المقالات
13 نوفمبر 2021
المُعطي فبسخاء
الحياة المسيحيّة بحسب الإنجيل هي حياة عطاء وبذل من كلّ جانب، لأنّها هي حياة المسيح فينا الذي بذل نفسه حتّى الموت حبًّا فينا.
فإنْ كان المسيح يحيا فيَّ فحياتي كلّها عطاء وكلّها سخاء، بعيدًا عن البُخل والشُحّ والأنانيّة وتفضيل الذّات على الآخرين.
والعطاء المادّي هو أقلّ أنواع العطاء، لأنّ الممتلكات أشياء تَفنَى، لها قيمة ماديّة متغيّرة وهي خارجة عن الذّات. فأنا شيء وما أملكه شيء آخر يَبقَى منفصلاً عنِّي. أمّا العطاء المسيحي فهو عطاء النفس، أن يضع أحد نفسه عن أحبائه، على مثال صليب المسيح الذي أحبّنا إلى المنتَهَى.
فإن وضَع الإنسان نفسه، وفرَّط فيها وكفر بذاته وسعى وراء مخلصه حاملاً الصليب، فإنّه يعيش متنعّمًا في ملكوت المسيح وهو بعد في الجسد «هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ» (لو17: 21). وإن وُجِد هذا المثال المسيحي حيًّا.. فلا مكان للصراعات ولا الخلافات ولا التحزّبات ولا السياسات في الكنيسة.. ولا مكان للمشاكل في العائلة ولا انحراف ولا طغيان للمادة والطمع.. إلى آخر هذه الأمور.
العطاء الحقيقي هو حالة فيض داخلي فحينما يمتلئ القلب يفيض. فالقلب الممتلئ حبًّا يفيض حبًّا.. الامتلاء يسبق الفيض.. الفيض بدون ملء هو نوع من الغشّ. فالعطاء الحقيقي يكون من ملء الروح وفيض الروح. فإن لم نحيا بالروح يكون عطاؤنا المادي بلا قيمة.
الكنيسة منذ البداية رفضت عطايا الناس غير المتقدّسين فلا تقبل عطايا من يُتاجر في النجاسة أو يكسب أمواله عن طريق غير مقدس.
هذه بعض الآيات الإنجيليّة التي تنير الطريق وتوضّح الأهداف الحقيقيّة:
+ «أَعْطُوا تُعْطَوْا» (لو6: 38).
+ «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أع20: 35).
+ «الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ» (رو12: 8).
+ «مَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ» (2كو9: 6).
+ «لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ الْعَطِيَّةَ، بَلْ أَطْلُبُ الثَّمَرَ الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ» (في4: 17).
+ «فِي اخْتِبَارِ ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ فَاضَ وُفُورُ فَرَحِهِمْ وَفَقْرِهِمِ الْعَمِيقِ لِغِنَى سَخَائِهِمْ» (2كو8: 2).
+ «لأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ الطَّاقَةِ، أَنَا أَشْهَدُ، وَفَوْقَ الطَّاقَةِ، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، مُلْتَمِسِينَ مِنَّا، بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ، أَنْ نَقْبَلَ النِّعْمَةَ وَشَرِكَةَ الْخِدْمَةِ الَّتِي لِلْقِدِّيسِينَ» (2كو8: 3، 4).
+ «وَلَيْسَ كَمَا رَجَوْنَا، بَلْ أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً لِلرَّبِّ، وَلَنَا، بِمَشِيئَةِ اللهِ» (2كو8: 5).
ويبدو واضحًا أنّ الرسل الأطهار الذين جرَّدهم الربّ منذ البداية من كلّ ما هو مادي، وملأهم من الروح إلى كلّ الملء لم يطلبوا شيئًا.. بل لم يشتهوا شيئًا «فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ» (أع20: 33). ولكن بحركة عطاء تلقائيّة، منذ أن حلّ الروح القدس وملأ كيان الكنيسة، كان «كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُول أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ، وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ» (أع4: 34، 35). دون أن يطلب الرسل ذلك.
كان هذا شعورًا تلقائيًّا للتخلِّي عن الماديات لمّا حصلوا على ملء الروح. والآيات توضّح المنهج الروحي من ناحية الرسل ومن ناحية المؤمنين. فالمؤمنون كانوا يتوسّلون إلى الرسل أن يقبلوا العطايا، والرسل الأطهار لم يمدّوا أيديهم للأخذ فوُضِعت العطايا تحت أقدامهم، كانوا «يَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ».
«أَعْــطُــوا تُعْــطَــوْا»
يقول القديس يوحنا ذهبيّ الفم "إنّنا كثيرًا ما نتبادل المواقع.. ففي أوقات كثيرة يأتي إلينا من يسألنا حاجّة، ونكون نحن في مكان الذي يُعطي ويُحسِن إلى مَن يسأله، ثم في أحيان أخرى نمدّ أيدينا نسأل ونطلب.. ونكون في موضع المُستجدي المحتاج".
فإنّ تصرُّف الإنسان في موقعه الأول تَصَرُّف السخي المُعطي، الذي لا يردّ حاجّة السائل. فإنّه حين يكون في وَضع المُحتاج من الله سيعامله بذات السخاء، وبالكيل المُلَبَّد المهزوز يعطيه في حِضنه. والعكس صحيح فإنْ بَخَلَ الإنسان وصَدّ مَن يَطلب إليه فإنّه حين يطلب هو تُصدُّ صلاته ولا يُستجاب لطلبه.
هذا ما عاشّه القديسون في كلّ جيل، لقد عرفوا الطريق إلى استجابة صلواتهم وعرفوا كيف يستدرُّون مراحم الله، إذ صاروا رحماء و«أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِي التَّوْزِيعِ» (1تي6: 18).
- يُحكَى عن المعلم إبراهيم الجوهري الذي كان بمثابة رئيس للوزراء.. أنّه كان منقطع النظير في سخائه، ويُذكَر عنه أنّ شحّاذًا قابله وهو خارج من منزله في الصباح ذاهب إلى ديوان الوزارة وطلب منه شيئًا (صدقةً) فأعطاه، ثم استدار الشحّاذ وقابله في منعطف الشارع وطلب منه فأعطاه، ثم لفّ من شارع آخر وقابله وطلب فأعطاه.. حتى في نهاية المشوار صرخ الشحّاذ وقال: طوباك يا رجل الله، فهوذا طلبتُ منك هذه المرّات الكثيرة ولم تضجر منِّي ولا أرجعتني خائبًا. فأجابه المعلم إبراهيم في اتضاع كثير: هذا مالك يا ابني، أعطاه الله لي لأعطيه لمَن يسأل.
+ وقد تقابلتُ في حياتي مع كثيرين من الأسخياء المُحبّين للعطاء بسرور. والحريصون منهم كانوا يحيون حياة العطاء بحسب الإنجيل، وبحسب الذي تسلّموه من الأبرار الذين أرضوا الرب قبلهم. لأنّ كثيرًا من المراحم تحيط بحياة العطاء، «مَنْ يَرْحَمُ (يعطي) الْفَقِيرَ يُقْرِضُ الرَّبَّ، وَعَنْ مَعْرُوفِهِ يُجَازِيهِ» (أم18: 17). والمزمور يقول: «طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمَسْكِينِ (لمن يتعطف على المسكين والفقير). فِي يَوْمِ الشَّرِّ (السوء) يُنَجِّيهِ الرَّبُّ» (مز40 أجبية). ولكن بالأكثر يقول: «صالِحٌ هُوَ الرَّجُلُ الَّذي يَتَرَأَّفُ ويُقْرِضُ... مَجْدٌ وغِنى فى بَيْتِهِ، وبرُّهُ يَدومُ إلَى الأبَدِ» (مز111 أجبية).
فالعطاء في المسيح هو من فيض النعمة وحياة البرّ، وليس كما يظنّ البعض أنّه مجرّد عطاء مادي ومساعدات تُقَدَّم.. يجب أنّ الذي يقدّم العطايا يقدّمها بيد طاهرة، بقلبٍ عابد للمسيح. وليست الصَدَقة بغرض التكفير عن ذنوب، فالحسنات لا يُذهِبن السيّئات لأنّ هذا مبدأ غير مسيحي، السيئات يمحوها دم المسيح الذي يُطهِّر من كلّ خطية.. والاعتراف بها وغفرانها من فم المسيح بيد الكاهن وتكميل التوبة يكون في الحياة البعيدة عن السيرة الأولى.
ناهيك لِمَا يشوب العطايا ويلوّثها من حبّ التفاخُر والتظاهر ومدح الناس. وهذا ضدّ الوصية الغالية.. «مَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً (رحمة) فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ» (مت6: 3).
لذلك أقول إنّ من بين الأتقياء الذين عايشتهم من كان كثير العطاء في الخفاء، يسلك سلوك القدّيسين الذين أنكروا ذواتهم، رغم أنّهم صنعوا آيات وعجائب.
+ على أن وصية العطاء غير قاصرة على ذوي الأملاك والمقتدرين، فقد رأينا فقراء ومُعدمين مُحبّين للعطاء ويقدّمون للرب فوق طاقتهم بفرحٍ لا يُعبَّر عنه. فبعض المساكين كانوا يأخذون بركة صغيرة من الكنيسة، وكانوا يتصدّقون منها، ويُشاركون من هم أفقر منهم وأكثر احتياجًا.
كيف يكون الفقير والمعدَم كريمًا سخيًّا مُحبًّا للعطاء؟.. هذه هي نعمة المسيح التي أجزلها بكلّ حكمة وفطنة، حتّى صار أولاده كفقراء وهم يغنون كثيرين.
+ «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (2كو8: 9).. فقر المسيح هو الغِنَى الذي لا يُستقصَى.. فكلما زاد الإنسان التصاقًا بالمسيح وقبل آلامه المُخلِّصة المُحيية ليحيا بها وفيها، كلّما زاد غِنى الإنسان وفاضت ينابيعه من فيض نعمة المسيح مخلصنا. «أَمَا اخْتَارَ اللهُ فُقَرَاءَ هذَا الْعَالَمِ» (يع2: 5) ليُخزي بهم الأغنياء.
قيل في البستان عن أحد الآباء النُسّاك العظام، إنّه حلّ فى زمانه غلاء عظيم وقَلَّ الخير. وكان في قلايته ثلاث خبزات. وبعد غروب الشمس، شرع في تناول طعامه، فقرع بابه سائل فقام وأعطاه خبزة. وقبل أن يأكل قرع بابه آخر فقام وأعطاه الخبزة الثانية. وجلس ليكسر الخبزة الباقية فقرع بابه سائل آخر. فيقول البستان أنه ساورته أفكاره عما إذا أعطى آخر خبزة له فما عساه أن يفعل وماذا يكون مصيره؟ ولكنه غلب أفكاره وقفز بشجاعة إيمانية وأعطى الخبزة للسائل. وظلّ هو بلا طعام، وقد استمرّ على هذه الحال يومين وهو صائم شاكراً الله. وبعد هذا ظهر له ملاك الرب وعزَّاه وقال له: من أجل عملك هذا فقد أحسنَ الربّ إلى المنطقة كلّها وأزال الغلاء. وفي ذات اليوم قَدُمَت إلى الدير جمالاً مُحمَّلة بالخيرات.
+ هناك حروب كثيرة من عدو الخير ضدّ عمل الخير والصدقات وعمل الرحمة والإحسان. ولكن الذين عاشوا بالإيمان غلبوه بقوّة الله ومؤازرة النعمة. ويكفي أن نذكُر فلسي الأرملة التي مدحها الرب ذاته، أنّها أعطت «كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا» (مر12: 44)، أمّا الأغنياء فقال الرب: إنّهم «مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا (أعطوا)».
هذا اختبار عميق يعرفه الذين مارسوه وتنعموا به، إنّه اختبار إيماني عاشه المُعدمون بحسب الظاهر، فاختبروا قمّة عناية الله بهم. لقد عاش القديس أنبا انطونيوس هذا الاختبار مدى الحياة لمّا تنازل طوعًا عن كلّ ملكيّته، وألقى رجاءه بالكمال على الله الذي اعتنى به حتى آخر أيّامه على الأرض. وهكذا القديس أنبا بولا لمّا تنازل عن الإرث المادي الغالي وعاش ناسكًا بلا مأوى ولا كسوة ولا قوت.. كيف عاله الله سبعين سنة.. أليس هو الذي عال الشعب الإسرائيلي (2 مليون نسمة) في البرّيّة أربعين سنة، «لَمْ تَبْلَ ثِيَابُهُمْ، وَلَمْ تَتَوَرَّمْ أَرْجُلُهُمْ» (نحميا9: 21) ونعالهم لم تتهرّأ؟
المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
12 نوفمبر 2021
مهابة الكنيسة وكرامتها
مهابة الكنيسة وكرامتها
يقول لنا الكتاب فى الجزء الذى قرأته: فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ.الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ.
الكنيسة هى قطعة من السماء، يجب ان تكون بالغة الجمال، ولذلك يمكن ان نسميها تجاوزا انها “سفارة السماء على الارض”، وكما نقول فى الصلاة الربانية “كما فى السماء كذلك على الارض” نصلى ان تكون الكنيسة قطعة من السماء، وكل مرة ادخل الكنيسة وأراها جميلة جدا اتسأءل كيف يكون جمال السماء؟
هذه تعاريف للكنيسة ولكننا نقول ايضا؛ الكنيسة هى بيت الله، او بيت الملائكة، او باب السماء، او عروس المسيح، او مسكن الله مع الناس، او بيت الصلاة، او بيت القديسين، او عمود الحق، او جسد المسيح. كل هذه تسميات للكنيسة،
ولكن اهم ما يمكن ان يوجد فى اذهاننا انها قطعة من السماء على الارض،
ماهى وظيفة الكنيسة:
الكنيسة تقوم باعمال كثيرة ولكن الوظيفة الرئيسية لها والدور الحيوى فيها هو اعداد المؤمنين للملكوت، وهذا الاعداد هو رحلة حياة يأخذ الحياة من الصغر الى نهاية العمر، لهذا تبتدأ الكنيسة مع الطفل الصغير الرضيع بصلاة الحميم وسر المعمودية وتمتد عبر الحياة الى نهاية الحياة الى ان تصلى وتودعه الى السماء، اعداد الانسان للسماء.
وهذا أمر يجب ان يكون واضحا فى ذهن كل من يخدم، نقابل على الارض مشكلات ومتاعب لكن من يخدم فى أى مستوى يجب ان يعى تماما ان من نخدمهم هو ان نخدمهم لكى ما يكون لهم نصيبا فى السماء،
السماء مفتوحة لكل احد، ولكن لمن يعيش هذا الايمان بالمسيح ويسلك حسب وصية المسيح ويحيا فى كل يوم بالكلمة المقدسة فى حياته من خلال الكنيسة المقدسة، هذه هى وظيفة الكنيسة
قد نقيم أنشطة نقيم احتفالات كله جيد وجميل، ولكن الهدف الرئيسي والاول من فصول مدارس الاحد حتى الاجتماعات الكبيرة والاجتماعات النوعية والاجتماعات التعليمية والاجتماعات التخصصية بكل اشكالها لها هدف واحد وهو ان يصير للانسان نصيب فى السماء.
ولذلك ياأخوتى الارتباط بالكنيسة والحياة بداخلها والتعلم منها وتربية اولادنا وبناتنا وشبابنا داخل الكنيسة والانجيل وداخل هذه المفاهيم شئ هام جدا.
ولذلك نسمى الكنيسة الأرثوذكسية (كما تعلمون كلمة ارثوذكسية معناها الاستقامة) الارثوذكسية هى الطريقة المستقيمة لتمجيد الله.. الطريقة التى ليس فيها تحايل ولا تسيب نستخدم ما فى العصر ونستخدم التكنولوجيا المتاحة التى ممكن ان تكون مفيدة ولكن نحفظ مبادئ نقية لان الخطية هى “خاطئة جدا”
الخطية هى خطية مهما غيرنا لها العنوان.
اعرفوا ياأخوتى انه “لا خلاص خارج الكنيسة” كما يقول القديس اغسطينوس، ويقول القديس كبريانوس “من لم يتخذ الكنيسة اما لا يكون الله أبيه”، والقديس اغسطينوس يقول “حينما كان المسيح ظاهرا فى الجسد كانت الكنيسة مخفية فيه، هو يعمل كل شئ لها. وحينما صعد بالجسد صار هو مخفيا فيها، وصارت تعمل كل شئ به ولأجله”، ويوحنا ذهبى الفم قال عبارة اجمل “السماء الكنيسة هى اعلى من السماء واكثر اتساعا من الارض لانها يمكن ان تحتضن الجميع”
ماهى مكانة الكنيسة بالنسبة الى الانسان
اولا: الكنيسة فيها احتياج كيانى للانسان : كل واحد منا يحتاج الكنيسة، فقصد الله عندما بدأت البشرية ان يعمل على تأمين الانسان فى وسط المجموع، عندما نقرأ فى العهد القديم، نقرأ عن كنيسة البرية وهى خيمة الاجتماع، خيمة ولها تفاصيل كثيرة فى سفر الخروج لكن اهم مافى هذا الامر انها كانت تتحد معهم، عندما يتنقلوا يفكوها ويحملوها ويمشوا بها وعندما يقفوا فى مكان ينصبوا الخيمة بكل التفاصيل، وكانت هذه الخيمة فى البرية تنتقل معهم من مكان لمكان ولكن هى مسكن الله مع الناس. ثم تطورت الفكرة وصارت ثابته فأنشئ لهيكل فى اورشليم، وصارت مبنى ثابت ومبنى ايضا له فخامته وعظمته وتقسيماته الداخلية والخارجية، وهذا الهيكل فى اورشليم هو الذى تهدم فى الحادثة المعروفى باسم خراب اورشليم عام 70 ميلاديا بعد صعود ربنا يسوع المسيح ومازال مهدوما.
من الهيكل فى العهد القديم نشأت الكنيسة فى العهد الجديد، كانت الكنيسة فى البداية صغيرة مبنية بخشب بامكانيات محلية قليلة جدا، نسمع عن الكنيسة المعلقة كانت معلقة فوق احد الحصون وهو حصن بابليون فيها كمية اخشاب كثيرة، ونسمع عن كنائس الاديرة كان النمل والسوس يهاجم الاخشاب ويسقطها، ولكن صارت الكنيسة مع بدايات القرون الاولى لها مبنى، وصارت تسمى كنيسة مسيحية، وانتشرت الكنيسة فى العالم، وهى التى قال عنها السيد المسيح لبطرس الرسول وفى حضور كل التلاميذ “على هذه الصخرة ابنى كنيستى”.
وبنيت الكنائس فى بعض الاماكن على شكل الفلك باعتبار ان الكنيسة هى السفينة التى تنقذ الانسان فى بحر العالم، وبنيت فى مواضع اخرى على شكل الصليب، وكلها تدور فى هذه الاشكال الهندسية وبرع المصممون فى اشكال كثيرة وان احتفظت بطابعها، يوجد فيها مثلا 12 عمود للتلاميذ وبعض الكنائس اربعة للبشيرين الاربعة، وصارت الكنيسة هى مسكن الله مع الانسان فى العالم كله، وابسط تعريف يقوله الاولاد الصغار (بيت ربنا)
ولذلك ياأخوتى احترام الكنيسة مسؤلية كل صغير وكبير فينا، حتى وان كنيستنا كنيسة شعبية لكن كيف تكون بارعة الجمال فى نظامها فى نظافتها فى كل مافى داخلها من مكونات
الكنيسة احتياج كيانى فى الانسان
وامتداد لهذا الاحتياج الكيانى المسيح يسكن فى الكنيسة، فالمسيح يسكن فيا –فى الانسان- وصار المسيح فينا وصرنا جميعا نسمى اعضاء جسد المسيح، والمسيح رأس هذا الجسد وكما يعلمنا الكتاب المقدس “من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فيا وانا ايضا فيه”
الامر الثانى : الكنيسة حضور دائم للمسيح : فى اخر انجيل معلمنا متى البشير قال “ها انا معكم كل الايام والى انقضاء الدهر” فالكنيسة تمثل الحضور الدائم لشخص المسيح، فى قصة شاول الطرسوسى الذى كان يضطهد كنيسة الله بافراط –كما قال عن نفسه- يسمع من المسيح “شاول شاول لماذا تضطهدنى، يقول له من انت ياسيد، فيجيبه انا يسوع الذى تضطهده” اين هو يسوع! هو الحاضر فى المؤمنين هو الكنيسة، عندما تعرض كل المسيحين فى اورشليم للاضطهاد وقت استفانوس ورجمه تشتتوا فى بلاد الشام ذهب شاول وراءهم وهو فى طريق دمشق يظهر له المسيح ويقول له “انا يسوع الذى انت تضطهده” يسوع الذى يسكن فى قلوب المؤمنين، وقلوب المؤمنين تبنى وتجتمع من خلال الكنيسة،
لهذا تعلمنا “أما تعلمون انكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم” فيصير كل انسان فينا هو كنيسة ولها مذبح، هو القلب، قلبك هو مذبح كنيستك، ومجموعنا كلنا يشكل كنيسة الله الحية وكلنا نتناول على المذبح،
هذه هى الكنيسة وهذا هو المسيح الذى يحيا فينا
الامر الثالث : ان الكنيسة هى ايضا نافذه على الابدية : نحن نصلى فى اتجاه الشرق –كما تصلى ايضا الكنيسة الروسية- اعيننا كلها على السماء فى الشرق، وعندما يصرخ الكاهن “اين هى قلوبكم؟” كلنا نجيبه “هى عند الرب”
والكنيسة بينطبق عليها قول بطرس الرسول فى وقت التجلى “جيد يارب ان نكون هاهنا” ماأروع ان اكون فى الكنيسة، وعندما نعبر فى الترنيمة المشهورة “الكنيسة هى بيتى وهى امى وهى سر فرح حياتى” هذا تعبير قوى وأصيل عن مكانة الكنيسة فى حياة الانسان، ومن الملفت للانتباه انها بالصيغة الفردية، يعنى هى بيتى كشخص وهى امى، وهذه المعانى معان كبيرة بالنسبة للانسان
فتصير الكنيسة فعلا نافذة على الابدية، هل جربت تدخل الكنيسة وهى فارغة؟ جربت تجلس فى خشوع بعد ان تنير شمعة؟ ان اختبرت هذه الخبرة الروحية وعشت فيها بكيانك سوف تكتشف انك امام نافذة على السماء، وسوف تكتشف كم تكون السماء جميلة وجذابة لكل انسان، لهذا نقول فى كل قداس “يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه”.
فتصير الكنيسة نافذة، ونحن جالسين فى الكنيسة ونتطلع للشرق كأننا وبالحقيقة نتطلع الى السماء،
وكنيستنا تعلمنا ان حامل الايقونات فيه ايقونات القديسين ينظروا الينا هم يتطلعون من السماء الينا واعداد كبيرة جدا من القديسين يتطلعون الى الذين يجاهدون على الارض فى جهادهم الروحى وفى حياتهم الروحية، لان الانسان عندما يتطلع الى السماء على الدوام تهون عليه الارض، ولا يتعلق بها او تحيا بداخله، ويصير انسانا سماويا واذا صار بالامانة يكون مستحقا النصيب السماوى
هذه الكنيسة فى مكانتها بالنسبة للانسان : احتياج كيانى، وحضور دائم للمسيح، ونافذة على الابدية
اذا اراد ربنا وعيشنا فى المرات القادمة نتكلم عن مصادر مهابة الكنيسة وكيف نحتفظ فى كنائسنا بهذه الكرامة وهذه المهابة
لالهنا كل مجد وكرامة من الان والى الابد. أمين
المزيد
11 نوفمبر 2021
شخصيات الكتاب المقدس حواء
حواء
«لأن آدم جبل أولاً ثم حواء»
مقدمة
لا أعلم ان كانت هناك شخصيات كثيرة تعرضت لها أقلام الكُتّاب والأدباء والشعراء والفلاسفة ورجال الدين في حقب التاريخ المتعددة كما تعرضت لشخصية حواء، ولا أعلم أن هناك شخصيات كشخصية هذه المرأة، فمنهم من سار وراء أفلاطون، الذي نبه الأذهان، في معرض حديثه عن الحب، إلى أنها وقد جاءت به إلى الأرض قد أمدت الحياة البشرية، بما ليس له مثيل أو ضريب بين الناس، وأن الحب الذي تزرعه فينا ليس الا شعاعًا من نور حب الآلهة في السماء.. ومنهم من قفا أثر خطوات شوبنهور عدوها الألد، فنعتها بكل شر وصب عليها كل سخط وحملها كل رذيلة، وعدها مأساة الوجود المفزعة المنكرة الرهيبة التي تركت أبشع الآثار في التاريخ البشري، ومنهم من لم يؤمن بأفلاطون أو شوبنهور، وبما ارتآه فيلسوف اليونان القديم أو الفيلسوف الألماني المحدث كل على حدة، بل رآها مزيجًا من كل شيء، وسار وراء الأسطورة الهندية القديمة التي تقول: إن الخالق أودع في حواء «استدارة القمر، وعمق البحر، وتدافع الأمواج، ولمعان النجوم، وشعاع النور، وقطرات الندى، وتقلب الريح، وعطر الورد، ورقة النسيم، ونشوة الراح، ونضارة الذهب، وقسوة الماس، وحكمة الحية، وتلون الحرباء، وشرود الغزال، وزهو الطاووس، وشراسة الأسد، وغدر الزمان، ومكر الثعلب، ولدغة العقرب، ونغمة اليمامة، وهذيان الببغاء» ومنهم من أعياه هذا الجد المزيج بالعبث، وهذا التعقيد المتشح بالبساطة، فنفض يديه وتجنب الحديث عنها، وتبع الأسقف مارتنسن الذي اعتقد أن العقل الإنساني والزمن لم يبلغا بعد من القوة والنضوج، ما يعينها على التكلم بطلاقة دون ذلل عن هذه الشخصية المدثرة بالأسرار، وما أحاط بها من ظروف، تعد أعوص ما جابه الوجود البشري من أعماق..!! على أنني مع ذلك أحس أننا سننال غنى كثيرًا ونحن نتأمل هذه الشخصية العجيبة التي وقفت على رأس التاريخ البشري لتكون أمه، ولتوجهه هذا التوجيه الهائل الأبدي: من هي؟ لم خلقت؟ وكيف خلقت؟ كيف جربت وسقطت وعوقبت ونهضت؟ واني ارجو في نور كلمة الله أن تتمكن من دراستها دراسة صائبة منصفة، بل أرجو أن تنير لنا هذه الكلمة مناحي الضعف أو القوة في كل ما كتب عنها.
حواء: من هي؟
في أغلب الديانات القديمة، من بابلية، وأشورية، ومصرية، وهندية، ويونانية، نجد ذكرا للمرأة الأولى وزوجها، بصور تقرب أو تبعد عن قصة الكتاب، ولئن لم تبلغ هذه الأقاصيص جمال القصة الأخاذة التي دونها موسى في سفر التكوين، ولئن لم ترق إلى سموها ونقاوتها وبساطتها، فانها مع ذلك تقف شاهداً على اعتراف جميع الأجيال والشعوب بحقيقة شخصيتها، كالأم الأولى التي جاءت منها الأجيال البشرية قاطبة، وأن ما ذهب إليه دارون وأشياعه من أصحاب النشوء والارتقاء، مردود واه ضعيف.. على أننا ونحن نتلمس صفحات الوحي، لا ندحة لنا عن الاعتراف، بأنها شخصية صعبة التحليل، وذلك لأن موسى حين عالج قصتها لم يضعها، قصة تاريخية خالصة أو رمزية خالصة بل وضعها قصة اتشح فيها التاريخ والحقيقة ثوبًا من الأموز، فأنت أذ تقرأ عن المرأة التي بنيت من ضلع رجل، وشجرة معرفة الخير والشر، وشجرة الحياة، والحية المغرية لابد تحس أن هناك معاني كثيرة متعددة تستتر وراء هذه الأسماء والعبارات الرمزية، وأن هذه المعاني تكلفك أشق الجهد وأضناه في سبيل بلوغها، والوصول إليها، أضف إلى ذلك أن موسى وهو يتحدث عنها، لم يقصد أن يرينا من هي حواء، بقدر ما آثر أن يرينا ما رسالتها ولذا نراه يمر مروراً سريعًا على طريقة تكوينها، ليقف بنا فقط عند تجربتها، وأثر هذه التجربة في نفسها وزوجها والكون بأجمعه، وقد سار الناس وراء موسى، فلم يعنوا بالنظر إلى حواء كامرأة، تاريخية لها شخصيتها وطباعها وخصائصها التي تنفرد بها عن غيرها، بل عنوا بالنظر إليها كامرأة رمزية مثالية، تعد عنواناً وصورة للمرأة في كل الأجيال، ومن المؤسف أن كثيرين من الذين اجتهدوا في تحليل شخصيتها الخاصة لم يستطيعوا التخلص مما لصق بأذهانهم من صور عامة عن المرأة، أو بما كان لهم من ظروف خاصة في حياتهم، فهناك مثلاً ذلك التقليد اليهودي الطريف الذي يقول إن حواء أعطت زوجها ليأكل معها حتى يموت لئلا يتزوج بامرأة أخرى تأتي بعدها، وهي محال أن تستريح في قبرها ومعه أخرى تأخذ مكنها، ولا أخال القاريء في حاجة إلى أن يدرك أن هذا التقليد أملاه الشعور العام بما يعتقده الكثيرون عن غيرة المرأة وشدة أنانيتها، وملتون الشاعر الانجليزي الضرير الذي يعد أبدع من كتب عن حواء في الفردوس المفقود والمردود، لماذا يصورها لنا أثرة، متكبرة، شديدة الاعتداد بذاتها؟ أغلب الظن أنه فعل ذلك تحت تأثير الحياة الزوجية المعذبة التي عاناها، لقد كان هذا الشاعر نفسه بائسًا في حياته الزوجية، ولقد ألقت زوجته - وهو لا يدري - ظلا عميقًا عنيفًا على ما كتب.على أننا مع ذلك يمكننا أن نقول، ونحن في أمن من الزلل أن حواء كانت تتمتع بحظوظ ثلاثة: «الجمال، والسذاجة، وقوة العاطفة»..
الجمال
أما أنها كانت جميلة فهذا مما لا ريب فيه وقد حرص الفن على أن يبرزها دائمًا رائعة الحسن وضاحة الجبين، مشرقة المحيا وما نظن أن صورة واحدة لرسام ما شذت عن ذلك، والتقليد اليهودي يقول إن آدم بهر بجمالها، واستقبلها أحر استقبال، مشدوها صائحًا بالقول: «هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي» وهل يمكن أن تكون غير ذلك، وقد خلقها الله لتكون ختام عمله في الجنة والتاج الذي يضعه على مفرق الرجل.. ان الكلمة بني التي استعملها موسى وهو يصف عملية خلقها كلمة غنية في الأصل بالمعاني التي تشير إلى دقة وروعة وقدرة ونشاط الحكمة الإلهية في إبداعها، لم تكن حواء جميلة فحسب بل كانت، فيما أعتقد آية ونموذجًا للجمال، لم تبلغه امرأة أخرى من بناتها بعدها.... وذلك لأن جمالها خلق قبل أن تعرفه الخطية ويمسخه الشيطان، وما تبقى لها بعد ذلك منه إن هو إلا مسحة رائعة متكسرة تشهد بعظمة تلك الأصول القوية الأولى التي عصف بها السقوط، وهوى بها ما تبعه من أمراض وأوجاع وأحزان ودموع وتعاسة وشقاء وشر وآثم هي المعاول القاسية الهدامة لكل حسن وجمال، ألا ما أفظع الخطية وأبشعها أثرًا في خلقة الإنسان وخلقه، فالخطية أعدى أعداء الجمال، وأشدها تنكيلاً بروعته، وفتتنه وحسنه، ولن يعود الجمال إلى عرشه الضائع، ومجده السليب، ولن يسترد ما ولي عنه من أنوار أخاذة قديمة، حتى تتحرر الأرض من الآثم، وتغسل من الفساد، وتتطهر من الشر، ويقف ذلك الجمع الهائل الذي أبصره الرائي القديم من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة أمام العرش، وأمام الخروف، متسربلين بثيابهم البيض، وفي أيديهم سعف النخل، حين ترجع حواء وأبنائها وبناتها المخلصون إلى الفردوس الأبدي المردود!!
السذاجة
كانت حواء اذن من الناحية البدنية ذات جمال كبير، على أنها من الناحية العقلية كانت ساذجة قاصرة غريرة ضيقة التفكير محدودة الإدراك، وقصة عدن فيما اعتقد تشجعنا كثيراً على هذا الاستنتاج، فهي كما وصفها جورج ماثيسون «قصة الطفولة في أدق ما في الكلمة من معنى، طفولة الطبيعة الإنسانية التي لم تلف وراءها السنين الطوال من المعرفة والاختبار والمران والتجربة، الطفولة التي لم تكن قد اشتبكت بعد في نضال الحياة، وجابهت ما فيها من تنوع واختلاف وتلون وصعوبة توقد العقل وتشحذ التفكير».. بدأت حواء حياتها في الجنة وكانت أمامها أيام طويلة، قبل أن تبلغ مرتبة الوعي والإدراك والنضوج الكامل، وما الجنة في الواقع إلا روضتها ومدرستها التي كانت ستستعين بها على النمو والرقي والتقدم الفكري، كما أن المجرب اتجه إليها دون آدم لأنه أدرك أنها أقل فطنة وذكاء وتحذرًا.
قوة العاطفة
على أن ما فاتها من هذه الناحية قد عوضته في وقدة الشعور وحدة الإحساس والتهاب العاطفة، وأظننا جميعًا نتفق مع ما ذهب إليه أفلاطون وفيلو والكنيسة في العصور الوسطى من أنها تمثل الجانب العاطفي والإحساسي في الرجل وأن منطقها يسكن بين جنبيها، أكثر مما يرتفع إلى عقلها، وأن حجتها تأتي دائمًا من وراء حواسها أكثر منها من وراء النقاش المنطقي العقلي الرتيب، ولقد ورثت بنات حواء عن أمهن هذه الخلة العاطفية وكانت سلاحهن الجبار في الخير أو الشر على حد سواء، فقد استطعن بالضعف والابتسامة والحنان والدموع أن يهززن العالم ويوجهن التاريخ البشري بأكمله على مدى الأجيال!!
حواء: لم خلقت!!
لا يحتاج المرء إلى كبير عناء، وهو يتأمل ما كتب موسى في سفر التكوين عن حواء حتى يدرك أن الله خلقها لتؤدي رسالة مزدوجة: حواء الزوجة وحواء الأم.
حواء الزوجة
كان كل شيء في جنة عدن حسنًا، جميلاً، ظليلاً، ولكن آدم أحس مع ذلك أن قلبه موحش فارغ، وأن شيئًا غير يسير من الإحساس الكئيب بالانفراد والعزلة يتمشيء بين ضلوعه، أنظر إليه، أنه يكاد يودع جميع الحيوانات والطيور والبهائم التي جاءت إليه ليسميها بعين نهمة مشوقة، لقد جاءته أزواجًا وأزواجًا، أما هو فلم يجد معينًا نظيره، كان في حاجة صارخة إلى حواء.. إلى حواء التي ستهز حياته هزا عنيفًا بل ستخلق هذه الحياة خلقًا رائعًا فذا جديدًا. لا أود أن نسير مع أفلاطون في خياله العنيف: إن المحبة الكائنة بين الرجل وامرأته هي الخير الوحيد الحقيقي الأبقى في الأرض وأن المحبة الزوجية هي العربون الأمثل الصافي لمحبة السماء، ولا أريد أن نجنح كثيرًا مع العقيدة الخيالية التي أخذ بها المفسر الإنجليزي البارع يعقوب بهن: «إن آدم بمفرده كان في طريقه إلى السقوط، وأن الله جاءه بحواء لتنقذه من الانحدار الذي أوشك أن يتردي فيه وحين قال: «ليس جيدًا أن يكون آدم وحده» كان يبصر في أغواره البعيدة عناصر السقوط والهدم».. ولكني مع ذلك أود أن أقول دون تردد: أن أثر حواء في حياته كزوجة كان أثرًا هائلاً منقطع النظير.. لقد كانت قيثارته الشجية المبدعة التي علمته أعذب ألحان الحياة، والسحر الذي نثر حوله جوا من النور والدعة والإشراق والجمال، لقد كانت له بمثابة الرجع العميق لصوته الذي يهتز في أرجاء الجنة، والصدى الحلو الذي يتردد إليه كلما تحدث أو فاه أو ترنم كانت صديقه الحنون الذي يأنس إليه، كلما أخذه تعب أو كلال، والمؤنس الذي يناجيه ويناغيه في ظلال الشجرات السادرة ساعة الهدوء، وبالجملة لقد علمته كيف يحب، ويتذوق، ويبتسم، ويتغنى، ويرضى، ويناضل، ويبتكر ويتقدم... لقد علمته كل شيء. أليست هذه هي رسالة المرأة دائمًا للرجل؟ من علمه المحبة، والفن، والشعر، والموسيقى، والأدب. والابتكار، وغيرها؟ من أوقد فيه العبقرية، والذكاء، والحمية، والنضال، والانتصار سواها؟ من ذا الذي ينسى أن «التاج محل» إحدى عجائب الدنيا العظيمة بناها وفاء رجل لزوجته العزيزة؟ ومن ذا الذي يجهل أن دانتي كتب آيته الخالدة من أجل بياتريس؟ ومن ذا الذي يغفل وهو يذكر هوبر السويسري من أبرع أساتذة الحشرات في التاريخ الحديث أن يحنى رأسه بإعجاب لزوجته العظيمة الزوجة التي أحبته، وأصرت على زواجه رغم فقدانه البصر، ودرست له وأعانته في بحوثه وتجاريبه حتى أخرج للعالم كنوزه الخالدة في علم الحشرات؟ إن ما تقدمه المرأة لزوجها يعجز القلم مهما اقتدر عن الالمام بأثره؟
حواء الأم
كانت رسالة حواء الثانية السامية والرفيعة التي بلغت مستوى رسالتها الأولى: رسالة الأمومة لقد خلقها الله لتكون أمًا، وليملأ بأبنائها وبناتها الأرض، وقد خلفت حواء قايين، وهابيل، وشيثا، وأبناء، وبنات كثيرين، ولكنها خلقت فيهم ومعهم غريزة من أسمى وأقوى غرائز المرأة إطلاقًا، غريزة الأمومة، ولعل حواء وهي تخلع على بنيها الثلاثة أسماءهم، قد كشفت في الحين نفسه عن العناصر الثلاثة لهذه الغريزة المضطرمة في أحشائها، وبين حناياها، ففي قايين نرى الأمومة في ولعها وشوقها، وفي هابيل تبصرها في حزنها وألمها، وأما في شيث ففي انتظارها ورجائها.
دعت حواء ابنها الأول قايين أي «اقتناء» وهذا الاسم إن دل على شيء فانما يدل على أول ما تحس به الأمومة إزاء الأبناء: الولع والشوق والفرح والبهجة بمجيئهم.. الولع الذي جعل سارة تدعو ولدها اسحق أو الضحك «قد صنع إلى الله ضحكًا، كل من يسمع يضحك لي» والذي حدا براحيل أن تقول ليعقوب: «هب لي بنين. وإلا فأنا أموت» والذي دفع باليصابات أن تخفي نفسها خمسة أشهر قائلة: «هكذا فعل الرب في الأيام التي فيها نظر إليّ لينزع عاري بين الناس».
أما الثاني فكان هابيل أي «نفحة» أو «بطل» وهو يشير إلى الناحية الحزينة من الأمومة التي تبكي أبناءها الحزانى أو المتألمين أو الصرعى، كما بكت حواء ابنها هابيل، الأمومة التي تدفع أقسى الضرائب من الدم والدموع والألم في سبيل أولادها، كما دفعت هاجر المصرية التي طرحت ابنها في ظلال الشجر وجلست بعيدًا عنه تبكي لأنها لا تستطيع أن تراه يموت وكما هبت راحيل منتفضة من قبرها تصيح في وحي النبي مذعورة على أبنائها القتلي: «صوت سمع في الرامة، نوح بكاء مر، راحيل تبكي على أولادها، وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين». وكا قيل عن الأم العظيمة النموذجية: «وأنت أيضًا يجوز في نفسك سيف».. قد ينسى الشاب في الحرب أو الغربة أو الفشل أو المرض أو الجوع أن يبكى ولكن أمه هيهات ومن المحال أن تنسى»..
أما الثالث فهو شيث أي «عوض» وهو الناحية الانتظارية أو الرجائية في الأمومة، وماذا تنتظر لابنها ومنه؟ تنتظر المجد والحب!! أنها وهي تهدهد سريره الصغير تحلم له أعز الأحلام وأروعها، تريده لو استطاعت ملكًا جليلاً، حتى ولو بنى عرشه ومجده على أنقاضها كما كانت تتمنى أم نيرون لولدها... وماذا تنتظر منه؟ أنها تريد فقط رجع محبتها، وصدى حنانها، تريده أن يبتسم لها ويقدر عطفها ألا ليتنا مثل ليفنجستون الذي وقف أمام قبر أبيه وأمه يبكى وهو يضع الرخامة المنقوشة: «تحية ابن إلى والديه العظيمين الفقيرين» ولما طلب منه أن ينزع كلمة «فقيرين» أجاب: كلا؟ فلولا فقرهما لما استطعت أن أدرك تمامًا عظمة نبلهما وحياتهما الباذلة التي خلقتني، ودفعتني من بين أنياب الحرمان ومرارته،.. أيها الأبناء: ما أثقل الدين عليكم تجاه الأبوة والأمومة!!
حواء: كيف خلقت؟
في إبداع حواء وخلقها أرجو أن لا يغيب عن ناظرينا أمران ظاهرا الوضوح: إن حواء خلقت أثناء نوم آدم، وإنها أخذت ضلعًا من أضلاعه.
خلقت أثناء نومه
هذه هي العطية العظيمة، جاءته في شبه مفاجأة ومباغته «فأوقع الرب سباتاً على آدم فنام» والكلمة «سبات» تعني في أصلها نومًا ثقيلاً، كان آدم غائبًا عن نفسه ووعيه وإدراكه حين جاءته نفسه الثانية، كان نصيبه منها نصيب المستلم المتقبل، وقام الله بالتدبير والتكوين والإبداع والخلق، وهذا في نظري أساس كل زواج سليم، الزواج الذي يستسلم الإنسان فيه للإرادة الإلهية الحلوة، الزواج الذي ينام فيه الرجل نوم الرضيع الهانيء، الزواج الذي يغضي فيه عن كل الأغراض الأنانية الضعيفة.. ألا ليتنا نعرف كيف ننام عن تلك الشروط البغيضة التي كانت وما تزال أساس الشقاء البيتي والتعاسة الزوجية!!
أيها الشاب يا من تريد أن تختار زوجتك: حذار أن تثور فيك تلك الطباع الضعيفة الممقوتة، فتطلب ما ألف الكثيرون أن يطلبوه دون ارادة الله - مراراً يصر المرء على الجمال وينسى ذلك القول الحكيم الكريم: «الحسن غش والجمال باطل. أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح» فكأن الجمال مقبرة سعادته وهدوء باله، ومراراً يبحث المرء عن الثروة جلاده ومعذبه الفظيع، وكم مرة بحث عن الجاه وما أشبه فعاش حياة تعسة شقية.. أيها الشاب أتعلم كيف نام اسحق عن هذه كلها؟ أنظر إلى هذا الزواج النموذجي تعلم كيف تتزوج! لقد أودع اسحق الأمر كله بين يدي الله وخادمه الأمين، ولم يسع هو مع ذلك الخادم. ولو ليبصر فقط الزوجة التي ستشاركه الحياة، الأمر الذي يعد من أبسط البديهيات في عصرنا هذا... فكافأ الله تسليمه برفقة الجميلة المعينة المدبرة.
أخذت ضلعًا من أضلاعه
هذا هو الأمر الثاني الترتيب في خلقها، وأظننا نذكر قولة متى هنري المشهورة بهذا الصدد: «إن الله خلقها ضلعًا تطوق قلبه ليحبها تحت إبطه ليحميها، ولم يخلقها من قدمه لئلا يدوسها، أو من رأسه لئلا تسيطر عليه» ولعل الاضطراب الذي عانته البشرية قديمًا وحديثًا يرجع إلى رغبة الرجل أو المرأة في الشذوذ عن هذا الوضع، والخروج عليه. فاذ نسى الرجل أن المرأة نظيره، وأنه رأس لها وليس رئيسًا عليها إذ: «الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب» وأن الرأس مهمته في الجسد القيادة فقط وليس السيطرة والاستبداد، اختل كل تعاون سليم محمود بينهما، واذا نسيت المرأة أنها لم تخلق لذاتها بل خلقت من أجل الرجل لتصبح مجده، ورامت أن تستقل عنه وتناهضه لضاعت وأضاعته.. هذه خلاصة حكمة الرسول العظيم، الحكمة التي ما تزال اختبارات الأجيال البشرية تضفي عليها كل يوم وضوحًا وتألقًا ونورًا.
حواء: كيف جربت وسقطت وعوقبت ونهضت؟
أظن أنه ليس من المستحب كثيرًا ونحن نستعرض قصة السقوط أن ندخل في شكليات عقيمة لا جدوى لها: بأية صورة جاءت الحية إلى حواء؟ هل هي ذات الحيوان المعروف لدينا، أم أن هذا صورة ممسوخة عن الأصل القديم؟ وكيف استطاعت أن تتكلم وبأية لغة؟ وإنما يغنينا حقًا أن التجربة قد حدثت وأن المجرب الحقيقي كان الشيطان وأنه سعى إلى المرأة عن طريق الحية، وفي ثوبها، لأن هذا المخلوق أحيل الحيوانات وأصلحها في الإغراء والسقوط. فهو الحيوان الوحيد الذي يؤثر على ضحاياه بتأثير رائع من عينيه، كما أنه يسعى إليها في هدوء ودون جلبة، واذ يدنو منها يقترب إليها في بطء وعلى غرة، وهي لا تعرف من أية جهة يباغتها فهو يدور حولها ويلف كأنما يسعى إليها من كل جانب وهو يصرعها بأية ناحية من جسمه لأنه لا يملك كغيره من الحيوانات سلاحًا خاصًا كقرن أو مخلب أو أنياب وهو يسكن في جحره عدة شهور، ولكنه ما أن يخرج حتي يضحى أكثر من القرد تسلقًا، وأقدر من السمكة سباحة، وأسرع من الغزال عدوًا، وأشد من النمر انقضاضًا!!..
كيف أسقطت الحية حواء؟ هل كشفت لها عن وجه الخطية البشع المريع؟ وهل حدثتها عن التعدي والعصيان والتمرد والموت والهلاك؟ كلا! لقد دثرت كل هذا وأخفته وراء ملمس ناعم ومظهر خلاب وهمست في أذنها بكلمات مداهنة معسولة عن شجرة جميلة وثمرة حلوة وإدراك واتساع كالله في معرفة الخير والشر: «فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر»، «لأن كل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع من شهوته ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطية والخطية اذا كملت تنتج موتًا» بذا قال الرسول يعقوب وقد سار وراءه، وفي أعقابه الرجل الذي أحسن التأمل في هذه العبارة وكان له من ظروفه الخاصة ومن الأحداث التي تحيط بعصره ما أعانه على تصوير مراحل التجربة تصويرًا دقيقًا بارعًا قال توما الكمبيسي: «أن التجربة تأتي إلينا أولا فكرة غامضة لا نستطيع أن نتبينها، ثم تأخذ هذه الفكرة صورة معنية واضحة مجلوة لا تلبث أن تظهر لها حلاوة ندية غريبة تتساقط قطرة فقطرة على القلب حتى تخدره. ومن ثم تتحول إلى قوة مدمرة تعصف به». كان خطأ حواء أنها أصاخت الأذن، فنظرت فاشتهت فمدت يدها وأثمت، وكان يجمل بها أن تفزع وتهرب... ألا ليتها في تلك الساعة قد ذكرت كلمة الله الأبدية المحذرة بالموت! ألا ليتها وهي تقترب من الشجرة شعرت بالذنب وألم الضمير!! إلا ليتها مدت بصرها حينئذ عبر القرون، ورأت الأجيال الغارقة في الدم والدموع والعار والتعاسة والشقاء! بل ألا ليتها رأت أرهب المناظر وأخلدها عن جبين الدهر، منظر ابن الله الحزين يركع بين أشجار الزيتون وعرقه يتصبب كقطرات دم نازلة على الأرض!! ألا ليتها فعلت هذا! إذن لارتدت مصعوقة عن قطف الثمرة.. لكنها لم تفعل فسقطت وعوقبت، وكان عقابها أشد من عقاب آدم لا لأنها أسبق في التعدي فحسب، بل لأنها قادته إليه، وإن كان ايرانيوس يجتهد كثيرًا أن يذكرنا أن العقاب من حيث الوضع البشري هو أهم ما تتشوق إليه المرأة وتنتظره، فلا أنزع إليها ولا أرغب من ولادة الأولاد والحياة الزوجية: «بالوجع تلدين أولادا وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك» ولكن، ألا نحتاج أن تتذكر أيضًا أن هذا العقاب أضحى فيما بعد تجربة بنات حواء، إن لم تحفظهن عناية الله؟ بل ألا نحتاج أن نقول مع صديقنا هوايت «أيها الأزواج: أيها الشباب الذي تخضع له النساء، ألا ليت الله في عونهن حتى لا يكون عقابهن سبب هلاكهن الأبدي لنصل لنا ولهن بكل حرارة ويقين: «بنفسي أشتهيتك في الليل يا الله... تلذذ بالرب فيعطيك سؤال قلبك.. لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمى. من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي.. أما أنا فالبر أنظر وجهك أشبع اذا استيقظت يشبهك»؟
لم يكن العقاب هو المرحلة النهائية الأخيرة في قصة أمنا حواء وهيهات أن يكون، ووراءها تلك المحبة السرمدية العلية، التي سبقت فأعدت خلاصها، وخلاص بنيها قبل تأسيس العالم، في نسلها العظيم الذي يسحق رأس الحية، هذه المحبة التي طوقتها بالحنان والعطف والجود غداة السقوط فصنعت لها ولزوجها أقمصة من جلد وألبستهما لتغطي عريهما.. ولقد أدركت حواء بعد سقوطها أنها خدعت: «الحية غرتني» ومن ثم كانت شديدة اللهفة والشوق إلى مجيء الولد المخلص الذي أخطأته فظننته قايين يوم قالت: «اقتنيت رجلاً من عند الرب». ولما أنجبت هابيل دعته «البطل» ولعلك تدرك أن هذه التسمية لا تمليها إلا نفس شديدة الحساسية بالندم والحزن والتوبة والإدراك بأن: «كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد» وإني من أشد الناس إيمانًا وأجزمهم يقينًا أن حواء سعت بكليتها في أيامها الأخيرة إلى هذه المشيئة الحلوة وصنعتها بذا قال موسى في سفر التكوين وقال بولس في رسالته الأولى إلى تيموثاوس، وقال ملتون في خياله البديع في الجزء الأخير من الفردوس المفقود.دعنى إذن أغنى لحواء ومعها ومع بنيها جميعًا هذه المقطوعة القديمة لمرنم إسرائيل الحلو: «الرب رحيم ورؤوف. طويل الروح وكثير الرحمة لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر، لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا، لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفية، كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا، كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن «الإنسان مثل العشب أيامه. كزهر الحقل كذلك يزهر لأن ريحًا تعبر عليه فلا يكون. ولا يعرف موضعه بعد. أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه وعدله على بني البنين، لحافظي عهده وذكرى وصاياه ليعملوها».
المزيد
10 نوفمبر 2021
الآخر.. مَنْ هو الآخر؟ ما علاقتك بالاخر؟
الآخر هو كل إنسان غيرك. فما هي علاقتك إذن بالآخر؟
حينما خلق الله أبانا آدم، خلق له كائنا آخر هو أمنا حواء وكانت علاقة كل منهما بالآخر علاقة حب وتعاون, نضعها كمثال طيب أمامنا. فلم يحدث في يوم من الأيام أن اختلف أحدهما مع الآخر إنما عاشا متزاملين ومتلازمين، يقطعان غربة العمر معا.يقطفان الورد معا، وقد يجرحان من الشوك معا ثم كانت أول مأساة مع الآخر، فيما قاساه ابنهما هابيل من أخيه الذي قام عليه وقتله. فكان المثال الذي علينا أن نتحاشاه.وبمرور الوقت اتسعت دائرة الآخر في الحياة: من العلاقة بين فرد وفرد، إلى العلاقة في محيط الأسرة، ثم القبيلة. وتطورت إلى العلاقات في البلد الواحد، إلى الوطن الواحد. وأخيرا إلى العالم كله، الذي نشأ من أسرة واحدة. فكيف يكون إذن التعامل مع هؤلاء؟ ولنبدأ بالتعامل مع الفرد، فنقول:
هل أنت تحترم الآخر أيا كان، كإنسان؟ هل نتعاون معه؟
هل تساعد الآخر؟ هل تجده؟ هل أنت على استعداد أن تبذل نفسك لأجل الآخر، وتضحي من أجله بكل شيء؟
اعلم أنه حسب نوعية التعامل مع الآخر، يكون مقياس حضارة الإنسان، فالإنسان المتحضر يكون سهل التفاهم مع الآخر، يأخذ ويعطى معه في مودة ويسر، ولا يسرع إلى الخلاف ما أجمل ما قاله احد الحكماء "ما عاش من عاش لنفسه فقط" إنها الأنانية أو الانغلاقية، حيث يتمركز الشخص حول نفسه، ولا يخرج منها ويندمج مع الآخر. وهذا الاندماج هو البذرة التي يتكون بها المجتمع. وعلى العكس هناك من يرون أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون الآخر.. بل كل نشاطهم هو من أجل الآخر، وكل مواهبهم هي من اجل الآخر. وفي هذا يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
يا صديقي أنا لولا أنت ما غنيت لحن
كنت في قلبي لما كنت وحدي أتغنى
وإن كانت هذه هي كلمات شاعر، وخواطره ومشاعره وألحانه، فإنها أيضًا هي علاقة الكاتب مع الآخر، أعني مع القارئ وكأن الكاتب يقول للقارئ. بلغة إيليا أبو ماضي: أنا لولا أنت ما كنت أكتب! إذ أنني من أجلك اكتب ، حيث يختلط فكرى بفكرك، ويصير لنا فكر واحد، وليس آخر. فأنت هدفي، وأنا وسيلتك. وأنت أذني، وأنا فمك. وكلانا واحد. وحقًا ماذا تكون جدوى كلماتي من غيرك؟! إنها لا شيء! نفس الأمر مع كل من يعمل عملًا، هو لغيره، أو نتيجته لغيره فالبائع لا شيء، إن لم يوجد المشترى والمتكلم لا جدوى لكلامه، إن لم يكن هناك الذي يسمع والراعي لا صفة له، إن لم تكن هناك رعية والمعلم ما هدفه، إن لم يكن هناك من يتلقى عليه العلم وهكذا دواليك وفى كل هذه الأمثلة تظهر أهمية الآخر..
نقطة أخرى في علاقة الإنسان بالآخر، وهي إن الإنسان الواسع القلب، لا يزاحم الآخر في طريق الحياة.. بل هو في سيره، يفسح طريقًا لغيره. يفسح له الطريق ليعبر، أو لكي يسير معه في نفس الطريق. إنه لا يتعالى على الآخر، ولا يتفاخر، وهدفه أن يلتقيًا ولا يتباعدًا. وأتذكر أنني كتبت عن ذلك في إحدى قصائدي منذ زمن بعيد.
قل لمن يجرى ويعلو شامخ
يا صديقي قف قليلًا وانتظرني
نحن صنوان يسيران مع
إنا في حضنك مل أيضًا لحضني
قل لمن يعتز بالألقاب إن
صاح في فخره: من أعظم منى؟!
أنت في الأصل تراب"تافه"
هل سينسى أصله من قال "إني"..؟!
يا أخي اعرف جيدًا في صراحة كاملة انه كلما ازدادت (الأنا) عندك، حينئذ يختفي الآخر في مقاييسك حيث تقول: من الذي يعيش ويظهر، وينمو وينتشر: أنا أم الآخر؟ وحيث يقول البعض: إذا مت عطشان، فلا نزل المطر!! أو تقول : فلأكن أنا المنتصر على الدوام، وغيري المهزوم..!
الدنيا هي دنياي أنا، خلقها الله لي، لكي أعيش!! وتنسى أن الله تبارك اسمه، قد خلق الدنيا للكل، والكل رعاياه وموضع اهتمامه لماذا تطلب أن يختفي الآخر لكي تظهر أنت؟ ألا يمكن لكما أن تعيشا معا؟ حقًا إن عمق الاهتمام بالآخر يكمن في إنكار الذات ،وإيثار الغير على النفس. بينما إهمالك للآخر لون من الأنانية يا أخي، لماذا يكون قلبك ضيقًا، فلا يتسع للآخر؟!
ولماذا. إذا ما اتسع قلبك. فإنما ينفتح لنوعية خاصة من الناس ، بينما ينغلق أمام الآخرين؟! لماذا تخسر الآخر؟!
ليتك تستمع إلى سليمان الحكيم حينما قال "رابح النفوس حكيم" على أن أسمعك وأنت تهمس قائلًا: "ولكن فلانًا لست اتفق معه، طبعي لا يتفق مع طبعه، وفكري لا يتمشى مع فكرة". هنا وأراني مضطرًا أن أردد عبارة جميلة قالها القديس يوحنا ذهبي الفم، وهي: "من لم توافقك صداقته، لا تتخذه لك عدوًا".لذلك نصيحتي لك، لا توسع دائرة أعدائك. فليس هذا من الصالح لك ولا لغيرك..
وهنا أسأل : إذا اختلف معك الآخر في الرأي، هل تحول ذلك إلى خلاف في القلب أيضًا؟!
وهل حينئذ تهاجم الآخر، وتعاديه، وتحقره، وتشهر به؟!ً أم تحاول أن تلتقي به وتتفاهم؟ وإن التقيت معه في حوار، أيكون حوارًا هادئًا، أم ساخنًا، أم ملتهبًا؟ أم حوارًا يسوده الاحترام والمودة؟
وهل يكون هدفك من الحوار أن تنتصر على الآخر، وترغمه على قبول رأيك؟ وهل حوارك ليس للتفاهم، إنما لإثبات شخصيتك، وتثبيت فكرك؟ وهل يؤول حواركما حينئذ إلى مزيد من التباعد في الرأي والقلب؟!
يا صديقي، هل تؤمن بحرية الرأي؟ وبالتنوع والتعدد في الأفكار؟ وهل يظهر ذلك في تعاملاتك؟ أم انك تعمل على إلغاء شخصية الآخر!! فإما أن يوافقك، أو تطرحه بعيدا عنك. ويتحول التنوع إلى خلاف، ويتحول الخلاف إلى قتال ويؤول القتال إلى عداوة، تحتد وتشتد!!
في الزواج مثلا: لماذا يحدث الطلاق أحيانًا؟ أليس السبب هو نفس الإشكال؟ أنا أم الآخر؟!
بينما الحكمة في الزواج، أن يصير الزوجان واحدًا، لا أن يكونا واحدًا وآخر..! وهكذا عن باقي أفراد الأسرة والأقارب، حيث يقول الواحد منهم عن قريبه: إنه لحم من لحمى، وعظم من عظامي. إنه دمى، وليس آخر وبالحب، يتسع نطاق أسرتك، حتى يشمل المجتمع كله. ولا تقول عن فرد منه إنه آخر. بل هذا المجتمع هو ذاتك الكبرى، وليس آخر..! عندئذ يتحول العالم كله إلى أسرة كبيرة متحابة، يتحدثون فيها عن التعاون الدولي، والمؤسسات الدولية، وما إلى ذلك لهذا كله، ينبغي على كل منا أن يتدرب على محبة الآخر. فالعلاقة مع الآخر كلما ازدادت قربًا تتحول إلى وحدة. وأتذكر أنني سئلت مرة عن الوحدة الوطنية فقلت:
يا أخي المواطن: حينما أنظر إلى نفسي فأراك، وأنظر إليك فأراني، وكأنني أنظر في مرآة، وكأننا زوج واحد في جسدين، عندئذ تكون هذه هي الوحدة الوطنية...
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
09 نوفمبر 2021
حياة التقوى القيم الروحية (27)
حياة التقوى مفهومها وأهميتها..
حياة التقوى هى مخافة الله فى السر والعلن التقوى تعنى العيش فى مخافة الله وطاعة وصاياه وان نعطى الله الاحترام والمهابة والتوقير كنتيجة لعلاقة المحبة والعبادة والمعرفة لطبيعته المقدسة والإيمان بحضوره الدائم فى كل مكان ومعرفته لما فى القلوب والخفايا فان كانت الرياضة الجسدية نافعة للحفاظ على سلامة الجسد فالتقوى نافعة وضرورية لحفظ الانسان من الخطية والوصول به الى الملكوت السماوى كما يعلمنا الكتاب المقدس{ لان الرياضة الجسدية نافعة لقليل ولكن التقوى نافعة لكل شيء اذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة } (1تي 4 : 8) .
التقوى حكمة روحية {رأس الحكمة مخافة الرب} مز10:111 فالانسان الذى يخاف الله يبتعد عن الخطية لكى لايتعرض للعقوبة ويخاف من السقوط لان الخطية تفصله عن الله وملائكته وقديسيه وملكوته فالمخافة تدفعنا الى حفظ الوصايا ومن المخافة ننتقل تدريجياً لنصل الى المحبة الكاملة، والتقوى بهذا تحفظنا من الاستهتار او الاستهانة او الاهمال كما تدفعنا على الامانة وحياة القداسة {مكملين القداسة فى خوف الله } 2كو1:7.
تقوى الله تقودنا الى التوبة المستمرة لنصل الى الكمال المسيحى الواجب علينا السير فيه ان حياتنا الروحية، تحتاج إلى تمرين وممارسة وتعوُّد، إن الإنسان يحتاج أن يحفظ نفسه طاهرًا من جهة الفكر والعواطف والتصرفات. وعلينا ان ندرب انفسنا على التقوى ومخافة الرب وضبط النفس، والتدقيق فى ما نشاهده أو نسمعه أو نقرأه ونتدرب على فحص النفس والاعتراف بالأخطاء، وسرعة الرجوع إلى الرب وإلى المسار الصحيح. والاستفادة من اخطاء الاخرين او أخطائنا ومعرفة أساليب العدو الشيطان . والاعتياد على الوجود في محضر الرب، والحديث معه بصدق وإخلاص. وإدراك أنه يرانا واننا سنقدم حساباً عما نفكر فيه او نعمله.
سر الله لاتقيائه والنعمة تسندهم اننا لسنا وحيدين فى جهادنا الروحى للوصول الى التقوى وارضاء الله فالمؤمن التقى يجد التعزية والقوى والنعمة من عمل الروح القدس كما سمعان الشيخ { وكان رجل في اورشليم اسمه سمعان وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية اسرائيل والروح القدس كان عليه. وكان قد اوحي اليه بالروح القدس انه لا يرى الموت قبل ان يرى مسيح الرب } (لو 2 : 25-26)فسر الرب لخائفيه {سر الرب لخائفيه وعهده لتعليمهم } (مز 25 : 14). كما جاء عن اب الاباء ابراهيم {فقال الرب هل اخفي عنابراهيم ما انا فاعله. وابراهيم يكون امة كبيرة و قوية ويتبارك به جميع امم الارض.لاني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده ان يحفظوا طريق الرب ليعملوا برا وعدلا لكي ياتي الرب لابراهيم بما تكلم به} تك 17:18-19 وما أروع ما قيل عن دانيال { حينئذ لدانيال كشف السر فى رؤيا الليل } دا 19:2 ان الله أمين وعادل مع اتقيائه ويهبهم كل ما هو للحياة والتقوى ولكن يجب علينا ان نكون أمناء فى حياتنا ونجتهد فى حياة الايمان والفضيلة بمعرفة وصبر {كما ان قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة. اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية هاربين من الفسادالذي في العالم بالشهوة. ولهذا عينه وانتم باذلون كل اجتهاد قدموا في ايمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة. وفي المعرفة تعففا وفي التعفف صبرا وفي الصبر تقوى. وفى التقوى مودة اخوية وفي المودة الاخوية محبة. لان هذه اذا كانت فيكم وكثرت تصير كما لا متكاسلين ولا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح. لان الذي ليس عنده هذه هواعمى قصير البصر قد نسي تطهير خطاياه السالفة. لذلك بالاكثر اجتهدوا ايها الاخوة ان تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين لانكم اذا فعلتم ذلك لن تزلوا ابدا. لانه هكذا يقدم لكم بسعة دخول الى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الابدي} 2بط 3:1-11.
التقوى في علاقاتنا بالله.. ان التقوى هى تجاوب عملى من المؤمن تجاه محبة الله ورحمته { فاجتاز الرب قدامه "موسى النبى" ونادى الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء. حافظ الاحسان الى الوف غافر الاثم والمعصية والخطية} خر6:34-7. الله الذى من أجل محبته يديم لنا الرحمة {تراءى لي الرب من بعيد ومحبة ابدية احببتك من اجل ذلك ادمت لك الرحمة} ار 3:31.ازاء محبة الله ورحمته لابد ان يكون لدينا تعلق بنوى به وطاعة أمينة لوصاياه وان نعبده بمحبة ولكى نصل للمحبة الكامله لابدان نبتدئ بالمخافة والتقديس { فالان يا اسرائيل ماذا يطلب منك الرب الهك الا انتتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك. وتحفظ وصايا الرب وفرائضه التي انا اوصيك بها اليوم لخيرك} تث 12:10-13.ونتيجة لتقوى الله لابد ان يكون لدينا محبة أخوية للأخرين مقتدين بصلاح الله وخيريته { بم اتقدم الى الرب وانحني للاله العلي هل اتقدم بمحرقات بعجول ابناء سنة. هل يسر الرب بالوف الكباش بربوات انهار زيت هل اعطي بكري عن معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي. قد اخبرك ايها الانسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب الا ان تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع الهك} مي 6:6-8.
التقوى سلوك وحياة .. التقوى ليس ممارسة طقوس ولا عبادة لله بالحرف بل بالروح والحق وهى تعنى الصلاح الرحيم والأمانة فى العلاقات { يا رب من ينزل في مسكنك من يسكن في جبل قدسك.السالك بالكمال والعامل الحق والمتكلم بالصدق في قلبه.الذي لايشي بلسانه ولا يصنع شرا بصاحبه ولا يحمل تعييرا على قريبه. والرذيل محتقر فيعينيه ويكرم خائفي الرب يحلف للضرر ولا يغير. فضته لا يعطيها بالرب ا ولا ياخذ الرشوة على البريء الذي يصنع هذا لا يتزعزع الى الدهر} مز 1:14-5.هذا ما أكد عليه الانبياء { اني اريد رحمة لاذبيحة ومعرفة الله اكثر من محرقات} هو 6:6 . وأكد عليه السيد المسيح له المجد { فاذهبوا وتعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مت 9 : 13). ان الانسان التقى بالعبريه حيسد هو انسان أمين وتقترن عبادته لله بالأمانة التى نفتقدها هذه الأيام الصعبة { ولكن اعلم هذاانه في الايام الاخيرة ستاتي ازمنة صعبة. لان الناس يكونون محبين لانفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين. بلا حنو بلارضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح. خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله. لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها فاعرض عن هؤلاء }2تيم1:3-5.
التقوى تجعل الانسان يقاوم ضد الخطية حتى الدم والنفس الاخير من أجل المواعيد وقيامة أفضل { في الايمان مات هؤلاء اجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها واقروا بانهم غرباء ونزلاء على الارض. فان الذين يقولون مثل هذا يظهرون انهم يطلبون وطنا. فلو ذكروا ذلك الذي خرجوا منه لكان لهم فرصة للرجوع. ولكن الان يبتغون وطنا افضل اي سماويا لذلك لا يستحي بهم الله ان يدعى الههم لانه اعدلهم مدينة} عب 13:11-16. واذ نعلم العالم يمضى وشهوته معه يجب ان نحيا فى سيرة مقدسة وتقوى { لا يتباطا الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتانى علينا وهو لا يشاء ان يهلك اناس بلان يقبل الجميع الى التوبة. ولكن سياتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الارض والمصنوعات التي فيها.فبما انهذه كلها تنحل اي اناس يجب ان تكونوا انتم في سيرة مقدسة وتقوى.منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وارضا جديدة يسكن فيها البر. لذلك ايها الاحباء اذ انتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام} 2بط 9:3-14
السيد المسيح وحياة التقوى والبر ...
قداسة السيد المسيح وتقواه .. السيد المسيح فى تجسده على الارض شابهنا فى كلشئ ما خلا الخطية وحدها وقد قال للذين قاوموه من اليهود {من منكم يبكتني على خطية فان كنت اقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي} (يو 8 : 46) . وقد تنبأ عن تقواه اشعياء النبى قديما { ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من اصوله. ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي بحسب نظر عينه ولا يحكم بحسب سمع اذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالانصاف لبائسي الارض ويضرب الارض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والامانة منطقة حقويه} أش 1:11-5. وعندما قام السيد المسيح بشفاء المولود أعمى منذ ولادته وجاد له المقاومين من اليهود عن من هو السيد المسيح راينا يشهد بتقواه { اجاب الرجل وقال لهم ان في هذا عجبا انكم لستم تعلمون من اين هو وقد فتح عيني. ونعلم ان الله لايسمع للخطاة ولكن ان كان احد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع. منذ الدهر لميسمع ان احدا فتح عيني مولود اعمى. لو لم يكن هذا من الله لم يقدر ان يفعل شيئا}يو 30:9-33. بل شهد له الآب قائلا {و فيما هو يتكلم اذا سحابة نيرة ظللتهم و صوتمن السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا }(مت 17 : 5).
السيد المسيح هو سر تقوانا ..
لقد جاء السيد المسيح متجسداً لكى يرينا كيف نحيا حياة التقوى مقدما لنا ذاته مثالنا لكى ما نتبع خطواته ولكى مايقودنا الى الايمان كى نحيا سر التقوى كما قال الإنجيل { وبالاجماع عظيم هو سرالتقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الامم اومن به في العالم رفع في المجد }(1تي 3 : 16). لقد ظهر الله فى الجسد وصار لنا براً وقداسةً بالروح القدس وقدم ذاته عوضاً عن الخطاة وتراءى للملائكة وتهللت بميلاده العجيب وكرز به بين الامم للإيمان والخلاص وصعد بمجد عظيم الى السموات لياتى ديانا عادلا فى اليوم الاخير ان سر التقوى للمؤمنين باسمه انه القادر وحده بمحبته انينفذ الى أعماقنا ويطهرنا من كل خطية ويفتدينا ويصالحنا مع الآب القدوس .
السيد المسيح وتعاليمه عن تقوى الله ...لقدعلم السيد المسيح ونادى بتقوى الله بين الناس لا بمعنى مخافته فحسب بل بمعنى الإيمان به ومحبته والاخلاص فى التعبد له وحفظ وصاياه والتمثل بصفاته حتى الاتحادبه لنصير واحداً معه ويصير الله هو الكل فى الكل . لقد قاوم السيد المسيح شكلية العبادة { هذا الشعب قد اقترب اليٌ بفمه وأكرمنى بشفتيه ، وأما قلبه فأبعده عنى وصارت مخافتهم منى وصية الناس} أش 13:29 . فجاء السيد المسيح واقترب منا واعلن لنا ابوه الله وبين نظرته للخطاه كمرضى يحتاجون الى العلاج وانه جاء ليبحث عن الضال ليرده {وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين هذا يقبل خطاة وياكل معهم. فكلمهم بهذا المثل قائلا. اي انسان منكم له مئة خروف واضاع واحدامنها الا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لاجل الضال حتى يجده. واذا وجده يضعه على منكبيه فرحا. وياتي الى بيته ويدعو الاصدقاء والجيران قائلا لهم افرحوا معي لاني وجدت خروفي الضال. اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة} لو 1:15-7. { هكذا ليست مشيئة امام ابيكم الذي في السماوات ان يهلك احد هؤلاء الصغار} مت 14:18.
لقد عرف الناس ابوة الله ورحمته وسيبقى حاضرامعنا وحالاً بالإيمان فينا ليعرفنا ويقودنا ايضاً { ايها الاب البار ان العالم لم يعرفك اما انا فعرفتك وهؤلاء عرفواانك انت ارسلتني. وعرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم } يو 25:17-26.
محبة الله ومخافته فى تعاليم السيدالمسيح .. لقدأكد السيد المسيح على ان محبة الله هى الركيزة الاولى التى يبنى عليها الايمان المسيحى {وساله واحد منهم وهو ناموسي ليجربه قائلا. يا معلم اية وصية هي العظمى فى الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 35:22-40. ولقد كان السيد المسيح المثل الاعلى لمحبة الآب القدوس فالمحبة تصل الحد الأعلى لها عندما يكون المحب والمحبوب وحدة واحدة مطلقة { قال له فيلبس يا سيد ارناالاب و كفانا. قال له يسوع انا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رانى فقد راى الاب فكيف تقول انت ارنا الاب . الست تؤمن اني انا في الاب والاب فىّ الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الاب الحال في هو يعمل الاعمال. صدقونى اني في الاب والاب في والا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها} يو 8:14-11.
وكما علمنا المسيح له المجد ان نحب الله فقد علمنا أيضاً ان نحيا فى مخافته كديان عادل يجازى كل واحد كنحو أعماله ان كان خيراً او شراً { بل اريكم ممن تخافون خافوا من الذي بعدما يقتلله سلطان ان يلقي في جهنم نعم اقول لكم من هذا خافوا. اليست خمسة عصافير تباع بفلسين وواحد منها ليس منسيا امام الله. بل شعور رؤوسكم ايضا جميعها محصاة فلاتخافوا انتم افضل من عصافير كثيرة. واقول لكم كل من اعترف بي قدام الناس يعترف بهابن الانسان قدام ملائكة الله. ومن انكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله} لو5:12-9. فاننا سننال المكافأة او الجزاء على أفكارنا وأعمالنا من الله { وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس. عالمين انكم من الرب ستاخذون جزاء الميراث لانكم تخدمون الرب المسيح. واما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة} كو23:3-25.
المسيحى والتقوى ...
ان التقوى تشتمل على عنصريين اساسيين عنصر العبادة والمحبة لله والطاعة لوصاياه وعنصر ممارسة أعمال البر ومحبة الاخرين وخدمتهم والباعث لذلك هو روح البنوة للآبفى المسيح يسوع ربنا بنعمة وعمل الروح القدس { لذلك ونحن قابلون ملكوتا لا يتزعزع ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى} عب 28:12 . والتقوى من الفضائل الأساسية، التي على المؤمنين لاسيما الرعاة والخدام ان يتحلو بها { واما انت يا انسان الله فاهرب من هذا واتبع البروالتقوى والايمان والمحبة والصبر والوداعة. جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياةالابدية التي اليها دعيت ايضا } اتيم 11:6-12. ان نعمة الله المخلصة تستوجب علينا السير فى طريق البر والتقوي { لانه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس. معلمة ايانا ان ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر. منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح.الذي بذل نفسه لاجلنا لكي يفدينا من كل اثم ويطهر لنفسه شعبا خاصا غيورا في اعمال حسنة} تي11:2-14.
والتقوى تُعطي القوة لاحتمال الاضطهادات، التيهي نصيب أولئك الذين تتمثّل تقواهم بتقوى المسيح {واما انت فقد تبعت تعليمي وسيرتى وقصدي وايماني واناتي ومحبتي وصبري. واضطهاداتي والامي مثل ما اصابني في انطاكية وايقونية ولسترة اية اضطهادات احتملت ومن الجميع انقذني الرب. وجميع الذين يريدونان يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون} 2تيم 10:3-12.
سمات الاتقياء وثمار التقوى ...
سعيد ومبارك هو المؤمن التقى {طوبى لكل من يتقّيالربّ ويسلك في طرقه} (مز 128- 1) . فانه مثل الشجرة المغروسة عند مجاري المياه التي تعطى ثمرها في أوانها وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح. ومن أجمل هذه الثمارالتي تظهر في حياة الاتقياء
البر والقداسة... {فإذ لنا هذه المواعيد أيها الاحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكمّلين القداسة في خوف الرب} (2كو 7-1). الله يدعونا ان نحيا حياة البر والقداسة وهذه الثمار يجب أن تظهر يوميا في كل ما نريد أن نفعله، فحياة الخشوع والتقوى تنتج عنها مستويات عاليه من القداسة والطهارة.
التواضع والوداعة ... من مظاهرالتقوى التواضع والوداعة أمام الله والناس لهذا طالبنا السيد المسيح ان نتعلم منه{ احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم }(مت 11 : 29). وضرب لنا مثالاً عن أهمية التواضع فى حياة التقوى بالفريسى والعشار { وقال لقوم واثقين بانفسهم انهم ابرار ويحتقرون الاخرين هذا المثل. انسانان صعدا الى الهيكل ليصليا واحد فريسي والاخر عشار. اما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم انا اشكرك اني لستمثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. اصوم مرتين فى الاسبوع واعشر كل ما اقتنيه. واما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحوالسماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ. اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك لان كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع} لو 10:18-14.لقد راينا تواضع السيد المسيح ووداعته فى كثير من المواقف ولاسيما فى غسله لارجل تلاميذه { فلما كان قد غسل ارجلهم واخذ ثيابه واتكا ايضا قال لهم اتفهمون ما قد صنعت بكم.( أنظر ستجد المزيد من عظات القمص افرايم الأنبا بيشوى هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين). انتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لاني انا كذلك. فان كنت وانا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فانتم يجب عليكمان يغسل بعضكم ارجل بعض.لاني اعطيتكم مثالا حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا}يو 12:13-15.
الإيمان والقناعة والأمانة ..الاتقياء تتولد لديهم ثقة بالله وايمان بمحبة الله ورعايته تجعلهم يعيشوا حياة الاتكال على الله والشعورالدائم بحضور الله { جعلت الرب امامي فيكل حين. لانه عن يميني فلا اتزعزع. لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي. جسدي ايضا يسكن مطمئنا.لانكلن تترك نفسي في الهاوية لن تدع تقيك يرى فسادا. تعرفني سبيل الحياة امامك شبع سرور في يمينك نعم الى الابد} مز 8:16-11. ومن الايمان تتولد الطاعة لله والتضحيةلأجله. {الآن علمت أنك خائف الله فلم تُمسلك ابنك وحيدك عني} (تكوين22: 12). والتقوى تولد القناعة ايضا { واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة }(1تي 6 : 6).لانبركة الرب تغنى الاتقياء وتشبع كل احتاجاتهم اما محب المال فلا يشبع { لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان و طعنوا انفسهم باوجاع كثيرة }(1تي 6 : 10). ومع التقوى والايمان يحيا الانسان أمينا فى حياته وعلاقاته وصلواته وخدمته والامين فى القليل يقيمه الله على الكثير ويرث ملكوت السموات .
البعد عن الشر وصنع الخير .. الانسان التقى يبغض الشر ويصنع الخير { حد عن الشر واصنع الخير ، اطلب السلامة واسع وراءها} مز14:34.المتقى الرب يبغض الشر وينفر منه ويصنع الخير حبا فى الله والخير والغير من اجلالله . لقد راينا كيف كان دانيال والفتية الثلاثة أمناء يحيدوا عن الشر حتى لو رفضوا أوامر الملك و اطايب الأكل واكتفوا بالبقول فى صومهم فكافاهم الله وانقذ دانيال من الاسود والفتية الثلاثة من أتون النار وهكذا عاشوا معاً متغربين لكنفى وصية الله وطاعته عاشوا معاً فى صداقة روحية {رفيق أنا لكل الذين يتقونك} (مز119:63). «حينئذ كلَّم متقو الرب كل واحد قريبه. والرب أصغى وسمع... للذين اتقوا الرب،المفكرين في اسمه» (ملا3: 16).
التقوى وحياة التسليم والشكر لله .. حياة التسليم والثقة في الرب. {مَن هو الإنسان الخائف الرب؟ يُعلِّمه طريقًا يختاره} (مز: 12). إنه التقىلا يثق في نفسه وفي اختياراته، لهذا تجدالاتقياء يطلبوا عون الله وارشاده لهم فى الطريق التى يسلكوا فيها وهو يقودهم بروحه القدوس او بكلمته الله وبقديسيه ولهذا تنجح طرقهم فيحيوا حياة الشكر { لذلك ونحن قابلون ملكوتا لا يتزعزع ليكن عندنا شكر بهنخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى (عب 12: 28).
نتائج تقوى الله فى حياة المؤمن ..
مخافة الرب والصحة النفسية . فمخافة الرب تعالج القلق { في مخافة الرب ثقة شديدة } (أم26:14) ، كما أنها تعالج الاكتئاب { القليل مع مخافة الرب، خير من كنز عظيم مع هم } (أم16:15) . كما أن تقوى الله تعطى ثقة فى الله والنفس وتمنع الخوف من الناس ، التقوى تحمل معها البركة وطول العمر { مخافة الرب تزيد الأيام } (أم27:10) ، فالخائف الرب دائماً فرحان،ومكتوب أن { القلب الفرحان يطيّب الجسم } (أم22:17) ، ومثل هذا المؤمن لا يعانى من الأمراض الجسدية الناتجة عن متاعب نفسية مخافة الرب و النجاح الاسرى والشخصى . وكما جاء فى المزمورعن الانسان المتقى الرب { طوبى لكل من يتقي الرب ويسلك في طرقه.لانك تاكل تعب يديك طوباك وخير لك. امراتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك.هكذا يبارك الرجل المتقي الرب. يباركك الرب من صهيون و تبصر خير اورشليم كلايام حياتك. وترى بني بنيك} 1:128-6. فلا يتخلى الله عن أتقيائه او حتى نسلهم { كنت فتى وقد شخت، ولم أرَ صديقاً تُخلـّى عنهاو ذرية له تلتمس خبز } (مز45:37) كماان الانسان التقى الامين يكون موضع ثقة الناس ورضاء الله ويعلن له الله اسرارهويحيا فى سلام المسيح ورعايته ويرث الحياة الابدية { ان الذين رقدوا بالتقوى قدادخر لهم ثواب جميل }(2مكا 12 : 45).ان كلمة الله فى الكتاب المقدس والواقع العملى فى الحياة تؤكد على ان حياة التقوى هىحياة تقود الى البركة والسعادة والغبطة والنجاح وتهب الانسان سلام ورضا وقناعة دائمة حتى وسط الضيقات أو التجارب { احبوا الرب يا جميع اتقيائه الرب حافظ الامانة ومجاز بكثرة } (مز 31 : 23). وما اجمل انيرضى الله عنا { يرضى الرب باتقيائه بالراجين رحمته }(مز 147 : 11).
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
08 نوفمبر 2021
غَافِرُ خَطَايَانَا
قدَّموا إليه امرأة أُمسِكتْ وهي تزني متلبسة في ذات الفعل أرادوا أن يجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه، أمَّا يسوع فانحنَى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض؛ لأنه فيما هو القاضي والديان والحاكم العادل؛ إلا أنه هو أيضًا المحامي والفادي والمخلص والضامن لعهد جديد؛ الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا كتب بإصبعه التي كتب بها الشريعة العتيقة، ولا زال يكتب خطايانا أمامنا؛ حتى نكُفّ عن انتقاد ودينونة الآخرين والحُكم عليهم؛ وكي نستفيق وننظر إلى أنفسنا، لا إلى غيرنا نحكم على أنفسنا قبل أن يُحكم علينا.إن مسيحنا يضعنا أمام ضمائرنا وأمام ناموس وصاياه كي نستيقظ وننظر إلى حالنا، إذ لا يجوز للخاطئ أن يحاكِم خاطئًا مثله فمسيحنا وحده هو غافر خطايانا بدم صليبه، وهو نور العالم به نهتدي ونستنير ونمشي في نور نهار الحياة؛ فلا تغشانا الظلمة الحالكة سالكين بشهادة الحق التي تحررنا من سطوة الشهوات والأهواء والعبادات المزيفة، ولا نُستعبَد فيما بعد.هو يقدسنا ويُنير جهالاتنا؛ وينزع صك خطايانا وعار فسادنا؛ محولاً العقوبة إلى خلاص، والسقوط إلى قيامة، والضياع والرماد إلى وجود وفرح أبدي، فلنترك الحجارة والدبش والهدم والدينونة والانشغال الباطل بالآخرين؛ حتى ننصرف لنُخرج الخشبة التي في عيوننا؛ مستجمعين الحجارة والطاقة المستخدمة من أجل البنيان والارتقاء والتكميل والتجميع؛ لأن يسوع ما زال يقف في الوسط في المركز، مترفقًا بالحميع؛ وعنده غفران لا نهائي برجاء الخلاص الأبدي الذي لا يخزى إنه لا يهادن الخطية؛ فبينما هو عارف الأسرار والخفيات والضعفات والتقصيرات؛ لكنه جاء لا ليديننا بل ليخلصنا له المجد وحده على كل شيء في كل شيء.
القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج
المزيد
07 نوفمبر 2021
كيف تخدم مرحلة المراهقة ج1
قَالَ أحَدٌ الأبَاء عَنْ المَرْأة الكِنْعَانِيَّة عِنْدَمَا ذَهَبَتْ لِرَبِّنَا يَسُوع وَقَالَتْ ﴿ إِرْحَمْنِي يَا سَيِّدُ يَا ابْنَ دَاوُدَ إِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدّاً ﴾ ( مت 15 : 22 ) نَفْس هذِهِ الكَلِمَات تُقَال عَنْ مَرْحَلِة المُرَاهْقَة وَكَيْ تَخْدِم شَخْص لاَبُدْ أنْ تَفْهَمْ سِمَات المَرْحَلَة وَالعَصْر الَّذِي تَحْيَا فِيهِ مَرْحَلِة المُرَاهْقَة مَرْحَلِة تَرَدُّدْ بَيْنَ الطُفُولَة وَالرِّجُولَة وَعِلْم النَّفْس وَالتَّرْبِيَة يَتَكَلَّمْ عَنْ خُطُورِة هذِهِ المَرْحَلَة لَيْسَ لِمَشَاكِلْهَا وَلكِنْ لِلمَشَاكِل الَّتِي تَنْتُج عَنْهَا بَعْد مُرُورْهَا فَالَّذِي تَعَوَّدٌ عَلَى التَّسَيُبْ فِي مَرْحَلِة المُرَاهْقَة وَخِبْرَات رَدِيئَة تَثْبُت هذِهِ الخِبْرَات فِيمَا بَعْد وَعَدَم تَحَمُّل المَسْئُولِيَة يَظِل فِيهِ فِيمَا بَعْد إِذاً هِيَ مَرْحَلَة خَطِيرَة جِدّاً وَعَلَى الكِنِيسَة أنْ تُسَاعِد المُرَاهِق عَلَى أنْ يَمُر هذِهِ المَرْحَلَة بِسَلاَم يُقَال أنَّ الآنْسَان كَائِن يُولَدٌ قَبْل مِيعَادُه كَيْفَ ؟ الأُم تَلِد الطِّفْل بَعْد تِسْعَة أشْهُر فِتْرِة حَمْل وَيُولَد فِي حَالِة إِتِكَال كَامِل عَلَى الأُم أي يَحْتَاج لِمَنْ يَعُولُه لاَ يَعْتَمِد عَلَى نَفْسُه وَلاَ يَصِح أنْ يَظِلْ فِي بَطْن أُمُّه عِدِّة سَنَوَات حَتَّى يُولَد نَاضِج لِذلِك هُوَ يُولَدٌ قَبْل مِيعَادُه وَكَمَا يُوْجَدٌ مِيلاَدٌ لِلجَسَد يُوْجَدٌ أيْضاً مِيلاَدٌ لِلنَّفْس وَهُوَ المُرَاهْقَةعِنْدَمَا يَبْدأ الشَخْص يَعِي لِنَفْسُه مَنْ هُوَ وَمَا هُوَ جِنْسُه وَغَرِيزْتُه وَيَعْرِف نَفْسُه هُنَا يَبْدأ مِيلاَدٌ جَدِيد صِرَاع المِيلاَدٌ الجَدِيد لِنَفْسُه بَيْنَمَا مِيلاَدُه الجَسَدِي مِنْ أُمُّه يَحْمِل صُرَاخ وَألَمْ الأُم وَالطِّفْل مَعاً لكِنْ فِي المُرَاهْقَة يَحْمِل مِيلاَدُه ألَمْ وَصُرَاخ الطِّفْل نَفْسُه﴿ إِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدّاً ﴾ يَبْدأ الطِّفْل فِي المُرَاهْقَة هذَا الصِرَاع فَتَرَاه يُرِيدْ الحُرِيَّة يَعْلُو صُوتُه مِيلاَدٌ نَفْس يُحِبْ أنْ نَتَعَامَل مَعَهُ عَلَى أنَّهُ كَائِن مُسْتَقِل وَبَعْض عُلَمَاء النَّفْس يَقُولُون أنَّ المُرَاهِق يَتَكَلَّمْ مَعَ أُسْرِتُه وَيَقُول لَهُمْ أنْتُم أرَدْتُم إِبْن لكِنْ لَيْسَ هُوَ أنَا وَأنَا أيْضاً أرَدْت أُسْرَة لكِنَّهَا لَيْسَت أنْتُم لِمَاذَا ؟ لأِنَّ الأُسْرَة تُفَاجأ فِي المُرَاهِق بِتَكْوِينَات لَمْ تَكُنْ فِيهِ مِنْ قَبْل بَعْض الكَائِنَات تُولَد مُتَكِلَة وَمُعْتَمِدَة عَلَى نَفْسَهَا مِثْل الأسْمَاك لكِنْ الآنْسَان يَمُر عَلَى فِتْرِة الحَضَانَة أوْ الإِتِّكَال عَلَى الأُسْرَة طَوِيلاً وَعِنْدَمَا تَتَكَوَّنْ شَخْصِيِتُه فِي مَرْحَلِة المُرَاهْقَة قَدْ لاَ تَعْجِبْنَا شَخْصِيِتُه لِذلِك مَرْحَلِة المُرَاهْقَة مَرْحَلَة خَطِيرَة وَفِيهَا الشَخْص يَتَعَرَّف عَلَى نَفْسُه وَمَنْ حَوْلُه وَأُسْرِتُه بِرُؤيَة جَدِيدَة حَتَّى الكِنِيسَة يَتَعَرَّف عَلَيْهَا بِرُؤيَة جَدِيدَة وَيَظْهَر جُزْء " الأنَا " دَاخِلُه وَلكِنْ لَوْ عَوَدْتُه عَلَى الكَبْح كَوِنْت عِنْدُه عَاهَة دَائِمَة لِذلِك المُرَاهْقَة هِيَ سِنْ إِكْتِشَاف النَّفْس مِنْ قَبْل لَمْ يَكُنْ الطِّفْل يَنْتَبِه لِشَكْلُه بَيْنَمَا فِي المُرَاهْقَة يَنْتَبِه لِشَكْلُه وَيُقِيم مُقَارَنَات وَيَهْتَم بِمَلاَبِسُه وَمَظْهَرُه وَقَدْ يَتْعِبُه شَكْلُه وَمَلاَمِحُه وَيُسَبِّب لَهُ أزْمَة نَفْسِيَّة لاَ يَعْرِف كَيْفَ يُعَبِّر عَنْهَا يُقِيم مُقَارَنَات بَيْنُه وَبَيْنَ آخَرِين وَكَأنَّهُ يَقُول لله لِمَاذَا خَلَقْتَنِي هكَذَا ؟ بَيْنَمَا الشَخْص النَّاضِج لاَ يَتَأثَّر بِمَلاَمِحُه إِذاً نَحْنُ خُدَّام الكِنِيسَة لاَبُدْ أنْ نُعَلِّمُه أنَّ الجَمَال هُوَ الجَمَال الدَّاخِلِي وَلَيْسَ الخَارِجِي نُعَلِّمُه كَيْفَ يَقْبَل نَفْسُه وَالآخَر أيْضاً يَبْدأ فِي التَّرَدُّدٌ فِي مُعَامَلاَتُه فَهُوَ يَتَعَامَل كَشَخْص نَاضِج وَأحْيَاناً كَصَغِير إِنْ عَامِلْتُه كَنَاضِج يِفْرَح لكِنْ إِذَا أعْطَيْتُه مَسْئُولِيَّة يَرْفُضْهَا بَيْنَمَا لَوْ عَامِلْتُه كَطِفْل يَرْفُض لِذلِك هُوَ سِنْ التَّعَلُّق بِالأصْحَاب وَالخَارِج وَلَيْسَ بِالأُسْرَة لأِنَّ الأُسْرَة تُعَامْلُه كَطِفْل لِذلِك تَأثِير الصَّدَاقَة فِي سِنْ المُرَاهْقَة 73 % وَتَأثِير الأُم 17 % وَتَأثِير الأب 10 % تَخَيَّل الصَّدَاقَة لَهَا تَأثِير كَبِير جِدّاً هذَا أمر خَطِير وَنَرَى أنَّهُ لَوْ أرَادَت الأُسْرَة أنْ تِرَفَّه عَنْ أوْلاَدْهَا وَفِي نَفْس الوَقْت كَانَ هُنَاك لِقَاء مَعَ الأصْدِقَاء نَجِدٌ المُرَاهِق يَتْرُك أُسْرِتُه وَيَذْهَب لأِصْحَابُه أيْضاً تَأثِير الكِنِيسَة كِبِير جِدّاً فِي هذَا السِّنْ لأِنَّهُ فِي الكِنِيسَة يَجِدٌ نَفْسُه وَمَنْ يُحِبُّه وَيَحْتَرِمُه وَيَجِدٌ إِجْتِمَاعِيَاتُه وَلِذلِك مَعْرِفِتْنَا لِسِمَات هذَا السِّنْ مُهِمَّة جِدّاً أيضاً المُرَاهِق يُحِب الحُرِيَّة وَلاَ يُحِب القُيُود وَالرَفْض لِذلِك أحْيَاناً تُوْجَدٌ مَرْحَلَة تَطُول مَعَ الشَخْص وَهيَ مَرْحَلِة * اللأ * وَمَعْنَاهَا أنَا هِنَا وَلَنْ أسِير كَمَا تَشَأونْ مَرْحَلِة * اللأ * تَبْدأ مِنْ عُمْر سَنَتِين وَتَطُول مَعَهُ يُرِيدْ أنْ يَجِد نَفْسُه بِأُسْلُوب لَيْسَ بِهِ قُيُود قَدْ يَقُول أُرِيدْ أنْ أسْهَر وَلاَ يَقُل لِي أحَدٌ نَام الآنْ لاَ أُرِيدْ الدِّرَاسَة أُرِيدْ السَّهَر مَعَ الأصْدِقَاء بِدُون قُيُود أي يَرْفُض الحَوَاجِز تُوْجَدٌ ظَاهِرَة فِي هذِهِ المَرْحَلَة العُمْرِيَّة تُسَمَّى * ظَاهِرِة المُوتُوسِيكْل * أي يُرِيدْ أنْ يَشْعُر أنَّهُ طَائِر حُر لاَ يُوقِفُه شِئ تَعْبِير عَنْ إِحْتِيَاج دَاخِلُه يَرْفُض * اللأ * الحُرِيَّة تَحْتَاج قَنَاعَة وَصَدَاقَة وَحُبْ وَحِوَار المُرَاهْقَة هِيَ سِنْ يَتَعَرَّف فِيهَا الشَخْص عَلَى نَفْسُه وَيَتَعَرَّف عَلَى مُيُولُه وَاتِجَاهَاتُه .
ثَلاَثَة مَحَاوِر رَئِيسِيَّة لِلحَيَاة هِيَ :-
1- الفكر
2- الإتجاه
3- السلوك
فِي هذِهِ المَرْحَلَة تَزْرَع فِكْرَة وَاتِجَاه لِكَيْ تَحْصُد سُلُوك صَحِيح صَحَّح الفِكْر وَالإِتِجَاه وَبِالتَّالِي يُصَحَّح السُلُوك لِذلِك هِيَ مَرْحَلَة خَطِيرَة جِدّاً لاَبُدْ مِنْ التَّعَامُل مَعَهَا بِفَهْم وَحِرْص لأِنَّكَ أنْتَ كَخَادِم تَقُوم بِدُور أكْبَر مِنْ دُور الأُسْرَة يَحْتَاج الشَخْص ثَلاَثَة أُمور لِتَنْشِئَتُه :-
1- صديق
2- أسرة
3- مجتمع
الثَّلاَثَة تَقُوم بِهُمْ الكَنِيسَة لِذلِك صَارَ الخَادِم أب بَدِيل وَصَدِيقٌ بَدِيل وَالأُسْرَة الكَنَسِيَّة أُسْرَة بَدِيلَة وَالكَنِيسَة مُجْتَمَع بَدِيل لأِنَّهُ يَجِب أنْ تَكُون أنْتَ كَخَادِم أفْضَل شَخْص يَفْهَم المُرَاهِق وَيُحِبُّه وَيَسْتَجِيبَ لَهُ لَوْ أرَادَ مُرَاهِق أنْ يَذْهَب لِنَادِي تَرْفُض الأُسْرَة خَوْفاً عَلَيْهِ الكَنِيسَة تَقُوم الآنْ بِهذَا الدُورأيْضاً الأُسْرَة تَطْمَئِن لأِصْدِقَاء الكَنِيسَة وَرَحَلاَت الكَنِيسَة إِذاً الكَنِيسَة هِيَ البَدِيل لأِنَّ المُجْتَمَع تَغَيَّر خِلاَل خَمْسَة عَشَر سَنَة فَرَض فِيهَا أعْبَاء لَمْ تَكُنْ مِنْ وَاجِب الكَنِيسَة لِذلِك فَهْم الإِحْتِيَاج وَالظُّرُوف وَالعَصْر مُهِمْ لاَبُدْ أنْ نَعْرِف تَأثِير الصَّدَاقَة وَمَدَى أهَمِيَتْهَا وَأنَّ المُرَاهِق يُحِبْ الحُرِيَّة وَأرَكِّز مَعَهُ لِكَيْ يَعْرِف كَيْفَ يَقْبَل نَفْسُه وَأنَّ الدَّاخِل أهَمْ مِنْ الخَارِج وَإِنْ وَجَدْت فَجْوَة بَيْنُه وَبَيْنَ الأُسْرَة لاَبُدْ أنْ تُوَفِّقُه مَعَهَا لاَبُدْ أنْ أعَلِّمُه التَّسْلِيم لأِنَّنَا نَجِدُه أحْيَاناً مُحْبَط جِدّاً وَأحْيَاناً طَمُوح جِدّاً أحْيَاناً مُحِبْ لِلحَيَاة وَأحْيَاناً يَرْفُضْهَا شَخْص مُذَبْذَب يَذْهَبْ إِلَى الدِير يَشْتَاق لِلرَّهْبَنَة وَيُشَاهِد الفَضَائِيَات يَتَطَلَّعْ لأِنْ يَكُون مُغَنِّي يُحِبْ المِثَالِيَة جِدّاً وَلكِنْ الوَاقِعْ غَيْر ذلِك لِذلِك لاَبُدْ أنْ يَكُون الخَادِم قُدْوَة مُهِمَّة لأِنَّ المُرَاهِق لاَ يَقْبَل تَحْطِيم قُدْوِتُه وَلِذلِك أيْضاً يَطْلُب خَادِم بِلاَ أخْطَاء .
عِنْدَ المُرَاهِق مُشْكِلَتَان مُهِمَتَان يَتَعَرَّف عَلَيْهُمَا هُمَا مُشْكِلِة غَرِيزْتُه وَمُشْكِلِة الجِنْس الآخَر لاَبُدْ أنْ يَتَعَرَّف عَلَى جِنْسُه فِي هذِهِ المَرْحَلَة فَنَجِدُه يَتَعَرَّف عَلَى جِنْسُه بِطَرِيقَة بِهَا قَبُول وَبِهَا أيْضاً رَفْض قَدْ يَقْبَلْهَا وَلكِنْ يَرْفُضْهَا كَانَ يُفَضِّل أنْ يَظِلْ بِبَسَاطَتُه هكَذَا الفَتَاة تَشْعُر بِتَغَيُّرَات أحْيَاناً تَقْبَلْهَا وَأحْيَاناً تَرْفُضْهَا وَفِي نَفْس الوَقْت تَتَفَجَّر الغَرَائِز دَاخِلُه فِي هذَا الوَقْت أحْيَاناً تَكُون كَافِيَة وَأحْيَاناً تَتَفَجَّر وَالله سَمَح بِذلِك الله لاَ يَفْرِض عَلَى البَشَر أنْ يُؤخِّر النُّضْج لِمَرْحَلَة سِنِّيَّة مُعَيَّنَة لِلزَّوَاج مَثَلاً لكِنْ الله يَسْمَح بِالنُّضْج وَالآنْسَان يَتَعَامَل مَعَهُ بِحَسَبْ ظُرُوفُه لِذلِك هَيَّأ الآنْسَان لِلحَيَاة بِطَرِيقَة طَبِيعِيَّة وَالآنْسَان يُوَظَّفْ حَالُه حِينَ إِسْتِخْدَامُه هكَذَا الذِّهْن يَنْضُج سَرِيعاً أقْصَى أوْقَات لِنَشَاط الذِّهْن عِنْدَ عُمْر17 – 18 سَنَة لِذلِك الله يُعْطِي الغَرِيزَة وَالذِّهْن وَالقُدْرَة العَضَلِيَّة فِي وَقْتٍ مُبَكِر لِكَيْ يَسْتَخْدِمْهَا الآنْسَان كَمَا يَشَاء حَسَبْ ظُرُوفُه عِنْدَمَا تَتَفَجَّر الغَرِيزَة إِنْ إِسْتَمَدَّ ثَقَافْتُه مِنْ مَصَادِر خَاطِئَة تَتَشَوَه الغَرِيزَة عِنْدُه حَتَّى أنَّهُ قَدْ يُصْدَم فِي وَالِدِيه فَيَنْظُر نَظْرَة رَدِيئَة لِمَنْ هُمْ أكْبَر مِنْهُ حَتَّى إِنَّ البَعْض يَسْأل وَالِدِيه أسْئِلَة صَرِيحَة فِي هذَا الأمر لأِنَّهُ إِلْتَمَسَ المَعْرِفَة مِنْ مَصَادِر رَدِيئَة دُور الكِنِيسَة هُوَ أنْ تُعَرِّفُه كَرَامِة الغَرِيزَة وَكَرَامِة جَسَدُه وَكَرَامِة الجِنْس وَأنَّهُ أجْمَل وَأرْوَع مَا فِي الآنْسَان وَأنَّ الله إِسْتَخْدِمْهَا لِلحُبْ وَالوِحْدَة .. لَنْ تَسْتَطِيع أنْ تَخْدِم هذَا السِّنْ بِدُون أنْ تُجِيب عَلَى هذِهِ الأسْئِلَة الَّتِي تَدُور فِي ذِهْنُه فِي أي مَجَال هذِهِ أسْئِلَة طَبِيعِيَّة دَاخِلُه تَحْتَاج إِجَابَات عِنْدَمَا يَكْتَشِف غَرِيزْتُه يَحْدُث لَهُ مِيل لِلجِنْس الآخَر يَبْدأ الوَلَد يَجِد نَفْسُه وَتَحَقَّق لَهُ لُون مِنْ ألْوَان كَيَانُه الشَّخْصِي فِي مَعْرِفِة الجِنْس الآخَر وَيَأخُذ هذَا الأمر مِنْهُ إِهْتِمَام عَالِي وَهذَا يَجْعَلُه يَسْقُط فِي خَطَايَا كِذْب وَيَقُول كَلاَم عَنْ نَفْسُه وَأُسْرِتُه غِير صَحِيح بَلْ وَخَيَالِي وَأحْيَاناً يُعَبِّر عَنْ نَفْسُه بِأحْلاَم يَجْعَلْهَا وَاقِعْ كُل مَا يَتَمَنَاه يَحْكِيه عَنْ نَفْسُه وَلِكَيْ يَهْرَب مِنْ المَوَاقِفْ يِكْذِب أوْ يِمِد يَدُه لِذلِك هِيَ مَرْحَلَة بِهَا قَلَق وَخُوف وَمِيل لِلجِنْس الآخَر وَمُبَالَغَه مَاذَا نَفْعَل ؟
هَلْ تَعْرِف الطِّفْل المُبْتَسِر ؟ يَحْتَاج إِلَى حَضَّانَة تَتَوَفَر فِيهَا وَسَائِل الحَيَاة مِنْ دَرَجِة حَرَارَة مُنَاسِبَة وَأُكْسُچِين وَ هكَذَا الكِنِيسَة هِيَ الحَضَّانَة لِلمُرَاهق تُوَفِّر لَهُ أُكْسُچِين وَدَرَجِة حَرَارَة مُنَاسْبَة وَغِذَاء:-
الغِذَاء المُنَاسِب رُوحِيَات
الأُكْسُچِين أسَاسِيَات
دَرَجِة الحَرَارَة المُنَاسْبَة عَاطِفَة
إِنْ أعْطِيت رُوحِيَات بِدُون عَاطِفَة وَأسَاسِيَات لَنْ تَمُر المَرْحَلَة بِأُسْلُوب صَحِيح .. مِثْل حَضَّانَة تُوَفِّر بِهَا الغِذَاء وَلَمْ تَضْبِط دَرَجِة الحَرَارَة وَالأُكْسُچِين بِالطَّبْع يَمُوت الطِّفْل إِذاً هُوَ سِنْ يَحْتَاج عَاطِفَة وَأسَاسِيَات وَغِذَاء رُوحِي وَنَشَاط وَاحْتِرَام وَتَقْدِير وَمُجْتَمَع يُشْبِع لَهُ مُيُولُه وَاتِجَاهَاتُه هذِهِ أُمور يَجِدْهَا فِي الكَنِيسَة لِذلِك أنْتَ تَتَعَامَل مَعَهُ مِنْ خِلاَلْهَا وَأي نُقْطَة لاَ تَتَعَامَل مَعَهُ فِيهَا تُسَبِّب لَهُ تَشَوُّه عَلَى المَدَى البَعِيد .قِيلَ أنَّ سَبَبْ المَشَاكِل الزَّوْجِيَّة أسَاسْهَا المُرَاهْقَة مِثْل شَخْص تَعَوَّدٌ فِي مَرْحَلِة المُرَاهْقَة عَلَى أنَّ الفَتَاة شِئ مُحْتَقَر أوْ أنَّ الرَّجُل هُوَ عَدُو بِالتَّالِي سَيَحْتَقِر هُوَ زَوْجَتُه وَهِيَّ سَتُعَادِي زَوْجَهَا لِذلِك المُرَاهْقَة هِيَ مَرْحَلَة مُهِمَّة وَخَطِيرَة خَاصَّةً مَعَ الآنْفِتَاح الثَّقَافِي الوَاسِع فِي عَصْرِنَا هذَا أحَدٌ الأبَاء الأسَاقِفَة قَالَ أنَّ جِيل التِلِيفِزْيُون أسْفَر عَنْ مَائَة ألْف مُشْكِلَة زَوْجِيَّة فَمَا بَال جِيل الآنْتَرْنِت ؟!! نَحْنُ نَخْدِم جِيل النِت .
مَا المَطْلُوب ؟ المَطْلُوب مِنَّا وَعْي أكْثَر وَثَقَافَة أوْسَع وَأنْشِطَة أكْثَر وَصَلَوَات أكْثَر وَأكْثَر وَحِفْظ أكْثَروَلِذلِك هِيَ مَرْحَلَة خَطِيرَة لأِنَّ أي تَقْصِير فِيهَا قَدْ يُسَبِّب مُشْكِلَة تَسْتَمِر لِسِنِين لَيْسَ لَنَا إِلاَّ أنْ نَقُول إِرْحَمْنَا يَا سَيِّد أنْتَ تُكَمِّل الَّذِي يَعْرِف الْمَسِيح تَتَقَدَّس نَظْرِتُه لِذَاتُه وَجِنْسُه وَيَعْرِف الإِتِضَاع وَيَحْتَرِم الآخَرِين وَيَعْرِف كَيْفَ يَقُول لاَ لِلخَطِيَّة ﴿ قَدْ ألْقَيْنَا رَجَاءَنَا عَلَى اللهِ الحَيِّ الَّذِي هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ﴾ ( 1تي 4 : 10 )عِنْدَمَا يُقَدِّم مُجْتَمَع الكَنِيسَة دِفْء الحُبْ وَالغِذَاء الرُّوحِي وَالمَعْرِفَة وَحُلُول المَشَاكِل بِأُسْلُوب صَحِيح تَمُر هذِهِ المَرْحَلَة آمِنَة فِي حَيَاة أوْلاَدْهَا المُرَاهِق يَحْتَاج صَلاَة وَحُبْ وَوَقْت وَجَلَسَات فَرْدِيَّة وَأي مُشْكِلَة تَعْرِفْهَا عَنْهُ تَكَلَّمْ مَعَهُ فِيهَا بِطَرِيقَة مُبَاشِرَة بِشَرْط أنْ يَشْعُر أنَّكَ تُحِبُّه رَبِّنَا يُكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُل ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه لَهُ المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين.
القمص أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
06 نوفمبر 2021
لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا ج2
ثالثاً: أمّا مِن جِهة أن لا يجهلوا «أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ» (رو11: 25)، فقد كان الذين آمنوا بالمسيح من الوثنيين بدأوا في الافتخار، وشعروا بأنّهم أفضل.. فهُم قبلوا الإيمان بالمسيح وأطاعوه وأحبّوه وقبلوا نعمة التبنّي.. الخ. فأراد القديس بولس أن يحذّرهم ويكشف لهم الحقّ.. أنّ القساوة من اليهود التى يرونها الآن، هي جُزئيّة محصورة في الزمن. وقد أوضح لهم الخطّة الإلهية لخلاص اليهود والأمم كليهما، وقد أوضح ذلك كثيرًا بالشرح.. أنّ اليهود «لَهُمُ الْعُهُودُ وَالاشْتِرَاعُ... وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ» (رو9: 4، 5).فإن كانت قد قُطعت بعض الأغصان من الزيتونة الأصليّة، لسبب عدم الإيمان، و«أَنْتَ (يقصد المسيحي الذي كان وثنيًّا) قَدْ قُطِعْتَ مِنَ الزَّيْتُونَةِ الْبَرِّيَّةِ، وَطُعِّمْتَ بِخِلاَفِ الطَّبِيعَةِ فِي زَيْتُونَةٍ جَيِّدَةٍ (الزيتونة الأصلية)... فَلاَ تَفْتَخِرْ عَلَى الأَغْصَانِ» (رو11: 17–28). هم لسبب عدم الإيمان قُطعوا وأنت بالإيمان ثَبَتّ، وهم إن لم يثبتوا في عدم الإيمان فإنّهم يُطعّمون. الأمر إذن ينحصر في الثبات في الكرمة الحقيقية.. «كُلُّ غُصْنٍ يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ» (يو15: 2).. وكلّ غصن لا يأتي بثمر يُقطع. إذن الجهل بهذا الأمر جعلهم يصيرون حكماء عند أنفسهم، ويقتنعون بأفكارٍ ليست من الله، تدفعهم إلى الكبرياء. وهذا ضد روح المسيح.
رابعاً: «أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ... فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا. أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَمًا مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ، كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ» (1كو12: 1، 2).
فالأمر جدّ خطير، فقد انبهر هؤلاء المؤمنون الجُدُد بالآيات والعجائب والتكلّم بالألسنة، وقد شغلهم هذا الأمر حتى صاروا يتسابقون، فيمن هو الأعظم، ومَن يتكلّم بألسنة أكثر من الآخر، حتى صارت اجتماعاتهم كغوغاء من كثرة المتكلّمين بألسنة، وكان بعضهم على حقّ من جهة هذه الموهبة، أمّا كثيرون فكانوا مُدّعين، وقد طغى عليهم إنسانهم العتيق مع بقايا عبادات الأوثان.وقد سمع القديس بولس عن البعض من مُدّعي التكلّم بالألسنة أنّه يقول «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا» (1كو12: 3)، ويبدو من الحديث أنّهم لم يكونوا على معرفة بقوّة اللغة، بل كانوا ينطقون بلا فهم. لذلك حذّرهم القديس بولس، وأرادهم أن لا يجهلوا مِن جِهة المواهب. وأوضح بالروح وبالتفصيل أنّ المواهب ليست للافتخار أو التباهي والرجوع إلى الذات. ولكن المواهب الحقيقية يعطيها الروح القدس للكنيسة لبنيان المؤمنين.. وأنّ الموهبة الحقيقيّة تُعطى للإنسان، ليس لأجل ذاته، ولكن الروح يقسِّم لكلّ واحد كما يشاء. وأنّ الكنيسة هي جسد واحد، وأنّنا أعضاء في الجسد الواحد، وإن كُرِّم أحد الأعضاء فللباقين، ولا يستغني الجسد عن أقلّ أعضائه، ولا يقُل عضو في الجسد لباقي الأعضاء: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ» (1كو12: 21)، ولا يفتخر أحد بما نال من المواهب من الروح القدس كأنّه الأفضل.
فالعين وإن كانت وظيفتها الإبصار، والأذن للسمع.. فما تقوم به العين يختلف عما تؤديه الأذن. ولكن بالنهاية كلّهم موضوعون في الجسد بانسجام للخدمة وللتآلف.. فليس أحد يحيا لنفسه، ولكنّ حياته في الجسد وبالجسد وللجسد. فلا يتصوّر أحد أنّ العين قائمة بمفردها بعيدًا عن الجسد، فهي في هذه الحالة كعضو منفصل عن الجسد تصير بلا قيمة وبلا منفعة.هكذا شرح الرسول على ضوء ذلك طبيعة الكنيسة كجسد المسيح، وأنّ المؤمنين وإن كانوا أفراد ولكنهم بالأكثر أعضاء في الجسد الواحد يحيون بالروح الواحد. فالحياة تسري في جميع الأعضاء، وهذه الحياة هي بالروح القدس الكائن في جميع المؤمنين وبلا تفريق. فإن اختلفت المواهب لكنّ الروح واحد وهو المصدر الوحيد.
خامسًا: وأخيرًا صَحّح الرسول كلّ هذه المفاهيم من جهة المواهب في الكنيسة، ثم وجههم إلى ما هو أعظم من كلّ المواهب، وهو تكميل المحبّة المسيحيّة لأنّه إن كان أحد قد حاز كلّ الإيمان حتى ينقل الجبال وليس له محبة فهو ليس بشيء.
إلى آخر ما كتبه للكنيسة مؤكِّدًا أنّ المحبة هي العَصَب، وهي الرباط الذي به تقوم الكنيسة. وتَوّج حديثه الملهَم بأنّ الإيمان سيبطُل، أمّا المحبة فلا تسقط أبدًا.
وفي كلّ أجيال الكنيسة شَغَلَ هذا الأمر الكثيرين، واستهوى الكثيرين من جِهة المواهب والمعجزات، وانجرف في هذا التيّار كلّ مَن جَهَل كلام القديس بولس. أما مَن استنارت عقولهم بالكلام الإلهي فقد ثبتوا في المحبة ومارسوها مدى الحياة، وفاقت حياتهم حتى أصحاب المعجزات أما عن التدبير الإلهي في خِدمة الرسول وحركته وأسفاره والأماكن التي يقصدها ومُدّة وجوده فيها. فلا يتخيّل أحد أنّه مُنقاد بمقاصد بشرية أو خطّة إنسانية، فمادام هو رسول يسوع المسيح، ومنقاد بالروح القدس فحيثما أرسله الروح يذهب وحيثما وجَّهَهُ يتّجه. فمرّات مَنَعَهُ الروح أن يتكلّم، ومرّات أخرى قال له الروح: «لاَ تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ» (أع18: 9، 10). ومرّات قصد أن يذهب إلى مكان، ولكنّه أُعيق عن رغبته، لأنّ الروح كان له تدبير آخر وقصد آخر، من جهة الرسول نفسه، ومن جهة المخدومين أيضًا.
لذلك أوضَحَ الرسول هذا الأمر قائلاً: «لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّنِي مِرَارًا كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ» (رو1: 13)، ولكن كان في تدبير الروح أنّ غياب الرسول عنهم في تلك الفترات، قد يثمر الروح فيهم أكثر إذ يعمل فيهم باجتهاد في حفظ وصايا الرب، وممارسة الأعمال الروحيّة. وكأنّ الروح كان بالنسبة لهم كأمٍ تُعلِّم ابنها المشي وبينما لا يريد الابن أن يترك يد أمه وينتصب واقفًا، ولكنّها لمنفعته تتركه، وأحيانًا يسقط ويبكي، ولكن هذا التخلِّي الوقتي يصير بالنهاية للمنفعة.
وهذا الإدراك عند المؤمنين يجعلهم ينمون في النعمة والقامة، وإن كان يفطمهم من حضور القديس بولس إلى حين. والجهل بهذه الحقيقة الإلهيّة يربك المؤمنين ويجعلهم في حيرة، وربما تعلُّقهم يصير كشبه مرض، أو كطفل لا يريد أن ينسلخ من الطفولة إلى طور الرجولة في الروح.
في الختام نقول: ما أفدح الخسارة التي تصيب المؤمن والكنيسة من الجهل! وتأتي الكلمات الخمس كأنّها بوق إنذار لجميع الكنائس، وطبعًا تنطبق على كلّ أنواع الجهل.. لأنه قيل: «قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ» (هو4: 6). وليست المعرفة العقلانية التي شاعت في هذه الأيام الأخيرة، بل الجهل الروحي في التوصُّل إلى الحقّ والتمتُّع به.انظر كمّ الجهل بعمل الروح في الأسرار.. تأمّلْ وتعجّبْ! وانظر كمّ الجهل فيما يُمارَس من عبادات، ورغم الحضور الكثير والمتواتر ولكن اسألْ عن الممارسات ومدى الثمر.. سيصيبك الدهش!
كنت أزور كثيرًا من البيوت، وأدفع الإنجيل إلى ربّ البيت ليقرأ.. وقد قابلتُ كثيرًا من المفارقات، فالبعض عنده حاسّة تذوُّق الإنجيل والانفعال به والخضوع له.. بينما وجدتُ كثيرين كأنّهم لا يعرفون القراءة رغم عِلمهم، وكأنّ الإنجيل طلاسم لا تُفهم، فيقرأ الإنسان ولا يعي. وقد يبدو هذا جليًّا من الذين يقرأون الفصول الكنسية قبل القداس الإلهي.عمومًا، نرجو أن ينير الروح ذهننا، ويمحو جهلنا وضعف معرفتنا.
المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
05 نوفمبر 2021
مَثَــل عُـرس ابن الملك ج2
قلتَ يا مخلّصي أنّ الملك لمّا دخل وجد «إِنْسَانًا لَمْ يَكُنْ لَابِسًا لِبَاسَ ٱلْعُرْسِ. فَقَلت لَهُ: يا صَاحِبُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ ٱلْعُرْسِ؟».. فناله ما ناله من خزي، وطرحه الخدام خارجًا أنا أعلم يا مخلّصي أنّ دعوتك إلى العرس هي نعمة مجانية، ولكنّها ليسَت رخيصة، هي تُعطَى مجّانًا لأنّ لا أحد يستطيع أن يشتريها «بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ (سيرة الناس) الْبَاطِلَةِ» (1بط1: 18).دمك الغالي، هو الذي اقتنى لي الملكوت.. وصليبك المحيي، هو الدعوة بعينها.. فمن دُعِيَ إلى عرسك الأبدي واستحق هذا النصيب الصالح لابد أن يسلك بحسب قانون بيتك وعرس مجدك وما يليق.. لأنّه «بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ» (مز93: 5).. كيف «يَرِثُ الْفَسَادُ (الفاسد) عَدَمَ الْفَسَادِ» (1كو15: 50)؟ وكيف يدخل اللباس البالي القديم إلى حفل عرس ابن الله؟
الحُلّة الأولى، حلّة الفرح ألبستها لي يا مخلّصي بيديك يوم معموديتي.. هذا هو الثوب الناصع البياض المغسول في دم الخروف.مسكين هذا الذي أبقى على اللباس البالي والطبيعة الساقطة مع أعمالها، وعاش بحسب شهوات الجسد ونجاسات الطبيعة وظنّ أنّه يبقى في العرس. ومسكين مَن تمسّك بذاته وإرادته الخاصة وعمل مشيئته دون مشيئة الله. وسلك برأيه دون وصايا مخلّصه. وظنّ أنّه وارث الملكوت ومدعو للوجود في العرس الأبدي.
يا سيّدي الربّ.. عرِّيني من العتيق وألبسني حلّة الخلاص كلّ يوم.. يارب دعني أَخضَع خضوعًا كليًّا لكلّ وصيّة وكلّ ترتيب توعز به إلى كنيستك وخدام بيتك والداعين إلى عرس مجدك.. فأطيع وأستلهِم كلّ ما هو لائق ونافع لخلاص نفسي.
يا سيدي.. اجعلني أعتبر أنّ من لا يوجد في كمال هيئة المستحقّين للعرس يُطرَد خارجًا.. يا إلهي أنا أرى في كنيستك عربون العرس السماوي.. فهي الفرح والمسرة الروحية والشبع من دسم بيتك.. لذلك فالتناول من جسدك ودمك الأقدسين هما الغاية التي ترنو إليها نفسي.. وأن أسلك بحسب ما تعلّمني الكنيسة، ويؤهلني للتناول من ذبيحة العُرس، لا أسلك بحسب هواي أو أصنع ما استحسنه أنا، بل بحسب قانون الكنيسة وترتيب الآباء مُعلِّمي البَيعة أخضع وأسير.
علّمني أن أحترم بكلّ قلبي وأُخضِع نفسي للتدبير الإلهي، إن كان في صوم أو صلاة أو طقس أو عيد أو لحن، أو كلّ مايختصّ بنظام بيعتك. لا أنسى يا سيدي ما نال "عُزَّة" أحد أبطال داود حين أقحم نفسه في عمل ما لا يخصّه، إذ حاول أن يلمس تابوت العهد، الأمر الذي كان موكَّلاً لبني لاوي فقط (2صم6: 1-9). وهذا يعلمني إنّه يجب أن أسلك بحسب التدبير، لا بحسب رأيي الشخصي أو ما أراه أو ما يعجبني، مستهينًا بالتدبير بكلّ تأكيد يا مخلّصي، فإنّ هذا الشخص الذي لم يلبس لباس العرس كان يسلك بذاته. ويُخيَّل إليَّ أنّ خُدّامك وحرَّاس أسرارك والداعين كلّ أحد إلى العرس.. يُخيَّل إليَّ أنّهم قالوا له إنّه يجب عليه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب العرس.. ويُخيَّل إليَّ يا مخلّصي إنّهم نبّهوه مرارًا ونصحوه كثيرًا، ولكنّه لم يأبه للنصائح ولا خضع لما قيل له.. بل ألقى الكلام خلفه، ولم يُعطِ أذنًا صاغية ولا أذعن لوصية، بل أصرَّ على أن يسير على هواه ويعمل ما بدا له فاصنع مع عبدك رحمة وجنّبني هذا السلوك المشين.. واجعلني أتمسّك بثياب العُرس وأحفظها، بل إذا حدث بسبب إهمالي وكسلي وعدم حرصي أن اِتّسخَتْ الثياب، أو أصابها تلف بسبب ميلي إلى العالم وما فيه، فأعطِ عبدك توبة صادقة ورجوع من القلب، لكي أغسل ثيابي مُجددًّا مرارًا وتكرارًا، وأبيّضها في ينبوع دم الصليب، فتبدو جديدة لائقة بلا دنس ولا عيب..
وإن أحسستُ أنّني فقدتُ ثيابي وصرتُ في خزي العري فأسمِعني صوتك القائل: «أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ» (رؤ3: 18).. فأسعى أن أقتني لي عمرًا نقيًّا بالتوبة، وأستتِر بسترك، يا من سترتَ عراء أبونا آدم في الفردوس.اِحسبني أهلاً للوقوف أمامك بلا خجل، وإن لم أكن مستحقًا لشيء كعبد كسلان، ولكن اجعلني احتمي فيك، واستتِر بسترك، واجعَل باب بيتك مفتوحًا أمامي، ودعوتك للعرس قائمة في وعيي مُتجدّدة كلّ يوم، فأسلك بحسب الدعوة التي دُعيتُ إليها. ولا أخيب من البلوغ إلى ملكوتك، أنا وكلّ أخوتي أعضاء جسدك، المدعوّين إلى وليمتك الأبدية. آمين.
المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد