الكتب

الإستشهاد في فِكْر الآباء

الاستشهاد قصة المسيحية وشهوِة المسيحيين، فشكرًا لله أبينا السماوي الذي سمحت إرادته الصالحة الكاملة الطوبانية، بهذه الدراسة الشيقة التي نتنسم فيها رائحة دماء شهداء الكنيسة البَرَرَة، أرواح المُكملين، الأبرار المكتوبين سحابِة الشهود.وقد اعتمدت في هذه الدراسة على مراجِع كثيرة، بقصد التمتُّع الروحي ببركات وأمجاد أبطال الكنيسة من الشهداء والمُعترفين، الذين سُجِّلت سِيَرِهِم بالدماء.ويتناول هذا البحث البنية العامة لعِلْم المارتيرولوچي، من حيث حياة الكنيسة في عصور الاستشهاد، وسلسلة الاِضطهادت العشر في العصر الروماني، وكيف كان موقف المسيحيين الأُوَل وسط الاِضطهاد، وكيف أعدَّت الكنيسة أولادها للاستشهاد؟وكذا مفهوم الشهادة إنجيليًا وكَنَسِيًا وتاريخيًا وليتورچيًا وآبائِيًا، وأخيرًا مجالات شهادتنا اليوم المسيح ربنا الشاهِد الأمين، يجعل هذا العمل لمجد اسمه القدوس، لنكون له شهودًا أُمناء حتى النَّفَسْ الأخير، بطِلبات وشفاعات خورس الشهداء والمُعترفين، وبصلوات أبينا الطوباوي المُكرَّم البابا شنوده الثالث بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقُسية، له المجد في كنيسته إلى الأبد أمين.

الرسالة الى ديوجنيتس

رسمت كتابات الآباء أيقونة حية لحياة الكنيسة في العصور الأولى، فجاءت أعمالهم تكملة لخدمة الرسل الحواريين الأطهار، إذ انطلقوا يكرزون ويعلمون ويشرحون ويقطعون بكلمة الحق في يقين وثبات، فكانوا القوة الفعالة والفاعلة والمحركة للكنيسة على مدى الأجيال كلها من جيل والى جيل دهر الدهورلذلك عندما ندرس (علم الباترولوجي) آبا الكنيسة وتاريخ مسيحية القرون، نقرأ حياة وأعمال هؤلاء القديسين معلمي البيعة وأعلامها، الذين صاروا لنا بمثابة كتاب معاصرين، يحيون بيننا قريبين منا جدا بل وكأنهم في نفس المكان الذي نعيش فيه، لذلك اقتفاء أثار الآباء ودراسة فكرهم وتأمل أقوالهم، يجعل مجد الكنيسة مجددًا لا يشيخ، حيًا ومعاشًا في أذهان وقلوب أعضائهم تلك الكتابات الآبائية مسطرة كجواهر مرصعة في خزانة التقليد الكنسي الحي، كامتداد الكتابات الرسولية، فقد اعتبر الآباء أن الرسولية هي أساس الكنيسة وان الرسل هم أعمدة الكنيسة.. فصاروا هم آباء وأعمدة يحملون الكنيسة في قلوبهم وحياتهم، ويخرجون من كنز قلوبهم جددًا وعتقاء، نحتاج نحن أبناءهم أن نغوص وراء لآلئها في سباحة عميقة ممزوجة بالإيمان والمعرفة والتقوى ومحبة الصلاح وهكذا من الكتابات التي ورثناها من خزانة الآباء الروحية والتي استوعبتها الكنيسة، بدأت تسرى سيرتهم ووعيهم الإيماني وفضيلتهم في كياننا الروحي وتسجيل في الوعي الكنسي لأبناء الكنيسة محبي الآباء صفحة وراء صفحة كما بأصبع الله أبينا السماوي لقد امتلأت كتابات الآباء قداسة وهيبة وتعليمًا لاهوتيًا وسلوكيًا مسيحيًا إنجيليًا ونورًا وانتماءًا كنسيًا وخلاصًا، فأراد لهم الله أن يكونوا آباء للكنيسة، معشوقين عند الذين يقرأون وعند الذين يسمعون، متخطين حدود الزمان والمكان حاضرين معنا أينما تتلمذنا لهم بعد أن صارت أقوالهم حضرة دائمة لهم. أحياء يعلموننا ويستودعوننا دائمًا أبدًا نعمة المسيح فلم يكتف علم اللاهوت الآبائي بالسردية الوقائية للتاريخ الكنسي أو بالرؤية التحليلية له، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. بل قدم المؤلفون الروحيون آباء الكنيسة سيرتهم وخبرتهم لإيمانية القادرة على هداية أقدامنا في الطريق، بفكر وخبرة تحول إلى الإيمان العالم والمضمون السري للمسيحية وتؤكد لنا أن التاريخ (الحيّ) لا تصنعه القدرات البشرية وإنما الروح القدس، وان كنيسة الله لهى اشد رسوخًا من المؤسسات الأرضية وحسنًا قيل أن الأمور تقيم بالجذور لا بالقشور لذلك كان الحرص على الإلمام والوعي بالمتاح من فروح المعرفة الآبائية، والعلوم اللاهوتية التي كلمنا عنها عظماء الكنيسة وقديسوها البررة وتعتبر الرسالة إلى ديوجنيتس Diognetus من الكتابات الروحية التي كتبت بإلهام فاكتملت فيها عناصر الوعي الإيماني والجهات كخبرة روحية، مملوءة بالسمو والأصالة المسيحية، والمحاماة عن الإيمان الإلهي، والشهادة الصادقة للسر المسيحي حياة وسلوكًا، فلاق بها أن تكون على مستوى كل إنسان في كل عصر في كل العالم إنها درة آبائية وسط كنور آباء كنيستنا، وهي لاشك تمثل خطًا تعليميًا لا يمحى، وذخيرة نحتاجها لتنير قلوبنا وعقولنا، وتغذى إيماننا وسلوكنا وشهادتنا من اجل التمتع بغنى الحياة المسيحية وروعة الحب الإلهي، فبينما يتهم الغرب بالمنهج التحليلي، نهتم في الشرف بالخبرة الروحية والمعرفة المقترنة بالتقوى والجهاد، لذا يأتي اهتمامنا بهذه الرسالة كصورة وصفحة من صفحات وصور تاريخنا المشرق، وكوثيقة تاريخية بالدرجة الأولي على أعلى ما يمكن من الأصالة ويسرني أن أقدم هذه الرسالة الآبائية النفيسة -الرسالة التي ديوجنيتس- ضمن سلسلة آباء الكنيسة، التي نصدرها بمناسبة العيد المئوي للكلية الإكليريكية، والتي نتطلع إليها بقلب مستبشر واثق من عمل النعمة، في تكميل رسالتها التعليمية والقيادية، في عهد مشرق وعصر ذهبي، رأينا فيه بابا الكنيسة استنادًا في الكلية الإكليريكية وعميدًا لها ليجدد مجد مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ورأينا فيه بابا الكنيسة خادمًا في خدمة التربية الكنسية ورئيسا للجنتها العليا لتربية أجيال ثابتة في الكرمة الحقيقية، ورأينا فيه بابًا الكنيسة شاعرًا وكاتبًا وصحفيًا وعرفناه أيضًا بطلًا من أبطال الإيمان فلمسنا النهضة الروحية والفكرية، والنهوض في التربية الكنسية الإكليريكية في الداخل والخارج أيضًا ففي مجال العناية بالتراث الآبائي عنى غبطته بمشروع الميكروفيلم والميكروفيش لتجميع المخطوطات والكتابات الآبائية وبإنشاء مكتبات قبطية متكاملة من أجل التواصل بتراث الكنيسة، لغة وثقافة وعقيدة وفنًا.. وعلمنا قداسة بابانا البابا شنودة الثالث -حفظة الرب- (أن تراث كنيستنا الثمين، هو حاجة العالم اليوم، والمطلوب من أبناء كنيستنا أن يصيروا كارزين وخدامًا في كل مكان) وفيما تحتفل الكنيسة بالعيد المئوي للإكليريكية تحتفل أيضًا بمرور ثلاثين عامًا على خدمة قداسة البابا كأسقف للتربية الكنسية والمعاهد الدينية، وتحتفل بعاهل الإكليريكية وعميدها البابا شنودة الثالث قاضى المسكونة، الذي أعاد للكنيسة المصرية ريادتها ومكانتها في عالمنا المعاصروقد اعتمدت في إصدار هذه الرسالة، على ما ورد في مجموعة "باترولوجى Patrology" لعالم آباء الشهير جونز كواستن Johannes Quasten، المجلد الأول ص 248-252، وعلى الترجمة الانجليزية الواردة بمجموعة (أباء ما قبل نيقية) ومن عمق القلب نقدم سجودنا القلبي للثالوث القدوس، الذي أعطانا نعمة وبركة هذا العمل وأعاننا لكي نحوجه إلى النور، وما كان لنا هذا إلا بفضل توجيهات وصلوات أبينا حضرة صاحب النيافة الحبر كلى الاحترام الأنبا بنيامين النائب البابوي للمدينة العُظمى الإسكندرية، ليديم الله حياته وأفضاله وينفعنا ببركة صلواته نتوسل إلى روح الله أن يقودنا في الطريق نحو حضن الآب، يعمل في حياتنا جميعًا لكي تستنير أذهاننا ونفوسنا وقلوبنا، وتتقدس أجسادنا وسلوكياتنا وعواطفنا، ببركة آباء الكنيسة وقديسيها، وبصلوات الحبر الأعظم جزيل الغبطة البابا شنودة الثالث، وللثالوث القدوس المبارك المجد والكرامة والعزة والتقديس إلى الأبد آمين.

القديس هيلارى اسقف بواتيية

أولًا: سيرته: كان "إيلارى" ينتمي لأسرة عريقة ومعروفة في فرنسا. ونشأ وثنيًا كما قال عن نفسه، ولكن النعمة الإلهية قادته للإيمان المسيحي، وذلك فيما كان يقوم بدراسته بحماسة عن الله، اكتشف خلالها حماقة الاعتقاد بتعدد الآلهة، واقتنع بأنه لا يوجد سوى إله واحد. ولابد أن يكون هذا الإله أبديًا وغير متغير، وكلى القوة، وهو العلة الأولى والخالق لكل الأشياء وهكذا بعد أن عرف إيلارى الإيمان، اعتمد وهو متقدم في السن. إيلارى أسقفًا: كان إيلارى أسقفًا متزوجًا قبل عماده، وكانت ابنته وتدعى أبرا، على قيد الحياة عندما اختير أسقفًا على بواتييه نحو سنة 350 م.. عمل كل ما في وسعه للهروب من درجة الأسقفية، لكن صفاته جعلت الناس يتمسكون به أكثر.. وكانت توقعات الناس بالنسبة لشخصية إيلارى في محلها، لأن صفاته البارزة أضاءت متألقة، لا لتجذب انتباه فرنسا فحسب، بل الكنيسة كلها. إيلارى في المنفى: بسبب دفاع إيلاري القوى عن الإيمان، ومقاومته للأريوسيين، ورفضه إدانة القديس أثناسيوس، حيث قال مقولته الخالدة: "إني لو خيرت بين الموت ومخاصمة أثناسيوس لفضلت الأولى على الثانية". * بسبب موقفه المشرف هذا، نفى القديس إيلارى في منتصف عام 356 م.

الرهبنة القبطية في عصر القديس أنبا مقار

تمهید إن شغفنا الشديد بالتقليد الكنسي والتراث الأبوي الروحي هو الذي دفعنا للإتجاه الرهباني نستعرض من خلاله الحياة المسيحية كما عرفتها الكنيسة القبطية في عصورها الأولى، لا في صورة أبحاث لاهوتية أو تأملات في مواضيع كتابية، ولكن في اختبارات حية وعهود محبة عاشها القديسون تطبيقاً مباشراً لتعليم المسيح والرسل والأنبياء ، فكانت حياتهم آيات من الإنجيل تعيش وتتكلم ونحن هنا في هذا الكتاب إزاء نماذج إنجيلية حية تخصصت في طاعة الكلمة طاعة مطلقة فتقدست وتخلدت في سجل التاريخ الكنسي . أما غرضنا الوحيد في عرض هذا التاريخ الإنجيلي الحي فهو رفع الإنجيل من مستوى الوعظ الكلامي، الذي أصبح سمة هذا العصر، إلى مستوى المعيشة الحرة الواعية المنطلقة من قيود المدنية الكاذبة التي كادت تخنق الكلمة ، ظانين أننا بتقديم هذا الكتاب لشعبنا القبطي في هذا الوقت إنما ننبه فيه حاسة تقديس النفس الله والتبتل للكلمة الحية، بمعنى أن يستطيع القارىء أن يعطي حياته كلها لله وللإنجيل في أي صورة من صور العطاء تطبيقاً لدعوة الرسول كي يعيش الأحياء فيا بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام .» (۲کوه : ١٥)

حوار حول الثالوث الحوار الثالث

ويهدى القديس كيرلس كتابه "حوار حول الثالوث" إلى شخص يدعى "نيميسيوس" وكان ذلك في حياة بطريرك القسطنطينية اتيكوس، كما يشهد بذلك القديس كيرلس نفسه، وذلك في رسالته الثانية إلى نسطور فيقول: ... [،وفي الحقيقة أقول ذلك إنه بينما كان اتيكوس ذو الذكر السعيد لا يزال حيا، فإني قد كتبت كتابًا عن الثالوث القدوس الواحد في الجوهر، وقد ضمنته مقالاً عن تأنس الابن الوحيد وهو يتفق مع ما كتبته الآن]. ولهذا فقد كتب ق. كيرلس هذا الكتاب على الأكثر عام 425م ، ويشبه مضمون هذا الكتاب، مضمون كتاب "الكنز في الثالوث إلا أنه أكثر تفصيلاً، ولا نعرف السبب الذي جعله يعود للكتابة عن نفس الموضوع بمثل هذا الاسهاب، لكن من المحتمل أن يكون كتابه الأول "الكنز" في الثالوث قد كان صعبًا على جمهور القراء العريض، ولهذا فقد اجتهدق. كيرلس في أن يعمل على تبسيط تعليمه وشرحه بتفصيل وإسهاب أكثر . وكما تشهد الرسالة المشار إليها فإن هذا الكتاب كان قد قُرء جزءً منه أمام عددًا كبيرًا من الأساقفة والكهنة والمؤمنين القسطنطينية، وربما كان هذا قد تم من خلال سلسلة من العظات.

العلامة بنتينوس السكندرى

يرى المؤرخون الأقباط أن العلامة بنتينوس ولد بالإسكندرية من أصل مصري، أما القول بأنه يوناني فهذا مجرد تخمين وحدس، على اعتبار أنه كتب باليونانية، ولغة الكتابة لا تقطع بحقيقة جنسيته الكاتب، ولاسيما في العصر الذي كانت فيه اللغة اليونانية لغة الثقافة في العالم ويرى البعض أنه من صقلية، مستندين في ذلك إلى تلقيب اكليمنضس السكندري لأستاذه بنتينوس بـ"النحلة الصقلية"، لكن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به لأن النحل الصقلي كان له شهرته العالمية في ذلك الزمان، وكان تلقيب بنتينوس بالنحلة مجرد إشارة انسياب أقواله العسلية وعذوبة تعليمه المشبع وما يحمله من قوت وغذاء أما عن زمن ولادته، فعلى ما يبدو أنه وُلد في أوائل القرن الثاني الميلادي، لكن يصعب تحديد سنة ميلاده بدقة. 2) نشأته الثقافية والفلسفية اتفق المؤرخون على أن بنتينوس كان رواقياً وفيلسوفاً مشهوراً، ويشهد بذلك يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي والقديس جيروم أيضاً، فكان بنتينوس رواقياً غايته القصوى الأخلاق والإيمان بالله مصدر كل الخيرات، متهذباً بالفلسفة اليونانية التي جعلته معلماً وفيلسوفاً، وتعلم في المدرسة الرواقية Stoic، وكان محباً للطهر والفضيلة ويذكر التاريخ الكنسي شهادة العلامة أوريجين عنه أنه مثال أو بالأحرى أقدم مثال يمكن أن يُورده عن معلم مسيحي استطاع أن يفيد من دراسته الوثنية وكان بنتينوس دائم القراءة في الثقافة اليونانية، ومدحه تلميذه العلامة أوريجين قائلاً أنه في دراسته للفلسفة إنما يتمثل ببنتينوس ويحاكيه، إذ أن بنتينوس ربح الكثير من المثقفين خلال معرفته للفلسفة، وحاجج العقلانيين والفلاسفة ليكسبهم للمسيح يسوع، فهذا الاتجاه ادخله بنتينوس،وتطور على يدي تلميذه اكليمنضس وأعيد ترتيبه وصياغته منهجياً بواسطة أوريجين ويُنسب للعلامة بنتينوس إدخال الفلسفة والعلوم إلى مدرسة الإسكندرية لكسب الهراطقة والوثنيين المثقفين الذين أعدت لهم دراسات خاصة تقدم الأساسيات الإيمانية مستخدمة الفلسفة كسلاح للمحاججة والإقناع، ثم دراسات متقدمة عن الحكمة الإلهية والمعرفة الروحية.

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل