العظات
الاتضاع ج2
كُنّا تكّلمنا فِى مرّة سابِقة عن الإِتضاع وقُلنا أنّ [ الإِتضاع خلّص كثيرين بِلا تعب ، وتعب كثير بِدون إِتضاع لا ينفع شىء ، والإِتضاع هو أرض حاملة الأثمار كُلّها ] ومَنْ إِقتنى الإِتضاع إِقتنى بعدهُ كُلّ الفضائل ، فأى فضيلة تهرُب لو وجدت فِى القلب كبرياء ، فستظل الفضيلة غريبة عنّا إِلى أن ننحنىِ لها حتى تسكُن بِغِنى فِى قلوبنا ، كالشجرة التّى تنحنىِ عِندما تكثُر فيها الثِمار فنحنُ حينما نقول [ أمامك يارب خاضِعين وساجِدين ] ، ننحنىِ أمام الرّبّ وتتضِع قلوبنا ، فنقول مع بولس الرسول [ أنا ما أنا بل كلِمة الله العامِلة فىّ ] ، ويقول أيضاً[ ثُمّ ظهر لىِ أنا السقط " الغير محسوب " ] ، هذا بولس الرسول كارِز الأُمِم يُقرّ بأنّهُ ضعيف قيل مرّة أنّ الشيطان خاطب الله قائِلاً [ أُترُك لىِ الأقوياء فأنا كفيل بِهُم أمّا الضُعفاء حينما يشعُرون بِضعفِهِم يحتمون بك حينئِذٍ لا أقوى عليّهِم ] ، إِذاً الإِتضاع يؤّمِن النِفَس مِنْ حروب الشيطان يقول القديس يوحنا الدرجىِ فِى كِتابه ( سُلّم السماء )[أنّهُ ليتوب الإِنسان لابُد أن يتضِع أولاً ] كانوا قديماً يُجبِروا الرُهبان التائبين أن يعيشوا فِى أماكِن مُنعزِلة عن الديرويُسمّونها( مدينة التائبين ) فيها يقضون أوقاتِهِم فِى صلوات مُجهِدين أنفُسهُم فِى ميطانيات ، لِدرجة عِند مُقابلتهُم لأى إِنسان يصنعون لهُ ميطانية ويقول واحِد منهُم [ إِغفر لىِ أنا المغلوب مِنْ خطاياى ] ، فيقضون معيشتهُم فِى بُكاء ودموع حارّة شاعِرين بضمير الخاطىء أنّهُ مُخطىء وعليهِ يُنفّذ الحُكم ، فيكون لهُ قلب العشّار الّذى لمْ يشأ أن يرفع وجههُ بل قال[ الّلهُم إِغفِر لىِ فإِنّىِ خاطىء ] ، هذا القلب هو الّذى خرج مُبرّراً000ما أحوجنا لِهذا القلب بدل أنّ الله يجِد فينا هذا القلب يجِد قلب الفرّيسىِ الّذى يدين غيّره دائِماً ، ولكِن المزمور يقول [ القلب المُنكسِروالمُتولضِع لا يُرذِلهُ الله ] ، هذا ما يحيوه فِى مدينة التائبين ولهُم طلِبة جميلة إِذ يقولوا [ إِفتح لنا يا سيّد ذلك الباب الّذى أغلقناه بإِرادتِنا ]هذا بِجانِب أوضاع جسديّة توحىِ لهُم بحياة التوبة ، يقِف الراهِب ويديهِ الإِثنان للخلف وكأنّهُ لِص محكوم عليهِ بِحُكم منتظِره أو يقعُِد راكِع وناظِر للأرض ويدهُ للخلف أيضاً ويقول عِبارة [ إِفتح لىِ يا سيّد الباب الّذى أغلقتهُ بيدى أنا المُتهاوِن المُهين لإِسمِك القُدّوس فِى كُلّ ساعة ] ومجموعة منهُم يُحاربوا باليأس ويُفكّروا " هل الله يتعامل مع الإِنسان بالجسد ؟ " ، فعِندما لجأوا للأب الروحىِ فقال لهُم ماذا تقولون ؟ 00فردّ عليّهُم : أنا أُريد أن تُضيفواعِبارة وهى " إِن فتحت لنا فهذا حق وإِن لمْ تفتح حق أيضاً 00فإِذا فتحت فهذا مِنْ جزيل رأفاتك وإِذا لمْ تفتح فمُبارك ذلك الّذى أغلق علينا بِعدل " ، فهُم لمْ يأمُروا الرّبّ إِلههُم بِذلك بل خاضِعين لإِرادتهِ 0فنحنُ نثِق فِى تدابير الله [ لِتكُن يدك لِخلاصىِ ] ( مز 119 : 173 ) الإِنسان المُتضِع يعرِف كيف يُصلّىِ ، كيف يخدِم ، كيف يطلُب ، كيف يتصرف بِحكمة ، ففِى سير القديسين الرُهبان نجِد أنّهُم لمّا كان حد فيهُم يغلِط علشان يوجّهوه يخترعوا طُرق عجيبة ، ففِى قصة الأنبا أرسانيوس عِندما ضرب الرئيس أحد الرُهبان الآخرين على وجههُ توجّه الأنبا أرسانيوس باللوم على نِفَسهِ قائِلاً " هذا القلم لك يا أرسانىِ " ، هذهِ رِقّة إِن دلّت على شىء فهى تدُلّ على قلبٍ مُتضِع قصة أُخرى عن إِثنان مِنْ الرُهبان كانوا فِى الريف ليقضوا عملٍ ما فأخطىء أحدهُم وقرّر عدم العودة للدير ، ولكِن أخيهِ قال لهُ " إِن كُنت أنت أخطأت فأنا أيضاً أخطأت ولكنّىِ سأعود إِلى ديرىِ وأقبل التأديب " ، فرجِع الراهبان إِلى ديرهُما ووقع عليّهُم قانون التوبة ، كان الآخر مُذنِب معهُ مع كونهِ برىء نحنُ أحياناً نكون بالفِعل مُخطئين ولا نتحمِلّ التوبيخ ولا نقبل التأديب ، لكِن الإِنسان المُتضِع يقبل كُلّ شىء ( الطاعة ، التأديب ، الخِدمة ، التوبيخ ،00) يُحكى عن القديس يوحنا الدرجىِ أنّهُ جاء لِيتعلّم فِى مِصر مبادىء الرهبنة فلجأ إِلى رئيس دير للرُهبان لينقِل التعليم إِلى سوريا وعِندما ألحّ على الرئيس إِصطحبهُ الرئيس وقال لهُ سوف أُريك قطعة مِنْ السماء ، سأُريك بساطة الأطفال فِى شخص شيخ ، ثُمّ نادى الرئيس أحد الشيوخ الرُهبان وكان مُسِن وكانت ذقنهُ إِلى تحت بطنهِ وكانت بيضاء كالثلج ، فعِندما دخل صنع ميطانية للرئيس ( الأصغر منهُ ) وللقديس يوحنا ميطانية وهو أصغر مِنْ الإِثنان ، ثُمّ تركهُ واقِفاً أمامهُ ، وحاول يوحنا أن يلفِت نظر الرئيس لِهذا الشيخ الواقِف ، ثُمّ حان وقت الغِذاء وإُعِدّت المائدة وجاءوا الرُهبان وأنتهوا منهُ تقريباً بعد ساعة ونصِف أو ساعتين ، وحاول يوحنا أن يلفِت نظرهُ للشيخ ولمْ يُبالىِ ، وأخيراً بعد إِنصراف الجميع إِلتفت الرئيس للشيخ وإِنتهرهُ قائِلاً " لِماذا أنت واقِف هُنا ؟ أُخرُج خارِجاً " ، ثُمّ عمل الشيخ ميطانية للإِثنان وطلب منهُما الحِل والصلاة وإِنصرف ، فألتفت يوحنا للرئيس قائِلاً " ما هذا الّذى فعلتهُ ؟ أنا لا أحتمِل منظرهُ مُنذُ مجيئه ، فأجابهُ الرئيس " ألِمْ تأتىِ إِلى هُنا لِكى ترى الرهبنة عِندنا ؟ إذاً فلا تتعجِب مِنْ الّذى يحدُث ، نحنُ هُنا نُمارِس الفضيلة هكذا بل بالعكس أنا فعلت فيهِ معروف نحنُ هُنا مِثل الأطفال المُتصارِعين على قِطع الحلوى ، فأنا أعطيتهُ قِطعة حلوى ، أعطيتهُ فُرصة لِمُمارسة الفضيلة ثُمّ عالجت كذا شىء :-