باع آباؤنا الرسل كل شيء لكي يقتنوها. لقد كان السيد المسيح هو الموضوع المحوري لكرازة الرسل. ولأنهم شعروا بعظم فقرهم، وجهلهم، وضعفهم فإنهم لما نالوا نعمة البنوة لله من خلال السيد المسيح صار هو موضع فخرهم وزهوهم. وقد برع بولس الرسول في وصف ذلك في قوله: «فانظُروا دَعوَتَكُمْ أيُّها الإخوَةُ، أنْ ليس كثيرونَ حُكَماءَ حَسَبَ الجَسَدِ، ليس كثيرونَ أقوياءَ، ليس كثيرونَ شُرَفاءَ، بل اختارَ اللهُ جُهّالَ العالَمِ ليُخزيَ الحُكَماءَ. واختارَ اللهُ ضُعَفاءَ العالَمِ ليُخزيَ الأقوياءَ. واختارَ اللهُ أدنياءَ العالَمِ والمُزدَرَى وغَيرَ المَوْجودِ ليُبطِلَ المَوْجودَ، لكَيْ لا يَفتَخِرَ كُلُّ ذي جَسَدٍ أمامَهُ. ومِنهُ أنتُمْ بالمَسيحِ يَسوعَ، الّذي صارَ لنا حِكمَةً مِنَ اللهِ وبرًّا وقَداسَةً وفِداءً. حتَّى كما هو مَكتوبٌ: مَنِ افتَخَرَ فليَفتَخِرْ بالرَّبِّ» (1كو1: 26-31).لقد انحرف الكثير من الخدام على مر العصور فحادوا بموضع فخرهم عن السيد المسيح. لقد صاروا يفتخرون إما بقدراتهم ومواهبهم الشخصية، أو بأرصدة كنائسهم في البنوك، أو برصيدهم من المحبة والشعبية لدى المخدومين، أو بتقدمهم في السن وخبراتهم، أو بممارساتهم النسكية وبرهم الذاتي، أو بدراساتهم وشهاداتهم العلمية، أو بتاريخهم الحافل بالمنجزات والمشاريع. أما آباؤنا الرسل فلم يقتنوا لأنفسهم أيًا من هذه الأمور بل قدموا نموذجًا رائعًا لكل أسقف، وكاهن، وخادم حيث تهللوا مع المرنم قائلين: «باللهِ نَفتَخِرُ اليومَ كُلَّهُ» (مز44: 8)، وانطبق عليهم قول المزمور: «لأنَّكَ أنتَ فخرُ قوَّتِهِمْ» (مز89: 17).وعبارة "فخر الرسل" لا تحمل زمانًا، بمعنى أن السيد المسيح لم يكن فقط فخر الرسل في حياتهم على الأرض بل أنه سيبقى فخرهم إلى أبد الآبدين في الدهر الآتي. فالافتخار هنا ليس فعلًا في زمان محدد بل هو حالة دائمة. ولا يمكن لأحد أن يفتخر بشيء أو بشخص يشعر بأنه وضيع بل دائمًا ما يفتخر الناس بأمور يثمّنونها ويشعرون بعلوّ قيمتها. من ثَمّ لم يكن الرسل ليفتخروا بالسيد المسيح ابن الله لو لم يكونوا قد قبلوا شهادة الآب عنه التي سمعوها بآذانهم في معموديته وتجليه على جبل طابور، وكذلك شهادة الروح القدس عنه في قلوبهم. والافتخار مرتبط بالفرح. فما من أحد يفتخر بشيء أو شخص ثمين وهو حزين معبس الوجه. إنه إذ يشعر بعظم النعمة ومجانية العطية الإلهية الفائقة يبتهج متهللًا. وهو أيضًا مرتبط بالشكر والتسبيح إذ أنه حيثما يوجد الفخر لا يوجد موضع للتذمر والدمدمة بل للحمد والتهليل.ليتنا نتعلم جميعًا كيف نثبّت أنظارنا على السيد المسيح فيصير هو وحده موضع فخرنا كمثل الآباء الرسل فنتهلل مع عذراء النشيد بفرح قائلين: «هذا حَبيبي، وهذا خَليلي، يا بَناتِ أورُشَليمَ» (نش5: 16). نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد
03 مايو 2019

وكان الاثنان يركضان معًا

يصف لنا القديس يوحنا في روايته عن قيامة السيد المسيح رد فعل مريم المجدلية عندما أتت إلى القبر والظلام باقٍ فنظرت الحجر مرفوعًا بقوله: «فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه» (يو20: 2). ثم عاد أيضًا في نفس الرواية ووصف رد فعله هو وبطرس الرسول عندما سمعا ما قالته مريم لهما قائلًا: «وكان الاثنان يركضان معًا» (يو20: 4). وليس يوحنا فقط هو الذي نوَّه عن رد الفعل هذا، بل لوقا أيضًا حيث قال: «فقام وبطرس وركض إلى القبر» (لو24: 12). أمّا متّى فقد انفرد دونًا عن باقي الإنجيليين بتوضيح أمر الملاك للمريمتين: «واذهبا سريعًا قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات» من ثَمّ كان رد فعلهما أنهما: «خرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه» (مت28: 7-8). ولعلّ انطلاق المريمتين هذا يذكّرنا بمشهد العصفور الحي في شريعة تطهير الأبرص، الذي بعدما يُغمَس في دم العصفور المذبوح على الماء الحي يُطلَق على وجه الصحراء (لا14: 6-7). ما أود لفت النظر إليه هنا هو أن رد فعل المريمات والتلاميذ لخبر القيامة كان "الركض"!!والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا الركض عند تلقّي خبر القيامة؟ في الواقع يحمل الركض العديد من المعاني والمدلولات. إنه يدل أولًا على الفرح الشديد الممزوج بالحب. فالذي يتلقّى خبرًا سارًا لا يتوانى من شدة فرحته عن مشاركته مع أحبائه. هذه هو جوهر كل كرازة في المسيحية. لقد كان الركض هو رد فعل الأب أيضًا لقيامة ابنه من موت الخطية في قصة الابن الضال: «وإذ كان لم يزل بعيدًا رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله» (لو15: 20). المدلول الثاني للركض هو سرعة انتشار خبر القيامة على يد مبشّرين غيورين لا يعرفون الكسل أو التواني. يذكّرنا ذلك بما حدث مع داود عندما تسابق رجلان في الجري لكي يبشّراه بالغلبة في الحرب: «وكان داود جالسًا بين البابين وطلع الرقيب إلى سطح الباب إلى السور ورفع عينيه ونظر وإذا برجل يجري وحده. فنادى الرقيب وأخبر الملك، فقال الملك: إن كان وحده ففي فمه بشارة. وكان يسعى ويقرب. ثم رأى الرقيب رجلًا آخر يجري. فنادى الرقيب البواب وقال هوذا رجل يجري وحده. فقال الملك وهذا أيضًا مُبَشِّر» (2صم18: 26). يا ليتنا نتعلم كيف نحمل بشرى القيامة المفرحة للجميع بكل غيرة كما هذين الرجلين!! أما المدلول الثالث للركض فهو السعي الجاد والجهاد الشاق. هذا المدلول يتحدث عنه بولس الرسول بوضوح قائلًا: «ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون ولكن واحدًا يأخذ الجعالة. هكذا اركضوا لكي تنالوا... إذ أنا أركض هكذا ليس عن غير يقين» (1كو9: 26،24). توجد إذًا رابطة وثيقة بين القيامة والجهاد. فخبر القيامة ليس مجرد خبر مبهج يحرك المشاعر والانفعالات البشرية، بل هو يضع على عاتقنا مسئولية الجدية في الجهاد الشخصي حتى تصير هذه القيامة مفَّعلة في حياتنا. كل عيد قيامة ونحن جميعًا راكضون في طريق الخلاص!! نيافة الحبر الجليل الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل