المقالات

17 مايو 2022

قيامة المسيح هي الحدث الفريد في تاريخ الإنسانية

قام السيد المسيح له المجـد من القـبـر مـنـتـصـرا لأنه هو القـيـامـة والحياة .. والحياة تحررت من قيودها ، فقال لمرثا « أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا أيها الأولين والآخرين تمعتوا بالجزاء على حد سواء ، أيها الأغنياء والفـقـراء أطربوا مـعـافرحين ، أيهـا الذين صـامـوا والذين لم يصـومـوا إفـرحـوا اليوم ، المائدة جاهزة فتنعموا كلكم ، يخرج أحد جائعا ، تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان ، تمتـعـوا كلكم بكل غنى صلاحه ، لا يبكين أحـد زلاته في كابة لأن الغفران قـد أشـرق من القبر ، يخف أحد الموت لان موت المخلص قد حررنا « أين شـوكـتك يامـوت ؟ أين غلبتك ياهاوية ؟ قـام المسيح وأنت صـرعت ، قـام المسيح والشياطين ، تساقطت ، قام المسيح والملائكة ابتهجوا ، قام المسيح والحياة تحررت ، قام المسيح ولم يبق في القبر ميت ، لأن المسيح بقيامته من الأموات صار باركورة الراقدين ، فله المجد والعزة إلى دهر الدهور ، المسيح قـام داس الموت والذين في الـقـبـور أنعم لـهـم بـالحـيـاة الأبدية ، فـجـسـد المصلوب مات لأجلنا ، نؤمن أن لاهوته لم يفـارق ناسـوته لحظة واحـدة ولا طرفة عين فـقـيـامـتـه تـدل دلالة قاطعة على أن وداعته أعظم قوة في العالم ، لأن الموت لم يجـد قـوة وحـقـا فـيـمن يمتلئ بثـمـار روح الله ، ونحن نطلق على احتفالنا بقيامة ابن الله « العيد الكبير » لأن هذا الحدث العظيم قد أعاد لنا سلامنا مع الله وبداية موكب انتـصـار المسيح الغـالـب وراءه كل أعدائه أسرى منكسرين بينما أتباعه المؤمنون يتبـعـونه بهاتف وتهليل ، لأنه أشـركـهـم بإيمانهم بقوته المنتـصـرة ومن يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا وجلست مع أبي في عرشه ( رؤ ۲۱ : ۳ ) ليتنا نقـوم من غفلتنا ونعيش القيامة المجيدة ذات الطبيـعـة الجـديدة والانطبـاع الجديد والفاعلية الأصيلة للقـيـامـة المفرحة والمبهجة . نيافة الحبر الجليل الأنبا بسنتى أسقف حلوان والمعصرة ومدينة 15 مايو والتبين
المزيد
16 مايو 2022

قومي استنيري...

«قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ» (إش60: 1)كان خروج بني إسرائيل من أرض مصر، وتحررهم من عبودية فرعون، إشارة إلى تحررنا من عبودية الشيطان بصليب السيد المسيح وقيامته.كما كانت عودة اليهود من السبي، رمزًا للقيامة من الموت. فالسبعين عامًا التي قضوها في مذلة السبي، ترمز إلى ظلمة القبر، وبالعودة من السبي تمتعوا بنور الحياة والحرية. أمّا أورشليم الجديدة، فقد تمتعت بما هو أعظم من حرية العودة من السبي. فبالقيامة فُتِح لنا الطريق للحياة الأبدية، باتحادنا بالسيد المسيح الذي هو القيامة والحياة (يو11: 25). كذلك كانت شريعة تطهير الأبرص رمزًا للقيامة (لا14: 4 -76)، فالشفاء والتطهير مصدر للفرح والاستنارة.الله هو النور الحقيقيّ الأزلي (يو1: 9؛ 8: 12)، باتحادنا به نلنا قبسًا من هذا النور، بل وأصبحنا نحن نورًا للعالم (مت5: 14)، من قِبَل الاستنارة التي حصلنا عليها كنعمة وبركة من بركات القيامة «لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا» (مز36: 9). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة فصحية: [الآن أضاءت علينا إشعاعات من نور المسيح المقدس، وأشرقت علينا أضواء صافية من الروح القدس وانفتحت علينا كنوز سماوية من المجد. لقد اُبتُلِع الليل الكثيف الحالك وانقشع الظلام الدامس، واختفى ظل الموت الكئيب... إنه الفصح العجيب، إبداع فضيلة الله وفعل قوته] (رسائل آباء الكنيسة4: 29). إن ما نعنيه بالاستنارة يختلف عن إعمال العقل، فالاستنارة من عطايا القيامة لنا. يقول القديس مقاريوس المصريّ: [الذي عنده استنارة، هو أعظم من الذي له عقل ومعرفة، لأن الإنسان المستنير قد نال عقله استنارة أكثر من الإنسان الذي له معرفة فقط] (عظة 7: 5).إن القيامة هي حجر الزاوية في الإيمان المسيحي «وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ» (1كو15: 14)، فقد كانت الكنيسة الأولى تعيش بالفعل حالة يقين الإيمان بالقيامة، ليس فقط كمبدأ إيمانيّ أو مجرد عقيدة لاهوتية، لكنها كانت تعيش في حالة قوة القيامة كحقيقة مُعاشة. بقيامة السيد المسيح من الأموات، وتحطيمه لمملكة الشيطان، وهبنا حياة جديدة لن يغلبها الموت، بل وجعل من الموت جسرًا للحياة. لذا يدعونا القديس بولس الرسول أن نعيش القيامة «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ بين الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أف5: 14). إن المسيح القائم هو الطريق والمصدر الوحيد للاستنارة، إن الليتورجية الكنسية تجسد لنا ذلك، حينما تُطفَأ الأنوار، وتُصلّى "تمثيلية القيامة"، ويعقبها إنارة الكنيسة بالشموع، التي تًضاء جميعها من على المذبح من الشمعدانين المحيطين بالدفنة، أي أن مصدر استنارتنا مُستمَّد من المسيح القائم. وكما كان الطريق إلى القيامة هو الصليب، الذي عن طريقه ذاق السيد المسيح الموت بالجسد. هكذا السبيل للتمتع باستنارة القيامة، بعدما مشاركة رحلة الآلام والقيامة، عن طريق التمتع بالتمتع بالأسرار الكنسية: «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا اقِمْتُمْ ايْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي اقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (كو2: 12)، وبذلك صرنا خليقة جديدة (2كو5: 17) نلنا فيها استنارة سمائية جديدة. علينا أن نكمل في طريق الإماته لكي نحصل على نور القيامة عن طريق رفض العالم (لو14: 33)، ونكران النفس (لو9: 23)، والانفصال عن الخطيئة (كو3: 5). إننا لا نأخذ الاستنارة بصورة كاملة مرة واحدة، أو يحصل عليها الجميع بقدر متساوٍ، بل بقدر ما يجاهد الإنسان في حياة التوبة والنقاوة، بقدر ما تفتقد النعمة الإنسان، وذلك لكي تمتحن قصد الإنسان لترى مدى حفظه للمحبة الإلهية. لذلك نرتل في توزيع الخماسين المقدسة، كدعوة للإستنارة، قائلين: "أضيئي واستنيري يا أورشليم، لأنه قد جاء نوركِ. لأن ربنا يسوع المسيح، الحمل الحقيقي، قام من بين الأموات" (لحن كل الصفوف: 3). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
15 مايو 2022

صورة الحياة الجديدة بالمسيح

الكنيسة في هذه الفترة بتقدم صورة الحياة الجديدة بالمسيح، مثل الشعب الذي عبر من العبودية إلي الحرية وفي البرية هذا الشعب يجد الحياة فقط في الله، الذين انطلقوا معه بالإيمان وهذا هو الأحد الأول،وهو الذي اعطاهم المن في البرية ..الأحد الثاني، ثم الذي أعطاهم الماء من الصخرة..وهذا هو الأحد الثالث، لذلك اليوم هو أنجيل السامرية، المسيح هو ماء الحياة، السامرية كانت شخصية غير مستقرة إجتماعياً ولا نفسياً ولا دينياً..من يصدق شخصية مثلها لها نصيب مع المسيح، وجود المسيح يغير كل شئ ويعطي حياة جديدة، ليس فقط لكي نخرج من حالة العبودية والخصام والخطية، ولكننا أيضاً نستمتع بوجود المسيح فينا. أحياناً كثيرة نظن أن الحياة الروحية أنها طريق صعب وصلوات وأصوام وجهاد، ولكن بها تعزية، مقابلة المسيح مفرحة، المسيح يغير كل شئ ويعطي عمق لكل شئ، حتي أن كل من يحمل صليباً، ولكن تحت الصليب يوجد أيضاً مسيح يفرح ايضاً، "خرجوا فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يتألموا من أجل أسمه" ويقول القديس إيسيذيروس: "صرنا نستعذب الألم لأجلك" . "الذي يحبني يحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً" وجود المسيح ليس وجود عابر، في العهد القديم كانت كل أشتياقتهم الأقتراب من قدس الأقداس، في مز 41 "إذ قيل لي كل يوم أين إلهك" "كما يشتاق الأيل إلي جداول المياة هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله"، مجرد اشتياقات روحية ولكن كان هناك حجاباً ثقيلاً بين البشرية والله، والآن نحن نستمتع بوجوده الفعلي "نحن ناظرين وجه الرب كما في مرآة نتغير إلي تلك الصورة" نأخذ مجداً جديداً، صارت البشرية بالمسيح بعد القيامة ليست فقط تقترب من الله ولكن صارت مسكناً أيضاً لله. موسي النبي بعظم قدرة كل ما كان يشتاق إليه أن يري وجهه "ارني وجهك" فرد عليه االله "من يراني ويعيش"، أما نحن وبرغم ضعفنا وحقارتنا ولا نحمل طبيعة مجاهدة ولكن صار لنا في العهد الجديد لا أن نرآه فقط ولكن أن نتحد به"، " الكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مثل مجد ابن وحيد"، بالتجسد أصبح لنا إمكانية الرؤيا، وبالقيامة أصبح لنا إمكانية الوجود الدائم في الأبدية، وبحلول الروح القدس أصبح لنا إمكانية الشركة الفعالة في أسرار إتحادنا به. وجود المسيح في حياتنا يجب أن يغير كياننا، ويغير طبعتنا، يجب أن نحيا ليس مثل باقي العالم "نأكل ونشرب لأننا غداً نموت"، الحياة مع المسيح هي رؤية دائمة له، يقول مار أسحق: "هذه النعمة يؤهل لها الأنسان بقدر ما يستطيع العتيق أن يتعري" . البشرية كان عندها أشتياقات ولكن لا تمتلك الأمكانية، أخاف أن نكون نمتلك الأمكانية ولكننا فاقدين الأشتياقات، تقول له عذراء النشيد "أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعي أين تربض عند الظهيرة"، ولكننا نحن الآن نعرف اين يربض، أن الصليب هو مكان لقائنا المحبوب ونعرف أن الذبيحة والمذبح يعطينا حياة أبدية وخلوداً، ولكن كثيراً ما نفقد الأشتياق إليه، نفقد هذه الروح التي كانت تتكلم بها العروس وتقول "أني مريضة حباً"، أننا نحبه ولكن إلي آي حد، نسعي خلفه كي نراه فقط..كي يصنع لنا معجزة..كي يحقق لنا رغبة، أم نسعي إليه لأننا نحبه حتي وأن كنا نتألم أو متعبين في العالم.إذا لم ترآه فهذا معناه أن حواسك منغلقة ولم تشعر بوجودك معه. الملحدين الذين رفضوا الله وصلوا لحالة أكتئاب، يقول سارتر: ""وجود هذا الإله يلغي وجودي لذلك لا أرديه" أما هؤلاء البسطاء الذين صاروا خلفه تاركين كل شئ، شاعرين وكأنهم في السماء، يُقال عن الأنبا أنطونيوس أن وجهه كان بشوشاً حتي أن أحد تلاميذه يدعي الأنبا مرقس لم يفتح فاه طوال الليل، وحينما سأله الأنبا أنطونيوس لماذا لم تسأل أجاب" كان يكفيني أن أنظر إلي وجهك يا أبي" . إن أردت أن تحيا أبحث عن المسيح بكل أشتياق، لأنه هو يريدك أيضاً، هو مات لأجلك لا فقط لكي يخلصك ولكن لتكن لك معه شركة حياة.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
14 مايو 2022

الأحد الجديد والإيمان الواثق

الأحد الجديد من الخماسين المقدسة .. ونحن نعيش فترة الخماسين المقدسة ونفرح بقيامة الرب من بين الاموات لابد ان نحيا القيامة الروحية الحياة المقامة مع المسيح القائم بالتوبة المستمرة والمتجددة ونطلب ما هو فى السماء { فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله} (كو 3 : 1). فنحن ابناء القيامة والمسيح القائم من بين الأموات، الذي مات من اجل خلاصنا وقام من أجل تبريرنا. ان الرب القائم غالباً ولكى يغلب بنا وفينا يريد لنا حياة الإيمان القوى والواثق والمتجدد والذى ينمو يوما بعد يوما لنصل الى ملء القامة فى المسيح يسوع ربنا الذى تجسد ليعلن لنا محبة الله الكاملة والشاملة والمستمرة ، ويعلن لنا رحمة الله للخطاة ويعطينا حياة أفضل وفى نهاية رحلة الحياة يهبنا الحياة الأبدية . ظهر الرب يسوع المسيح يوم الاحد حيث أعتاد التلاميذ ان يحتفلوا فيه بقيامة الرب من بين الاموات بالصلاة وكسر الخبر ليؤكد وعده بطريقة ملموسة أنه إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه يكون في وسطهم. وقد حرص توما أن يكون حاضراً مترقباً ظهور السيد المسيح للتلاميذ. فلم يكن موجودا بينهم فى أحد القيامة وعرف باخبارها ولما كان لديه شكوك بطبعه، كان ينتظر مترقبا يوم الاحد الجديد ليأتى الرب وله الايمان الواثق يعيد. وهنا نرى الرب القريب مهما بدى الينا بعيد، السامع والفاحص ما فى القلوب، ياتى الى الرسل ويهب الرجاء لبطرس ويبدد شك توما ويهب لنا الايمان الواثق. كما بدد خوف التلاميذ وحوله الى قوة وسلام فامتلأت قلوبهم فرحا ومنحهم السلطان وقوة الروح القدس للكرازة وغفران الخطايا باسمه القدوس. أهتم الرب بالمؤمنين ككل كما يهتم بكل واحد وواحدة منا فقد اولى توما الرسول الشكاك عناية خاصة وازال شكوكه وان اختلفت الآراء، فالبعض يرى أن توما أعلن إيمانه ولم يلمس جراحات السيد، وآخرون يرون أنه أعلن إيمانه فعلاً، وفي طاعة لسيده لمس جراحاته، وإن كان لم يعد بعد محتاجًا إلى ذلك لكي يؤمن {قال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنت، طوبى للذين آمنوا ولم يروا} (يو 20 : 29) . فلم يقل له السيد: "لأنك لمست جراحاتي آمنت"، وإنما قال: "لأنك رأيتني"، فرؤيته للسيد المسيح جذبته للإيمان. يمكن القول بأن التلميذ لم يجسر أن يلمسه عندما قدم (السيد) نفسه لهذا الهدف، إذ لم يُكتب "فلمسه توما". ولكن سواء أكان ذلك بالرؤية فقط أو باللمس أيضًا رأى وآمن، فمبارك هو شك توما الذى وهبت به الطوبى للذين يؤمنوا ولم يروا. ان الغاية من كتابة يوحنا الانجيلى للأيات التى فعلها السيد المسيح هى ان يكون لنا الإيمان الحيّ الواثق العامل بالمحبة والذي يقدم معرفة حقيقية تهب حياة أبدية لمن يؤمن . فالإيمان بيسوع أنه المسيح ابن الله لا يترك الإنسان في موقعه كما هو، بل يقوده للتمتع بالحياة الأبدية، أو التمتع باسم المسيح بكونه الحياة ومعطيها { وايات اخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم اذا امنتم حياة باسمه} (يو30:20-31). انتصرالمسيح بقيامته علي الخطية والشيطان والموت ووهب الحياة للذين في القبور. قام منتصراً ليقودنا في موكب نصرته، ولكي يهبنا الشجاعة والقوة في مواجهة الشر والشيطان والموت فان الله الذي سمح أن يدخل الموت الي طبيعتنا بمخالفة وصيت من ابوينا الأولين بحريتهم دبر لنا الخلاص برحمته الغنية وأراد لنا ان نقوم معة في جدة الحياة المنتصرة وننعم معه بالحياة الأبدية. أعطي الرب بقيامتة للمؤمنين روح السلام والقوة والفرح، وكان قد وعدهم قبل صلبه (أراكم فتفرح قلوبكم، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم ) وأتم وعده بعد قيامتة المجيدة (ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب) يو 20:20. وكانت الكرازة بالقيامة والحياة الابدية وأفراحها موضوع كرازة الرسل فى كل مكان ( ان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل ايضا ايمانكم. ونوجد نحن أيضا شهود زور لله . ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات .لأنة كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع. (1كو 15 : 20،14). الكرازة بالقيامة فى حياة الرسل والمؤمنين لقد أثمرت قيامة السيد المسيح في التلاميذ والمؤمنين فى العصر الرسولي ويجب ان تعمل وتبث مفعولها الروحى والإيمانى فى حياتنا. القيامة تهب المؤمنين روح الفرح والسلام والقوة والثبات فينا. وكما سار ابائنا الرسل علي درب سيدهم مقتدين به علينا أن نعرف المسيح وقوة قيامتة وشركة الآمه . علينا أن نسير علي ذات الدرب والله قادر ان يقودنا في موكب نصرته لنحيا إيماننا ونشهد له لنكون أبناء وشهودأ للقيامة، لنكون دعاة سلام وعدل وحرية ونضحي في خدمة الجميع ولبناء مجتمع تسوده روح القيامه والفرح والقوة والسلام . كانت القيامة وستبقي مصدرا للسلام وشتان بين حالة التلاميذ يوم الجمعة العظيمة وأحد القيامة كان الخوف قد ملأ قلوبهم وتفرقوا يوم الصلب وحتي ان اجتمعوا كانوا في خوف ورعدة ولكن دخل اليهم الرب يسوع وهم في العلية والابواب مغلقة وقال لهم سلام لكم {ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو اول الاسبوع وكانت الابواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم} (يو 20 : 19) . جال الرسل يكرزو ببشري السلام الذي صنعة لنا الرب بموته عن خطايانا وقيامته من اجل تبريرينا وكل من يحيا القيامة مدعوا الي حياة السلام والشهادة لمخلصه الصالح باعماله وأقواله {سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} (يو 14 : 27). تحول الرسل بعد القيامة الى كارزين وشاهدين بقوة لقيامة الرب يسوع من بين الاموات {وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم }(اع 4 :33). وكان الرسل يحيون فى الرجاء المبارك الذى ادخلته قيامة الرب فى قلوبهم والتى بددت الخوف واليأس والضعف {مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الاموات }(1بط 1 : 3). ونحن من المسيح القائم نستمد القوة والنعمة والإيمان والرجاء ولابد ان نشهد لإيماننا ونعيشه يوما فيوم. لقد منحت القيامة القوة للمؤمنين فلا خوف من قوة الشيطان الذي انتصر علية الرب بصليبة وقيامتة، ولا خوف من العالم والشر امام قوة القيامة التي دحرت المضطهدين ولا خوف من الموت أمام قوة من قام من بين الاموات ووهب الحياة للذين في القبور. نعم نحن الذين أخذنا قوة الروح القدس وثمارة لا نخشي شيئا بل نشهد لمن أحبنا وبذل ذاتة فداءً عنا وسط جيل ملتوي شرير {لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في اورشليم و في كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض}. (اع 1 : 8). أمتلأ التلاميذ من الفرح بقيامة الرب من الأموات وهو معطي القيامة ومصدر فرحنا. كان قال لهم قبل صلبه (أراكم فتفرح قلوبكم ، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم ) وأتم وعده بعد قيامتة المجيدة (ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب) يو 20:20. وأتخذ التلاميذ من الإيمان بالقيامة وأفراحها موضوع كرازتهم {وان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا و باطل ايضا ايمانكم. ونوجد نحن أيضا شهود زور لله .ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات .لأنة كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع}(1كو15 : 20،14). حتي عندما تعرض الرسل للسجن او الاضطهاد كانوا يقابلون ذلك بفرح وسلام وقوة .هكذا راينا الرسل بعد ان تعرضوا للضرب امام المقاومين {واما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه} (اع 5 : 41).وهذه وصية الكتاب لنا يجب ان نختبرها ونحياها{فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة} (رو 12 :12). فلنعيش يا أحبائى قوة الإيمان بالقيامة ومفاعيلها الروحية فينا ولنصلى ليعطي الله كنيستنا ومؤمنيها كل ثمار القيامة المجيدة وليعطى بلادنا سلاماً ورجاءاً فى حاضر أفضل ومستقبل مستقر ومزدهر ولنحيا فى سلام وفرح لا ينطق به ومجيد بإيماننا الذى يغلب ويتخطى كل تحديات الحياة . القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
13 مايو 2022

معجزة صيد السمك بعد القيامة

هذه المعجزة الفريدة سجّل تفاصيلها القديس يوحنا في إنجيله، الأصحاح 21، وبوجه عام فإنّ صيد السمك يشير إلى اصطياد النفوس للملكوت، كما جاء في تعليم السيّد المسيح وأمثاله..هناك معجزتان حدث فيهما صيد سمك كثير، الأولى قبل القيامة والثانية بعدها.. وكما يشرح القديس أغسطينوس فإنّ المعجزة الأولى توضِّح طبيعة الكنيسة الآن، بينما الثانية تُظهِر الطبيعة التي ستكون عليها الكنيسة بعد القيامة وانقضاء هذا العالم.+ المعجزة الأولى (لوقا5) نلاحظ فيها أنّ إلقاء الشِباك لم يكُن في اتّجاه محدِّد، وتمّ اصطياد سمك كثير جدًّا، حتّى كادت الشباك تتخرّق، وتمّ وضع السَمَك في المركب الذي كاد يغرق أيضًا... بينما المعجزة الثانية: الشَبَكة تُجمَع فقط من الجانب الأيمن، والسمك كبير وعدده 153، والشباك سليمة على الرغم من كثرة السمك وكِبَر حجمه، ونلاحظ أيضًا أنّ السمك سُحِب في الشبكة إلى الشاطئ مباشرةً، والمركب لا يتعرّض للغرق..!+ في المعجزة الأولى الشباك أُلقيت من دون تحديد اتّجاه، مثل الكنيسة الآن في الأرض تجمع من كلّ نوع ومن كلّ اتجاه، وأحيانًا يختلط الأبرار والأشرار في الكنيسة معًا.. بخلاف المُعجزة الثانية التي فيها الشبكة والسمك على الجانب اليمين، وهذا يعني أنّ الكنيسة في الدهر الآتي يوجَد فيها فقط الأبرار الذين عن يمين الملك ويستحقّون المجد الأبدي.+ الشباك في المعجزة الأولى تتخرّق من كثرة السمك، وهذا يشير لبعض الانشقاقات والانقسامات في الكنيسة الآن.. أمّا في المعجزة الثانية فالشباك سليمة تمامًا علامةً على وحدانيّة الإيمان وسلام الكنيسة في الأبديّة..!+ المركب في المعجزة الأولى يتعرّض للغرق، ولكنه لم يغرق.. وهذا يعني أنّ انضباط الكنيسة يكون مهدّدًا بسبب كثرة عدد الناس الموجودين فيها وتنوّعهم..+ السمك في المعجزة الأولى وُضِع في المركب، إشارة إلى وضع المؤمنين حاليًا داخل الكنيسة.. أمّا في الثانية فقد تمّ سحب الشبكة مع السمك إلى الشاطئ الذي يمثّل الأبديّة.. فالشاطئ يَظهَر حيث ينتهي البحر، ونحن حين ننتهي من عبور بحر هذا العالم نَصِل إلى الأبديّة.. كما نلاحِظ أنّه عن طريق الرسل، يجتذبُ المسيحُ العالمَ إلى شبكته المقدّسة..+ السمك الكبير يشير إلى أصحاب القلوب الكبيرة الممتلئين ثمرًا، إشارة إلى العظماء فقط الذين وضعوا أنفسهم وخدموا الآخرين (متى18)، والذين عملوا وعلّموا (متى5)..+ رقم 153، بحسب تفسير القدّيس أغسطينوس هو عدد مرتبط بالأرقام من 1 إلى 17 فعند جَمْع كلّ السبعة عشر رقمًا معًا يكون حاصل الجمع 153. ورقم 17 هو حاصل جمع 10+7 (الوصايا العشر + عمل الروح القدس الكامل).. ومعنى هذا أنّ الأبرار الذين سيصلون بسلام إلى شاطئ الأبديّة هم الذين حفظوا الوصايا العشر وسلكوا فيها بقوّة الروح القدس وبمعونة عمله فيهم.+ رقم 7 يشير إلى التقديس بعمل الروح القدس.. «سبعة أرواح الله» (رؤ4: 5).. «رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ» (إش11: 2). «بارك الله اليوم السابع وقدّسه» (تك2: 3).. أي أنّ كمال تقديسنا سيكون هناك، حينما نستريح مع الله إلى الأبد..وأخيرًا.. فإنّ المسيح ينتظرنا على شاطئ الأبديّة.. يجب ألاّ نأتي إليه فارغين.. يلزمنا طاعة وصاياه والاهتمام في حياتنا الأرضيّة بالجانب اليمين، أيّ نسلك في طريق النور.. فنأتي إليه محمّلين بثمار تنفيذ وصاياه بعمل الروح القدس فينا.[معظم أفكار المقال مأخوذة عن عظة للقديس أغسطينوس] القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
12 مايو 2022

شخصيات الكتاب المقدس سليمان

سليمان "فلنسمع ختام الأمر كله اتق الله وأحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله" جا 12: 13 مقدمة لا شبهة في أن سليمان الحكيم يعد واحداً من أعقد الألغاز التي اختلف الناس في فهمها، وذهبوا فيها شتى الأفكار والمذاهب،.. وقد تساءل الكثيرون منذ القديم، وما يزالون إلى اليوم يتساءلون، وأغلب الظن أن سؤالهم سيبقى قائماً لي أن تنتهي الأرض، وما عليها ومن عليها ما مصير سليمان الأبدي؟!!.. وإذا كان دانتي الشاعر العظيم لم يتردد في ضمه في كتاب الكوميديا الإلهية إلى الزمرة المنتخبة من المعلمين العظماء في السماء،.. فإن الكسندر هوايت على العكس من ذلك، لم يترك لنا بارقة أمل في ذهابه إلى المجد، إذ عده من المطروحين خارج المدينة المقدسة السماوية، ولم يقطع الرسام العظيم أوركاخبا بهذا الرأي أو ذاك، إذ استبدت به الحيرة الكاملة، في الصورة العظيمة التي رسمها في بيزا، وفي فلورنسا، وفيها نرى سليمان ينهض في يوم القيامة عند سماع البوق الأخير، مرتدياً ثوبه الملكي، وتاجه، متعباً متألماً، لا يدري أين يتجه.. أإلى اليمين مع المخلصين، أم إلى اليسار مع الهالكين؟!!.. وإن كان لنا أن ندلي برأي في الأمر، وأية كفة نعتقد أنها الراجحة،.. فإن الرجاء في سليمان لا يرجع في شيء البتة، إلى الرجل أو عظمته، أو حكمته بل إلى كل شيء، في إحسان الله، ورحمته، وجوده، وحبه، وهباته، وعطاياه التي هي بلا ندامة،.. ومن ثم سندرس قصة سليمان من جوابنها المختلفة التالية: سليمان من هو؟!! هو سليمان بن داود، أطلق عليه أبوه الاسم "سليمان".. والكلمة مرتبطة بالسلام، وهي تشير في أكثر من معنى إلى أن مولده مرتبط بالسلام.. وقد أطلق عليه ناثان "يديديا" أو "محبوب الرب" لكي يؤكد هذا المعنى، وما هو أكثر منه!!.. أجل وإنها النعمة العظيمة التي اختارت هذا الابن بالذات، ليكون هو مختار الرب، ووارث العرش، وإذا كان الله قد عبر بوفاة الابن الأول -ثمرة الخطية- عن كراهيته العميقة العتيدة للخطية، وإذا كان قد أعلن عن أكثر من عقوبة، للعثرة التي جلبتها هذه الخطية في حياة الأمة والناس،.. فإنه في الوقت نفسه قد عبر عن رضاه العميق بتوبة داود وبثشبع في الابن الثاني محبوب الله ومختاره،.. ولم يتردد داود لذلك أن يدعوه "سليمان" تعبيراً عن السلام العميق الذي ناله بالغفران الإلهي، والثقة بأن الله قد طرح وراء ظهره خطيته الكبرى،.. كما أنه -إلى جانب ذلك- آمن بالوعد الإلهي، بأن عصر ابنه سيكون عصر السلام والهدوء والراحة، الذي يتمكن معه هذا الابن من إتمام رسالته العظيمة، وبناء بيت الله، البيت الذي سيصبح نقطة تجمع الشعب حول الحياة الدينية، والاقتراب الصحيح لله!!.. ومع أن نشيد الأنشاد يمتد بكل تأكيد إلى ما هو أبعد وأعظم من سليمان، إلى ذلك الذي هو أبرع جمالاً من بني البشر، إلا أن المفسرين أكدوا أن سليمان لم يكن جميلاً فحسب، بل كان بارع الجمال. وأن جماله الذي ورث فيه الكثير من أبويه، قد جاء وصفه في قول العروس: "حبيبي أبيض وأحمر معلم بين ربوة رأسه ذهب إبريز قصصه مسترسلة حالكة كالغراب عيناه كالحمام على مجاري المياه مغسولتان باللبن جالستان في وقبيهما، خداه كخميلة الطيب واتلام رياحين ذكية، شفتاه سوسن تقطران مراً مائعاً، يداه حدقتاه من ذهب مرصعتان بالزبرجد، بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت الأزرق ساقاه عمودا رخام مؤسستان على قاعدتين من إبريز، طلعته كلبنان فتى كالأرز، حلقه حلاوة وكله مشتهيات. هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم". فإذا كانت هذه الأوصاف الرمزية تشير إلى المسيح في أكثر من معنى، إلا أنها على الأقل تعطينا صورة واضحة إلى من جاء في حد ذاته رمزاً ليسوع في كثير من المواضع والصور"..وقد اشتهر سليمان قبل وبعد كل شيء بالحكمة، إذ دعى في الأجيال كلها "سليمان الحكيم"، ونحن نعلم أن فرصته العظمى للتفوق في الحكمة جاءت إثر حلمه في جبعون، لكنه الواضح أن سليمان كان حكيماً، بطلبه هذه الحكمة، وقد وفر له الله منابع الحكمة، إذ ولد من أبوين مقتدرين في الإداك والفهم، فداود أبوه كانت له المقدرة العظمى في التأمل العميق، وأمه وإن كانت قد اشتهرت بجمالها الفائق- إلا أنه يعتقد أنها ورثت عن جدها أخيتوفل الألمعية والذكاء وقوة التمييز،.. وأعطاه الشفافية، والقدرة الهائلة في فهم الطبيعة البشرية، والحكم على العلاقات بين الناس، كما أنه كان من أقدر الناس في عصره، وفي كافة العصور، على استيعاب الفلسفة، والشعر، والتاريخ الطبيعي، وغيرها من المعارف والعلوم!!... "وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر، وكان أحكم من جميع الناس من إثيان الأزراحي وهيمان وكلكول ودردع بني ما حول، وكان صيته في جميع الأمم حواليه وتكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفاً وخمساً، وتكلم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا الثابت في الحائط، وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك، وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعون حكمة سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته"..وكان سليمان -بكل تأكيد- أقرب أولاد داود إلى الله، ولعل أثر ناثان في مطلع حياته كان عميقاً، إذ كان ناثان مربياً له، ويبدو أن داود وهو شيخ يراقب أولاده، رأى ابنه سليمان أصلح أولاده جميعاً ليرث العرش، وشتان بينه وبين أمنون أو إبشالوم أو أدوينا، ومن ثم وعد داود بثشبع بقسم أن يكون سليمان وريثه في العرش،.. ولم يشأ أدونيا الذي كان ابناً مدللاً متكبراً، ويكفي أن الكتاب يصفه: "ولم يغضبه أبوه قط قائلاً لماذا فعلت هكذا".. لم يشأ أن ينتظر وفاة أبيه أو حتى أخذ رأيه وموافقته، فنصب نفسه على العرش بدون علمه، وقد انحاز إليه جميع إخوته الذين كانوا أقرب على شاكلته، من سليمان الذي لم يدع إلى الحفل أو يشارك فيه،.. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه الرجل الذي يعتقد أنه كاتب المزمور الثاني، والخامس والأربعين، والثاني والسبعين، والمائة والسابع والعشرين، وكلها واسعة الرؤى ممتدة الأحلام، إلى جانب أسفار الأمثال، والجامعة، ونشيد الأنشاد، والذي لم يسترح أو يهدأ حتى أكمل بناء بيت الرب وصلى في تدشين صلاته العظيمة، وكلها تشهد بعظمة الحياة الدينية التي وصل إليها ذلك الملك القديم!!... سليمان واختياره بعد أن توج سليمان واستوى على عرشه، أحس أنه في حاجة عميقة إلى الله، وإلى إرشاده وهدايته ومعونته، فسعى إلى جبعون الواقعة على بعد ستة أميال إلى الشمال من أورشليم حيث كانت هناك خيمة الاجتماع التي عملها موسى، وحيث كانت تقدم الذبائح لله، وأقام حفلاً دينياً عاماً يبدأ به حياته الملكية بتكريس عظيم أمام الله، وأصعد هناك ألف محرقة، وليس العبرة في حد ذاتها بهذا العدد الكبير من المحرقات كما يقول صموئيل: "هل مسرة الرب المحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش" أو كما يقول ميخا "بم أتقدم إلى الرب وأنحني للإله العلي هل أتقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة هل يسر الرب بألوف الكباش بربوات أنهار زيت هلى أعطي بكري عن معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي. قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك"...وقد جاء سليمان في الواقع بإحساس الضعف والاتضاع والحاجة إلى الله،.. وإذ رآه الله على هذا الوضع ظهر له في حلم، ووضع أمامه الاختيار المطلق دون قيد أو شرط،.. ولعله من اللازم قبل أن نتعرض لاختيار سليمان أن نشير إلى أنه ليس وحيداً أو منفرداً في هذا الاختيار، إذ أن كل واحد منا مثله له مملكته الخاصة، ومن حقه أن يختار اختياره المطلق، وما يريد بالنسبة لهذه المملكة صغرت أو كبرت على حد سواء،.. وإذا كان اليونانيون قد صوروا في أساطيرهم القديمة، هرقل بطلهم العظيم، وقد جلس ذات يوم في شبابه محزوناً متضايقاً، وإذا بفتاتين حسناوين تمران به، واحدة اسمها "اللذة" والأخرى اسمها "الفضيلة".. أما الأولى فقد وعدته أن تقدم له حياة رضية ممتلئة بالبهجة والمسرات، بينما وعدته الأخرى أن تقدم له حياة ممتلئة بالنفع والشهرة، ورفض هرقل نداء اللذة، واستجاب لنداء الفضيلة، وعاش حياته كلها لمعونة الضعيف والمحتاج والبائس... وإذا كان لورد ملبورن عندما أعلن الأميرة الشابة فيكتوريا أنها أصبحت ملكة انجلترا لم يجد أفضل من أن يقرأ لها حلم سليمان في جبعون، فمن الواضح أن الاختيار يواجه كل إنسان في الحياة،.. وحتى رفض الاختيار، هو نوع من الاختيار الذي لا يمكن تفاديه!!..جاء الاختيار إلى سليمان وهو نائم، والاختيار الصحيح يأتينا مصحوباً بنوم ما، إذ لابد أن ينام فينا الإنسان الأناني الضعيف، الناقص، الشرير المقاد بالجسد، ليستيقظ فينا الإنسان الأسمى والأعلى والأعظم،.. وقد نام هذا الإنسان في سليمان، إذ أن الله عندما سأله: "اسأل ماذا أعطيك، ربما همست في أذنه التجربة.. "أطل طول أيام، أطلب ثروة وغنى، أطلب أنفس أعدائك"!!.. ويبدو هذا من قول الله: ولم تسأل لنفسك أياماً كييرة ولا سألت لنفسك غني، ولا سألت أنفس أعدائك، مما يشجع على الاعتقاد أن المجرب قد جرب بهذه كلها، ولكنه انتصر عليها جميعاً. وطلب القلب الفهيم. والقلب الفهيم يتطلب أمرين واضحين، إذ يبدأ أولاً بالذهن الجبار المقتدر الحكيم، الذي يستطيع الكشف عن الحقيقة المخبأة وراء ستار من الأضاليل والأكاذيب، وخير مثال علي ذلك قصة الزانيتين اللتين احتكمتا إليه في قصة الابن الميت والآخر الحي،.. على أن الأمر أكثر من ذلك لا يقف عند حدود الذهن بل يتعداه إلى "القلب" والذي قال عنه في الأمثال: "فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة"... والحكمة الصحيحة عند سليمان تتضح من قوله في سفر الأمثال: "بدء الحكمة مخافة الرب ومعرفة القدوس فهم"... وفي الحقيقة أن سليمان كان يدرك بالتأكيد أن الإنسان لا يمكن أن يكون حكيماً إلا إذا كانت له الرابطة القوية العميق بالله، والتي جعلته يقول في المزمور الثاني والسبعين: "اللهم أعط أحكامك للملك وبرك لابن الملك يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق تحمل الجبال سلاماً للشعب والآكام بالبر يقضي لمساكين الشعب يخلص بني البائسين ويسحق الظالم"... أو إذا جاز التعبير: إن الحكمة هي "الشفافية" التي يعطيها الله للإنسان لكي يبصر الحقيقة، أو الإلهام، أو الإيحاء، بالمعنى الذي قاله يعقوب: "وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطي له"!!..كان اختيار سليمان بجانبيه "السلبي والإيجابي" مقبولاً وحسناً أمام الله، وقد أعطاه الله لذلك فوق ما يطلب أو ينتظر، إذ أعطاه الغنى والكرامة إلى جانب الحكمة الفائقة التي اشتهر بها، على أنه من اللازم أن نشير أيضاً إلى أن عطية الله كانت مشروطة بشرط واضح متكرر: "فإن سلكت في طريقي وحفظت فرائضي ووصاياي كما سلك داود أبوك فإني أطيل أيامك"... "والآن أيها الرب إله إسرائيل: احفظ لعبدك داود أبي ما كلمته به قائلاً لا يعدم لك أمامي رجل يجلس على كرسي إسرائيل إن كان بنوك إنما يحفظوا طرقهم حتى يسيروا أمامي كما سرت أنت أمامي".. "وأنت إن سلكت أمامي كما سلك داود أبوك بسلامة قلب واستقامة، وعملت حسب كل ما أوصيتك، وحفظت فرائضي وأحكامي فإني أقيم كرسي ملكك على إسرائيل إلى الأبد كما كلمت داود أباك قائلاً لا يعدم لك رجل عن كرسي إسرائيل"... وقد أخفق سليمان في تحقيق هذا الشرط، أو كما قال أحدهم: إن الاختيار الموضوع أمام الإنسان ليس مجرد اختيار بين الرديء والحسن، بل أكثر من ذلك، بين الرديء والحسن والأحسن، وقد اختار سليمان الحسن، وعجز عن أن يصل إلى الأحسن، ومرات كثيرة يكون الحسن عدو الأحسن، أو أن التوقف عند الحسن قد يعود بصاحبه إلى الوراء إلى الرديء.. إنه من الحسن أن نطلب "القلب الفهيم" الذي ميز بين الحق والباطل، والخير والشر، والنور والظلام،.. ولكن الأحسن أن نطلب "القلب النقي"... ولو طلب سليمان طلبة أبيه العظيمة: "قلباً نقياً أخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" لما تردى في المنحدر الذي آل إليه فيما بعد،.. كانت طلبة سليمان الحسنة، كمن يبني قلعة عظيمة من غير أسوار، ما أسرع ما تسقط أو تنهار عند أي اقتحام أو هجوم،.. ألم يقل كونفوشيوس الحكيم الشرقي الذي جاء بعد سليمان بخمسة قرون: "هذه هي الأشياء التي ترعبني، إني لا أصل إلى مستوى الفضيلة الذي أرغبه، وأنني لا أعيش تماماً حسبما علمت، ولست قادراً على السير في حياة البر وعمله في الوقت الذي أعرف فيه أن هذا هو البر إني لا أستطيع عمل الخير، ولست قادراً على تغيير الشر في نفسي أنا لست الإنسان الذي ولد حكيماً"؟؟ سليمان وأمجاده لم يكن سليمان الملك من أعظم ملوك يهوذا وإسرائيل فقط "بل من أعظم ملوك التاريخ قاطبة، وقد أحاطت به هالة من المجد لم تتح لكثيرين قبله أو بعده، حتى اقترن اسمه في بعض المواطن بالتقاليد والأساطير التي لا تجد سندها في كتاب الله، ويكفي أن نعلم أنه كان من أعظم ملوك الأرض وأغناهم وأحكمهم، حتى أن شهرته ذاعت في الخافقين، فاجتذبت من أقصى الأرض ملكة سبأ لتسمع حكمته كما أن سيدنا له المجد أدناه من نفسه كثيراً عندما قال هوذا أعظم من سليمان ههنا، ولعل أمجاده الثلاثة الشهيرة: مجد الإمبراطورية وما أكثر ما يشبهون امبراطورية سليمان بالامبراطورية الأغسطسية إذ كان عصر سليمان أقرب العصور إلى عصر أوغسطس قيصر أول امبراطور للامبراطورية القديمة، على أن مجدها الحقيقي جاء في أنها كانت رمزاً وصورة ضئيلة لمجد مملكة ابن الله في الأرض، إذ كانت تجمع إليها ثروة الأمم: وجعل الملك الفضة في أورشليم مثل الحجارة، وجعل الأرز مثل الجميز الذي في السهل في الكثرة".. وأليست هذه رمزاً لصورة أورشليم العليا أمنا جميعاً والتي وصفها الرائي بالقول: "وكان بناء سورها من يشب والمدينة من ذهب نقي شبه زجاج نقي وأساسات سور المدينة مزينة بكل حجر كريم الأساس الأول يشب. الثاني ياقوت أزرق. الثالث عقيق أبيض الرابع زمرد ذبابي. الخامس جزع عقيقي. السادس عقيق أحمر. السابع زبرجد. الثامن زمرد سلقي. التاسع ياقوت أصفر. العاشر عقيق أخضر. الحادي عشر اسمانجوني. الثاني عشر جمشت. والاثنا عشر باباً اثنتا عشرة لؤلؤة كل واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة وسوق المدينة ذهب نقي كزجاج شفاف"... كما أن الامبراطورية كانت متسعة امتدت من حدود مصر إلى العراق، وكان الملوك المجاورون يتزلفون إلى سليمان بالهدايا والتقدمات والخدمة وكان الرعايا من اليهود أو الأمم على حد سواء، أما اليهود فكانوا أشبه بالرمل الذي على البحر في الكثرة أما الأمم فكانوا من ممالك متعددة تخضع لهذا الملك العظيم، وقد خلا حكم سليمان من الحروب الخارجية والمنازعات الداخلية، وسكن يهوذا وإسرائيل آمنين كل واحد تحت كرمته وتحت تينته من دان إلى بئر سبع كل أيام سليمان، كما امتلأت البلاد بالرفاهية والترف، ويبدو هذا من طعام سليمان اليومي وخيله ومربكاته، وألوان العظمة التي كان يرفل فيها... ولم يكن هذا كله إلا رمزاً لذاك الذي وصفه سليمان في المزمور الثاني والسبعين: "يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام، إلى أن يضمحل القمر ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. أمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب، ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة ملوك شبا وسبأ يقدمون هدية ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تتعبد له. لأنه ينجي الفقير المستغيث، والمسكين إذ لا معين له، يشفق على المسكين والبائس، ويخلص أنفس الفقراء من الظلم والخطف يفدي أنفسهم، ويكرم دمهم في عينيه، ويعيش ويعطيه من ذهب شبا... يكون اسمه إلى الدهر قدام الشمس يمتد اسمه ويتباركون به. كل أمم الأرض يطوبونه، مبارك الرب إله إسرائيل الصانع العجائب وحده ومبارك اسم مجده إلى الدهر، ولتمتليء الأرض كلها من مجده آمين ثم آمين"... أو الصورة الأخرى التي أشار إليها دانيال في القول: "وأما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها"... مجد الهيكل عندما بنى جستناين الامبراطور كنيسة أجا صوفيا. وكانت أعظم عمل قام به إلى جانب تجميع القانون الروماني البيزنطي، ودشنها عام 548م. رفع يديه نحو السماء وصرخ: مجداً لله الذي حسبني مستحقاً أن أقوم بعمل عظيم كهذا، ثم تلتفت حوله وصاح: لقد تفوقت عليك يا سليمان!!!.. وهو يقصد أن يقارن بين الكنيسة العظيمة التي بناها، وهيكل سليمان العظيم على أرض المريا،.. وحقاً كان الهيكل آية من آيات الفن والجمال.ومن صلاة سليمان نعلم أن الهيكل كان عنده أكثر جداً من الأبهاء والعظمة التي كانت لمبانيه، إذ كان المكان الذي يحمل اسم الله، ويرمز إلى حضوره،.. كما أنه كان مركز العبادة، والشركة، والأخوة التي تربط الشعب بإلههم، وببعضهم البعض،.. وهو المكان الذي يستطيع أن يتجه إليه خيال المنفي والمسبي، ومن ثم رأينا دانيال في السبي، وإن كان لا يراه بعينه المادية، أو يراه حطاماً في أورشليم، إلا أنه الرمز الذي تفتح في اتجاه الكوى، كمكان الغفران والتضرع والأمل،.. وقد أوضح الله لسليمان أن هذه المعاني جميعاً ستبقى ما بقيت الرابطة الروحية مع الله، فإذا تمسك الشعب الصورة المادية، فإن الله سيجعل إسرائيل مثلاً وهزأة في جميع الشعوب: "وهذا البيت يكون عبرة".. مجد الحكمة ومن العجيب أن امبراطورية سليمان ذهبت، وذهب معها الهيكل، تماماً كما ذهبت الامبراطورية الرومانية القديمة، وكنيسة أجا صوفيا، وبقيت حكمة سليمان في سفر الأمثال، والجامعة ونشيد الأنشاد، تماماً كما بقى القانون الروماني البيزنطي، والذي هو أبو القوانين الحديثة، وكان مفخرة جستينان عندما أمكنه تجميعه، ليحمي الحضارة الحديثة ويمدها بأعظم الصور القانونية في الأرض!!.. ومن الملاحظ دائماً أن الكلمة المكتوبة، أقوى من كل الأوضاع المادية، وأبقى وأخلد!!.. وإذا كان أبناء عصر سليمان، قد تعلموا الكثير من الحكمة في سعيهم إليه من هنا ومن هناك، من أبناء أمته أو الأمم الغريبة، كما سعت إليه ملكة سبأ، تستلهم منه الحكمة والمعرفة،.. فإن العصور بأكملها ما تزال إلى اليوم تنهل، وستنهل مما ترك سليمان في أسفاره الكتابية الثلاثة!!.. سليمان وتجاربه كان شكسبير يقول: إن الجهل في الحياة سبب كل تعاسة ومأساة، ولكن سليمان لم يكن جاهلاً، وقد سقط سقوطه الشنيع رغم حكمته العظيمة، لثلاث تجارب قاسية: دبلوماسية الحكم كانت الدبلوماسية في نظر چورچ ماثيسور، وهو يحلل شخصية سليمان هي السر في كل ما وصل إليه وأصابه،... وماثيسون يعتقد أن سليمان لم يجمع في قصره ألف امرأة لمجرد الشهوة الجنسية، مهما كانت رغبته فيها، بل أن سليمان نفسه والأمم الذي حوله بروابط سياسية، بهذا الجمع الحاشد من النساء، إذ جاء مع بنت فرعون بالموآبيات والعمونيات والأدوميات والصيدونيات والحثيات، وهو يخطط لذلك في الوصول إلى السلام مع جميع جيرانه، دون الحاجة إلى النزاع معهم ورفع السلاح في وجوههم!!.. كما أنه أراد أن يوحد الأمة من الداخل، وهو لا ينسى أن الأمة كانت أساساً تلتف حول عائلة شاول في سبط بنيامين. وأن الاتحاد الظاهري، يحمل في أطوائه جرثومة الانقسام التي لم تلبث أن ظهرت فيما بعد في أيام ابنه، وهو يريد أن يذيب كل انقسام وفرقة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يشغل الناس بالحصول على الثروة التي تغنيهم عن كل تفكير في نزاع داخلي ومن ثم عمد إلى التجارة فأنشأ أسطولاً ناجحاً وتبادل مع الأمم الذين حوله التجارة التي دفعت الأمة دفعاً قوياً إلى الأمام.. ومن ثم جعل -كما ذكرنا- الفضة في أورشليم مثل الحجارة، والأرز مثل الجميز الذي في السهل في الكثرة!!... وعندما ينشغل الناس بالثروة، ستنسيهم الثروة أي شيء آخر يمكن أن يكون موضوع اهتمامهم وانشغالهم على الإطلاق!!... بل لعله من الناحية الدينية قصد بأن يجمع الشعب حول الهيكل، إذ يصبون هناك حنينهم وأشواقهم وشركتهم، الأمر الذي أفزع خيال يربعام فيما بعد، فأراد أن يفصل إسرائيل عن يهوذا بتمثالي الذهب في بيت إيل ودان، ليمنع الشعب من العودة إلى أورشليم إلى الهيكل،.. وسقط سليمان في الفصل -بهذه الدبلوماسية- بين الحكمة النازلة من السماء، والحكمة النفسية الأرضية البشرية، ونسى سليمان أول درس في الحكمة أنها عطية الله، وليست ذكاء البشر!!.. ومن الغريب أن الرجل الذي قال: "توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد في كل طرقك أعرفه وهو يقوم سبلك".. لم يستطع أن يدرك هذه الحقيقة، وارتبط أول ما ارتبط بمصر وغيرا من الأمم، على العكس من القصد الإلهي والغاية من شعب الله نفسه،.. وحفر بذلك -وهو لا يدري- الهوة الواسعة التي تردي فيها أخريات حياته!!.. إن الحكمة الإلهية لمن يريد أن يأخذها هي أشبه الكل بالتيار الكهربائي سيظل قوياً جباراً متغلباً طالما كان مرتبطاً بأصل الكهرباء، فإذا انفصل عن هذا الأصل لأي سبب من الأسباب، فإنه يموت في نفس الدقيقة التي يتم فيها هذا الانفصال!!.. وقد حدث هذا -للأسف- في قصة سليمان، وأين سليمان الذي قيل عنه في مطلع حياته: "والرب أحبه" من سليمان الذي وصف في أخريات حياته: "فغضب الرب على سليمان"..! الترف واللذة كانت التجربة الثانية أمام سليمان تجربة الترف واللذة، وقد أفصح عن ذلك في الأصحاح الثاني من سفر الجامعة، على النحو العجيب الذي وصل إليه، وهل كان من المنتظر من الإنسان الذي قال في سفر أمثال لله: "أبعد عني الباطل والكذب لا تعطني فقراً ولا غنى أعطني خبز فريضتي لئلا أشبع وأكفر وأقول من هو الرب أو لئلا أفتقر وأسرق وأتذخ اسم إلهي باطلاً" هل كان من المنتظر وقد أغرق نفسه في الثورة بغير حدود، والتصق بالمحبة وبالعدو الهائل من الفساد، وبحث عن الشهرة هنا وهناك ألا تفعل حياة الترف واللذة فيه ما فعلت، فتحرقه كالشمعة، إذ يضعف أمام نسائه، فيملن قلبه ويبني لهن -إلى جانب هيكل الله- مرتفعات وثنية ليقدمن عليها ذبائحهن، ويموت في الستين من عمره، دون أن يتحقق له طول العمر، الوعد المشروط بالسير مع الله وفي صحبته، ولكنها حياة اللذة والترف التي كتب عنها في الأصحاح الأخير من سفر الأمثال: "كلام لموئيل ملك مسا علمته إياه أمه ماذا يا ابني ثم ماذا يا ابن رحمي ثم ماذا يا ابن نذوري لا تعطي حيلك للنساء ولا طرقك لمهلكات الملوك ليس بالموئيل ليس للملوك أن يشربوا خمراً ولا للعظماء المسكر لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة".. ومن المؤسف أن سليمان شرب من الكأس حتى الثمالة، ونسى كل المفروض عليه!!.. القسوة والعنف لقد بدأ حكمه وختمه بكل قسوة وعنف، لقد اعتقد أنه من الحزم أن يتخلص في مطلع حكمه ممن يظن أنهم سيقفون في طريق هذا الحكم، لم يوصه أبوه بقتل أدونيا أخيه، فعفا عنه حتى طلب أبيشج الشونمية الفائقة الجمال، وكان أدونيا -كما يعتقد الشراح- يقصد بخبث أن يعيد مركزه مع الشعب بأخذ امرأة أبيه وضمها إلى بيته، كما كانت عادة الملوك بضم النساء والسراري للملوك السابقين، ولهذا قال سليمان لأمه: "ولماذا أنت تسألين أبيشج الشونمية لأدونيا، فاسألي الملك لأنه أخي ولأبياثار الكاهن ويوآب ابن ضرويه".. وبطش سليمان بأخيه، وتحول أيضاً إلى يوآب، ثم بعد ذلك إلى شمعي بن جيرا، لكي يتخلص من كل من يمكن أن يكونوا مقاومين له في الخفاء أوالظاهر،.. ودفع سليمان الشعب إلى السخرة القاسية، وأقام له الرب في أخريات حياته الخصوم أمثال هد الأدوحي ورزون بن البيداع ويربعام بن نباط، وزرع سليمان بهذه القسوة والعنف ما حصده ابنه رحبعام بعد ذلك سريعاً!!.. كان سليمان حكيماً، ومع ذلك لم يستطع أن يدرك أن السيطرة الحقيقية للإنسان على آخر، لا يمكن أن تتم بالعنف والطغيان، بل بالرفق والمحبة!!.. وعجز الملك العظيم أن يصل إلى القلوب بمثل ما فعل من هو أعظم منه إذ استولى على قلوب تلاميذه وأتباعه بالمحبة العجيبة الفائقة الحدو!!.. سليمان ومصيره لا نستطيع أن نذهب ما ذهب إليه الكسندر هوايت في فقدان الرجاء في سليمان،.. من الحق أنه انحرف في أخريات حياته، وليس عن جهل، لقد تنكب الطريق، وانحرف وهو يعلم معنى الانحراف: "وكان في زمن شيخوخة سيلمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب كقلب داود أبيه".. لكن رجاءنا لا يرجع إلى شيء في سليمان نفسه بل إلى كل شيء في شخص الله، الذي وعد داود: "متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك أثبت مملكته، هو يبني بيتا لاسمي وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس، وبضربات بني آدم ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك ويأمن بيتك ومملكتك إلى الأبد أمامك كرسيك يكون ثابتاً إلى الأبد!!" ومع هذا الوعد ينصرف أساساً إلى بيت داود الذي سيبقى ثابتاً حتى يأتي منه المسيح مخلص العالم، حتى ولو تعوج بعض أبنائه، ممن سيعالج الله تعوجهم بالضربات والمتاعب والآلام،.. وإذ كان سليمان قد بنى المرتفعات لنسائه الغريبات، فمن المتصور أنه لم يسجد هو أمام هذه المرتفعات، وإنما فعل ليترك لهن حرية السجود كما يردن: وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن".. ومن المتصور أن سليمان كتب سفر الجامعة في أخريات حياته، وإذا كان الكسندر هوايت لم يستطع أن يكتشف توبة سليمان خلال أسفاره التي كتبها، فنحن على العكس من ذلك نرى رجلاً عاش وقتاً طويلاً يشرب من كأس العالم، محاولاً أن يرتوي من ملذاته الكثيرة المتعددة، ولكنه خرج باختباره المؤلم الحزين: "باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح".. ولعله -وهو يشرب من كافة المسرات والمباهج- قد تبين ما قاله السيد فيما بعد: "الذي يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ولكن الذي يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية"... وهو شديد اليقين بالدينونة الأبدية: "افرح أيها الشاب في حداثتك وليسرك قلبك في أيام شبابك واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة".. وقد ختم الجامعة بقوله: "فلنسمع ختام الأمر كله "اتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله. لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيراً أو شراً"...كان لورد بيكون من أعلى الناس فهماً ودراية وعلماً وحكمة، وكان أشبه بالحكيم القديم سليمان في حكمته وفي سقوطه أيضاً، لكنه وجدوا في مخلفاته في النهاية صلاة مرفوعة إلى الله يقول فيها: "أيها الرب الإله الكريم، أبي منذ صباي، وخالقي وفادي ومعزي، وأنت الإله الذي تتغور إلى أعماق القلوب، وتفحص أسرارها، وأنت تعرف المستقيم القلب، وتحكم على المنافق، وتأتي بأفكار الناس وأفعالها إلى الميزان، وتقيس نواياها بالمقياس الدقيق، ولا يمكن للطرق المتلوية أن تختفي عن عينيك، لقد أحببت يا رب محافلك، ونحت على الانقسامات في كنيستك، وسررت ببهاء مقدسك، وقد جعلت مخلوقاتك كتبي، ولكن الكتب المقدسة كانت قراءاتي، وقد بحثت عنك في دور القضاء، والحقول، والحدائق ووجدتك في هيكلك.. إن خطاياي تعد بالألوف، وتعدياتي بعشرات الألوف أيضاً، ولكن تطهيرك بقى لي، والتهب قلبي كالجمرة التي لم تطفيء بنعمتك على مذبحك،.. وكما تزايدت أفضالك عليَّ تزايدت أيضاً تصحيحاتك، وكلما كثرت امتيازاتي العالمية، كثرت سهامك السرية المصوبة إليَّ، وكلما ارتفعت أمام الناس تهاويت في وضاعتي أمامك، وأعترف أنني إلى جانب خطاياي التي لا تحصى مدين لك بالوزنات والنعم التي أغدقتها على، والتي لم أضعها في منديل، أو أستثمرها، بل استخدمتها أسوأ من ذلك فيما لا يفيد، حتى أضحت نفسي غريبة في بيت سياحتي،.. يا رب ارحمني، واهدني في طرقك، ثم خذني بعد ذلك إلى مجدك!!.. كان الكسندر هوايت يتمنى فيما يقدر أن يجد شيئاً من مخلفات سليمان يمكن أن يكون مثل هذه الصلاة، ونحن نعجب كيف لم يتنبه الواعظ الكبير، إلى الروح الغالبة في الجامعة، روح الإحساس العميق بالأسى والألم والبطلان في كل ما يمكن يخلف المجد العالمي، في أعماق النفس البشري، والصرخة الباكية في كل العصور: "باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح" روح الإفلاس الذي لم يعد يقدره الإنسان يجمعه سوى في تقوى الله وحفظ وصاياه: "لأن هذا هو الإنسان كله".. أجل ومرة أخرى إن رجاءنا في مصير سليمان لا يرجع إلى مجرد التمني ألا يضيع كاتب الأمثال والجامعة ونشيد الأنشاد، وبعض المزامير التي غنت للأجيال بمجد من هو أعظم من سليمان، وملكوته الأبدي الذي لا ينتهي،.. لكن الرجاء ينصب أولاً وأخيراً في وعد الله بالتأديب بقضيب الناس، وضربات بني آدم، دون انتزاع الرحمة من ذاك الذي قال أكثر من مرة، وهو أرحم الراحمين: "هوذا أعظم من سليمان ههنا"... له المجد الدائم الأبدي آمين.
المزيد
11 مايو 2022

الجسد الممجد مابين جسد القيامة وجسد الميلاد ج٢

6- هذا الجسد الممجد الروحاني هو الذي صعد إلي السماء.وعملية الصعود قد لا تتفق مع جسد مادي، يخضع لقانون الجاذبية الأرضية لأنه أثقل من الهواء. ولكنه صعد بجسد روحاني، يرتفع إلي فوق في مجد، وبنفس المجد يجلس عن يمين الآب.ونفس الجسد الممجد هو الذي سيأتي به في مجيئه الثاني "في مجده" (متى 25 31) بمجده ومجد الآب (لو 9: 26) وليس مجد الصعود أو المجيء الثاني مجرد معجزة بل هو وضع ثابت في طبيعته يستمر إلي الأبد. 7- وهذا الجسد الممجد هو الذي ظهر به لشاول الطرسوسي في طريق دمشق.إذ "بغتة أبرق حوله نور من السماء. فسقط علي الأرض وسمع صوتًا قال له شاول شاول لماذا تضطهدني؟ فقال من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده" (أع 9: 3-5).هذا الجسد الممجد هو نفس الجسد الذي ولد به من العذراء.ولكن جسده في ميلاده لم يكن في مجد قيامته.. ذلك لأنه في مولده كان قد "اخلي ذاته، آخذًا صورة عبد في شبه الناس" (في 2: 7). وعملية الإخلاء هذه انتهت بمجد القيامة والصعود. 8- جسد القيامة هو نفس جسد الميلاد.. ولكن في حالة من التجلي: أعطانا عربونًا لها علي جبل التجلي (مر 9: 2، 3) وكمثال للتشبيه، والقياس مع الفارق، حالة الثلاثة فتية وهم في أتون النار: جسدهم هو نفس الجسد، ولكنه وهب إلي حين لونًا من التجلي حفظه من أذية النار. فالقيامة للسيد المسيح، ولنا نحن أيضًا، بنفس وجسد الميلاد، ولكن بمجد أو في حالة من التجلي، يسبغ علي نفس الجسد طبيعة ممجدة فإذا به جسد روحاني. 9- ولكن البعض يسأل هل جسد المسيح أخذ طبيعته الممجدة بعد القيامة مباشرة أم بعد الصعود؟ أقول بل في القيامة ذاتها. وما الحالات التي أثبت بها ناسوته سوي حالة استثنائية لكي يؤمن التلاميذ أن جسده قد قام، وينشرون هذا الإيمان عن ثقة بقولهم "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1 يو 1: 1) "نحن الذين أكلنا، وشربنا معه بعد قيامته" (أع 1: 41).وفي غير تلك الحالات، فإن جسد القيامة الممجد لا يأكل، ولا يشرب طعامًا ماديًا، ولا يحتاج إلي ذلك، ولا بجوع ولا بعطش. كما أنه في الممجد لا يتعب، ولا يتألم، ولا يكون قابلًا للموت. 10- ومن الأدلة علي مجد جسد القيامة: دخوله وخروجه من المغلقات.فقد دخل العلية علي التلاميذ أكثر من مرة والأبواب مغلقة (يو 20: 19، 26). وفي قيامته خرج من القبر وهو مغلق. ولما أتي الملاك ودحرج الحجر عن فم القبر، كان ذلك بعد القيامة، لكي يري الكل القبر فارغًا (النسوة والتلاميذ وكل الناس فيما بعد)، وليس لكي يقوم المسيح، إذ كان قد قام والقبر مغلق.ومن أمثلة خروجه من المغلقات: خروجه من الأكفان والحنوط، مع بقائها علي حالها.وكان قد خرج من قبل من بطن العذراء. وهنا لعل البعض يسألون: هل السيد المسيح قد ولد بجسد ممجد كجسد القيامة؟ فنجيب: قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث وللحديث بقية  
المزيد
10 مايو 2022

قام ولكن

قام ولكن لم يقم أحد مثله: فقيامته كانت فريدة تختلف عن كل من قام في العهدين، سواء أقامهم هو أو أنبياء أو قديسين.. ففي كل معجزات أقامة الموتى في الكتاب المقدس نرى:أ. لم يقم أحد بقوته دون مساعدة، إلا السيد المسيح له المجد هو الوحيد الذي أقام ذاته بقوته الذاتية دون ان يطلب عنه أحد أو يصلي له أو يقف عند قبره أو يفتح له الباب.ب. كل من قام، قام بجسده الذي مات به، إلّا السيد المسيح الذي قام بجسده ولكنه تحول إلى جسد روحاني ممجد، كأول من قام بهذا الجسد، والذي سنقوم به كلنا في القيامة العامة، حيث سنقوم بأجسادنا ثم تتحول إلى هذه الصورة الروحانية لنستطيع أن نحيا بها في السماء.ج. أول من قام ولم يمت مرة أخرى، لأنه قام بجسد روحاني غير قابل للموت.د. وعلى الرغم من قيامته بجسد روحاني إلّا أنه احتفظ بآثار الجراح في جسده الممجد، وهي معجزة فريدة لن تتم مع أحد إلّا المسيح، فجميعنا سنقوم بلا عيوب.2. قام ولكن ليس الكل يستحق رؤيته:حينما قام كان يمكن أن يظهر لبيلاطس ورؤساء الكهنة والكتبة ومجمع السنهدريم لتوبيخهم على عدم قبوله وما فعلوه معه حتى موته... ولكن ليس الكل يستحق رؤية المسيح القائم، إنه لا يظهر إلّا لمن يريده ومن يحبه، ومن يقبله ومن يبحث عنه، أمّا من يرفضه فلا يفرض نفسه عليه... حقًا هو أحب العالم كله، ولكن لا يجبر العالم كله على الإيمان به أو رؤيته، بل إن كان أحد يريد أن يراه فهو يظهر له ذاته، ولكن من لا يريد فلا يستحق.. لذا فهوأ. ظهر لمريم المجدلية ومريم الأخرى لأنهما أكثر من ذهب لرؤيته.ب. ظهر لبطرس لإعادته لوضعه.ج. ظهر للتلاميذ أحبائه ليزيل خوفهم.د. ظهر لتلميذي عمواس ليردهم إلى التلمذة.ه. ظهر لتوما ليزيل شكّه.و. ظهر للتلاميذ وقضى معهم أربعين يومًا يعلّمهم ويسلمهم كل ما يختص بملكوت الله، والكنيسة وما فيها مِن طقوس وإيمانيات.ز. وقد يرى في بعض الناس استعدادًا فيظهر لهم مثل شاول الطرسوسي الذي كان يحتاج إلى تصحيح مسار.3. قام ولكن هل قمنا معه؟إن الموضوع طويل، ولكن يمكن تلخيصه في نقاط قليلة:أ. نقوم معه بالإيمان: من يحيا الإيمان الحقيقي هو القائم من الأموات؛ ومن يحيا الإيمان الحقيقي والثقة به في كل مواقف الحياة فلا يضطرب ولا يخاف من شيء، ولا يحزن على شيء، بل يحيا في الفرح الدائم.ب. نقوم معه بالمعمودية: إذ أن من يعتمد يموت معه، يقوم أيضًا معه.ج. نقوم معه بالتوبة: فإن كانت الخطية هي موت، فالتوبة هي قيامة.د. نقوم معه بالتناول: من يتناول يحيا إلى الأبد وهو يقيمه.ه. نقوم بالاحتمال: من يحتمل من أجل الرب ظلمًا أو تعبًا أو اضطهادًا أو ألمًا أو فراقًا أو مرضًا وقد حمل صليبه هذا بفرح وشكر، هذا سيفرح معه بقيامته.و. نقوم معه بالأمل والرجاء: فاليأس موت والأمل قيامة.ز. نقوم معه بالفرح: فكما أن الحزن موت، فالفرح هو أيضًا قيامة. نيافة الحبر الجليل الأنبا تكلا اسقف دشنا
المزيد
09 مايو 2022

عطايا القيامة

إن هذه القيامة القوية، سكبت فى البشرية قوة القيامة، ومنحتها عطايا عجيبة، ما كان ممكناً أن نحصل عليها لولا أنه مات وقام، وأقامنا معه. ومن عطايا القيامة أنها: 1- سحقت الموت: فمع أن الخطية نتج عنها حكم الموت، وهكذا "وضع للناس أن يموتوا مرة، وبعد ذلك الدينونة" (عب 27:9)، والموت هنا هو الموت الجسدى، وهو غير الموت الروحى أى الإنفصال عن الله، والموت الأدبى، إذ تهين الخطية الإنسان، فيسقط فريسة للشيطان، وحتى جسده يموت بالأمراض والكوارث والشيخوخة، كما يختلف أيضاً عن الموت الأبدى، العقاب النهائى للخطية، "تأتى ساعة حين يسمع جميع من فى القبور صوته، فيمضى الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 29:3). هنا الموت الرباعى انهزم، وسحق تماماً بقيامة المسيح إذ "أقامنا معه وأجلسنا معه فى السمويات" (أف 6:2).. فهو الذى قال: "من آمن بى، ولو مات فسيحيا" (يو 25:11).. "إنى أنا حىَ، فأنتم ستحيون" (يو 19:14.وهكذا انتهى الموت إلى الأبد، وصار هتاف المؤمنين: "أين شوكتك ياموت؟ أين غلبتك ياهاوية" هو 14:13. 2- هزمت الشيطان إذ قال الرب قبل صلبه: "رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء" (لو18:10)، كما قال أيضاً: "رئيس هذا العالم يأتى، وليس له فىَ شئ" (يو30:14). "الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً" (يو31:12).وهكذا لم يعد للشيطان الساقط سلطاناً على البشر، ما لم يعطوه هم هذه الفرصة. بل أن الرب طلب منا أن نقاوم إبليس... "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع 7:4)، ووعدنا قائلاً: "إله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً" (رو 20:16).لهذا فما أعجب الذين يسلمون أنفسهم بإرادتهم للشيطان، وهم يعرفون أنه "الحية القديمة"، "إبليس"، "المقاوم"، "عدو الخير"، "الكذاب وأبو الكذاب"!!! وما أعجب الذين يخافون منه، فيظنون أنه قادر أن يؤذيهم بسحره وأعماله الشيطانية، وينسون قدرة الرب الساحقة وسلطانه المطلق على الكون، بكل ما فيه، وبكل من فيه!! بل ما أعجب الذين يلجأون إليه لحل مشكلاتهم فى الزواج، وفى العلاقات، والمعاملات اليومية، لأنهم بهذا يعلنون عدم إيمانهم بالله، ويعطون الشيطان مكان المعبود والملجأ، وهو الذى يهلك تابعيه، ثم يقف ويقهقه فرحاناً بهلاكهم!! ناهيك عن أولئك المساكين الذين يعبدون الشيطان، فى ضلالة جديدة، زحفت على العالم، حتى وصلت إلى مصر!! 3-أبطلت الخطيئة فالقيامة المجيدة كانت وسيلة خلاص الإنسان، لأن الرب يسوع "مات لأجل خطايانا وقام لأجل تبريرنا" (رو 25:4). لأنه بفدائه العجيب: أ- مات عوضاً عنا، فرفع العقوبة عن كاهلنا... ب- وجدَّد طبيعتنا بروحه القدوس، فصرنا أبناء الله... "أما شوكة الموت فهى الخطية، وقوة الخطية هى الناموس" (1كو 56:15)... بمعنى أننا حينما نسقط فى الخطية، نصير تحت حكم الناموس الذى يقول: "أن أجرة الخطية هى موت" (رو 23:6). ولكن "شكراً لله الذى يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (1كو 57:15)، الذى جعل الرسول بولس يهتف قائلاً: "أن الخطية لن تسودكم، لأنكم لستم تحت الناموس، بل تحت النعمة" (رو 14:6)، وهكذا أبطلت قيامة المسيح، سلطان الخطيئة علينا. 4- أثبتت ألوهية المسيح: لأنه حينما قام الرب: . بقوته الذاتية... . وقام بجسد نورانى... . وقام ولم يمت ولن يموت إلى الأبد...أثبتت هذه الأمور جميعاً أنه الإله الذى "ظهر فى الجسد" (1تى 16:3).كما أثبت الرب قوة لاهوته فى مواضع أخرى كثيرة، حينما أرانا: 1- سلطانه المطلق: . على الموت... حينما أقام الموتى حتى وهو ميت على الصليب (مت 52:27). . على المرض... حينما شفى أعتى الأمراض المستعصية (مت 18:9-26). على الخلق... حينما خلق عيناً من الطين وحوَل الماء إلى خمر (يو 1:9-34 ، يو 1:2-11). . على الأفكار... حينما عرف أفكار اليهود والتلاميذ دون أن يخطروه (لو 24:22). . على المستقبل... حينما أنبأ بخراب أورشليم وصلب بطرس (مت 37:23-39). . على الغفران... حينما غفر للمفلوج والزانية (لو 36:7، يو 2:8-11). . على الشيطان... حينما أخرجه بكلمة وحتى بدون كلمة!! (لو 18:17 - مر 29:7). . على الطبيعة.. حينما انتهر الرياح والموج ومشى على الماء وجعل بطرس يمشى عليه أيضاً (مت 26:8 - مت 28:14-32). . على النبات... حينما لعن التينة فيبست من الأصول (مت 9:21 - مر 20:11). . على الحيوان... حينما سمح للشياطين بدخول الخنازير (لو 18:17). . على الجماد... حينما بارك الخبزات وأشبع الألوف (مت 19:14). 2- قداسته المطلقة : فهو الذى "لم يعرف خطية" (2كو 21:5، 1بط 22:2)، وقد تحدى اليهود قائلاً: "من منكم يبكتنى على خطية؟!" (يو 46:8)، فانسدت الأفواه، وانعقدت الألسنة.ومعروف أنه ليس هناك إنسان واحد بلا خطيئة... وقديماً قال باسكال: "إن وجدنا إنساناً بلا خطية، فهذا هو الله آخذاً شكل إنسان"... وبالفعل كان الرب يسوع بلا خطية، مما يؤكد ألوهيته المجيدة. 3- حياته الخالدة : فالرب يسوع مولود منذ الأزل، "مولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق" (قانون الإيمان). وبعد أن تجسد لخلاصنا، ومات وقام، ها هو حى إلى الأبد ولم يحدث فى التاريخ أن عاش إنسان بعد موته، حتى إذا ما أقيم من الأموات، فذلك لفترة بسيطة لمجد الله، ثم يموت ثانية. أما السيد المسيح فهو "الحياة"... أصل الوجود، وواجب الوجود، إذ "فيه كانت الحياة" (يو 4:1)، وهو الذى قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 6:14)... "أنا هو القيامة والحياة" (يو 25:11). 4- فتحت لنا الفردوس: لأن السيد المسيح حينما مات على الصليب، نزلت نفسه الإنسانية المتحدة بلاهوته إلى الجحيم، ليطلق أسر المسبيين هناك، الذين كانوا فى انتظار فدائه المجيد. لهذا يقول الرسول بولس: أن المسيح له المجد "نزل أولاً إلى أقسام الأرض السفلى، ثم صعد إلى العلاء، وسبى سبياً، وأعطى الناس عطايا" (أف 8:4،9.كما يقول معلمنا بطرس: "ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن" (1بط 9:3).لهذا ترنم الكنيسة يوم القيامة قائلة:"يأكل الصفوف السمائيين،رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح،وابتهجوا معنا اليوم فرحين،بقيامة السيد المسيح،قد قام الرب مثل النائم،وكالثمل من الخمرة،ووهبنا النعيم الدائم،وعتقنا من العبودية المرة،وسبى الجحيم سبياً، وحطم أبوابه النحاس...".ولهذا أيضاً قال الرب للص اليمين: "اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو 42:23)... وتقضى الكنيسة ليلة سبت الفرح، بعد أن انفتح الفردوس، وهى تسبح للمخلص، وتفرح بالخلاص، وتتلو أناشيد الخلاص فى العهدين: القديم والجديد، ثم تقرأ سفر الرؤيا لترى شيئاً مما رآه الحبيب .!! 5- أعطتنا الجسد النورانى: لأن الرب "سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (فى 20:3). فهذا الجسد الكثيف الذى نلبسه الآن، هو من التراب، ولكنه سيلبس صورة سمائية حينما يتغير، ويتمجد، ويصير روحانياً، نورانياً.وها أمامنا اللوحة المجيدة التى رسمها لنا معلمنا بولس الرسول حينما قال: "لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله، سوف ينزل من السماء، والأموات فى المسيح سيقومون أولاً، ثم نحن الأحياء الباقين، سنخطف جميعاً معهم فى السحب، لملاقاة الرب فى الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس 16:3،17).وهو نفس السر الذى كشفه لنا الرسول بولس حينما قال أيضاً: "هوذا سر أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكن كلنا نتغير. فى لحظة، فى طرفة عين، عند البوق الأخير، فإنه سيبوق، فيقام الأموات عديمى فساد، ونحن نتغير. لأن هذا (الجسد) الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد، ولبس هذا المائت عدم موت، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ابتلع الموت إلى غلبة" (1كو51:15-54).وهكذا "نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يو 2:3). "ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2كو 18:3).وواضح أن التشابه هنا هو فى جسد القيامة، وما سيعطيه الرب إياه من قداسة وخلود، وليس فى شئ آخر، فسوف يظل الله هو الله، والبشر هم البشر، ولكن مجددين ومقدسين بالروح القدس. نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل