الكتب

الرسل الاطهار الاثنى عشر

شهية وكريمة هي سيرة التلاميذ الرسل الذين تبعوا الرب، وصار هو واضع جهادهم الحقيقي في كرازتهم بملكوته السمائي ومكرمة هي حياتهم وخدمتهم التي تباركت بها كل قبائل الأرض، ولا تستطيع كلمات أن تعبر عن مجدهم الذي مجدتهم به يا رب، ذلك المجد الذي نطق به وافتخر به الذين غرسوهم وردوهم للأيمان بك إنهم أساسات الكنيسة التي تنبأ عنها النبي داود بأن الرب: أساساته في الجبال المقدسة وأنه يحب أبواب صهيون أفضل من جميع مساكن يعقوب (مز 86). وهو كذلك الذين رآهم الرائي اثنيّ عشر أساسًا لأورشليم السمائية مكتوبين عليها كرسل للحمل أنهم أبواب وأساسات وأمجاد وأسوار مدينة الله وأحجارها الكريمة المزينة، وقد صاروا الأساس الذي تأسست عليه الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية،ونحن مدينون لهم بأننا قد صرنا مسيحيين وامتلكنا ذلك الأيمان الثمين ثمرة لجهادهم وكرازتهم الموثقة بدمائهم الشاهدة لآلام الرب أنني أقدم هذا الكتاب كمدخل لسير التلاميذ القديسين من خلال خدمة المسيح سيدنا وملكنا، ومن خلال سيرتهم عبر التقليد المقدس، وفاء لذكراهم المؤبدة واقتداءًا بمثالهم وإيمانهم الذي به قهروا الممالك وصنعوا البر وأخيرًا وضعت لهم الأكاليل التي يهبها الرب الديان الحاكم العادل إنني أحسب نفسي فرحًا عندما أقدم ضمن (سلسلة إكثوس) حياة الآباء الرسل القديسين، لنتأمل خدمتهم وبشارتهم كى تصير لنا سبب بركة بصلواتهم فنسلك في آثارهم متشبهين بجهادهم وننعم بنصيبهم وميراثهم، ونشترك معهم في الأعراق التي قبلوها على التقوىطالبين تعزية للنفوس المجاهدة المتغربة في الجسد ولكل الذين هم في الشتات، راجين أن تمتد ذكراهم العطرة لتشملنا جميعًا فننعم بأزمنة ازدهار الأيمان وانتشار الملكوت بشفاعتهم وبصلوات قداسة البابا شنوده الثالث وشريكه في الخدمة الرسولية أبينا الأسقف المكرم الأنبا أنطوني، ومجمع آباء إيبارشية أيرلندا واسكتلندا وشمال شرق انجلترا ولله المجد على كل شيء،

القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة الشهيد ( سيرته وكتاباته)

أولًا: سيرة القديس: 1- ميلاده: وُلد ثاسكيوس كابلكيانوس كبريانس في قرطاجنة سنة 208 م. في بيت ذي مركز وجاه وثقافة، ومن أبوين رومانيين وثنيين وثريين. 2- ثقافته: وفي مطلع شبابه، أصبح خطيبًا بارزًا، ثم معلمًا في الخطابة والفصاحة. 3- إيمانه: لمس الله قلبه على يد قس نقى اسمه كابلكيانوس فاعتنق المسيحية وقبل سر العماد 245 م. ووزع ثروته على الفقراء والمساكين. 4- رسامته كاهنًا: فلما رأى أسقف قرطاجنة ما صار إليه الرجل الفذ، رسمه كاهنًا. 5- رسامته أسقف: ثم خلا كرسى قرطاجنة بوفاة راعيها، فألح الشعب بتسليم عكاز الرعاية إلى كبريانوس الذي تسلم مهام المنصب في مطلع عام 249 م. 6- فضائل كبريانوس كان كبريانوس رجل الصلاة والتأمل والتأليف. وكانت فضيلة المحبة والعطف على الناس في مقدمة فضائله. وكان مجردًا عن مطامع الدنيا وخيراتها، لذلك لم يكن يعمل حسابًا لرجل كبير أو لرئيس خطير. بل كان يسير في عمله وخدمته إلى الأمام، لا يعرف سوى سلطان الواجب. وكان يبذل الدرهم بلا حساب في سبيل الفقراء والمعوزين. ولما كان البرابرة يجتاحون أطراف المملكة الرومانية، ويسوقون المسيحيين أسرى إلى بلادهم كان كبريانوس يهبّ لمساعدتهم، ويمد يد المعونة إلى أساقفتهم لأجل اقتدائهم. 7- استشهاده وعندما بدأ كبريانوس تولى مسئوليته كأسقف، كان يتربع على الإمبراطورية الرومانية الأمبراطور ديسيوس (249-251). أي أن كبريانوس بدأ أسقفيته مع الاضطهاد المروع الذي أثاره هذا الإمبراطور على الكنيسة المسيحية ولم يستشهد في ذلك الوقت قام الملك فالريانس سنة 257 م.، يضطهد كنيسة الله ويدمرها شعر القديس كبريانوس في نفسه بأن الله يدعوه إلى أمجاد ملكوته، وأن ساعته قد أتت وأن الرب يسوع الكاهن الأعظم يريده ذبيحة نقية على مذابح حبه، فلم يتوارَ كالمرة الأولى، بل أخذ يقول: "إني أريد أن أموت لأجل إلهي. ينبغي لنا أن نفكر الآن في الحياة الدائمة أكثر مما نفكر في الموت وبقى مثابرًا على جهاده وعلى أعمال غيرته، بلا توان، ولا وجل حتى أمسكوه وقادوه إلى وكيل القنصل الروماني باترنس، وكان يعرف مكانه كبريانس في كل القارة الأفريقية " الشمالية"فلما أقبل كبريانوس أمام وكيل القنصل باترنس، دار بينهما الحوار التالي: القنصل: إن ملوكنا الأعزاء القاهرين شرفونى برسائل، بها يأمرون الناس أجمعين بوجوب تقديم العبادة والإكرام الآلهة المملكة. فما رأيك؟ كبريانوس: أنا مسيحي. ونحن معشر المسيحيين لا نعبد سوى الله. وتضرعاتنا تصعد إليه كل صباح وكل مساء لأجلنا ولأجل جميع البشر، وعلى الأخص، لأجل توفيق المملكة وملوكها. القنصل: ألا تزال مصرا على عزمك؟ كبريانوس: إن مقاصد الخير، التي يهدينا الله إليها، لا يمكن أن تتغير أو تتبدل. القنصل: تهيأ إذن للذهاب إلى كورنشس، حيث يأمر فالريانس وغاليانس بإبعادك. كبريانوس: أنا مستعد للسفر. القنصل: إن الأوامر التي في يدي لا تشمل الأساقفة فحسب، بل الكهنة أيضًا. فمن كهنة هذه المدينة؟ كبريانوس: إن الشرائع الرومانية تحظر على الناس الوشايات، فكيف تطلب منى أن أشي بهؤلاء الكهنة؟ القنصل: لا بأس من سكوتك عنهم، فسوف أعرفهم. ثم إن أوامر القياصرة تمنع كل اجتماع في أي مكان كان، ولا يُسمح بدخول المقابر لإجراء الاحتفالات. وكل من يخالف هذه الأوامر يموت موتًا. كبريانوس: أعمل بحسب الأوامر الصادرة إليك وبعد هذا التحقيق السريع، سيق كبريانوس إلى المنفى. فلبث، وهو بعيد عن أولاده يبث فيهم روح الشجاعة برسائله وصلواته ثم أطلق سراحه وعاد إلى كرسيه، ولكن لأيام معدودة، حيث قُبض عليه من جديد وأحضر أمام والوالي، فقال له: الوالي: هل أنت كبريانوس؟ كبريانوس: أنا هو. الوالي: إن القياصرة المجيدين يأمرونك بأن تقدم الذبائح للآلهة. كبريانوس: لا أستطيع أن أفعل شيئًا من هذا. الوالي: فكر جيدا في أمرك. كبريانوس: أصنع ما بدا لك، لأن الأمر لا يحتاج إلى إعمال الفكرفاستشار الوالي مجلسه، ثم حكم على الأسقف بقطع الرأس. فقال كبريانوس "الشكر والحمد لك يا إلهي. لأنك تتفضل بإخراج نفسي من هذا الجسد القاني" فسيق إلى مكان الإعدام، وكان المسيحيون بألوف يزحمونه، وتسلق البعض منهم أعالي الشجر ليتمكنوا من مشاهدته ساعة إعدامه وكانت الدموع تسيل من جميع العيون، وفرش البعض من حوله مأزر ومناديل ليتلقوا بها دمه فخلع كبريانوس عنه رداءه، وجثا على ركبتيه وأخذ في الصلاة. ثم ترك أيضًا ثوبه ولم يبق عليه سٍوى قميص من كتان. وأمر بان يعطى الجلاد خمسة وعشرين دينارا ذهبيًا، وشجعه على القيادة بعمله، ثم دنا منه كاهن وشماس، وكان هو ثابت لا يكف عن الصلاة بحرارة وإيمان فوقف الجلاد على رأسه وفرائصه ترتعد من هذا المشهد المريع، ثم ضربه بالسيف فقطع رأسه. وطارت نفسه إلى المجد حيث مقر الشهداء والقديسين وأسرع الناس إلى دمائه الزكية المتفجرة يتبركون منها. وعند المساء حملوا الشموع ونقلوا جثته إلى مدفنها بكل خشوع وإكرام. فكانت عظته الأخيرة أروع ما نطق به أمام شعبه من تعاليم الإيمان والخلاص، وكان ذلك في اليوم الرابع عشر من شهر سبتمبر سنة 258 م ولقد قال فيه القديس أغسطينوس: "إذا كانت بعض الغيوم قد مرّت على تلك النفس النيّرة، فإنها تبددت بدمها المسفوك لأجل المسيح. إن القلوب التي تملأها النعمة، تبقى فيها أحيانًا أشواكًا برية لكن الفلاح الأكبر لا يلبث أن يقتلها".

الاب افراهات السريانى من الأباء السريان

الكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة الإنجيل والآباء بآنٍ واحد، كنيسة الآباء الذين تكلموا بإلهام الروح القدس نفسه الذي ألهم الرسل القديسين، فعمل الروح القدس مستمر في الكنيسة ومقيم فيها حسب وعد المسيح لها، أنَّه يعمل فيها على الدوام ويعطى أعضائها مواهب العنصرة ويعلن لهم الحق الإلهي والبشارة المفرحة، متى جاهدوا واستجابوالذلك يُعبِّر الآباء عن الحقيقة الإنجيلية نفسها بنعمة الروح القدس العامل والمستقر فيهم، كما أنَّهم يحصلون على خبرة روحية عميقة ويعيشون مقيمون في النعمة، يتحدثون بعظائم الله، ولذلك فبالرغم من أنَّ كتاباتهم مكتوبة بأسلوب منطقي أحياناً وبلغة فلسفية أحياناً أخرى، إلاَّ أنَّها بسيطة وعملية ونابعة من حياتهم ومعيشتهم وخبرتهم الحقيقية، فتعليمهم غير منفصل عن الحياة في المسيح، خلال الصلاة والتأمل والخشوع لهذا كانت كتاباتهم نابعة من قداسة نفوسهم والتخمير بخميرة المسيح، إذ أنَّهم مستنيرون من الروح القدس متحدين بالله، فالحياة الروحية لا تنمو إلاَّ بالعمل الإلهي من ناحية وبالتجاوب الإنساني من ناحية أخرى، لذلك نجد أنَّ كل أب من الآباء يُقدم بنور الروح القدس العامل فيه، خبرة جديدة وتوضيحاً جديداً ومعرفة جديدة، بتوبة مستمرة سهمية شاملة للفكر والحواس والمشاعر والإرادة، في صحو ويقظة كمنهج حياة واتجاه ثابت وعميق، بالتحرك للأمام لا بحِيَل بشرية بل بعطاء القلب المستمر، في حب حقيقي وشبع بالإنجيل، وفي اندماج وشركة مع الكنيسة لذلك جاءت المعرفة امتداد للمعرفة الإنجيلية والآبائية السابقة لها، فالجديد الذي يحمله كل أب هو جديد من ناحية التعبير في إطار التقليد، لكنه ليس ابتداعاً جديداً أو تعليماً جديداً، لأنَّ تعليمه مطابق لتعليم الكنيسة المستقر ولخبرتها المستقيمة فتأتى خبرة كل أب لتصبح خبرة الكنيسة نفسها وقلبها، وهي مرتبطة باختباره للحقيقة التي يعلنها له روح الله القدوس، ليعلن الآباء جميعاً الحق الواحد، فتصير حياتهم غير عقيمة بل مثمرة، حاسبين أنَّ دم أولادهم يُطلب منهم، جاذبين النفوس بربحٍ للمسيح ورغم اتفاق الآباء الجماعي إلاَّ أنَّه في بعض الأحيان وُجدت اختلافات بين أب وآخر، لكن هذه الاختلافات لا تمس الأساس نفسه، بل هي دليل على أنَّ الروح القدس لا يسلب الإنسان حريته ولا يلاشى شخصيته ونحن نُسلِّم بأنَّ بعض الآباء قد وقعوا في بعض الأخطاء غير الجوهرية ولكن الكنيسة لم ترفضهم بل رفضت هذه الأخطاء التي لا تتفق مع ضمير الكنيسة ومنهجهاومن بين هؤلاء الآباء، يأتي الأب أفراهات السرياني صاحب هذه السيرة، الذي هو بحق من أعظم المفسرين والشارحين للكتاب المقدس، فجاءت كتاباته مُشبَّعة بالفكر الكتابي والسلوك الإنجيلي، شارحاً للكتاب ومفسراً لرمزياته، فقدم الرمز والمرموز إليه من خلال شخصيات يوسف وموسى ويشوع ويفتاح وداود وإيليا وحزقيا ويوشيا ودانيال والثلاثة فتية ومردخاي كرموز نبوية اكتملت وتحققت في شخص المسيح ويُعتبر أفراهات كاتب معروف بين الكتَّاب السريان، له مقالاته التي تدور حول قضايا الإيمان والخدمة الإلهية وحياة الكنيسة ومقالات أخرى فصحية، وبعضها عن الرعاة والرهبان... وتُعتبر هذه المقالات ذات قيمة كبرى من ناحية تاريخيتها ووصف الحياة الداخلية في كنيسة الفرس، كما أنَّها ذات أهمية كبيرة في دراسة تاريخ نص العهد الجديد وقد قمنا بنعمة ربنا بتقديمها للقارئ العربي وللمكتبة القبطية كعمل ذي قيمة تتجاوز عصره وكتقليد الكنيسة الحي، الذي فيه نرى كيفية المشاركة الإنسانية في النعمة الإلهية إذ أنَّ الإيمان موجود في التقليد الذي يُسلَّم، ونحن نعتبر التقليد الآبائي مصدراً أميناً للمعرفة الإيمانية، به ندحض الضلال والآراء الفاسدة والأفكار المشوشة، لأنَّنا فيه نلجأ إلى خبرة الحياة والاقتداء في المسيح يسوع نهديها لعميد الإكليريكية جزيل البركة والغبطة البابا شنودة الثالث -أطال الله حياته- ونرجو أنْ يكون هذا الاحتفال التاريخي بالعيد المئوي لإعادة تأسيس الكلية الإكليريكية قفزة لمزيد من الارتقاء على المستوى العملي في الخدمة والكرازة والرعاية والتكريس، وعلى المستوى العلمي في الدراسة والبحث والمنهجية والتخصص، لتكون الإكليريكية مصدر تلمذة ومركز إشعاع متألق دائماً كما كانت المدرسة اللاهوتية السكندرية وبلسان الشكر أتقدم بعميق الشكر لصاحبي النيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوي مطران كرسي دمياط وتوابعها وسكرتير المجمع المقدس، على مساعدته القيّمة ولمسات الحب الرعوي التي يؤازرنا بها... ولصاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف كرسي المنوفية والنائب البابوي للإسكندرية على إشرافه وتشجيعه الأبوي الذي يشملنا به، ليديم الله حياتهما وليجعل هذا العمل لمجد الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس الإله الواحد الذي يليق به الشكر والتسبيح كل حين وإلى الأبد آمين.

القديس يعقوب البرادعى من أباء السريان

في مصر: جاء إلى مصر في القرن السادس أيام البابا بطرس الرابع، واتسم بحبه الشديد للعبادة والزهد، فكان لا يلبس سوى خرق البرادع فسمي البرادعي (أو البردعي)، ويلقب بـ"يعقوب الزنزلي" أيضًا. أسقف الرُها: ولد في بلدة تيلا على مسافة 55 ميلًا من الرُها في أواخر القرن الخامس، ونشأ أولًا في دير بالقرب من الرُها يدعى دير الشقوق، وبعد وفاة أسقف هذه المدينة رُسِم أسقفًا عليها سنة 541 م. في القسطنطينية: توجه إلى القسطنطينية ليدافع عن الإيمان الأرثوذكسي ويفتقد الآباء البطاركة الذين طرحوا في السجون، وبمساعدة الملكة ثيؤدورا المؤمنة استطاع أن يرسم من الثلاثة بطاركة المعزولين وهم ثيؤدوسيوس السكندري وساويرس الإنطاكي وأنتيموس القسطنطيني مطرانًا عامًا على كل الكنائس الأرثوذكسية. اهتمامه بغير الخلقدونيين المضطهدين في الإمبراطورية: قبل رسامته كانت أيدي ملوك الروم تعبث بأنصار الطبيعة الواحدة وكاد هؤلاء ييأسون إذ مات بعضهم والبعض الآخر أُسِر، فنهض يعقوب واشتغل مدة أسقفيته كلها وهي 33 سنة في جمع شمل شعبه. كان لابسًا بردعة بمثابة ثوب شحاذ يطوف بها في أنحاء الولايات الرومانية، لكي يضم سكانها إلى حظيرة الكنيسة الأرثوذكسية، ويدخل في أذهانهم مذهبها واعتقادها بهمّة لا تعرف الكلل، سالكًا تحت الأخطار والأهوال من بلدٍ إلى بلدٍ، لا يعرف الخوف ولا يشعر بالخطر المحدق به من موظفي الحكومة ومن الكهنة الرومانيين صار يرسم قسوسًا وأساقفة ويضم الشيع المتفرقة ويوفق بين المتخاصمين، وهدى الكثيرين من أتباع أوطيخا وجعلهم يتركون اعتقادهم الفاسد ويرجعون إلى مذهب الكنيسة القويم، إلى أن جدد للأرثوذكسيين مركز بطريركيتهم في إنطاكية وترآس مجمعين كرَّس لهم فيهما بطريركين، أحدهما بعد الآخر بعد نياحة القديس ساويرس وهما سرجيوس وبولس. سرّ ذهابه إلى مصر: ذهب يعقوب إلى مصر للسعي في إعادة السلام بين كنائسها وكنائس سوريا. وسبب ذلك أن يعقوب كان قد رسم بطريركًا أرثوذكسيًا لإنطاكية يدعى بولس، ولكن لسبب الاضطهاد الذي لحق به اضطر أن يوافق الخلقيدونيين، فاستاء يعقوب منه وأصدر قرارًا بحرمه، وكان بولس قد فارق القسطنطينية بعد أن جاهر أمام الإمبراطور بأرثوذكسيته وتاب عن زلته وأتى إلى يعقوب وضمه إلى عضوية الكنيسةغير أن المصريين عابوا على يعقوب قبوله بولس مرة أخرى حتى أن البابا بطرس أصدر قرارًا بحرم بولس، فحضر القديس يعقوب إلى مصر للمفاوضة في هذا الأمر وترأس مجمعًا عُقِد في الإسكندرية اقتنع فيه برداءة سلوك بولس وسيرته السابقة في الإسكندرية مسقط رأسه، فسلم بعزله على أن يبقى عضوًا في الكنيسة لأنه تاب، وأعلن عزله بواسطة ثلاثة أساقفة، ومن ثم سافر يعقوب من مصر ليباشر جهاده. نياحته: أما بولس فكان له أنصار عديدون رفضوا قرار مجمع الإسكندرية بشأنه وكاد الشقاق يستفحل، فعزم يعقوب على زيارة مصر ثانية في أيام البابا دميان البطريرك 35، ولكنه أصيب بمرض في الطريق فعرج على دير في حدود مصر. ولما بلغ البطريرك السكندري خبر مرضه ذهب إليه ليزوره فوجده قد تنيّح، وكان ذلك في سنة 578 م شهد المؤرخون بأن هذا الرجل كان بارًا تقيًا وقادرًا في فصاحته وعلمه، وأنه لو لم يهيئ الله وجوده لما قام لقويمي الإيمان قائمة. وبعد نياحته ترك الكنائس الأرثوذكسية نامية، وجملة ما رسم من الأساقفة عشرين أسقفًا ومطرانًا وبطريركين.

القديس هيلارى اسقف بواتيية

أولًا: سيرته: كان "إيلارى" ينتمي لأسرة عريقة ومعروفة في فرنسا. ونشأ وثنيًا كما قال عن نفسه، ولكن النعمة الإلهية قادته للإيمان المسيحي، وذلك فيما كان يقوم بدراسته بحماسة عن الله، اكتشف خلالها حماقة الاعتقاد بتعدد الآلهة، واقتنع بأنه لا يوجد سوى إله واحد. ولابد أن يكون هذا الإله أبديًا وغير متغير، وكلى القوة، وهو العلة الأولى والخالق لكل الأشياء وهكذا بعد أن عرف إيلارى الإيمان، اعتمد وهو متقدم في السن. إيلارى أسقفًا: كان إيلارى أسقفًا متزوجًا قبل عماده، وكانت ابنته وتدعى أبرا، على قيد الحياة عندما اختير أسقفًا على بواتييه نحو سنة 350 م.. عمل كل ما في وسعه للهروب من درجة الأسقفية، لكن صفاته جعلت الناس يتمسكون به أكثر.. وكانت توقعات الناس بالنسبة لشخصية إيلارى في محلها، لأن صفاته البارزة أضاءت متألقة، لا لتجذب انتباه فرنسا فحسب، بل الكنيسة كلها. إيلارى في المنفى: بسبب دفاع إيلاري القوى عن الإيمان، ومقاومته للأريوسيين، ورفضه إدانة القديس أثناسيوس، حيث قال مقولته الخالدة: "إني لو خيرت بين الموت ومخاصمة أثناسيوس لفضلت الأولى على الثانية". * بسبب موقفه المشرف هذا، نفى القديس إيلارى في منتصف عام 356 م.

القديس ديونيسيوس السكندرى بابا الاسكندرية ال14 مدير مدرسة الاسكندرية اللاهوتية

لقبه القديس أثناسيوس "معلم الكنيسة الجامعة" كما دُعي "ديونيسيوس الكبير" بسبب ما عاناه من ضيقات محتملًا ذلك في شجاعة وثبات، ولغيرته على الكنيسة، لا على المستوى المحلي فحسب بل على مستوى الإبيارشيات الأخرى. بحق يعتبر "أحد أعظم شخصيات التاريخ الكنسي الهامة والجميلة". تحوله للمسيحية: وُلد بالإسكندرية مع نهاية القرن الثاني حوالي عام 190 م.، من أبوين وثنيين غنيين ذي جاه. كان من مذهب الصائبة يعبد الكواكب، محبًا للقراءة، يعمل كطبيبٍ ناجحٍ قادته قراءته المستمرة إلى قبول الإيمان المسيحي، فقد قيل أن أرملة عجوز مرّت به معها بعض كتابات الرسول بولس تريد بيعها. فاشتراها منها وأخذ يدرسها ويفحصها. فأُعجب بها جدًا وحسبها أفضل ما قرأه من كتب الفلاسفة. وإذ طلب من السيدة أن تأتيه ببقية الأوراق ويدفع لها ما تريد أحضرت له ثلاث رسائل أخرى. وإذ شعرت الأرملة أن نعمة الله قد عملت في قلبه قالت له: "إن شئت أيها الفيلسوف أن تطّلع على كثير من مثل هذه الأقوال عليك بالذهاب إلى الكنيسة لتجد من يعطيها لك مجانًا. فمضى إلى الكنيسة حيث التقى بشماس يدعى أوغسطين الذي دفع له رسائل معلمنا بولس الرسول كاملة، فقرأها وقبل الإيمان المسيحي مضى ديونيسيوس إلى البابا ديمتريوس ونال منه سرّ العماد، ثم التحق بالمدرسة اللاهوتية، حيث تتلمذ على يدي العلامة أوريجينوس. وصار أحد كواكبها اللامعين. سيم ديونيسيوس شماسًا بواسطة البابا ديمتريوس، كما سيم قسًا بواسطة البابا ياروكلاس (هيراقليس) خلف ديونيسيوس هيراقليس في رئاسة المدرسة لحوالي 16 أو 17 عامًا، كما خلفه أيضًا في البابوية أخبرنا عن نفسه أنه اعتاد أن يقرأ حتى كتب الهراطقة، وأنه قد تشجّع على ذلك بواسطة رؤيا إلهية، ففي رسالته الثالثة عن المعمودية التي كتبها إلى القس الروماني فليمون قرر أن الله أعلن ذاته له، قائلًا له: "اقرأ كل ما يمكن أن تصل إليه يدك، فإنك قادر أن تصحح كل شيء وتمتحنه، فإن هذه العطية هي سبب إيمانك منذ البداية". وقد أهلته قراءاته المكثفة في كتب الهراطقة على مهاجمتهم من خلال أعمالهم.

القديس ثيؤفان الحبيس من آباء روسيا

لقد وهب الرب لكنيسته آباء عظام يعملون باسمه ولحسابه لا بإمكانياتهم البشرية بل بنعمته وبحسب مسرته، مضيئين بزيت البهجة في الجهاد وأتعاب النسك والسهر والقداسة عملوا بلا رخاوة في حقل الرب وسلكوا نحو السماويات ليلًا ونهارًا فتعطرت برائحتهم الطيبة كل الأرجاء، كالنخلة يزهرون وكمثل أرز لبنان ينمون أغنوا الكنيسة بمؤلفاتهم القيّمة وكتاباتهم الحية التي عملوها وعلَّموا بها، فأعطوا للكنيسة دفقًا جديدًا وأنموها بوفرة، فمِنهم وبواسطتهم أخذنا وتسلمنا التعليم الإنجيلي مشروحًا ومعاشًا، ومن الحياة التي ننهلها منهم تعيش الكنيسة اليوم وكما أنَّ الأشجار المثمرة من باطنها في أوان الإثمار تُبرز الثمر مع الورق، كذلك كل مُعلِّم في الكنيسة يحمل ثماره (أعماله) وأوراقه (كلامه): الشهداء يحملون فخر صبرهم وعذاباتهم، والنساك يحملون أتعابهم ونسكهم الساهر، والمعلمون يحملون أثمار المعرفة الإلهية غير الزمنية كانت مخافة الله ينبوع حياتهم وتنقية عقولهم وصيانة نفوسهم ونعمة تصرفاتهم ومديرة سلوكهم، تُنمى محبتهم وعشرتهم وتقطع شهوتهم، فصاروا مغبوطين لأنَّهم صنعوا مشيئة خالقهم مثل نور يرشدوننا إلى الخلاص، وكمدينة حصينة فوق جبل كسراج على منارة يهدى أقدامنا في الطريق ومن بين هؤلاء الآباء تأتى سيرة الأب ثيؤفان الحبيس والمعتبر من أشهر الآباء النساك الروس، الذي اشتهر بمحبته للخدمة وبمساعدته للمحتاجين كما عشق التأمل والوحدة (الحبس) زار الأديرة القبطية واقتنى المعرفة الآبائية فصار فيلسوفًا وواعظًا ومربيًا ومعلمًا ومرجعًا في علم الباترولوچى، كما ذكرنا أيضاً هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وجاءت كتاباته نسكية عملية بل ومن روائع الأدب النسكي الروسي إنَّنا نقدم سيرته العطرة ضمن سلسلة آباء الكنيسة ΙΧΘΥΣ بمناسبة اليوبيل المئوي للكلية الإكليريكية القبطية، فالمتأمل في الدور الذي تقدمه الإكليريكية يلحظ بوضوح أنَّ التعليم الإكليريكي يتمتع بمكانة متميزة في بؤرة شعور المعنيين بالخدمات التعليمية، لذلك نتمنى مزيد من خطط التطوير في المناهج وفي أساليب التدريس والبحث وفي التلمذة الروحية التي تضمن للإكليريكية الاستمرار والفاعلية بنفس قوة البدايات وحماستها ووضوح رؤيتهاوالكنيسة كلها ترنو إلى شخص الجالس على عرش مارمرقس الرسول قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث الذي يقود مسيرتها نحو أورشليم السمائيةالله أبونا السماوي يُنهض حياتنا لنخدمه ما يليق بجلاله.. له المجد والكرامة من الآن إلى الأبد آمين.

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل