المقالات
12 مارس 2025
المغفرة والله الغفور
نحن يا إخوتي كلنا خطاة وكما قال القديس يوحنا الرسول «إن قلنا إنه ليست لنا خطية،نضل أنفسنا وليس الحق فينا »(1يو 8:1 ) ومادامت لنا خطايا، فنحن نحتاج إذًا إلى المغفرة وهكذا فإننا نطلب المغفرة في كل يوم،قائلين في الصلاة «أغفر لنا ذنوبنا » حسب ما أوصانا الرب أن نقول وفي كل هذا نعتمدعلى الله الغفور.
الله الغفور:
ورد في سفر إشعياء النبي «هلمَ نتحاجج – يقول الرب – إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضَ كالثلج إن كانت حمراء كالدودي تصير بيضاء كالصوف » (إش 18:1 ) ويقول في سفر حزقيال النبي «إذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي وفعل حقًا وعدلاً، فيحاة يحيا، لا يموت كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في بره الذي عمل يحيا » (حز 21:18 -22 ) وداود النبي يشهد في المزمور فيقول «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته –الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يفدي من الحفرة حياتك » ( مز 2:103-3 ) ويقول أيضًا «الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض، قويت رحمته على خائفيه كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا كما يترأف الأب على البنين، يترأف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن »( مز 8:103 - 14 ).
والرب يغفر لأن هذه هي طبيعته:
المحبة والرحمة وأيضًا لأنه يقول: «هل مسرة أسرَ بموت الشرير – يقول الرب – إلا برجوعه عن طرقه فيحيا » ( حز 23:18 ) إنه لم يغفر فقط، وإنما أعطى سلطان المغفرة لكهنته، فقال «من غفرتم خطاياه تغفر
له » ( يو23:20)« وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء » ( مت 18:18 ) بل وأمر الناس أيضًا أن يغفروا بعضهم لبعض وقال «اغفروا يُغفر لكم » ( لو 37:6 ) وحذّر من عدم المفغرة قائلاً «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم زلاتكم » ( مت 15:6 ) ولما سأله بطرس الرسول «كم مرة يارب يخطئ إلىّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟ » أجاب الرب «لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات » (مت 2221:18 ) أى ما لا يُحصى من المرات.
أمثلة للمَغفرة:
لقد غفر الرب لأهل نينوى بعد أن كان قد حكم عليهم بالهلاك ويقول الكتاب في هذا «فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم، فلم يصنعه » ( يون 10:3 ). وقال ليونان النبي «أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة؟ » ( 11:4) وغفر الرب لزكا العشار، ودخل بيته غير مبالٍ بتذمر اليهود لأنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ بل قال «اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم » ( لو 5:19 – 9) وبالمثل كان يحضر وليمة للعشارين فلما تذمر الفريسيون، قال لهم «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى فأذهبوا وتعلّموا ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم أتِ لأدعو
أبرار اً بل خطاة إلى التوبة » (مت 10:9 - 13 ) ولقد غفر الرب للص اليمين المصلوب معه، وأعطاه وعدًا بالدخول إلى الفردوس قائلاً له «الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس » ( لو 43:23 ) أى أنه غفر لهذا اللص الذي قضى كل حياته في الشر، ونال الوعد بالخلاص في آخر ساعات حياته وغفر الرب لكثير من النساء للمرأة التي بللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها، وفضّلها على الفريسي وقال «إن خطاياها الكثيرة قد غُفرت لها لأنها أحبت كثيرأ » ( لو 36:7 -46 ) وغفر للمرأة الزانية المضبوطة في ذات
الفعل، التي أراد الكتبة والفريسيون رجمها حسب شريعة موسى فوبخهم الرب قائلاً «من كان منكم بلا خطية فليَرمها بأول حجر » ولما صرفهم عنها، قال لها «أين المشتكون عليك؟ أما دانك أحد وأنا أيضًا لا أدينك أذهبي ولا تخطئي أيضًا » ( يو 3:8 - 11 ) وغفر أيضًا للسامرية التي أخطأت مع خمسة رجال، والذي كان معها وقتذاك لم يكن لها وحدثها عن الماء الحى، وعن السجود لله بالروح والحق فصارت مبشرة لأهل مدينتها ( يو 6:4 - 29 ) وغفر الله للذين في السبى، وأرجعهم منه وغفر ليهوشع الكاهن العظيم وجعل ملاكه يوبخ الشيطان المقاوم له ويقول له «لينتهرك الرب أيها الشيطان، لينتهرك الرب أليس هذا شعلة مُنتشلة من النار » وبعد أن كان يهوشع بملابس قذرة، قال له أنظر، قد أذهبت عنك آثمك، وألبسك ملابس مزخرفة، وألبسوه عمامة طاهرة (زك 3) وحكى لنا عن قصة الابن الضال الذي رجع، فقبله الآب وذبح له العجل المُسمَّن، وألبسه الحلة الأولى وقال «نفرح لأن ابني هذا كان متيًا فعاش، وكان ضالاً فوُجد » ( لو 21:15 - 24 ) وقال الرب «هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب، أكثر من تسعة وتسعين باراً لا
يحتاجون إلى توبة » ( لو 7:15 ) ومن أمثلة مغفرته أنه غفر لبطرس الذي أنكره 3 مرات وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل ولكن الرب غفر له ذلك وقال له «أرعَ غنمي أرعَ خرافي » ( يو 15:21 - 18 ) كذلك
غفر لشاول الطرسوسي الذي كان مُضطهِدًا للكنيسة، ويجر رجالاً ونساءً إلى السجن فظهر له الرب في طريق دمشق، ودعاه إليه، وجعله رسولاً للأمم، ومنحه نعمة كبيرة (أع 9) وأيضًا غفر لتوما الذي شكَ في قيامته، وظهر له وأزال شكوكه كما غفر لكل التلاميذ الذين هربوا أثناء القبض عليه فلم يعاتبهم على ذلك، بل ظهر
لهم بعد القيامة، وقال لهم «كما أرسلني الآب،أرسلكم أنا » ومنحهم الروح القدس وسلطان الكهنوت ( يو 19:20 - 23 ) نلاحظ أيضًا أن الرب غفر لداود الذي زنى وقتل ولكنه لما قال «أخطأت إلى الرب » قيل له «والرب قد نقل عنك خطيئتك لا تموت » (2صم 13:12 ) بل أكثر من هذا حينما أخطأ سليمان وقرر له أن يمزق مملكته،قال له الرب «إلا أني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود عبدي بل من يد ابنك أمزقها »( 1مل 12:11 ).
مَعنى المغفرة:
ليس معنى المغفرة تنازل الرب عن عقوبتها، وإلا فإن ذلك يعتبر نقصًا في عدل الله،ونقضًا لقوله «النفس التي تخطئ هي تموت »( حز 20:18 ) إنما مغفرة الخطية معناها نقلها إلى حساب المسيح، الذي يتألم عنها ويموت،ويمحو هذه الخطية بدمه ونقل الخطية واضح في مغفرة خطية داود، إذ قيل له «الرب نقل عنك خطيئتك، لا تموت»( 2صم 13:12) والأمر واضح أيضًا في نبوءة إشعياء النبي عن آلام المسيح، قوله«هو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا » ( إش5:53 -6).
مَا يصاحب المغفرَة:
مع المغفرة يستر الرب الخاطئ، ويمحو إثمه، ولا يعود يحاسبه على ما أخطأ به بل أيضًا لا يذكر خطيته بعد وينال الخاطئ تطهيراً له من خطاياه ويغسله الرب فيبيضَ كالثلج أو أكثر من الثلج وهذا كله واضح في المزامير والنبوءات وتعليم الإنجيل كما سنرى ففي (مز 1:32 -2) «طوبى لمن غُفر إثمه، وسترت خطيته طوبى لإنسان لا يحسب له الرب خطية » وفي المزمور الخمسين «أغسلني كثير اً من إثمي، ومن خطيئتي تطهرني »، وأيضًا «مثل كثرة رأفاتك تمحو إثمي » وفي ( 2كو19:5)« الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم » وفي (حز22:18)« لأني أصفح عن خطاياهم ولا أذكر خطيتهم بعد » وفي ( إش18:1)«إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيضَ كالثلج » على أنه في المزمور الخمسين يقول «أبيض أكثر من الثلج »
التوبَة وشروطها:
التوبة مهمة جدًا للمغفرة وفي ذلك قال الرب «إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون » ( لو 3:13 ,5) وقيل في سفر الأعمال إن الله أعطى الأمم التوبة للحياة ( أع 18:11 ) وقال الرب كثيراً «أرجعوا إليّ فأرجع إليكم » وركّز في أسفار الأنبياء على أن ترجعوا بكل قلوبكم،ومعنى هذا إن الإنسان لا يعرّج بين الفرقتين، بين الله والخطية.
ومن شروط المعفرة أن نغفر للآخرين فقال «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم زلاتكم » ( مت 15:6 ).
ومن شروط التوبة للمغفرة: أن يصلح التائب نتائج خطيئته على قدر الإمكان وفي ذلك قال زكا في توبته «وإن كنت ظلمت أحدًا في شئ، أردّ أربعة أضعاف » ( لو 8:19 ) فالسارق الذي يتوب، عليه أن يرد ماسرقه والظالم في توبته يجب أن يرفع ظلمه ومن أساء إلى سمعة إنسان، عليه أن يرد له اعتباره.
أخيراً يقول الكتاب «إن سمعتم صوته،فلاتقسوا قلوبكم » (عب 7:3 ,8).
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
المزيد
11 مارس 2025
يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث (یو ۸: ۳۱- ۳۹)
فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: «إِنَّكُمْ إِنْ تَبْتُمْ فِي كَلَامِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تلاميذي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ». أَجَابُوهُ: «إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ تُسْتَعْبَدُ لأَحَدٍ قَطُّ كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَاراً؟» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الْابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً. أَنَا عَالِمٌ أَنَّكُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ. لَكِنَّكُمْ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي لأَنَّ كَلَامِي لَا مَوْضِعَ لَهُ فِيكُمْ أَنَا أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ». أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ : أَبُونَا هُو إِبْرَاهِيمُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ أَوْلَادَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ!]
ما الذي تفعله الخطية؟
إنجيل هذا الصباح يحمل قضية الإنسان العظمى، الأولى والأخيرة قضية الخطية: «من يعمل الخطية فهو عبد للخطية». سنتكلم هنا عن كيف تستعبد الخطية الإنسان، وكيف يصير الإنسان خاضعاً كسيراً مقهوراً تحت سلطانها. سنعبر عليها درجة درجة
الدرجة الأولى: حينما يخطئ الإنسان الروحي لأول مرة يحس أن الخطية غريبة عليه، ويبدأ الضمير يشهد ضده. يضطرب قلبه تضطرب نفسه، يشعر أن عنصراً خطراً دخل فيه. ثم بعد أن يقع الإنسان في أول خطية، في الحال. يحس بشعور الذنب هنا الخطية أعلنت عن نفسها بمنتهى الصراحة، كما أعلن الله نفسه أيضاً بمنتهى الصراحة. إذ يشعر الضمير أنه قد اقترف التعدي. وهنا يُبرئ الله ذمته من الإنسان، ليبدأ الإنسان يدخل مجال الخطية بإرادته.
الدرجة الثانية: تبدأ الخطية تستقر في أعماق الشعور، أي العقل وما يتبعه، أي الإنسان الباطن غير الواعي تبدأ الخطية تعيش في الإنسان كغريب ولكن مقتحم أعطني له الفرصة أن يدخل البيت رسمياً وبأمر من الإرادة وبموافقة من النفس والعقل ، فهو صحيح غريم خطير ؛ ولكن في يده تذكرة دخول لا يستطيع الإنسان أن يحتج، فإرادته الحرة هي التي سمحت لها بالدخول.
الدرجة الثالثة: تبدأ الخطية تنطبع في الإنسان قليلاً قليلاً، لدرجة أننا نطلق على الإنسان اسم الخطية، وكأن الخطية صارت جزءاً لا يتجزأ من طبيعته. الإنسان العظيم الذي على صورة الله أخذ اسم الخطية بكل مسمياتها الكريهة، فهذا سارق، وهذا زاني، وهذا مغتصب. يا إلهي وهكذا ترتفع الخطية على الإنسان وتستحوذ على أثمن ما في داخله وما في خارجه.
الدرجة الرابعة هي المعركة الحاسمة : حيث ينتبه الإنسان لحاله الرديء بأي طريقة من الطرق عظة كلمة روحية نصيحة ناصح، أو حتى من ضميره. يحس بالفارق فيما كان وفيما صار إليه، يحس باحتقار الناس له، ولكن بالأكثر يحس باحتقاره لنفسه في نفسه، هذا أمر صعب جداً. وفي الحال يفكر بعزم أن يقاوم. ولكن، إذ به يتكشف له، ولأول مرة في حياته، أن الخطية تحصنت داخله وعملت لها سراديب داخل نفسه وشعوره ولا شعوره داخل الأعصاب والعواطف والمشيئة، وإذا بها متسلحة به ضده.
يستجمع إرادته؛ يلقاها متآكلة يستنفر قواه النفسية فلا يجدها، ويكتشف أن الخطية كانت هي اللص الذي اعتاد الدخول فعرفت خفايا البيت، وتسلحت بأسلحة صاحب البيت تسلحت بالإرادة ضد الإرادة، وبالفكر ضد الفكر، وبالنفس ضد النفس، وينقسم الإنسان على ذاته، ولا يبق له إلا الخراب في الخراب وتكون النتيجة أن كل محاولاته تبوء بالفشل وتزيده سقوطاً في الوحل.
حصر التلفيات، ماذا صنعت الخطية؟
الخطية فعل سلبي، والأفعال السلبية حينما تتكرر، تعمق وتحفر داخل الإنسان الطبيعي لتشوه صورته الطبيعية وتعطيه صورة غير طبيعية، ويكتشف الشخص الأضرار:
أولاً النفس: تصبح نفساً منحرفة لا تسير في مسارها المستقيم، بل تنحرف ذات اليمين وذات الشمال.
ثانياً الإرادة كل مرة يخطئ فيها الإنسان بإرادته أو بجزء من إرادته تلتهمه الخطية ويصير تابعاً لها، ومرة وراء مرة تبتدئ الإرادة تتهرأ وتنحاز إلى الخطية.
ثالثاً الأعصاب الأعصاب مخلوقة في الإنسان لتعمل على مستوى الطبيعة الإيجابي، ولكن ما أن ينحرف عن ما خُلق عليه؛ يصير ثقل الخطية على الأعصاب أكثر من احتمالها، ولا يعود ذلك الجهاز الحساس على مستواه الأول، بل تحدره الخطية إلى مستوى الصفر.
رابعاً الشعور الواعي وهو الذي يُعبّر عن الشخصية، مثل العقل والعواطف والمشاعر، فهو من كثرة التأنيب والعجز عن المقاومة، تضعف الشخصية، ويحس الإنسان إنه ضاع.
عنه خامساً اللاشعور : معروف أن . كل فعل يؤديه الإنسان وهو غير راض . يسقط في اللاشعور، ويعيش هناك ويُفرّخ، ثم يظهر بصورة تلقائية غير إرادية ويفضحه، كما يظهر في أحلام النوم، فيستيقظ الإنسان فيرى أن الخطية قد استطاعت تخريب كل ملكاته الداخلية وأضعفت نفسه وكل ملكاته.
مزيد من التلف
بتكرار المحاولات الفاشلة التي يحاول بها الإنسان في ضعفه وعجزه أن يتغلب على الخطية يزداد يأسه فيزداد ضعفه وكلما استنزفت الخطية من إمكانياته كلما خضع لها أكثر وأكثر، وازدادت عبوديته إجباراً.
وهكذا، في النهاية، يكتشف هذا الإنسان العظيم الجبار ذو النفس الجميلة البهية كيف هو صار مقهوراً ساقطاً تحت سلطان الخطية، وكيف هي غررته وخدعته تحت سلطان الشهوة واللذة والغنى الحرام، ويقيس فيجد أن كله كذب في كذب، لأن الخطية في الحقيقة هي أكبر كذبة في عالم الإنسان، ولا يدرك هذه الحقيقة إلا من تمرمر تحت ثقلها وذاق عمقها الفاجر، لكي تتركه في الختام فاقداً أعز ما يملك. وبهذا يتم قول المسيح: الذي يعمل الخطية هو عبد للخطية».
ولكن، الله، لم يترك الإنسان في هذا الوضع، الله تحرك منذ البدء وحرك السماء والأرض وحرَّك الأجيال والأنبياء والزمان والتاريخ ليعمل كله لحساب هذا الخاطئ الواقع في هذه العبودية، أرسل ابنه لينقذه منها، بل إن أول اسم حازه المسيح هو : مخلص، جاء ليخلص شعبه من خطاياهم، هذا هو عمله الوحيد أمات الخطية وقام غالباً إياها ورفع عن الإنسان ثقلها، وأعطاه جدة روحية في كل شيء فكر جديد، إرادة جديدة، مشيئة جديدة. كل شيء قد صار جديداً للإنسان.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
10 مارس 2025
«لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ» (يع1: 19)
تأتي الكلمة اليونانية κούω͗α بمعنى ينصت باهتمام، معبرة عن الإدراك عن طريق السمع وهو الأمر عينه الذي يوصى به يشوع بن سيراخ، قائلًا «كن سريعا في الاستماع وكثير التأني في إحارة الجواب» (سي5: 13) لقد أعطى الله الخالق للإنسان أُذنين بارزتين من رأسه، لكي يسهل له عملية الاستماع وكلمة "مسرعًا" تعني راغبًا أن يسمع باشتياق وبحب؛ فبالتالي هو لا يستمع بهدف الجدال أو المخاصمة، بل بعد السماع والإدراك يدخل حيز التنفيذ والعمل فنصلي في أوشية الإنجيل [فلنستحق أن نسمع ونعمل، بأناجيلك المقدسة، بطلبات قديسيك] ولكن يجب أن نلاحظ أن الإسراع في الاستماع ليس مطلقًا، فهناك أشياء لو سمعها الإنسان تضرّه، لذلك يوصينا سليمان الحكيم، «لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُقَالُ لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَسِبُّكَ» (جا7: 21) ومنها أن لا نشغل أنفسنا بكلمات الغير ضدنا، فالاهتمام بكلام أهل العالم، يجعلنا نصير عبيدًا للناس فلا نبالي لا نحب مديحهم، ولا نكره ذمّهم بل الإسراع في الاستماع لما يخص خلاص النفس والسماع إلى «خَبَرِ الإِيمَانِ» (غلا3: 5) فهذا واجب بأن نسرع دائمًا للجلوس تحت أقدام المسيح إلهنا، كما جلست مريم أخت لعازر الإستماع وصية إلهية يبدأ الله حديثه في الوصايا العشر، قائلًا «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ » (تث6: 4) فالاستماع أفضل من تقديم الذبيحة (1صم15: 22)، بل ويطلب معلمنا إشعياء النبي من الطبيعة غير العاقلة أن تستمع «اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ» (إش1: 2) يقول القديس أمبروسيوس [لم يقل "تكلم" بل "اسمع" فقد سقطت حواء، لأنها تكلمت مع آدم بما لم تسمعه من الرب إلهها فالكلمة الأولى التي يقول لك الله "اسمع" فإن كنت تسمع تحتاط في طريقك، وإن سقطت تصلح بسرعة طريقك لأنه «بماذا يصلح الشاب طريقه إلاَّ بحفظ كلمة الرب؟!» (مز119: 9) لذلك قبل كل شيء اصمت واسمع، فلا تسقط بلسانك إنه لشر عظيم أن يُدان الإنسان بفمه] (Duties of the Clergy,Book1, ch. 2) وعدم الاستماع لصوت الله، ووصاياه خطيئة قبل سبي بابل كانت مهمة الأنبياء أن ينادوا بأن الله سيدين من لا يسمع لصوته، بل وجعل المسيح إلهنا لمن لا يسمع لصوت المصالحة أو من الكنيسة؛ كالوثنيّ والعشار (مت18: 17) مع ملاحظة قول المسيح إلهنا للرسل «اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي» (لو10: 16)، فالكنيسة لا تتكلم إلا بكلام الله الله يسمع كما يطلب الله من أبنائه أن يستمعوا له، هو أيضًا يسمع لهم، ويستجيب وهذا ما يميز الإله الحي الحقيقيّ عن الآلهة الكاذبة، التي لها آذان ولا تسمع «فحسبوا جميع أصنام الأمم آلهة، مع أنها لا تبصر بعيونها، ولا تتنشق الهواء بأنوفها، ولا تسمع بأذنها ولا تلمس بأصابع أيديها أما أرجلها فعاجزة عن المشي» (حك15: 15).الاستماع للآخر يعالج معلمنا القديس يعقوب الرسول، أمرٌ خطير في حوارنا مع بعضنا البعض، فنحن قد لا نعطى فرصة لمن يريد أن يتكلم حتى يُعبِّر عن نفسه، بل نقاطعه لنعلن رأينا نحن!! وهنا نسمع الطريقة الصحيحة للحوار، أن نعطي للمتكلم فرصة كافية ولا نقاطع المتكلم فالاستماع في حد ذاته وسيلة للعلاج، فقد يكون المتكلم يريد أن يخرج ما بداخله من أمور مكبوته، وفقط يطلب من يسمعه، وهذا أمرٌ هام بالنسبة للأب الكاهن أو الإخوة الخدام من ناحية أخرى سماع الآخر، ولا سيما صاحب الرأي الآخر، سواء في حوارٍ لاهوتيّ، أو مناقشة من تعرّض لأفكار إلحادية؛ وسيلة هامة جدًا أن نستمع لهم حتى نحدد الفكر الخاطئ بدقة، ولا نتوهم نحن المشكلة، فمن يسمع للناس بهدوء لن يخطئ في الرد عليهم.
القمص بنيامين المحرقي
المزيد
09 مارس 2025
انجيل قداس يوم الأحد الثاني من الصوم الكبير
تتضمن الحث على التيقظ لقتال الشيطان عدو الخير مرتبة على فصل إنجيل " التجربة "(مت ٤ : ١-١١ )
إذا كان سيدنا له المجد تجسد لأجل خلاصنا وقهر الشهوات البدنية والبواعث الدنيوية والتجارب الشيطانية ليفعل مثله المؤمنون فما بالنا نترك الإهتمام بخلاصنا ومقارنة عدونا ؟ وما بالنا لا نتذكر أن المسيح ابتدأ بعد الصعود من الماء بالصيام ومحاربة الشيطان ليعلم المؤمنين أن يصنعوا بعد المعمودية هكذا فيتركون الإهتمام بأمور العالم ويشرعون في الجهاد من أوله بالصوم ومقاومة الشيطان لأن أول قتال الشيطان للبشر يكون بسبب الطعام كما فعل مع آدم وحواء أولا ثم النتائج المتولدة عنه ثانيا كالزنى والسكر وغير ذلك لأنه حيث يكون الصوم والجهاد لا يكون تنعم ولا تلذذ ولا سكر ولا طرب ولا شهوات جسدية إن الشيطان لأجل محبته هلاك البشر وضررهم يضع في طرقنا مصائد كثيرة وأشراكا مختلفة فينصب شركا للزنى وشركا للنهم والإسراف وشركا للسكر وشركا للشراهة وشركا لمحبة المال وشركا للعجب والافتخار وشركا للعتو والتصلف وشركا لطلب المناصب العالمية وغير ذلك وليس ذلك لقصده أن نكون مسرورين متنعمين بل لعلمه أن المتنعم هنا زمانا يسيرا يشقى هناك دهرا طويلا والمكثر من الدنيويات هنا يكون فقيرا في ملكوت السموات وإذ قد رأيت ياهذا كيف أن المسيح قهر الشيطان حين جربه تارة بحب الغنى وتارة بحب الرتب فهلم لكى اريك أيوب الانسان الساذج كيف تشجع فـــي محبة خالق البرايا فتدرع ثوب الصبر وتشدد بمنطقة الأمانة واستتر بترس الرجاء وضرب بسيف العزم وألقى عدوه جريحاً بتلك الأسلحة لأنه اولا قاتله بكثرة المال والذخائر والجوارى والعبيد والزراعات والحيوانات التي أتلفها فقاتله الصديق بالصوم والصلاة والتسبيح بذكر الله وتقدمة القرابين ورحمة المحتاجين ولما رأى المحارب قوة عزم أيوب وطهارة نفسه وشجاعة قلبه طلب أن يسلبه جميع مقتنياته احتيالاً على استمالته إليه بطريق الكفر والضجر
ويا للعجب من ذلك الصديق كيف ظهر في حالة الفقر أعظم شجاعة مما كان في حالة الغنى؟ وكيف قدر الشيطان أن يسلبه كل مقنياته ولم يقدر أن يسلبه محبة خالقه ؟ وإذ لم يبلغ عدوه مقصداً ولا ظفر بهذه الواسطة رجع إلى شركه القديم الذي أصطاد به الانسان الأول وهو المرأة وجعل يطغيها مذكراً إياما بغناها السابق وما صارت اليه الآن من الفقر والمذلة لكى تذكر بعلها بذلك ثم تقوده إلى التذمر أما ايوب ذلك الشجاع القاهر فإنه عند سماع الفاظها جعل قلبه كالحديد القاسي وكحجر الماس في القوة على كسر المصادمات له حتى تكلل باكليل الظفر ونال تاج الغلبة وفاز بنعيم الملكوت هكذا ينبغي لنا نحن أن نصم آذاننا عن سماع الذين يريدون صدنا عن قبول أوامر الهنا حتى ولو كانوا من أقرب الأقربين إلينا كالزوجة والأولاد والأخوة وأن تكون طاعتنا لربنا ومحبتنا واحدة في حالة الغنى والفقر وأن نجعل أصوامنا نقية من الأدناس وأفكارنا سالمة من الهواجس الرديئة وأن نبتعد من القوم المستهزئين الذين يشابهون الصبيان فى سخافة عقولهم لان بعضهم يقولون نتنعم اليوم ونرتد غداً ويقول البعض الآخر أعطنى اليوم وخذ غداً ويقول الآخرون ليس للإنسان عمران وما دام لنا عمر واحد فلنقضه بالسرور والتمتع بالملذات الجسدانية كما ينبغي فهؤلاء يشبهون البهائم التي تنظر إلى يومها فقط ولا تحتسب ما يكون في الغد واما نحن فسبيلنا أن نطهر قلوبنا ونقهر شهواتنا ونستعد لمجاهدة عدونا ولنفوز بنعيم ربنا الذي له المجد إلى الأبد آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
08 مارس 2025
قوة التوبة
نحنُ جِهادنا سلبىِ لأنّنا لَمْ ندخُل فِى حُب الله ،فأجِد التوبة تُقيِّد راحتىِ ،هكذا النَفْسَ الّلى تتوب طالما ربِنا قبل إِنّىِ أقترب لهُ وَجعلنىِ إِبن لهُ رغم إِنّىِ لَمْ أستاهله ،وَأنقذنىِ مِنْ أعدائىِ ،هل يليق إِنّىِ أنا أهين سُمعِته ؟ خِيانة ،أعطانا العِتق مِنْ العبوديّة ،أجىِ أنا بعد كِده وَ أُهينه وَ أُدنِّس إِسمه ،لو كُلَّ نَفْسَ أدركت حُب الله ما هان عليها أنْ تخونه أوْ نترُكه أوْ أكسر وصيّة مِنْ وصاياه ،مش مُمكِن كُلَّ ما أُدرِك صلاحه وَتحنّنُه علىّ [ أُعظِّمك يارب لأنّك إِحتضنتنىِ ] ، لمّتنىِ ، إِحتوتنىِ ، أنا لَمْ أستاهِل ، كُلَّ ما النَفْسَ ما تُدرِك عمل الله معاها كُلَّ ما تنفعِل أكتر وَتُحِبّه أكتر وَأكتر فِى قصّة بِتحكىِ عَنْ أب كان دايماً بينصِح بنته عشان تمشىِ فِى الطريق مُستقيمة ،لاَ تمشىِ لوحدِك وَلاَ تتكلّمىِ مع أحد أو رِجال ، البنت مِنْ بنات اليوم وَعاوزه تعيش على راحِتها ، وَكانت وصيّة الأب تقيلة عليها ، فِى يوم البنت حبِّت تتحدّى والِدها وَنزلت مِنْ وراه بالليل مُتأخِرة ، فالأب نِزل وراها مِنْ حنانه عليها لأنّهُ كان خايف عليها وَبيحبّها خالِص ، وَأثناء سيرها قابلت شباب وَإِتعرّفِت عليهُم وَأخذوها فِى منطقة خلاء عشان يسرقوا مصاغها وَيعتدون عليها وَفِى الوقت الحاسِم ظهر أبوها فتركوها الشباب وَإِتجهوا إِلَى والِدها ورأت والِدها وَهو يموت أمامها فجرت وَتركتهُمْ ، وَأخيراً أصبحت تشعُر بِحُب أبوها بعد أنْ رأتهُ يُضّحىِ بِحياته مِنْ أجلها أبوها الأول كان قيد ، دلوقتىِ أصبح حُب وحنان ، دلوقتىِ إِكتشفت حُبّه الحقيقىِ لها ، تقعُد تتخيّل أبوها وَحُبّه وَحنانه ، تقول كمْ كُنت جاهلة ، كمْ أهنتهُ وَتعيش على كلامه ، النَفْسَ الّلى أدركت صلاح الله تحيا فِى حُب الله وَلاَ تنظُر إِلَى الوراء أبداً ، خلاص بقى لاَ تُفكّر فِى خطايا شبابِى وَ جهلِى ( جهل ) علشان كده فِى نَفْسَ كلِمة الله بالنسبة لها جامدة ، مافيهاش تفاعُل ، مافيهاش حُب ، الإِنجيل صخر وَلاَ أجِد آية ، ده فِى المرحلة الأولى ، المرحلة الّلى بعد كده كُلَّ كلِمة رائِعة ، توصل إِنّك كُلَّ كلِمة فِى الكِتاب المُقدّس عايزة تكبّرِيها وَ تضعيِها على الحائِط ، مين يقدر يفهم الكلام ده ! إيه الكلام الرائِع ده ! مُمكِن الواحِد بِكلِمة واحِدة يسجُد وَ يبكِى وَ ينفعِل ، لكِن لو أنا أدركت الحُب الّلى فدانِى بِهِ ، وَ إِحتوانِى بِهِ تُبقى كُلَّ كلِمة تُبقى حُب جديد ، وَمِنْ قِراءة الإِنجيل أكتشِف توبتِى التوبة هى صحوة ، إِتبررنا بِهِ وَبِعمله وَ فِداؤه وَ خلاصه ، فِى أشعياء يقول[ قومِى إِستنيِرى لأنّهُ قَدْ جاء نورك وَمجد الرّبّ أشرق عليكِ ] ، كفاية نوم ، كفاية غفوة ، كفاية إِنسان يعيش بعيد عَنَ نور ربِنا وَعَنَ الفضيلة ، كفاية الإِنسان يعيش عُمره بِحالُه لَمْ يذُق فيها حُب الله ، كُلَّ الّلى يعرفه خبرات شر ، وَ نحنُ لَمْ نُخلق للشر ، نحنُ نُخلق للبِر ، كُلَّ ما تفعل الخطيّة تشعُر بوخز ضمير التوبة هى باب الأفراح ، التوبة هى أُم الدموع وَ الإِنسحاق ، مش مُمكِن تيجىِ دموع بِدون التوبة ، التوبة تُحطِّم كبرياء النَفْسَ وَ غرورها ، ما فيش حاجة تخلّيِنى أنسحِق فعلاً غير التوبة ، تفتِت القلوب الصخريّة ، حتّى وَ لو كان قلبىِ صخر ، التوبة تجعل الزُناة بتوليين ، فِى قوّة كامِنة فِى التوبة ، تقدر التوبة على كده ، النعمة قادِرة أنّ تُحّول الإِنسان مِنْ رئيس جماعة لصوص إِلَى أب وَ مُدّبِر لِجماعة رُهبان ، قادِرة التوبة أنْ تُغيِّر وَ تُقدّس ، قادِرة أنْ تُغيّر الإِنسان إِلَى إِبن لِمحبّة الله ، التوبة هى أُم الغُفران ، كيف نأخُذ الغُفران بِدون توبة إِنّ الآب المملوء رحمة لاَ يُغصِبك أبداً إِنْ طلبتِ منهُ أى شىء يُعطيِكِ ، وَسلّم لكِ مفاتيح الملكوت ، لاُ يُعطِى الملكوت إِلاّ للتائبين ، علشان كده أكتر شىء يُحزِن عدو الخير مُجرّد بس نيّة التوبة ، وَ يقول إِنتِ مش ناقصة إِحباط ، إِنّى لسّة متجرّب تجارُب ، إِنتِ تقولِى أنا لازِم أرجع لِحضن أبويا ، أنا بنت أحرار وَلىّ أنْ ألبِس الحُلّة الأولى ، كُلَّ ما هو لله هُو لىّ أكتر واحِد يُحارِب التوبة هُو الشيطان بالطُرُق المشروعة وَ غير المشروعة ، لأنّ التوبة هى عذاب عظيم للشياطين ، لأنّها تعتِق المسبيين الذّين سباهُمْ فِى شرّه ، تعب السنين الّلى تعبه الشيطان مع الأنبا موسى عملِته التوبة فِى ساعة واحدة ، طبعاً مَنْ ذا الذّى لاَ يُحِبك أيّتُها التوبة ، لأنّ عَنَ طريقها الفضائِل ،التوبة هى التّى تفُكِنِى مِنْ كُلَّ القيود ،[ الذّى قطّع كُلَّ رِباطات الخطايا ] ، تجعل مِنْ الإِنسان ملاك على الأرض القديس يوحنا الدرجِى عِندما جاء لِمصر وجد دير التائبين أوْ سِجن التائبين ، شاف ناس عايشين فِى توبة وَ تذلُّل ، ناس رِموش عينيها وقعت مِنْ البُكاء ، الشخص يقِف فِى وضع المُجرِم أوْ المُذنِب ، يكتِّف إِيده وراه ووِشّه فِى الأرض وَ يقول مزامير التوبة ، ساعتين تلاتة أربعة وَ الدموع تتساقط ، وجدت ناس ساهيين عَنَ أكل خُبزهُمْ وَإِنْ أكلوا يمزِجون طعامهُمْ بِدموعهُمْ ، شاف فيهُمْ قوّة توبة جبّارة وَشِدّة جِهادهُمْ يقول القديس أوغسطينوس [ أيّهُا الطريق وَالحق وَالحياة ، يا مُبدِّد الظُلمة وَ الشرور وَ الضلال وَ الموت ، أيّهُا النور الذّى بِدونك يصير الكُلَّ فِى ليل دامِس ، أيّهُا الطريق الذّى بِدونك لاَ يوجد سوى الضلال ، أيّهُا الحق الذّى بِدونك يُخيّم الموت على الجميع] فِى رومية 13 : 11- 12 [ أَنّهَا الآْنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيقِظَ مِنَ النّوْمِ ،قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَ تَقَارَبَ النَّهَارُ ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ ] - ( التوبة ) - ، أعذب كلام يفرّح النَفْسَ عَنَ التوبة ، لأنّ مجىء المسيح للعالم وَرِسالتهُ الأولى هى [ توبوا لأنّهُ قَدْ إِقترب ملكوت السماوات ] ، [ تناهى الليل وَ تقارب النّهار ] ، خلاص بقى يعنى نسلُك كأنّنا فِى النور طبعاً نور المسيح الخطيّة هى إِهانة لله وَ إِنفصال عَنَ الله ، إِفساد للصورة ، الخطيّة حُزن وَ مرارة وَ ذُل ، - دى الخطيّة – لكِن التوبة هى رِجوع لله وَ لأحضان الله ، - الأحضان الأبويّة - ، الخطيّة هى موت أوْ نوم أوْ غفلة ، القديس بولس الرسول يقول [ قوموا ] ، واحِد يقوم يتنقِل مِنَ الموت للحياة ، مِنَ اللاوعى للوعى ، واحِد يبتدِى يتيقِّظ ، يقظِة النَفْسَ وَ الرّوح وَ الضمير وَ العقل فِى الصوم المُقدّس الأناجيل تُحرِّكنا ، إِنجيل الإِبن الضال لاَ يُقرأ إِلاّ فِى الصوم الكبير علشان يكون لهُ تأثير ، وَهكذا السامِرية وَ المخلّع ، أجمل ما فِى قِراءات الكنيسة وضعتهُ فِى الصوم علشان تحرّكنا ، يلاّ نرجع مع الإِبن الضال ، مع السامِرية ، يلاّ مع المخلّع ، التوبة إِنتقال فِى داخِل الفِكر وَ العقل مرحلة فِى داخِل النَفْسَ يجِب أنْ تحدُث فِى كُلَّ يوم ، وَيجِب أنْ يتيقِّظ الإِنسان للتوبة فِى كُلَّ لحظات العُمر ، نتحرّر مِنَ عبوديّة العدو مِنَ أجل محبّة الله الخطيّة فِعل الشر ، التوبة فِعل البِر مش بس البُعد عَنَ الشر ،[ حِد عَنَ الشر وَأفعل البِر ] ، مش بس أبطلّ الخطيّة ، لازِم التوبة تأخُذ الفِعل الإِيجابِى ، هى ترك الخطيّة مِنَ القلب بِلاَ رجعة ، عزم وَتصميم لِحياة التوبة ، وَ القيامة مِنَ السقطة وَ الذلّة بِلاَ نهاية ، الإِنسان الّلى يكره شىء لاَ يرجِع لهُ ، الإِنسان الّلى يُستعبد لِشىء لاَ يرجع لهُ ، المكان الّلى يتهان فيه لاَ يرجِع لهُ ، كويس قوى إِنْ أبويا قبلنِى ، خلاص أرجع تانِى ، لأ كويس قوى قبلنِى وَ رحمنِى وَ غفر لِى خطيّتِى ، كفاية بقى صعب قوى إِنّ الإِبن الضال يرجِع تانِى بنتكلّم عَنَ التوبة كتير وَلكِنْ جوّانا كأنّ التوبة دى مُستحيلة ،الأنبا موسى الأسود كانت الخطيّة مسيطرة عليه لِدرجة جبّارة ،[ مِنَ يضع يدهُ على المحراث لاَ يرجِع ينظُر إِلَى الوراء ] ، تخيّلوا إِن عزمه وَ إِشتياقه لِعدم الرِجوع إِنّه يُقعُد مع أبوه الروحِى فِى يوم واحِد 13 مرّة ، يعنِى وضع فِى قلبِهِ أنْ لاَ يرجِع أبداً ، وَ التوبة هى إِنسان وضع فِى قلبِهِ أنْ يموت وَلاَ يسقُط القديسة سارة الراهِبة فِى الدير قعدِت 13 سنة يُحارِبها عدو الخير حروب ، بِحروب الجسد ، وَهى ثابِتة ، الّلى تاب لاَ ينظُر إِلَى الوراء ، الأمر مش سهل ، ياما مطانيات ، وَياما سجدات وَتوّسُلات وَدِموع للقادِر أنْ يُخلّصِها ، لأنّه رحوم وَقادِر على خلاصِنا لأنّهُ تألّمْ لِكى يُنقِذنا ، وَبعد 13 سنة جاء لها بِحرب الكبرياء وَالغرور ، ده إِنتِ ناسِكة وَإِنتِ غلبتِى ، ترُد عليه إِنّى إِمرأة ضعيفة وَلاَ أغلِب إِلاّ بِسيّدى يسوع المسيح ، فإِبتعد عنها القديسة مريم المصريّة سُلطان الخطيّة عليّها سُلطان رهيب ، قعدِت 17 سنة تُقاوِم آلام ، إِحنا فِى حرب لاَ تنتهِى مع وُلاة هذا العالمْ وَالسلاطين ، الّلى ذاق محبّة ربِنا وَغُفرانه إِبتدأ يدخُل فِى دائرة حُبِّهِ ، لا لنْ أكون كما كُنت مِنَ قبل ، مش هكون زى ما كُنت الأول أبداً ، النَفْسَ مُنفعِلة وَمُصمِّمة خلاص مش هبقى زى الأول أبداً ، لابُد أنْ نوصل للأشمئزاز وَترك الخطيّة ، مش مُمكِن ، مِثل الكلب الذّى يرجِع إِلَى قيئُة ، بعدما نُنظِف الخنزير لاَ يقعُد فِى حِتة فيها نظافة ، تخيّلوا إِنّى أنا أوصل فِى الخطيّة للدرجة دى القديس أوغسطينوس عزم فِى قلبِهِ ألاّ يرجِع أبداً ، لِدرجِة كان فِى سُلطان للخطيّة جوّه جسده ، وَكان فِى سِت متعلّقة بِهِ قوى ، وَهو كان تاب وَحبِّت أنْ تتودّد إِليّهِ وَتخبّط عليه ، فكان يقول لها وَلكِن لستُ أنا ، أوغسطينوس الذّى تعرفيه قَدْ مات ، خلع أسلِحة الظُلمة وَلبس أسلِحة النور ، خلع إِنسان الخطيّة ، [ قلباً نقيّاً إِخلقهُ فىّ يا الله ] ، عايزين قلب جديد يتخلِق ، حُب الله هُو الذّى يطرُد الخطيّة بِسِهولة مِنَ القلب قال أنا طوّبت الذّين أخطأوا وَتابوا أكتر مِنَ الذّين لَمْ يُخطِئوا ، أصل التوبة تُعطِى فرحة وَإِنتصار فهى لاَ تقِف عِند الأفعال القهريّة ، وَإِنْ كان فِى حُزن هُو بِلاَ ندامة وَهُو حُزن مُضىء [ إِحزنِى يانَفْسَىِ على خطاياكِ ] ، الحُزن الّلى يعقُبه فرحة ، يعقُبه إِنتصار وَقيامة وَإِنْ أنا إِنفكيت مِنَ الأسر بِضيق ، الفرح بالغُفران لاَ يِجِى بِسِهولة ،[ مُبارك الرّبّ الذّى لَمْ يُسلّمِنا فريسة لأسنانهُم ] ، مش شويّة ، كُلَّ ما أنا إِبتدأت أنْ أُحقِق وصايا الله وَإِنّى أنا إِبتدأت الأبديّة على الأرض تُعطِى فرحة للنَفْسَ بِغير وصف ، التوبة نهايِتها الكمال وَالقداسة البِداية لابُد إِنْ إِحنا نُعلِن رغبِة التوبة ، إِنّ الإِشتياق للتوبة توبة ، رفضِى للخطيّة أول خطوة ، النعمة تسنِد ، علشان كده المسيح يسأل الأبرص [ أتُريد أنْ تبرأ ؟ أُريد ياسيّد ] ،أنا بسألك دى ، إِعلان بِرغبة أكيدة ، إِنت تقدر ، علشان كده التوبة مش بس ترك الخطيّة بالفِعل ، لازِم الأول أتركها بالقلب وَالفِكر وَكُرهها وَالإِشمئزاز منها ، وَأستمر فِى عملية التنقية وَالتطهير طول عُمره ، يقول القديس العظيم الأنبا أنطونيوس [ أُطلبوا التوبة فِى كُلَّ لحظة مدى الحياة ] رِحلة ، رِحلة ترك الخطيّة بالفِكر وَالقلب ، القديس باسيليوس يعمل مُعادلة مِنَ مراحِل جميلة :[ يقول أول مرحلة جيّد ألاّ تُخطىء وَإِنْ أخطأت جيّد ألاّ تؤخِّر التوبة ، وَإِنْ تُبت فجيّد ألاّ تعود إِلَى الخطيّة ، وَإِنْ لَمْ تعُد للخطيّة فجيّد أنْ تعرِف أنّ هذا هُو بِمعونة الله ، وَإِنْ عرِفت فجيّد أنْ تشكُره على ما أنت عليه ] علشان كده النَفْسَ الّلى داقِت فرحِة الإِنتصار بِربِنا تعرِف يعنِى إيه تسبيح[ يُرسِلون تسبحة الغلبة وَالخلاص ] ، نَفْسَ لاَ تستطيع أنْ تسكُتْ ، فرحانة بِربِنا ، وَتُحِب أنْ تعيش فِى تسبيح لإِن هى حاسّة إِنْ أى قوّة وَأى بهجة هى مِنَ الله فِى سِفر الرؤيا لِكُلَّ الكنائِس يقول [ وَتُب ] ، كلِمة مُهِمّة جِداً ، أصعب ما فِى الأمر أنْ يصِل الإِنسان إِلَى حالة مِنَ التكيُّف مع الخطيّة وَلاَ يشعُر أنّهُ يُخطىء ، فكأنّ ذلِك حاجة طبيعيّة جِداً ، أصعب ما فِى الأمر أنْ يُعطِى الإِنسان أعذار وَيشعُر أنّهُ ليس بالإِمكان إِنّهُ أفضل ممّا كان ، وَيترُك نَفْسَه لسنين وَلَمْ يُقدِّم توبة صادِقة ، وَالخطيّة تثبت وَترسخ كانِت إِنطلاقة توبة داوُد إِنطلاقة جبّارة ، وضع لنا مزامير توبة ، مزمور التوبة ، لابُد أنّ الإِنسان يفوق مِنَ خطيّتة لئلاّ يشعُر إِنّه كده كويس ، لابُد إِن إِنفعال التوبة يُترجم إِلَى صلوات ، وَضعفِى قصاد الخطيّة يُترجم إِلَى صلاة ، لَمْ تُرى توبة بِدون صلاة مش مُمكِن ، هى الّلى أفتح فيها قلبِى وَأشكِى فيها همومِى هى التوبة وَالصلاة ، إِنْ عرِفتُم تائِب فهو مُصلّىِ ، وَإِنْ عرِفتُم مُصلّىِ فهو تائِب علشان تتمسّكِى بالتوبة بِغير سقوط عليِكِى إِن إِنتِ تتمسِّكِى بالصلاة بِغير فِتور ، طلب الصفح والغُفران فِى القُدّاس " لأنّك كثير الرحمة وَبار فسامِح وَأغفِر " ، لابُد إِن الإِنسان يعرِض خطاياه أمام الله وَفِى ثِقة أنّهُ يُخلِّص ربِنا يُعطينا مع الصوم مشاعِر توبة صادِقة بِلاَ رِجوع نُقدِّم فيها إِشتياقات أمام الله وَهو رحوم وَقادِر على خلاصِنا ربِنا يسنِد كُلَّ ضعف فينا بنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
07 مارس 2025
مائة درس وعظة (٦٦)
فهم الكلمة المقدسة
امين تعال أيها الرب يسوع (رؤ ۲۰:۲۲)
اولا مستويات فهم الكلمة المقدسة
١- القراءة اكتشاف
قال أحد الآباء في كل مرة نقرأ الكتاب المقدس، فنحن نبحث عن الكلمة بين الكلمات والمقصود ب" الكلمة" هنا هو ربنا يسوع المسيح و الكلمات، هي كلمات الكتاب المقدس، وكأن من يقرأ الكتاب يبحث عن ربنا يسوع المسيح القراء اكتشاف لأنك تعرف وتبحث ويعجبني من يقرأ الإنجيل بإحساس الصياد فالصياد يجلس امام البحر الكبير، وفي يده صنارة يريد أن يصطاد بها من هذا البحر الكبير وهكذا انت تجلس امام بحر الكتاب المقدس وبهذه الصنارة التي هي الصبر والمعرفة تحاول أن تصطاد لتعرف شخص السيد السيح وتكتشف الكلمة من بين الكلمات أن آخر أيه في الكتاب المقدس تقول امين تعال أيها الرب يسوع (رؤ ۲۰:۲۲)، وكأن عندما تقرأ ای نص أو أية أية او اي سفر، فإن قلبك يقول من الداخل امين تعال أيها الرب يسوع بمعنى اريد يارب أن اراك
٢- القراءة صلاة
يقول معلمنا داود النبي ، وفي ناموسه يلهج نهارا وليلا (مزا :۲) فيتحول ما تقرأه وما تدرسه وما تعرفه وما تفهمه إلى صلاة لذلك كثيرا ما نقضى فترة مع ربنا في مخادعنا، نقرأ الكتاب قليلا ثم نقف للصلاة نصلى ثم نقرأ الكتاب، فنشعر أن هناك ارتباطا قويا بين الصلاة والقراءة فالقراءة صلاة ويتحول ما نكتشفه في الكلمة المقدسة إلى صلاة لذلك يقول داود النبي في مزموره "بالنهار يوصی الرب رحمته وبالليل تسبيحة عند صلاة لإله حياتي (مز ٨:٤٢) ففى النهار رحمة اله تستر علينا وتقود خطواتنا، وفي الليل وقفة الصلاة والتسبحة وليس المقصود هنا التسبحة المكتوبة، لكن تسبحة الحياة كلها
٣- القراءة حياة
كما يقول الكتاب "فقط عيشوا كما يحق لانجيل المسيح" (في ٢٧:١) فالقراءة حياة ولكن ليس للخدام فقط بل لجميع أولادنا في الخدمة، وبلا شك نحن نعاني من ضعف في الكلمة المقدسة عند عدد كبير منا
ثانيا تداريب لقراءة الكتاب المقدس
توجد خمسة تداريب عامة يمكن أن تساعدنا في قراءة الإنجيل وهي:
١- اقرأ بانتظام كل يوم.
٢-اقرأ بنظام بترتيب الاصحاحات
٣- اكتب في كراسة خاصة بك.
٤- استعن بكتب التفسير والشروحات
٥- اقتن الكتاب ليكن لك الكتاب المقدس الخاص بك لكي ما تستطيع ان تضع به علامات.
قداسة البابا تواضروس الثانى
عن كتاب صفحات كتابية
المزيد
06 مارس 2025
بدعة سابيليوس والرد عليها
ثالثاً: بدعة سابيليوس والرد عليها
تم الحكم على بدعة سابيليوس فى مجمع القسطنطينية المسكونى الثانى عام 381م.
اعتقد سابيليوس بأن الله هو أقنوم واحد وليس ثلاثة أقانيم، أى أقنوم واحد بثلاثة أسماء. وأن هذا الأقنوم حينما خلقنا فهو الآب، وحينما خلّصنا فهو الابن، وحينما قدسنا فهو الروح القدس. ولذلك نحن لا نميل إلى عبارة: "الآب خالقنا، والابن مخلّصنا، والروح القدس مقدّسنا" بالرغم من أنها ليست خطأ نحن لا ننكر أن الآب خالق، وأن الابن هو مخلّص، وأن الروح القدس يقدّس فى الأسرار الإلهية (أى فى أسرار الكنيسة). ولكن هذه العبارة قد تعطى انطباعاً بأن ما يقوله سابيليوس هو صحيح. أو كأن الخالق هو الآب وحده، بدون الابن والروح القدس، وأن الابن هو المخلص وحده بدون الآب والروح القدس، وأن الروح القدس هو المقدس وحده بدون الآب والابن.
العمل الواحد للأقانيم الثلاثة والدور المتمايز لكل أقنوم:
أ- الخلق
نحن نؤمن أن الثالوث القدوس هو الخالق، وأن الأقانيم الثلاثة يعملون معاً مع تمايز دور كل أقنوم فى عملهم الواحد. فالسيد المسيح يقول "مهما عمل ذاك (أى الآب) فهذا يعمله الابن كذلك" (يو5: 19). ومثلما قيل فى المزمور "بكلمة الرب صنعت السماوات وبنسمة فيه كل جنودها" (مز33: 6) وهذا معناه أن الآب قد خلق السماوات ومن فيها بكلمته وبروحه القدوس. وفى سفر التكوين كُتِب "فى البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور" (تك 1: 1- 3). ويلاحظ اشتراك الروح القدس والكلمة مع الآب فى خلق السماوات والأرض فى اليوم الأول للخلق، وبالتالى باقى أيام الخليقة الستة ومعلوم طبعاً أن الله الكلمة الابن الوحيد قد كُتب عنه "كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان" (يو1: 3). وقيل عنه أيضاً: "فإنه فيه خلق الكل ما فى السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خلق الذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل" (كو 1: 16، 17). فقد ورد فى الأسفار المقدسة الكثير مما يثبت أن الابن هو خالق أيضاً مثل الآب. وكما نقول فى القداس الغريغورى: "المساوى والجليس والخالق الشريك مع الآب" والمقصود بعبارة "الخالق الشريك" هو اشتراك الابن مع الآب فى الخلق وورد فى سفر أيوب: "روح الله صنعنى ونسمه القدير أحيتنى" (أى33: 4). وقد جاء ذلك على لسان أليهو بن برخائيل الذى تكلم الكلام الصحيح بعد أن أخطأ أصحاب أيوب الثلاثة فى كلامهم، وأجابهم أيوب بكلام لم يرض الله عنه، كما لم يرض عن كلامهم، فصحح أليهو للجميع فى النهاية بكلام قبله الله ولم يعترض عليه. وأيضاً ورد فى نفس السفر: "ولكن فى الناس روحاً ونسمة القدير تعقّلهم" (أى32: 8). وهذه الأقوال تعنى أن الروح القدس خلق الإنسان ومنحه الحياة وخلق فيه الروح العاقل لأنه يقول "نسمة القدير تعقلهم" ونحن نقول عن الروح القدس فى قانون الايمان أنه "الرب المحيى". ونقول فى صلاة الساعة الثالثة أنه "كنز الصالحات معطى الحياة" (القطعة الرابعة). إذن نحن نؤمن أن الروح القدس هو الذى يمنح الحياة للكائنات الحية. فهو مانح الحياة ورازق الحياة ومعطى الحياة.
ب- الخلاص:
أما بالنسبة للخلاص فإن الخلاص ليس هو عمل الابن وحده، بل هو عمل الأقانيم الثلاثة، وإن كان كل أقنوم له دور متمايز عن الآخر فى عمل الخلاص. وقال معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين "المسيح الذى بروح أزلى قدَّم نفسه لله بلا عيب" (عب 9: 14). أى أن الابن قدَّم نفسه ذبيحة لله الآب بالروح القدس. وبهذا نرى أن الله الآب كان " فى المسيح مصالحاً العالم لنفسه" (2كو5: 19). وفى ألحان الكنيسة وتسابيحها وصلواتها نقول عن الابن المتجسد "هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشتّمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة" (لحن (Vai etaf enf
ج- عند نهر الأردن:
وفى نهر الأردن كان الابن فى المياه يؤسس المعمودية المقدسة، والآب إذ انفتحت السموات يقول "هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت" (مت3: 17)، والروح القدس آتياً ومستقراً على الابن المتجسد بهيئة جسمية مثل حمامة.
د- التجسد:
وفى التجسد كوَّن الروح القدس ناسوتاً للابن ليتحد به اتحاداً أقنومياً (أى اتحاد لاهوت الابن بناسوته) فى نفس لحظة تكوين ناسوت الابن. كما قدّس مستودع العذراء مريم وقال الابن فى المزمور الأربعين واقتبسها أيضاً القديس بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين "ذبيحة وقرباناً لم تُرِد ولكن هيأت لى جسداً. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت هأنذا أجيئ فى درج الكتاب مكتوب عنى لأفعل مشيئتك يا الله" (عب10: 5–7). وقد اقتبس القديس بولس هذا النص من الترجمة السبعينية Septuagint الابن هنا يقول للآب إنك لم تسر بذبائح العهد القديم، وقد جئت لأصنع مشيئتك وأقدم جسدى ذبيحة مقبولة تسر أنت بها، وأنت الذى هيأت لى هذا الجسد (مقصود طبعاً الناسوت الكامل جسداً وروحاً عاقلاً). وهنا نلاحظ أن تكوين جسد يسوع منسوب إلى الآب وليس إلى الروح القدس وحده، وأيضاً قيل أن "الذى حبل به فيها هو من الروح القدس" (مت1: 20). فهل الروح القدس هو الذى هيأ الجسد أم الآب؟ لا نستطيع أن نفصل. إن الروح القدس هو الذى كوّن الناسوت بما فى ذلك الجسد فى بطن العذراء، ولكنه كوّنه بقدرةٍ إلهية هى من الآب بالابن فى الروح القدس كما قال الآباء ولذلك قال القديس كيرلس الكبير إن الله الكلمة قد كون لنفسه ناسوتاً من بطن العذراء مريم بواسطة الروح القدس وهذا يتفق تماماً مع ما أوردناه، ويتفق أيضاً مع ما قاله السيد المسيح أن كل ما يعمله الآب يعمله الابن أيضاً "لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يو5: 19). وقال أيضاً "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو5: 17) شهود يهوه مثلاً يركّزون على الآية التى تقول "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل" (يو 5: 19) فنرد عليهم بقولنا إن الابن لا يعمل من ذاته لأنه لا يعمل فى استقلال عن الآب. فكل ما يعمله الآب يعمله الابن وأيضاً الروح القدس لكن مع تمايز الأدوار فى العمل الإلهى الواحد للثالوث. العمل واحد والأدوار متمايزة.
ه- الجلجثة:
مثلاً فى الجلجثة الابن كان يقدم نفسه للآب، فكان لابد أن يشتَّم الآب هذه الذبيحة رائحة سرور ورضا ويتنسم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة (كما قال بولس الرسول لأهل فيلبى عن التقدمات التى قدموها له). لو غاب الآب عن المشهد، فمن الذى يقدم الابن نفسه له؟
لتقريب المفهوم نقول أن الآب هنا أخذ دور الديان بأنه هو الذى يأخذ للعدل الإلهى حقه، مع أن العدل الإلهى هو فى الآب والابن والروح القدس، لكن لكى ينفع العمل لابد أن يأخذ واحد دور الذبيح أو الشفيع والآخر يأخذ دور الديان الذى يتقبل الذبيحة كترضية للعدل الإلهى. هنا العمل واحد وهو الخلاص، لكن للآب دور لا يستطيع أن يغيب عنه وكذلك الابن وأيضاً الروح القدس. ومن خلال الطقس تشرح لنا الكنيسة هذه العقيدة ببساطة وبطريقة محببة وسهلة الاستيعاب، فنقول فى اللحن "هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة".
و- الحياة والعطايا:
كل شئ فى الوجود هو من الآب بالابن فى الروح القدس حتى الحياة نفسها. صحيح أن الروح القدس هو مانح الحياة لكن الحياة أصلها فى الآب، كما قال الآباء أن كل عطية وكل طاقة أصلها فى الآب وتتحقق من خلال الابن فى الروح القدس أو بواسطته. الجوهر واحد وتخرج منه طاقة وقدرة، وهى لا تخرج من الآب وحده أو الابن وحده ولا الروح القدس وحده. هى صادرة من الثالوث لكن كل أقنوم يؤدى دور معين حتى تتحقق هذه القدرة.
أقوال للآباء:
وإليك بعض أقوال الآباء فى أن كل عطية وكل طاقة أصلها فى الآب تتحقق خلال الابن فى الروح القدس.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص: "كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة، وتسمى بحسب فهمنا المتنوع لها. لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل فى الروح القدس".
القديس أثناسيوس: "الآب يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح القدس"وأيضاً القديس أثناسيوس "الآب يفعل كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح القدس" وكذلك قال القديس أثناسيوس: "من الواضح أن الروح (القدس) ليس مخلوقاً، ولكنه يشترك (له دوره) فى عملية الخلق. لأن الآب يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح (القدس)؛ لأنه حيثما يوجد الكلمة، فهناك الروح أيضاً، والأشياء التى خلقت من خلال الكلمة تأخذ قوتها الحيوية (خارجة) من الروح من الكلمة. لذلك كُتب فى المزمور الثانى والثلاثون "بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل قواتها".
لقب المخلص:
الخلاص هو عمل ثالوثى أما التسمير على الصليب فهو دور الابن، وفى المقابل كان للآب دور مرافق أو مشارك فى نفس العمل وهو قبول الذبيحة التى قدم الابن بها نفسه. والابن قدم نفسه ذبيحة بالروح القدس. ولعل الروح القدس كانت ترمز إليه النار الإلهية التى تنزل من السماء وتلتهم الذبائح التى كانت تقدم على المذبح فى العهد القديم. فهو النار الإلهية التى تُصعد الذبيحة وقد ورد فى رسالة معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيطس ما يؤكد أن الآب له لقب المخلص كما أن الابن له لقب المخلص فقال "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال فى بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغُسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس الذى سكبه بغنىً علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6). هنا معلمنا بولس الرسول يلَّقب كل من الآب والابن بلقب "مخلصنا". فالآب سكب الروح القدس بغنى علينا باستحقاقات الخلاص التى تممها يسوع المسيح. فعبارة "مخلصنا الله" فى هذه الآية لا يمكن أن تكون إلا على الله الآب الذى سكب الروح القدس بيسوع المسيح. ولا يستقيم الكلام هنا إن إفترضنا أن عبارة "حين ظهر لطف مخلصنا الله" تعود على الابن لأنه لا يقال عن الابن أنه قد سكب الروح القدس علينا بيسوع المسيح وكأن الابن هو الفاعل والمفعول فى آنٍ واحد. كما لا يستقيم الكلام إن إفترضنا أن "مخلصنا الله" تعود على الروح القدس لأنه يكمل بقوله "الروح القدس الذى سكبه علينا".
هرطقة الأقنوم الواحد وعبارة "الله محبة":
إذن لا يمكننا أن نقبل هرطقة سابيليوس التى تقول بالأقنوم الواحد لأن الديانة المسيحية مؤسسة على أن "الله محبة. ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه" (1يو 4: 16). وقيل أيضاً "من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (1يو 4: 8) إن الله محبة، فالمحبة هى صفة جوهرية فى الله، ولابد أن يمارسها ممارسة حقيقية قبل أن يخلق الخليقة. ولا يمكن أن نتصور الجوهر الإلهى بدون هذه الصفة! ونظراً لأن وجود الجوهر الإلهى لا يتوقف على وجود الخليقة وإلا كانت الخليقة هى جزءً من الله، أو هى الله، وهذا مستحيل، إذن فالحب هو فى الله قبل كل الدهور وقبل أن توجد الخليقة، ولا يمكن أن يوجد الحب دون أن توجد الأقانيم التى تتبادل هذا الحب والحب الثالوثى غير المحدود، هو كمال المحبة المطلقة. لهذا قال السيد المسيح قبل صلبه للآب "لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم" (يو17: 24). وقال أيضاً عن تلاميذه: "وعرَّفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم" (يو 17: 26). إذن فرسالة السيد المسيح كانت تهدف إلى مصالحة الإنسان مع الله بالفداء لكى يتمكن من التمتع بهذا الحب الذى تتبادله الأقانيم قبل كون الخليقة. ولا يمكن أن يُفهم الله فهماً حقيقياً إلا من خلال هذا المنظور فعقيدة سابيليوس تؤدى إلى انهيار الديانة المسيحية. لأن معناها أن الله إذا أحب قبل أن يخلق الخليقة فإنه سوف يحب ذاته وهذه أنانية نربأ بها عن الله. وقد صدق أحد الفلاسفة المسيحيون الفرنسيون حينما قال: "أن نحب معناها أن نوجد – وأن نوجد معناها أن نحب" أى أن الوجود بدون المحبة يفقد قيمته ومعناه.
الأقنوم كائن حقيقى له إرادة:
ومن أخطر الأمور فى هرطقة سابيليوس أنه يحوِّل الأقانيم إلى مجرد أسماء. ولكن الأقنوم هو كائن حقيقى مثلما نقول للابن فى القداس الغريغورى: "أيها الكائن الذى كان.. والمساوى والجليس مع الآب". ويقول القديس يوحنا فى إنجيله "وحيد الجنس الإله الذى هو فى حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18). فكيف يُدعى الابن الوحيد الجنس وأنه فى حضن الآب ويكون – حسب رأى سابيليوس- هو مجرد اسم من أسماء الآب أو حتى صفة من صفاته؟!! أنه أقنوم حقيقى يتمايز بخاصية البنوة وله شخصيته الخاصة به، ولكنه واحد مع الآب فى الطبيعة والجوهر، وواحد معه فى الربوبية والملك والمجد والقدرة كل أقنوم يحب الأقنومين الآخرين بحرية مطلقة، ولكن أيضاً فى وحدانية مطلقة. ولهذا فالأقانيم لها إرادة واحدة من حيث النوع، وثلاث إرادات من حيث العدد. بمعنى أن كل أقنوم له إرادة ويحب بحرية الأقنومين الآخرين، لكن هذه الإرادة غير منفصلة فى طبيعتها عن إرادة الأقنومين الآخرين، لأن نوع الإرادة واحد ويجمعهم جوهر واحد وطبيعة إلهية واحدة. فما يقرره الآب يقرره الابن ويقرره الروح القدس بالطبيعة وبإلغاء سابيليوس لأقنومية الابن وأقنومية الروح القدس تنهار عقيدة الفداء فى المسيحية، لأن الابن قدّم نفسه ذبيحة مقبولة لأبيه السماوى، فكيف يقدم نفسه لنفسه ويتم الفداء؟!َ! وكيف يخاطب أحدهما الآخر مثلما قال السيد المسيح: "أيها الآب قد أتت الساعة. مجّد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً" (يو17: 1) كما أن الآب قد قال سابقاً رداً على قول الابن "أيها الآب مجّد إسمك" (يو12: 28) "مجّدت وأمجد أيضاً" (يو12: 28). كيف يخاطب أحداهما الآخر إن كان أقنوم الآب هو أقنوم الابن وكيف يرد عليه؟!! إن هذا التعليم السابيلى (أى تعليم سابيليوس) يتجاهل كثير من آيات وأحداث الكتب المقدسة فى العهدين القديم والجديد.
إدانة سابيليوس:
وقد حرم مجمع القسطنطينية هرطقة سابيليوس الذى عاش فى زمن سابق لتاريخ انعقاد المجمع (أما مقدونيوس فكان هو بطريرك القسطنطينية وقت انعقاد المجمع). أى أن سابيليوس حُرم بواسطة المجمع بعد وفاته، لأن تعاليمه كانت هرطوقية، وقد مات وهو يعلِّم بها، فلهذا حرمته الكنيسة هو وتعليمه. مثلما حُرم كل من ثيئودور الموبسويستى (معلم نسطور) وديودور الطرسوسى بعد وفاتهما وذلك فى مجمع القسطنطينية الثانى 553م التالى لمجمع خلقيدونية (كما حرمتهما كنيستنا أيضاً قبل ذلك التاريخ) قد اعترض البعض على حرم أحد بعد وفاته، ولكن حرم الآباء فى مجمع القسطنطينية لسابيليوس بعد وفاته دليل على صحة هذا الإجراء. إنها هرطقات وقد مات أصحابها وهم يعلّمون بها وكان أبوليناريوس قد أدين قبل المجمع المسكونى فى القسطنطينية 381م فى عدة مجامع مكانية: فى روما 377م، وفى الإسكندرية 378م، وفى أنطاكية 379م. هذه المجامع أدانت هرطقة أبوليناريوس ثم أدين فى المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد فى القسطنطينية 381م. وكان هو أسقف لاودكية وتوفى سنة 390م (أى عاش بعد المجمع تسع سنوات) ولاودكية هى مدينة اللاذقية اليوم فى سوريا.
نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
المزيد
05 مارس 2025
صورة الله
مَنْ هُو الإنسَان؟
لعل هذا السؤال
يُوجَّه إلى كل إنسان: منْ أنت؟ وما هو الإنسان؟
وقد يجيب البعض بأن الإنسان هو جسد وروح ونفس، حسبما قال القديس بولس الرسول«ولتُحفَظ روحكم وجسدكم ونفسكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح »(1 تس 23:5 ) أو يجيب البعض بلون من الاتضاع الإنسان هو تراب ورماد، حسبما قال أبو الآباء والأنبياء إبراهيم «شرعتُ أن أكلم المولى، وأنا تراب ورماد » ( تك 27:18 ) أو يجيب البعض بأن الإنسان مخلوق حيّ عاقل ناطق حرّ مريد على أن أحسن إجابة تحمل المعنى الروحي والمعنى اللاهوتي هي أن الإنسان صورة الله، شبهه ومثاله فهكذا قال الرب الإله في
قصة خلق الإنسان «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه » ( تك 26:1 -27) تواضع كبير من الله، أنه خلق الإنسان على صورته لقد خلقه على صورته، وأراد له أن يحتفظ بهذه الصورة الإلهية إن كنت صورة الله، فأنت إنسان بالحقيقة وإن لم تكن كذلك، فلا تكون إنسانًا حسب قصد الله وحكمته في خلقه ولعل الإنسان بصورته الإلهية، هو ما كان يبحث عنه ديوجين الفيلسوف أو هو الصورة المثالية للإنسان في ما يقصده المفكرون بعبارة سوبرمان Super Man على أن الإنسان عندما خلقه الله كان أرقى بكثير مما يجول بذهن المفكرين والفلاسفة وطبعًا ليس المقصود بالصورة الإلهية للإنسان، أنه يشابه الله في صفاته الإلهية الذاتية مثل الأزلية، والوجود في كل مكان، والقدرة على
كل شيء، ومعرفة الغيب، وما إلى ذلك مما يخص الله وحده وسنبحث هذا الموضوع في النقاط التالية:
كيف كان الإنسان على صورة الله حينما خُلق، قبل سقوطه طبعًا.
كيف فَقَد الصورة الإلهية؟
محاولات للرجوع إلى الصورة الإلهية جزئيًا.
في الأبدية يكون الاتساع على صورة الله بطريقة أفضل فما هي الصفات التي كان فيها الإنسان على صورة الله؟
وعندما نتحدث عن هذا الأمر، فبلا شك نقصد روح الإنسان.
1- لقد خُلق على صورة الله في الطهارة والبر والقداسة فقبل السقوط كان الإنسان في منتهى البراءة وفي منتهى الطهارة والشفافية آدم وحواء كانا عريانين، وهما لا يشعران بهذا في حالة من الطهارة القصوى، كالأطفال كذلك فإن الحية (أي الشيطان) خدعت أمنا حواء وكذبت عليها بينما أمنا حواء ما كانت تعرف ما هو الكذب ولا الخديعة، ولا تعرف الشك فيما يقوله الغير مثل هذه الأمور ما كانت تُعرَف أن أحدًا يمكن أن يكذب أو يخدع، إذ كانت بسيطة جدًا وطاهرة.
2- كان الإنسان أيضًا على صورة الله في الكمال ونقصد طبعًا الكمال النسبي فالله هو الوحيد الذي له الكمال المطلق ولكن الإنسان يمكن أن يكون كاملاً بالنسبة إلى مستواه ومقدرته، وحسب مقدار النعمة المُعطاة له، وعمل الروح القدس فيه،ومدى تجاوبه مع عمل الروح القدس وهكذا كان الإنسان بلا لوم وإن كان قد كُتِب في سفر التكوين أن الله نظر إلى كل ما خلقه فإذا هو حسن جدًا ( تك 31:1) فبلا شك أن هذا كان ينطبق أيضًا على آدم وحواء وحتى بعد سقطة الإنسان، نقرأ في الكتاب المقدس عن بعض أشخاص أنهم كانوا كاملين،كما قيل عن أبينا نوح الذي بنى الفلك أنه كان كاملاً ( تك 9:6 ). كذلك قيل عن أيوب أنه كان رجلاً كاملاً ( أي 1:1 ).
3- الإنسان خُلِق أيضًا على صورة الله في السلطة لقد قال له الله «أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحروطير السماء وعلى كل كائن حى يدب على الأرض » ( تك 1: 2 ) ونفس هذه البركة والسُلطة أعُطِيت لأبينا نوح بعد رسو الفلك، وكما كُتِب في سفر التكوين، الأصحاح التاسع.
4- الإنسان أيضًا خُلِق على صورة الله كسيد وملك على كل الخليقة وعندما فقد صورته الإلهية بدأت الخليقة
تتمرد عليه الحية تسحق رأسه ( تك 15:3 ) وبعض الحيوانات أصبحت وحوشًا يمكن أن تقتله والأرض نفسها ما عادت تعطيه قوتها( تك 12:4 ) وهكذا فقد سلطته.
5- هو أيضًا كان على صورة الله في القوة فالإنسان الروحي يكون دائمًا قويًا ولا أقصد قوة الجسد، كما كان شمشون وإنما يكون قويًا في شخصيته، وفي تفكيره وإرادته واحتماله، وفي نصرته على حروب الشيطان إلخ والنفس القوية لا تهتز ولا تخاف ولا تتردد ولا تيأس والذي على صورة الله حتى الآن لا يخاف على الإطلاق وكمثال لذلك داود النبي والملك الذي قال في ( مز3:27 )«إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي وإن قام علىّ قتال، ففي هذا أنا مطمئن » ولذلك فإن الخائفين لا يدخلون ملكوت الله ( رؤ 8:21 ) إن الأنبياء والقديسين قدموا صورة عميقة لعدم الخوف، كما كان القديس أنطونيوس في البرية، أو القديس أثناسيوس الذي قيل له: «العالم كله ضدك » فأجاب: «وأنا ضد العالم »، لذلك دُعِي «أثناسيوس الذي هو ضد العالم » Athanasius Contra Mondum وأيضًا الشهداء إذ كانوا في صورة الله، ما كانوا يخافون دانيال النبي ما كان يخاف جب الأسود )دا 16:6 (والثلاثة فتية ما كانوا يخافون أتون النار ( دا 17:3 ).
6- أيضًا الذين في صورة الله، يكونون دائمًا ناجحين كما نقرأ في المزمور الأول لداود أن الأشخاص الأبرار يكونون كشجرة مغروسة على مجاري المياه تعطي ثمرها كاملاً في حينه، وورقها لا ينتثر، وكل ما يعملونه ينجحون فيه ( مز 3:1 ) كذلك قيل عن يوسف الصديق إنه كان رجلاً ناجحًا ( تك 2:39 ) لذلك فإن الإنسان الفاشل لا يكون في صورة الله.
7- الإنسان أيضًا خُلق على صورة الله في التواضع حقًا إن الله هو المتواضع الوحيد لأنه وهو العالي جدًا، ينزل إلى مستوانا ويتعامل معنا يتكلم معنا، ويستمع إلى صلواتنا ولكن الإنسان يمكن حسب مستواه أن يكون متواضعًا على الأقل إذ يعرف أنه تراب ورماد، لا يميل إلى أفكار الكبرياء والمجد الباطل، ظانًا في نفسه أنه أعلى ما ينبغي ولذلك فالشخص المتكبر لا يكون في صورة الله.
8- الإنسان على صورة الله في أمور كثيرة، كالمحبة مثلاً كما قال القديس يوحنا الإنجيلي «الله محبة من يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه »( 1يو 16:4 ).
9- الإنسان أيضًا على صورة الله في الجمال الله جميل، وكذلك الملائكة وعندما خُلق الإنسان الأول على صورة الله، كان جميلاً كان آدم جميلاً جدًا، وكانت حواء جميلة جدًا، وأيضًا قيل نفس الأمر عن بعض أشخاص كما قيل عن موسى النبي ( خر 2:2 ) وعن داود النبي، كل منهما كان جميلاً جدًا ( 1صم 42:17 ) ولكن الخطية تغير ملامح الإنسان، فيفقد جمال وجهه وجمال جسده وجمال روحه.
10- الإنسان أيضًا هو صورة الله من جهة النور الله هو نور العالم كما ذُكر في ( يو 21:8 ) هو أيضًا النور الحقيقي ( يو 9:1 ) والإنسان كصورة الله، قيل عنه «أنتم نور العالم » ( مت 14:5) بهذا الوضع، فإن رسالة أولاد الله أن ينقلوا صورة الله إلى العالم إن الله يريدنا أن نكون مثله حتى في العمل أن نسلك في طرقه، وتكون لنا نفس مشيئته على الأرض كما في السماء وأن نتحدث كما لو كان الله ينطق من أفواهنا فننطق بكلامه، كما قيل «لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم » ( مت 20:10 ) أيضًا كصورة الله، نقوم بعمله في حياتنا،حتى أن كل من يرانا، يقول: «حقًا هؤلاء هم أولاد الله إنهم مثل أبيهم السماوي لأن لهم نفس صورته » كل من يرى أولاد الله في محبتهم وهدوئهم ورقتهم، وفي مثالهم الحي في قداستهم،فإنه يمجد أباهم الذي في السموات إن ربنا يسوع المسيح قد صعد إلى السماء، ولكنه ترك صورته في تلاميذه لينقلوها من جيل إلى جيل ولكن لعل البعض يقول: «كيف يمكن أن يكون الإنسان صورة الله بينما الله غير محدود؟!
فهل الإنسان غير محدود؟! » طبعًا لا فالإنسان بلاشك محدود، ولا يمكن أن يكون مثل الله الذي هو غير محدود على أيّة الحالات، الله خلقه على صورته،ووضع فيه الاشتياق إلى غير المحدود وكنتيجة لذلك فإن الإنسان في طبعه الطموح وعدم الاكتفاء، والجهاد لأجل النمو وكمثال لذلك بولس الرسول الذي تعب أكثر من جميع الرسل ( 1كو 10:15 ) واُختُطِف إلى الفردوس( 2كو 1:12 ) إلى السماء الثالثة على الرغم من كل ذلك فإنه يقول «لست أحسب نفسي أني أدركت بل أنسى ما هو وراء، وامتد إلى قدام » (في 13:3 ).
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
المزيد
04 مارس 2025
يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني (مر ۱۰: ۱۷-۲۷)
[ وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَنَا لَهُ وَسَأَلَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ. أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لَا تَزْنِ. لَا تَقْتُلُ. لَا تَسْرِق. لَا تَشْهَدْ بِالرُّورِ. لَا تَسْلُبْ أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذه كُلُّهَا حَفَظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يُعْورُكَ شَيْءٍ وَاحِدٌ. اذْهَبْ بِعْ كُلِّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَيْرٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتَّبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ». فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينَاً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ. فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ! فَتَحَيَّرَ التَّلَامِيذُ مِنْ كَلامِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضاً وَقَالَ لَهُمْ: «يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ! مُرُورُ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ! فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُص؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ، لأَنَّ كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللَّهِ ].
الشاب الغني وتبعية المسيح
نحن هنا أمام إنسان كامل من جميع ما يُطلب من الإنسان اليهودي، فهو مؤدب ويحترم المعلمين، وهو كما سنرى حفظ الناموس كله منذ حداثته، أما كونه ذا أموال كثيرة ففي اليهودية هذا يُعتبر نجاحاً ليهوديته وتوفيقاً من الله ومجالاً كبيراً لعمل الخير والصلاح. كذلك واضح أن هذا الغني الذي حفظ الناموس يعرف جيداً أن هناك حياة أبدية يرثها الذين أكملوا الناموس، فهو يسأل عما يعمله أكثر من حفظ الناموس ليرث الحياة الأبدية. إلى هنا لا نجد غباراً على هذه الشخصية اليهودية التي تسعى نحو الحياة الأبدية. وهو حينما جثا أمام المعلم أعلن جهاراً الطاعة الكاملة والخضوع لكل ما يشير به المعلم، ودعاه صالحاً توقيراً منه المعلمه منتظراً المشورة لما يعمله بعد أن أكمل الناموس، وكان أمله أن يدله على عمل يكمل الناموس باستخدام ثروته، ولا مانع إذا كان يأخذ منها المعلم شيئاً نظير مشورته. فابتدره المسيح بأن رفض لنفسه لقب الصلاح كمعلم، فالصلاح الله وحده وليس للمعلمين «فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْرٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتَّبَعْنِي حَامِلاً الصليب» هذه أول مرة في الأناجيل يُصرح أن المسيح أحب إنساناً، وحينما يقول الإنجيل إنه أحبه فيعني أنه أحبه شاب غني يحفظ الناموس باهتمام منذ صباه ويذهب وراء المعلمين يسأل باهتمام ماذا أعمل بعد حفظي الناموس حتى أرث الحياة، هذا نموذج فريد لا يمكن أن نجد في كلامه أو سلوكه أي خطأ ولكن للأسف لقد أخفق الفتى فيما أخفقت فيه إسرائيل كلها، لقد سحرها مالها وغناها ونسيت إلهها وعبدت كل ما عداه، ولكن إسرائيل جاءها المسيح يطلب ودها فرفضته، وذبحته، وهذا الغني جاء يطلب ود الله ولكن كان قد اقتنى مالاً كثيراً فحجزه عمن أحبه.
"اذهب بع كل ما لك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء"
عملية تحويل بديعة وناجحة ومربحة بالدرجة الأولى، تحويل مدخراتك من بنك الأرض إلى بنك الأرصدة المرصودة لحساب الحياة الأبدية ومقره السماء، حيث لا ينقب سارق ولا يفسد سوس بأرباح مركبة المسيح هنا يقدم المشورة الناجحة للغني الساعي الميراث ملكوت الله، والمسيح لا يقدمها من فراغ بل يقول وهو الضامن لما يقول، وأمر يسوع يخرج مدعماً بقوة على التنفيذ، فمهما كان الأمر صعباً وشبه مستحيل ففي أمر المسيح ضمان التنفيذ والنجاح، لأنه لم يعد قولاً عادياً، بل أمراً يتحمل المسيح شخصياً لا نجاحه فقط بل ويتحمل أيضاً كل مسئولية تنشأ أثناء التنفيذ وبعد التنفيذ، لأنه لم يصبح أمراً عادياً بل رهاناً على مصداقية المسيح فكل من سمع وآمن وأطاع ونفذ يتحقق من مصداقية المسيح، ويرى ويعاين مجده «إن آمنت ترين محد الله».
«وتعال اتبعني حاملاً الصليب»
إن هو حقا باع وألقى بنفسه على رجاء أمر المسيح؛ يحمله المسيحويضعه على الطريق وإذ يكون قد تحرر من حمله الثقيل يستطيع أن يسير ويتبع المسيح. والذي باع كل ما له لم يعد له ما يستحق أن ينظر وراءه، ففي الحال يرى السماء مفتوحة، ويأتي إليه من يضع علامة العبور على كتفه.
«فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِيناً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ» .
لقد سحر المال ذلك الغني فقيمه بأكثر من الحياة الأبدية التي جاء يطلبها ودله عليها المسيح لأنه لما وازن بين المال والملكوت زين له العدو عظمة الغنى في هذا الدهر، فانطفأت جذوة الحياة الأبدية من قلبه فاغتم ومضى حزيناً على أشواق ذهبت ولن تعود وهذا هو الغم الذي اشتراه بأمواله، وهذا هو الحزن الذي ورثه له غناه!
«فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ! فَتَحَيَّرَ التَّلَامِيذُ مِنْ كَلَامِهِ».
هنا القديس مرقس ينقل عن شاهد عيان دقيق الملاحظة يستطيع أن يقرأ الحركات والسكنات ويحولها إلى لغة وأوصاف. فالمسيح هنا ينظر حوله ليستطلع مدى تأثر التلاميذ بالدرس العملي الذي ألقاه عليهم على مستوى وسيلة الإيضاح فالشاب الغني كاد يبكي على حال غناه إذ جعله المسيحيقف موقفاً حاسماً من نفسه: المال أم الملكوت؟ فاختار المال ومضى مغموماً حزيناً!! وكأن المسيح يقول لهم بنظراته أسمعتم ورأيتم كيف وقف المال عثرة كؤود في طريق الملكوت؟ وبعدها قال حكمه الإلهي: «ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله».
«فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُص؟»
كلام المسيح لا يخضع لمنطق العالم، والخلاص أيضاً لا يخضع لمنطق أبناء هذا الدهر، ولكن باستطاعة الله أن يخلص الغني ويخلص كل إنسان، إن هو سمع صوت دعوة الله. وكل إنسان يتعذر خلاصه إن هو أراد أن يخلص نفسه، ولكن إن سلم حياته للمسيح خلص: «آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك».
وأخيراً نقول : الخلاص ليس في يد إنسان بل في يد الله، فلا نستطيع نحن أن تدبر الخلاص لأنفسنا. فالخلاص هو باستطاعة الله وحده، لذلك من الخطأ بل والخطية أن نسأل مَنْ يستطيع أن يخلص؟ لأنه لا يستطيع الإنسان أن يُخلّص نفسه، هذا باستطاعة الله وحده خلوا من غنى أو فقر. شيء واحد تعلمناه من درس هذا الغني أنه إن لم يبع الإنسان كل ماله ويعطي الفقراء ويتبع المسيح حاملاً صليبه، فعسير عليه أن يخلص!
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد