المقالات

24 نوفمبر 2018

لاهُوتُ الوَقْتِ للوَقْتِ عَلاَمَةٌ

في أي امتحان يكون للوقت علامة، بحيث تكون الإجابة الصحيحة بعد انقضاء الموعد المحدد بلا معنى، لأنها أتت في الوقت الضائع، وبالتالي يكون للوقت الحاسم في تحديد العلامة المؤشر الدقيق للمستوى الذي يؤهل الممتحن للوصول إلى أعلى مستوى. لذلك بكل الجهد نفتدي الوقت، كما نصلي قائلين: (تُوبي يا نفسي ما دُمتِ في الأرض ساكنة) لأن هذا العمر ليس ثابتًا وهذا العالم ليس مؤبدًا. علامة وقتنا هي أعمال الملكوت؛ من دون التعريج بين محبة الله ومحبة العالم؛ إذ لا يمكن أن تنظر إلى السماء بعين وتكون العين الأخري ناظرة إلى الأرض في نفس الوقت؛ حتى تبلغ الشرارة مكان زيت النعمة، وتخرج قوة عظيمة من أيادينا، ولا نسلم إناءنا ليد عدونا الشرير، الذي يزأَر ليُلهينا حتى يختطف إناءنا، التي هي أشواقنا الصالحة التي يجب أن تخدم الله نهارًا وليلاً وكل الأوقات. فعلامة وقتنا هو امتحاننا وسلوكنا على طريق الملك، محروسين بعناية الملائكة القديسين ليلاً ونهارًا، مع كل السالكين بالنهار وبالليل، الذين يجتهدون من أجل حفظ نفوسهم من عثرة المهالك، فيكون تعب جهادنا حلوًا وشهيًا بلا ملل ... لأن الطوبىَ لمن يبقى في تعبه فرح القلب؛ ويدوم فيه بلا تكلف حتى باب الفردوس المفتوح. وكل واحد عمله محسوب له، إن كانت خدمة أو صلاة أو ميطانيات أو عمل خير أو ليتورجيا، فحتى الكلمة الواحدة التي يقولها الإنسان بالمحبة المسيحية في شأن الله للتعزية ... هذا كله محسوب؛ لأن مخلصنا لا يظلمنا بشيء، وكل شيء سوف يُستعلن لنا وقت خروج النفس من الجسد . الإنسان مدعو في حياته الأرضية أن يجعل من الزمن الحاضر وسيلة لتذوق الأبديات، على مسار تصاعد الزمن، لملاحظة علامة الوقت بحرص والالتفات لتحويل بصره في انتباه نحو الوقت المقبول، لأن اليوم يوم خلاص، ويوم غرس وزرع وجمع للحصاد وتخزين، فيكون خلاصنا دائمًا موضع سعي وإكمال، ولا سطوة للزمن علينا، بل يكون الزمن خاضعًا لنا، نقر ونختار مصيرنا، متحررين من المفهوم الدائري للزمن، متجهين إلى أبديتنا في اليوم الثامن الجديد. نملأ آنيتنا زيتًا دون أن نهمل فيها ثقبًا، حتى نصل إلى نهاية سعينا التي هي (علامة للوقت)؛ لئلا يصير الإناء فارغًا مما فيه، بل نحيا أمناء للوصية؛ لأن الله مخفي فى وصاياه، حتى يقبل تعبنا منا ولا يضيع ... حريصين على حالنا مميزين أعمالنا، ولا يلحقنا تفريط. عالمين أن التوبة قائمة الآن ومستعدة، وكل الفضائل تلحقها مثل السلسلة لكل من يجاهد فيها. وشأن التوبة جليل وعظيم، وهي حسنة العاقبة إلى الأبد، كسُلّم خيرات الحياة الدائمة. فنحيا ونجتاز وقتنا دون غفلة ولا استرخاء ولا دفن للوزنات ولا انعدام للنعمة بترك العلل والمطامع في نفوسنا، حتى نمضي إلى الرب بدالة، ووجوهنا مكشوفة وأعمالنا نيّرة؛ كي نستحق الدخول إلى أورشليم السمائية . لكننا لن نقوي على اجتياز الوقت، إلا بقوة ونعمة الله المقدسة، لا نميل يمنة ولا يسرة؛ بل نسلك في الطريق المستقيم كأولاد للنور، بذبيحة الروح المنسحق الخاضع لترتيب الروح القدس، والارتماء على الله والثقة به؛ لأن عنده طعام الفرح وخبز الخلود؛ ومَصل عدم الموت ونبع الخلاص وماء الحياة وحلاوة كل الحلاوة . إيماننا هو منبع التقوي، لذلك منذ الآن ينبغي أن يكون كل واحد منا كنيسة لله، لكي نرسل إلى فوق المجد والإكرام للثالوث الاقدس، باعترافنا بالإيمان الأرثوذكسي. مهتمين بكرمنا في أوان الإثمار؛ حتى لا ندع الثعالب المفسدة تُتلفه، وبشجرة حياتنا لئلا يبدد طرحها طيور السماء، وبكنزنا حتى لا ينقبه السارقون، وبمركبنا التي وسقت الخيرات الملكية لئلا يفسد العدو خطتها ... متمنطقين كجنود بأس في ميدان الركض، حتى يأتي وقتنا لنقول عند علامة النهاية يا ربي يسوع المسيح في يديك أستودع روحي .. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
23 نوفمبر 2018

لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ

من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي الأصحاح الخامس: ” ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيرًا جِدًّا فِي الْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ. سَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ. انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ. افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ. لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ. لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبوَّاتِ. امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ. امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ”. وقد سرد قداسة البابا اللأليء والفضائل السابقة وهي: 1. سَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا 2. أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرتيب 3 .شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. 4.أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. 5. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ. 6.انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ، بَلْ كُلَّ حِين 7.ٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ 8. افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. 9.صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. 10.اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ. 11.لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ. 12.لاَتَحْتَقِرُواالنُّبُوَّاتِ 13.امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. 14.تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ. 15.امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ. ولؤلؤة اليوم “لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ.” والنبوات معني بها الوصايا. نؤمن بالروح القدس الناطق بالنبوات فتوجد خطية تنتشر بين الناس وهى خطية إهمال كلمة الله. وهذا الاهمال يأخذ صور متعددة ولكن أشدها احتقار والاستهانة بكلمة الله ، فالبعض يستهين بالكلمة وهي أغلى شيء يقدمها الله للإنسان على الأرض. ‏وفى “آية (أم 13: 13): “مَنِ ازْدَرَى بِالْكَلِمَةِ يُخْرِبُ نَفْسَهُ، وَمَنْ خَشِيَ الْوَصِيَّةَ يُكَافَأُ”. ومن العبارات المشهورة يقولوا أن الكتاب المقدس هو تاج الكتب والعظة على الجبل هى درة هذا التاج. والقول ده منسوب لغاندي ورغم أن غاندي كان هندوسي إلا إنه كان يحب المسيحية ويحترمها جدًا. الوصية السؤال النهاردة إيه موقفك أمام الوصية ؟!!. علشان كده السيد المسيح قال: “مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ” (مت : 17). وهى بمثابة الجسر مابين العهدين وجاء ليكمل المعنى الروحى للوصية ولهذا الكتاب المقدس في مسيحيتنا يضم العهد القديم والجديد ولهذا السبب أيضًا نجد سفرين بيعتبروا ملخص لكل عهد يعنى سفر إشعياء مفتاح للعهد الجديد ورسالة العبرانيين فى العهد الجديد تعتبر سفر خاص يشرح العهد القديم وكأن كل منهما يشرح ويكمل الآخر. مثال: العهد القديم اتكتب الوصية لا تقتل وهذه الوصية ترتبط بالفعل الظاهر ولكن فى العهد الجديد يقول لا تغضب والغضب بداخلنا يأتي الفعل وكسر الوصية. أي أن القتل يأتى بدايته بالغضب الداخلي ويكون الدافع. ومن الأشياء الهامة فى الوصية أن ربنا يسوع المسيح تكلم كثيرًا مع تلاميذه وقال اعطيكم عطية جديدة وكلمة جديدة، تعنى أن هذه الوصية يجب أن تكون جديدة في كل يوم، وهى وصية المحبة. ولذلك هذه الوصية لا تقدم أبدًا فهي وصية مستمرة وجديدة “آية (يو 13: 34): وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. “. وكلمة تلميذ كان مقصود بها أي شخص منا وهذه العلامة علامة المحبة زى لما بنشوف شخص يرتدي لبس عسكري، فهو من الجيش ولما نشوف شخص يقدم المحبة فهو دليل على تلمذته للسيد المسيح. هذه هى الوصية الجديدة المقدمة للجميع “لاتحتقروا النبوات”. الوصية بحسب تعاليم الآباء تحمل قوتها في داخلها. – وصف الوصية: هى مثل النار التي تدفئ وهى مثل المياة استخدماتها كتير المرآة أيضًا التي نرى بها نمونا الروحي. والوصية مثل المطرقة التي تحطم كل شيء ومثل أن تكون كاللبن مغذى وبه جميع العناصر الغذائية بلا استثناء وممكن نقول الوصية هى نور ووصف سابع للكتاب المقدس أن الوصية مثل السيف عندما وقف عدو الخير الشيطان أمام المسيح فى التجربة على الجبل فكان بيستخدم هذا السيف ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله وهذه أوصاف رئيسية وربما يكون أهم ما فيها هو المرآة، فتصير كلمة الله هى المرآة لحياة الإنسان. أهمية الوصية 1. لوصية مصباح والشريعة نور مثل سيامة كاهن والناس أثناءها ينشرون أكاذيب وإشاعات حول الشخص. ومن يصنع الأكاذيب لا تسكنه كلمة الله. وفي سيامات الآباء نقول: “من حق الرعية أن تختار راعيها. ولذلك عملنا نظام في تعريف الشعب.الذى يختار راعيه والوصية مصباح لذلك قبل أن تشترك وتقدم رأيك في اختيار راعيك يجب أن تكون الوصية في داخلك حتى يكون كلامك مضيء: “خبأت كلامك فى قلبى لكى لا أخطئ إليك.”. الوصية مصباح ونور لحياة الإنسان. ففى العهد القديم عندما قال آخاب لايليا اأنت هو مكدر اسرائيل “ فرد إيليا لم اكدر اسرائيل بل انت وبيت ابيك بترككم وصايا الرب. وايليا النارى رد على اخاب الشرير بان تركهم للوصية هو من يكدر ويعكر البيت. 2. الوصية تلجم الإنسان عن الشهوات فسليمان النبى الذي ارتبط قلبه بالنساء ولا يسمع وصية أبيه داود عندما قال له احفظ شعائر الرب الهك وسير فى طرقة واحفظ وصاياة وأحكامه لكى تفلح فيما تفعل وحيثما توجهت سليمان الحكيم اللى عاش أربعين سنه حاكم على بنى اسرائيل وانحرف فى هذه الزيجات المتعددة. كتب سفر الجامعة 11 أصحاح فى آخر حياته. ” فلنسمع ختام الأمر كله و”اتقى الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله “ 3. الوصية تقود للحياة الابدية فهى تربط بين الحياة الارضية والابدية مثل ماتقدم الشاب للمسيح وسألة ماذا اعمل لأرث الحياة الابدية فقال له احفظ الوصايا” ورد الشاب حفظتها منذ حداثتى ولكن لانه كان متعلق بماله فلم يجنى شيء لأنه لم يسمع الوصية التى تقول محبة المال أصل كل الشرور. علشان كده المسيح قال: “انتم الآن أنقياء بسب الكلام الذى كلمتكم به. “مرة واحد مبشر كان بيبشر فى بلد وترجم لهم الإنجيل بلغتهم ومكنش معاه فلوس يطبع الترجمة فرجع لبلده وجمع فلوس لطباعة الترجمة وقبل ما يصل للرجل اللى هيطبعله الإنجيل عرف أن البلد فيها مجاعة فالفلوس اللى جمعها وزعها عليهم ومطبعش الانجيل ورجع مرة تانى لبلدة يجمع فلوس علشان يطبع الانجيل ولما رجع لقى عندهم وباء وصحتهم تعبانة فصرف الفلوس على معالجتهم. وفى المرة التالتة راح المطبعة وطبع الترجمة وفوجيء أن صاحب المطبعة كاتب على الانجيل الطبعة الثالثة . يعنى الأولى أطعم الناس والثانية دواهم. ثانيا : تدريبات لتطبيق الوصية وأخيرًا نقدم 3 تدريبات حتى لا نحتقر النبوات 1- طاعة الوصية بركة فى حياتك وممكن تكون بركة وغنى وتعزية وسلام ومن أكبر الأمثلة في كتاب، ما نقراه عن ابراهيم ابو الآباء وحياته كلها كانت طاعة إلى الاختبار الشديد الذى دعا فيه الله لتقديم ابنه ذبيحه ومشى جميع خطواتة بفكر واقدام ثابتة وفى اللحظات الأخيرة انقذ الله الابن. 2- التمسك بالوصية فى مزمور 37 “لا تغر من الاشرار ولا تحسد عمال الاثم فأنهم مثل الحشيش سريعا يقطعون ومثل العشب الاخضر يذبلون فاتكل على الرب وافعل الخير واسكن الارض وارعى الامانه تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك سلم للرب طريقك واتكل علية وهو يجري”. 3- تخزين الوصية وحفظ الآيات اجعل كلمة الله فى قلبك ويوحنا ذهبى الفم قال عدم معرفة الكتب المقدسة هو علة كل الشرور. وختم قداسته العظة مرددا طيع الوصية امسك فى الوصية احفظ الوصية وخبأها في قلبك. وهذه بعض التأملات فى لؤلؤة لا تحتقروا النبوات خذ كل يوم الوصية التى تناسيك وعيش وتمتع بها واختبر قوتها ووجودها فى حياتك وكيف يستخدمها الله فى حياتك لإلهنا كل المجد وكرامة ومن الآن إلى الأبد أمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
22 نوفمبر 2018

من الكتب المنحولة الخمسة أعمال الأولى للرسل

أولًا: الخمسة أعمال الأولى: أعمال يوحنا أعمال بطرس أعمال بولس أعمال أندراوس أعمال توما أعمال يوحنا: والتي أشار أكليمندس الإسكندري إلى أحد أفكارها في القرن الثاني، بقوله: "أنه عندما لمس يوحنا جسد يسوع الخارجي ووضع يديه بقوة فيه لم تقاومه صلابة الجسد بل جعلت مساحة ليد التلميذ" (48). وكانت أول إشارة حقيقة لهذه الأعمال الأبوكريفية هي ليوسابيوس القيصري والذي قال عنها: "أننا نرى أنفسنا مضطرين لتقديم هذه القائمة لنتمكن من معرفة كل من هذه الأسفار وتلك التي يتحدث عنها الهراطقة تحت اسم الرسل، التي تشمل أناجيل بطرس وتوما ومتياس وخلافهم وأعمال أندراوس ويوحنا وسائر الرسل، هذه التي لم يحسب أي واحد من كتُّاب الكنيسة أنها تستحق الإشارة إليها في كتاباتهم" (49). وهي عبارة عن مجموعة من الروايات والتقاليد المسيحية والهرطوقية والتي تشكل مكتبة أدبية وكانت تنسب تقليديًا لليسيوس كارينوس Leucius Charinus الذي يقول أبيفانيوس (50) أنه كان رفيقًا للقديس يوحنا والذي نسبت إليه الكثير من هذه الأعمال الأبوكريفية في القرن الثاني والتي خلطت بين أعمال الرسل القانونية وما جاء في أعمال بولس الأبوكريفية. ويرى العلماء أنها كتبت فيما بين سنة 150 - 180م في أسيا الصغرى. وتوجد لها مخطوطات عديدة بلغات متعددة أخرها برديات البهنسا. وقد جاء في قائمة نيسيفوروس (Stichometry of Nicephorus)، أنها كانت في صورتها الكاملة تتكون من 2500 سطر وتشكل كتابًا في حجم الإنجيل للقديس متى. وبداية هذا الكتاب مفقودة لذا يبدأ بالفصل الثامن عشر الذي يصف زيارة القديس يوحنا الأولى لأفسس وكرازته فيها وما قام به من معجزات. وتروي الكثير من المعجزات الأسطورية التي يعلل الكاتب الأبوكريفي من خلالها سبب إيمان البعض بالمسيح مثل قوله بسقوط معبد أرطاميس بصلاة القديس يوحنا، وهذا جعل الكثيرين يؤمنون بالمسيح! كما تروي قصة كاهن أرطاميس الذي قتل عند سقوط المعبد، ولما قام من الموت أصبح مسيحيًا! بل وتروي قصة لطرد البق من أحد البيوت!! وتروي الفصول من 87-105 حديثًا ليوحنا عن حياة وموت وصعود المسيح، بفكر غنوسي يصور المسيح في شكل خيالي، كشبح وخيال، ويظهر بأشكال كثيرة لأنه لم يتخذ الجسد بل ظهر في شبه جسد!! كما تقول أن المسيح رنم ترنيمة غريبة في العلية بعد العشاء الرباني (مت 26: 30)، والتلاميذ يرقصون حوله في حلقة ويردون قائلين آمين. ويزعمون أنها هي الترنيمة المزعومة، التي استخدمها أتباع بريسليان الهرطوقي. وتزعم هذه الأعمال أن المسيح لم يكن في حاجة للطعام أو للنوم، فيقول الكاتب "فلم أر عينية مغمضتين قط ولكنهما على الدوام مفتوحتان"، وإنه عندما كان يمشي لم تترك أقدامه أثرًا على الأرض، وكانت طبيعة جسده متغيرة عند اللمس فمرة يكون جامدًا، وتارة لينًا، وأخرى خياليًا تمامًا. وتصور لنا عملية صلب المسيح بصورة دوسيتية صوفية غامضة جدًا، حيث تقول أن يوحنا رآه وهو معلق على الصليب والجماهير تنظر إليه في أُورشليم ولما صعد إلى الجبل رآه معلقًا على صليب من نور!! بل وتقول أن صلبه كان مجرد مظهر وهمي، خيالي، شبه، وأن صعوده حدث بعد الصلب الظاهري الشبهي مباشرة فلا مكان لقيامة شخص لم يمت إلا شكلًا وبحسب الظاهر فقط.!! وتصف تجليه علي الجبل هكذا: "أخذني أنا ويعقوب وبطرس إلى الجبل حيث اعتاد أن يصلي ورأينا "عليه" نورًا لا يستطيع إنسان أن يصفه بكلام عادي ماذا كان يشبه.. ثم رأيت رجليه وكانت أبيض من الثلج حتى أنها أضاءت الأرض هناك، وامتدت رأسه إلى السماء، ولذا كنت خائفا وصرخت" (51). كما تزعم كبقية الكتب الغنوسية أن المسيح سلم الرسل تعليمًا سريًا، كما أن الأحداث التاريخية لآلام المسيح تحولت تمامًا إلى نوع من الصوفية فهي مجرد رمز لآلام البشرية، والهدف من مجيء المسيح هو أن يمكن الناس من فهم المعنى الحقيقي للآلام وهكذا يتخلص منها، وآلام المسيح الحقيقية هي ما نتج عن حزنه على خطايا أتباعه، كما أنه شريك في آلام شعبه الأمين، وفي الحقيقة هو حاضر معهم ليسندهم في وقت التجربة. وكان لأعمال يوحنا تأثير واسع على الأعمال الأبوكريفية الأخرى، فهي أقدمها وقد تأثرت معظمها بها وهذا واضح من الشبه الشديد بينها وبين أعمال بطرس وأعمال أندراوس حتى قال البعض إنها كلها من قلم واحد (52). أعمال بطرس: وترجع إلى ما قبل سنة 190 م.، والتي بنيت في الأساس على تقاليد حقيقية فقد ذكر أكليمندس الإسكندري في نصين موقفين نجد لهما صدى في هذا الكتاب الأبوكريفي؛ فقد أشار إلى أن بطرس وفيليب أنجبا أطفالًا (53)، وأن بطرس شجع زوجته للمضي في طريق الاستشهاد (54). وكلا النصين موجودان في التقليد الشفوي المسلم للكنيسة. كما ذكر هيبوليتوس رواية استلمها من التقليد الشفوي تصف وصول سيمون الساحر إلى روما تقول: "أن سيمون هذا الذي أفسد الكثيرين في السامرة بفنونه السحرية أنه قد حُرم ومُنع عن طريق الرسل كما هو مسجل في سفر الأعمال (أع9:8-24)، ولكنه بعد ذلك في يأس أستأنف نفس الأعمال، وبمجيئه إلى روما عاد إلى الصراع من جديد مع الرسل، وكما أفسد الكثيرين بفنونه السحرية كان بطرس يقاومه باستمرار، وعند نهاية [حياته] أعتاد أن يجلس تحت شجرة مائية ويعلم. والآن، ونظرًا لأن الثقة فيه بدأت تضعف، ولكي يكسب الوقت ثانية قال أنه إذا دفن حيًا فأنه سيقوم ثانية في اليوم الثالث. وأمر تلاميذه أن يحفروا له قبرًا، وطلب منهم أن يدفنوه، ففعلوا ذلك، ولكنه ظل (مدفونا) لأنه ليس المسيح" (55). وبنفس الطريقة أخذ يوسابيوس من التقليد قصة استشهاد بطرس فقال: "وإذ أتى أخيرا إلى روما صلب منكس الرأس، لأنه طلب أن يتألم بهذه الطريقة" (56). أما أعمال بطرس فقد أشار إليها يوسابيوس بقوله: "أما ما يسمى بأعمال بطرس والإنجيل الذي يحمل اسمه والكرازة والرؤيا، كما سميت، فأننا نعلم أنها لم تقبل من الجميع لأنه لم يقتبس منها أي كاتب قديم أو حديث" (56). والجزء الرئيسي الذي وصل إلينا منها، يوجد في مخطوطة واحدة لاتينية، هي المخطوطة الفرسيلية (Vercelli manuscript)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وتحتوي على قصة استشهاده على الصليب منكس الرأس حتى لا يكون كسيده. وهذا الجزء الخاص باستشهاده والذي شهدت له التقاليد القديمة موجود، بشكل مستقل، في ثلاث مخطوطات يونانية وفي قصاصة قبطية وفي ترجمات سريانية وإثيوبية وعربية وأرمينية وسلافونية، مما يدل على مدى انتشاره. وهناك قصاصة قبطية تروى قصة ابنة بطرس، كما يشير القديس أغسطينوس إلى وجود فصل معترض – يسمى كتاب تيطس المزيف - هو جزء من أعمال بطرس، وأن الأعمال الأبوكريفية المتأخرة قد اقتبست من ذلك الكتاب. وتروي القصاصة القبطية قصة أبنة بطرس والتي تقول أن أحدهم سأل بطرس لماذا لا يستطيع أن يشفي ابنته من الفالج بينما هو يشفي آخرين، فأضطر بطرس أن يشفيها، حتى لا يشك أحد، ثم يعيدها إلى ما كانت عليه من مرض مرة أخرى، ويوضح لهم السبب والذي يتلخص في محاولة اغتصابها وأنها أصبحت كذلك بسبب هذه المحاولة وأنه من الأفضل لها أن تظل كذلك لكي لا تهلك روحها بسبب جسدها!! ويؤكد لهم إن الآلام الخارجية هي عطية من الله إذا كانت تؤول إلى حفظ البتولية. ونفس الفكرة نجدها في تيطس المزيف، حيث يرى بطرس أن موت ابنة أحد الفلاحين أفضل من حياتها وعندما تموت يطلب الأب بإلحاح من بطرس أن يقيمها من الموت وبعد ذلك تقع فريسة للإغواء والاغتصاب وتهرب مع شخص ولا تظهر مرة أخرى. ويتناول الجزء الأكبر من المخطوطة الفرسيلية قصة الصراع بين بطرس وسيمون الساحر الذي يذهل الجميع بما فيهم الإمبراطور الروماني بسحره وادعائه أنه إله وابن الله!! ومن ثم يضلل سيمون الكنيسة، فيوفد بطرس لمعالجة الموقف، ويتغلب بطرس على سيمون وسحره الشيطاني في القول والفعل ويتبارى الاثنان في صنع المعجزات، سيمون يعمل معجزات مظهرية بعمل الشيطان وبطرس يعمل معجزات حقيقية بقوة الله بها الكثير من المبالغات مثل جعله كلبًا يتكلم، وسمكة ميتة تعود إلى الحياة!! وتنتهي القصة بحوار بينهما في الساحة العامة يتباهى فيه سيمون بقدرته الشيطانية على الطيران في الهواء ويصعد على برج عالٍ صنعه له الإمبراطور لهذا الغرض ثم يسقط من عليه ميتا بصلوات بطرس!! ومحور التركيز في القصة، ليس على زيف أضاليل سيمون، بل على براعته كساحر، وغلبة بطرس عليه. كما تقول هذه الأعمال أن بطرس جعل بكرازته بعض النسوة يمتنعن عن العلاقات الزوجية مع أزواجهن أو خلانهن مما أثار ضده العداء وأدى ذلك إلى استشهاده!! كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد من كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟ وللحديث بقية
المزيد
21 نوفمبر 2018

المال الحرام والسرقة

المال الحرام هو كل مال تحصل عليه، وهو ليس من حقك: كأن يكون ثمنًا للخطية، أو قد وصل إليك بطريقة غير شرعية. والسرقة هي أحد بنود المال الحرام، ولكن معناه أوسع من السرقة. بكثير، ويشمل عناصر متعددة سنذكرها فيما بعد... * والسرقة هي خسة في نفس السارق وعدم أمانة... إنها تحطم شخصيته في نظر الناس، وتدعوهم إلى الاحتراس منه والى احتقاره وعدم الخلطة به... بل قد تجعل السارق ذاته حقيرًا في عيني نفسه. ** والسرقة قد تكون في الخفاء أو في العلن بإرادة المسروق أو بغير إرادته. ومن أمثلة حدوثها في الخفاء بدون علم المسروق ما يفعله المختلسون أو كسرقة مال شخصي في غيبته أو أثناء نومه. أما في العلن فمن أمثلتها ما تتم عن طريق الاحتيال أو الخداع أو التزوير. وفي هذه الحالة تكون برضى المسروق ولكن بغير علمه بحيلة السارق. وقد تحدث السرقة أيضًا علنًا أمام بصر المسروق وتحت سمعه، ولكن بغير رضاه، كالاستيلاء على ماله بالقوة، بالقهر أو بالاغتصاب أو بالتهديد. وهذا ما يسمونه (السرقة بالإكراه) مثلما يفعل الخاطفون وقاطعو الطريق وقراصنة البحار. وهؤلاء تمتزج سرقتهم بالإيذاء. ** والسرقة قد تكون أحيانًا نوعًا من المرض النفسي، يحتاج إلى علاج لا إلى عقاب. وفي حالة هذا المرض، يلاحظ أن السارق قد يأخذ أشياء لا يحتاج إليها مطلقًا، أو لا يعرف كيف ينتفع بها. إنما يجد لذة في الاحتفاظ بها وفي أخذها من غيره. وربما يكون مدفوعًا إلى هذه السرقة المرضية بعوامل داخلية فوق إرادته، وهو يفعل هذا ولا يستطيع أن يقاوم نفسه.. ** عمومًا فالمال الحرام الذي يحصل عليه السارق كفيل بأن يضيّع المال الحلال الذي كان موجودًا معه من قبل. وعلى رأى المثل "المال الحرام يأخذ الحلال معه ويضيّعه". فالسرقة هي نار للسارق نفسه، تتلف ما معه. مثل إنسان تناول طعامًا تالفًا أو غير مقبول الطعم أو عفنًا. فما أن ينزل هذا الطعام إلى جوفه، حتى يتقيأ كل ما في داخله من جيد ورديء... فما أجمل أن يعيش الناس معًا في جو من الأمانة من الثقة المتبادلة والاطمئنان، حيث يترك الإنسان أي شيء له في أي مكان، فيجده حيث هو. ويترك بيته مفتوحًا، فلا يأخذ أحد منه شيئًا... وإن نسى خطاباته أو أسراره في موضع، يكون مطمئنًا أنه لن يسمح أحد لنفسه أن يطّلع على شيء منها...! ** إن السرقة خطيئة تخجل من ذاتها، لذلك فإن تُقترف في الظلام، وصاحبها يشمئز منها ويتبرأ ويحاول أن ينفيها عن نفسه. ولهذا نقول "إن سار شيطان السرقة في طريق، يقول له شيطان الكذب (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات): خذني معك". فمن الصعب أن تجد سارقًا لا يكذب. فهو يكذب لكي يغطى سرقته وينكرها. وهو يكذب قبل السرقة وأثناءها. يكذب قبلها لكي يتمكن من إتمامها، كما يفعل الخادعون، ويكذب أثناءها لكي تستمر أو لكي يخدع من يراقبه ومن يشك فيه. ويكذب بعدها لينجو من الخجل أو من العقوبة... ** وتزداد خطية السرقة ثقلًا بعاملين: أحدهما مقدار الضرر الذي يحيق بالمسروق، وثانيهما شخصية المسروق ذاتها. فهناك من يسرق من الأفراد، ومن يسرق من الهيئات أو البنوك، ومن يسرق مال الدولة، ومن يسرق من بيت الله أو من حقوق الله المالية عليه. والسرقة من الفقير والمحتاج لها بشاعتها، كمن ينهب مال اليتيم أو الأرملة، أو ما قاله شاعر عن بعض من جمعوا المال حرامًا، أنهم: خطفوه من فم الجوعان بل من رضيع لم يوفّوه فطام. ** وهنا لا تقاس ثقل السرقة بمقدار قيمة الشيء المسروق، وإنما بمقدار أهميته للشخص الذي سرق منه... وقد لا تكون للشيء المسروق قيمة في ذاته، لكنه يمثل لصاحبه ذكرى عزيزة أو أهمية خاصة، بحيث أن فقده يحدث في قلبه ألمًا عميقًا لأن من الصعب تعويضه!. * والسرقة من إنسان محتاج تدل على انعدام الشفقة في قلب السارق. مثال ذلك من يأخذ ربا أو رهنًا من شخص لا يجد قوته الضروري. فكأنه يسلبه طعامه وطعام أولاده. وهذا الفقير لولا عوزه، ما كان يلجأ إلى القرض أو الرهن. فهل يليق بدلًا من مساعدته، أن يقرضه الدائن بالربا؟! وهذا المال الزائد الذي يأخذه المرابي من الفقير غير الربا الذي تدفعه البنوك والمصارف التي تتاجر بمال المودعين عن طريق مشروعات اقتصادية تربح منها، ثم تشركهم في ربحها باعتبارهم شركاء في رأس المال. * على أن العكس قد يحدث بأن يسرق بعض المودعين من البنوك، بأن يأخذ قرضًا بالملايين ثم يهرب. وهناك أيضًا نوع آخر يسمى (بالقروض المعدومة)، له اسم القرض مع العجز التام عن الوفاء به، وهو كذلك سلب لمال الغير. وأصعب منه (إعلان الإفلاس) حيث يضيّع حقوق كثيرين، سواء كان إفلاسًا حقيقيًا أو حيلة مدبرّة... ** أما السرقة من مال الدولة فتأتى بوسائل متعددة منها ما يقوم به البعض من حيل للإفلات من الضرائب أو من الجمارك، أو المطالبة بالإعفاء من رسوم معينة بدون وجه حق، أو استخدام عربات الدولة في تنقلات خاصة لا علاقة لها بالعمل، أو استخدام النفوذ في شراء أراضٍ أو أملاك للدولة بأبخس الأثمان، أو الحصول على رشوة للمساعدة في سلب بعض حقوق الدولة المالية. وتكون الرشوة هي من بنود المال الحرام... ** هناك أنواع أخرى من السرقات ثم سرقة الأفكار والسرقات الأدبية، والتسخير، والسرقة في مجالات التجارة، وفي الفن، وفي القمار، مما سوف نعرض له في المقال المقبل، إن أحبت نعمة الرب وعشنا. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
20 نوفمبر 2018

الأدفنتست السبتيون

طائفة الأدفنتست (السبتيون) ليست مسيحية رغم أنهم يدعون غير ذلك، وهى امتداد لهرطقة قديمة حاربها الآباء الرسل بضراوة، وكانت تدعى "هرطقة التهود"، ويظهر ذلك جليًا في كتابات معلمنا بولس الرسول: "لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هي ظل الأمور العتيدة" (كو2: 16، 17)، فالسبت كان ظلًا للأحد، وذبائح العهد القديم كانت ظلًا لذبيحة السيد المسيح على الصليب، ولقد كتب معلمنا بولس رسالة كاملة إلى العبرانيين (اليهود المتنصرين)، ليوضح لهم أن مجد المسيحية أكبر كثيرًا من المجد اليهودي، سواء من جهة: الذبيحة أو الهيكل أو العهد أو الكهنوت.. إلخ. ويكفى أن السبتيين يعتقدون أن السيد المسيح شابهنا في كل شيء حتى في الخطية الجدية، وفي إمكانية الخطأ والخطيئة!! وهكذا نسفوا عقيدة الفداء نهائيًا، الأمر الذي يهدد كل من يعتقد في هذه الهرطقة بالهلاك الأبدي. لذلك أشكر نيافة الأنبا بيشوي من أجل هذا الكتيب المختصر، الذي يناسب القارئ العادي، والذي كشف لنا فيه الأساسات الواهية لهذه البدعة الخطيرة، والأخطاء القاتلة التي تحتويها. وكان قداسة البابا قد حذرنا منها في مقالات وعظات سابقة، وهو بصدد إصدار كتاب خاص يدحض هذه الهرطقة. إننا ندعو قادة هذه البدعة، وكل تابعيها، أن يسرعوا إلى التوبة، قبل فوات الأوان، حتى لا تنطبق عليهم الآية: "وإن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء، بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما (محرومًا)" (غل1: 8). وقد لعبت السيدة إيلين هوايت (أو هيلين وايت) دورًا كبيرًا في تاريخ جماعة السبتيين. ولدت إيلين جولد هارمون Ellen Gould Harmon في 26 نوفمبر سنة 1827م من أسرة تنتمي إلى جماعة المثوديست. وكانت أسرتها قد انضمت إلى حركة المجيئيين نتيجة للتعليم الذي نادى به وليم ميللر في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أصيبت إيلين برمية حجر أثناء وجودها في المدرسة في الجانب الأيسر من جبهتها كاد يودى بحياتها، وأصاب مخها بتدمير سيئ حتى أنها لم تتمكن من استكمال دراستها الرسمية بالمدرسة. وقد إدعت إيلين هوايت Ellen White التي تزوجت بجيمز هوايت James White أنها قد رأت حلمًا يؤكد حتمية حفظ السبت اليهودي بالنسبة للمسيحيين. وفي هذا الحلم ادعت أنها رأت الوصية الرابعة وهى تضئ بنور باهر بين الوصايا العشر على لوحيّ الحجر ونص هذه الوصية "اذكر يوم السبت لتقدسه" (خر20: 8). اعتبرت جماعة وليم ميللر أن إيلين هوايت هي رسولة من الله ونبية ورائية وأن كل ما رأته هو رسائل إلهية لهذه الجماعة. وتوفيت السيدة إيلين هوايت سنة 1915م عن عمر 87 عام ولكنها لم تحضر أبدًا المجيء الثاني للسيد المسيح. ومع ذلك فهي مكرمة بطريقة عالية جدًا في جماعة السبتين. وكانت إيلين هوايت قد استبدلت الأحلام بإدعاء زيارات في الثالثة صباحًا لملائكة كانوا يخبرونها بما ينبغي أن تكتبه. تعليق شهود العيان على رؤى إيلين هوايت: في كتاب "نبية الأيام الأخيرة" الذي أخرجه الأدفنتست، يصفون حالتها أثناء الرؤى، فتقول السيدة مرثا أمادون التي حضرت عدة مرات تلك الرؤى : "أنا ممن راقبوها كثيرًا وهى في الرؤية وأعرف المجموعة التي تحضر معها في العادة وجميعهم ذو قوة ملاحظة وإيمان بما تقوم به. وكنت أتساءل كثيرًا لماذا لم يعط وصف أكثر حيوية للمناظر التي حدثت. كانت عيناها مفتوحتين في الرؤية. لم يكن هناك نفس لكن حركات كتفيها وذراعيها ويديها كانت رشيقة تعبر عما كانت تراه. كان مستحيلًا على أى شخص آخر أن يحرك يديها أو ذراعيها وكثيرًا ما كانت تنطق بالكلمات فرادى وأحيانًا بجمل تعبر لمن حولها عن طبيعة المنظر الذي تراه سواء سماوي أو أرضى". George Ide Butler (جورج بطلر، باطلر، باتلر) من أتباع هذه الطائفة وقد شاهدها في مناسبات عديدة في سنة 1874م فيقول : "أعطيت إيلين هوايت هذه الرؤى طيلة 30 سنة تقريبًا، وكانت تكثر تارة وتقل تارة أخرى، وشاهدها الكثيرون. وفي الغالب كان الحاضرون من المؤمنين بها وغير المؤمنين على السواء. وهى تحدث عامة ولكن ليس دائمًا، في مواسم الاهتمام الديني الجادة حيث يكون روح الله حاضرًا بشكل خاص". وقال أيضًا في وصفه: "يتراوح الوقت الذي تقضيه السيدة هوايت على هذا الحال بين خمسة عشر دقيقة إلى مائة وثمانين (ثلاث ساعات). وأثناء هذا الوقت يستمر القلب والنبض، وتكون العينان مفتوحتين عن آخرهما، ويبدوان محملقتين في شيء على مسافة بعيدة، ولا تلتفتان إلى شخص أو شيء بعينه في الحجرة، بل يكون اتجاهها دائمًا إلى أعلى.. وقد تُقرَّب أشد أضواء إلى عينيها أو يتظاهر (أحد) بدفع شيء فيهما، ومع ذلك لا ترمش أو تغير وجهها... يتوقف تنفسها تمامًا وهى في الرؤية، ولا يفلت من منخارها أو شفتيها أي نفس وهى على هذه الحال". وقال أيضًا: "كثيرًا ما تفقد قوتها مؤقتًا فتتكئ أو تجلس ولكن في ماعدا ذلك تكون واقفة. إنها تحرك ذراعيها برشاقة". وزوجها جيمز هوايت يعلق على رؤاها قائلًا : "عند خروجها من الرؤية سواء بالنهار أو الليل في غرفة جيدة الإنارة، يكون كل شيء حالك الظلمة بالنسبة لها، ثم تعود قدرتها على تميز حتى ألمع الأشياء بالتدريج مهما كان قريبًا من عينيها. ويقدر عدد الرؤى التي تلقتها أثناء ثلاث وعشرون عامًا خلت بما يتراوح بين مائة ومائتي رؤية وقد أعطيت هذه الرؤى في مختلف الظروف تقريبًا ومع ذلك تحتفظ بتماثل عجيب". أراد دكتور بوردو أيضًا أن يتأكد من الأمر بنفسه فذهب لرؤية إيلين هوايت وهى تدَّعى أنها في حالة رؤية وكانت هذه الحادثة في بكس بريدج Buck’s Bridge في نيويورك سنة 1857م فيقول : "في يوم 28 يونيو 1857م رأيت الأخت إيلين هوايت في رؤية لأول مرة وكنت آنذاك غير مؤمن بالرؤى، ولكن موقفًا من المواقف الكثيرة التي يمكن أن أذكرها أقنعني بأن رؤاها من الله. فلكي أرضى عقلي بشأن عدم تنفسها وهى في الرؤية أولًا وضعت يدي على صدرها مدة كافية، فتأكدت من عدم تنهد رئتيها تمامًا، كما لو كانت جثة هامدة، ثم أخذت يدي ووضعتها على فمها، وضغطت منخاريها بين إبهامي وسببابتي بحيث يستحيل عليها الشهيق أو الزفير، حتى ولو أرادت هي ذلك، فأمسكت بها هكذا بيدي قرابة العشر دقائق، وهذا يكفى لخنقها لو كانت في حالتها الطبيعية لكنها لم تتأثر بهذا على الإطلاق. ومنذ مشاهدتي هذه الظاهرة العجيبة لم أجنح ولو مرة واحدة بعد ذلك إلى الشك في مصدر رؤاها الإلهي". - الروح تموت مع الجسد يعتقدون أن الروح تموت مع موت الجسد وأن الروح الإنسانية ليست خالدة بل هي مثل روح البهيمة أو الحيوان. مع أن السيد المسيح قال "أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 32). قال هذا في رده على الصدوقيون بخصوص المرأة التي كانت زوجة لسبعة إخوة فسألوه "فئ القيامة لمن من السبعة تكون زوجة فإنها كانت للجميع. فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله. لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء. وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ليس الله اله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 23-33). وهم يسيئون استخدام الآية التي وردت في سفر الجامعة "لأن ما يحدث لبنى البشر يحدث للبهيمة وحادثة واحدة لهم موت هذا كموت ذاك ونسمة واحدة للكل فليس للإنسان مزية على البهيمة لأن كليهما باطل" (جا 3: 19). طبعًا كاتب سفر الجامعة لم يقصد إطلاقًا أن روح الإنسان مثل روح البهيمة لأنه في الآيات السابقة لهذه الآية يقول "قلت في قلبي من جهة أمور بني البشر أن الله يمتحنهم ليريهم أنه كما البهيمة هكذا هم" (جا 3 : 18). فالرب يمتحن الإنسان بحادثة الموت التي تحدث للإنسان والبهيمة على السواء ليرى إن كان الإنسان سوف يؤمن بالحياة الأبدية أم لا. كما أنه يقول عن موت الإنسان "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جا 12: 7). أما في الإصحاح الثالث فيقول "من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل إلى الأرض" (جا 3 : 21) ففي قوله "من يعلم؟" هو يمتحنهم.. وقد أورد الكتاب المقدس العديد من الآيات التي تدل على أن روح الإنسان لها مكانة عند الله، ومن أمثلة ذلك قول الكتاب عن الرب "جابل روح الإنسان في داخله" (زك 12: 1) ، وأيضًا "لكن في الناس روحًا ونسمة القدير تعقلهم" (أى 32: 8)، و"روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني" (أى33: 4). وفي سفر أشعياء يقول "هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطى الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحًا" (أش 42: 5). كما أنهم يعتقدون أنه لا توجد دينونة أبدية للأشرار ولا قيامة لأجسادهم ولا عودة لأرواحهم بل يقيم الله الأبرار فقط ويعيد الحياة إلى أجسادهم وأرواحهم بنعمة خاصة. على الرغم من أن السيد المسيح تكلّم كثيرًا جدًا عن خروج الأبرار أو الصالحين للقيامة لحياة أبدية (أنظر مت25 )، وذهاب الأشرار إلى جهنم الأبدية المعدة لإبليس وملائكته "ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت25: 41). ويعتبرون أن نفس هذه القاعدة تنطبق على الرب يسوع المسيح من ناحية إنسانيته، أي أن روحه وجسده أعيدوا إلى الحياة مرة أخرى أيضًا بنعمة خاصة إلهية. وفي هذه الحالة يصطدمون بالآية التي قالها القديس بطرس الرسول "مماتًا في الجسد ولكن محيىً في الروح الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1بط3: 18-19). فهم يقللون من شأن القيامة وتبدو مفاهيمهم مهتزة في عمل السيد المسيح الفدائي وقيامته من الأموات. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
19 نوفمبر 2018

ظروف شباب المرحلة الثانوية

هناك ظروف قديمة وجديدة تحيط بهذه المرحلة، لابد من التعرف عليها، حتى نحسن التعامل مع شبابها المبارك... لاشك أن هناك مستجدات هامة لدى شباب المرحلة الثانوية، فى هذه الأيام، نذكر منها : 1- العملية التعليمية : ولاشك أنها ليست على ما يرام، فهى فى أفضل صورها عملية تلقين لا تكوين... بمعنى أنها تهتم بحشو الذاكرة - وليس الذهن - بكمية ضخمة من المعلومات فى مجالات واسعة من المعرفة.. وكل ما يطلبونه من الشباب هو أن يحفظ هذه المعلومات غيباً، ويسكبها سكيباً فى ورقة الإجابة فى إمتحان واحد خطير آخر العام. هذا بينما يؤمن العالم كله بأهمية التربية قبل التعليم، والتكوين قبل التلقين. لهذا يعتمدون فى الخارج على تكوين روح البحث لدى التلميذ، وعلى تحريك ذهنه للفهم والإبتكار والإبداع. وهذا ما نشاهده فى الغرب، إذ يطلبون من التلميذ تحضير ورقة بحث فى موضوع ما، ربما يختاره هو، ويبحث عن مادة الموضوع فى المكتبة، ولدى المدرس، والأسرة، والكنيسة، حتى تكتمل العناصر، ويتقدم ببحثه، ويناقشه فيه المدرس والزملاء.. وأكثر من مرة حضر شباب من أمريكا أو استراليا، ليدرس مثلاً الفرق بين الشباب القبطى داخل وخارج مصر، من خلال استبيانات وإحصائيات فى مجالات مختلفة: شخصية وعائلية وكنسية... بهدف معرفة ما يجب أن ننتبه إليه فى خدمة الشباب، هنا أو فى المهجر... وقد استفدنا كثيراً من هذه البحوث الميدانية. كذلك نجد العملية التعليمية الآن فيها فاقد رهيب للوقت، فالشباب يذهبون فى الصباح الباكر إلى المدرسة، وتكون الفائدة قليلة جداً، لتكدس الفصول وارهاق المدرسين، وظروفهم الصعبة. ثم يبدأ الشباب فى مدرسة أخرى بعد الظهر، فى فصول التقوية، أو الدروس الخصوصية، حيث الشرح أفضل، ولكن لشباب مرهق... ولا يتبقى سوى سويعات قليلة فى المنزل للاستذكار. هذا كله عبء ضخم على شبابنا الغض، الذى لا يجد فرصة للنمو الروحى والثقافى والإجتماعى والبدنى من خلال الأنشطة والاجتماعات الكنسية والمهرجانات... ولاشك أن تمديد الثانوية العامة إلى عامين بدلاً من عام واحد، أصبح عبئاً كبيراً على شباب المرحلة الثانوية، بحيث لم يعد لديهم النفس الهادئة، أو الوقت المناسب، لتكوين شخصياتهم المتكاملة: روحياً وثقافياً ووجدانياً وبدنياً وإجتماعياً... هذه العناصر الخمسة فى الشخصية الإنسانية، لم يعد من الممكن إشباعها، بينما الشباب يعيش الأرق والإرهاق، مع عملية تعليمية تلقينية مؤسفة. أن شباب المرحلة الثانوية فى هذه الأيام، لا يتمتع حتى بالإجازة الصيفية، حيث الملحق (والتحسين سابقاً)، وحيث ضرورة الاستعداد للعام الدراسى بدروس خصوصية فى الصيف، تمهيداً للعام الدراسى الجديد. وقد لاحظنا ذلك أثناء خدمتنا لهذه المرحلة، فبعد أن كنا نقدم لهم مادة دسمة فى المهرجان، على الأقل أثناء دراستهم فى الصفين الأول والثانى، حيث كانوا يواظبون على الخدمة الكنسية، وبالتالى يستوعبون الكثير من المعلومات اللاهوتية والعقيدية والطقسية والتاريخية والكتابية، مع فنون وآداب ورياضة وكومبيوتر.. مع الإندماج المفرح فى الحياة الكنسية والأنشطة الصيفية... صار شبابنا المرهق المهموم بالثانوية العامة، كثير الغياب عن الكنيسة، ولذلك اضطررنا إلى تخفيض حجم النشاط الكنسى والدراسات والمهرجان، تقديراً لظروفهم... 2- أسلوب الامتحان : ولاشك أنه أسلوب مؤسف، فالشباب يستذكر طوال العام، بمجهود ضخم، ليتم تقييمه من خلال الحفظ وليس الفهم، ومن خلال امتحان واحد فى ساعتين.. وربما أصيب الشاب أو الشابة بوعكة صحية أو مجرد انفلونزا، فيضيع الإمتحان، ويضيع المجهود، ويضيع المستقبل. أى توتر يمكن أن ينشأ عن هذا الأسلوب؟!! الإمتحان فى الخارج يرتكز على الفهم، ويستمر طوال العام من خلال الأسئلة، والإختيارات، والبحوث، والمتابعة الشخصية من المدرس، ولذلك تكون نفسية الشباب هادئة، وإذا فشل مرة، ينجح فى المرة التالية...إن تقييم شبابنا من خلال ورقة واحدة، فى ساعة معينة، ويوم محدد... أمر مثير للتوتر.. فإذا ما حدثت مشكلة فى المنزل، أو مرض، أو وفاة... ضاع كل شئ!! هذا بالإضافة إلى اعتماد الإمتحان على التذكر وليس التفكير، وعلى الحفظ وليس الفهم... ونحن جميعاً نعلم إمتحانات الخارج، التى كثيراً ما تكون من خلال "الكتاب المفتوح" (Open book)، ولا يستطيع الإجابة على الأسئلة إلا كل من درس المادة واستوعبها تماماً. وهكذا لا يرتبط الامتحان بحالات من التوتر والقلق والإحباط كما يحدث فى بلادنا، ليس فقط على مستوى الشباب، بل أيضاً على مستوى أسرهم... وهذا ما نراه فى بيوتنا أثناء أيام الإمتحانات، والأيام السابقة عليها... 3- سلبيات الإعلام : وما يواجهه شبابنا فى هذا العصر من تنوع لوسائل الإعلام، إلى استمرارية تأثيرها على مدى 24 ساعة يومياً إلى سهولة الوصول إلى السلبى منها، وبطريقة لا يستطيع الوالدون اكتشافها بسهولة. هناك الآن شرائط الكاسيت وما تحمله من أغانى هابطة، وشرائط الفيديو والكثير منها يحمل إنحلالاً وإثارة، والبث من الأقمار الصناعية على عشرات القنوات على مدى الليل والنهار، وشبكة الانترنيت وما تقدمه من إباحية وإنحلال. وبالطبع فنحن لا نرى كل الوسائل الإعلاميةشراً، بل نقصد أنها تقدم للشباب الكثير من الإيجابيات فى المعلومات والتواصل والثقافة والتسلية البرئية، ولكنها تحمل - مع ذلك - سلبيات خطيرة، لها أثرها فى شبابنا، سواء فى إعثاره أو فى تعويقه عن الجهاد الروحى، ناهيك عن صعوبة النمو الروحى فى هذا الجو الصعب. لقد أصبحت الخطيئة "محيطة بنا بسهولة" كما يقول الرسول بولس (عب 1:12). الأمر الذى يحتاج إلى إفراز وتوعية وتغذية وبدائل وجهاد كثير، ينبغى أن يبذله شبابنا المبارك، عملاً بقول الكتاب "إمتحنوا كل شئ، وتمسكوا بالحسن" (1تس 21:5). 4- سلبيات الوسط المدرسى : لاشك أن الوسط المدرسى لم يعد كما كان فى الماضى، سبباً فى إنماء المعرفة وتربية الخلق القويم، إذ أنه صار حافلاً بسلبيات كثيرة منها: أ- التكدس فى الفصول، الذى يعوق علمية التعلم، ناهيك عن عملية التربية. ب- التدنى العام فى المجتمع، واهتزاز القيم، وتآكل الطبقة الوسطى، وصعود نوعيات غير متحضرة إلى السقف بسبب دخلها المادى المتزايد. ج- انتشار ظاهرة المخدرات بين الشباب، فضلاً عن التدخين والشيشة. د- تنامى ظاهرة العنف بين الشباب، بتأثير التكدس فى المساكن، وصعوبة العيش، وازدحام الطريق، والتوتر اليومى العام، ومشاهد العنف فى وسائل الإعلام، وشيوع مبادئ منحرفة كالبلطجة، وأخذ القانون باليد، وليس بالوسائل المشروعة. هـ- التدنى الخلقى فى اللفظ والتعامل اليومى، بتأثير الأفلام والمسلسلات، وما تحويه كثيراً من عبارات وألفاظ غريبة وغير لائقة، تنزل بسرعة رهيبة إلى الشارع والمنزل والمدرسة ويتبادلها الشباب فى سلوكهم اليومى. و- الفوارق الطبقية وما تثيره من حراك إجتماعى وأحقاد بين فئتى الأغنياء والفقراء، وحتى الموظفين، الذين أصبحت دخولهم المادية لا تساعدهم على الحياة الكريمة. ز- تأثيرات الأسرة على الطفل والفتى والشاب، والتى يأتى بها إلى المدرسة، مشحونة بالسلبيات الخطيرة. ى- روح التهريج واللامبالاة والسخرية والتهكم، التى تسود فئات كثيرة، بسبب الإحباط والمتاعب الإقتصادية.. وهذه كلها أمور لها تأثيرها على شباب المرحلة الثانوية، وتستدعى من الكنيسة أن تكون "الأسرة البديلة"، التى يمكن أن تقوم "بإعادة تربية" للكثير من الشباب (Re- education Process). 5- أزمة المستقبل : ويالها من أزمة، بين شبابنا المكافح!! فمع تزايد الأعداد، بسبب الإنفجار السكانى، وتكدس الفصول، وضعف العملية التعليمية، والتنافس المحموم على الحياة والعمل، وصعوبة إختيار الدراسة التى يحبها الشباب، وأكثر منها صعوبة الحصول على عمل مجز بسبب البطالة المنتشرة، والركود العام فى الإقتصاد. هذه كلها أمور مقلقة لشبابنا، إذ لا يرى المستقبل بهيجاً ولا واضحاً ولا مأموناً... الأمر الذى يصيبه بتوتر فى أعماقه، قد يظهر على السطح فى صورة أشكال من العنف، أو أنواع من التهريج والسخرية والسلوك غير السوى، بل أنه قد يدفع الشباب إلى نوع من الإحباط والاكتئاب، ثم إلى التدخين والمخدرات، مع رفقاء السوء، وما أكثرهم!! 6- اختلاف الأجيال : وهو عامل آخر نضيفه إلى الظروف المحيطة بشباب المرحلة الثانوية، حيث كثيراً ما يحدث انفصال بين الوالدين وأبنائهم وبناتهم فى هذه المرحلة، ويكتفى الوالدون بالعمل على جمع المال، المطلوب طبعاً، وربما يستغرقون فى ذلك بطريقة تحرم الأولاد والبنات من عطف والديهم، واستماعهم إليهم، ومشاركتهم آمالهم وآلامهم. أضف إلى ذلك إمكانية سفر الوالدين أو أحدهما إلى الخارج، طلباً لمزيد من الدخل، مما يعرض الشباب إلى جوع عاطفى، و صداقات سيئة، وإنحرافات خطيرة. فإذا ما أضفنا إلى ذلك إحساس شباب ثانوى بأنهم كبار، ومحاولاتهم الاستقلال والاستغناء عن نصيحة الوالدين ومشورتهم، واستماعهم إلى أصدقائهم أكثر من والديهم، يتضاعف حجم المشكلة، وتتزايد الفجوة إتساعاً. وفى نفس المجال، إذا ما حاول الوالدين تربية أبنائهم وبناتهم بأسلوب ما تربوا هم عليه فى عهود سابقة، دون تفهم لما يدور حول الأجيال الجديدة من أمور، ودون تفاهم وحوار معهم... تتزايد الفجوة أكثر فأكثر. أضف إلى ذلك ما يمكن أن يحدث من أخطاء فى التربية مثل القسوة، أو التدليل، أو التفرقة فى المعاملة بين الأبناء والبنات، الأمر الذى يجعل من إختلاف الأجيال خلافاً، ثم إنحرافاً. هذه بعض الظروف التى تحيط بأبنائنا وبناتنا فى المرحلة الثانوية، فكيف يكون أسلوب التعامل الفعال معهم، وهم يجتازون مرحلة صعبة، وظروفاً أصعب... نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
18 نوفمبر 2018

شفاء الإرادة الضعيفة

معلمنا بولس الرسول يقول لنا في رسالته لأهل رومية أصحاح " 7 ، 8 " آيتين عن الإرادة تُعبِّر عن حالته قبل أن يعرف المسيح ﴿ ليس ساكن فيَّ أي في جسدي شيء صالح لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحُسنى فلستُ أجد لأني لستُ أفعل الصالح الذي أُريده بل الشر الذي لستُ أُريده فإياه أفعل ﴾ ( رو 7 : 18 – 19) لماذا ؟ لأني لم أعرف بعد المسيح لكن بعد معرفتي للمسيح الأمر تغيَّر تماماً ﴿ لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح ﴾ ( رو 8 : 1) الإرادة هي طاقة الفعل طاقة القرار طاقة الحركة في الإنسان الذي يحرك الفعل هو الإرادة إنسان بدون إرادة مثل جهاز بدون موتور نعم مظهره جيد مُتكامل لكن ليس بموتور إذاً صار قطعة ديكور إذاً إرادتنا هي المُحرك الفعلي لقرارتنا وكل ما نقتنع به يُترجم لفِعْل معروف أن إرادة الله لنا هي قداستنا ﴿ الذي يريد أن جميع الناس يخلُصون وإلى معرفة الحق يُقبلون ﴾ ( 1تي 2 : 4 )﴿ هذه هي إرادة الله قداستكم ﴾ ( 1تس 4 : 3 )إذاً الله يريد لي فماذا أريد أنا ؟ إن قلت له أنا أيضاً أريد القداسة يقول لي إذاً إرادتي وإرادتك تلاقيا تقول له هل أنت يا الله منتظر إرادتي ؟ يقول لي نعم أنا قادر على كل شئ لكن لكي أُخلِّصك لابد من إرادتك أنت يقول القديس أوغسطينوس ﴿ الله الذي خلقك بدونك لا يريد أن يُخلِّصك بدونك ﴾ وفي ترجمات أخرى يقول " لا يستطيع " يوم أن خلقك لم تكن موجود لكن يوم أن يُخلِّصك لابد أن يُخلِّصك بك أنت لابد أن تقول له أنا أريد أنا محتاج إذاً تعال هو يعطيك دعوة أن تدخل إلى عرسه لكن عليك أنت أن تُلبي الدعوة هو مشتاق أن تأتي إليه لأنه أعطاك الدعوة وهو يقول لك " ليتك تأتي لأني سأحزن إن لم تأتي إلى عُرسي " وأنت أيضاً تقول له أنا مشتاق أن آتي إلى عُرسك وهو يقول أنا منتظرك وتدخل إلى عُرسه وتجد فرحة لا تُوصف الإرادة تتكون من :- العقل الإقتناع . الميل والإحتياج صراع أو اتفاق بينهما . الهدف مثل طالب له هدف واقتناع وميل واحتياج لأمر مُعيَّن ومستقبل مُعيَّن . الميل والإحتياج موجودان والعقل مُقتنع والهدف موجود إذاً الإرادة حاضرة وجيدة . 1. العقل :- الأنبا أنطونيوس قال ﴿ أن الخطية هي الجنون هي اختلال العقل ﴾ لماذا ؟ لأن الخاطي هو من يضحي بأمر غالي جداً مقابل أمر رخيص فيُثبِت أن عقله غير سليم هل رأيت شخص معه خاتم سوليتير قيمته مائة ألف جنية ويأتي شخص آخر يقول له أعطني هذا الخاتم مقابل جنيهان فيعطيه له ثم يسأله إحذر أن يكون الجنيهان مُزوران ولا تخدعني ولما يأخذ الجنيهان يشعر أنه قد كسب ويشتري بهما أمور تافهة ويشعر أنه سعيد هكذا الخطية أمر أفعله ألهو به الآن ولكنه يُسبب لي خسارة كبيرة أمر دفع فيه ثمن غالي جداً أبيعه بخدعة وأتنازل عن الغالي بالرخيص لذلك أطلق الأنبا أنطونيوس على الخطية اسم " الجنون والإختلال " أما العقل فهو البِر ماذا أريد أنا وماذا أرتب لحياتي ؟ هل تعلم أن الخطية دمار ؟ البعض مقتنع أن الخطية دمار والبعض مقتنع أنها لذيذة مُمتعة المقتنع أن الخطية مُمتعة هو شخص إرادته ضعيفة ولم يصل إلى درجة الإقتناع أن الحياة مع الله أفضل جداً لم يصل إلى درجة الإقتناع بأن الخطيئة مدمرة جداً لنفسه وجسده وروحه لم يعرف الأضرار النفسية والروحية والجسدية المؤذية له باستمراره في الخطية وطاعتها القديس أوغسطينوس قبلما يتوب كانوا يطلبون منه أن يتوب لأن الخطية ضارة جداً كان يقول لهم أن الخطية لذيذة وليست ضارة قالوا له قل لله اشفِ إرادتي الضعيفة وقف أمام الله وقال له أن الخطيئة ألذ منك لكن لو أنت تريدني فلتكن أنت ألذ من الخطية ﴿ إني أجد في الخطية لذة عنك وإن أردتني تائباً فاعلن لي لذِّتك فإني أريد أقول لك ربما أريد أن أتوب ولكن ليس الآن ﴾ لما شخص يُعلن لذته بالخطية كيف تكلِّمه عن الإرادة مادام هو غير مقتنع لذلك ضع داخلك قناعة كاملة أن الخطية مدمرة وأنها أبعدتك عن الله وعن نفسك وعن الآخرأحد القديسين قال لله ﴿ أن الخطية جعلتني أخسرك وأخسر نفسي وأخسر السماء ﴾ خسرت ثلاثة الله ونفسي والسماء فهل هناك خسارة أفظع من ذلك كارثة لذلك يقول ﴿ عار الشعوب الخطية ﴾ ( أم 14 : 34 ) كارثة الشعوب الخطية لذلك إخوتنا في الغرب وأمريكا يضعون مُسميات أخرى للخطية ليهربوا من خزيها فيقولون عن أمور مُهينة لله جداً ومُهينة للإنسان إنها أمور فسيولوچية أو مشاعر طبيعية أو ميول إنسانية لأنه لم يستطِع أن يتواجه مع دناءِة نفسه ويريد أن يقنع نفسه بالخطية فيضع عناوين تعطيه مُسكِّن الإقتناع أو العقل من أهم مكونات الإرادة إنسان يريد أن يعمل رچيم فكَّر أن جسمه زائد في الوزن وشكله العام ردئ وسيُضَر صحياً وسيزداد النوم و إقتنع بدأ الرچيم بكل خطواته لكن لابد أن يقتنع أولاً بفكره الآن هل اقتنعت أن الحياة مع الله أفضل جداً ؟ هل وصلت إلى هذه الدرجة أم لا ؟ هل اقتنعت أن الحياة مع الله أفضل جداً جداً من الحياة مع العالم أو مع الناس أو مع ميولي أو مع شهواتي ورغباتي أم لا ؟ لذلك يقول أحد القديسين قبل أن تنام اسأل نفسك ثلاثة أسئلة مهمة :- أ‌- هل يا الله توجد محبة في قلبي أكثر منك من أي نوع ؟ مال أو عمل أو محبة زوج لزوجته أو أُم لأولادها أو صديق لصديقه أو أي نوع من المحبة في قلبي أكثر منك ؟ ب‌- هل توجد خطية مدفونة داخلي وصامت عنها أو متصالح معها ؟ نعم أنا خاطئ لكني رافض لكن هل توجد خطية داخلي راضي عنها ؟ ج- هل أرضيت الله في يومي هذا ؟ لو أجبت عن هذه الأسئلة الثلاثة بنعم " كُل قليلاً واسترِح ونام " إن أجبت عنهم بالخطأ أو عن أحدهم بالخطأ قِف وقفة مع نفسك " لا تأكل ولا تنام "محتاج أن تأخذ قرارعقلك يرفض أن تستمر في ذلك قل لا محتاج أقدم توبة العقل هل أنا مقتنع بحياتي مع الله ؟ مقتنع بحياتي في العالم ؟ مقتنع بما أفعله ؟ زِد درجة اقتناعك بالبِر لتدخل في الدرجة الأعلى رقم ( 2 ) . 2. الإحتياج والميل :- تُواجه بأمر آخر في الإرادة وهما أمران الإحتياج والميل لأن في كثير من الأحيان وخاصة في البِر يكون الميل عكس الإحتياج أو الإحتياج عكس الميل صراع شديد بينهما لكي تشفي إرادتك لابد أن يصطلح الميل مع الإحتياج لابد أن يتفق ميلك مع احتياجاتك واحتياجاتك مع ميولك إنسان محتاج للحياة فيأكل ليس له ميول كبيرة للأكل لكنه لابد أن يأكل لأنه محتاج أن يأكل إنسان محتاج للدراسة يدرِس لأنه محتاج للدراسة حتى لو لم يكن له ميول للدراسة إنسان محتاج للعمل فيعمل حتى لو لم يكن له ميول للعمل صراع بين الإحتياج والميل كل الأمور النافعة تجد نفسك تحتاجها ولا تميل إليها مثلاً تصوم أو تأكل ؟ تقول آكل تأخذ أجازة أم تذهب للعمل ؟ تُجيب أجازة تستيقظ أم تنام ؟ تُجيب أنام كل الأمور النافعة تجد نفسك ضدها تجلس للكمبيوتر للعب أم التعليم ؟ تُجيب ألعب دائماً تهرب مما هو مفيد وكأن الله واضع حافز أو مكافأة لمن يتعب والذي لا يتعب لا يأخذ فتجد ميولك تميل للأمور السهلة واحتياجاتك تفوق ميولك محتاج للصلاة ولا تميل لها محتاج للصوم ولا تميل له محتاج لله جداً ولا أستطيع أن أقول إني لا أميل له لكن أعمالي تُعلن إني لا أميل له مثل قصة قالها الشباب أن فتاة أرسلت إلى خطيبها تقول له أنت غالي عندي جداً لكنك تُطيل مكالماتك التليفونية وأنا أكون محتاجة للنوم وتتكلم في أمور غير شيقة بالنسبة لي ولا تعرف إن كنت مُهيأة للحديث في هذه الأمور أم لا ؟ وظلت تنتقده وفي نهاية القصة يقول الشباب هكذا نحن مع الله نقول له يارب نحن نمِل من الوقوف معك ولا نريد الحديث معك ونحن نكون مُتعبين ويا ليتكَ تتركنا نحن نتكلم ولا تتكلم أنت وليتكَ تتركنا نتحدث معك وقت ما نريد نحن وفي النهاية نقول له نحن نحبك كيف ؟ الميل والإحتياج أميل إلى الله موسى النبي لما رأى العُليقة مشتعلة قال ﴿ أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم ﴾ ( خر 3 : 3 ) أميل للتسبيح أميل لحضور القداس مبكراً متى يحدث ذلك ؟ عندما تشفي إرادتي عندما يتفق احتياجي مع ميولي متى ؟ عندما أشعر بالإحتياج لله لأن دائماً الميل والإحتياج ضد بعضهما ويحتاجان وقت طويل ليتفقا الخطية هي ميل دون احتياج أُمنا حواء رأت الشجرة بهجة للعيون شهية للأكل مالت للأكل منها دون أن تحتاج لم تكن محتاجة للأكل بل للعكس كانت محتاجة أن لا تأكل لتظل في وضعها الأفضل لكنها مالت دون أن تحتاج هكذا الخطية ميل دون احتياج داود النبي مال لامرأة أوريا الحثي هل عنده احتياج ؟ لا بل كانت له زوجات كثيرة مال دون أن يحتاج فكان العار وكانت الخطية الخطية هي ميل دون احتياج البِر هو احتياج يبدأ حتى لو دون ميل إلى أن يتفق الميل والإحتياج . 3. الهدف :- ماذا أريد ؟ يارب أريد الأبدية إذاً نمِّي ميلك للأبدية يارب أريد أن أحيا في سلام يارب أريد أن أحبك ما هو هدفك ؟ جيد عندما أحب أبونا يعقوب راحيل فقالوا له اعمل بها سبعة سنوات فقال هي تستحق التعب من أجلها وعمل من أجلها سبعة سنوات لكنهم أعطوه ليئة واعترض فقالوا له لا تحزن لكن لكي تأخذ راحيل اعمل سبعة سنوات أخرى ووافق لكنه ارتبط براحيل أولاً ثم عمل سبعة سنوات أي أنه تزوج بليئة وبعد أسبوع تزوج براحيل لكنه صار مديون للابان بسبعة سنوات أخرى هذا هو الفرق بين العهد القديم والعهد الجديد كما قال القديسين العهد القديم أتعب لكي أنال ليئة والعهد الجديد آخذ نعمة كي أتعب بها أي النعمة مُقدِّمة للتعب بينما العهد القديم أتعب لكي أنال يعطيك الروح القدس يعطيك إنسان جديد يعطيك راحيل ويقول لك هيا إتعب إرضيها لما تكون راحيل معه ويتعب من أجلها كلما نظرها يقول لها تستحقين التعب من أجلِك﴿ وكانت في عينيهِ كأيامٍ قليلةٍ بسبب محبتهِ لها ﴾ ( تك 29 : 20 )هدف هل توجد راحيل في حياتك تتعب من أجلها ؟ تخيل عندما تتعب بدون هدف أمر ليس له داعي سَتَمَلْ هل توجد أهداف في حياتك ؟ هل تريد فضائل مُعيَّنة تقتنيها في حياتك ؟ هل تريد أن تُرضي الله ؟ هل الأبدية تشغِلك ؟ فِكْر الأبدية هل هو مغروس في حياتك تريد أن تسعى من أجله ؟ هل تحب أن تعيش في إرضاء الله ؟ ربنا يسوع قال﴿ أنا مجدتك على الأرض العمل الذي أعطيتني لأعمل قدأكملتهُ ﴾ ( يو 17 : 4 )هدف أنا مجدتك على الأرض له أهداف أحد الفلاسفة قال ﴿ لا تحزن إن لم تُحقق هدفك لكن احزن إن كنت بلا هدف ﴾ إحزن للمشكلة أن أكون بلا هدف وبلا طموح وآمال قديماً في السباقات كانوا يضعون عَلَمْ أو راية ويجرون في السباق وأول من أمسك العَلَمْ هو الفائز تخيل شخص لا يجري في اتجاه العَلَمْ أكيد عينه بها مشكلة لأنها لا ترى العَلَمْ يقولون له إتجاه العَلَمْ هنا إجري اتجاهه بكل قوتك تخيل أن عينك ليست على الهدف أو نريد أن تكون إرادتنا قوية ونحن ليس لنا هدف في أي اتجاه سنجري ولماذا أصلاً نجري مادام ليس لنا هدف ؟إذاً لماذا إرادتي ضعيفة ؟ لأنه ليس لي هدف لذلك أقل الأمور تُحزنني وتتعبني نقول صلي يُجيب الشخص الذي بلا هدف أفعل أي أمر إلاَّ الصلاة صُم يقول الصوم مُتعب إحضر قداس يقول القداس مبكر جداً إقرأ كلمة الله يقول لا أفهمها إذاً تعال قدم توبة يُجيب ليس لها داعي ليس له هدف لذلك الأمور بالنسبة له ثقيلة أحد القديسين قال قد تصل الأمور الروحية على الإنسان إلى درجة أنها أشقى من الجَلْد أي يحتمل الجَلْد أكثر من الأمور الروحية مسكين ليس له هدف " 3 " مكونات للإرادة أخطر من بعضهم العقل الميل والإحتياج الهدف . كيف تُشفَى إرادتي ؟ إبدأ وصلي . إجتهِد . إستمِر . 1. إبدأ وصلي :- إبدأ إن أردت أن تُقوِّي إرادتك إبدأ الآن أحد الشباب اختفى فترة شهور ثم رأيته وكان شكله قد اختلف كثيراً عما سبق فقد تحول إلى شاب رياضي له جسم مفتول العضلات وعرفت أنه كان يذهب إلى النادي ( چيم ) ويلعب ويتدرب يومياً ثمانية ساعات في تمارين شاقة إقتنع بالفكرة فكان يتدرب يومياً تمارين شاقة وله أطعمة مُعيَّنة وإن عرفنا مقدار الأطعمة التي يأكلها نندهش لكنه اقتنع بالفكرة ومارسها وتعب فيها وفي النهاية فرح بنفسه عندما رأى نتيجة جهاده في هذا الأمر نريد أن نُقوي إرادتنا إن كان الجسد له عضلات أيضاً الروح لها عضلات إن كان الأنبا بيشوي نحيل الجسد لكنه كان يُمارس كمال أرواح وليس كمال أجسام كان يقول لجسده لا تنام ولن تنام لن تأكل ستستيقِظ وتصلي وتقف باعتدال ودرَّب جسده لطاعة روحه وتقوَّت بالتدريج إلى درجة أن روحه صارت في قامات مرتفعة جداً الروح تحتاج تقوية تريد تغذية على كلمة الله وعلى جسد ودم يسوع يريد تدريب على وقفات صلاة كثيرة لم يفرح من أول مرة لا بل قاومه جسده كثيراً لم يرى ثمر سريع أمور كثيرة تُعيقه لكنه استمر إبدأ وصلي أُطلب إرادة قوية كيف تطلب إرادة من دون مصدر الإرادة ؟ كيف يُشفَى الإنسان بدون طبيب ؟ عندما تشعر بالتعب يزداد تحتاج لطبيب وكلما كان المرض أصعب كلما احتاج لطبيب ماهر وقد يقول له طبيبك في القاهرة ويحتاج حجز بعد شهرين ويستجيب لأنه محتاج هل معنى أن يقول لماذا أذهب إلى القاهرة ولماذا أنتظر شهرين إنه ليس مريض أو لا يشعر بمرضه ؟! مادام لا يشعر بمرضه لن يتعب إن أردت أن تبدأ لابد أن تكون وصلت إلى قناعة كاملة أنك محتاج أن تبدأ الآن القديس أوغسطينوس قرأ آية في رسالة رومية غيَّرِت حياته كلها ﴿ أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور ﴾ ( رو 13: 11 – 12)آية أقامت ثورة في حياة القديس أوغسطينوس " أنها الآن ساعة لنستيقظ " لنبدأ إن أردت أن تبدأ برفع اليدين إبدأ الآن محتاج أن أشعر أنها ساعة مقدسة لأستيقظ فأبدأ إن أردت أن تُقوِّي إرادتك سأُعطيك تدريب صغير قد تستخِف به لكن به تقوية إرادةعندما تصلي :- قِف باعتدال . إرفع يديك فترة طويلة . هذه هي الإرادة هذا الذي يقف كذلك يُعلن إرادة قوية في القداس تظهر الإرادة القوية والضعيفة صاحب الإرادة القوية ظاهر وإرادته لم تقوى في اللحظة بل تدرَّب كثيراً تدرَّب على إخضاع جسدك لروحك وابدأ الآن في بيتك تدرَّب على وقفات صلاة أطول بجسد مستقيم بأيادي مرفوعة لا تؤجل ولا تؤخر إن أردت أن تشفي إرادتك أُشعر بالخطر وابدأ الآن أحد القديسين عندما كان يصلي كان يخاطب جسده ﴿ إعلم أمام من أنت واقف الآن أنت واقف أمام من له سلطان أن يُلقيك في جهنم فاعتدِل وتعقَّل ﴾ يحفز جسده أن يقف في وضع صلاة مستقيم لذلك إبدأ الآن بممارسة كل الأعمال الروحية بحماس صوم لابد أن يكون صوم لأنه خطوة مهمة في تقوية إرادتك وخُذ فترات انقطاع تستيقظ مبكراً وتقول محتاج للإفطار وكوب نسكافيه لن أستطيع أن أبدأ يومي بدونه أقول لك هذا ما تحتاج أن تقول له " لا " إن أردت أن تشفي إرادتك لابد أن تقول لجسدك " لا " يُقام برنامج لمراهقين أمريكا اسمه " كيف تقول لا " رأوا أن الأولاد يسيرون في طريق انحلالات عجيبة وفقدوا هويتهم وميولهم المدنية والسياسية والأخلاقية أنا أيضاً محتاج أعمل لنفسي برنامج لأتعلم كيف أقول " لا " إن لم أعرف كيف أقول " لا " لنفسي لن أعرف كيف أقول " لا " لصديقي أو" لا " للتليفزيون أو النِت إبدأ خذ فترة صوم انقطاعي وعندما تشتاق للطعام قُل لجسدك ليس الآن أنت لست صاحب القرار إرادة تُشفَى إجعل الجسد مُروض وروحي وخاضع واجعله يسجد في الصلاة مرات وهو في الصباح كان صائم والآن واقف في الصلاة باعتدال ولا تستسلم لكسله فصار الجسد خادم للبِر ووسيلة أربح بها الملكوت صار الجسد وسيلة مجد وخلاص صار معي وليس ضدي لأن المسيح لما تجسد قدِّس الجسد روِّض نفسك للتقوى ﴿ أدرب نفسي ليكون لي دائماً ﴾ ( أع 24 : 16) . 2. إجتهِد :- لا تتخيل أن إرادتك تُشفَى من صلوة أو من لحظة لا هذه بداية لكن البداية لابد أن تُراعى وتُربَّى الآباء القديسون يقولون ﴿ إعطِ دماً لكي ما تأخذ روحاً ﴾ لكي تتقوى إرادتك المنهارة وتشعر برضى على نفسك أنك تفعل ما تريده هذا يحتاج تعب لما الإنسان دائماً لا يفعل ما يريده فيصير مُحبط وفاشل وفاقد هدفه وعدو الخير يحرِمه من أي بدايات وأي متعة ويسيطر عليه تماماً ويفقده مصداقيته ويُشعِره أنه وهو جالس مع نفسه جسده يقول له إنسى لن تستطيع أن تفعل أمر جيد أو تبدأ ما تعرفه كلام فقط إرادة ضعُفت جداً المُقعد ظل " 38 " سنة مُقعد أي نسى السِير الذي يظل فترة شهر لا يُحرك رِجله عندما يبدأ السِير نفسياً يخاف لأنه لا يثِق في رِجله ويسير بعَرج فما بال الذي كان مُقعد " 38 " سنة ؟ مهما كانت قيود الخطية الله قادر أن يجعلها لا شئ إتعب دائماً وليس يوم أو اثنين لابد أن يكون عندك مبدأ التعب في حياتك لأن أي شئ مفيد لن تناله بدون تعب ﴿ الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالإبتهاج ﴾ ( مز 125 – من مزامير الغروب ) كيف أجني ثمر بدون أن أزرع أو أتعب ؟ مثل شخص عاد لزوجته في نهاية اليوم حزين يقول لها كل الناس أرضهم أثمرت قمح كثير إلاَّ نحن فسألته هل زرعت أنت قمح ؟ أجابها لا فقالت كيف تجني قمح دون أن تزرعه ما جناه الناس كان تعب عام كامل إتعب واجتهد لكي تشفي إرادتك لابد أن تُنميها وتُروضها وتُعلِّمها الخضوع للنعمة لأنه شئ طبيعي أن يخلق الله الجسد بهذه الطبيعة لكي يكون وسيلة الحياة الأرضية لكي يقوتك ويتعب ويعمل ووضع فيه هذه الميول ليكون سبب المحافظة على حياتك كون أن الجسد صار محصور في هذه الميول الأرضية فهذا يحتاج منك أن تجذبه إتعب التعب لذيذ تخيل شخص يدرب جسده فيتقوى يفرح ويشعر بالرضى .. هكذا لما تروض جسدك لميولك الروحية وتنمو روحياً تشعر بالرضى ليس رِضى من ذاتك بل لأن الله عمل فيك إتعب القديس العظيم أبو مقار قال ﴿ أخبروني عن بطَّال جمع مال أي بطَّال جمع مال وأي عطَّال ثروته لم تنفذ ﴾ لذلك لابد أن يكون جسدك عمَّال أي مداوم على التعب ليصل لدرجة مثل القديس بولا الطموهي الذي من شدة التعب والنسك صار جسده يابس كورقة الشجر حتى أن المسيح ظهر له وقال ﴿ كفاك تعباً يا حبيبي بولا ﴾ تخيل ؟ حتى أنه قال للمسيح ﴿ ماذا يكون تعبي أمام تعبك ومحبتك ودمك الذي سفكته من أجلي ﴾ من أكثر الأمور التي تُضعِف الإرادة الكسل جيلنا كسول لأن كل وسائل الراحة بجانبه كل الأمور يحركها بالريموت فهذا جعلهُ كسول الكسل الجسدي أثَّر على الحياة الروحية وصار الإنسان يريد أن يصلي بالريموت الريموت والسيارة والتكييف وجعل الإنسان كسول جداً والكسول لن يعطي ثمر روحي الآباء القديسين يقولون عن الراهب المجاهد الراهب العمَّال أي لا يتوقف عن العمل كن عمَّال ولا تنتظر بركات تهبِط عليك من السماء وأنت مُستلقي على ظهرك لا لابد أن تتعب وتجاهد وتصوم يُقال عن القديسين مكسيموس ودوماديوس أنهما لم ينامان قبل أن يغلبهما النوم أثناء صلاتهما لذلك يُقال إحذر أن تطاوع احتياجاتك بل اضبُطها كي تشفي إرادتك لا تطيع الجسد في طعام أو كلام بل فكَّر قبل أن تتكلم كما كان ينصح البابا كيرلس السادس أن تفكر في كلامك قبل أن تقوله هذا أمر ليس بسهل لأن الإنسان مُندفع يريد أن يتكلم ويُثبِت نفسه إذاً الأمر محتاج تدريب ﴿ لا تأكل إلاَّ إذا جعت ولا تنام إلاَّ إذا نعِست ﴾ إذاً الأمر محتاج تدريب ﴿ ولا تتكلم إلاَّ إذا سُؤِلت ﴾ أُناس ضبطت نفسها تمام يُقال أن 60 % من طعامنا غير ضروري ولا نحتاجه أي ممكن نعيش بـ 40 % مما نأكله بينما نحن نأكل أثناء الترفيه وعندما نعود للبيت نتعشى لما تدخل فِراشك وأنت بك طاقة أنت أعطيت عدو الخير مجال خصب لا تتكلم إلاَّ إذا سُؤِلت هذه مبادئ ممكن تكون عالية علينا لكن على الأقل كُل عندما تبدأ تشعر بالجوع لا تنام وأنت مملوء طاقة عالية لأن هذا معناه أنك لم تستثمِر طاقتك أثناء اليوم وأكلت كثيراً وإن سهرت فهل عملت عمل مفيد قِف مع نفسك وقفات . 3. إستمِر :- إن أردت أن تتقوى إرادتك خذ لنفسك هدف إسعى إليه واستمر مشكلتنا أننا سمعنا عظة وفرحنا بها نعود لمنزلنا نصلي هذه إرادة رائعة لكن هذا لا يُغيِّر الذي يُغيِّر الإستمرارالإنسان كيان مُرَّكب مُعقَّد ميول وعقل واتجاهات وجسد وعواطف لكي يخلُص هذا الكيان محتاج متابعة واستمرارلكي يتخلَّص هذا الكيان من ارتباطات محتاج قرارات ونعمة واستمرار لأن الخطايا لن تقف وجسدي مستمر إذاً العوامل الخارجية مستمرة إذاً عوامل التقوية لابد أن تكون مستمرة ربنا خلقنا كائن جائع محتاج للطعام دائماً هكذا روحياتي محتاجة تغذية دائماً الإستمرار لكي تشفي إرادتك يوجد علاج لكن أستمر فيه نحن كمصريين لدينا طبع عدم الإستمرار في أي أمر لو شخص لديه نظام تخسيس يقول له يوم حُر في الشهر لكنه يأخذ الشهر كله حُر لا الأمر محتاج استمراروالنتيجة تنالها بعد فترة طويلة الآباء يعطونا تدريب يقولون خذ تدريب ولو بسيط واستمر عليه أربعين يوم مثلاً نتفق على صلاة عشرة دقائق صباحاً وعشرون دقيقة مساءً إصحاحين في الإنجيل وتناول مرة في الأسبوع إستمِر أربعين يوم متواصل الأربعين يوم التالية ستتذوق هذا التدريب بمذاق آخر والمسيح يضمن ذلك والنعمة تضمن ذلك الكنيسة تجعلنا نصوم أربعين يوم رقم " 40 " هي حاصل ضرب 4 * 10 رقم " 4 " رقم أرضي جهات الأرض الأربعة و"10 " رقم سماوي وهو نهاية الأرقام أي رقم " 40 " هو عمل أرضي أنال به فضيلة سماوية يتحد الأرضي مع السماوي في الأربعين أنت إثبت على أربعين يوم بشرط لو تكاسلت يوم إخصِم عشرة أيام من التدريب إن أردت أن تقتني فضيلة إثبت تجد نفسك في أول أربعين يوم تتعوَّد الصلاة تقول لكني لا أفهم ولا أشعر بالصلاة لكن استمر ووعد من نعمة الله والكتاب المقدس أنك لن تقف للصلاة أربعين يوم بأمانة دون أن تنال نعمة إستمر وستجد الأربعين يوم التالية لها مذاق آخر الأول تتذوق صلاة الشفتين ثم تتذوق صلاة العقل ثم صلاة القلب ثم صلاة الروح وبعد ذلك ؟ ليس هناك حدود إستمِر ربنا يسوع صام أربعين يوم والفترة من القيامة للصعود أربعين يوم وخدم أربعين شهر وعاش على الأرض أربعمائة شهر موسى النبي ظل أربعين يوم والشعب ظل في البرية أربعين سنة حياتك فترة غُربة على الأرض إقضيها أربعينات ستجد الله يصعد بك وإرادتك تُشفَى وتكون نموذج إرادة مقدسة تشفي إرادات أخرى كيف أُشفَى ؟ أبدأ بصلاة وأعمال روحية وأجتهد وأستمِر سأجد إرادتي تُشفَى يوم مع يوم بالنعمة الشافية ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين. القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك الأسكندرية
المزيد
17 نوفمبر 2018

ظَاهِرَةُ الانْتِحَارِ وَ"نَحْنُ"

أوردت وسائل الإعلام أخبارًا متكررة عن حالات انتحار Suicide دامية ومحزنة، وهي مدخلي في البحث حول النهاية التي انتهت إليها هذه النفوس، حيث أن مجد الله في خليقته ولذَّته في بني آدم، وحيث أن حياة الإنسان هي لرؤية الله ونوال هباته المجانية الممنوحة من عند محب البشر الصالح؛ الذي أوصى كل حي، كي يختار الحياة ليحيا بالروح والحق؛ متجليًا بالجمال الإلهي. أما الانتحار فهو قتل الإنسان لنفسه عمدًا وذاتيًا ليُنهي حياته بإختياره، من حيث يدري أو لا يدري. وهي عملية تدمير متعمد للحياة التي هي هبة من الله وآتية من عنده، والتي تقع في فَلَك ومدار قدرته، كونها عطيته، وقد صار الإنسان وكيلاً لها، يتحمل مسئولية الحفاظ عليها؛ لأنها ليست ملكًا له؛ بل لله الخالق الذي أعطاه إياها، وجبله على غير فساد، على صورته ومثاله الإلهي الأقدس. مسيحنا هو سيد الحياة والموت، ومعه وحده مفاتيح الدهور والهاوية والأزمنة، وله وحده؛ وليس لملكه انقضاء. لذلك إهلاك الكيان المخلوق بواسطة الانتحار، هو تمرد في وجه الله الخالق المخلص، وهو ينمّ عن انعدام الإيمان بالعناية الربانية ، لهذا يُعد الانتحار تعبيرًا صارخًا عن التجديف وجحد الإيمان ومرارة اليأس المشابهة لموت يهوذا. ويقول أحد اللاهوتيين عن المنتحر بأنه "يهوذا الخائن الذي رفض الله والله رفضه"، لكنني في هذا الخصوص لا أقصد أبدًا أن استدعي مرارة الحدث وجسامة الفعل وبشاعته، بقدر ما أتجه نحو التوعية اللاهوتية الواجبة، والتي مُفادها أن الله يرفض كل من يقضي على حياته بنفسه، لأن "مَنْ خطئ إلى نفسه فمن يزكيه"؟!، وكل "من أساء إلى نفسه فإلى من يُحسن؟!" (بن سيراخ ١٠ : ٣٢ ، ١٤ : ٥). ووسط هذه الأجواء المشحونة عاطفيًا بالمشاهد الصعبة التي تكررت وتداولها الإعلام. أقول أين نحن من هؤلاء؟!! هل سيصبح الانتحار ظاهرة عندنا؟!! وكيف لم نصل إلي هؤلاء؟!! إنهم انتحروا لأنهم مرفوضون ومحتقَرون مهمَلون ومتروكون ومكروبون.. إنهم انتحروا لأننا لم نخبرهم بمعنى بشارة الحياة الأبدية، وبمسيح الخلاص والرجاء والشبع والسرور. انتحروا لأنهم لم يتعرفوا عمليًا على مُريح التعابى الذي يعطينا النجاح وينزع الغمّ من قلبنا والشر عن لحمنا (جا ١١ : ١٠) ويخلص إلى التمام... ما الذي أوصل هؤلاء إلى خيار الموت وإلى عدوَى وباء الانتحار الذي يستحوذ على الأدمغة؟!! ليتنا لا نكتفي بالتحسرات والتمنيات؛ بينما يبقى الظل معتمًا يخيم بعيدًا عن المعالجة الروحية والاجتماعية والنفسية والمادية. ليتنا ندين أنفسنا أولًا؛ لأن التشخيص هو طريقنا إلى العلاج الحق، فلا نقف في خانة القائل "أَحَارِسٌ أنا لأخي"؟! ومهما تعددت أسباب الانتحار التي يسمونها علميًا الآن ب "الانتحار الواعي"؛ سواء كانت أنانيات أو تشويش أو اكتئاب أو اعتلال النوافل العصبية أو الإحباطات والصدمات والعوارض، إلا أنه لا بُد أن يكون لدينا رعاية رحيمة وتعليم لاهوتي مشبع ووقائي، حتى لا يكون دور السامري الصالح غائبًا عن الحدث. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
16 نوفمبر 2018

حياة التسليم

من سفر الخروج (19 : 5 – 4) “أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِالْمِصْرِيِّينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ. فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ.”. أحب اليوم أن أكلمكم عن موضوع يدور كثيرا في أذهاننا وهو: حياة التسليم سوف أضع أمام حضراتكم بعض النقاط التي تساعدنا في حياة التسليم. الخط الأول: الثقة في الوعود الإلهية: فالله الذي وعد منذ أزمان كثيرة لا يكذب أبداً فهو ليس إنسان كي يكذب، كمنظر الذي نراه دائما للطفل الممسك فى يد أبيه في الشارع المزدحم ولا يبالي لمجرد الثقة أنه في يد أبيه ” يد الله “وعدو الخير يحاربنا كثيرًا لكي يضعف هذه الثقة أو كي ننساها … فالثقة في الوعود الإلهية هو الإيمان لكني أقصد من منظور الإنسان العادي إن معناه الثقة فيما قاله الله وهو الوعد.. و لعل أفضل مثال لنا هو قصة بطرس الرسول عندما قال للسيد المسيح : ” لقد تعبنا الليل كله … لكن على كلمتك ألقى الشبكة..” الثقة في وعد الله. الخط الثاني: الطاعة للرسائل الإلهية فالله في كل يوم لا يكف عن إرسال رسائل كثيرة عن طريق الآباء أو الأطفال أو الآباء بالجسد … لكن المهم مدى استجابة الإنسان لهذه الرسائل .. أفضل مثال لنا في الطاعة هو طاعة أبينا إبراهيم عندما استجاب لدعوة الله له .. فالله في كل صباح يرسل لنا رسائل جديدة “والشاطر هو من يستجيب لها” .. و يبقي السؤال كيف نستطيع أن نمارس الطاعة ؟ لقد أعطى الله كل واحد منا جهازا روحيا يتكون من : 1- العين : كلنا نعرف جيدا الآية التي تتكرر علينا كثيرا ” إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً” فالعين يقصد بها البساطة وأن نرى الأمور بسيطة. 2- الأذن : الآية المتكررة في سفر الرؤيا ” من له أذن للسمع فليسمع ما يقوله الروح ” يقصد بها السلامة بمعنى ألا يدخل إلى أذنه ما يجعله يضطرب . 3- القلب : يقول الكتاب ” طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله ” المقصود به النقاوة . الخط الثالث : الرضا النفسي: بمعنى الرضا بالخطة التي وضعها الله له فكل إنسان خلقه الله في الحياة له مسار ومسيرة ودور فى الحياة لأن الله يختار لنا أفضل الاختيارات لأنها أيضاً تقوم على ثلاثة مبادىء : 1 – أنه محب للبشر : الله خلق الإنسان لأنه يحبه و هذه المحبة دائمة و شاملة حتى وهو في الخطية. 2 – أنه صانع خيرات : أنه يصنع الخير لكل إنسان .. فكل ما يصنعه الله على وجه الأرض هو لخيرك. 3 – أنه ضابط الكل : في يده كل شيء هو يضبط كل شيء من حولك. هذه الثقة التى منحها الله لنا هي التي تجعلنا نشعر بالرضا .. إن كنت تتذمر وتنظر إلى الأمور بالمنظور السلبي فاعلم أن هناك شيء خاطئ في حياتك. من هذه الرؤي في حياة التسليم ننتقل إلى البعد الثاني في هذه الحياة، وهي أبعاد حياة التسليم: 1- البعد الأول : تنشعل بكل نفس في حياة التسليم الله يريد أن ننشغل بالنفوس. على مستوى الأسرة نسميه التربية. وعلى مستوى الكنيسة نسميه الخدمة. وعلى مستوى المجتمع نسميه العمل المجتمعي. وانشغالنا بالنفوس المقصود به البشر فالبشر هم الثروة الحقيقية فالثروة ليست في الأمور المادية أو المباني .. وهو ما أطلق عليه القديس يوحنا ذهبي الفم ” هواية خلاص النفوس” . 2- البعد الثاني : تستر كل ضعف ينبغي لك بينما تعيش في حياة التسليم أن تستر على كل ضعف وهذا عكس ما يحدث في مجتمعات العالم بصفة عامة .. الذي يعيش حياة التسليم يتعلم أن يستر لكي ينمو في هذه الحياة ولهذا السبب نرى أن كنيستنا تعلمنا في الصلوات “نشكرك لأنك سترتنا وأعنتنا … إلخ” . 3- البعد الثالث : تكمل كل نفص يجب على الإنسان أن يسعى إلى تكميل كل نقص في مجتمعه لأن من يعرف أن يعمل حسناً و لا يعمل فذلك خطية .. فالذي يعيش حياة التسليم يسعى إلى تكميل كل نقص لكل إنسان يعيش معه لأنه واثق أن الله سيكمل معه. فالذي يعيش حياة التسليم يخلص النفوس ويستر على الآخرين ويسعى إلى تكميل كل نقص في من حوله . إن أردت أن تعيش أيها الإنسان حياتك بهدوء وسلام فعليك أن تعيش في هذه الحياة بهذا الفكر. و المجد لله دائما آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل