المقالات
29 أبريل 2022
ما هي أهمية قيامة المسيح؟
الجواب
تعتبر قيامة المسيح مهمة لعدة أسباب. أولاً، لأنها تشهد عن قوة الله العظيمة. فالإيمان بالقيامة يعني الإيمان بالله. فان كان الله موجوداً، وقد خلق الكون وله السلطان عليه، إذاً يكون له السلطان على إقامة الأموات. وإن لم يكن له هذا السلطان، فهو غير ولا يستحق إيماننا أو عبادتنا. فالذي خلق الحياة ويستطيع إقامة الموتى، هو الوحيد القادر أن يغلب الموت، وهو الوحيد الذي يستطيع أن ينزع شوكة القبر وينتصر عليه (كورنثوس الأولى 15: 54-55). فبإقامة يسوع المسيح من الموت، يذكرنا الله بسلطانه المطلق على الحياة والموت.قيامة المسيح مهمة أيضاً لأنها تثبت مصداقية ما قاله المسيح عن نفسه من يكون، وبالتحديد، أنه إبن الله والمسيا المنتظر. وبحسب ما قاله المسيح، فإن قيامته من الموت كانت "علامة من السماء" تثبت مصداقية خدمته (متى 16: 1-4). لقد شهد المئات من شهود العيان على قيامة المسيح (كورنثوس الأولى 15: 3-8)، وتعطينا قيامته دليل لا يدحض على كونه هو مخلص العالم.سبب آخر لأهمية قيامة الرب يسوع المسيح هو أنها تثبت طبيعته الإلهية وكونه بلا خطية. تقول كلمة الله أن "قدوس الله" لن يرى فساداً (مزمور 16: 10)، ويسوع لم يرى فساداً أبداً، حتى بعد موته (أنظر أعمال الرسل 13: 32-37). وعلى أساس قيامة المسيح كرز الرسول بولس قائلاً: "فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَّهُ بِهَذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا وَبِهَذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى" (أعمال الرسل 13: 38-39).ليست قيامة المسيح إثباتاً لمصداقية ألوهيته فقط؛ بل تثبت أيضاً مصداقية نبوات العهد القديم التي تنبأت بآلام المسيح وقيامته (أنظر أعمال الرسل 17: 2-3). كما أن قيامة المسيح تثبت ما قاله بأنه سوف يقوم في اليوم الثالث (مرقس 8: 31؛ 10: 34). لو لم يكن المسيح قد قام، فلا رجاء لنا أن نقوم نحن أيضاً. في الواقع، بدون قيامة المسيح ليس لنا مخلص أو خلاص أو رجاء للحياة الأبدية. وكما قال بولس الرسول، يكون إيماننا "باطلاً"، والإنجيل بلا قوة، وخطايانا بلا مغفرة (كورنثوس الأولى 15: 14-19).قال الرب يسوع: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا 11: 25)، وفي هذه العبارة يقول أنه هو مصدر كليهما. لا توجد قيامة بمعزل عن المسيح، ولا حياة أبدية. المسيح يعمل أكثر من أن يمنح الحياة؛ هو نفسه الحياة، ولهذا لا يملك الموت سلطاناً عليه. ويسوع يمنح الحياة لمن يثقون به، حتى نستطيع أن نشترك معه في إنتصاره على الموت (يوحنا الأولى 5: 11-12). فنحن الذين نؤمن بالرب يسوع المسيح سوف نختبر القيامة شخصياً لأن لنا الحياة التي يمنحها لنا المسيح وقد غلبنا الموت. من المستحيل أن يغلبنا الموت (كورنثوس الأولى 15: 53-57).الرب يسوع المسيح هو "بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ" (كورنثوس الأولى 15: 20). بكلمات أخرى، قاد المسيح طريق الحياة بعد الموت. وقيامة المسيح مهمة كشهادة على قيامة البشر، التي هي أحد الأعمدة الأساسية في الإيمان المسيحي. فالمسيحية تنفرد بأن مؤسسها قهر الموت ويعد كل أتباعه أن يكونوا مثل سيدهم. كل الأديان الأخرى التي أسسها رجال أو أنبياء كانت نهايتهم في القبر. أما نحن كمسيحيين فنعلم أن الله صار إنساناً، ومات عن خطايانا، وقام في اليوم الثالث. ولم يستطع القبر أن يوقفه. وهو حي ويجلس اليوم على يمين الآب في السماء (عبرانيين 10: 12).تقدم كلمة الله ضمان قيامة المؤمن عند مجيء المسيح لإختطاف الكنيسة. وهذا اليقين ينتج عنه ترنيمة إنتصار عظيمة يكتبها الرسول بولس في رسالة كورنثوس الأولى 15: 55 "أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" (أيضاً هوشع 13: 14).
إن أهمية قيامة المسيح لها تأثير على خدمتنا للرب الآن. يختم الرسول بولس خطابه حول القيامة بهذه الكلمات: "إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ" (كورنثوس الأولى 15: 58). فلأننا نعلم أننا سوف نقام إلى حياة جديدة، يمكننا إحتمال الإضطهاد والخطر لأجل المسيح (الآيات 30-32)، مثلما تحملها الرب يسوع. وبسبب قيامة المسيح، إستبدل الآلاف من الشهداء المؤمنين عبر التاريخ حياتهم الأرضية طوعاً بحياة أبدية وموعد القيامة من الأموات.القيامة هي الإنتصار والغلبة المجيدة لكل مؤمن. لقد مات المسيح، ودفن، وقام في اليوم الثالث كما هو مدون في كلمة الله (كورنثوس الأولى 15: 58). وهو سيأتي ثانية! سوف يقام الموتى في المسيح، والأحياء وقت مجيئه ستعطى لهم أجساد جديدة وممجدة (تسالونيكي الأولى 13:4-18). فما سبب أهمية قيامة المسيح؟ إنها تثبت من هو يسوع. كما توضح قبول الله لتضحية المسيح من أجلنا. وتثبت قدرة الله على إقامة الأموات. وتؤكد لنا أن أجساد الأموات الذين يؤمنون بالمسيح لن تظل مائتة، ولكنها سوف تقام إلى الحياة الأبدية.
المزيد
28 أبريل 2022
شخصيات الكتاب المقدس زوجة فوطيفار
زوجة فوطيفار
«أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف»
مقدمة
لست أعلم لماذا جاءت هذه القصة مبكرة علي الصفحات الأولى من كتاب الله ولماذا حرص الوحي على أن يوردها على هذه الصورة على المسرح رغم ما فيها من دقة وقسوة وحساسية!!؟ هل يرجع الأمر إلى أن قضية الجنس هي واحدة من أهم القضايا وأعمها بين بني الإنسان إلى الدرجة التي جعلت عالم النفس الكبير فرويد يرد كل شيء في حياة البشر إليها!!؟
كما أن كتاب التاريخ والقصصيين والمثالين والمصورين والممثلين على شتى مسارح الدنيا يكادون في كل مكان وزمان يمدون الأصبع جميعًا ويشيرون إلى المثل الشائع المعروف: فتش عن المرأة!!.. أم لأن الصورة كما رسمتها القصة القديمة جاءت حافلة بأعمق الألوان في النور أو الظل على حد سواء. فاذا كانت أساطير اليونان، وهي تعرض لنا قصة هرقل ممن يعدونه أعظم أبطال اليونان، وكان عبدا لأحد الملوك، قد جلس على قارعة الطريق محزونًا متضايقًا مكروبًا في صدر شبابه، واذا بفتاتين حسناوتين تتقدمان إليه.. الأولى بحياة ممتلئة بالبهجة والرخاء والمسرة واذا يسألها عن اسمها تجبه أنا اللذة، وإن كان الأعداء يلقبونني آسم آخر هو الرذيلة!!... أما الثانية فقد أصدقته القول بأنها لا تستطيع أن تعطيه ما زعمت أو ادعت الأخرى إلا أنها يمكن أن توفر له حياة أفضل وأجمل متعة وممتلئة بالكفاح والحق والبطولة والشرف، واذ سألها ما اسمها أجابت: «الفضيلة!!.. ورفض هرقل نداء الرذيلة، ليسير في صحبة الفضيلة كل أيام حياته، ويضحي صديق البائس والمنكوب والمعوز والمحتاج والبطل الأسطوري الأعظم عند اليونانين جميعًا وهوذا أعظم من هرقل ههنا! هذا يوسف الذي صاح صيحته المدوية، وهو عبد في مواجهة التجربة، كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله!! على أن القصة من الجانب الآخر، تعرض كيف يكسب الشر المعركة، ولكنه مع ذلك يخسر الحرب، كما حدث مع الشاب القديم الذي خرج من الحبس لا ليستمتع بحريته فحسب بل ليعوض عما ناله من حيف وظلم على الصورة التي أضحت مع الزمن مثلا وعظة وعبرة لكل من يريد أن يتعظ ويتعلم ويعتبر وها نحن نعرض القصة من جوانبها التالية:
الزوجة وسر التجربة
من الأقوال المأثورة للفيلسوف سينكا: إن الإنسان لا يموت ولكنه يقتل نفسه، وقال أحد الكيميائيين المعاصرين إن الإنسان ينتحر بالشوكة والسكين والمعلقة، يقصد بما يتناوله من طعام، فإذا كان سينكا يتحدث عن الموت من وجهته السياسية، أو الاجتماعية، أو الأدبية، فان الإنسان قد يموت موتًا أفظع وأرهب وهو ينصب الشراك لنفسه من الوجهة الروحية. ولعل تجربة هذه المرأة القديمة، قد اشترك فيها ثلاثة، يدرون أو لا يدرون وهم يوسف وفوطيفار والمرأة نفسها ولعل التجربة بدأت من اللحظة التي دخل فيها يوسف هذا البيت إذ كان كما نعلم، على أروع صورة من الحسن والبهاء والجمال، كفتى في أول خطى الشباب، في السابعة عشرة من عمره، على أنه كان أكثر من ذلك، حلو الحياة، خفيف الظل، سريع الحركة، جميل اللفظ، مدبراً، مفكرًا، عاقلاً، وديعًا، متواضعًا، وكان طوال عشر سنوات، قضاها في بيت فوطيفار أشبه بالقمر الجميل وهو يزداد تألقًا ونوراً وهو يتحول من الهلال إلى البدر، وغير خاف أن المرأة وهي ترقب هذا الجمال كانت تضعف يومًا وراء يوم عن مقاومة ما فيه من قوة رهيبة وسحر غلاب، ومصيدة الجمال ما تزال إلى اليوم في كل جيل وعصر من أخطر وأقسى المصايد التي يسعى إليها الناس بدون مقاومة كما تسعى الفراشة إلى حتفها في النور الذي يقتلها في التو واللحظة، على أن الثاني الذي شارك في التجربة كان فوطيفار نفسه، وأغلب الظن أنه وقد وثق في يوسف ووجد فيه الوكيل الأمين الصالح في الحقل أو البيت معًا، انصرف إلى عمله في بيت فرعون واستغرقه ذلك العمل حتى لم يجد متسعًا من الوقت في بيته إلا ليأكل أو يشرب أو ينام. وهكذا انصرف عن زوجته وهو لا يدرك كما ينصرف الكثيرون من الأزواج الذين ينسون أو يهملون حق البيت أو الزوجة أو الأولاد تحت ضغط ما يقال عنه الواجب أو زحمة الأعمال، مع أن واجبهم الأول المقدس - الذي لا يقل إن لم يتفوق علي كل واجب آخر - هو رعاية من لهم حتى لا يأتي ذلك اليوم الذين ينتبهون فيه، ولكن بعد ضياع الفرصة أو فوات الأوان إلى الخراب والضياع والكارثة التي ألمت بهم ببيوتهم وهم لا يدرون، على أنه إذا كان يوسف وفوطيفار مشتركين وهما لا يدريان في هذه التجربة فإن المرأة نفسها كانت أكثر الكل تقترب من التجربة أو تسعى إليها بنوع الحياة الذي كانت عليه أو عاشته في ذلك العصر، فبيتها كان ولاشك واحداً من البيوت الغنية الظاهرة المعروفة والذي اتسعت ثروته على يدي ذلك العبد الجديد الذي اشتراه فوطيفار. وأصيب البيت بما يمكن أن تصاب به بيوت الأغنياء من ترف وتنعم وما يمكن أن يلحقها من أدناس وخطايا وعيوب ومحن، ومما لا شبهة فيه أن ظاهرة الثراء تسبق على الدوام ما يمكن أن يصاب به المجتمع من تحلل وتعفن وضياع وتجارب!! وقديمًا وصف عاموس قومه من نساء ورجال بأقسى ما يمكن أن يوصف به الناس إذ وصف النساء ببقرات باشان اللواتي يعشن عيشة حيوانية. كما وصف الرجال بما هو أشبه اذ قال: «المضطجعون على أسرة من عاج والمتمددون على فرشهم والآكلون خرافًا من الغنم وعجولاً من وسط الصيرة الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان».ومهما كان بين هذه العصور بعضها والبعض أو بينها وبيننا المئات أو الآلاف من السنين عبر الزمن أو الأجيال فان الظاهرة الملحوظة أن التاريخ يعيد نفسه، وكلما ازداد الناس من الثراء والترف والتمتع كلما اقتربوا أكثر من الخواء الروحي والضياع النفسي. ولعلنا ندرك بعد هذا كله لماذا سقطت زوجة فوطيفار في مثل هذه التجربة الشريرة التعسة المحزنة.
الزوجة وقسوة التجربة
ولا شبهة أن التجربة كانت قاسية بالغة القسوة تحمل في أركانها وحواشيها كل ما يمكن أن يجعلها أشبه بالبركان المندفع الثائر المتفجر، فقد كان هناك أولاً وقبل كل شيء.. الشباب والشباب بكل ما يمكن أن يحمله التعبير من المغزى أو المعنى ومع أننا لا نعلم عمر المرأة في ذلك الوقت إلا أننا نعلم أن يوسف كان في عنفوان القوة والحيوية والشباب وليس الشباب في الواقع كما صوره أحدهم إلا برميلا من بارود، على استعداد الانطلاق عند أي شاب أو شابة متى مسته النار أو اللهب وتزداد التجربة وتتصاعد إذا كانت ظروف الحياة وطبيعة العمل تقرب على الدوام بين الشعلة والبارود كما في قصة يوسف فاللقاء اليومي المتكرر والتعامل الدائم المستمر والاقتراب المتكاثر واللمس والرؤية والنظر والحديث والكلام هي بعض أسلحة الشيطان في الإثارة والغواية والإسقاط وقد تؤثر البيئة أو الثقافة أو الثروة أو التربية أو الجو أو ما أشبه من سرعة الاشتعال أو بطئه، ولكن الشاب هو الشاب، والتجربة هي التجربة، والخطية دائمًا قتلاها أقوياء، فلا يتصور أحد أنه في منعة أو قوة أو حصانة تجاهها فاذا كانت الخطية قد اسقطت شمشون وهو مضرب المثل في القوة، وأوقعت بداود، الذي قلبه حسب قلب الله، وانتصرت على سليمان، وهو الحكيم الواسع الحكمة والإدراك، فإنها بالأولى تستطيع أن تقضي على من هم أقل قوة ونقاء وحكمة، على أن التجربة كانت أكثر من ذلك شدة إذ كان يوسف عبدا مملوكًا لسيدته يؤمر فيطيع ويطلب فيخضع وكان في تصور المرأة أنها تستطيع أن تفعل به ما تشاء وتنال منه ما تريد وإن كانت تحولها الزلة في الواقع إلى المركز العكسي إذ تصبح الأمة المستعبدة الذليلة لأن كل من يفعل الخطية هو عبد لها. أما يوسف فقد قست التجربة عليه من هذا القبيل وطال به الزمن عشر سنوات من ذلك اليوم الذي استبدل فيه الحرية والعز والمجد وحضن أبيه، بما يعيش عليه في بيت فوطيفار من حياة مهما قيل في وصفها، فهي على أي حال لا يمكن أن تعدو حياة العبد الغريب الضائع المشرد ولعل المعارك التي يخوضها الغريب المتألم المتضايق مع نفسه هي أقسى المعارك وأشدها قاطبة مع النفس، وأكثر من الكل أن التجربة جاءت في العزلة في الوحدة والظلام ولم تأت مرة واحدة بل أخذت طابع الإلحاح والتكرار يومًا بعد يوم كما تذكر القصة الكتابية. وكل هذه قد جعلها واحدة من أقسى المعارك النفسية التي يمكن أن تحدث في حياة المؤمنين أو غير المؤمنين على حد سواء!!...
الموقف الفاصل في التجربة
على أن التجربة قد فصلت فصلاً حاسمًا بين الشاب والمرأة وأغلب الظن أن الفاصل كان مزدوجًا اذ كان فيه عنصر إلهي وآخر بشري، أما العنصر الإلهي فقد ظهر في تلك الصيحة المدوية التي رنت في كل الأجيال: «فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله». لقد رأى يوسف - على العكس من المرأة - شخص الله فنجا من التجربة وانتصر عليها. ولقد صنعت له الرؤيا حواجز عالية كان من المستحيل عليه أن يتخطاها لتتحول التجربة إلى خطية، كان هناك حق الله عليه وهذا الحق يسبق على الدوام كل حق آخر ويعلو عليه وأن كان عبداً لفوطيفار أو زوجته وأن كان جسده قد اشترى بعشرين من الفضة إلا أن هذا الجسد ليس في الأصل ملكًا له أو لفوطيفار أو زوجة فوطيفار بل هو ملك لله وليس له أن يتصرف فيه إلا وفقًا لمشيئة المالك عز وجل، وأنه إذ يتصرف هكذا يعطي المجد لسيده، ولا يتعدى على حقوق الآخرين، أيضًا وهو يأبى لهذا أن يختلط حقه بحق الزوج أو يتعدى عليه ولذا نسمعه يقولك «ولم يمسك عني شيئًا غيرك لأنك امرأته»... ولو أمكن البشر جميعًا أن يدركوا هذه الحقيقة لأضحى مجد الله بين الناس هو الأساس الفعلي لكل ما يمكن أن يجدوه من حق وخير وعدل وكمال، وكانت هناك قداسة الله التي لا يمكن أن تلتقي بالشر أو ترضى عليه بل تتعارض معه وتتنافر تنافرًا دائمًا أبديًا، مع أن خطية الدنس لم يكن لها الحسبان الكثير في ذهن الناس في ذلك الوقت بل كانت شيئًا يكاد يكون عاديًا في الظلام الوثني القديم إلا أن يوسف لم يرها شرًا فحسب بل شرًا عظيمًا يخطيء فيه إلى الله قبل أن يخطيء إلى الناس، وإلى جانب حق الله وقداسته هناك عدالة الله بصفته الحاكم الأدبي الذي يحكم بين الناس جميعًا على ما يمكن أن يفعلوه أو يخرجوا به على ما أبدع من نظم أو شرائع أو نواميس، ولا يمكن لأي إنسان أن يخرج على هذه العدالة دون أن يلاحقه قصاص الديان العادل المقتدر الحكيم. ولم يستطع يوسف وقد رأي هذه الحواجز جميعًا تنهض في الطريق أن يتجاوزها أو يتعداها على العكس من المرأة التي لم تر الله فرأت التجربة واندفعت في طريقها كما يندفع الأحمق الأرعن المجنون.ولعل هذا يأتي بنا إلى الجانب البشري الفاصل في التجربة وهنا أيضًا اختلفت زوجة فوطيفار عن يوسف، أما هي فقد انتهزت السرية والعزلة والظلام وهي تعلم أنها أقرب الطرق وأيسرها إلى السقوط والانحدار والضياع، أما هو فقد رأى في الخروج والهروب والتباعد السبيل الحق إلى الخلاص والنجاة والانتصار الكامل على ما قد يراوده من ضعف شخصي أو إغراء شيطاني.وفي الحقيقة أن التاريخ لم يعرف حتى اليوم سبيلاً أفضل لمقاومة الشر والفساد والمجون والتجربة غير رؤية الله والهروب بعيداً وبأقصى ما نملك من قوة أو سرعة عن مجالها ومكانها وميدانها ودائرتها...
الزوجة والجزاء بعد التجربة
ولا يمكن أن نختم قصة هذه المرأة دون أن نرى الصور المتتابعة المتلاحقة لما سمح به الله أو أراد للمرأة والشاب معاً، أما الصورة الأولى فقد كانت محزنة مفجعة قاسية إذ هي الجزاء المعكوس والمقلوب الذي يحدث في العادة فيرتفع فيه الظلم إلى أعلى ويداس الحق والبر والشرف والقداسة تحت الأقدام ومع أن بعض الشراح يعتقدون أن فوطيفار شك كثيرًا في رواية زوجته إلا أنه آثرا أن يغطي الفضيحة والعار فيسجن العبد وهو يعلم أنه مظلوم ليبقى على سمعة زوجته ومركزها بين الناس، وأيا كان الأمر فان السؤال الذي يثور على الدوام لماذا يسمح الله أن تعلق الفضيلة على الخشبة في الوقت الذي تنطلق فيه الرذيلة ماجنة معربدة فاسدة شريرة!! هل يرجع لأن الفضيلة لابد أن تدفع ضريبتها في هذا العالم الحاضر الشرير!! أم لأن أبناء الله ينبغي أن يعطوا المجد لله لا في الجنة الناعمة فحسب بل في الأتون القاسي أيضًا؟ أم لأن الله يقصد أشياء أخرى أبعد كالامتحان أو التدريب أو ما أشبه!! أم لأنه يريد أن يؤكد أن الشر قد يكسب جولاته الأولى لكن الخير لابد أن ينجح وينتصر على صورة أعظم وأمجد وأجل!!
ومهما يكن الجواب الذي نسمعه أو نعطيه فأننا نعلم أن يد الله كانت هناك وأن قوته ونعمته وحكمته كانت تعمل طوال الوقت خلف الستار على أنها عندما أعطت الجزاء العادل لم تعطه خفياً بل كان علانية أمام الكل وخرج يوسف من السجن لا ليرد اعتباره وحريته وشرفه فحسب بل ليصبح العبد سيداً والمرءوس رئيسًا، والبيت الذي ساد واحداً من الأتباع والرعايا.ومع أن القصة لا تكشف عما فعل يوسف مع هذا البيت فيما بعد إلا أنها تعلم بكل وضوح وجلاء عما قاله الجامعة فيما بعد: «إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر لأن فوق العالي عاليا يلاحظ والأعلى فوقها!!...» كما تعلن أن الفضيحة التي يحاول الإنسان أن يسترها داخل البيت قد لا تخرج خارجه فحسب بل تذهب عبر الأجيال والتاريخ إلى أبعاد لا يمكن تصورها: «لأنه ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفى لن يعرف!!».
المزيد
27 أبريل 2022
عن قيامة المسيح
قيامة المسيح حقيقة ذات أهمية كبري. فالمسيح هو الإنسان الوحيد الذي مر من علي وجه هذه الأرض و الذي أعْتُقِدَ أنه قد مات، و لكنه قام من بين الأموات و هو الآن حي إلي الأبد. إذ أنه قال بنفسه:سفر الرؤيا 1: 18" كنْتُ مَيْتاً ، وَلَكِنْ هَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِين."هدف هذا المقال هو إيضاح حقائق قيامة المسيح أولاً، ثم إظهار شهود قيامته و أخيراً إيضاح الآثار العظيمة التي كانت لقيامته.
1. قيامة المسيح: الحقائق
لكي نري ما تقوله كلمة الله عن قيامة المسيح، فدعونا نبدأ من مرقس 16: 1- 6" وَ لمَّا انْتَهَي السَّبْتُ، اشْتَرَتُ مَرْيَمُ المَجْدَليَّةُ وَ مَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَ سَالُومَةُ طُيُوباً عِطْرِيَّةَ لِيَأتِينَ وَ يَدْهُنَّهُ. وَ فِي الْيَوْم الأَوَّل مِنَ الاسْبُوع ، أَتَيْنَ إلي القَبْرِ بَاكِرَاً جِدَّاً مَعَ طُلوع الشَّمْس. وَ كُنَّ يَقُلْنَ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضِ: "مَنْ يُدَحرِجُ لَنَا الحَجَرَ مِنْ عَلَي بَابِ القَبْرِ؟" لَكِنَّهُنَّ تَطَلَّعْنَ فَرَأيْنَ أنَّ الحَجَرَ قدْ دُحْرِجَ، مَعَ أَنَّهُ كانَ كَبِيراً جِدَّاً. وَ إِذْ دَخَلْنَ القَبْرَ، رَأَيْنَ فِي الجِهَةِ اليُمْنَي شَابّاً جَالِساً، لَابِساً ثَوْباً أَبْيَضَ، فَتَمَلَكَهُنَّ الخَوْفُ. فَقَالَ لَهُنَّ: " لَا تَخَفْن. أَنْتُنَّ تَبْحَثْنَ عَنْ يَسُوعَ النَّاصِريِّ الَّذِي صُلِبَ. إنَّهُ قامَ! لَيْسَ هُوَ هُنَا. ""تلك السيدات قد ذهبن لكي يقمن بدهن جسد السيد المسيح بالاطياب و الزيوت. وكن يتوقعن ان يجدن المسيح في نفس المكان حيث دُفِن. و تعجبن من الحجر و كيف تم تحريكه. لكن الله اراحهن من حيرتهن: لقد أقام يسوع المسيح من بين الأموات! ووجدت تلك السيدات ملاكاً، و الذي أخبرهن بما حدث : " إنَّهُ قامَ! لَيْسَ هُوَ هُنَا ". فقد قام يسوع المسيح من الأموات. لقد فسد كل من مات. و لكن يسوع المسيح لم يري فساداً، لكنه أُقيم من بين الأموات و هو حي إلي الأبد. كما تقول لنا أعمال الرسل 13: 34- 37" و إنَّهُ أقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، غيرَ عَتِيدٍ أنْ يَعُودَ أيْضاً إلي فسادٍ، فَهَكذا قَالَ: إنِّي سَأُعْطِيكُمْ مَرَاحِمَ دَاودَ الصّادِقَةَ. ولذلكَ قالَ أيْضَاً فِي مزمورٍ آخَرَ: لنْ تَدَعَ قُدّوسَكَ يَرَي فساداً. لِأنَّ دَاودَ بَعدَ ما خَدَمَ جيلهُ بِمَشُورَةِ اللهِ، رَقَدَ وانضَمَّ إليَ آبَائِهِ، ورأَى فَسَاداً، و أمّا الَّذي أَقَامَهُ اللهُ فلم يَرَ فساداً"اي إنسان آخر، ماعدا يسوع المسيح، قد رأي الفساد. جميع الناس الآخرين المشهورين الذين عاشوا عبر القرون رأوا الفساد. جميع مؤسسي الأديان المختلفة قد ماتوا. رأوا الفساد. و لكن هذا لم يحدث ليسوع المسيح. و هذا أحد الأسباب التي تجعل المسيحية مختلفة جداً، فرئيسها حي الآن و سيظل حياً إلي الأبد.
2. قيامة المسيح: الشهود
بالرغم من أننا قد رأينا شاهد كلمة الله فيما يخص قيامة المسيح، فهناك أيضاً العديد من شهود العيان لهذا الحدث العظيم. فكورنثوس الأولي آية رقم 15 تعطينا تقريراً مفصلاً لهؤلاء الذين شاهدوا المسيح بعد قيامته.
كورنثوس الأولي 15: 3- 8" فالْوَاقِعُ أنِّي سَلَّمْتُكُمْ فِي أوَّل الأَمْر، مَا كُنْتُ قَدْ تَسَلَمْتُهُ، وَ هُوَ أنَّ المَسِيحَ مَاتَ مِنْ أجْلِ خَطَايَانَا وَفْقَاً لِمَا فِي الكِتَابِ. وَ أنَّهُ دُفِنَ، وَ أَنَّهُ قامَ فِي اليَوْم الثَالِثِ وَفْقاً لِمَا فِي الكِتَابِ. وَ أنَّهُ ظَهَرَ لِبُطْرُسَ، ثُمَّ لِلأثْنَيْ عَشَرَ وَ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ لأَكْثَرَ مِنْ خَمْس مِئَةِ أخ مَعاً مَازَالَ مُعْظَمُهُمْ حَيَّاً، فِي حِين رَقَدَ الآخَرُون. ثُمَّ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، وَ بَعْدَ ذلِكَ لِلرُّسُل جَميِعاً. وَ آخِرَ الجَمِيع، ظَهَرَ لِي أنا أيْضَاً "و لقد قمت بالتأكيد في الفقرة السابقة علي الذين رأوا المسيح بعد قيامته. حتي و لو لم يره أحد، و الشاهد الذي قد أعطاه الله في كلمته لابد و أن يكون كافياً للإيمان بالقيامة. إنك لا تقوم بالإيمان بشيء بسبب شخص آخر أو بسبب رؤيتك له و إنما لأن كلمة الله تقول ذلك. و لكن، في حال قيامة المسيح، كلمة الله تشير إلي العديد من الشهود المباشرين. كذلك بالنظر إلي تسجيل الإنجيل الذي يوضح أن التلاميذ قد لمسوا جسد المسيح المُقام و أنه قد أكل و شرب معهم كما تقول( أعمال 10: 41) " أكلنا و شربنا معه " . و كما تقول ( أعمال 1: 3) " الَّذينَ أراهُمْ أَيْضَاً نَفْسَهُ حَيّاً ببَراهينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ ما تَأَلَّمَ". و لمدة أربعين يوماً ظل يسوع المسيح يُظهر نفسه حياً ببراهين كثيرة (ليس فقط واحد أو اثنين).في المحكمة، الشاهد الذي يُعْطَى الأهمية الكبري هو شاهد العيان. و هناك العديد من الاشخاص الذين رأوا يسوع المسيح في جسده المُقام. و هؤلاء هم الشهود المباشرين علي قيامته. اليوم، يكفي فقط و جود شاهدين لبرهنة حقيقة ما. و لكن في هذه الحالة، هناك مئات الشهود و لايزال لدينا أناسا غير مؤمنين آتين بعد ألفي عام قائلين: " تعالوا إلي. أنا سأقول لكم ما حدث في ذلك اليوم". كيف يعرفون؟ أكانوا هناك؟ لا! أنا افضل الشاهد الذي يذكره الله في كلمته. هو بالتأكيد يعلم ما قد حدث.
3. قيامة المسيح: الآثار
بمعرفة ما تقوله كلمة الله عن قيامة المسيح، فسنستطيع أن نكمل اختبار آثار قيامته . و هو بخلاف الأحداث الأخري و التي تقل أهميتها بمرور الزمن، و قيامة المسيح لها تأثير كبير علي حياة البشر الآن كما كانت لها و قت حدوثها. و سنُرِي أسباب ذلك فيما يلي.
3. 1 قيامة المسيح: سبب تبريرنا.
لكي نري آثار قيامة المسيح، دعونا نبدأ من رومية 4: 25 حيث تقول:
رومية 4: 25" الَّذِي أُسْلِمَ [يسوع المسيح] لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ مَعَاصِينَا ثُمَّ أُقِيمَ مِنْ أجْلِ تَبْرِيرِنَا "لقد أُسلم يسوع المسيح للموت من أجل معاصينا ثم أٌقيم من أجل تبريرنا. حقيقة أنك الآن بار أمام الله فهي مُقامة علي أساس أن يسوع المسيح قد أُقيم من بين الأموات. فبدون قيامة المسيح لن يكون هناك تبرير. إنه بهذه البساطة. و في مقال "البر و الكتاب المقدس" و "خُلِصَ و تبرر بالنعمة" فلقد رأينا أنه لكي ننال البر لابد و أن نؤمن بالرب يسوع المسيح و قيامته. و لكن، هذا الشرط ( أن تؤمن بيسوع المسيح و تصبح باراً أمام الله) اصبح متاحاً لأن يسوع المسيح قد أٌقيم من بين الأموات. كم هو رائع أن تكون باراً أمام الله!! و كل هذا بسبب قيامة يسوع المسيح. فقيامته ليست فقط حدثاً تاريخياً . فتأثيرها يظل موجوداً في يومنا هذا كما كان قبل 2000 عام.
3. 2 قيامة المسيح: سبب ولادتنا من جديد
وكما رأينا أنه بسبب قيامة المسيح فقد أصبحنا أبراراً بعد إيماننا به، فدعونا الآن نتوجه إلي رسالة بطرس الأولي 1: 3 و التي تقول:
بطرس الأولي 1: 3" مُبَارَكٌ اللهُ أَبو رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الكَثِيرَةِ وَلَدَنا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقيامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ مِنَ الأَمواتِ"لقد ولدنا الله ثانية لرجاء حي. اليوم، عندما يؤمن الإنسان بيسوع المسيح، فقد وُلِدَ ثانية. و لكن لاحظ أن هذا قد اصبح متاحاً فقط " بِقيامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ مِنَ الأَمواتِ ". لو لم يُقَام يسوع المسيح من الأموات، فما كنا نقدر علي أن نولد ثانية. فحتماً يمكن أن نفهم بشكل أفضل الآثار العظيمة لقيامة المسيح لملايين الناس الذين آمنوا أو يؤمنوا أو سيؤمنوا بيسوع المسيح، و عندما نعرف النتيجة: كل واحد منهم قد ولد ثانية - بسبب قيامة المسيح و إيمانهم به- ، ابن أو ابنة لله. و لكن، آثار قيامة المسيح لا تنتهي هنا. دعونا نكمل.
3. 3. قيامة المسيح: سببا لإرسال الروح القدس.
أثر آخر من آثار قيامة المسيح تُعطَي لنا في أعمال 2 . فالفقرة تشير إلي يوم العنصرة، حيث حل الروح القدس لأول مرة. و كان بطرس يتحدث إلي اليهود الذين كانوا هناك و كانوا مندهشين من حقيقة تكلم التلاميذ بألسنة ( أنظر أعمال الرسل 2: 1- 13)، حيث قال:أعمال الرسل 2: 22- 23، 32- 33" فَيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اسْمَعُوا هَذَا الْكَلاَ مَ: إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ رَجُلٌ أَيَّدَهُ اللهُ بِمُعْجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ وَعَلاَمَاتٍ أَجْرَاهَا عَلَى يَدِهِ بَيْنَكُمْ، آَمَا تَعْلَمُونَ. وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سَمَحَ اللهُ ، وَفْقاً لِمَشِيئَتِهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، أَنْ تَقْبِضُوا عَلَيْهِ وَتَصْلُبُوهُ وَتَقْتُلُوهُ بِأَيْدِي الأَثَمَةِ....... فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذَلكَ. وَإِذْ رُفِعَ إِلَى يَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مِنَ الآبِ الرُّوحَ الْقُدُسَ الْمَوْعُودَ بِهِ، أَفَاضَهُ عَلَيْنَا. وَمَا تَرَوْنَهُ الآنَ وَتَسْمَعُونَهُ هُوَ نَتِيجَةٌ لِذَلكَ . "ما الذي " رأوه و سمعوه"؟ لقد رأوا و سمعوا التلاميذ يُظهرون الروح القدس بتكلمهم بألسنة. فالدليل علي أن الروح القدس قد سُكِبِ هو أنهم رأوهم و سمعوهم يتحدثون بالسنة. و لكن، لاحظ أن يسوع المسيح قد قام أولاً من الأموات ثم اخذ الروح القدس الموعود به الذي أفاضه علينا. وكلمة "إذ" المكتوبة بالخط العريض تقول لنا أن كل ما يأتي بعدها، هو نتيجة لما قبلها.حقيقة أن الروح القدس قد أصبح متاحاً فهو بسبب قيامة المسيح. و بدون قيامته لن يكون هناك كلمة إذ و ما قد أتي بعدها( إفاضة الروح القدس). و لكن المسيح قام بالحقيقة من الأموات! و نفس الروح القدس الذي ظهر في يوم الخمسين متاح اليوم لأي إنسان يؤمن بالمسيح!
3. 4. قيامة المسيح: لقد قمنا معه!!
لكي نري آثاراً أخري لقيامة المسيح دعونا نذهب إلي أفسس 2 حيث تقول:
أفسس 2: 4- 7" أَّما اللهُ، وَهُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، فَبِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ العَظِيمَةِ الَّتِي أحَبَّنَا بِهَا، وَ إذْ كُنَّا نَحْنُ أيْضاً أمْوَاتاً بالذُّنُوبِ، أَحْيَانَا مَعَ المَسِيحِ، إنَّمَا بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخِلَّصُونَ، وَ أَقَامَنَا مَعَهُ وَ اجْلَسَنَا مَعَهُ فِي الأمَاكِن السَّمَاوِيَّةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ "وفقاً لهذه الفقرة، عندما أقام الله يسوع المسيح من الأموات، فقد قمنا معه أيضاً. و عندما أُقيم ، فقد أقامنا معه. و عندما جلس يسوع المسيح في الأماكن السماوية، فأجلسنا معه هناك أيضاً. و تلك لم تتحقق بعد. ستتحق عندما يعود المسيح. و لكن، لاحظ أنه من وجهة نظر الله، فهو شيء قد تحقق عندما اقام يسوع المسيح من الأموات. و هذا ما تعنيه كل تلك نون الجماعة في ( أحيانا، أقامنا و أجلسنا) . و لو لم يُقام المسيح من بين الأموات لم يكن من الممكن أن يحدث كل هذا. و لكن يسوع المسيح بالحقيقة أُقيم من الأموات، حي و جالس في الأماكن السماوية. و هذه بعض من الآثار العظيمة لقيامة المسيح.
4. قيامة المسيح: النتيجة
و لختم هذا المقال عن قيامة المسيح: قيامته حقيقة التي لها مئات الشهود، وليس فقط بعض. الأكثر من هذا أن قيامة المسيح ليست فقط حقيقة تاريخية، و لكن آثارها مازالت حتي يومنا هذا قوية كما كانت وقت حدوثها. و كما رأينا، بعد الإيمان بقيامة يسوع المسيح و الاعتراف بانه السيد الرب (رومية 10: 9) ، فقد وُلِدنا من جديد، أبراراً و قد مُنِحنا الروح القدس كعطية بالإضافة إلي أننا قد أُقِمنا و أُجلسنا معه في السماء. هذه كلها حقائق ووقائع ، و هي حقائق الآن لأن المسيح قد أُقيم من الأموات .
تاسوس كيولاشوجلو
المزيد
26 أبريل 2022
تعليق الأذهان بالذبيحة والفداء
قيامة الرب ابتهجت نفوس التلاميذ والكنيسة كلها وستبقي موضوع فرحها وتسبيحها لكن هذا الفرح وتلك البهجة بالقيامة لن تنزع صورة الصليب بل تؤكدها وتثبتها عبر الأجيال وإلي الأبد.
ولعل هذا ما دعي الكنيسة أن تطلق على عيد القيامة "عيد الفصح " إذ تريد أن لا تنتزع صورة الذبح التي للحمل الحقيقي عن أذهان أولادها.
لهذا لا عجب إن رأينا الكنيسة في فجر عيد القيامة في فجر عيد القيامة أو قل عيد الفصح تقيم القداس الإلهي ليأكل أولادها من جسد الرب المذبوح ويشربون دمه المسفوك.. ففي عيد القيامة تمتعهم ببركات الصليب وتذوقهم من الحمل الحقيقي.. لأن القيامة أكدت الذبيحة وكشفت عملها لنا نحن البشريون.
هو عيد المصلوب وليس آخر.
هو عيد الفصح المذبوح الذي لا يزال دمه يطهرنا من كل خطية!
لذا أينما تحدث الكتاب عن القيامة ربطها بالصليب وعندما نعيد بالقيامة إنما نعيش في أحضان المصلوب ونشرب من جراحاته المحيية.
أعزائي... إن الرب هو الذي سبق فأعد لنا أولًا هذا العيد وهو الذي يتعطف بنا ويتحَنَّن علينا بأن نعيد به عامًا بعد عام فقد أرسل ابنه للصليب من أجلنا ووهبنا بهذا السبب العيد المقدس الذي يحمل في طياته كل عام شهادة بذلك إذ يتم العيد كل عام في نفي الوقت (بنفس المناسبة). وهذا أيضًا ينقلنا من الصليب الذي قدم للعالم إلي ذاك الذي هو موضوع أمامنا إذ منه ينشئ لنا الله فرحًا بالخلاص المجيد ويحصرنا إلي نفس الاجتماع ويوحدنا في كل مكان بالروح راسمًا لنا صلوات عامة ونعمة عامة تحل علينا من العيد.
أخوتي.. إننا ننتقل هكذا من أعياد إلي أعياد ونصير من صلوات إلي صلوات ونتقدم من أصوام إلي أصوام ونربط أيامًا مقدسة بأيام مقدسة. لقد جاء مرة أخري الوقت الذي يجلبنا إلي بداية جديدة تعلن عن الفصح المبارك الذي فيه قدم الرب ذبيحة إننا نأكله بكونه طعام الحياة ونتعطش إليه مبتهجة نفوسنا به كل الأزمان كأنه يفيض بدمه الثمين.إننا نشتاق إليه على الدوام شوقًا عظيمًا وقد نطق مخلصنا بهذه الكلمات في حنو محبته موجهًا حديثًا إلي العطشى إذ يريد أن يروي كل عطشان إليه قائلًا "إن عطش أحد فليأت إلي ليشرب (يو27:7). ولا يقف الأمر عند هذا الحد أنه إذا جاءه أحد يروي عطشه فحسب بل عندما يطلب إنسان يعطيه المخلص بفيض زائد مجانًا لأن نعمة الوليمة لا يحدها زمن معين ولا تنقض عظمة بهائها بل هي دائمًا قريبة تضيء أذهان المشتاقين إليها برغبة صادقة لأن في هذه الوليمة فضيلة دائمة يتمتع بها ذوي العقول المستنيرة المتأملين في الكتاب المقدس نهارًا وليلًا مثل الرجل الذي وهب نعمه كما جاء في المزامير "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة المنافقين وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس لكن في ناموس الرب يلهج نهارًا وليلًا" (مز2، 1:1). لأن مثل هذا لا تضئ له الشمس أو القمر أو مجموعة الكواكب الأخرى بل يتلألأ ببهاء الله الذي فوق الكل.
البابا اثناسيوس الرسولى
المزيد
25 أبريل 2022
عودة الأمل - تأملات حول شخصيات في القيامة: تلميذي عمواس
سبب الظهور:
لعل سببًا رئيسيًا من أسباب ظهور السيد المسيح لتلميذي عمواس خصيصًا هو مدى اليأس الذي سيطر عليهما، حتى أنهما تركا باقي التلاميذ وهربا. لذلك احتاجا أن يظهر الرب لهما ويعيد إليهما الأمل والرجاء، لكي ما يعودا إلى موضعهما مرة أخرى.. إنه درس هام نحتاجه في حياتنا: كيف نحيا في الأمل ولا نفقده؟ وكيف نساعد غيرنا على العودة إليه؟
قراءة متأنية:
لعلنا نكتشف أن سر شقاء ويأس هذين التلميذين هو عدم القراءة المتأنية في كتب العهد القديم، التي لما ذكرها وفسّرها لهما الرب، عاد إليهما الأمل وعادا إلى التلاميذ. إننا لكي نفهم العهد الجديد، علينا أن نفهم جذوره في العهد القديم، فالقديم اُستُعلِن في الجديد، والجديد كان مستترا في القديم.
التأنّي:
إن هذين التلميذين قد تعجّلا في الهروب والرجوع إلى قريتهما. كان الأجدر بهما التأني وانتظار ما سيحدث، وهل ما سمعاه حقيقي أم لا؟ وهل تمت القيامة فعلًا أم لا؟ إنه التعجُّل الذي يضيّع صاحبه. لنترك الأيام تظهر الحقائق وتحل المشاكل، والرب قادر أن يتدخل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، فقط علينا بالصبر لأن «من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص» (مت24: 13).
الكرامة:
«ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد، فألزماه قائلين: "امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار"، فدخل ليمكث معهما» (لو24: 28، 29). إنه درس في الكرامة.. كيف لا نفرض أنفسنا على أحد أو على مكان إلّا بدعوة.. وكيف نحترم إرادة الآخرين وتكون لنا الحساسية في التعامل معهم. فالرب نفسه قال: «اسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم» (مت7:7).
الانشغال بالرب:
إن تلميذي عمواس على الرغم من أن الرب اقترب إليهما ومشى معهما، ولكن أُمسِكت أعينهما عن معرفته (لو24: 15-16).. ولكن ما هو السبب؟ لعله يكون الانشغال بالمادة عن الروح، والانشغال بالأحداث الزمنية والحوادث المكانية.. إنك لن تتمتع برؤية الرب إلّا في الصفاء، فطالما أنت مشغول لن تراه جيدًا. إن لم يصفُ ذهنك لن تستطيع التحدث مع الرب والتمتع به، ولن تفهم ما تقرأ وتستوعبه، ولن تثمر في عملك، سيكون معك ولكنك لن تكون معه. سيكون إلى جوارك ولكنك لن تشعر به. أود أن تحاول أن تفرغ عقلك ولو جزئيًا من المشغولية لتنشغل بالرب، وستجد عينيك قد انفتحتا، وقلبك التهب، وستعود إلى أملك وإلى وضعك الأول، أفضل مما كنت.. ليعطنا الرب أن نتمتع به كما تمتع تلميذا عمواس.. آمين.
نيافة الحبر الجليل الانبا تكلا اسقف دشنا
المزيد
24 أبريل 2022
الرسالة البابوية لعيد القيامة
باسم الاب والابن والروح القدس الإله الواحد امين
خريستوس آنيستي، اليثوس آنيستي أهنئكم جميعًا بعيد القيامة المجيد لهذا العام 2022. أهنئ كل الايبارشيات والكنائس القبطية والاديرة القبطية في مشارق الأرض ومغاربها وأهنئ كل الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والأباء الكهنة والأباء الرهبان. أهنئ كل الشمامسة وأعضاء مجالس الكنائس في كل مكان. وأيضًا أهنئ كل الأسر القبطية التي تحتفل بعيد القيامة المجيد، كل أسرة، كل أب وكل أم. أهنئ الشباب، والخدام، والخادمات، أهنئ الكبار والصغار. أهنئكم بهذا العيد المفرح الذي نحتفل به سنويًا.في حياة المسيح محطات كثيرة. في أثناء خدمته الجهارية والتي امتدت الى أكثر من ثلاث سنوات، كانت هناك محطات كثيرة من المعجزات والمقابلات والتعليم والامثال. وتقابل فيها السيد المسيح مع تلاميذه ومع جموع كثيرة، سواء فرادى أو في مجموعات عبر هذه الخدمة. من هذه المحطات الكبيرة، المحطة التي جمع فيها تلاميذه وذهبوا الى منطقة قيصرية فيلبس (متى 16: 13) في شمال فلسطين. وهناك سألهم: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ (متى 16: 13) فأجابوه. وسألهم السؤال التالي: وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ (متى 16: 15). فكانت إجابة القديس بطرس الرسول: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (متى 16: 16). وهذه العبارة كتبت في البشائر الأربعة ببعض الصياغات المختلفة، ولكنها كتبت في ضوء القيامة المجيدة: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (متى 16: 16). كانت هذه محطة هامة في حياة التلاميذ. وبعدها بدأ الحديث عن ما سيتم خلال الأسابيع والشهور القادمة، وذلك في حياة خدمة السيد المسيح من أنه يسلم ويصلب ويدفن ثم يقوم. ثم جاءت محطة التجلي وهي محطة جمع فيها ثلاثة من التلاميذ (متى 17: 1-13)، وهم بطرس ويعقوب ويوحنا. بطرس يمثل الإيمان، ويعقوب يمثل الجهاد، ويوحنا يمثل المحبة الإلهية.وعلى جبل طابور، تقابلوا مع السيد المسيح وحضور موسى النبي وايليا النبي (متى 17: 1-13). وكان هناك حواراً وكان أهم مافيه: جيد يارب أن نكون ههنا (متى 17: 1-13). وهذا يعتبر قبس من الأبدية ونور من الأبدية. وهذا ما جعل بطرس الرسول يطلب أن يصنع ثلاث مظال لكي تمتد إقامتهم في هذا المشهد المضيئ والمفرح.بعد حادثة التجلي، كما نقرأ في انجيل معلمنا يوحنا، أو في البشائر الأربعة بصفة عامة، وربما ذكرها القديس مرقس الرسول في انجيله (مرقس 9: 9) بطريقة مختصرة. عندما تحدث أن إبن الانسان يسلم ويصلب ويموت ويقوم من الاموات. فبدأ التلاميذ يتسائلون: ما هي القيامة من الأموات؟ حدث القيامة، أيها الاحباء، ليس حدثاً ماضيًا في الزمن الماضي. وليس حدثًا تاريخيًا فقط. ليس احتفالنا بالقيامة المجيدة مجرد احتفال يحدث تم في الماضي وانتهى.
القيامة انطلاقة حقيقية للوجود الانساني. انطلاقة الانسان بعد أن صارت الخطية تدهمه وتسقطه وتكون عاقبتها الموت. جاءت القيامة لكيما تنتصر لنقول مع القديس بولس الرسول: أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ (1 كورنثوس 15: 55). قيامة السيد المسيح تختلف تماماً عن كل معجزات القيامة التي أقام فيها اموات، ابن أرملة نايين، أو ابنة يايرس، او اقامة لعازر حتى بعد أربعة أيام من تواجده في القبر. قيامة المسيح تختلف تمامًا لأنها قيامة للوجود الانساني. هي انطلاقة جديدة لحياة الانسان. ويالسعادة من يتمتع بهذه القيامة. أود أن اقف معكم عند المشاهد الأخيرة للقيامة المشهد الأول، عند الصليب. وهو مشهد كله ألم وحزن وعذابات كثيرة. وكلنا اجتزنا فترة أسبوع الألام بكل ما فيها من قراءات، ونغمات، والحان، ومعرفة وحياة مع المخلص، وعشنا معه ساعة بساعة. كانت محطة الصليب محطة ألم، ولكن هذه المحطة لها نهاية انتهت في القبر. صلب المسيح على الصليب، على عهد بيلاطس البنطي، كما نقول في قانون الإيمان. ثم وضع في قبر جديد لم يوضع فيه أحد من قبل، وصار القبر هو محطة قد تنتهي فيها كل الامال أم محطة ليس فيها رجاء، انها محطة الموت. ورغم أن هذه المحطة لم تظل سوى ثلاثة ايام، ولكنها كانت أيام خوف وأيام فزع وأيام رعب. وعندما نقرأ في البشائر الأربعة، نشعر بهذه المخاوف. حتى التلاميذ أنفسهم كانوا في حالة خوف وهلع شديد. لكن الله لم يتركهم لبالوعة اليأس بل في اليوم الثالث وفي فجر يوم الأحد قام من بين الأموات. والذي ههنا هو السيد المسيح، لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لَكِنَّهُ قَامَ! (لوقا 24: 6). وعندما نقرأ في انجيل معلمنا يوحنا 20: 20: فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. وكانت هذه الفرحة، فرحة القيامة التي يسعد بها الأنسان ويفرح بها.
في بداية كل يوم نقوم من النوم، وفي بداية كل تسبحة، نقول "قوموا يا بني النور"، يا بني القيامة. وتصير القيامة فعل وحياة وحضور يومي في حياة الأنسان. وعندما نعيش في القيامة، لا نعيش فيها فترة عيد القيامة فقط، ولكن فرحة القيامة، تمتد وتشع في كل كنيستنا وفي كل مناسبتنا، واعيادنا وأصوامنا، وعبر السنة الكنسية كلها. في صلاة باكر في كل يوم هي تمثيل للقيامة، ونقول بنورك يا رب نعاين النور. وفي كل اسبوع في يوم الاحد، نحتفل بهذا اليوم الذي صنعه الرب. وفي كل شهر قبطي، نحتفل يوم 29 منه بتذكارات البشارة والميلاد والقيامة. وفي كل سنة، نحتفل بعيد القيامة ليس يوماً واحدًا ولكن عبر سبعة أسابيع، تكتمل باليوم الخمسين فيما نسميه بالخماسين المقدسة. ويصير احتفال القيامة ليس احتفال بساعة ولا ليوم ولا لشهر، ولكن عبر السنة جميعها. وفي كل طقوسنا، كمثل طقس الميطانيات ، السجدات الى الارض، عندما نسجد الى الارض ونقول، يا ربي يسوع المسيح ارحمني انا الخاطي، يسجد الانسان ثم يقف ويقوم ويتذكر ان القيامة هي التي اعطته هذه النعمة، أن يقوم من اخطائه ومن خطاياه ففرحة القيامة يجب أن نعيشها جميعاً ويجب أن نقدمها لكل أحد فينا. وكل واحد فينا لابد وأن يكون سبب فرح للآخرين. والسؤال الذي يمكن أن تقدمه لحضراتكم جميعًا: هل انت تفرح انسان كل يوم. هل تستطيع من خلال حياتك أو من خلال معنى القيامة المجيدة فيك، أو علاقتك بمسيحك، ومن خلال حضورك في كنيستك، ومن خلال ممارسة الاسرار المقدسة، ومن خلال القراءة المقدسة في الانجيل، هل تقوم وتفرح كل انسان حولك؟ هل انت سبب فرح؟ القيامة تدعوك أن تكون سبب فرح لكل أحد. لا تنسوا أيها الاحباء اننا نكرر كثيرا في الكنيسة كلمة هلليلويا. هلليلويا معناها، هللوا لله، اي افرحوا. فكل ممارستنا الروحية هدفها أن نفرح وهدفها أن نعيش القيامة. وكما قلت في بداية كلمتي، ان السيد المسيح عندما قام من بين الاموات، اراد أن يقدم لنا هذه الفرحة لتكون في حياتنا في كل يوم، لنشهد بها ونعلمها ونمارسها ونفرح بها. هذه القيامة المجيدة هي دعوة للفرح الدائم. كل الممارسات الروحية التي نقدمها هدفها الاخير هو، أن نفرح لكي يتم فرحنا في الابدية السعيدة.لا تنسى اننا في القيامة تقابلنا مع شخصيات كثيرة ومتعددة. اننا في القيامة نفرح بكل الشخصيات وبكل النماذج، التي كانت امامنا في أحداث القيامة المجيدة.اننا نفرح بيوحنا الحبيب، التلميذ الوحيد الذي بقي مع المسيح حتى الصليب. وقد ائتمنه المسيح على امه، امنا العذراء مريم. فكان هذا درس من الوفاء وصورة من صور القيامة نفرح أيضاً بمريم المجدلية التي كانت أول من ذهب للقبر. فعاينت وشاهدت المسيح القائم ودعته "ربوني" اي يا معلم (يوحنا 20: 16). وهذا درس في الوفاء أيضاً ونشهد أيضاً في القيامة توما الشكاك. وقد ظهر السيد المسيح لتلاميذه في حضور توما بعد القيامة باسبوع. وكان قد ظهر قبل ذلك في مرات أخرى. وكان توما أول تلميذ من تلاميذ السيد المسيح الذي يضع اصبعه مكان المسامير، ويضع يده موضع الحربة ويصرخ ويقول "ربي والهي" (يوحنا 20: 26 - 28).أرجو لكم افراح القيامة في حياتكم دائمًا في كل كنيسة وفي كل ايبارشية مع كل الذين يخدمون. تهنئتي ارسلها لكم من أرض مصر الحبيبة، واقدمها لكم بإسم كل أعضاء المجمع المقدس، وبإسم كل الكنيسة القبطية الارثوذكسية هنا في مصر. لنفرح جميعاً بالقيامة المجيدة.
خريستوس آنيستي، اليثوس آنيستى
البابا تواضروس الثانى
المزيد
23 أبريل 2022
عظة القديس أثناسيوس الرسولى باكر سبت الفرح
قد حان وقت العيد أيها الإخوة الأحباء، وهو وقتنا الحاضر هذا فإفرحوا فيه كل حين أيها الفرحون بالرب كما هو مكتوب وهو الآن يشير إلى كل أحد بواسطة من أرسله ليكرز به قائلاً يا يهوذا أصنع إعيادك وأوف نذورك، وقدم للرب ثمرة اعمالك كل سنة بنية طاهرة حسب ما أوصاك بها الرب. فكما أنه بآلات الفلاح تصعد ثمرات السنة فلنصعد ثمرة أعمالنا في كل سنة للرب كما أوصانا فلنثمر ثمراً مضاعفا إذ نشرب من يبنوع الحياة بثبوتنا في الرب كثبوت الأغصان في الكرمة إذ فلنسع إلى قدام ولا نخاف الذي قال احفظ الشهر الجديد لتصنع فيه فصح الرب إلهك، لأن فصح الرب ليس هو لإنسان بل للرب ومعنى ذلك أننا نترك عنا الأعمال القديمة ونتجدد بأعمال جديدة هذا الأمر الذي لما لم يتأمل فيه اليهود صاروا بلا عيد مع أنه قد قيل تصنع الفصح للرب إلهك فيعبر عنك شر المهلك. هذا وقد تحققنا أن هذه الوصية ليست بوصية بسيطة. بل هي مثال عمل كامل مختص بالله لأن العمل بالقول لا تزن ولا تسرق لا تشهد بالزور مع باقي الوصايا، هو لنا حصن منيع تحتمي فيه النفس فتعتبر بالسيرة المستقيمة وهو إكليل الانتصار للدعوة السماوية.
المزيد
26 يناير 2022
عوائق التوبة
كثيرون مقتنعون بأن العام الجديد يجب أن يبدأ بقلب جديد وبروح جديدة, وحياة نقية مقبولة أمام الله, لكي يبارك هذا العام ويجعله سعيدًا. ولكن على الرغم من هذا الاقتناع, ما أقل الذين يحيون التوبة التي تُرضى الله فيرضى عنهم. فلماذا؟ هل لأن حماس العام الجديد قد فتر, ولم يستمر معهم؟ أم لأن التوبة صعبة أمامهم, وهناك عوائق عديدة في طريقها ؟!أتذكر أنه منذ 46 عامًا, وصلني بهذا الشأن خطاب من شاب عزيز عليّ, فتأثرت جدًا ثم أرسلت له ردًا قلت في مقدمته: "وصلني خطابك يا أخي المحبوب. وَيُخَيَّل إلىّ أنني قرأته مرارًا قبل أن أراه" إنه صورة حياة أعرفها, وقصة قلوب كثيرةً هي أفكار تتعب كثيرين, عوائق تقف أمامهم في الطريق إلى الله, تحول دون توبتهم, وتمنع نموهم الروحي: فالبعض يعجز عن التوبة. والبعض يبدأ ولا يستمر فم هي تلك العوائق؟
أولًا لأن التوبة هي أكثر شيء يحاربه الشيطان:-
لأن معناها أن التائب سيفلت من حبائله, ولا يعود أن يخضع له بعد. وهكذا يضيع كل تعب الشيطان الذي بذله الشيطان من قبل في إسقاطه. لذلك فإن الشيطان يقدم له كل أنواع الإغراءات التي تثنيه عن عزمه الصالح, ويتيح له فرصًا للخطية ما كان يحلم بها قبلًا بحيث تضعف أمامها إرادته, أو يعيد إلى ذهنه ذكريات الخطايا التي هي محببة إليه, أو يظهر صعوبة الطريق إلى الله. وهكذا يجد نفسه في حرب من شهوات القلب, ومن كثرة الأفكار, فيستسلم..!
من عوائق التوبة أيضًا ضعف الشخصية التي تنقاد إلى المحيط:-
فالمفروض في الإنسان الروحي أن تكون له شخصية قوية ثابتة لا تنجرف مع المحاربات الخارجية من الخارج إن سمكة صغيرة يمكنها أن تقاوم التيار وتسير عكسه ما دامت لها إرادة. بينما كتلة ضخمة من الخشب- قدر هذه السمكة مئات المرات- يمكن أن يجرفها التيار, لأنه لا إرادة لها. لذلك -إن أراد أحد أن يتوب- يجب أن يكون قوى الشخصية, قوى الإرادة. يعزم ويقدر...
عائق آخر في طريق التوبة هو تأجيلها:-
إن الشيطان, إذا وجد أن عزم الإنسان قوى, وأنه مصمم على التوبة, لا يحاربه حربًا مكشوفة بالامتناع عن التوبة خوفًا من رفضه ذلك. بل يدعوه إلى التأجيل بأعذار معينة, أو بإغراءات يقول له فيها: ليس الآن, فالعمر أمامك طويل ويمكنك أن تتوب في أي وقت, إنما الآن أمامك أمور عديدة لتقضيها ولا تناسبها التوبة!!على أن التأجيل له أكثر من خطورة: فإن فرص التوبة قد تفلت. فإن الخطية إذا استمرت مدة أطول, قد تأخذ سلطانًا عليه وتثبّت أقدامها. كذلك ربما بالتأجيل: مجرد الرغبة في التوبة قد تختفي. والتأثيرات الروحية التي دفعت إليها, قد تفقد قوتها. كما أن التأجيل في مضمونة حتى يكون خطوة نحو الإلغاء...
من عوائق التوبة أيضًا: اليأس
حيث يقول الخاطئ "كيف يمكنني أن أتوب, وأنا عاجز تمامًا عن القيام من سقطتي؟! وإرادتي لا تستطيع مطلقًا أن تقاوم إغراءات الخطية ومحبتها التي في قلبي, وأفكارها المغروسة في عقلي!!
يا أخي إن كنت قد يئست من نفسك, فالسماء لم تيأس من توبتك. وإن كنت غير قادر على الخلاص من شهوات قلبك, فالله قادر على أن يخلصك منها. فقد خلّص كثيرين من قبلك, وكانت حالتهم أسوأ..
فلا تخف إذن, ولا مجال لليأس, ولا تصغر نفسك. فالنعمة حينما تعمل سوف تعطيك قوة. ولا تهم الآن مقاومتك, ضعيفة أو عاجزة يقول البعض: "هل من المعقول أن أعيش طول عمري بعيدًا عن الخطية, وهى تجرى في دمى؟! إن تبت اليوم, فسوف أرجع غدًا!!"إنها مغالطة يلقيها الشيطان في قلبك. كما أنك ستعيش في التوبة بنفس هذا القلب الذي يحب الخطية!! كلا, فسوف يعطيك الله قلبًا جديدًا تُنزع محبة الخطية. وحينئذ لن تفكر في الرجوع إليها, بل ستندم على ما فعلته سابقًا. وشعورك الحالي سوف يتغير. وسوف تزول من عقلك الأفكار والصور التي كانت تلوثه من قبل إذن احترس من الفكر الذي يقول لك "إن التوبة صعبة وغير ممكنة. فكل عائق سوف تزول صعوبته, حينما تعمل نعمة الله معك.
على أن أكبر عائق للتوبة, أن يشعر الشخص أنه غير محتاج إلى التوبة وهذا ما يسمونه بالبر الذاتي, أي أن يكون الإنسان بارًا في عيني نفسه! ويقول في جرأة: ماذا فعلت من خطأ حتى أتوب عنه؟! بل إن حياته جميلة في عينيه, كيف يغيّرها! حقًا إن الإنسان لا يمكنه أن يتوب, إلا وشعر بأن في حياته بعض النقائص أو الأخطاء فيسعى إلى إصلاح ذاته. لذلك على كل إنسان -من هذا النوع- أن يصلح موازينه الروحية. ويسعى دائمًا نحو الكمال. حينئذ سوف يشعر بأن المسافة طويلة بينه وبين المطلوب منه أن يفعله.
ولكن مما يعوق التوبة, أن يقارن الشخص نفسه بمستويات ضعيفة:-
فيظن -مع هذه المقارنة- أنه في حالة حسنة لا تحتاج إلى توبة. أو يضع أمامه الأعذار, كأن يقول "كل الناس هكذا... فهل أشذ عن الكل؟!". طبعًا ليس عذرًا أن يكون الشر مسيطرًا على أغلبية الناس. فأبونا نوح عاش بارًا في عصر سيطرت عليه الخطية, حتى أغرق الكل بالطوفان عمومًا فإن مخافة الله إن وُجدت في القلب, فسوف تبعده عن الخطية, وتقوده إلى التوبة...
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
25 يناير 2022
عِطْر التَّجَسُّدِ الخَلاصِي
يدعو التقليد القبطي القديس كيرلس عمود الدين (ختم الآباء) كذلك يعتبره دكتور التجسد.. فقد أبدع واستفاض في شرح سر التجسد الإلهي، وجمع في تعليمه ما قاله السابقون له وأبرزه في صورة واضحة متكاملة.
رأىَ أن التجسد سر يُعبد في صمت إيمان بدون التواء، لأنه فائق للوصف، عميق وسري ولا يُنطق به، فائق للعقل… ففي المسيح حل كل ملء اللاهوت جسديًا، ويرمز القديس كيرلس لسر التجسد الإلهي بالتشبيهات: العليقة، جمرة اشعياء، اتحاد النار بالحديد، النار والماء، تابوت العهد. ذلك الاتحاد الأقنومي هو اتحاد اللاهوت بالناسوت، طبيعة واحدة للكلمة المتجسد… من غير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، هذا الاتحاد الأقنومي ليس نسبيًا وليس مجرد سُكنَى ولا مشاركة، بل اتحاد غير قابل للانفصال، إذ لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة ولا طرفة عين... اتحاد حقيقي طبيعي وجوهري، فالمسيح هو واحد من اثنين (لاهوت وناسوت في وحدة حقيقية).
تجسَّدَ الكلمة وحل بيننا وفينا بالنعمة لكي يوحدنا به، ولكي يرفع الذي بلا كرامة إلى كرامته الخاصة، فنغتني نحن بشركته، ونستمد منه نعمة التبنّي وننعتق من الفساد. ذلك هو سر المسيح؛ سر الاتحاد الفائق الذي تم في المسيح بين اللاهوت والناسوت عندما جعل الاثنين واحدًا (لاهوت قدوس بغير فساد، مساو للآب في الجوهر، وناسوت مقدس بغير استحالة، (مساوٍ لنا كالتدبير).
بتجسده وحّدنا به بكيفية؛ هو وحده يعلَمها، سرية فائقة… وتجسده هو وسيلة اتحادنا به، وهو غاية غنى شركتنا معه، وهو سبب نوالنا نعمة البنوية، فهو من جهة متحد بالبشرية التي يتوسط لها، ومن جهة أخرى بالله الآب، فهو بطبيعته إله حق من إله حق، غير منفصل عن جوهره الذي وُلد منه.. ومن جهة أخرى هو الابن المتجسد الذي شابهنا ليوحدنا بالله بواسطة نفسه، أي أن المسيح هو بعينه إله وإنسان واحد، يوحد في نفسه الإنسان مع الله؛ ويعطينا الإمكانية للاتحاد وللشركة وللبنوية ولغنى الميراث، إنه حلقة الوصل الذي يجمع الله بالإنسان لأنه واحد مع الآب في الجوهر بحسب الطبيعة، ومن جهة أخرى هو ابن الإنسان الكلمة المتجسد.
بتجسده صرنا أقرباء لله الآب، وشركاء في طبيعته الإلهية ونلنا غنى التبنّي، صار مثلنا لنصير مثله أبناء، صار ابنًا بكرًا بين إخوة كثيرين لنصير نحن فيه وبواسطته أبناء لله.. صار بكر القديسين، وهو نفسه الباكورة للذين يولدون من الله بالروح، أي الذين وُلدوا لا من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشئية رجل؛ لكن من الله. صار مثلنا ليحررنا وينقلنا إلى حرية مجد أولاد الله، فنُدعى أولاد الله بالنعمة، بينما هو ابن الله الوحيد بالطبيعة... هو هيئة وشعاع وصورة وحكمة الله الآب؛ الذي كان من البدء وارثًا لكل شيء وبه أيضًا عمل العالمين.
إنه يتصور فينا ويغيرنا تغييرًا جذريًا ويُرقّينا إلى كرامة رتبة البنين؛ فنترك صفاتنا البشرية البهيمية، ونتغير لصفاته هو... تنطبع فينا صورته وبهاؤه عندما يضيء في نفوسنا بالتقديس، ونقبل نحن عمله فينا بالطاعة والقبول وتوافق الإرادة (السينرجي) Συνεργεία ومن ثَمَّ نخبر بأعماله الكريمة، وبفضل هذا التدبير الإلهي العجيب والذي به خلّص الله العالم ووضع على كل واحد منّا نِير ملكوته.. مسيحنا المولود مع كونه إلهًا؛ تراءَى لنا وأخذ شكل العبد، ولم يتوقف عن أن يكون على ما كان عليه قبل التجسد.. فقد أتت القوات الناطقة التي في السماء تحمل الأخبار المفرحة لاستعلانه وظهوره في العالم... كذلك أعلن نفسه للساهرين من الرعاة الروحيين؛ حتى يبشروا الباقين ويعلنوا مجده كإله مولود في الجسد من امرأة بسرّ عجيب من العذراء مريم ومن الروح القدس.
أخذ شبهنا واتخذ صورة عبد؛ إلا أن مجد الربوبية ظل ملازمًا له بغير انفصال، الابن الوحيد صار جسدًا ليرفع الشقاء عن جنس البشر، وليعتقنا من لدغة الموت، وليحل عنا سطوة اللعنة، ويزيل سلطان الموت ويدين الخطية.. وبميلاده انكسر طغيان الشيطان وسُلبت قوته، ومن ثم تصالحنا نحن مع الله وتمتعنا بمجد الأعالي وبمسرة وسلام وإيمان وبر أُناس الله ذوي المشيئة الصالحة.
فالسر الحاصل في المسيح قد صار بداية ووسيلة لشركتنا ووحدتنا وبنوّتنا في الله؛ بعد أن غرس نفسه فينا باتحاد لا يقبل الافتراق؛ فلا نُدعَى بعد أولادًا بالجسد؛ بل نتحول بالحري إلى ما هو فوق الطبيعة، فنُدعى أولاد الله بالنعمة – الكلمة صار مثلنا لكي نصير نحن أيضًا على مثاله - على قدر تجاوبنا وتجديدنا الروحي وقبولنا النعمة... وضع المسيح نفسه لكي يرفعنا إلى رفعته الخاصة، ولبس صورة العبد مع كونه بحسب الطبيعة هو الرب، لكي يجعل الذي هو عبد بالطبيعة يرتقي إلى مجد التبنّي على مثاله هو، أخذ لنفسه ما هو لنا؛ وأعطانا في المقابل ما هو له، فلا نكون مرفوضين بل نحيا به ونكون فيه ونثبت فيه؛ وإليه نأتي؛ وعنده نصنع منزلًا؛ وننال عطية الحياة الإلهية وغنى رجاء المجد.
اتحد اللوغوس بطبيعتنا لكي يشفيها ويخلصها ولكي يغرس نفسه فينا بوحدة لا تنحل ويجعلنا أقوى من الموت والفساد. لبس جسدنا لكي يقيمه من الموت ولكي يجعلنا نُوجَد فيه، ولكي يخلصنا ويزجر حركات الفساد التي فينا، ويقيم طبيعتنا البشرية كلها، ويجعلنا منتسبين إليه بامتياز خاص.
دخل الابن الوحيد البكر إلى العالم وسجدت له كل ملائكة الله، ورغم أنه هو الابن الوحيد من جهة ألوهيته، إلا أنه صار أخًا لنا وهو الباكورة لتبني البشرية، جاعلاً منا أبناء لله... وهو البكر من جهة التدبير، إله حق من إله حق، وحيد من وحيد، إله أشرق من إله، نور من نور... اضطجع في مذود ولم يكن له موقع في منزل، وضع نفسه مثل علف المذود ليرفع حياتنا الحيوانية إلى درجة التعقل والبصيرة، وقربنا إلى مائدته الخاصة لنجده جسد وخبز الحياة والخلود النازل من السماء..
إنه لم يزل كما كان قبل أن يتجسد، فأتت القوات السمائية بالأخبار المفرحة عن ظهوره، وكان الرعاة الساهرون أول من حصل على معرفة السر. رب الكل في شكل عبد، لكن مجد ربوبيته غير منفصل عنه، مجده أضاء علينا وتهللت الخليقة كلها بمجيئه، صنع سلامًا مصالحًا الجميع، جامعًا فيه كل الأشياء، الذين في السماء والذين على الأرض، رافعًا من وسطنا الذنب المؤدي للعداوة موحدًا ومصالحًا الجميع.. افتقر وهو الغني لكي يغنينا بفقره، أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له، أخذ شكل العبد لكي ينعم علينا بما له، فصرنا نحن على ما هو عليه؛ بسر عظيم وحقيقي ومكرم جدًا.
إن الكلمة الذي هو بهاء مجد الآب ورسم جوهره الذي هو صورة الله، هذا الكلمة هو بنفسه وبعينه صار شكلنا وأخذ صورة عبد؛ جعل جسد البشر جسده الخاص. هو نفسه إله وإنسان معًا. الكلمة منذ الأزل جاء ووُلد في الزمان جسديًا من العذراء مريم ومن الروح القدس. احتفظ بطبيعة اللاهوت وبطبيعة الناسوت؛ احتفظ بهما معا في طبيعة واحدة، طبيعة الإله المتأنس، الجسد لم يتحول إلى طبيعة اللاهوت ولا طبيعة كلمة الله التي تفُوق التعبير تغيرت إلى طبيعة الجسد. لأنه غير قابل للتبدل أو للتغيير.
حينما كان منظورًا، وكان لا يزال طفلاً مقمطًا، وكان في حضن العذراء التي حملته، فإنه كان يملأ كل الخليقة كإله "الرب يسوع المسيح هو واحد "(١ كو ٨ : ٦) هو عمانوئيل الله معنا وما يقال عن أنه كان ينمو في القامة وفي الحكمة وفي النعمة (لو ٢ : ٥٢) يخص التدبير؛ لأن كلمة الله سمح لبشريته أن تنمو حسب خواصها وقوانينها، لكنه واحد مع الله في الجوهر، له نفس الطبيعة والسلطان والقوة والعمل والطاقة والإرادة والمشيئة. بالتماثل والتساوي والمشابهة.. في عيد ميلاده أظهر محبته وقبوله لنا ونقض أعمال إبليس ليطهرنا من كل خطية ويبدد عنا كل معقولات الشيطان والضلال، به نحيا حياة النور والحق والقداسة والمعرفة الحقيقية والكمال والثبات فيه والبصيرة الأبدية. لقد وُلد ليولد فينا لا لنُحيي هذه المناسبة، وُلد في التاريخ ليولد فينا، لا لمجرد أن نحيي ذكرى ولادته.
القمص أثناسيوس جورج
كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد