المقالات
10 مايو 2024
قيامة المسيح
عيد القيامة هو العيد الأول في مسيحيتنا فلولا القيامة ما كانت المسيحية ولا كانت كنيسة ولا كان كتاب مقدس ولا كانت صلوات ولا كان أي شيء في الغرب يسمون عيد القيامة Easter والكلمة مشتقة من East وتعني الشرق فهو عيد مشرقي، يشرق على البشرية جميعًا ونحتفل به كما حدث في التاريخ يوم الأحد، ويوم الأحد كما نعرفSunday هو يوم النور وهذا العيد لا نحتفل به يوما واحدا، ولكن حسب الطقس الكنسي تحتفل به لمدة خمسين يوما ونعتبر أن هذه الخمسين يوما يوم أحد طويل الكنيسة تصلي فيها بنغمة الفرح، حتى صلوات الجنازات نصلي بها بنغمات الفرح القيامة في معناها المختصر هي عبور ، عبور من حالة الموت إلى حالة الحياة وهي عبور أيضًا من حالة الخطية إلى حالة البر يا إخوتي الأحباء إن كنا نحتفل بعيد القيامة من الموت فيوجد أموات في الفكر، وأموات في الروح، وأموات في الرجاء بعض الناس هم أموات في الفكر، والفكر الميت هو الفكر الحرفي أو الفكر الناموسي، وهو الفكر الذي لا يفكر، هو إنسان لكن لا يفكر ! ربما أقرب مثال إلينا في الكتاب المقدس هو شاول الطرسوسي كان إنسانا يهوديًا فريسيا متعصبا ، وكان متعلما تعليمًا راقيًا، وكان يفتخر أنه تعلم عند قدمي غمالائيل أشهر معملي اليهود في زمانه، لكن للأسف كان فكره مينا ، فكان يضطهد كنيسة الله بإفراط ولكن الله لم يشأ أن يتركه، ففي الوقت المناسب ظهر له السيد المسيح وهو مسافر على طريق دمشق وتبدل الحال تماما ، وقام من هذا الفكر الميت، وصار شاول الطرسوسي هو القديس العظيم بولس الرسول وصارت له قامة روحية عالية لأنه قام من موت الفكر الإنسان الميت في الروح هو الذي يعيش في الترابيات والأرض ولا يرفع نظره للسماء أبدا هذا الإنسان الميت في الروح ينطبق عليه قول الكتاب: «أنا عارف أعمالك ، أن لك اسمًا أنَّكَ حَيَّ وأَنتَ مَيت» (رؤيا 3: ۱)، بين الناس لك اسم أنك حتي ولكن الله يقول لك إنك في نظري ميت أحد الأمثلة في الكتاب المقدس لذلك هو زكا العشار كان إنسانا يهوديا يعمل عشارًا أي جابيًا للضرائب وكان كل عالمه في المال، وبسبب هذا المال ظلم الكثيرين، وكان جشعًا وعدوانيًا لأنه كان يسلم الذين يرفضون دفع الضرائب للسلطات الرومانية وعندما يتقابل زكا مع السيد المسيح يتبدل الحال، ويتحوّل زكا الذي كان ممسكًا بماله أو بمعنى أدق المال هو الذي كان يمسكه ويقيده، ويعلن أمام السيد المسيح أن نصف أمواله للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد له أربعه أضعاف ويتخلى عن المال ويتحوّل إلى إنسان قديس وبار، أو على الأقل إنسان قائم من موت الروح نوع آخر من الأموات هم الأموات في الرجاء وهؤلاء البشر الذين ليس لهم رجاء لا أدري كيف يحيون ؟! وهؤلاء تمثلهم في قصة القيامة رجاء، عالمها هو عالم الخطية؛ ولكن عندما تقابلت مع السيد المسيح وأخرج منها شياطين الخطية ثابت وقامت وصار لها رجاء، وأعطاها المسيح أن تكون أول مبشرة بقيامته، فهي التي نقلت خبر القيامة إلى سائر التلاميذ.
كان الإنسان قبل القيامة عندما يموت، يموت في الأرض وتنتهي سيرته ليس أمامه فردوس، فالفردوس مغلق أمامه منذ سقطة آدم الأولى أما بالقيامة فقد انفتح الباب ، وصار الإنسان لا يعرف المستحيل، وغير المتسطاع عند الناس مستطاع عند الله الذي لا يعسر عليه شيء فالقيامة تعطي للإنسان أن مستقبله فيه باب مفتوح أحيانا يعيش الإنسان ويشعر أن المستقبل مغلق، ولكن الإحساس والشعور بالقيامة يعطي أملاً ويعطي الباب المفتوح أمام الإنسان القيامة أيضًا تمنح الإنسان فرحا بعد الحزن كان التلاميذ يعيشون في حزن فقد طلب السيد المسيح معلمهم أمامهم، ولكن عندما قام السيد المسيح في يوم الأحد لم يترك تلاميذه حزاني بل أعطاهم فرحا لذلك فكل يوم جمعة الذي هو تذكار الصليب له يوم أحد(تذكار القيامة)لا تعلمنا القيامة فقط أنه لا مستحيل، وتعطينا بعد الفرح في حياتنا بل هي تعطينا أيضا نوعا من الرجاء ضد اليأس.يُصاب الإنسان أحيانًا في حياته اليومية بالإحباط أو اليأس، ولكن في القيامة ينفتح باب الرجاء والنصرة أمام الإنسان، فالله ضابط الكل هو الذي يقود هذا العالم، وكل الخليقة ممسوكة في يد الله، ولذلك على الدوام يوجد الرجاء ويوجد الأمل الله لا يترك خليقته أبدا، فهو يعتني بالإنسان أينما كان ، الأمر الوحيد الذي لا يريده الله في الإنسان هو الخطية، لذلك إن قام الإنسان من خطيته سيجد يد الله الحانية تنظر إليه وتعينه القيامة فرح نعبر عليه في حياتنا في صلواتنا الصباحية ونعبر عليه في كل أسبوع في يوم الأحد ونعبر عليه أيضًا في الشهور القبطية في يوم ۲۹ من الشهر القبطي حيث نحتفل بالقيامة ونعبر عنه سنويا في فترة الخماسين التي تمتد الي خمسين يوما بعد عيد القيامة هذه القيامة التي نحتفل بها في هذه الليلة المباركة نفرح وتمتلئ قلوبنا بالفرح ويزداد فرحنا بحضور كل الأحباء ومشاركتهم معنا المشاركات التي تجمعنا سويًا في مناسباتنا الدينية والاجتماعية والقومية وهذه المشاركة التي يمكن أن نسميها المشاركة المصرية الدافئة هي التي تجمعنا جميعا في كل هذه المناسبات .لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
09 مايو 2024
بدعة الغنوسية
أثر الغنوسية ظاهراً في التعاليم التي سبقت كلها. واللفظ اليوناني غنوسيس Gnosis معناه المعرفة والحكمة. والغنوسية محاولة فلسفية دينية لتفسير الشر والخلاص منه. والغنوسيون يقولون بإله أعلى لا يدرك صدرت عنه أرواح سموها أيونات وأراكنة. وهه صدرت زوجاً فزوجاً ذكراً وأنثى فتضاءلت في الألوهية كلما ابتعدت عن مصدرها الإله الأعلى. وقالوا أن أحد هذه الأركنة أراد أن يرتفع إلى مقام الإله الأعلى فطرد من العالم المعقول. ثم أضافوا أنه صدر عن هذا الأركون الخاطئ أرواح شريرة مثله وصدر العالم المحسوس الذي لم يكن ليوجد لولا الخطيئة. فهوا والخالة هذه عالم شرّ ونقص بصانعه وبالمادة المصنوع منها. وقالوا أيضاً أن هذا الأركون الخاطئ حبس النفوس البشرية في أجسامها فكوَّن الإنسان وأن هذه النفوس تتوق إلى الخلاص وأن الناجين قليل لأن الناس طوائف ثلاث متمايزة:
طائفة أولى تشمل الروحيين الذين هم من أصل إلهي وهم الغنوسيون صفوة البشر
طائفة ثانية تتألف من الماديين الذين لا يمكنهم الصعود فوق العالم السفلي.
طائفة ثالثة تجمع الحيوانيين الذين قدّر لهم الارتفاع والسقوط. النجاة والهلاك. واختلفوا في وسيلة النجاة فمنهم من قهر الجسم وطرح كل ما يثقل النفس ويمنعها من الوصول إلى المقر الذي هبطت منه ومنهم من قال بدناءة الجسم فأطلق العنان للشهوة وعظموا الفراغ بين الإله الأعلى والعالم وخشوا استحالة رجوع النفوس إلى هذا الإله فقالوا بايونات تصدر عن الإله الأعلى ووجدوا فيها سلسلة من الوسطاء بين الأنفس والإله الأعلى. فإذا ما حاولت الأنفس الاجتياز من عالمها السفلي إلى العلوي قالت "كلمة السرّ" لكل ايون تصادفه وتحولت إلى صورته. وكان القول بالوسطاء شائعاً فسماهم البعض مثلاً أخذاً عن الأفلاطونية ودعاهم البعض الآخر "كلمات" أي القوى الطبيعية الكبرى بموجب الفلسفة الرواقية. وسماهم فيلون اليهودي "الملائكة" وغيره عبّر عنهم ب "الجن" وأتباع الفكر الغنوس هم أكثر الناس الذي أخذوا يؤلفون أناجيل منحولة ما بين منتصف القرن الثاني حتى القرن الثالث.
البدعة الغنوصية (الغنوسية أو الغنوسطية)
تبلور الفكر الدوسيتي إلى فكر الغنوسية وأصبح هو محور الفلسفة الغنوسية الرئيسى
البدعة (الهرطقة) الغنوصية / العارفين بالرب
مخطوط رقم - 2 في المجموعة الغنوسية (مذهب المعرفة الروحية) والتي تضم 13 مخطوطا أو جزءا، وتجمع بين المسيحية والفلسفة الغنوسية. وهي تحمل الدليل الوحيد في الدنيا على وجود هذا المذهب. ويضم المخطوط أيضا كتابين مشكوك في صحة نسبتهما، وهما: إنجيل مريم وإنجيل توما. وتحتوي هذه البردية أيضا على نقوش تمثل عددا من التويجات التي تشبه زخارف مضفرة (مجدولة) تعد هذه النقوش أقدم نموذج لمثل هذه الزخارف في المخطوطات القبطية. والمخطوط مكتوب بالقبطية، كل صفحة تحتوى على 34 سطرا مدونا.
الأبعاد
العرض 14.5 سم
الطول 28 سم
أسم الغنوسية يعنى المعرفة أو البصيرة
كلمة "غنوص" gn?sis، التى أطلقت على هذه الطائفة هى كلمة اليونانية تعنى "معرفة" أو "بصيرة"، وأُطلِقَ هذا الإسم على طائفة دينية لها فكر فلسفى ليس لها تنظيم معين ازدهرتْ في القرنين الأول والثاني للميلاد وخاصة فى مصر حتى عصر أثناسيوس الرسولى، وكانت الإسكندرية بمصر أهم مراكز الغنوصية أو الغنوسية فقد عثر على كتاباتهم من ضمن مخطوطات نجع حمادى الشهية (الصورة الجانبية أحدى أوراق مجموعة نجع حمادى) (1) والغنوصية كلمة يونانية تعني المعرفة أو الحكمة وقد اطلقت الجرائد التى تصدر فى مصر عن هذه الفئة الغنوسية أسم " العارفين بالله"
المذهب أو البدعة الغنوسية المصرية
يقول القس منسى يوحنا تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا طبع مكتبة المحبة سنة 1982 م الطبعة الثالثة ص 23 الغنوسطية أى مذهب التوليد وقد نشأت فى فلسطين أو سوريا عند ظهور الدين المسيحى، ولم يكن مذهب الغنوسطيين إلا خلط ما بين المسيحية والأديان الوثنية القديمة، وأنشأوا له مدرسة فى الأسكندرية فى أوائل القرن الثانى الميلادى وأعتنقة بعض المصريين، ولكن الغنوسطية المصرية كانت تختلف عن الغنوسطية الأسيوية فقد أعتقد المصريون أن المادة أبدية وحيوية أيضاً، وكانوا يعتقدون أن المسيح هو شخصان .. الأنسان يسوع وابن الله أو المسيح - فالمسيح الشخص الإلهى زعموا أنه دخل فى يسوع الإنسان حين أعتمد من يوحنا وتركه حين قبض عليه اليهود وكانوا يعتقدون أن للمسيح جسداً حقيقياً لا وهمياً مع أنهم لم يتفقوا على ذلك، ووضعوا شرائع أخرى تبيح بفساد أميال البشر، وقد أنقرضت هذه البدعة أو الهرطقة فى أواخر القرن السادس .
لماذا درس عالم ألمانى الغنوسية؟
أشتهرت الهرطقة أو البدعة الغنوصية بعد قام البروفيسور كورت رودولف وهو من من أبرز العلماء الألمان الذين اهتموا بتاريخ الأديان وفلسفتها بعد كتب عدة كتب منها كتابه الشهير "الغنوصية: طبيعة وتاريخ الغنوصية" (الترجمة الانكليزية 1987), و الكتب الأخرى هى كتاب "المندائيون" (بالألمانية 1960-1961 في مجلدين), وكتاب آخر بالانكليزية عن المندائيين (لايدن 1978) ومن المعروف ان البروفيسور كورت رودولف قام بالتدريس فى جامعات أميركية عديدة كما شغل منصب بروفيسور في جامعة فيليبس في مدينة ماربورغ الألمانية قبل تقاعده .، وقام ايضاً بترجمة أحد كتبهم الدينية "ديوان نهرواثا" (أي ديوان الأنهر, برلين 1982). وأصبح البروفيسور كورت رودولف عضوا فخرياً مدى الحياة في الاتحاد الدولي لتاريخ الأديان ويرجع إهتمام البروفيسور كورت رودولف بالغنوصية لأنه كان لها علاقة بالمعرفة الخاصة بأصل النفس البشرية وبكيفية عودة النفس الى عالم النور . ويعتقد أن الأقباط وهراطقة مسيحيين آخرين قاموا بنسخ مخطوطات الغنوصيين فى القرون اللاحقة لهذا السبب بعينه، وقد تأثرت فئات أو مجموعات من البشر بالأفكار الغنوصية تعود الى القرن الأول الميلادي, ويرجح بعض المؤرخين إلى أنها كانت موجودة في فترات أقدم, لكن بالتأكيد عاشت هذه الجماعات عصرها الذهبي في القرنين الثاني والثالث الميلاديين.
الفلسفة الغنوسية
وفكر الغنوصية هو فى الأصل خليط من أفكار مسيحية ويهودية وإغريقية وثنية، . فالثقافة اليونانية الغربية القديمة التى كانت قبل المسيحية تمازجت بالمصرية الشرقية . هذه الجماعات أنتشرت وعاشت في مناطق متفرقة من مصر، وكان يقودها أسقف بتنظيم صارم كالبابا، وعندما كان هؤلاء الغنوصيين يعيشون فى مجموعات قليلة متفرقة كان يراسهم كاهن وكان كثير من الغنوصيين من النساك ويؤكد بعض المؤرخون أن الغنوصية هى خليط من فكر فارس? وحكمة مصر والفلسفة الأفلاطونية يقوم الفكر الفلسفى على التأمل وتجيب الغنوسية على: " الأسئلة الأساسية عن الوجود أو عن "الوجود–في–العالم" Dasein، بمعنى: مَن نحن (كبشر)؟ .. من أين أتينا؟ .. إلى أين نتَّجه؟ – تاريخيًّا وروحيًّا "
الغنوسية تجيب من أين أتينا؟
العالم – الكون المادي – وفقًا للغنوصيين، هو نتيجة لخطأ أصلي من جانب الكائن فوق الكوني، السامي الألوهية، الذي عادة ما يُطلَق عليه اسمُ صوفيا (الحكمة) التى هى "الكلمة" Logos. هذا الكائن يوصف باعتباره الفيض الأخير لتراتبية إلهية، تُدعى "الملأ الأعلى" Pl?r?ma أو "الكمال"، على رأسها يقيم الإلهُ الأسمى، الواحد المتعالي على الوجود. خطأ صوفيا – الذي يوصف كرغبة طائشة في معرفة الإله المتعالي – أدَّى إلى "أقْنَمَة" [= تحويل إلى أقنوم] رغبتها على هيئة مخلوق نصف إلهي، جاهل أساسًا، عُرِفَ بالديميورغوس (من الإغريقية: D?miourgos، "الباري")، أو يلضباؤوث Ialdabaoth، هو المسؤول عن تكوين الكون المادي. هذه الصنعة الماهرة هي في الواقع محاكاة لعالم الملأ الأعلى؛ لكن الديميورغوس يجهل ذلك ويُعلِن نفسه بكلِّ اعتداد بوصفه الإله الأوحد الموجود. عند هذه النقطة، يبدأ النقد التنقيحي الغنوصي للكتب المقدسة اليهودية، كما يبدأ الرفض العام لهذا العالم بوصفه نتاجًا للخطأ والجهل، ويبدأ افتراض وجود عالم أعلى تعود إليه النفسُ الإنسانية في المآل.
مَن نحن؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تتضمن تعليلاً (الكلمة) لطبيعة النفس psukh? ؛ ومحاولةُ تقديم إجابة عن هذا السؤال أطلق عليها "علم النفس" أو ممارسته فى العصر الحديث – وهو يقدم تعليلاً للنفس أو الذهن psukh? في اللغة اليونانية القديمة، كلمة تطلق على معنيين فى آن واحد الأول على النفس، كمبدأ الحياة، ويطلق أيضاص على الذهن، كمبدأ العقل لقد ميَّز كارل يونغ – اعتمادًا على النظريات الغنوصية الأسطورية – الوعي الموجَّه موضوعيًّا بالجزء المادي أو "الجسدي" من الجنس البشري – أي، بحسب الغنوصيين، ذلك الجزء من الإنسان المشدودَ إلى الدورة الكونية للكون والفساد والخاضع لقيود الجَبْر والزمن إن الإنسان الذي يتماهى مع العالم الموجود موضوعيًّا يؤوْل إلى بناء شخصية أو حسٍّ ب"ذات"، فيكون، من حيث الأساس، متكلاً كليًّا على البُنى المتغيِّرة أبدًا للوجود الزمني. وما ينجم عن ذلك من انعدام أيِّ حسٍّ بالديمومة وبالاستقلالية يؤدي بمثل هذا الفرد إلى اختبار القلق بأنواعه كافة، وفي المآل، إلى الانصراف عن النماذج السرَّانية ذات المغزى الجمعي للوجود الإنساني لصالح الانكفاء على سياق ذاتي شخصي وخانق، تستهلك الحياةُ نفسَها في إطاره دون الرجوع إلى أيِّ مخطط أو نظام أوسع. والقنوط والإلحاد واليأس هي نواتج حياة كهذه.
ما هى الذات
ليست الذات المبنية زمنيًّا هي الذات الحقيقية: الذات الحقيقية das Selbst هي الوعي الأسمى الموجود والمتواصل فيما يتعدى كلَّ زمان ومكان الذي أطلق عليه يونغ اسم الوعي المحض أو الذات، في تمييز قاطع له عن "وعي الأنيَّة"، الذي هو الصورة المبنية والمحافَظ عليها زمنيًّا للوجود المنفصل أما أهم تعاليم الغنوصية فهي أنها كانت تُعلِّم بوجود نوعين من الألوهية:
وهذا الشكل الأخير للوعي "الدنيوي" طابَق الغنوصيون بينه وبين النفس psukh?، بينما طابَقوا بين الذات أو الوعي المحض وبين الروح pneuma – بمعنى العقل المنعتق من سياقه وقيوده الزمنية. ولقد كان لهذا التمييز دورٌ هام في الفكر الغنوصي؛ وقد أخذ به القديس بولس، بصفةٍ أخص في مذهبه في القيامة الروحية (الرسالة الأولى إلى الكورنثيين 15: 44). والأساس النفساني أو التجريبي لهذا الرأي، هو الإقرار بعجز العقل البشري عن تحقيق مساعيه العظمى مادام خاضعًا للقانون وللنظام الصارم لكوسموس لامبالٍ ومتعالٍ. إن التمييز بين الروح والنفس (الذي يُترجَم إلى التمييز الأكثر أساسية بين العقل والجسم، وربما يحتِّم هذا التمييز أصلاً) يعيِّن بداية موقف مُسْتَعْلٍ ومخلِّصي تجاه الكوسموس والوجود الزمني بصفة عامة.
وجود الإنسان
تتضمن الخبرة الأساسية للوجود التي وصفتْها الفلسفةُ التي تُعْرَف الآن ب"الوجودية" شعورًا عامًّا بالعزلة والهَجْر Geworfenheit، أي "الانقذاف" في/إلى عالم لا ينصاع لرغبات الإنسان الأصلية (راجع: جوناس، ص 336). إن الاعتراف بأن رغبة الإنسان الأولى أو الأولية هي في تحقيق أو ترسيخ ذات أو "أنا" عيانية (فرد مستقلٍّ ومنفصل موجود ومستمر وسط فيض "الواقع" الزمني والخارجي وجريانه) يؤدي إلى إدراكٍ مزعج بأن العالم ليس متجانسًا مع الكائن البشري؛ إذ إن هذا العالم (على ما يبدو) يتبع مسلكه الخاص – المسلك المخطَّط له والمحرَّك مسبقًا قبل مجيء الوعي البشري بوقت طويل. لا بل إن النشاط الأساسي للإنسان – أي تحقيق ذات مستقلة ضمن العالم – يُنفَّذ على تضادٍّ مع سلطان أو "إرادة" (قوة الطبيعة) يبدو وكأنها تُحبِطُ هذا المسعى الإنساني بامتياز أو تُفسِده على الدوام، بما يقود إلى الإقرار بوجود قدرة مضادة للإنسان، وبالتالي مضادة للعقل؛ وهذه القدرة، بما أنها فاعلة على ما يبدو، موجودة حتمًا. غير أن حقيقة أن فعل تلك القدرة لا يتجلَّى كاتصال بين الإنسانية والطبيعة (أو الموضوعية المحضة)، بل بالحري كسيرورة ميكانيكية للضرورة العمياء، في معزل عن المسعى البشري، تضع الكائن الإنساني في مقام أعلى. إذ على الرغم من أن قوة الطبيعة قد تمحق موجودًا فرديًّا بشريًّا ما محقًا اعتباطيًّا بالسهولة ذاتها التي توجِده بها، فإن هذه القوة الطبيعية ليست واعية بنشاطها. أما العقل البشري، فهو على العكس، واعٍ بما يفعل. وبهذا تحدث فجوةٌ أو صَدْع – كنتاج للانعكاس – قد يتمكَّن الإنسانُ من خلاله أن يوجِّه نفسه، لبرهة وجيزة، مع ونحو العالم الذي يوجد فيه ويستمر. وقد وصف مارتن هيدغِّر تلك البرهة الوجيزة من التوجُّه مع العالم وفيه (نحوه) بوصفها "رعاية" Sorge، هي دومًا رعاية واهتمام ب "اللحظة" Augenblick التي يحدث فيها كلُّ وجود. وهذه "الرعاية" ["الإنسان هو راعي الوجود"] تُفهَم بوصفها نتاجًا لإقرار الإنسانية بحتمية كينونتها نحو الموت لكن هذا التوجُّه لا يكتمل أبدًا، من حيث إن النفس البشرية تكتشف أنها لا تستطيع تحقيق غايتها أو تحقُّقها التام ضمن الحدود التي وضعتْها الطبيعة. وفي حين أن الضرورة المقيِّدة للطبيعة هي حقيقة بسيطة غير قابلة للشكِّ في نَظَر الوجودي، فإنها، عند الغنوصيين، نتاجٌ لمخطَّطات خبيثة من وَضْع إله أدنى، هو الديميورغوس، تمَّ تنفيذُها عبر قانون هذا الإله الجاهل وبه. بعبارة أخرى، فإن الطبيعة، في نَظَر الوجودية الحديثة، لامبالية فقط، في حين أنها كانت عند الغنوصيين معادية بالفعل للمسعى الإنساني: "إن القانون الكوني، الذي كان معبودًا ذات مرة كتعبير عن عقل يمكن لعقل الإنسان أن يتواصل معه في فعل التعرُّف، لا يُرى في حالتنا هذه إلا في مظهره القسري الذي يُجهِض حرية الإنسان." (جوناس، ص 328). وبذلك يؤول الزمن والتاريخ إلى فهمهما كمنشأ للعقل البشري على الضدِّ من مفاهيم مثالية عبثية من نحو القانون nomos والنظام cosmos. المعرفة، من هذا المنطلق، تصير مسعى عيانيًّا – مهمة مخلِّصة للنفس يكلَّف بها الجنسُ البشري. والذات، إذ تعي نفسها، تكتشف كذلك أنها ليست ملكًا لنفسها حقًّا، بل هي بالحري أشبه ما تكون بالمنفِّذ اللاإرادي لمخطَّطات كونية. والمعرفة (الغنوص) قد تحرِّر الإنسان من هذه العبودية. ولكن، بما أن الكوسموس معاكِس للحياة وللروح، فإن المعرفة المُنجِيَة لا يمكن لها أن تهدف إلى الاندماج في الكلِّ الكوني وإلى الانصياع لقوانينه: "فعند الغنوصيين [...] لا بدَّ لغربة الإنسان عن العالم من أن تُعمَّق وتتسنَّم ذروتَها من أجل استخلاص الذات الباطنة التي لا يمكن لها أن تفوز بنفسها إلا على هذا النحو." (جوناس، ص 329) إذ ذاك يصير السؤال البيِّن "من أين جئنا؟" أكثر معقولية في محاذاة وضمن السؤال الأكثر دينامية "إلى أين نمضي؟"
التأويل
في سياق التفكير الإغريقي القديم، غالبًا ما تلازمتْ كلمةُ herm?neia (تأويل) مع كلمة tekhn? (فن)، فيما عُرَف بtekhn? herm?neutik?، أو "فن التأويل"، الذي ناقشه أرسطو في رسالته في التأويل Peri Herm?neias (باللاتينية: De Interpretatione). والتأويل، بحسب أرسطو، لا يقودنا إلى معرفة مباشرة لمعنى الأشياء، بل إلى مجرد فهمٍ للكيفية التي تؤوْل بها الأشياءُ إلى الظهور أمامنا، وبذلك يزوِّدنا بمنهاج إلى المعرفة التجريبية، إذا جاز التعبير: "علاوة على ذلك، يُعَدُّ الخطابُ تأويلاً لأن العبارة الخطابية إنما هي قبضٌ على التعبير المعنوي الحقيقي، وليست طائفة من الانطباعات المزعومة القادمة من الأشياء ذاتها." (بول ريكور، تعارُض التأويلات، 1974، ص 4) بهذا المعنى، يجوز أن نقول إن "فنَّ التأويل" طريقةٌ تاريخية بامتياز لفهم الواقع أو للتفاهم معه. بعبارة أخرى، بما أن "تعبيرنا" هو دومًا طرح، أي خروج من الأشكال أو النماذج الجاهزة للواقع باتجاه استعمال حيٍّ لتلك النماذج مع الحياة وفيها، إذ ذاك فإننا، بوصفنا كائنات إنسانية مستمرة في عالم الصيرورة، مسؤولون، في التحليل الأخير، ليس عن الحقائق الأبدية أو "الأشياء في ذاتها"، بل فقط عن الصور التي تتخذها تلك الأشياء ضمن سياق وجودٍ حيٍّ ومفكِّر. إذن، فالمعرفة أو الفهم لا يتناولان الأشياء السرمدية والأبدية في ذاتها، بل بالحري السيرورة التي تنكشف من خلالها الأشياءُ – أي الأفكار والموضوعات والأحداث والأشخاص إلخ – ضمن السيرورة الوجودية أو الأونطولوجية للصيرورة المعرفية. فالانتباه إلى السيرورة وإلى انبثاق المعنى يحدث على المستوى الاختباري الأكثر مباشرة للوجود البشري؛ وبالتالي فهو لا يتصف بأية صفة ميتافيزيقية. غير أن ولادة الميتافيزيقا قد تتعيَّن ضمن البِنية الأصلية أو الظاهرية للخبرة الأساسية "الخام"؛ إذ إن العقل البشري مفطور على تنظيم معطياته وترتيبها بحسب مبادئ عقلانية بيد أن السؤال الذي سينطرح حتمًا هو عن أصل اشتقاق تلك المبادئ العقلانية: أهي نتاج مشتق من العالم الظاهري للتجربة؟ أم أنها، على نحو ما، مستوطِنة للعقل البشري بما هو كذلك، وبالتالي أزلية؟ إذا اتخذنا السؤال الأول إجابةً نصل إلى الفينومينولوجيا، التي "تكتشف، بدلاً من ذات مثالية محبوسة ضمن منظومة من المعاني، كائنًا حيًّا اتخذ منذ الأزل عالَمًا – العالمَ – أفقًا لكلِّ مقاصده" (ريكور، ص 9). وبحسب الصياغة العامة المعاصرة أو "ما بعد الحداثية"، فإن مثل هذا "الكائن الحي" مقود دائمًا وفقط، بشكل مقصود، نحو عالَم أو فلك تعددي، حيث النشاط البشري نفسه يصير الهدف الأوحد للمعرفة، في معزل عن أية مُثُل أو ترسيمات ميتافيزيقية "متعالية". من جانب آخر، فإن الغنوصيين، الذين اشتغلوا ضمن السؤال الثاني وعليه وأعطوا عنه جوابًا إيجابيًّا – وإن يكن مشوبًا بشيء من الشاعرية الميثولوجية – يذهبون إلى أن المبادئ العقلانية، التي تبدو وكأنها مستمَدة من مجرد التَّماس مع الواقع المحسوس، تُعَدُّ تذكيرات بوجودٍ موحَّد هو إمكانية أبدية، مُتاحة لأيِّ فرد قادر على التسامي فوق عالم التجربة والسيرورة هذا – أي عالم التاريخ – لا بل على خَرْقه. وهذا "الاختراق" عبارة عن فعل موازنة النفس ضمن التاريخ وفيه، وعن توجيه النفس نحوه، بوصفه نَوَسانًا بين الماضي والحاضر، فيه يتمالك الفردُ نفسَه للأخذ بأحد خيارين: إما الخضوع لفيض وجريان وجود كوني خارج عن مركزه بالدرجة الأولى، أو الكفاح في سبيل إعادة الاندماج في الألوهة، التي يكاد ألا يستذكرها والتي هي أشد إبهامًا من الإدراكات المباشرة للواقع.
"إلى أين نمضي؟"
هذا التساؤل يقع في اللبِّ من التفسير الغنوصي؛ وهو بالفعل يلوِّن ويوجِّه سائر محاولات التوافق، ليس فقط مع العهد القديم اليهودي الذي مثَّل النصَّ الرئيسي الذي أعمل فيه الغنوصيون تأويلهم، بل مع الوجود بعامة أيضًا. إن المقترَب التأويلي المعياري، في كلا عصرنا الحالي وفي الأزمنة الهلينية المتأخرة، هو نهج التلقِّي – أي التعاطي مع نصوص من الماضي تعاطيًا يحكمُه، من جهة المؤوِّل، اعتقادٌ بأن هذه النصوص تنطوي على ما يمكن لنا أن نتعلَّمه. وسواء كنَّا نكافح من أجل تخطِّي "أحكامنا" وافتراضاتنا المسبقة، التي هي النتيجة الحتمية لانتمائنا إلى موروث معيَّن عن طريق الفعل التأويلي (غدامر)، أو كنَّا نسمح لأحكامنا المسبقة بتشكيل قراءتنا للنص، فإننا، من جراء فعل "استهتار إبداعي" (بلوم)، ما نزال نعترف، على نحو ما، بما ندين به للنصِّ الذي نتعاطى معه أو باتِّكالنا عليه. أما الغنوصيون، في قراءتهم للكتاب المقدس، فلم يعترفوا بمثل هذا الدَّيْن؛ إذ إنهم اعتقدوا بأن الكتاب العبري صُنِّف، بوحي من إله خالق أدنى d?miourgos، مليئًا بأكاذيبٍ القصد منها تشويش عقول وأحكام البشر الروحانيين pneumatikoi الذين عزم هذا الديميورغوس على استعبادهم في هذا الكوسموس المادي. وبالفعل، بينما ينطوي منهج التلقِّي التأويلي على وجود شيء ما نتعلَّمه من النص، فإن الطريقة التي استعملها الغنوصيون (التي يمكن تسميتها منهج "الوحي") تأسَّست على فكرة أنهم – أي الغنوصيين – تلقَّوْا وحيًا "فوق كوني"، إما على هيئة "نداء" أو رؤيا أو حتى، ربما، من خلال إعمال الجدل الفلسفي. وهذا "الوحي" كان هو معرفة (غنوص) أن الجنس البشري غريب عن هذه الدنيا وأن له "مسكنًا سماويًّا"، في "الملأ الأعلى" pl?r?ma، حيث تصير الرغباتُ العقلانية للعقل البشري إلى إيناعها التام الكامل. انطلاقًا من هذا الاعتقاد، فإن المعرفة كلَّها مُلْك للغنوصيين أولاء، وكلُّ تأويل للنصِّ الكتابي إنما غايته تفسير الطبيعة الحقيقية للأشياء بالكشف عن أخطاء الديميورغوس وتحريفاته. وهذا المقترَب تَعامَل مع الماضي كشيء تمَّ تجاوزُه أصلاً، لكنه ما ينفك "حاضرًا" مادام بعض أفراد الجنس البشري يكابدون تحت الناموس القديم – أي ماداموا يقرأون الكتاب المقدس قراءة المتلقِّي. أما الغنوصي، مادام يحيا في الدنيا بوصفه كائنًا موجودًا، فهو، من ناحية أخرى، حاضر ومستقبل في آنٍ معًا – أي أنه يجسِّد في ذاته الديناميةَ الخلاصية لتاريخٍ على قطيعة مع قيد الماضي الاستبدادي، وَجَدَ حرية ابتكار نفسه من جديد. لقد فهم الغنوصي نفسَه بوصفه، في آنٍ معًا، في القلب من التاريخ، وفي نهايته، وفي نقطة الأوج منه؛ وهذه الفكرة أو المثال انعكس انعكاسًا قويًّا للغاية على التأويل الغنوصي القديم. فلننتقلْ الآن إلى مناقشةٍ للنتائج العيانية لهذا المنهج التأويلي.
1.2: الميثولوغوس الغنوصي
الفكرة أو المفهوم الغنوصي ليس ابن منهاج أو نظرة فلسفية إلى العالم؛ إذ إن الرؤية الغنوصية للعالم تأسَّست بالحري على حَدْس بوجود هوَّة جذرية، تبدو غير قابلة للردم، بين عالم المكابدة pathos، من جانب، وبين عالم الكينونة الحق، أي الوجود في مظهره الإيجابي والخلاق والأصيل. والمشكلة التي واجهها الغنوصيون هي كيفية تعليل مثل هذا الحدس الجذري ما قبل الفلسفي. وهذا الحدس هو "ما قبل فلسفي" لأن الخبرة الخام للوجود، في عالم مُعادٍ لأشواق الجنس البشري، يمكن لها أن تُسلِسَ ذاتها للعديد من التأويلات؛ ومحاولة التأويل قد تتخذ شكل إما "القصة" muthos أو "العقل" logos: إما مجرد ترجمة وصفية للخبرة، وإما رواية مرتَّبة عقلانيًّا لمثل هذه الخبرة، تتضمَّن شرحًا لأصولها. وقد قُيِّض للتعليل الإغريقي القديم لهذه الخبرة أن يدعوها "رهبة" أو "دهشة" أولية، يشعر بها الإنسان وهو يواجه العالم الذي ينتصب بكلِّ هذا الاستقلال عنه، ثم يضع هذه الخبرة كبداية للفلسفة (راجع: أرسطوطاليس، الميتافيزيقا، 982 ب 10-25 وأفلاطون، ثيئيطيطس، 155 د). لكن الغنوصيين رأوا هذه "الرهبة" بوصفها نتاجًا لاختلال جذري في تناغمِ عالمٍ دائم فيما يتعدى الصيرورة – أي فيما يتعدى "الصيرورة" بمعنى "المعاناة" pathos أو "ما يُكابَد" تتوافق "القصة" دائمًا مع الترجمة "الفورية" التي قام بها امرؤٌ كابَدَ مكابدةً مباشرة تأثيرَ حَدَثٍ ما؛ وهي دومًا تعليلٌ لشيء معروف أصلاً، وبالتالي تحمل ادِّعاءها الحقيقةَ بين طياتها، مثلما أن فورية حَدَثٍ ما تحول دون أيِّ شكٍّ أو تشكيك فيه من جانب مكابِده. أما "العقل"، من ناحية أخرى، فهو نتاج تفكُّر dianoia متأنٍّ، يحيل، من حيث حقانيَّته، ليس إلى اللحظة الفورية ل"التقاط" الظاهرة prol?psis، بل إلى لحظة التفكُّر التي يبلغ المرءُ في أثنائها معرفةً مفهومية للظاهرة ويكون أول مَن يعرفها بما هي كذلك – وذلكم هو "الغنوص": البصيرة. والنتيجة المباشرة لهذا الغنوص هي الانبعاث من حسِّ الوجود ك"مكابدة" إلى فعلية الكينونة ك"شعور" aesthesis – أي تلقِّي الخبرة والحكم عليها عن طريق معايير عقلانية أو محض إلهية. ومثل هذه المعايير ينبع مباشرة من "العقل" logos، أو "المبدأ المنظِّم" الإلهي، الذي اعتقد الغنوصيون أنهم متصلون به عن طريق النَّسَب الإلهي وعلى الرغم من أن الأونطوثيولوجيا (علم اللاهوت الوجودي) الغنوصي تنبسط عن طريق أسطورة متقنة السَّبك، فإنها أسطورة يُخبِر عنها "العقل" دومًا؛ فهي، إذن، بهذه المثابة، "ميثولوجيا" حقيقية – أي أنها رواية، عِبْرَ آنيَّة اللغة، لما هو حاضر أبدًا (عند الغنوصي) كنتاج لتفكُّر ممتاز.
نحن الإنسانية
بحسب الميثولوجيا الغنوصية (عمومًا)، موجودون في هذه الدنيا لأن إحدى أفراد الألوهة المتعالية، صوفيا (الحكمة)، رغبت في تحقيق كمونها الفطري للإبداع من دون إذْنٍ من شريكها أو زوجها الإلهي. وكبرياؤها، في هذا الصدد، كان بمثابة مادة خام، ورغبتُها (التي توجَّهتْ إلى الآب السرِّي المبهم) تجلَّتْ بوصفها يلضباؤوث، الديميورغوس – مبدأ الكون والفساد المرتد ذاك، الذي عِبْرَ ضرورته الجبرية، يَهَبُ الكائناتِ جميعًا الحياة، للحظة وجيزة، ثم يقضي عليها بالموت إلى الأبد. غير أنه بما أن "الملأ الأعلى" ذاته، بحسب الغنوصيين، ليس مستثنى من الرغبة أو الهوى، لا مندوحة من تدخُّل حَدَثٍ خلاصي أو مخلِّص – أي المسيح، الكلمة، "الرسول"، إلخ – ينزل إلى العالم المادي من أجل إبطال الأهواء كافة والارتقاء ب"الشرارات" الإنسانية البريئة (التي سقطت من صوفيا) إلى مرتبة الملأ الأعلى (راجع: كتاب يوحنا المنحول [سفر المخطوطات 2] 9: 25-25: 14 وما بعدها). وإن سيرورة الاندماج من جديد هذه مع الألوهة وفيها هي واحدة من المعالم الأساسية للأسطورة الغنوصية. والهدف من هذا الاندماج (ضمنًا) هو تأسيس سلسلة من الموجودات متأخِّرة أونطولوجيًّا عن صوفيا، وهي التجسيد العياني لرغبتها "المُصدِّعة" – ضمن الحلبة الموحَّدة للملأ الأعلى. فبالفعل، إذا كان الملأ الأعلى حقًّا هو الامتلاء، الحاوي على الأشياء كلِّها، فلا بدَّ أن يحتوي المبادئ العديدة لتوق الحكمة. بهذا المعنى يجب ألا ننظر إلى الخلاص الغنوصي كقضية وحيدة الجانب وحسب: ف"الشرارات" الإلهية التي سقطت من صوفيا، في أثناء "آلامها"، هي مظاهر غير مندمجة بعدُ للألوهة. في وسعنا القول، إذن، أن الإله الغنوصي الأسمى يسعى أبدًا، بالمعنى الهيغلي، إلى تحقُّقه الخاص عن طريق الوعي الذاتي الكامل (راجع: غ.ف.ف. هيغل، تاريخ الفلسفة، الجزء 2، ص 396-399). لكن الأمر ليس بهذه البساطة فعلاً: فإله الغنوصيين الأسمى يلد الملأ الأعلى من غير جهد؛ ومع ذلك (أو ربما لهذا السبب!) يتفق لهذا الملأ الأعلى أن يسلك في استقلالية عن الآب – وهذا لأن جميع أفراد الملأ الأعلى (المعروفين بالأيونات Aeons) هم أنفسهم "جذور وينابيع وآباء" (الرسالة المثلثة، 68: 10)، يحملون الزمن في أنفسهم كشرط من شروط كينونتهم. حين أزعج الاختلال الذي نجم عن رغبة صوفيا الملأ الأعلى، لم يُفهَم هذا الأمر كاختلال لوحدة مسبَّقة الرسوخ، ولكن بالحري كاختلالٍ لركود لا يطاق، قُيِّض له أن يُحتَفى به بوصفه إلهيًّا. وبالفعل، عندما نظر الإغريق إلى السماء للمرة الأولى وأُعجِبوا بانتظام دوران النجوم والكواكب، فإن ما أُعجِبوا به – بحسب الغنوصيين – ليس صورة الألوهة، بل صورةٌ أو تمثيلٌ لركود "إلهي"، لقانون ونظام خَنَقا الحرية، التي هي أصل الرغبة (راجع: جوناس، ص 260-261). إن آلام صوفيا – إنتاجها للديميورغوس، استعباده ل"الشرارات" الإنسانية في الكوسموس المادي، الفداء والتجديد اللاحقين – ليست إلا فصلاً عرضيًّا في الدراما المتفتِّح اللانهائي للوجود الأرضي. ونحن، بوصفنا بشرًا، اتَّفق لنا أن نكون الضحايا غير المقصودين لهذا الدراما. وإذا كان خلاصنا، كما يذهب الغنوصيون، عبارة عن صيرورتنا آلهة (بويماندرس، 26) أو "سادة على الخلق وعلى كلِّ فساد" (فالنتينوس، المقطع و، ليتون)، كيف نكون واثقين من أنه، في أزمنة قادمة، لن يضع أحدُنا كونًا ملعونًا آخر، مثلما فعلتْ صوفيا؟
الغنوصية المسيحية
كان للفكرة المسيحية القائلة بأن الربَّ قد أرسل "ابنه" الوحيد (الكلمة) ليتألَّم ويموت من أجل خطايا البشرية جمعاء، وبهذا يجعل الخلاص متاحًا للجميع، وَقْعٌ عميق على الفكر الغنوصي. ففي المجموعة الواسعة والهامة من الكتابات الغنوصية المكتشَفة في نجع حمادي (مصر) في العام 1945، ليس ثمة غير حفنة منها من الممكن أن تكون نشأت في وسط ما قبل مسيحي، هلِّيني يهودي على الأغلب؛ ذلك أن غالبية هذه النصوص هي كتابات مسيحية غنوصية تعود إلى الفترة من أوائل القرن الثاني وحتى أواخر القرن الثالث الميلادي، وربما بعد ذلك بقليل. وعندما ننظر في مفهوم الخلاص ومعناه عند الغنوصيين الأوائل، الذين ركزوا على المظهر الخلاق لوجودنا ما بعد الخلاصي، يذهلنا التأكيدُ الجريء الذي مفاده أن حاجتنا إلى الخلاص نشأت، في المقام الأول، من خطأ اقترفه كائنٌ إلهي، هو صوفيا (الحكمة)، إبان قيامها بفعلها الخلاق (راجع: كتاب يوحنا المنحول [سفر المخطوطات 2] 9: 25-10: 6). وبما أن الحال هي كذلك، كيف – نتساءل قطعًا – سيكون وجودُنا فيما بعد الخلاص أقل تعرضًا للغلط أو للجهل، وحتى للشر؟
لقد قدَّمتْ الرسالةُ الجذرية للمسيحية الأولى الجوابَ على هذا السؤال الإشكالي؛ وبهذا التقط الغنوصيون الفكرة المسيحية وحوَّلوها، بقوة فنِّهم القصصي العقلي، إلى ترسيمة تأملية فلسفية ولاهوتية التركيب.
* النوع الأول: وهو الإله السامي? أو العظيم? وهذا الإله يرأس سلسلة كثيرة الحلقات من الآلهة المتميزين الواحد عن الآخر في الدرجة والسلطان قد انبثعوا سواء من هذا الإله الأعظم أو خرجوا الواحد من الآخر، وهذه الكائنات سواء كانت منفردة منعزلة أو كانت أزواجاً فإنها كوّنت معاً ما يسمى المجموعة الإلهية، وقد حدث خلل في هذه المجموعة نتيجة لسقوط أحدها? ولكن هذا الكائن الإلهي الذي سقط سيرد إلى رتبته وطهارته عندما تتم عملية الفداء,
* النوع الثاني: وهو يشبه النوع الأول من حيث النظام والتكوين? ولكنه يختلف من حيث النوع لأن الذي يرأس هذه المجموعة إله شرير? الإله الذي خلق المادة? نصف الإله وقد ساعد الإله? وتعاون معه الآلهة الأشرار والمخربون, والصراع بين إله الشر وأعوانه? وإله الخير وأعوانه مستمر غير أن المرء ما يلبث أن يجد، بعد أن يقال كلُّ شيء ويُفعَل، أن خطأ صوفيا واستيلاد كونٍ أدنى هما حدثان يتبعان قانونًا محددًا للضرورة، وأن ما يُسمَّى ثنوية الإلهي والأرضي هو حقًّا انعكاسٌ وتعبيرٌ عن التوتر المعيِّن الذي يشكِّل كينونة الإنسانية – الكائن البشري.
أثناسيوس الرسولى وأكليمنضس السكندرى والغنوسية
ويرجع أصول العنوسية إلى القرنين الأول والثاني ق م، مثل المقالات المبكرة لل Corpus Hermeticum ["المجموعة الهرمسية"]، والكتابات العبرية الرؤيوية – وخاصة الفلسفة الأفلاطونية والكتب اليهودية المقدسة وكان من أبرز كبار قادة الغنوصيين فى القرن الرابع بالإسكندرية هم باسيليدس وكربو كراتس وفالنتينوس. وقد حذر القديس أثناسيوس الرسولى من خطرهم على العقيدة المسيحية بينما قام القديس اكليمنضس الإسكندري بوضع دراسات تحليلية لعقيدة فئات غنوصية متعددة وحاول أن يؤسس "غنوصية مسيحية حقيقية".
التعاليم الغنوصية
1- تؤمن الغنوصية بالثنائية وتفصل بين العالمين الروحي والمادي.
2- اعتقدت الغنوصية بأن الكون شئ مادي خلق نتيجة لنزول الحكمة. وقال بعضهم إن العالم هو أصلا من صنع إله مزج بين الإنسان الأبدي وعناصر الشر. وأن الإله له القدرة على إصلاح العالم . . وقالت الغنوصية بأن خلق الكون المادي قد خرج من الكون الإلهي بواسطة سلسلة انبثاقات طويلة أو قصيرة.
3- قسّم الغنوصيون المؤمنين بها إلى طبقتين: الروحيون الذين هم نفوس مستنيرة والجسديون أو الماديون وهم عبيد المادة. وأضاف بعض فئات الغنوصيين فئة النفسانيين وهم طبقة متوسطة.
4- أرجع الغنوصيون اكتسابهم للمعرفة السرية بواسطة الصبر و المثابرة على استقامة الأخلاق والاستنارة الفجائية التي تمكنهم من إدراك الطريق الإلهى والكون وذواتهم. وقالوا إن هذه المعرفة تحرر البشر وتكشف لهم أسرار الحق.
5- أعتقد الغنوصيون أنهم تبحروا فى فهم المعرفة والحكمة فقالت جماعة منهم هي جماعة ناسن (200م): "إننا وحدنا نعرف أسرار الروح غير المنطوق بها".
6- وأعتقد للغنوصيين أن السيد المسيح هو مبعوث الله العلي الجالب "المعرفة". وبما أنه الكائن الإلهي فقد اتخذ الجسد البشري ولكنه لم يتعرض للموت. فهو قد سكن مؤقتا في جسد بشري.
7- آمن الغنوصيون بالقضاء والقدر.
دخل الغنوصيون في جدال عنيف مع معارضيهم من المسيحيين الأقباط الأرثوذوكس من قادة مدرسة أفسكندرية حول العلاقة بين العهدين القديم والجديد. فبينما أكد اباء الكنيسة على الحفاظ على العلاقة بين العهدين على أساس العلاقة الواحدة لروح الكتاب أبرز الغنوصيون المتناقضات بين ناموس العهد القديم والأناجيل. كما عاب الأرثوذوكس على الغنوصية إيمانها بالقضاء والقدر وبالعقيدة الثنائية فقد تركت الغنوصيّة أدب دعاية غزيرًا انتشر في الشرق الأوسط: في سورية مع الكسائيّة (شيعة تحافظ على عادات يهوديّة) والمعمدانيّين الذين سيلدون التيّار المندعي (أو العارفين). وفي الإسكندريّة التي ظلّت مكان تخمير فكريّ. ومن هناك انتقلت إلى المراكز المثقّفة في عالم البحر المتوسّط (رومة، أثينة) رفي العالم الفارسيّ حيث ستنفصل عنها المانويّة في القرن الثالث كان لهذا الأدب سوابقُ وثنيّةٌ ولاسيّما في مجموعة هرمس. ولكن حين أدخل النهج الغنوصيّ عناصر مسيحيّة. دخل في عالم المعمّدين والموعوظين. من جهة، اقتدى الكتَّاب بالفنون الأدبيّة في الكتابات الرسوليّة فدوّنوا أناجيلَ ورؤىً (لا رسائل لأنّهم لا يقدرون أن يزيّفوها). ومن جهة ثانية، تخفّت المؤلَّفات تحت اسم رسل المسيح: توما، يعقوب، فيلبّس، برثلماوس، متّيّا... وهكذا عُرض تعليمُ المعلّمين الغنوصيّين في مؤلّفاتهم. مثلاً: تفسير يوحنّا لهيراكليون، الذي سيرد عليه أوريجانس. "رسالة من بطليموس إلى فلورا". كتبها تلميذ إيطاليّ لولنطينس واحتفظ بها إبّيفانيوس. وانتقل التقليد الدينيّ لباسيلديس (بين 120 و150) وولنطينس (بين 135 و160) من خلال الأدب المنحول، فانتشر في أوساط واسعة: إنّ مسيح الإيمان قد أعطى تعاليم سريّة لبعض تلاميذَ مختارين، قبل انطلاقه من هذا العالم أو بعد قيامته. واتّخذ مضمونُ هذا التعليم شكلَ "أقوال" انحرفت فجها بعض الموادّ الإنجيليّة الأولى عن معناها، فأعيد تفسيرها وتأليفها، وصيغت صياغةً جديدةً وموسّعة. إنّ إنجيل توما (يعود إلى القرن الثاني وإلى محيط سوريّ) يعطينا أمثلة عن هذه العمليّات المختلفة.
المزيد
08 مايو 2024
شتان بين يومين جمعة الموت و أحد القيامة
إنهما يومان كانا من جهة المشاعر البشرية علي طرفي نقيض يوم الجمعة ١٤ نيسان، ويوم الأحد ١٦ نيسان سنة ٣٤م كان يوم الجمعة كتيبا بالنسبة إلى كل تلاميذ وأتباع المسيح بل كان مفاجأة مذهلة ما كانوا يتوقعونها إطلاقا لمعلمهم العظيم المؤامرة التي تمت، وسبكت بسرعة عجيبة والشعب الذي يهتف بغير وعي اصلبه اصلبه» والتلميذ الذي خان من أجل ثلاثيف من الفضة، والإهانات المتلاحقة التي يتعرض لها السيد، من سب واستهزاء وتهكم ولطم وبصاق، مع الام الشوك والجلد ، ثم تسميره على الصليب !!
أحقا بهذه السرعة قد انتهى كل شيء؟! وصاحب المعجزات العظيم، المعلم الذي بهر الكل بتعليمه، أصبح في نظر الرسميين مضلا ، يصلبونه بين لصيف !!
والذين انتفعوا بحبه وإشفاقه ومعجزاته لم يعد لهم وجود على ساحة الواقع . وحتى تلاميذه تفرقوا وهربوا وتركوه وحده وانطبق عليهم قول الكتاب اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية (متى ٢٦: ٣١). وإذا ببطرس المتحمس أكثر من الكل ينكره أمام جارية، ويسب ويلعن ويحلف قائلا: إنه لا يعرف الرجل (متى ٧٤:٢٧) أما أعداء المسيح فقد ملكوا الموقف من كل ناحية استطاعوا أن يعقدوا مجمع السنهدريم ويأخذوا قرارًا ضده. واستطاعوا أن يهيجوا الشعب ويجعلوه يردد نفس كلامهم كما أمكنهم أيضًا أن يؤثروا على الوالي، فيصدر حكمه على المسيح، مع أنه لا يجد علة في ذلك البار (يوحنا ١٤:٢٣).وهكذا بد الشر منتصرا وضاغطا بكل قسوة وتحقق قول المسيح لهؤلاء القادة: «هذه ساعتكم وسلطان الظلام» (لوقا (٥٤:٢٢) وكل ما أراد الشر أن يفعله، قد فعله وأمكنه أن يحقق كل ما يريد وأن يتخلص من المسيح الذي كان محبوبا من الناس، تتبعه الآلاف، وتنبهر من تعليمه، ويضع يده على كل أحد فيشفيه (لوقا ٤: ٤٠) المسيح الذي أقام الموتى، ومنح البصر للعميان وأخرج الشياطين وحتى بعد أن قتلوه، استصدروا أمرًا من الوالي بختم القبر، ووضع حجر كبير على بابه، وضبطه بالحراس واطمأنوا تماما إلى أن المسيح قد انتهى! وانتهي بنهاية سيئة «وأحصي مع أئمة» (إشعياء ٥٣: ۱۲) وكل الذين تبعوه قد تشتتوا ..!
هكذا كان يوم الجمعة مؤلماً ، ساده الظلم، وانتشرت فيه الخيانة والقسوة وانتصر فيه الحسد والشر ووجد تلاميذ المسيح أنفسهم حياري ضائعين، بل بدا الانتساب إلى اسم المسيح شرا، وها هو المسيح في القبر ولا تزال القوة مسيطرة على الموقف كله. ويبدو أنه لا عودة إلى الأيام الحلوة مع المعلم الطيب أما الخلاص الذي تم علي الصليب فلم يشعر به أحد، وكل ما رآه الناس، هو أن المصلوب يبدو ضعيفًا عاجزا عن إنقاذ نفسه! لدرجة أنهم كانوا يتحدونه قائلين إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب، وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا قالوا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ: «خلص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها ! فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به متي ۲۷ ٤۰-٤٢) حتى أن أحد اللصين المعلقين معه، قال له: «إن كنت أنت هو المسيح فخلص نفسك وإيانا» (لوقا۳۹:۲۳) هكذا كان يوم الجمعة شماتة وظلمًا وتشتيتا، ولكن حدث أمر غير الدقة إلى العكس تماما إنه القيامة التي هزت الكيان اليهودي كله، قيادة وشعبا حدثت القيامة في فجر الأحد، على الرغم من وجود الحراس، والحجر الكبير والأختام، والحرص الكبير على ضبط القبر ووقف القبر الفارغ شاهدًا ماديا على القيامة. وكذلك وجود الأكفاف مرتبة فيه مع المنديل وحاول رؤساء اليهود بكافة الطرق أن يطمسوا حقيقة القيامة فلم يستطيعوا كان الواقع الملموس ذا تأثير أعمق من كل ادعاءاتهم وظهر المسيح حيا لتلاميذه ومنحهم هذا الظهور قوة غير عادية للشهادة لقيامته بكل مجاهرة وبلا خوف ظهر المسيح بعد قيامته المريم المجدلية (مرقس (١٦ : ٩)، ولسمعان بطرس (كورنثوس الأولى ۱۵: ٥) ، ولتلميذي عمواس (لوقا ١٢:٢٤ - ۳۱)، وللتلاميذ العشرة في غياب توما (لوقا ٢٤ : ٣٣-٤٣)، وظهر لهم مع توما وأراهم جروحه (يوحنا (٢٦:٢٠-٢٩)، كما أنه ظهر السبعة من تلاميذه عند بحر طبرية (يوحنا۲۱ :۱۷) ، وظهر ليعقوب ولأكثر من خمسمائة أخ (كورنثوس الأولى ٦:١٥ ، ٧) «أراهم نفسه حيا ببراهين كثيرة وهو يظهر لهم أربعين يوما ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله» (أعمال ١: ٣) وكان معهم وقت صعوده إلى السماء حينما ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم» (أعمال ٩:١) كما ظهر أيضًا لشاول الطرسوسي في طريق دمشق، وتحدث إليه، و اختاره رسولا يحمل اسمه إلى الأمم (أعمال ٣:٩-١٥) كل هذا منح التلاميذ قوة عجيبة، وفي ذلك يقول الكتاب: «بقوة عجيبة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة يسوع، ونعمة عظيمة كانت على جميعهم» (أعمال ٣٣:٤).
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
07 مايو 2024
القيامة وصدق المحبة
عيد القيامة عيد الفرح الذي كلّل أحزان أسبوع الآلام بكل ترتيباته التي تدفع الإنسان إلى التوبة الحقيقية، لذلك طوبي للحزاني لأنهم يتعزون والقيامة مليئة بالتأملات فهي رجاء خلاصنا وموضوع فخرنا بإيماننا حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح» وكان الصليب هو مقدمة القيامة وهنا نتذكر كثيرين كانوا يتبعون يسوع ويقولون نتبعك أينما تمضي ولو أنكرك الجميع أنا لا أنكرك وتعددت أقوال المحبة، ولكن عند القبر اختبار صدق المحبة وجدية التبعية التي عندها يظهر صدق المحبة وجدية التكريس اشتركت البشائر الأربعة في أن المريمات فمن والظلام باق وذهبن إلى القبر حيث أعدو له الحنوط فمن والظلام باق في شوق إلى المحبوب لأنهن أدركن أن الذين يبكرون إليه يجدونه لم ينتظرن حتى تطلع الشمس ولكن والظلام باق يمشين حتى عندما يصلن إلى الباب يكون الظلام انقشع حتى تفتح الأبواب حيث عادة اليهود في ذلك الزمن، وبذلك يفتدين الوقت كانت المحبة فيها شوق حقيقي ، فلم ينتظرن الضوء ليشع ، فكان أيضًا تسليم وعدم الخوف من أحداث الظلام. وكانت أيضًا شجاعة وهن يعلنون تبعيتهن للمرفوض كثيرون رفضوا يسوع وكل من يتبعوه، والذي يظهر هذه التبعية يتعرض للمخاطر، ولكنهن خرجن في إيمان كامل بعناية الرب وتسليم كامل لإرادته. ذهبن وهن مستعدات بالأطياب منذ عشية اليوم، فهو استعداد كامل في وقت مبكر مفتدين الوقت لأنهن يعلمن أن الأيام شريرة في شوق حقيقي وتسليم كامل وشجاعة قوية وإيمان كامل واستعداد حقيقي مفتدين الوقت لاشك أنها جماعة تكريس مختارة من الرب يشجعن بعضهن البعض يعشن للرب في صدق تكريسها ومحبتها للإله المحبوب ، ومحبتهن بعضهن
للبعض محبة ليست بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق . لذلك كان لهن بركة اللقاء بالرب يسوع ، وكذلك الكرازة بقيامته المجيدة وصارت مريم المجدلية بعد أن كانت رمزا للخطية صارت رمزا للتوبة والكرازة بالإنجيل حقا لقد صارت ومن معها من النسوة رموزًا للمحبة الحقيقية للرب ، وصدق التكريس الذي نحن نحتاجه الآن في سلوك عملي وليس مجرد كلمات وشعارات وهتافات. لكن اختبار عمل القيامة وقوتها في حياتنا وكنائسنا وخدامنا ، التي تعطينا الفرح الحقيقي واختبار سر القيامة وقوتها الذي هو حياة النصرة الحقيقية على الموت وكل قواته وبهذا يمكننا أن نثمر تائبين وكارزين للرب.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة و مطروح وشمال افريقيا
المزيد
05 مايو 2024
المسيح قام بالحقيقة قد قام
اهنئكم جميعا بعيد القيامة المجيد نحتفل بالقيامة المجيدة بعد هذا الصوم الطويل، الصوم المقدس والذى امتد الى 55 يوما نحتفل بالقيامة كما فى كل عام وكما تعلمون أن احتفال القيامة هو احتفال بأساس إيماننا وهذا الاحتفال بالقيامة هو احتفال بالمسيحية، والاحتفال بالإيمان بالمسيح ولذلك نحتفل بالقيامة فى كل يوم فى صلاة باكر بالاجبية، ونحتفل بها فى كل أسبوع فى يوم الأحد لأنه يوم القيامة ويوم النور، ونحتفل بها أيضا فى كل شهر فى تاريخ 29 من الشهر القبطى، وهو تذكارات للبشارة وللميلاد وللقيامة وتحتفل بها كل عام فى عيد القيامة المجيد ويمتد احتفالنا إلى 50 يوما تسميها الخماسين المقدسة والحقيقة إن عطايا القيامة عطايا كثيرة جدا فى حياة الإنسان وأود أن أتحدث معكم عن عطية من العطايا الغنية التى فى قيامة رب المجد هذه العطية هى عطية العين الإيجابية للحياة، الإنسان خلق له الله العين كعضو للنظر، خلق له عينان فى وجهه لكى ينظر الى الحاضر وينظر الى المستقبل ولم يخلق له عينا فى الخلف حتى لا ينظر إلى الماضى جعله ينظر إلى الأمام دائما وهذه العين على الرغم أننا نشترك جميعا فى تركيبها، التركيب الفسيولوجى والتركيب التشريحى، ولكن نظرة العين تختلف من واحد إلى آخر لنفس الشىء، لذلك العين الإيجابية للحياة تتميز بثلاث ميزات، الميزة الأولى أنها عين واقعية تنظر للأمر فى واقعيته وفى حدوده وفى شكله وليس فى الخيال وتنظر للأمر فى واقعيته أنه أمر واضح أمام الإنسان ولا يحتمل أى تأويل الجانب الآخر للنظرة الإيجابية للحياة، أنها نظرة إنسانية يعنى يجب أن تشتمل نظرة الإنسان للأمور على عمل الرحمة لأن عكس الرحمة توجد القساوة والقساوة امتلأت بها قلوب كثيرة فى العالم، ولذلك نظرتها ليست نظرة إنسانية الجانب الآخر للعين يجب أن تكون النظرة متكاملة وليست نظرة متناقصة كما تدرون جميعا أننا نقول الكوب الذى فيه جزء من الماء، هذا الكوب ممتلئ أم ناقص؟ البعض يراء كوبا ممثلا من الماء، هذه نظرة إيجابية ونظرة متكاملة والبعض يراه كوبا ناقصا، وبالتالى هذه نظرة سلبية هذه الأمور، النظرة الواقعية والنظرة الإنسانية والنظرة المتكاملة تشكل جميعها العين الإيجابية للحياة، وسأعطيكم بعض الأمثلة من أحداث الصليب والقيامة كانا يوحنا الحبيب، ويهوذا الاسخريوطى، تلميذين من الاثنى عشر، اختار هما السيد المسيح، ورأيا تعاليم السيد المسيح ومعجزاته وكانا معه، وبالتأكيد كان هناك حوارات بينهما وبين السيد المسيح يوحنا الحبيب كان له النظرة والعين الإيجابية للحياة نراه يرتبط بالسيد المسيح، يصل معه حتى الى الصليب والى المحاكمات ونراه يجد المتعة الكبيرة فى أنه يتكى برأسه على صدر السيد المسيح وهو أطلق على نفسه التلميذ "الذى كان المسيح يحبه" "يوحنا 26:19" فى المقابل، يهوذا الاسخريوطى كانت نظرته مادية، وكانت نظرته سلبية، ولم ير فى المسيح أنه المخلص الفادى الذى جاء لأجل خلاص العالم، ولأنه لم يجد فيه تحقيق الطماعة المادية أو الأرضية ولذلك باع سيده بثلاثين من القضة وفى النهاية ذهب وشنق نفسه ومات وخسر نصيبه الأبدى الاثنان لهما نفس الموقف واحد له العين الإيجابية والآخر له العين السلبية مثال آخر نراه فى أحداث الصليب عندما تنظر إلى اللصين وهما اللص الذى كان عن شمال المسيح والآخر عن يمين المسيح، صلبوا الصين مع السيد المسيح إمعانا أنه اللص الشمال كان له حديث كبير إذا كنت أنت المسيح، "فخلص نفسك وايانا" "لوقا 23: 39"، وارفع عنا الألم الذى نحن فيه ألم الصليب اللص اليمين كان له نظرة فى نفس الموقف وفى نفس التوقيت ونفس الشواهد اللص اليمين ينظر نظرة إيجابية، ويقطن إلى رؤية مغايرة اما نحن فبعدل "لأننا ننال استحقاق ما فعلنا" "لوقا 23 "41" ونظر إلى المسيح وقال: "اذكرنى يا رب متى جنت فى ملكوتك" "لوقا 23 "42" كانت هذه العبارة، عبارة صلاة عبارة توبة، عبارة نداء عبارة رجاء وقبلها السيد المسيح فى آخر ساعات حياة اللص اليمين وقال له: "الحق أقول لك: أنك اليوم تكون معى فى الفردوس" "لوقا 23: 43 هذه الصورة تنطبق فى نماذج كثيرة جدا للعين الإيجابية للحياة، ولذلك أيها الأحياء، تمسك أن تكون لك عين إيجابية تنظر للأمور فى إيجابيتها لكل أحداث حياتك اليومية، أحداث العمل والخدمة والأسرة كل هذه الأحداث يجب أن تكون لك فيها النظرة الإيجابية هذا هو فعل القيامة المجيدة فى حياة الإنسان واجعل قلبك دائما مرفوعا وتقول: يا رب أعطنى العين الإيجابية التى ترى الأمور فى حقيقتها وفى جمالها وفى إيجابيتها، ابعدنى عن النظرة السلبية أو النظرة الضيقة أو النظرة التى لا ترى إلا ما هو سيىء الحياة فيها جمال ممتد فى كل عمل صالح أنا سعيد أن أرسل لكم هذه الرسالة أقدم التهنئة القلبية باسم الكنيسة القبطية وباسم المجمع المقدس، وأقدمها من هنا من مصر إلى كل الإيبارشيات وإلى كل الكنائس والأديرة فى ربوع العالم كله أهنئ أخوتى الأحباء الأباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان والأمهات الراهبات ومجالس الكنائس وكل الشباب وكل الخدام وكل الشمامسة وكل الشعب وأيضا إلى كل الأطفال أهنتكم جميعا أينما كنتم فى أوربا، إفريقيا آسيا أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، أو فى قارة أستراليا أهنئكم جميعا، وهذه التهنئة أحملها إليكم إلى كل فرد طالبا من ربنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يفرحكم على الدوام وأن يعطيكم العين الإيجابية لكل عمل ولكل حدث فى حياة الإنسان لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
04 مايو 2024
في انتظار القيامة
في ليلة سبت الفرح تصعد الكنيسة بنا الى السماء بكل ما فيها من جمال وكأننا في حلم جميل، فهذه الليلة هي العبور من الموت إلى الحياة الألحان تنتقل من النغمة الحزايني إلى الفرايحي، فيقال اللحن نصفه بالنغمة الحزايني والنصف الآخر بالفرايحي كذلك نجد القراءات عبر هذه الليلة تنتقل من الموت إلى الحياة : تسبحة موسي - صلاة حبقوق النبي - صلاة يونان في بطن الحوت صلاة حزقيا الملك - تسبحة الثلاثة فتية في أتون النار - قصة سوسنة العفيفة. وتنتقل بنا الكنيسة إلى فرح القيامة حينما تختم الليلة في فجر السبت مع «أبو غالمسيس» وهي كلمة يونانية أصلها أبو كاليسيس أي رؤيا، وفيها نقرأ سفر الرؤيا بأكلمه وبذلك نقضي فجر السبت مع هذا السفر العميق لتنفتح أعيننا، ليس على أسرار القيامة فحسب، بل على أسرار ما بعد القيامة أيضا والكلام عن هذه الليلة يطول جدا ، ولكن أجملها هو الحديث عن القيامة:
ما هي القيامة؟
القيامة كلمة جديدة ظهرت في العهد الجديد عندما قال السيد المسيح لمريم ومرثا أمام قبر لعازر : «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا ٢٥:١١) إذا القيامة قوة، ومعجزة المعجزات، فالسيد المسيح ذهب للصليب بإرادته وقام بسلطان لاهوته.
أنواع القيامة:
القيامة نوعان:
قيامة أولى، أي ترك الخطية وحمل الصليب والجهاد ضد الشيطان، حتى توضع الأكاليل في القيامة الثانية تأتي ساعة فيها يسمع الذين في القبور (قبور الخطية) صوته والسامعون يحيون، وتأتي ساعة (في المجيء الثاني) يسمع الذين في القبور صوته فيخرج الذين صنعوا الصالحات إلي قيامة الحياة قيامة السيد المسيح فتحت أمام البشرية باب الحياة بالإيمان بدمه لغفران الخطايا، وبالجهاد حتى النفس الأخير لكي نحيا معه كل حين . فالقيامة أعطت البشرية بابا مفتوحا لحياة السماء بلا موت بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية (تسبحه القيامة) فالموت لا يكون فيما بعد بل من أمن بالرب يسوع ولو مات فسيحيا سعيد ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى، إن هؤلاء لا يكون للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنة لله والمسيح (رؤيا٢٠: ٦).
القيامة مع المسيح
إن الإنسان لا يستفيد من القيامة إلا إذا استيقظ من نومه وقام من رقاده، أي يقوم من بين الأموات، وكل أنظارنا متجهه نحو ملكوت السموات: « فإن كنتم قَدْ قَمْتُمْ مَعَ المسيح فَاطَّلَبُوا مَا فَوْقَ ، حَيْثُ المَسِيحُ جَالس»(كولوسي ۳ : ۱) فما أجمل أن تكون سمائيين بالفكر والمشاعر والاتجاهات لا تكن مثل هيرودس وحنانيا وقيافا الذين لم يستفيدوا من قيامة المسيح بل أنكروها، ولا تكن مثل الحراس الذين شاهدوا القيامة وأنكروها نظير رشوة مال، بل كن مثل التلاميذ الذين بشروا مجاهدين بقيامة المسيح واحتملوا في سبيل ذلك الآلام والعذاب ، كل ذلك من أجل محبتهم في المسيح وإيمانهم القوي بالقيامة، لأنهم أيقنوا أنه لا قيامة بدون صليب ولا صليب بدون قيامة عش هذه الأيام بالرجاء والفرح فكل صليب بعده قيامة وكل مشكلة بعدها حل،وكما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث «ربنا موجود، كله للخير، مسيرها تنتهي.وكل عام وأنتم بخير .
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
03 مايو 2024
باكر يوم الجمعة الكبيرة
مت ١:٢٧ - ١٤ + مر ١٥ : ١- ٥ + لو ٢٢ : ٦٦ - ٢٣: ١٢ + يو ١٨ : ٢٨ - ٤٠
ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قيافا إلى دار الولايَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلايَةِ لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسُوا ، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. فَخَرَجَ بيلاطس إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيَّة شِكَايَةٍ تُقدِّمُونَ عَلى هذا الإِنْسَان؟» أَجَابُوا وقالوا له: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرِّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ !» فَقَالَ لَهُمْ بيلاطس: «خُدُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: لا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا». لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِينَةٍ كَانَ مُرْمِعًا أَنْ يَمُوتَ . ٣٣ ثُمَّ دَخلَ بيلاطس أَيْضًا إِلَى دَارِ الوِلايَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذا، أمْ آخَرُونَ قالُوا لكَ عَنِّي؟» أَجَابَهُ بيلاطس: «الْعَلِّي أَنَا يَهُودِيُّ؟ أمتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ مَاذَا فَعَلْتَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذا العالم. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذا العالم، لكَانَ خدامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أَسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِن الآن لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هنا». فقال له بيلاطس : «أَفَأَنْتَ إِذا مَلِكٌ ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إنِّي مَلِكٌ. لهذا قد وُلِدْتُ أنا، ولهذا قد أتَيْتُ إلى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي». ٣٨ قالَ لَهُ بيلاطس: «مَا هُوَ الْحَقُّ؟». ولما قال هذا خَرَجَ أَيْضًا إلى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «أنا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَة وَاحِدَةً . وَلَكُمْ عَادَةُ أَنْ أُطلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْح. أفتُرِيدُونَ أنْ أطلق لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». فَصَرَحُوا أَيْضًا جَمِيعُهُمْ قَائِلِينَ: «لَيْسَ هَذا بَلْ بَارَا بَاسِ !». وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصًا.
مملكتي ليست من هذا العالم
الذين قبلوا المسيح رباً وإلهاً، أصبحوا ليسوا من العالم، بل ويبغضهم العالم. لماذا؟ واضح جداً أن العالم وضع في يد الشرير، فالذي يحب العالم يحبه العالم، ويصبح لعبة في يد الشيطان، لأنه يطيعه في كل مشوراته. فالعالم لا يحتمل اسم المسيح لأنه يكته. فمن أجل اسم المسيح يضطهد العالم الذين للمسيح. وقد اضطهد العالم ورئيسه المسيح، اضطهاداً قادهم إلى صلبه، وأصبح الشيطان يعرف كيف يكيل للمسيح الضربات فيمن قبلوا المسيح وآمنوا به. وهكذا اتسم العالم بعداوة المسيحيين واضطهادهم من أجل الاسم. والمسيح هنا يسبق ويوعي الذين له، أن يكونوا عارفين بما يكنه العالم لهم،حتى لا ينساقوا وراء الذين يعيشون في العالم وهم مأسورين تحت جذبه.لهذا كان أول نصيحة يتقبلها الإنسان المسيحي، أن ينتبه وهو في بداية حياته الإيمانية، أن لا ينجرف وراء جذب العالم، ومعاشرة الأشرار الذين يعبدون العالم. هذا هو الجزء السلبي من الإيمان بالمسيح، القادر أن يبتلع الناشئين. ولكن بمجرد أن يبدأ الإنسان المسيحي طريقه الصحيح، ويصلّي ويتعرَّف على محبة المسيح، يبتعد عنه عملاء الشر. وبمجرد أن يحس بانحياز العالم ضده، يرتمي في حضن المسيح ويمسك بالإيمان.وبمجرد أن يمسك الإنسان بالمسيح، يحتضنه المسيح. لأن وعده قائم كل الدهور أن "من يقبل إلي لا أخرجه خارجاً". هكذا جعل المسيح الإيمان به رهن إشارة الإنسان الذي نوى أن يدخل حظيرة المسيح.وإزاء بغضة العالم لمن يقبل المسيح، يفتح المسيح أحضانه لكل من التجأ إليه. والمسيح الذي أحبنا وأسلم ذاته من أجلنا، قد اشترانا من قبضة الشيطان بدمه ولن يستطيع الشيطان ولا العالم أن يخطفنا من يد المسيح ويد الآب، التي هي قوتنا وملاذنا الأبدي. فمهما بغض العالم وكشر العدو بأسنانه، فنحن في حمى من خلق السماوات والأرض، وقد خلقنا جديداً بالروح لنفسه، فنحن أولاد الله وأعضاء
بيت الله. وحظنا ونصيبنا محفوظ لنا في السموات، نراه بالإيمان ونحيا له بالعيان. ونسعد به في أحلك ساعات الظلام، لأن أعيننا مثبتة فوق من حيث يأتي عوننا، تحرسنا يمين الرب حتى نعبر إليه ونتهلل لأن نصيبنا قد قرب.وهكذا أصبح اضطهاد العالم لنا جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وتعودنا عليها كما تعودنا على الصداع والإنفلونزا. أمور لا يصح أن نقف عندها لأنها تحصد الكل،
وليس أحد أعز من الآخر أمامها، بل هي التي تختار من تستضيفه عن رضى وصمت.وحينما يرفع الإنسان بصره يرى المسيح قد جاز كل أنواع الاضطهادات ولم يشتك قط. فإن كانوا قد فعلوا ما فعلوا في رب المجد أفكثير عليهم إن جعلوه طعامنا وشرابنا ؟ فنحن نأكل الاضطهاد أكل الخبز ونشربه كالماء، ولكن بالرغم من ذلك فنحن بمسيحيتنا أكثر من منتصرين. ونقول ونسبق الحوادث كلها الآتية علينا من العالم، أننا غلبنا العالم وأعظم من المنتصرين. وعلى قدر ما يذيقنا العالم من مرار، فسوف نذوق حلاوة الرب، وسوف نرى كم هو طيب جداً، ومذاقه مذاق العسل المعقود.واعلموا أن مرار العالم زمني، وكل ما هو زمني هو حتماً زائل، أما الرب فثابت للأبد. لذلك ألا يتحتم علينا أن نستبدل المرار بالعسل، والألم والوجع بالراحة الأبدية؟!
فاشربوا يا إخوة من المرار الزمني ولا تتمنعوا، فكل أطايب الملكوت محجوزة لكم، وكما صنعوا بالمسيح ليس بأقل مما يصنعون بنا، فنحن شركاء آلامه حقاً، ومجدنا هو صليبه ومساميره، وقد خار المسيح تحت ثقل الصليب، فإن خار أحدنا تحت الاضطهاد فلا ينسى صليب المسيح الذي وضع علينا أن نحمله رضينا أو لم نرض.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
02 مايو 2024
باكر يوم الخميس لو ٧:٢٢ - ١٣
وَجَاءَ يَوْمُ القَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُدْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلاً: «اذْهَبَا وَأعِدًا لنا الفِصْحَ لِنَاكُل». فقالاً لَهُ: «أَيْنَ تريد أن نُعِدَّ؟». فقالَ لَهُمَا: «إذا دَخَلْتُمَا المَدِينَة يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّة مَاءِ اتْبَعَاهُ إِلَى الْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ، وَقُولا لِرَبِّ الْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ المُعَلِّمُ: أَيْنَ المَنْزِلُ حَيْثُ ُأكُلُ الفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي ؟ " فذاكَ يُرِيكُمَا عِليَّة كَبِيرَةً مَفْرُوشَة. هُنَاكَ أَعِدًا». فانطلقا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، فَأَعَدًا الفصح.
الافخارستيا ترياق عدم الموت
سر الإفخارستيا هو خلاصة الإيمان المسيحي وهو محور الإيمان بالمسيح، والمنطلق العملي للحياة مع المسيح أو بالمسيح لنكون شعباً مبرراً وأمة مقدسة.والرب لم يؤسس هذا السر في بداية خدمته، لا بعد المعمودية مباشرة مثلاً، ولا بعد صوم الأربعيني، ولا كنهاية تعاليمه، ولكنه أخره متعمداً حتى ميعاده المضبوط تماماً في الليلة التي أسلم فيها». فحينما انتهى من كل تعاليمه، وحينما أكمل حبه، وحينما سلم لتلاميذه كل أسرار علاقته بالآب، ثم دخل بالفعل في ساعة الصفر وتقرر البدء في تنفيذ الصلب ودفع للخائن الثمن وتعين زمان ومكان التسليم وأحس المسيح بدنو ساعة الموت حينئذ أخذ خبزاً وباشر تأسيس أعظم أسرار الوجود الإنساني على الأرض؛ بل وأعظم أسرار الحياة قاطبة، هذا الذي صار للإنسان المائت ترياق عدم الموت، وقوة القيامة ومفتاحاً للخلود.في الليلة التي أسلم فيها في هذه المناسبة التاريخية القائمة بين تأسيس السر وليلة التسليم للموت، أصبحت بعد تحول الخبز والخمر مناسبة كرازية فائقة للزمان تستغرق كل الزمان ثم تتخطاه إلى الأبدية اللانهائية: «فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز و شربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء».فهناك سر يجمع بين المسيح الجالس مع تلاميذه والمتحد معهم بسر الحب ساعة ان شاء يوم الخميس، وبيننا نحن في كل الأجيال وعلى مدى كل الزمان والموت يداهمنا يوماً بعد يوم. هنا سر الإفخارستيا هو هو سر المسيا الكائن الذي كان والذي يأتي المتحد بأولاده بجسده السري عبر الزمان كله يحييهم بسر موته الحيي.ونحن نأكل الآن وكل يوم جسد الرب ونشرب دمه كتحقيق على مستوى الكرازة العملية أن المسيح مات وقام وإنه آت حيث يُستعلن يومئذ اتحادنا معه الذي أكملناه في سر الإفخارستيا، وينكشف علانية كيف عشنا وسنعيش إلى الأبد بموته.بشارتنا الآن بموت الرب كلما أكلنا من الخبز وشربنا من الكأس في واقع حال السر الإلهي، فهي لازمة وحتمية إلى أقصى حد لأن اعترافنا بموت الرب الذي نأكله ونشربه يلغي موتنا كل يوم الذي نموته بالخطية، يلغي فرقتنا، يلغي عداوتنا، يلغي كبرياءنا ... حياتنا الأبدية تنبع لنا من حيث نشهد بموت الرب الذي نأكله ونشربه في هذا السر. لذلك كان الجسد المكسور والدم المهرق في الإفخارستيا نبع حياة أبدية لنا منذ عشاء يوم الخميس حتى اليوم وإلى نهاية الدهور كلها.
سر عشاء الخميس نواة الكنيسة كلها : تكريم الكنيسة لتأسيس سر الإفخارستيا يوم خميس العهد سنوياً ليس مجرد تذكار تاريخي المسيح وجماعة الرسل المجتمعين في ذلك المساء حاضرون معنا الآن بجملتهم في الكنيسة هنا عندما يُقام هذا السر، وليسوا هم وحدهم، بل وأيضاً كل الذين ضمتهم الكنيسة إلى جسد المسيح. السر في جوهره يضم باستمرار كل الذين يخلصون.فإذا تصورنا سحابة هائلة تمتد حتى عنان السماء ثم فحصنا كل نقطة ونقطة فيها من ذرات الماء الكثيف، واكتشفنا أن كل نقطة عبارة عن وجه قديس أو روح بار مكمل بالمجد، فهذه ربما تعطي صورة تقريبية للكنيسة. ولكن إذا دققنا وجدنا أن قوة تجمع وانجذاب كافة النقط معا بهذه الصورة تنبعث من الوسط، حيث توجد مائدة صغيرة في وسطها الرب وحولها التلاميذ، فتكون هذه هي الصورة التقريبية لسر عشاء الخميس.
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
01 مايو 2024
باكر يوم الأربعاء يو١١ : ٤٦- الخ
وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إلى الفريسيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ.فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقالُوا: «مَادًا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةَ . إنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُدُونَ مَوْضِعَنَا وَأَمَّتَنَا». فقالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قيافا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أنتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلَا
تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لنا أنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلَا تَهْلِكَ الْأُمَّة كُلَّهَا ». وَلَمْ يَقُلْ هذا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السنة، تَنَبَّا أَنَّ يَسُوعَ مُرْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الْأُمَّةِ فقط، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ المُتَفَرِّقِينَ إلى وَاحِدٍ. فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا ليَقْتُلُوهُ. فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضًا يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ عَلَانِيَةٌ، بَلْ مَضَى مِنْ
هُنَاكَ إِلَى الكُورَةِ القريبَةِ مِنَ البَرِّيَّةِ، إلى مَدِينَةٍ يُقالُ لَهَا أَقْرَايمُ، وَمَكَتْ هُنَاكَ مَعَ تَلَامِيذِهِ. وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قريبًا. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكُورِ إلى أورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ. فَكَانُوا يَطْلُبُونَ يَسُوعَ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ وَاقِفُونَ فِي الْهَيْكَل: «مَاذَا تَظُنُّونَ؟ هَلْ هُوَ لَا يَأْتِي إِلَى الْعِيدِ؟» وَكَانَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ وَالْقَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا أَمْرًا أَنَّهُ إِنْ عَرَفَ أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَلْيَدَلَّ عَلَيْهِ، لِكَيْ يُمْسِكُوهُ.
ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد
الاتحاد أو الوحدة التي يطلبها لنا المسيح فيما بيننا، ثم فيما بيننا وبين الآب هي وحدة تتناسب قبل كل شيء مع تفردنا واختلاف أجناسنا وتباين طبائعنا . فنحن لسنا متساويين في كياننا الداخلي في أي شيء البتة، إلا في الخطية والعجز والقصور الروحيين !!
لذلك فالوحدة التي يطلبها لنا المسيح لا تقوم البتة على ماهية أشخاصنا أو ما هو لنا؛ بل على أساس أن نتساوى فيه والآب، وليس تساوينا في ذواتنا. فبقدر ما تنسكب فينا قوة وحدة المسيح في الآب، سواء من جهة الحب بينهما أو من جهة الحق والقداسة بقدر ما نبتدئ نحن نتساوى ونتقارب ونتحد بهذه القوة الخارجة عنا والآتية إلينا من لدن الله. فمحبة الله تحصرنا، فتلغي عداواتنا وتنهي على انقساماتنا؛ وحق المسيح والآب يصهر أفكارنا وقلوبنا فيبدد جهالاتنا ويوقف حماقاتنا ويقدس أرواحنا وأجسادنا.ولاحظ أن وحدة المسيح مع الآب هي طبيعة جوهرية، تقوم على التساوي كلياً وفي كل شيء؛ أما وحدتنا التي لنا في المسيح والآب فهي نعمة ورحمة، هي تفضل وهبة، هي مجرد إشعاع فعال لوحدة المسيح مع الآب.وقد صور المسيح في سفر الرؤيا هذه الوحدة التي يسعى إليها من نحونا بدخوله بابنا ليتعشى معنا. فهو يتعشى من صحن هموم الإنسان وأوجاعه وأنينه، يتعشى متقاسماً معه لقمة الشقاء والتغرب والإنسان يتعشى معه بالنعمة - من صحن أفراحه وبهجة خلاصه، ويتناول من يده خبز حبه وختم استيطانه.هذه هي دعوة وطلبة المسيح التي يطلبها المسيح لنا جميعاً، لكل إنسان، لكل كنيسة، ولكل من يريد أن يكون في مرمى دعاء المسيح هذا، أو تحت طاعة دعوته،أو بالحري مستجيباً لوصيته العظمى هذه.إنها وحدة سرية للغاية، لا يستطيع العقل البشري أن يستنفد كل شروطها، أو يضع بنودها، أو يتصور حدودها.. لذلك علينا أن نتأكد جميعنا جيداً أن أي محاولة من هذا القبيل كفيلة أن تُفوّت علينا سر المسيح، بل سر المسيحية. لأنها على مستوى قيام المسيح في الآب وقيام الآب في المسيح؛ ليس من جهة الكلمة الأزلية وحسب بل من جهة الإنسان يسوع المسيح. هذه الوحدة التي جعلت الله يرتضي بدم المسيح المسفوك على الصليب ثمناً لها .المسيح يضع أبعاد قوة اتحاده بالآب واتحاد الآب به نموذجاً وهوية لوحدة يطلبها لنا فيه ولبعضنا بعض. وهو إذ يراها تفوق قدراتنا وتصوراتنا عاد ويطلبها ويلح في طلبها من الآب نفسه ولا يزال متوسلاً بدمه !!
إذن، فاتحادنا ككنائس ليس هو اتحاداً ذا أبعاد زمنية أو جغرافية أو يمكن أن يُبنى على أي أساس بشري أو فكري مهما كان لأنه مطلوب أن يكون اتحاداً بالآب عبر المسيح أولاً، ثم تظهر أفعاله وقوته فينا على مستوى الزمن والعالم بعد ذلك.لن تكتمل وتتم هذه الوحدة دون موت ذات كل كنيسة لتحيا ذات المسيح وحدها،وحينئذ: «يؤمن العالم أنك أرسلتني».
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد