المقالات
12 ديسمبر 2018
الصلاح والإصلاح ينبغي أن ينبعا من الداخل
الحياة الروحية ليست مجرد ممارسات تعبدية تعمل بالجسد. إنما المقياس الروحي لها, يتوقف علي روحانية الإنسان من الداخل, ومن حيث دوافعه ونياته ومشاعر قلبه وحالة فكره. وقد رفض الرب كل عبادة تقدم إليه دون أن تكون نابعة من قلب نقي. وقال عن اليهود في العهد القديم هذا الشعب يكرمني بشفتيه. وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا! إذن الفضائل تبدأ في القلب, ومن القلب تخرج, وتظهر في الأعمال الفاضلة. ولكن كل عمل فاضل, لا علاقة له بالقلب, لا يحسب فضيلة علي الإطلاق كما أن الفضيلة التي لا تتأسس علي محبة القلب لها, لن تبقي ولا تستمر. وسنضرب بعض أمثلة
فتاة مثلا: سمعت عظة عن الحشمة والأزياء والزينة. فتأثرت بها, وبدأ يتغير مظهرها الخارجي. ولكنها من الداخل لم تتغير! ولم تتأسس في داخلها العفة الحقيقية.. هذه قد لا تستمر في مظهرية هذه( الحشمة) التي لم تنبع من قلبها. وقد تعود!
العفة في جوهرها هي احترام المرأة لجسدها, وعدم عرضه علي الغير كوسيلة لإغرائهم وتحريك الشهوة فيهم. والعفة أيضا هي لون من الخشية أمام الله.. وإن كنت أقول هذا للفتاة العادية, فماذا أقول إذن للممثلات المحترفات لتمثيل أدوار الإغراء؟! علي كل هؤلاء أن يفكرن داخل أنفسهن عن مصيرهن جميعا في الأبدية من جهة سقوطهن ومن أسقطنه من الرجال.
شخص آخر يقع في الغضب والنرفزة. ودائما يضج ويثور ويعلو صوته, ويفقد أعصابه, ويفقد من يثور عليهم. هل من المعقول أن يقول مثل هذا الشخص: سوف أدرب نفسي علي هدوء الصوت وهدوء الحركات. ويبدو هادئا من الخارج لفترة, بينما يكون قلبه من الداخل في أتون من نار مشتعلا غضبا؟! كلا, بل عليه أن يبحث عن أصول النرفزة والغضب في داخله, ويعالجها.. ربما يكون السبب هو كبرياء داخلية لا تحتمل كلمة معارضة, أو كلمة توجيه أو نقد, مع محبته للكرامة والمديح, أو قد يكون سبب غضبه, هو أنه يريد تنفيذ رأيه أيا كان أو تنفيذ رغباته. أو قد يكون سبب الغضب هو كراهيته لمن يصطدم به, فأصبح لا يحتمل منه شيئا, بل قد لا يحتمل مجرد رؤيته, فيثور أيا كان السبب, عليه أن يعالجه داخل نفسه أولا. لأن مجرد الظهور بهدوء خارجي لا ينفع, بل عليه أن يكتسب في داخله فضائل الاحتمال والوداعة ومحبة الآخرين, ولوم نفسه بدلا من لوم غيره, حينئذ ينجح في روحياته.
مثال آخر: مريض ارتفعت درجة حرارته: أيمكنك معالجته بكمادات من الثلج, أو ببعض مخفضات الحرارة؟! أم الأصح هو البحث عن السبب الداخلي الذي أدي إلي ارتفاع درجة الحرارة ومعالجته؟ ربما كان السبب التهابا في اللوز, أو بؤرة صديدية في أحد أعضاء الجسم من الداخل, أو غير ذلك, وإن عرفنا السبب الحقيقي, حينئذ يمكن العلاج علي أساس سليم.
يا إخوتي, لا يمكن إصلاحكم لأنفسكم مجرد إصلاح خارجي هناك أيضا من يفكر أن يحيا حياة نقية مع الله في ظروف خاصة, أو في مناسبة معينة. فقد يكون تحت تأثير مؤقت يحدث, أو عظة عميقة قد سمعها أو قراءة روحية تركت فيه أثرًا شديدًا. أو نتيجة لمشكلة حاقت به, فقال: إن أنقذتني يا رب, فسوف أتبعك كل حياتي. وأنقذه الله, فتبعه. ولكن ما إن يزول هذا المؤثر الخارجي, حتى يرجع كما كان.. وكذلك من يصمم أن يحيا حياة جديدة بمناسبة عام جديد في حياته, أو أي مناسبة أخري مفرحة إن التدين عند أمثال هؤلاء هو تدين مناسبات, وليس عن إيمان حقيقي وعمق في حياة الفضيلة. هو مجرد تأثرات خارجية, وانفعالات تزول بعد حين.. إذن لكي يثبت الإنسان في حياة البر, وفي علاقة دائمة مع الله, ينبغي أن يبني بره علي أساس داخل القلب وأحيانا يظن بعض رجال المجتمع أن الإصلاح قد يأتي عن طريق العقوبة. ولكن العقوبة هي عامل خارجي, ولا تصلح مع كل الحالات ولا مع كل مراحل السن.
حتى السجن مثلا الذين يقولون عنه إنه: تدريب وتهذيب وإصلاح. نقول نعم من جهة التأديب أما من جهة التهذيب والإصلاح, فأمر مشكوك فيه. فقد يكون الإصلاح بالنسبة إلي الآخرين الذين يخافون نفس المصير. أما بالنسبة للسجين, فنادرًا ما يستفيد من السجن تهذيبًا وإصلاحًا. علي العكس قد يمتلئ قلبه بالحقد علي من تسببوا في سجنه, وعلي القسوة التي عومل بها. ويمتلئ بالسخط من جهة سمعته, وما هو فيه من ضيق, وما ينتظره بعد الخروج من السجن.
أين هو الإصلاح إذن؟! لا يوجد إصلاح إلا الذي ينبع من القلب اهتموا إذن جميعًا بأن تبنوا حياتكم الروحية من الداخل, من عمق القلب في صلته مع الله.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
11 ديسمبر 2018
الصوم في كنيستنا القبطية
تعتبر كنيستنا القبطية أن الأصوام في الكنيسة هي زمان للتوبة، فكثيرًا ما نجلس وسط الكتب وننشغل بالقراءات في المجالات المختلفة، وكثيرًا ما نشارك في الاجتماعات، وقد ننشغل بالكثير من الخدمات والدراسات، لكنها جميعًا كوسائط روحية تتضاءل أمام عمل التوبة في حياتنا الروحية. فالتوبة هي احتياج دائم للإنسان الروحي، فهي ليست فعلًا في طريق الحياة، لكنها حياة وفعل دائم يتجدد في حياتنا كل يوم. لذلك كانت التوبة هي نداء كل أنبياء العهد القديم، كما كانت رسالة يوحنا المعمدان النبي السابق للرب يسوع، وكانت أيضًا نداء الرب يسوع للشعب «توبوا لأنه قد اقترب منكم ملكوت السموات» (مت3: 2). كذلك كانت التوبة هي رسالة كل الآباء الرسل «توبوا وليعتمد كل منكم عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا» (أع2: 38)، وكل الخدام في الكنيسة على مر السنين. لذلك فالكنيسة تعلّمنا أن نقدم توبةً كل يوم، ونسعي نحو تجديد عهودنا مع الله في كل صلاة وكل تسبيح، ونكتشف في كل تعليم دعوة الله لنا للتوبة. وتعتبر الكنيسة أن الصوم هو زمان لتجديد التوبة.والتوبة في طقس الكنيسة القبطية هي سر يسبق جميع أسرار الكنيسة، فهي تسبق الاعتراف والتناول ومسحة المرضى، وأيضًا سر الزيجة إذ كان الطقس يتم مسبقًا مصاحبًا لصلوات القداس الإلهي. وهي أيضًا شرط أساسي لسر المعمودية عند تعميد الكبار. فالتوبة هي تعزية الإنسان طوال مدة غربته على الأرض، لذلك يُحكى أن القديس أغسطينوس كانت لذّته في نهاية حياته هي ترديد مزامير التوبة.والتوبة في أبسط تعاريفها هي المحبة الحقيقية لله وكراهية كل ما يحزنه، ومحبة الله الحقيقية هي أن نطرد كل خطية محبوبة من القلب، وننتبه للخطايا التي تأتي لنا في ثياب برّاقة، فتحترس من كل طريق للكسب غير المشروع، وكل علاقة محبة غير نقية أو غير شرعية، ومن متابعة للمواد الإعلامية الغير أمينة أو متابعة مواقع الإنترنت الغير طاهرة.. الخ، ونتحفظ من الخطايا التي قد تبدأ بنيّة حسنة، ثم تقودنا في طريق الخطية المحزن. فالخطية تقودنا إلى طرق مؤلمة، وتفقدنا كل ما اكتسبناه من البر والنقاوة، وتفقدنا فرحنا وبهجتنا بالقرب من الله، لذلك على الإنسان أن يفكر دائمًا فيما تصنعه الخطية داخله، فالعالم بكل ما فيه من تسليات مملة وراحات متعبة لا يمكنه أن يسعد قلب الإنسان، فالتائب وحده يستطيع أن يختبر معنى الراحة والفرح الداخلي، ويستطيع أن يحيا مستعدًا للحياة الأبدية، وهذه هي بركات التوبة.وفي مفهوم كنيستنا القبطية فإن التوبة تحتاج إلى جهاد حتى الدم، في أصوام وصلوات وميطانيات، وفي محاولات لضبط رغبات الجسد وشهواته الغير مضبوطة. فلا يستطيع الإنسان أن يقتني نقاوة القلب أو التسامح أو المحبة للآخرين دون جهاد طويل مع النفس. لكننا نؤمن أيضًا أن الإنسان في جهاده يحتاج بلا شك إلى معونة النعمة الإلهية، ولكن النعمة لا تُمنَح للإنسان الكسول، لذلك لابد من الجهاد والرغبة الأمينة لنوال معونة الله ونعمته. فنحن نحتاج أن نقطع كل شهوة شريرة، وكل أهواء ردية، وهذا قد يحتاج إلى بعض الألم، فنحتاج أن نتجنّب بعض العلاقات المحبوبة، ونحتاج أن نتنازل عن بعض المسرّات التي تبدو مبهجة، وهكذا فعل القديس أغسطينوس عندما قطع علاقاته العاطفية القديمة قبل توبته نهائيًا، لذلك تصلي الكنيسة في تحليل نصف الليل "اقطع عنا كل الأسباب التي تسوقنا إلى الخطية".وفي طريق التوبة لنحترس دومًا من أمور قد تعطّل توبتنا، لنحترس من روح اليأس التي تُفقد الإنسان رجاءه في العودة إلى الآب السماوي، فمهما كانت خطايانا نحتاج أن نثق أن الله قادر أن يجدّد حياتنا. ولنحترس أيضًا من فكرة تأجيل التوبة فننشغل بأمور كثيرة قد تعطلنا، بل لنكن دائمًا مستعدين أن نقول مع الابن الشاطر «اقوم الآن وأذهب إلى أبي» (لو15).لتكن أيام الصوم في حياتنا هي دعوة للتوبة. وتسابيح الكنيسة طوال شهر كيهك هي دعوة للتوبة. وحضور القداسات والخدمات الروحية هو دعوة للتوبة. والتقدم من الأسرار المحيية دعوة للتوبة. وكذلك لتكن كل قراءاتك هي دعوة للتوبة.. فهذا هو قصد الله وقصد الكنيسة من فترة الصوم.. لنستقبل الرب يسوع طفل المذود في قلوب نقية.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
10 ديسمبر 2018
الرب يسوع يُشارك في خدمة التسبيح
نستطيع أن نتوقع أن ربنا يسوع المسيح نفسه قد اشترك في ترنيم المزامير داخل الهيكل، وفي المجامع أيام السبت حسب الترتيب المستقر وقتها هذا الأمر بدأ منذ طفولة الرب يسوع "وكانَ أبَواهُ يَذهَبانِ كُلَّ سنَةٍ إلَى أورُشَليمَ في عيدِ الفِصحِ" (لو41:2)، واستمر بعد ذلك وهذا يتضح من بقائه في الهيكل في سن 12 سنة "وبَعدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ وجَداهُ في الهيكلِ، جالِسًا في وسطِ المُعَلمينَ، يَسمَعُهُمْ ويَسألُهُمْ" (لو46:2) ويتضح أيضًا من مواظبة السيد المسيح على المجمع في أيام السبوت "وجاءَ إلَى النّاصِرَةِ حَيثُ كانَ قد ترَبَّى ودَخَلَ المَجمَعَ حَسَبَ عادَتِهِ يومَ السَّبتِ وقامَ ليَقرأَ" (لو16:4) لقد كان الرب يسوع مُشاركًا في كل العبادة، لأنه بتجسده كان لا بد له أن يُمارس كل ما يختص بنا كإنسان كامل وقد شرح الرب يسوع ذلك في قوله ليوحنا المعمدان: "لأنَّهُ هكَذَا يَليقُ بنا أنْ نُكَملَ كُلَّ بِرٍّ" (مت15:3)وقد شارك أيضًا تلاميذ الرب يسوع في خدمة التسبيح بالهيكل وهذا واضح في التسبيح الذي قدَّمه تلاميذه الأطهار عند دخوله أورشليم "ولَمّا قَرُبَ عِندَ مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيتونِ، ابتَدأَ كُلُّ جُمهورِ التلاميذِ يَفرَحونَ ويُسَبحونَ اللهَ بصوتٍ عظيمٍ، لأجلِ جميعِ القوّاتِ التي نَظَروا" (لو37:19) وكذلك في ليلة آلام السيد المسيح حيث قيل: "ثُمَّ سبَّحوا وخرجوا إلَى جَبَلِ الزَّيتونِ" (مت30:26) ويغلب الظن أنهم سبَّحوا بـ "مزامير التهليل" حسب عادة اليهود في مثل هذا العيد، وهي (المزامير 112 - 118).
(1) وصف لروحانية أيام السيد المسيح على الأرض
يُمكن أن نقول إن التسبيح وخدمة الهيكل والذبائح كانت قد وصلت إلى قمم عالية وقت تجسد الله فكان الهيكل يعُج دائمًا بالمصلين، وكانت مواعيد الأعياد والصلوات والذبائح تُتمم بكل تدقيق وحرص، كما يظهر في قصة زكريا: "فبَينَما هو يَكهَنُ في نَوْبَةِ فِرقَتِهِ أمامَ اللهِ، حَسَبَ عادَةِ الكَهَنوتِ، أصابَتهُ القُرعَةُ أنْ يَدخُلَ إلَى هيكلِ الرَّب ويُبَخرَ" (لو8:1-9)، مما يدل على انتظام الفرق والنوبات والعوائد الكهنوتية والدخول للهيكل والتبخير كانت هناك أيضًا فئات كثيرة من الشعب حريصة على إتمام الواجبات الدينية مثل الفريسيين والصدوقيين والكتبة وإن اتسمت عبادتهم بالحرفية وغياب الروحانية، ولكن مع ذلك يذكر العهد الجديد العديد من الشخصيات المباركة التي مارست العبادة بروحانية وتقوى مما يدل على الأثر القوي لذبيحة التسبيح على حياتهم وروحانيتهم ومن هؤلاء مثلاً: زكريا الكاهن وامرأته أليصابات اللذان شهد عنهما الإنجيل "وكانا كِلاهُما بارَّينِ أمامَ اللهِ، سالِكَينِ في جميعِ وصايا الرَّب وأحكامِهِ بلا لومٍ" (لو6:1) ولم يكونا هما فقط بل قيل أيضًا: إن جمهورًا كثيرًا من الشعب كان يصلي ففي قصة ظهور الملاك لزكريا قيل: "وكانَ كُلُّ جُمهورِ الشَّعبِ يُصَلّونَ خارِجًا وقتَ البَخورِ" (لو10:1)، وقد فهم الشعب بكل حِس روحي دقيق أن زكريا قد رأى رؤيا في الهيكل لأنه كان صامتًا بعد خروجه من الهيكل (راجع لو22:1).
(2) شخصيات روحانية بارزة عاصرت التجسد الإلهي
إنه جيل عظيم أنجب زكريا وأليصابات، وأنجب يوحنا أعظم مواليد النساء، بل وأنجب سيدة كل البنات العذراء القديسة مريم من والديْن تقيين أيضًا وهما يواقيم وحنة وهذا الجيل أيضًا أنتج لنا كل الآباء الرسل الأطهار، وكل الجيل الأول للمسيحيين قبل دخول الأمم في الإيمان حقًا لقد صلبوا رب المجد، ولكن في وسط ذلك الجيل المعوج والملتوي كانت هناك أنوار تضيء بينهم في العالم (راجع فيلبي15:2) وأعتقد أن الفضل في ذلك يرجع إلى تهذيبهم روحيًا من خلال ذبيحة التسبيح والصلاة بالهيكل لقد كانت معظم تسبحة "العذراء مريم" مأخوذة من كلمات المزامير والتسابيح الموجودة بالهيكل مما يدل على شِبعها بهذه الروح الكنسية العميقة بسبب تواجدها الدائم بالهيكل قبل أن يأخذها الشيخ يوسف النجار إلى منزله وكذلك تسبحة "زكريا" بعد ولادة يوحنا المعمدان امتلأت بتعابير من المزامير والتسابيح، والتسبحة التي فاه بها سمعان الشيخ تدل على روحانية سامية في تأليف التسبيح الكنسي كذلك قيل عن "حنة النبية" بنت فنوئيل إنها كانت "وهي أرمَلَةٌ نَحوَ أربَعٍ وثَمانينَ سنَةً، لا تُفارِقُ الهيكلَ، عابِدَةً بأصوامٍ وطَلِباتٍ ليلاً ونهارًا فهي في تِلكَ السّاعَةِ وقَفَتْ تُسَبحُ الرَّبَّ، وتكلَّمَتْ عنهُ مع جميعِ المُنتَظِرينَ فِداءً في أورُشَليمَ" (لو37:2-38) إنني أتعجب من هذه الروحانية السامية فهذه امرأة تعيش في الهيكل 84 سنة، وعندها روح النبوة، وتتوقع مع كثيرين من سكان أورشليم فداءً عتيدًا أن يحدث قريبًا حسب النبوات لذلك تقف في استقبال الطفل يسوع تُسِّبحه وتُمجد خلاص الله!!!من الظلم أن نعتبر كل الجيل الذي ظهر فيه السيد المسيح جيلاً شريرًا لأنهم صلبوه، ولكن دعونا نرى هذه الأنوار التي تدل على الروحانية السامية في بعض الأشخاص المعاصرين لهذا الجيل.
لقد قيل أيضًا عن "يوسف الرامي" إنه: "كانَ هو أيضًا مُنتَظِرًا ملكوتَ اللهِ" (مر43:15).
و"شاول الطرسوسي" بالرغم من أنه كان يضطهد المسيحيين، لكنه كان يفعل ذلك بجهل كأنه يقدم خدمة لله حسب قول السيد المسيح: "بل تأتي ساعَةٌ فيها يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقتُلُكُمْ أنَّهُ يُقَدمُ خِدمَةً للهِ" (يو2:16)، وقد اعترف بذلك القديس بولس الرسول قائلاً: "أنا الذي كُنتُ قَبلاً مُجَدفًا ومُضطَهِدًا ومُفتَريًا ولكنني رُحِمتُ، لأني فعَلتُ بجَهلٍ في عَدَمِ إيمانٍ" (1تي13:1)، وطفوليته كانت مليئة بمعرفة الله، كما شهد هو بنفسه "فسيرَتي منذُ حَداثَتي التي مِنَ البُداءَةِ كانَتْ بَينَ أُمَّتي في أورُشَليمَ يَعرِفُها جميعُ اليَهودِ، عالِمينَ بي مِنَ الأوَّلِ، إنْ أرادوا أنْ يَشهَدوا، أني حَسَبَ مَذهَبِ عِبادَتِنا الأضيَقِ عِشتُ فريسيًّا" (أع4:26-5) وإن كانت روحانياته بطريقة فريسية متشددة، لكنها على كل الأحوال تدل على اهتمام روحي وانشغال بالأمور الدينية بطريقة تناسب الفكر اليهودي الحرفي، ويشهد القديس بولس أيضًا أن الأسباط جميعًا كانوا في حالة روحية عالية توقعًا لمجيء المسيح "الذي أسباطُنا الاثنا عشَرَ يَرجونَ نَوالهُ، عابِدينَ بالجَهدِ ليلاً ونهارًا" (أع7:26) وعائلات كثيرة كانت تتوارث الإيمان والتقوى والعبادة الروحانية مثل عائلة تيموثاوس الرسول فقد كان أيضًا من الشخصيات المباركة في هذا الجيل: جدة تيموثاوس (لوئيس)، وأمه (أفنيكي) "إذ أتذَكَّرُ الإيمانَ العَديمَ الرياءِ الذي فيكَ، الذي سكَنَ أوَّلاً في جَدَّتِكَ لوئيسَ وأُمكَ أفنيكي، ولكني موقِنٌ أنَّهُ فيكَ أيضًا" (2تي5:1) كل هذه الشخصيات الروحانية المباركة المعاصرة لوقت تجسد كلمة الله تدل على المستوى الروحي الراقي الذي كانوا يتمتعون به وتُشير إلى ارتفاع قيمة العبادة والتسبيح عند الشعب.
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
09 ديسمبر 2018
إختبار قيادة الله لحياتى
إنجيل هذا الصباح المبارك يا أحبائي فصل من بشارة معلمنا لوقا إصحاح " 6 " يقول لهم مَثَل{ هل يقدر -أعمى أن يقود أعمى أما يسقط الاثنان في حفرة } ( لو 6 : 39 ) .
1- القدوة :-
هذا الكلام يخاطبهم به الرب يسوع ويُوجهه إلى الأمة اليهودية وإلى الذين يعيشون في عصر هذه الأمة ورأى أن الناس يتعلموا على أيدي معلمي اليهود ويرى أيضاً أن اليهود يمشون في طريق كله رياء وكله مظهرية وكله شكلية إذاً الجيل الذي يتعلم ماذا سيتعلم ؟ يقول لهم هذا " أعمى يقود أعمى " بهذه الطريقة الإثنين يقعون في حفرة ماذا تريد أن تقول يا ربي يسوع المسيح ؟ في الحقيقة يريد الرب أن يقول كلمة ولكنه يريد أنهم هم الذين يستنتجونها ماذا يقول ؟ يريد أن يقول تعلموا مني ( مت 11 : 29 ) لأنه يقول لهم " أن أعمى يقود أعمى كلاهما يسقطان في حفرة "وهنا يقول حينما إنسان يُعلِّم إنسان ويكون كله نقائص كيف يُعلمه ؟ { لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها } ( لو 6 : 41 ) " القذى " هي جزء من خشبة القذى هي التي يقول عليها إنها السِّلاية يريد أن يقول أن الأمة اليهودية وهي تُعلم الناس تُكلمهم على السِّلاية التي في أعينهم في حين أنهم في أعينهم خشبة ربنا يسوع المسيح يريد أن يقول تعلموا مني وفي نفس الوقت يريد أن يقول حينما تتعلموا من شخص يكون بلا عيب لا يكون في عينه خشبة من هو الذي ليس بعينه خشبة ؟ لا يوجد أحد سواه ربنا يسوع المسيح يا أحبائي يريد أن ننصت إليه هو يريدنا أن نتعلم منه هو مصدر معرفتنا هو نموذجنا يقول لنا { تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته } ( 1بط 2 : 21 ) ترك لنا الإنجيل ترك لنا شخصه ترك لنا تعاليمه ترك لنا سلوكه أحياناً أحبائي الإنسان يمشي وراء تعليم غريب وأحياناً الإنسان يضع لنفسه تعاليم ليسلك بها وأحياناً الإنسان يتبع أي اتجاه ربنا يسوع يقول لك " أعمى يقود أعمى " إحذر من المفترض أن أكون عيني عليه هو قائد حياتي من المفترض إني أمشي وراء كلامه هو أمشي وراء تعاليمه هو { سراج لرجلي كلامك } ( مز 119 : 105) أنا أمشي وراء كلمتك معلمنا بطرس الرسول قال له { على كلمتك أُلقي الشبكة } ( لو 5 : 5 ) أنا أرى كلامك وأمشي وراءه جميل أن الإنسان أحبائي يعرف من هو قائده جميل الإنسان الذي يعلم يُطيع من ويسلك بحسب قانون من نحن ؟ لنا قانون إلهي قانون سماوي الكنيسة تقول لربنا يسوع المسيح { إننا لا نعرف آخر سواك }أنت قائدنا .
2- المشورة الصالحة :-
جميل اختبار الإنسان حينما يختبر قيادة الله في حياته لا يعمل أي شئ بدون أن يصلي حينما يقع في تجربة يصوم عندما يريد معرفة مشورة ربنا يقرأ في الإنجيل جميل الإنسان الذي يلتمس مشورة ربنا في حياته بكثرة السجود وكثرة الأصوام وكثرة الصلوات جميل الإنسان المتحير في أمر معين في حياته يقول سوف أحضر عدة قداسات وأسمع الإنجيل من فم الكنيسة وأرى ماذا سوف تقول لي الكنيسة جميل الإنسان الذي يضع ورقة على المذبح ويقول له يارب أنت تقودني أنت تخاطبني أنت ترشدني كثيراً ما نسمع في سنكسار الكنيسة يقول لك أنه كان يوجد قديس يريد أن يعرف مشورة ربنا في أمرٍ ما يقول لك " فأتى إلى الكنيسة وسمع ما استراح إليه قلبه " جميل الإنسان الذي يضع ورقة على المذبح ويحضر القداس بروح تضرع ويقول له يارب ارشدني أنا لا أعرف لنا ثقة أحبائي أن المذبح ناطق سمائي " ناطق " تعني أنه يتكلم المذبح ليس مجرد حجرالمذبح يعني ذبيحة والذبيحة ذبيحة حية جميل الإنسان الذي لا يلتمس مشورة خارج الله ولا يلتمس فكرة يشك فيها إلا عندما يتأكد أنها تأتي إليه من عند مصدر المشورة الصالحة هو ربنا يسوع المسيح هو المُعلم الصالح .
3- قيادة الله لشعبه :-
الله أحبائي درب شعبه منذ القديم على أنه هو القائد تجد ربنا يقول لأبونا إبراهيم { اذهب من أرضك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك } ( تك 12 : 1 ) إلى أين تذهب يا بونا إبراهيم ؟ أنت معك أُناس كثيرين ومعك غنم ومعك بقر ومعك غلمان ذاهب بهم إلى أين ؟ تعال نسأل أبونا إبراهيم ذاهب إلى أين ؟ يقول لك أكذب عليك لو إني أعرف ذاهب إلى أين إلى أين أنت ذاهب بنا ؟ أنا أمشي وراء إلهي لأنه عوِّد الشعب في البرية أنهم يسلكون وراءه يعطيهم عمود نار في الليل وعمود سحاب في النهار يقول لك عندما يرتفع العمود يرتحلوا وعندما يستقر يستقروا عندما يظهر يقوموا بتحضير العِدة ويمشون وعندما يرتفع العمود يرتحلون وعندما لا يظهر العمود يظلوا مستقرين في مكانهم كم من الأيام يوم أو اثنين أو ثلاثة ؟ لا نعلم واحد يذهب لموسى النبي يقول له أنت قائدنا كم من الأيام نكون مستقرين ؟ تخيل أن موسى النبي قائد الشعب يقول له صدقني أنا لا أعرف كم من الأيام نكون مستقرين يقول له إذا كان رئيسنا لا يعلم كم يوم نكون هنا !! يقول له أنا لا أعلم كم يوم نكون مستقرين أنا لا أقدر أن أحدد لك كم يوم يمكن أن نمشي الآن ويمكن أن نمشي غداً ويمكن أن نمشي بعد سنة أنا لا أعلم كم يوم الله كان يريد أن يدربهم أنه هو القائد الفعلي لهم جميعاً من قائدهم ومن كبيرهم إلى صغيرهم ما رأيك أن تختبر هذا الإختبار في حياتك ؟!! ما رأيك فعلاً أن تقول { لأننا لا نعرف آخر سواك } .
4- إلتماس قيادة الله لحياتي :-
جميل جداً عندما كان الشعب يقع في ضيقة ويصرخوا إلى ربنا لكي يقولوا له ماذا نفعل ما أجمل عندما يقولوا له { نحن لا نعلم ماذا نعمل ولكن نحوك أعيننا } ( 2أخ 20 : 12) لا نعلم ماذا نفعل عيوننا نحوك نحوك أعيننا هو القائد إلتمس قيادة الله لحياتك إلتمس أن تسلك بحسب مشورته إلتمس رأيه من الإنجيل يقول له { تهديني يدك وتمسكني يمينك } ( مز 139 : 10) حقاً يارب إني أمتلك عقل وحقاً أمتلك حرية لكني سأُقدم لك عقلي وسأقدم لك حريتي وسأقدم لك كل ما ليَّ لكي ما تقودني أنت ما أجمل الكلمة التي نقولها في القداس { أُقدم لك يا سيدي مشورة حريتي } أنا أضعها في يديك أنت أنا عندي أمنيات وعندي طموحات وعندي أفكار وعندي اشتياقات كثيرة لكن كل هذا سأضعه في يديك لأجل هذا أحبائي ربنا يريد أن يقول لك إحذر من تسليم نفسك لأعمى واحذر من تسليم نفسك لنفسك واحذر من تسليم نفسك للظروف واحذر من تسليم نفسك للمجتمع إحذر أن تمشي بلا هدف يقول لك خلي بالك هنا يقول لهم " هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى "إلتمس قيادة الله في حياتك إختبره كل يوم ما أجمل ما يُقال عن تلاميذ رب المجد يسوع عندما يقول { كانوا معاً }( أع 2 : 44 ) كانوا معه ذاهبين إلى أي مكان ؟ لا يعلموا وكم يوم يمكثون في هذا المكان ؟ لا يعلموا وما هو مكان إقامتنا في هذه الليلة ؟ لا يعلموا كانوا معاً لأجل هذا معلمنا بولس الرسول يقول { شكراً لله الذي يقودنا في موكب نُصرتهِ } ( 2كو 2 : 14) هو يمشي ونحن نمشي وراءه ودائماً عيوننا عليه فنحن دائماً في أمان وحيث إني عيني عليه نكون في أمان وحيث إني عيني تراقبه حيث إني عيني تاخد بالها منه أكون في أمان أنا أمشي صح حاول عينك لا تنزل من على شخصه حاول أن لا تشعر أبداً أنك واثق من نفسك وتعلم الطريق – أبداً – إلتمس مشورته باستمرار حتى لو شعرت بفكرة تبدو أنها صحيحة يقول لك " توجد طرق تبدو أنها مستقيمة "( أم 14 : 12) – تبدو – .
5- إحتياجي إلى الله :-
القديس أبو مقار أتت له فكرة أنه يتوحد في الجبل أتت له فكرة أن يختبر الآباء السواح وهو رجل ذو قامة عالية أبو مقار رجل ليس بقليل لا نقدر أن نقول أنه أقل من السواح يقول لك عندما أتت له هذه الفكرة خاف أن تكون هذه الفكرة من عقله أو من فِكره البشري خاف أن تكون هذه الفكرة هي تشبُّع بسيرة أحد ويريد أن يُشابهه ويريد أن يتأكد هل هذه من ربنا أم ليست من ربنا يقول لك أن القديس أبو مقار إختبر هذه الفكرة لمدة ثلاثة سنوات ثلاثة سنوات يختبر هذه الفكرة هل يدخل إلى البرية الداخلية ويجرب يارب هل هذه الفكرة من عندك أم ليست منك ؟ أعطيني لها سلام أنا سأستمر في الصلاة جميل إني ألتمس من خلال إحتياجاتي الشخصية إحتياجي إلى الله وأحوِّل إحتياجاتي إلى إحتياج إلى الله جميل قبل التقدم إلى أي خطوة في حياتي أن أحتاج إلى بركته أحتاج إلى كلمته أحتاج إلى صوته أحتاج إلى إني أعرف هذا الأمر منه ولاَّ مني أعمى يقود أعمى ربنا يريد أن يضمن لنا الحياة المستقيمة يريد أن يضمن لنا حياة بحسب قصده يريد أن يضمن لنا أننا نمشي في الطريق الذي يمشي فيه جميل الإنسان الذي يسأل نفسه باستمرار إختبار قيادة الله لحياتي إختبار إنه هو في مراعي خُضر يربضني هو الذي يأخذني ويجلسني ويقول لي أنت هنا تأكل وهنا تجلس هنا تمشي هنا تبيت هنا تنام هنا تسلك هنا تعمل جميل أحبائي قبل اتخاذ أي قرار في حياتي سواء شُغل أو سفر أو إرتباط أن ألتمس مشورة ربنا جميل إني أنا حتى في إسلوب تربيتي لأولادي أصلي أقول له يارب ارشدني كيف أتعامل مع هذا الموقف ؟ جميل أننل نتعود كلنا كبيت عندما يكون عندنا أمر محتاجين فيه أن نسمع صوت ربنا نقرأ الإنجيل مع بعض نصلي مع بعض نحضر القداس مع بعض نريد نطمئن أننا نمشي بحسب قصده هو بحسب إرادته هو يقولك " أعمى يقود أعمى " .
6- المشورة الخاطئة :-
أحياناً واحد أحبائي يلتمس مشورة حياته للأسف من أعمى واحد يكون لا يسلك بحسب الله لا يسلك بحسب الوصية أريد أن أسمع كلامه وآخذ كلامه كمُسلِمات واحد يكون في حياته مشكلة يجد واحد يقول له تعال أذهب بك إلى واحد يعرف أن يحل لك المشكلة يُفاجأ أن هذا الرجل بتاع سحر وبتاع دَجَل يقول لك إحذر سيحدث كذا ويحدث كذا أعمى يقود أعمى نجد هذا الشخص دخل في متاهه يقول لك قال لي إني معمول لي كذا عمل وابتدى يعيش في اضطراب ويعيش في قلق ويعيش في خوف أعمى يقود أعمى هو سلِّم نفسه لفكرة عمياء وسلِّم نفسه لإنسان أعمى أنت محتاج أن تلتمس مشورة الله من داخل قلبك ومشورة الله تملأك سلام حتى لو كان طريقها صعب لو طريقها صعب فإنك مملوء سلام من ناحيتها وممكن المشورة التي للأعمى هذا يكون طريقها سهل لكنك مملوء اضطراب أقول لك من علامات طريق ربنا إنك تكون فرحان وتكون في سلام وتكون مطمئن حتى لو كان الباب ضيق أعمى يقود أعمى .
7- أقدم أفكاري لك :-
تأكد في كل خطوة من خطوات حياتك إنك تسلك بحسب إرادة الله جميل إني لا أثق في مشورة نفسي وأضع فكري أمام ربنا وأطلب منه هل هذه الفكرة من عندك أم لا ؟ جميل إني أقول لربنا العبارة التي نصليها في الأجبية " يارب لا تتركني ومشورة نفسي لأنك أنت تعلم الصالح لي أكثر مني "جميل الإنسان الذي يلتمس إرادة الله في حياته لا يُسلم نفسه أبداً لأي فكر غريب يقول لك " أعمى يقود أعمى كلاهما يسقطان في حفرة " كم مرة أحياناً يمشي الإنسان وراء مشورة نفسه ووقع في حفرة ؟ حفرة وراء حفرة وراء حفرة ربنا يريد أن يقول لك تعلَّم تعلَّم تعلَّم إنك تكون مطمئن تكون ممتلئ سلام لأنك عندما تمشي ويدك تمسك في يده بقوة أنت تضمن أن تعيش في الطريق السليم لأجل ذلك أحبائي كل من اتكل على مشورته وكل من اتكل على يده لا يُخزى ويقول لك { الرب فادي نفوس عبيده وكل من اتكل عليه لا يُعاقب } ( مز 34 : 22 )فادي نفوس عبيده حتى لو إنت تمشي في طريق خطر هو يفديك { الذي يفدي من الحفرة حياتك } ( مز 103 : 4 ) هو كان أمامه حفرة وهو أعمى ويمشي لوحده كان يجب أن يقع لكن لو أنا أمامي حفرة لكن مُمسِك في يده هو سينجيني من الحفرة هو الذي سينجيك من الحفرة إلتمس قيادة الله في حياتك تكون مطمئن ما الذي يجعل الإنسان يعيش مضطرب ما الذي يجعل الإنسان يعيش في قلق ما الذي يجعل الإنسان يعيش فاقد معنى حياته ؟ لأنه يعيش بلا هدف لأنه يعيش لا يتكل على ذراع إلهه غير واثق إنه يوجد قيادة لحياته تعطي له الأمن والأمان الكافي لأجل ذلك أحبائي يقول لك " أعمى يقود أعمى "أقول له لا يارب أنت الذي فتَّحت عيون العميان وأنت مصدر كل أبوة صالحة ومصدر كل عطية إلهية فائقة أنا واثق إني أنا ماشي معك واثق إنك إنت الذي تأمِّن رجلي من الزلل واثق إنك إنت اللي تأمِّن عقلي من أي فكرة غريبة واثق ومطمئن تماماً أنك أنت ستقودني في موكب نصرتك إنت اللي تدَّخلني معاك إلى المجد الأبدي ربنا يعطينا أحبائي حياة هادئة في اطمئنان كامل إننا في يده محمولين على ذراعه نسلك بحسب مشورته بحسب إنجيله نصرخ إليه في كل ضيقتنا أن يهدينا وأن يرشدنا وأن يمسك بخطواتنا فيحميها من أي زلل وينجينا من كل حفرة ومن كل فخ ومن كل سهم ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد دائماً أبدياً آمين.
القس أنطونيوس فهمى
كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك الأسكندرية
المزيد
08 ديسمبر 2018
النَّهْضَةُ الليتوُرچيَّة والتَسْبِحَةُ الكِيَهْكِيَّةُ
تعيش الكنيسة القبطية نهضة ليتورچية كبيرة في التسبيح. يتشارك فيها عشرات الآلاف من العابدين الساهرين المسبِّحين من الشعب البار الحافظ الأمانة، في ظاهرة تَقَوية رائعة تمتد عبر الزمان... فتراث كنيستنا الليتورچي موسوم بمذاقة الخبرة الروحانية التي لا تبدأ بالمفاهيم والنظريات بل بالتذوق الكياني والخبرة كنيسة مسبِّحة مرنمة، كنيسة العيش واختبار الفرح الذي يعلنه صديق العريس. الفرح الكائن بذاته كالهواء الصافي في ضوء الشمس. الفرح المعطىَ مقدمًا للجميع، الفرح الهائل الفريد الكائن في التجسد الإلهي. الفرح الذي هو (سيمفونية) المعنى (للحاجة إلى واحد)... هذا الفرح والتسبيح والتمجيد لاستقبال مخلص العالم مشتهىَ كل الأجيال الكائن معنا (هيبّي إفكي نيمان) هذا وترتب الكنيسة السهرات الكيهكية، ضمن خدمة إيقاعية مرافقة لسير الزمن حسب الطقس الكنسي، حيث نعيش سر التجسد حاضرًا ونحياه الآن في الكنيسة، فتذوب حياتنا في حياة صلاة الكنيسة المجتمعة، ويتناغم صوتنا الضعيف مع صوت الكنيسة الواحدة كلها، ويكبُر بانضمامنا لجموع المؤمنين عبر الأجيال كشهود عيان لتاريخ الخلاص، نعاينه عيانًا كرسم للأبدية في الزمن (ضمن الزمن دون أن يكون منه)... وبالتسبيح الأصيل والانجماع (قم انهض يا مسكين وإلبس ثوب اليقين...) تصير العبادة حلوة في حناجرنا أكثر من العسل، وتتجمع فينا الحواس بيقظة (نفسي وعقلي ارفعهما إلى السماء). ونتنبَّه إلى عمق معاني النص المقدس لسر التدبير، بالتأمل المتواتر في الهوسات الأربعة والثيؤطوكيات والإبصاليات والمدائح والطروحات والتفاسير، فتصير لنا زادًا روحيًا نتلمّس من خلاله إعلانات الله ومواعيده عن مجيء المخلص في ملء الزمان ليردنا مرة أخرى إلى الفردوس ويهبنا العتق من الفساد.تبتدرنا تسبحة كيهك بالتسبيح لله صاحب المبادرة الخلاصية الذي سعى ليجتذبنا إليه، وأخذ الذي لنا ليعطينا الذي له... عبر أنبيائه القديسين الذي تعهدنا بهم، وصولاً إلى البشارة بولادة يوحنا المعمدان صديق العريس ليهيء الطريق قدامه، ثم البشارة المفرحة ﻟ (م ر ي م) فخر الرتب، وزيارتها لإليصابات، ثم حدث الميلاد البتولي والطلقات الروحانية والعجب العُجاب كقول الأنبياء... فنهتف بفهم مع القوات العلوية وتمتلئ السماء والأرض بمجد الأعالي، وبالسلام على الأرض، وبمسرة الناس، حيث يجتمع الجميع معًا: العلويون والأرضيون، الذين في السماء مع الذين على الأرض، قطيعًا واحدًا في تسبيح الغلبة والخلاص (الهوس الأول)، وتسبيح الشكر للرب لأنه صالح، وإلى الأبد رحمته (الهوس الثاني)، وهو حاضر معنا وسط أتون برية العالم (الهوس الثالث)، ونسبحه مع كل نسمة ومع خليقته وجميع قديسيه (الهوس الرابع).
وتهدف الكنيسة عبر برنامجها أن تُعدّنا لنعيِّد لحياتنا ولخلاصنا الأبدي، لا لتذكار أو ذكرَى، لكن لقبول مسيح المذود الحي الحقيقي... نرى ونشهد ونُخبر بالحياة التي اُظهرت لنا، وللمولود الإلهي الذي وُلد لنا، واستَعلن نفسه حاضرًا دائمًا معنا... حيث التسبيح المتوازي والمتبادَل مع تعابير المجد اللائق لعمانوئيل الذي تفسيره الله معنا، والذي صار لنا تسبحة دائمة في أفواهنا، نسبحه باحتراص ربوات مضاعفة وفي الشهر المريمي يقترن صوم الميلاد بالتسبيح والتهيئة لعيد الميلاد والإبيفانيا والأوكتاف بعد أربعين يومًا في عيد الختان، حيث يلتحم الصوم باللحن الكيهكي، كمصدر فرح روحاني لاستقبال كنز خلاصنا في المسيح، الذي هو ثمين وغالٍ جدًا ومتعدد المفاعيل. سرٌ لا يمكن فض ختومه أو إدراكه بكلمات بشرية، لذا نوقره بذبيحة تسبيحنا ثمار شفاهنا، فلا شيء يساوي معجزة خلاصنا وتقديسنا ومصالحتنا وتجديد خلقتنا واستعادة بنوّتنا بالواحد من الثالوث نهضتنا الليتورجية مصدر القوة الإلهية لحياتنا الروحية وانعكاس للشهادات النبوية ولرسالة الإنجيل وتفسيرات آباء الكنيسة... عندما نقف أمام تدبير الله الخفي الذي استُعلن لنا في تجسد الكلمة لتستودعه الكنيسة (سر جسده) والتي لا زالت تحيا انتظاره وآية حضوره الدائم فيها، وإعلان بشارته الخلاصية التي رفعت بشريتنا إلى السماء، حتى لا نحيا بأنفسنا بل بروحه القدوس. فبيت لحم هو بابنا المفتوح عبر طريق الجلجثة للحياة مع الله أو بالحري لحياة الله معنا، وكما تفرح العروس بعريسها، هكذا تفرح الكنيسة بربها وتُشرك معها الخليقة كلها في تسبيح الشكر لإله يعقوب في الكنيسة خيمة العجائب نتقدم في سبل البر عبر (مجرىَ) خلاص الله في التاريخ وحضوره فينا، فنتلذذ بالقدير وتجتذبنا أنوار بيت لحم، وتسبيح أصوات الملائكة لنعيش سنة الرب مستترين مع المسيح، مُحضرين هدايانا مع المجوس والرعاة للذي حل بيننا ونصب خيمته في وسطنا ورأينا مجده وأسس التدبير بالنعمة التي لتدبير الخلاص المعطىَ لنا من الآب والابن والروح القدس... معلنين العقيدة الخلاصية للثالوث التي هي رأس وأصل ومحتوىَ إيماننا وخلاصنا، والذي عليه تأسست الكنيسة (قلبي ولساني يسبحان الثالوث، أيها الثالوث القدوس ارحمنا) إنها عبادة تحقق الوحدة بين الزمان الماضي والزمان الحاضر، أي بين الإعلان الإلهي وحاضر الكنيسة، وبلغة الليتورچية القبطية بين (كما كان) وبين (هكذا يكون)، من جيل إلى جيل وإلى دهر الدهور... وهكذا ننتقل بالتسبيح والتمجيد والبركات من التاريخ إلى الحاضر، الآن وهنا، فالبشارة والحبل الإلهي تصير فعلاً مضارعًا تامًا في حياة الكنيسة الآن!!!ننتظر ونترقب ونشتاق لمسيحنا الذي تهللت كل الأمم بمجيئه عبر ليالي التسبيح، ويختمر فينا الوعي عبر الألحان والمدائح والشروحات والتطويب وترانيم الخلاص وتحقيق المواعيد... متجاوبين مع صدىَ النبوات والرموز والتشبيهات وصلوات الآباء. كذلك لا شك أن هذا التسبيح يخلصنا من الفردية والعُزلة والأتعاب النفسانية، ويوحِّدنا مع الكنيسة، فنتجاوز أوجاعنا البيولوجية وآلام زماننا الحاضر، ونعيش كعائلة سماوية مع مجمع المقدسين والأبرار المكمَّلين الفعَلة الأمناء، ومع محفل الملائكة، متأصلين في سماء اللاهوت وعبادة الكلمة المتجسد، الذي به وحده نكون أعظم من منتصرين، وفيه مركز الكون الذي يطلب وجه رحمته إنها نهضة ليتورچية ورحلة روحية نتلمس فيها البشارة والفرح العظيم والرؤىَ مع زكريا الكاهن وإليصابات ومع يوسف النجار حارس الميلاد البتولي، ونتلمّس الإيمان والصمت والسجود والابتهاج وحلول الروح القدس، وبخور يمين المذبح، وحضور جبرائيل الواقف قدام الله، وتسبحة عظائم القدير التي لسيدتنا وملكتنا العذراء كل حين. فليعِد الله علينا هذه الأيام بسِمة الفرح والثقة الغالبة على الملتصقين به، وليقبل ويكمل أعمال يديه، وليرفع عنا الأتعاب ويقرر لنا سلامه.
القمص أثناسيوس چورچ
كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
07 ديسمبر 2018
هبة الألم
جاء في رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل فليبي، هذه الرسالة التي كتبها القديس بولس وهو في السجن، ونسميها رساله الفرح رغم أنه كان في السجن، جاء فيها: «فقط عيشوا كما يَحِقُّ لإنجيلِ المَسيحِ، حتَّى إذا جِئتُ ورأيتُكُمْ، أو كُنتُ غائبًا أسمَعُ أُمورَكُمْ أنَّكُمْ تثبُتونَ في روحٍ واحِدٍ، مُجاهِدينَ مَعًا بنَفسٍ واحِدَةٍ لإيمانِ الإنجيلِ، غَيرَ مُخَوَّفينَ بشَيءٍ مِنَ المُقاوِمينَ، الأمرُ الّذي هو لهُمْ بَيِّنَةٌ للهَلاكِ، وأمّا لكُمْ فللخَلاصِ، وذلكَ مِنَ اللهِ. لأنَّهُ قد وُهِبَ لكُمْ لأجلِ المَسيحِ لا أنْ تؤمِنوا بهِ فقط، بل أيضًا أنْ تتألَّموا لأجلِهِ. إذ لكُمُ الجِهادُ عَينُهُ الّذي رأيتُموهُ فيَّ، والآنَ تسمَعونَ فيَّ.». (في١: ٢٧-٣٠).أولًا: ما هو الألم؟الألم هو هبة من الله أي عطية، وهذه العطية الإلهية موازية تمامًا لعطية الإيمان، بمعنى أن الإنسان المسيحي نال عطية الإيمان هبة من ربنا، وهذه العطيه تتساوى مع عطية الألم. ولذلك فنحن نحتفل بالمسيح في أسبوع الآلام. وإن كان الألم الذي يسمح به الله للإنسان هو عطية ونعمة، فهو في نفس الوقت كثير جدًا في حياة الإنسان، إذ يصاحبه في رحلته على الأرض. ففي ولادة الإنسان تبدأ حياته بآلام للأم، وبعد الولادة تفرح لأنها أتت بإنسان جديد إلى العالم، ثم يمر الإنسان بألم الفطام بعد سنة أو سنتين لكي يكبر وينمو، ثم متاعب فترة الدراسة الأولى، يعقبها آلام فترة المراهقة التي ينتقل فيها من الطفولة إلى الشباب. وحين تنتهي فترة الدراسة بكل متاعبها تبدأ متاعب العمل، ثم فترة الارتباط والزواج بمشاكلها، ثم إنجاب الأطفال وتربيتهم بما يحمله من متاعب إلى أن يكبروا، وبعدها تبدأ آلام فترة الكبر…وقد تعترضه بعض الآلام مثل الفشل في مرحلة الدراسة أو العمل أو الارتباط، أو أن تظهر بعض المتاعب أو الأمراض له أو لمن حوله. أو قد يفقد بعضًا من أحبائه…لكن كل هذه المراحل من الألم توصلنا لفائدة عظيمة، فالألم هبة ووسيلة لإنضاج الشخصية. ولذا قال القديس يوحنا الذهبي الفم: «لا تشتهِ حياة خالية من الألم أو الضيق، فهذا ليس فيه خير لك»، فالألم مثل النار التي ينضج بها الأكل، فالآلام تصنع شخصًا ناضجًا. طاغور شاعر الهند العظيم له عبارة جميلة: «الحب كالبخور لا تظهر رائحته إلا إذا اكتوت بالنار». كما أن الألم فيه مشاركه للآخرين ومشاركة مع المسيح، فالمسيح يتألم معك كما أنت تتألم معه.ثانيًا: ما هي فوائد الألم؟١. تنقية حياة الإنسانفلكلٍّ منّا ضعفاته وخطاياه وسهواته، وقد تلهيه الدنيا. وكما نقوله في صلاة النوم «إن العمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة»، ولذلك قد تأتي فترات الألم في حياة الإنسان لكي ما ينظر إلى نفسه وتكون وسيلة لتنقيته. كما في حياة أيوب الصديق، الذي كان إنسانًا بارًا، يتقي الله. ولكن كانت فيه خطية مستترة وهي اعتزازه بنفسه، يرى نفسه أفضل من الآخرين. وبألم التجربة تنقّى، حتى قال لله: «بسمع الأذن سمعت عنك، أمّا الآن فقد رأتك عيناي». كان يسمع عن الله، وكان يعتبر أن هذه معرفة كافية، ولكن لما اجتاز التجربة وتنقى من الخطية التي كانت بداخله وصل إلى رؤية الله. اقبل الألم حين يعطيه لك الله، كي ما يطرد منك كل ضعف وينقيك من كل خطية.٢. من خلال الآلام نتزكّىبمعنى أننا كمن يجتاز امتحانًا، فيتعب ويذاكر لكي يتزكّى، وحين تظهر النتيجة يصير في سعادة بالغة بنجاحه. ربما لا يوجد في تاريخ البشر أصعب من التزكية التي حصل عليها إبراهيم أبو الآباء، إبراهيم دخل امتحانًا لم يدخلة آخر، حين طُلِب منه أن يقدم ابنه ذبيحة لله. فكان ملتزمًا جدًا، وبدأ يستعد لتقديم الابن بمنتهى الحماس والسرعة، ونجح ابراهيم وهو ماسك بالسكين ليقدم ابنه بنفس راضية. وأنتم تعلمون كيف افتداه الله، وكانت تزكية كبيرة جدًا لإبراهيم، وصار أبا الآباء، واستحق الوعد الثمين فصار نسله كنجوم السماء ورمل البحر. ٣. بالألم يتقوّى الإنسانبالألم ينضج ويقوى الإنسان، فالتدريبات الرياضية تحتاج تعبًا ومجهودًا لكي ما تتقوى العضلات، لكي يكون الشخص باستمرار في قمة اللياقة ويكون جاهزًا للمباريات. فالمجهود والتعب يقوّي الإنسان، وكما نعلم فالعضلة التي لا تُستخدم تضمر. والنسر عندما يضع فراخه تكون ضعيفه جدًا، فيحملها على جناحيه ويطير عاليًا، ثم يطرحها من أعلى فتبتدئ الفراخ الصغيرة في تحريك أجنحتها في الهواء بمفردها لئلا تسقط، فينزل النسر الكبير بسرعة لأسفل ويتلقاها على أجنحته. ثم يكرر هذه العملية إلى أن تستطيع النسور الصغيرة الطيران بمفردها. فالتجربه والألم هي وسيله لتقوية الإنسان.٤. الألم نمو للإنسانقيل عن شعب إسرائيل في العهد القديم «حسبما اذلوهم هكذا نموا وامتدوا». فدائمًا الضغوطات تكون سببًا في تنمية الإنسان. وفي نموه يكون الألم وسيلة من الوسائل التي يستخدمها الله. وفي مسيرة الكنيسة المسيحية عبر العالم نجدها حين تتعرض للضيق في مكان ما، تنمو وتمتد في كل مكان في العالم وتشهد للمسيح.٥. الألم وسيلة لتوعية الإنسانفالإنسان قد لا يكون واعيًا في فترات الراحة، وقد ينسى ربنا. أمّا الألم فهو للتوعية، كما كانت الشوكة التي أعطاها الله لبولس الرسول ليبقى واعيًا، ولئلا يتكبر أو يرتفع من فرط الإعلانات فيضيع، ولئلا ينسى رسالته. فكرز لأوروبا كلها واستشهد في روما سنة ٦٧م وصار اسمه وكتاباته معروفة في العالم كله.ثالثًا: ماذا نفعل أمام الألم؟- نقول لله: "أنت صانع الخيرات، أنت محب البشر، أنت ضابط الكل، وشمسك يارب تشرق في كل صباح، وعطاياك جديدة في كل يوم، والألم هو أيضًا عطية منك". يوجد أناس يتذمرون أمام الألم، وحتى من الناحية الصحية فالمريض الذي يتذمر يتأخر شفاؤه، بينما المريض الشاكر يتقدم شفاؤه.- وهناك مثل روسي يقول: «كنت أتذمر على الله لأنه ليس عندي حذاء، ولكن عندما وجدت إنسانًا بلا قدمين شكرت الله». فالتذمر في وقت الألم يأتي بنتيجة عكسية. - الدرجة الأعلى هي الرضا، فنشكر الله على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال. الرضا القلبي وليس الرضا الشكلي. ولكن كيف يشكر من يتعرض إلى أزمات صحية؟ أريدك أن تشكر لأنك في زمن يوجد به أطباء وأجهزة وأدوية ووسائل كثيرة، يوجد طب وطب التخدير بأشكاله المختلفة، يوجد نظريات ويوجد علاج ويوجد مستشفيات. شكرك هذا يعطيك شكلًا من أشكال الرضا. - خطوة الشكر، وأعني الشكر الكامل من القلب لله، شكر الله على عطاياه. حتى العطية التي تتعطّل أعرف أنه لا هدف لها. ومنفعة الإنسان قد تكون في خلوة الإنسان مع نفسه. قد تكون الفائدة مشاركة الألم مع الآخرين، وقد تكون فترة الألم مراجعة للنفس، قد تكون فرصة للصلوات الحارة المرفوعة. - وإذا عملنا بتلك الخطوات: عدم التذمر ثم القبول ثم الرضا ثم الشكر، نصل إلى قمة هذا الهرم، وهو الفرح وعناق الألم. قال أحد الآباء: «إن كنا خطاة بالألم نُؤدَّب، وإن كنا أبرارًا وقديسين فالآلام تختبر وتزكي». بواسطة الألم يأخذ المجاهدون الأكاليل. فالآلامات والتجارب مفيدة على الرغم من أنها مزعجة، لأنه بسببها يتضع الإنسان وينتقى ويتأدب. هذه الآلامات التي يسمح بها الله للإنسان دائمًا للخير، فالله هو صانع خيرات فقط، وحتى الآلام التي يقدمها فهي خيرات على المستوى الفردي وعلى مستوى الجماعة. وعندما كنا نقرأ في كتبنا في العصور الاولى في أزمنة الشهداء، كانت الكنيسة تنمو وتتقدم على الدوام لأنه «قد وُهِب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أن تتألموا لأجله أيضًا».
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
06 ديسمبر 2018
روايات الحياة الرسولية الأبوكريفية
ثانيا: المجموعة الثانية، روايات الحياة الرسولية:
كتبت الأعمال المتأخرة والتي سُميت بأسماء الرسل ابتداء من القرن الرابع متأثرة بما كتب في الخمسة أعمال الأولى وتوسيعًا وامتدادًا لها. فقد أثرت الأعمال الخمسة الأولى في تطوير أدب الأعمال الذي تحول إلى صورة أقرب للسير الخاصة بالقديسين، أو روايات السير الرسولية، خاصة في الأوساط الهرطوقية، وركزت على العجائب والاتجاهات اللاهوتية الكثيرة لهذه الفرق وغيرها. ولذا فلم تحسب هذه الكتابات كأدب أبوكريفي ولا سميت بأبوكريفا العهد الجديد لأنها كتبت بعد انتشار أبوكريفا العهد الجديد التي كتبها قادة الفرق الهرطوقية قبل أن تظهر هذه الكتب إلى الوجود. ولذا فهي أقرب لسير الرسل القديسين منه للأعمال والتي كانت تركز في جزء منها على استشهاد هؤلاء الرسل المنسوبة إليهم. فقد كتبت أصلا للاستخدام الليتورجي وليس كأسفار أبوكريفية. ولم تدع يومًا أنها قانونية أو حتى أبوكريفية (66).
* أعمال بطرس وأندراوس
* أعمال بطرس والأثنى عشر
* أعمال بطرس وبولس
* أعمال فيليب
* أعمال فيليب في هيللاس
* أعمال اندراوس ومتياس
* كرازة بطرس
* كيريجماتا بطرس
* اللوجوس العظيم
* حديث بعد القيامة
* أعمال بطرس وأندراوس:
وهي امتداد لأعمال أندراوس ومتياس، وتحوير أوسع لأعمال أندارس. ويوجد هذا المؤلف في اليونانية والسلافية، لأعمال أندراوس. ويوجد في الحبشية (مع تعديل أندراوس إلى تداوس). ويبدأ الكتاب بعودة القديس أندراوس من مدينة آكلي لحوم البشر، فتحمله سحابة من نور إلى الجبل حيث كان يجلس بطرس ومتياس وألكسندر وروفس، فيطلب منه بطرس أن يستريح من أتعابه، ولكن يسوع يظهر في صورة طفل، ويرسلهم إلى مدينة البرابرة. وعندما يقتربون منها، يستطلع بطرس الأحوال بأن يطلب خبزًا من رجل عجوز، وعندما يذهب الرجل لإحضار الخبز، يقوم الرسل بالعمل في الحقل نيابة عنه، فيعود الرجل ويجد المحصول ناضجًا للحصاد. ويحاول رؤساء المدينة منعهم من دخولها بوضع عاهرة عارية في بوابة المدينة، ولكن بلا جدوى. ويهاجم أينسيفورس الغني القديس أندراوس، ولكن بطرس يتدخل، ويسرع بالنطق بما جاء في إنجيل متى (19: 24)، فيتحدونه أن يفعل هذه المعجزة، فيضطرب بطرس، ولكنه يتشدد بظهور يسوع له في صورة طفل في الثانية عشرة من عمره. ويأتون له بجمل وإبرة ذات ثقب ضيق كطلب بطرس. وبناء على كلمة بطرس يتسع ثقب الإبرة حتى يصبح كالبوابة فيمر الجمل منه. فيصر أينسيفورس على إحضار إبرة وجمل بمعرفته في محاولة لتعجيز بطرس، ولكن بطرس ينجح مرة أخري في إجراء المعجزة، وعندئذ يعد أينسيفورس بإعطاء كل أمواله للفقراء، وإطلاق كل عبيده أحرارًا، إذ أذن له بطرس في أجراء المعجزة بنفسه، فيساور بطرس الشك، ولكن صوتًا يأمره بأن يدع أينسيفورس يفعل ما يريد. وفي هذه المرة يدخل الجمل حتى عنقه فقط، فيكتفي أينسيفورس بذلك، وقد علل بطرس الأمر بأن أينسيفورس لم يتعمد بعد. وكانت النتيجة اعتماد ألف نفس في تلك الليلة. وفي اليوم التالي، تعطي العاهرة - التي كانت على البوابة - كل أموالها للفقراء وتجعل من بيتها ديرًا للعذارى.
* أعمال بطرس والأثنى عشر:
وتوجد في إحدى مخطوطات مجموعة نجع حمادي ويرى بعض العلماء أنها مؤلف غنوسي قام بتنقيحه أحد المسيحيين. وهي رواية اقرب للمثال منها للتاريخ حيث تروي أن الرب يسوع المسيح أرسل تلاميذه ليكرزوا باسمه فركبوا سفينة رست بهم إلى شاطئ جزيرة في وسط البحر وانتظروا أحدًا ليرشد إلى مكان يستقرون فيه في المدينة فمر بهم شخص ينادي على لؤلؤ فتجمهر الأغنياء ليشتروا منه فدعاهم للذهاب إلى مدينة يأخذون منها اللؤلؤ مجانا، ثم جاء الفقراء لينظروا بأعينهم فقط اللؤلؤ فأشار إليهم أن يذهبوا لنفس المدينة ليحصلوا عليه مجانا. ومرة أخرى ظهر هذا الشخص كطبيب ومعه حقيبة يحمل فيها الأدوية وعرف التلاميذ أنه المسيح نفسه وطلب منهم أن يشفوا أمراض الناس الجسدية أولًا ثم يشفوا أرواحهم بعد ذلك.
* أعمال بطرس وبولس:
وترجع أقدم مخطوطاتها إلى القرن التاسع وأن كان الكتاب نفسه يرجع لتاريخ أقدم من ذلك فقد أشار أوريجانوس (185-245 م.) إلى إحدى قصصها، عن السيدة كوفاديس Domine quovadis(67). وهي عبارة عن مجموعة روايات باليونانية، البعض منها مأخوذ عن أعمال بطرس. وتبدأ بارتحال بولس من جزيرة جواد وميليت إلى روما، فيستنجد اليهود بنيرون ليوقفه عند حده، فيأمر نيرون بالقبض عليه، فيقبض على ديوسفورس ربّان السفينة - ظنًا منه أنه بولس - ويقطع رأسه في بوطيولي. وتزخرف القصة ببعض الأساطير المحلية، ثم تتبع القصة بعد ذلك النص المارسلياني في رواية الخدمات المشتركة للرسولين في روما، وتعاملهما مع سيمون الساحر، ثم استشهادهما، الذي يحدث هنا في نفس الوقت، مع أن في الأساطير الأقدم، تمر سنة بينهما. ويحتوى الكتاب على خطاب بيلاطس لكلوديوس قيصر.
* أعمال فيليب:
وقد ذُكر هذا العمل في قانون البابا جلاسيوس ضمن الكتب الأبوكريفية، وترجع التقاليد، التي كانت معروفة جيدا، عن فيليب إلى تاريخ مبكر وهذا واضح من وفرة المراجع عنه في الوثائق القديمة وتحتوي كتابات كتب سير القديسين أيضاَ، سواء اليونانية أو اللاتينية، على خلاصات مصغرة لحياة فيليب (68)، ولكن هذه الأعمال تقع في أخطاء كثيرة حيث تقول أنه كرز وبشر بالمسيح أيام حكم الإمبراطور الروماني تراجان (98 - 117م): "في أيام تراجان Trajan وبعد استشهاد سمعان ابن كلوباس أسقف أُورشليم وخليفة يعقوب، كان فيليب الرسول يبشر في كل مدن ليديا وآسيا، وجاء إلى مدينة اوفيوريمي Ophioryme (شارع الحية) والتي تدعى هيرابوليس آسيا، وقبلنا ستاكيس Stachys، شخص مؤمن، وكان معه برثولماوس احد السبعين، وأخته (أي أخت فيليب) مريمني Mariamne، وتلاميذهم" (69).
وقد حكم الإمبراطور تراجان في الفترة من 98 إلى 117 م.، وكان أخر الرسل الذين انتقلوا من العالم هو القديس يوحنا حوالي سنة 100م!! كما تخلط بين كل من القديس فيلبس تلميذ المسيح (مر3:18) وفيلبس الشماس (أع6:5؛ أع21:8)، وتعتبرهما شخصًا واحدًا.
* أعمال فيليب في هيللاس:
وهي مؤلفة بنفس أسلوب أعمال فيليب، وقد نشرها للمرة الأولى تشندروف، وهي وثيقة متأخرة عن أعمال فيليب وتوجد في مخطوطة فارسية من القرن الحادي عشر الميلادي. وتتكلم عن أعماله وكرازته في مدينة أثينا باليونان(70).
* أعمال اندراوس ومتياس:
والتي تستمد مادتها من مواد حقيقية إلى حد ما كتبت في العصر الرسولي (71). وقد جاء فيها هذا القول لأندراوس عن الرب يسوع المسيح: "الحق يا أخي لقد بين لنا (يسوع) انه إله، لا تظن انه إنسان لأنه صنع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها" (72).
* كرازة بطرس:
Kyrygma Petrou: ويرجع هذا العمل للنصف الأول من القرن الثاني وقد أشار إليه بعض الآباء مثل أكليمندس الإسكندري وأوريجانوس وثاوفيلس الأنطاكي ومضمونه أقرب للفكر الكنسي والتقليد الرسولي لذا ظن البعض أنه يرجع لبطرس تلميذ المسيح (73). ويقول عنه يوسابيوس القيصري: "أما ما يسمى بأعمال بطرس والإنجيل الذي يحمل اسمه والكرازة والرؤيا، كما سميت، فأننا نعلم أنها لم تقبل من الجميع لأنه لم يقتبس منها أي كاتب قديم أو حديث" (74). ويقول مثله القديس جيروم (75).
وننقل هنا بعضًا مما اقتبسه: "يقول الرب في "كرازة بطرس" بعد القيامة: أنا اخترتكم اثنا عشر ورأيت أنكم مستحقون أن تكونوا تلاميذي. وأرسلت الذين اقتنعت أنهم سيكونون رسلًا حقيقيين إلى العالم.. ليعرفوا أنه يوجد إله واحد وليعلنوا أحداث المستقبل التي ستكون بالإيمان بي (المسيح)، إلى النهاية حتى أولئك يسمعون ويؤمنون يخلصون" (76).
"ويتحدث بطرس أيضا في "الكرازة" عن الرسل كالآتي: "لقد فتحنا كتب الأنبياء التي لدينا ووجدنا اسم يسوع المسيح ومجيئه وموته وصلبه وبقية العذابات الأخرى التي أنزلها به اليهود وقيامته وصعوده إلى السماء، البعض بأمثال والبعض بألغاز والبعض بكلمات واضحة ومؤكدة" (77).
* كيريجماتا بطرس:
The Kerygmata Petrou وهو عمل أبيوني ويرجع حسب رأي غالبية العلماء إلى نهاية القرن الثاني (200م) أو بداية القرن الثالث (78). وقد جاء فيه هذا القول المنسوب للقديس بطرس: "أنى متيقن أن العيون المادية لا يمكن أن تري الكيان الروحي للآب والابن لأنه مغلف بنور لا يدني منه (1تي16:6).. والذي يراه يموت (خر21:33).. ولا يوجد من يقدر أن يري القوة الروحية للابن لما سأل الرب - ماذا يدعوه الناس – مع أنى سمعت الآخرين يعطوه اسما آخر – فقد ثار قلبي في الأقوال، ولا أعرف كيف قلت ذلك: أنت هو ابن الله الحي" (مت16:16و17) (79).
* اللوجوس العظيم:
The Tow Books of Jeu: أو كتاب "اللوجوس العظيم بحسب السر" ويرجع للنصف الأول من القرن الثالث (80). وقد جاء فيه هذا الحديث: أجاب الرسل بصوت واحد.. قائلين: يا رب يسوع أنت الحي الذي أنتشر خلاصه علي الذين وجدوا حكمته وهيئته التي يضيء بها - أيها النور الذي في النور الذي يضيء قلوبنا حتى نأخذ نور الحياة - أيها الكلمة (اللوجوس) الحقيقي الذي بالمعرفة تعلمنا.. أجاب يسوع الحي وقال مبارك الرجل الذي يعرف هذا" (81).
* حديث بعد القيامة:
Epistula Apostolorum ويرجع هذا العمل إلى القرن الثاني (82) (وقت المعركة بين المسيحية والغنوسية). وهو مكتوب في صيغة خطاب، خاصة في فصوله العشرة الأولى التي يشرح فيها طفولة المسيح ومعجزاته وقيامته، وكان يسمي بتعليم التلاميذ الأثنى عشر فيما يختص بربنا يسوع المسيح. ويصور لنا رؤيا وحوارات للمسيح مع تلاميذه، بعد قيامته من الأموات، تتكون من حوالي ستين سؤالًا. ويركز في حوالي 20% من نصوصه على قيامة الجسد من الأموات، وذلك على عكس ما يسمى بإنجيل الحقيقة الغنوسي. وهذا العمل مبني بصفة أساسية على العهد الجديد وبصفة خاصة الإنجيل للقديس يوحنا. وقد كُتب مثله مثل رؤيا بطرس الأبوكريفية ورسالة برنابا وراعي هرماس، ليس ككتاب موحى به، بل كعمل مسيحي يشرح الإيمان المسيحي من وجهة نظر الكاتب ويرد فيه على بعض الفكر الغنوسي.
كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد
من كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟
المزيد
05 ديسمبر 2018
من الداخل.. أم من الخارج؟
إذا اجتمعت أعضاء الإنسان يومًا, فلا شك أن القلب سيكون بينها رئيسًا, ذلك لأن الإنسان تقوده مشاعره, والمشاعر كامنة داخل القلب. ولكي تكون المشاعر سليمة, فإن القلب يصطحب معه الضمير, بشرط أن تكون أحكام الضمير صالحة, وأحكامه توافق الحق, ولا يكون تحت تأثير خارجي ولذلك لابد من عمل تقييم مستمر لمستوي المشاعر واتجاهاتها, وتغيرها من حين إلي آخر! والتأكد من سلامة تصرفالإنسان في سلوكياته. وهكذا تدعو الحاجة إلي مراقبة حالة النفس من الداخل ومن الخارج, وكيف تسلك النفس في عدة موضوعات من التقوى والعفة والصداقة وألوان من العبادة وسنحاول أن نطرق الموقف من كل هذه الأمور وغيرها, بمقياس الخارج والداخل إن الله تهمه حالة القلب قبل كل شيء, وليس مجرد المظاهر الخارجية. إلا لو كانت تلك المظاهر الخارجية تعبيرًا صادقًا عن حالة القلب من الداخل, بحيث يكون الأمران معا عبارة عن صورة واحدة في تيار واحد من الملاحظ أن بعض الوعاظ ورجال التربية يهتمون كل الاهتمام بالنقاوة الخارجية فقط ويركزون عليها! فبالنسبة إلي الفتاة مثلًا, يهتمون بمظهرها: هل تتفق ملابسها وقواعد الحشمة؟وهل هي تسرف في زينتها لكي تجذب بذلك غيرها! ويركزون علي هذه السلبيات, ولا يتطرقون إلي الباعث الداخلي, الذي يكمن في القلب, ويسبب عدم الحشمة!والمفروض أن يكون التركيز علي الداخل, من جهة محبة الفضيلة ونقاء القلب, فإن صار القلب نقيًا من الداخل, وتخلص من المشاعر التي تدفع الفتاة إلي التبرج في زينتها, حينئذ هي نفسها, من تلقاء ذاتها وبدون وعظ, ستتخلى عن كل تلك المظاهر الخاطئة كذلك الشاب الذي يطيل شعره لكي يتميز عن غيره, ويلبس ملابس لا تليق, ويضع سيجارة في فمه ليشبه الكبار, ويستخدمالعنف ليثبت قوته! هذا لا يثنيه الوعظ أو الضغط الخارجي, إنما يحتاج أن يعرف ما معني الرجولة؟ وما هي علامات قوة الشخصية؟ وكيف يمكنه أن يكسب محبة وتقدير الناس؟ بالإضافة إلي نقاء القلب من الداخل, فإن اقتنع بكل هذا, لابد سيترك أخطاءه بدون توبيخ أو قهرإن العنف والضغط الخارجي والشدة في التوبيخ, ليست هي الأمور التي تصلح الآخرين وغاية من تصل إليه هو الإجبار علي مظهر خارجي يبدو سليما, ويبقي القلب كما هو, بنفس رغباته, واتجاهاته يضاف إلي ذلك روح التذمر والضيق!!يحسن أن يعرف الشباب وغيره, أن العنف ليس دليلا علي القوة, بل هو الاعتراف بالعجز عن حل الأمور بطريقة هادئة! وبهذه المناسبة, أتذكر ما قاله أحد الشعراء:
ضعاف الأسد أكثرها زئيرا وأصرمها اللواتي لا تزير
وقد كبر البعير بغير لب ولم يستفد بالكبر البعير
إن الذين يهتمون بالمظاهر الخارجية الزائفة, ربما يشبهون قبورًا مزينة جدًا من الخارج, بينما في الداخل أجساد قد تحللت ويأكلها الدود (إنجيل متى 23: 27)! إن المظاهر الخارجية غير مقبولة عند الله, ولا ينخدع بها جميع الناس ومع ذلك لا ننكر أنه بالإضافة إلي القلب النقي من الداخل, يحسن أيضا أن يكون الخارج نقيًا: ويكون سلوك كل شخص حسنًا جدًا من الخارج, بحيث يكون ذلك نابعًا من القلب, وليس مجرد تظاهر أو رياء لمجرد نوال مديح الناس! بل الهدف هو إرضاء الله، . وأيضًا لكيلا يكون عثرة أمام الناس, بل قدوة صالحة تنفع الغير ولا شك أن الاهتمام بنقاء القلب من الداخل, ليس معناه ترك الخارج أيضًا. إنما علينا أن نضع أسسًا سليمة للتخلص من الأخطاء مثال ذلك: إنسان يكذب كثيرًا, هل إصلاحه يأتي بعظات عن خطية الكذب وخطورتها ومضارها؟! وهل توبيخه عليكذبه يجعله يبطل ذلك؟! إن الأفضل لإصلاحه أن نبحث عن الأسباب التي تدعوه إلي الكذب: هل هو يكذب لإخفاء خطية وقع فيها؟ أو يكذب للحصول علي منفعة ما؟ أو القصد من الكذب هو التباهي, أو التخلص من الإحراج؟أو أن الكذب قد صار عادة عنده, بحيث يكذب بلا سبب يضطره إلي ذلك؟ أم يكذب عن طريق الفكاهة, أو لإغاظة غيره أو التهكم عليه؟ أو لسبب آخر؟إذن نبحث عن سبب الكذب ونعالجه ونقنع صاحبه بعدم جدواه ونقدم له حلولا عملية أو بدائل لا خطأ فيها, مع الاقتناع بكسب ثقة الناس واحترامهم بأسلوب الصدق. وهكذا نعالج الداخل, فيزول الخطأ الخارجي تلقائيا نصيحتي لك: أن تحترس من الأسباب التي تقودك إلي الخطأ الخارجي. وهذا الاحتراس يقودك إلي نقاء الداخل, ومن أجل أمانتك في الخارج, يساعدك الله علي النقاء الداخلي نصيحة أخري, وهو أن تسلك في الفضيلة بطريقة سليمة, تدرك عمقها الداخلي, وليس مجرد الممارسة الخارجية فالصوم مثلًا, لا تعتبره مجرد فضيلة خاصة بالجسد في الامتناع عن الطعام, فهذا عمل خارجي لا علاقة له بالقلب, إنما تضيف إلي ذلك الامتناع عن بعض الخطايا التي تقع فيها, وهنا يجتمع الأمران معًا: عمل الجسد وعمل القلب والروح الصلاة أيضًا لا تعتبرها مجرد كلام أمام الله, كما قال عنها أحد القديسين: "أنا ما وقفت أمام الله لكي أعد ألفاظًا"! إنما ليدخل عمل القلب في صلاتك: من حيث أن تصبح الصلاة صلة مع الله, بتركيز الفكر والقلب في كل كلمة تقولها وتعنيها, وأيضا باشتراك القلب بخشوعه وليرشدك الله في ممارسة كل فضيلة, بحيث لا تكتفي بمظهرها الخارجي, إنما تدخل إلي عمقها, وليكن الرب معك.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
04 ديسمبر 2018
التجسد الإلهي
عقيدة التجسد هي إحدى العقائد الهامة في الإيمان المسيحي، لذلك تردّد الكنيسة في كل العالم في قانون الإيمان: "هذا الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنس". فالتجسد كان في فكر الله منذ البدء، فالموت وفساد الطبيعة البشرية كانا نتائج خطية آدم، وبمجيء المسيح متجسدًا إلى العالم لكي يتمّم فداءنا، وبصلبه وقيامته، وهب لنا أن ننال الحياة والطبيعة الجديدة في سر المعمودية المقدسة.لم تكن توبة آدم كافية لحل مشكلة سقوط الإنسان، إذ لم يكن ممكنًا للتوبة وحدها أن تفي عدل الله ولا أن تغيِّر طبيعة الإنسان، بل كانت البشرية محكومًا عليها بالموت، وكان لابد لوجود مخلص ليعتق الإنسان من هذا الموت ويجدّد طبيعته. وفي المسيحية وحدها دون سائر الديانات فإن الإله فيها هو إله مخلّص، وهو يخلّص بذاته، لا يرسل ملاكًا ولا نبيًا ولا رسولًا من أجل خلاص الإنسان، بل هو وحده بذاته أتى ليخلّص الإنسان (لأنه وحده بلا خطية، وهو وحده غير المحدود، وهو وحده الذي يستطيع أن يجتاز الموت ويهزمه، فيهبنا بقيامته الخلاص من الخطية ومن اللعنة ومن العبودية للشيطان والخطية، ومن الإحساس بالذنب ومن الخوف.. الخ)، فوحده جدّد طبيعتنا الفاسدة.لماذا التجسد؟1) كان التجسد من أجل إتمام الفداء والخلاص، فقد ارتضي الله أن يتخذ لنفسه جسدًا لكي يقبل فيه حكم الموت، وفي جسده يحمل خطايانا على الصليب، وبهذا الجسد الذي تألم يقوم ناقضًا أوجاع الموت واهبًا لنا الحياة.2) بالتجسد يعلن الله ذاته للخليقة (عمانوئيل الله معنا)، فعندما سقط الإنسان وفقد صلته بالله، جاء الله في صورة إنسان لكي يعلن ذاته للبشرية «الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبّر» (يو1: 18)، حتي لا يعود الإنسان يعبد المخلوق دون الخالق، فتبطل كل عبادة غير عبادة الإله الحقيقي، فيسوع كان بهاء مجد الله ورسم جوهره (عب1: 3).3) بالتجسد قدم يسوع ذاته مثالًا للبشرية، وتمّم كل بر لكي نتبع خطواته، ولكي لا يعيش الأحياء فيما بعد لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام (2كو5: 15).نبوات ورموز عن التجسد الإلهي + تكلم سفر التكوين عن وعد الله بالخلاص لآدم وحواء في (تك3: 15)، ثم عن كون المخلص من سبط يهوذا في (تك49: 10)، ثم تحدث موسى النبي لشعب إسرائيل «يقيم الرب إلهك نبيًا من وسطك من إخوتك مثلي» (تث18: 15)، ويُكتب عنه في سفر العدد «أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريبًا» (عد21: 17)، ثم عنه يتحدث إشعياء بكونه مولودًا من عذراء (إش7)، ثم بكونه ملكًا وأبًا أبديًا في (إش9: 6)، كما يتحدث ميخا النبي عن ميلاده في بيت لحم (ميخا5: 2)، وعن مجيئه أيضًا يكتب حجي النبي بكونه مُشتهى الأمم (حجي2: 7)، كما يكتب عنه ملاخي بكونه شمس البر التي تشرق والشفاء في أجنحتها (ملاخي4: 2).+ أمّا عن رموز التجسد فكان عمود السحاب وعمود النار المصاحب للشعب في البرية رمزًا لناسوت الرب ولاهوته، وكانت العليقة رمزًا لتجسده من العذراء، وكانت أيضًا عصا هارون التي أفرخت بغير غرس ولا سقي إشارة لميلاد الرب بدون زرع بشر.المعاني الروحية للتجسد في التجسد تظهر معاني محبة الله للإنسان، ورغبته أن يصنع صلحًا مع البشرية، كما يحمل التجسد معنى الرجاء الذي جعل كل شر الإنسان لا يمنع الله عن خلاصه الذي صنعه من أجل الإنسان. في التجسد أيضًا معنى الاتضاع الحقيقي للإله الذي صار في صورة عبد. وفيه أيضًا تظهر قيمة الإنسان في عيني الله الذي لم يشأ أن يهلك الإنسان، لأنه كان عزيزًا في عيني الرب. التجسد أيضًا يؤكد ضرورة الكرازة وانتشار بشرى الخلاص. أخيرًا التجسد يظهر كيف جاء الله ليمنح الإنسان النصرة على الخطية والشيطان...لتكن هذه المعاني في حياتك معاني حية تتذكرها كلما احتفلت الكنيسة بتذكار ميلاد الرب.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد