الكتب

تعاليم القديس كيرلس السكندري عن الكهنوت

هذا الكتاب الصغير قيل كسلسلة من المحاضرات ألقيتهـا علـى الإكليـروس الأرثوذكسي : أولاً في دير الرهبان الروس في ولاية بنسلفانيا ، ثم مركز إيبارشـية اليونان الأرثوذكس في بوسطن . وقد قوبلت المحاضرات باستحسان في كلا المكانين حتى أن الكنيسة الروسية قامت بنشر أربع مقالات في مجلتها : " حياتي في المسـيح " في عامي ۲۰۰۰ و ۲۰۰۱ م وقد اقترح علي قداسة بطريـرك بوسـطن أن أقـوم بنشر هذه المحاضرات في كتاب مستقل ، وهذا الكتاب ما هو إلا اسـتماع وتنفيـذ لنصيحته . يقدم لنا القديس كيرلس أوضح التعاليم والمفاهيم الإنجيلية المتعلقة بالكهنوت في العقيدة الأرثوذكسية بناء على الفهم المسيحي لكهنوت العهد القديم . والمبدأ العام في المسيحية هو أن السيد المسيح لم يأت لينفي أو يهدم ولكن ليكمل ، وهو مبـدأ قـائم وصحيح أيضا فيما يتعلق بالكهنوت . ويشرح القديس كيرلس كيف أن الكهنوت في الشريعة تحقق وتجدد في العقيدة المسيحية ، ويقدم هذا الشرح تحليلاً عميقا وواقعيـا لما تتضمنه مبادئ ومعاني هذه العقيدة وتلقي الضوء على جوانبها المختلفة وقدسية وظيفتها . ومحور البحث والشرح عند القديس كيرلس هو عمل السيد المسيح الذي هو في الحقيقة " الكاهن الأعظم " الذي يستوفي كهنوت العهد القديم ويمنح كهنـوت العهـد الجديد . وهذا الارتباط بين الكهنوت في العهد القديم والشريعة من جانب ، والكهنوت كما ورد في الإنجيل والعهد الجديد من جانب آخر ، لا يتـرك أي مجـال للشـك أن الاتجاه الكنسي لا يتسامح مع وجود أي انفصال بين الشـريعة والإنجيـل فـي العهدين القديم والجديد ، أو الناموس في اليهودية أو كنيسـة الأمـم كـمـا يـسـميها القديس كيرلس . ولا شك أن هناك الكثير في مرجع القديس كيرلس مما لم يذكر في هذا الكتاب ، ومع ذلك فإني أقدم هذا الكتاب لإخوتي الكهنة وطلبة ودارسـي اللاهـوت ، وكـل

القديس إغريغوريوس صانع العجائب، أسقف قيصرية الجديدة

نشأته ولد وثنياً من أبوين وثنيين ذوى شهرة وكرامة عالية، ودُعِيَ اسمه ثيودورس Theodorus، ولم يعرف بالاسم اغريغوريوس إلا بعد قبول الإيمان المسيحي ومعموديته وكانت ولادته في قيصرية الجديدة بنواحي البحر الأسود من أعمال البونطس في آسيا الصغرى في أوائل القرن الثالث، حوالي سنة 213 م، وتوفى والده وهو في الرابعة عشرة من عمره، لكنه أكمل تعليمه إذ كان محباً للمعرفة ومشتاقاً إلى إدراك الحق... وكان مهتماً بدراسة القانون والبيان وحدث أن زوج أخته كان قد عين معاوناً لحاكم فلسطين، فصاحبها عام 233 م. ومعه أخوه أثينودورس Athenodorus الذي صار بعد ذلك أسقفاً واحتمل الكثير من أجل الإيمان بالمسيح وهناك درس العلوم القانونية الرومانية، حيث كانت هذه العلوم في ذلك الوقت سمة كبار القوم، وكان يتأمل مظاهر العبادة الوثنية المحيطة به من يوم وإلى يوم... فنما فيه شعور بالنفور من ناحيتها، وبدأ يتلمس طريق الحق وفى قيصرية فلسطين التقى هو وأخوه بالعلامة أوريجانوس السكندري، الذي كان قد لجأ إليها أثناء فترة خلافه مع البابا ديمتريوس وأنشأ بها مدرسة لاهوتية ضخمة، فهزهما هزاً وغير أفكارهما وبرنامجهما وبالرغم من عدم معرفة أوريجانوس السابقة لهما، إلا أنه أحسن استقبالهما وهما بعد وثنيين، مظهراً لهما سروراً من أجل اصطيادهما وربحهما لحساب المسيح، وأنقذهما من ظلمة العبادة الوثنية وارتبطًا به وأحباه جدًا، وتتلمذا على كلماته وعظاته، واجتهدا في مطالعة الكتاب المقدس وفي الدراسة بمدرسة الموعوظين، وأعجب ثيودورس الشاب به جداً إلى الحد الذي جعله يكتب خطاباً يذكر فيه تفاصيلاً ملموسة عديدة، ومدحه بدون تحفظ قائلاً: "إن ملاك الله أرشدنا في طريق هذه الحياة، وربطنا بحبل المودة مع هذا الرجل العظيم الذي سنستفيد منه جداً، ومع كونه مسيحياً ولا معرفه له بنا، إلا أنه أحسن استقبالنا وأظهر لنا سروراً كأننا أناس قد هداهم الله إلى شباكه ليصطادنا ويربحنا للإنجيل وينقذنا من ظلام عبادة الأوثان" كان العلامة أوريجين يهتم بتدريس شتى العلوم والمعارف والفلسفات معتبراً أنها مقدمة للفلسفة الحقة الحقيقية التي هي دراسة الأسفار الإلهية، وطريق خلاص للعقلانيين والفلاسفة المعاصرين له وأيقن الأخان أن الحق الذي يطلبانه لا يوجد في كتب الفلاسفة ولا في الفكر البشرى المجرد، إنما خلال نور الإيمان وإعلانات الله، فقادهما أوريجانوس بلباقته وحكمته ونسكه إلى قبول الإيمان والدراسة في مدرسة الموعوظين وأشاد أوريجين باغريغوريوس معتبراً إياه ابناً مكرماً له، حاثاً إياه أن يضرم مواهبه ويستثمرها لحساب ملكوت الله، وأن يوظفها درسه من فلسفات في خدمة العمل الكرازي لمواجهة خليط الفلسفات بذات أسسهم، وتفنيد حججهم وقيادتهم إلى الإيمان الحقيقي ويشهد اغريغوريوس لمعلمه ومعينه أوريجين بأنه قدم حياته مثلاً للحياة الإنجيلية وأن سر انجذابه له كان في أعماله التي فعلها أكثر من التعاليم التي عمله إياها،وكان اغريغوريوس يذكر دائمًا كيف قدم له أوريجين التعاليم المسيحية العلمية، كيف علمه كلمة الله وكيف ساعده ليترك حياته البربرية الوثنية، وكيف تتلمذ عند قدميه قرابة خمس أعوام، وكيف سلمه لاهوت الحياة الروحية، وكيف قدم له الإيمان المستقيم بطريقة شاملة وأشاد أيضاً اغريغوريوس العجائبى بمعلمه أوريجين، عندما وصف إمكانياته في تفسير كلمة الله قائلًا عنه: "الروح القدس الذي يوحى للأنبياء، كرمه كصديق، وعينه كمفسر خاص به"، "له القدرة أن يصغى لله ويفهم أقواله ويشرحها للبشر لكى يفهموها هم أيضاً"ويذكر علم الباترولوچى أن أوريجانوس أرسل رسالة إلى تلميذه القديس اغريغوريوس كتبت ما بين عام 238 وعام 243 م. بينما كانا أوريجين في نيقوميديا يطلب فيها منه أن يقتطف من الفلسفات اليونانية ما يمكن أن تنتفع به المسيحية، كما انتفع اليهود بالأواني الذهبية والفضية التي أخذوها من المصريين في خدمة الإله الحقيقي، كما طالبه بالاهتمام الشديد بدراسة الكتاب المقدس وأن يقرع الباب ويسأل خلال الصلاة لكي يتفهم الأسرار الإلهية يوصى أوريجين تلميذه اغريغوريوس قائلًا له: "جاهد في قراءة الكتب الإلهية، نعم كن مثابراً.. اقرع فسيفتح لك الباب... ولا تتوقف عن القرع والسؤال، فإن الصلاة هي أهم عون لازم لمعرفة الحق الروحي، لهذا قال الرب اقرعوا فسيفتح لكم، اطلبوا تجدوا كما قال اسألوا تعطوا" وبالجملة لقد استمر اغريغوريوس وأخوه ملتصقين بأوريجين، إلى أن ثار اضطهاد مكسيميانوس، مما اضطر معه أوريجين إلى ترك قيصرية إلى حين، وحينئذ أتى اغريغوريوس إلى الإسكندرية المدينة العظمى المحبة للمسيح، ودرس الطب والفلسفة اللذين كانا في أوج شهرتها هناك وفى الإسكندرية كان غريغوريوس وأخوه اثينودوراس يتعلمان في مدرسة الموعوظين التي كان يديرها ويرأسها وقتئذ القديس ديونيسيوس (انظر كتاب "البابا ديونيسيوس السكندري "ضمن هذه السلسلة (أخثوس) IXΘYΣ الذي صار فيما بعد البابا السكندري.

الرسالة الى ديوجنيتس

رسمت كتابات الآباء أيقونة حية لحياة الكنيسة في العصور الأولى، فجاءت أعمالهم تكملة لخدمة الرسل الحواريين الأطهار، إذ انطلقوا يكرزون ويعلمون ويشرحون ويقطعون بكلمة الحق في يقين وثبات، فكانوا القوة الفعالة والفاعلة والمحركة للكنيسة على مدى الأجيال كلها من جيل والى جيل دهر الدهورلذلك عندما ندرس (علم الباترولوجي) آبا الكنيسة وتاريخ مسيحية القرون، نقرأ حياة وأعمال هؤلاء القديسين معلمي البيعة وأعلامها، الذين صاروا لنا بمثابة كتاب معاصرين، يحيون بيننا قريبين منا جدا بل وكأنهم في نفس المكان الذي نعيش فيه، لذلك اقتفاء أثار الآباء ودراسة فكرهم وتأمل أقوالهم، يجعل مجد الكنيسة مجددًا لا يشيخ، حيًا ومعاشًا في أذهان وقلوب أعضائهم تلك الكتابات الآبائية مسطرة كجواهر مرصعة في خزانة التقليد الكنسي الحي، كامتداد الكتابات الرسولية، فقد اعتبر الآباء أن الرسولية هي أساس الكنيسة وان الرسل هم أعمدة الكنيسة.. فصاروا هم آباء وأعمدة يحملون الكنيسة في قلوبهم وحياتهم، ويخرجون من كنز قلوبهم جددًا وعتقاء، نحتاج نحن أبناءهم أن نغوص وراء لآلئها في سباحة عميقة ممزوجة بالإيمان والمعرفة والتقوى ومحبة الصلاح وهكذا من الكتابات التي ورثناها من خزانة الآباء الروحية والتي استوعبتها الكنيسة، بدأت تسرى سيرتهم ووعيهم الإيماني وفضيلتهم في كياننا الروحي وتسجيل في الوعي الكنسي لأبناء الكنيسة محبي الآباء صفحة وراء صفحة كما بأصبع الله أبينا السماوي لقد امتلأت كتابات الآباء قداسة وهيبة وتعليمًا لاهوتيًا وسلوكيًا مسيحيًا إنجيليًا ونورًا وانتماءًا كنسيًا وخلاصًا، فأراد لهم الله أن يكونوا آباء للكنيسة، معشوقين عند الذين يقرأون وعند الذين يسمعون، متخطين حدود الزمان والمكان حاضرين معنا أينما تتلمذنا لهم بعد أن صارت أقوالهم حضرة دائمة لهم. أحياء يعلموننا ويستودعوننا دائمًا أبدًا نعمة المسيح فلم يكتف علم اللاهوت الآبائي بالسردية الوقائية للتاريخ الكنسي أو بالرؤية التحليلية له، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. بل قدم المؤلفون الروحيون آباء الكنيسة سيرتهم وخبرتهم لإيمانية القادرة على هداية أقدامنا في الطريق، بفكر وخبرة تحول إلى الإيمان العالم والمضمون السري للمسيحية وتؤكد لنا أن التاريخ (الحيّ) لا تصنعه القدرات البشرية وإنما الروح القدس، وان كنيسة الله لهى اشد رسوخًا من المؤسسات الأرضية وحسنًا قيل أن الأمور تقيم بالجذور لا بالقشور لذلك كان الحرص على الإلمام والوعي بالمتاح من فروح المعرفة الآبائية، والعلوم اللاهوتية التي كلمنا عنها عظماء الكنيسة وقديسوها البررة وتعتبر الرسالة إلى ديوجنيتس Diognetus من الكتابات الروحية التي كتبت بإلهام فاكتملت فيها عناصر الوعي الإيماني والجهات كخبرة روحية، مملوءة بالسمو والأصالة المسيحية، والمحاماة عن الإيمان الإلهي، والشهادة الصادقة للسر المسيحي حياة وسلوكًا، فلاق بها أن تكون على مستوى كل إنسان في كل عصر في كل العالم إنها درة آبائية وسط كنور آباء كنيستنا، وهي لاشك تمثل خطًا تعليميًا لا يمحى، وذخيرة نحتاجها لتنير قلوبنا وعقولنا، وتغذى إيماننا وسلوكنا وشهادتنا من اجل التمتع بغنى الحياة المسيحية وروعة الحب الإلهي، فبينما يتهم الغرب بالمنهج التحليلي، نهتم في الشرف بالخبرة الروحية والمعرفة المقترنة بالتقوى والجهاد، لذا يأتي اهتمامنا بهذه الرسالة كصورة وصفحة من صفحات وصور تاريخنا المشرق، وكوثيقة تاريخية بالدرجة الأولي على أعلى ما يمكن من الأصالة ويسرني أن أقدم هذه الرسالة الآبائية النفيسة -الرسالة التي ديوجنيتس- ضمن سلسلة آباء الكنيسة، التي نصدرها بمناسبة العيد المئوي للكلية الإكليريكية، والتي نتطلع إليها بقلب مستبشر واثق من عمل النعمة، في تكميل رسالتها التعليمية والقيادية، في عهد مشرق وعصر ذهبي، رأينا فيه بابا الكنيسة استنادًا في الكلية الإكليريكية وعميدًا لها ليجدد مجد مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ورأينا فيه بابا الكنيسة خادمًا في خدمة التربية الكنسية ورئيسا للجنتها العليا لتربية أجيال ثابتة في الكرمة الحقيقية، ورأينا فيه بابًا الكنيسة شاعرًا وكاتبًا وصحفيًا وعرفناه أيضًا بطلًا من أبطال الإيمان فلمسنا النهضة الروحية والفكرية، والنهوض في التربية الكنسية الإكليريكية في الداخل والخارج أيضًا ففي مجال العناية بالتراث الآبائي عنى غبطته بمشروع الميكروفيلم والميكروفيش لتجميع المخطوطات والكتابات الآبائية وبإنشاء مكتبات قبطية متكاملة من أجل التواصل بتراث الكنيسة، لغة وثقافة وعقيدة وفنًا.. وعلمنا قداسة بابانا البابا شنودة الثالث -حفظة الرب- (أن تراث كنيستنا الثمين، هو حاجة العالم اليوم، والمطلوب من أبناء كنيستنا أن يصيروا كارزين وخدامًا في كل مكان) وفيما تحتفل الكنيسة بالعيد المئوي للإكليريكية تحتفل أيضًا بمرور ثلاثين عامًا على خدمة قداسة البابا كأسقف للتربية الكنسية والمعاهد الدينية، وتحتفل بعاهل الإكليريكية وعميدها البابا شنودة الثالث قاضى المسكونة، الذي أعاد للكنيسة المصرية ريادتها ومكانتها في عالمنا المعاصروقد اعتمدت في إصدار هذه الرسالة، على ما ورد في مجموعة "باترولوجى Patrology" لعالم آباء الشهير جونز كواستن Johannes Quasten، المجلد الأول ص 248-252، وعلى الترجمة الانجليزية الواردة بمجموعة (أباء ما قبل نيقية) ومن عمق القلب نقدم سجودنا القلبي للثالوث القدوس، الذي أعطانا نعمة وبركة هذا العمل وأعاننا لكي نحوجه إلى النور، وما كان لنا هذا إلا بفضل توجيهات وصلوات أبينا حضرة صاحب النيافة الحبر كلى الاحترام الأنبا بنيامين النائب البابوي للمدينة العُظمى الإسكندرية، ليديم الله حياته وأفضاله وينفعنا ببركة صلواته نتوسل إلى روح الله أن يقودنا في الطريق نحو حضن الآب، يعمل في حياتنا جميعًا لكي تستنير أذهاننا ونفوسنا وقلوبنا، وتتقدس أجسادنا وسلوكياتنا وعواطفنا، ببركة آباء الكنيسة وقديسيها، وبصلوات الحبر الأعظم جزيل الغبطة البابا شنودة الثالث، وللثالوث القدوس المبارك المجد والكرامة والعزة والتقديس إلى الأبد آمين.

البتولية فى فكر الاباء

تحدَّث الآباء عن ”البتولية“ كنذر إنجيلي عاشوه واختبروه، لذلك أتت كتاباتِهِم لتفصح عن جمال عظمتها ومجدها، مع الاهتمام بالكشف عن طبيعتها كحياة كنسية إنجيلية أصيلة. والحقيقة أنَّ عِلْم الباترولوچي يكشِف لنا إنجيلية الحياة البتولية من حيث فِكرتها واتجاهاتها وغايتها وطريقة عيشها، على اعتبار أنها فائقة للطبيعة: سِرْ الحياة السمائية والتشبُّه بالسمائيين وأفاضت كِتابات الآباء في وصف ومدح البتولية وفي شرح مفهومها كحياة ملائكية مُفرحة لها مُقوماتها وطريقها ليس كغاية في ذاتها إنما طريقة دخول في المَعِيَّة الإلهية إلاَّ أنَّ مُعظم ما كُتِبْ عن البتولية إنما يقترِن بالحياة النُّسْكية التي تُؤكِد الوثائِق الأولى على تعريفها بأنهاشَرِكَة آلام المسيح، وبأنها أيقونة حيَّة للحُب الحق ودخول إلى الحياة الفِردوسية، وبأنها امتداد لحركة الاشتياق للاستشهاد مع المسيح ومن أجله. وفي واقع عِلْم الباترولوچي نفهم حياة النُّسْك بصفة عامة ونذر البتولية بصفة خاصَّة كحياة إنجيلية فِصْحية مجيئية وسَرَائِرِية، تلتقي فيها النَّفْس مع عريسها الإلهي وتدخُل لتجد نفسها في حِجال المسيح الملك فتعيش حياة الفرح المخفي لقد قدَّمت لنا كِتابات الآباء شهادة حيَّة تحوي الكثير عن البتولية كحياة، إمَّا في كِتابات مُباشرة، أو بالحديث العَرَضِي في عِظة أو مقال روحي أو تفسير كِتابي... وجاءت أيضًا بعض الكِتابات ضِمن أقوال وسِيَرْ الآباء النُّسَاك وهناك آباء اهتموا بالكِتابة عن البتولية اهتمامًا خاصًا فأفردوا لها كُتُبًا ذات فِكْر كَنَسي شامِل مُعطين إيَّاها نوعًا من الاستقلال، فجاءت دَسِمَة مُتنوعة مُشبَّعة بالجانب النُّسْكي والعقيدي والدِفاعي بأبعاده السِرِية والرمزية والروحية.إنَّ هذه الدراسة التي نُقدِّمها ضِمن سلسلة أخثوس ΙΧΘΥΣ تُلبي حاجة في صفوف المُهتمين بأقوال الآباء وبالحياة التكريسية... إذ أنَّ الرجوع إلى هذه الينابيع الروحية يُوسَّع أُفقنا الروحي ويُعمِّق فِهمِنا، فالحقيقة أننا بأمَسْ الحاجة إلى السلوك بحسب فِكْر ومنهج الآباء،

العلامة بنتينوس السكندرى

يرى المؤرخون الأقباط أن العلامة بنتينوس ولد بالإسكندرية من أصل مصري، أما القول بأنه يوناني فهذا مجرد تخمين وحدس، على اعتبار أنه كتب باليونانية، ولغة الكتابة لا تقطع بحقيقة جنسيته الكاتب، ولاسيما في العصر الذي كانت فيه اللغة اليونانية لغة الثقافة في العالم ويرى البعض أنه من صقلية، مستندين في ذلك إلى تلقيب اكليمنضس السكندري لأستاذه بنتينوس بـ"النحلة الصقلية"، لكن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به لأن النحل الصقلي كان له شهرته العالمية في ذلك الزمان، وكان تلقيب بنتينوس بالنحلة مجرد إشارة انسياب أقواله العسلية وعذوبة تعليمه المشبع وما يحمله من قوت وغذاء أما عن زمن ولادته، فعلى ما يبدو أنه وُلد في أوائل القرن الثاني الميلادي، لكن يصعب تحديد سنة ميلاده بدقة. 2) نشأته الثقافية والفلسفية اتفق المؤرخون على أن بنتينوس كان رواقياً وفيلسوفاً مشهوراً، ويشهد بذلك يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي والقديس جيروم أيضاً، فكان بنتينوس رواقياً غايته القصوى الأخلاق والإيمان بالله مصدر كل الخيرات، متهذباً بالفلسفة اليونانية التي جعلته معلماً وفيلسوفاً، وتعلم في المدرسة الرواقية Stoic، وكان محباً للطهر والفضيلة ويذكر التاريخ الكنسي شهادة العلامة أوريجين عنه أنه مثال أو بالأحرى أقدم مثال يمكن أن يُورده عن معلم مسيحي استطاع أن يفيد من دراسته الوثنية وكان بنتينوس دائم القراءة في الثقافة اليونانية، ومدحه تلميذه العلامة أوريجين قائلاً أنه في دراسته للفلسفة إنما يتمثل ببنتينوس ويحاكيه، إذ أن بنتينوس ربح الكثير من المثقفين خلال معرفته للفلسفة، وحاجج العقلانيين والفلاسفة ليكسبهم للمسيح يسوع، فهذا الاتجاه ادخله بنتينوس،وتطور على يدي تلميذه اكليمنضس وأعيد ترتيبه وصياغته منهجياً بواسطة أوريجين ويُنسب للعلامة بنتينوس إدخال الفلسفة والعلوم إلى مدرسة الإسكندرية لكسب الهراطقة والوثنيين المثقفين الذين أعدت لهم دراسات خاصة تقدم الأساسيات الإيمانية مستخدمة الفلسفة كسلاح للمحاججة والإقناع، ثم دراسات متقدمة عن الحكمة الإلهية والمعرفة الروحية.

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل