المقالات

08 أغسطس 2022

مكانة العذراء

مع صوم العذراء يليق بنا أن نتأمل في مكانه العذراء في الإيمان الأرثوذكسي المستقيم، إذ اختارها الله دون بنات العالم لتكون والدة الإله، والوسيلة الرئيسية لإتمام التجسد الإلهي، لكي يُتمّم خلاص البشرية بالصليب والقيامة والصعود وحلول الروح القدس، لنعيش هذا الخلاص..1) العذراء اُختيرت من بنات الهيكل وعذارى مختارات، وشهد لها الوحي الإلهي قائلًا: «لأن الملك راق له طهركِ (اشتهى حسنكِ)، لأنه هو ربكِ وله تسجُدين» (مز45: 11). وفي بشارة رئيس الملائكة لها قدم لها تحية تليق وتشهد لقداستها «سلامٌ لكِ أيَّتُها المُتلِئةُ نِعمَةً! الرَّبُّ معكِ. مُبارَكَةٌ أنتِ في النِّساءِ» (لو1: 28).فرغم أنها كانت محتاجة للخلاص كسائر البشر لكنها تميزت بعلاقة خاصة مع الله، لذلك شهدت لها أليصابات بالروح القدس « فمِنْ أين لي هذا أنْ تأتيَ أُمُّ رَبّي إلَيَّ؟ فهوذا حينَ صارَ صوتُ سلامِكِ في أُذُنَيَّ ارتَكَضَ الجَنينُ بابتِهاجٍ في بَطني. فطوبَى للّتي آمَنَتْ أنْ يتِمَّ ما قيلَ لها مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ» (لو1: 43-45). ولأنها "مباركة في النساء، ومباركة ثمرة بطنها". وهذه شهادة الروح القدس عنها على فم أليصابات، إذ مجرد سماع صوتها تكلمت بالروح القدس أن العذراء مباركة وممتلئة نعمة.2) بحلول ابن الله الكلمة في بطن العذراء صارت سماء ثانية جسدانية، لذلك شهدت هي عن ما حدث لها قائلة: «تُعَظِّمُ نَفسي الرَّبَّ، وتَبتَهِجُ روحي باللهِ مُخَلِّصي، لأنَّهُ نَظَرَ إلَى اتِّضاعِ أمَتِهِ. فهوذا منذُ الآنَ جميعُ الأجيالِ تُطَوِّبُني، لأنَّ القديرَ صَنَعَ بي عَظائمَ، واسمُهُ قُدّوسٌ، ورَحمَتُهُ إلَى جيلِ الأجيالِ للّذينَ يتَّقونَهُ» (لو1: 46-50)، فهي مطوَّبة من القديسين، لذلك ننظر للعذراء كسماء في سموها ورفعتها وانفرادها بصفات لا تجتمع في إنسان. ولعل اتضاع العذراء يتجلّى في تسبحتها لله على نعمته واختياره لها، بأن نسبت كل الفضل لله: «صَنَعَ قوَّةً بذِراعِهِ. شَتَّتَ المُستَكبِرينَ بفِكرِ قُلوبهِمْ. أنزَلَ الأعِزّاءَ عن الكَراسيِّ ورَفَعَ المُتَّضِعينَ. أشبَعَ الجياعَ خَيراتٍ وصَرَفَ الأغنياءَ فارِغينَ. عَضَدَ إسرائيلَ فتاهُ ليَذكُرَ رَحمَةً، كما كلَّمَ آباءَنا» (لو1: 51-55).3) ما ورد في (إش19: 1) عن قصة مجيء العذراء لمصر مع طفلها والقديس يوسف: «هوذا الرَّبُّ راكِبٌ علَى سحابَةٍ سريعَةٍ وقادِمٌ إلَى مِصرَ، فترتَجِفُ أوثانُ مِصرَ مِنْ وجهِهِ، ويَذوبُ قَلبُ مِصرَ داخِلها»، ووصف العذراء بسحابة يدل على السمو والارتفاع الذي نالته العذراء بتجسد ابن الله الكلمة منها، لذلك صارت شفيعة أمينة للجنس البشري كأم حنونة تشعر باحتياجات أبنائها، ويرى كثير من الآباء أن العذراء حين سمعت من السيد المسيح عند الصليب أن يوحنا ابنها «هوذا ابنكِ»، وأكّد أنها أمه «هوذا أمك» (يو19: 26-27)، وبعدها أخذها يوحنا إلى خاصته بمعنى أنه صار يهتم بها كابن لها حسب تكليف السيد المسيح له، وببنوته للعذراء كان الإعلان بأنها أم لجميع المؤمنين، لذلك نثق في شفاعتها وصلواتها كأم حنون تشعر بآلام أولادها، ونترنم لها ونقول "أنتِ الشفيع الأكرم عند ابنكِ يا مريم"، وتعبير الشفيع الأكرم تعني الأقرب والأقوى لنا، لأنها الأقوى في الدالة وقوة التأثير، وتشعر بنا بقوة، لذلك نطلب شفاعتها وطلباتها لأجلنا لمكانتها العظيمة وقربها من قلب الله المحب. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد
01 أغسطس 2022

مكانة العذراء

مع قرب صوم العذراء يليق بنا أن نتأمل في مكانه العذراء في الإيمان الأرثوذكسي المستقيم، إذ اختارها الله دون بنات العالم لتكون والدة الإله، والوسيلة الرئيسية لإتمام التجسد الإلهي، لكي يُتمّم خلاص البشرية بالصليب والقيامة والصعود وحلول الروح القدس، لنعيش هذا الخلاص..1) العذراء اُختيرت من بنات الهيكل وعذارى مختارات، وشهد لها الوحي الإلهي قائلًا: «لأن الملك راق له طهركِ (اشتهى حسنكِ)، لأنه هو ربكِ وله تسجُدين» (مز45: 11). وفي بشارة رئيس الملائكة لها قدم لها تحية تليق وتشهد لقداستها «سلامٌ لكِ أيَّتُها المُتلِئةُ نِعمَةً! الرَّبُّ معكِ. مُبارَكَةٌ أنتِ في النِّساءِ» (لو1: 28).فرغم أنها كانت محتاجة للخلاص كسائر البشر لكنها تميزت بعلاقة خاصة مع الله، لذلك شهدت لها أليصابات بالروح القدس « فمِنْ أين لي هذا أنْ تأتيَ أُمُّ رَبّي إلَيَّ؟ فهوذا حينَ صارَ صوتُ سلامِكِ في أُذُنَيَّ ارتَكَضَ الجَنينُ بابتِهاجٍ في بَطني. فطوبَى للّتي آمَنَتْ أنْ يتِمَّ ما قيلَ لها مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ» (لو1: 43-45). ولأنها "مباركة في النساء، ومباركة ثمرة بطنها". وهذه شهادة الروح القدس عنها على فم أليصابات، إذ مجرد سماع صوتها تكلمت بالروح القدس أن العذراء مباركة وممتلئة نعمة.2) بحلول ابن الله الكلمة في بطن العذراء صارت سماء ثانية جسدانية، لذلك شهدت هي عن ما حدث لها قائلة: «تُعَظِّمُ نَفسي الرَّبَّ، وتَبتَهِجُ روحي باللهِ مُخَلِّصي، لأنَّهُ نَظَرَ إلَى اتِّضاعِ أمَتِهِ. فهوذا منذُ الآنَ جميعُ الأجيالِ تُطَوِّبُني، لأنَّ القديرَ صَنَعَ بي عَظائمَ، واسمُهُ قُدّوسٌ، ورَحمَتُهُ إلَى جيلِ الأجيالِ للّذينَ يتَّقونَهُ» (لو1: 46-50)، فهي مطوَّبة من القديسين، لذلك ننظر للعذراء كسماء في سموها ورفعتها وانفرادها بصفات لا تجتمع في إنسان. ولعل اتضاع العذراء يتجلّى في تسبحتها لله على نعمته واختياره لها، بأن نسبت كل الفضل لله: «صَنَعَ قوَّةً بذِراعِهِ. شَتَّتَ المُستَكبِرينَ بفِكرِ قُلوبهِمْ. أنزَلَ الأعِزّاءَ عن الكَراسيِّ ورَفَعَ المُتَّضِعينَ. أشبَعَ الجياعَ خَيراتٍ وصَرَفَ الأغنياءَ فارِغينَ. عَضَدَ إسرائيلَ فتاهُ ليَذكُرَ رَحمَةً، كما كلَّمَ آباءَنا» (لو1: 51-55).3) ما ورد في (إش19: 1) عن قصة مجيء العذراء لمصر مع طفلها والقديس يوسف: «هوذا الرَّبُّ راكِبٌ علَى سحابَةٍ سريعَةٍ وقادِمٌ إلَى مِصرَ، فترتَجِفُ أوثانُ مِصرَ مِنْ وجهِهِ، ويَذوبُ قَلبُ مِصرَ داخِلها»، ووصف العذراء بسحابة يدل على السمو والارتفاع الذي نالته العذراء بتجسد ابن الله الكلمة منها، لذلك صارت شفيعة أمينة للجنس البشري كأم حنونة تشعر باحتياجات أبنائها، ويرى كثير من الآباء أن العذراء حين سمعت من السيد المسيح عند الصليب أن يوحنا ابنها «هوذا ابنكِ»، وأكّد أنها أمه «هوذا أمك» (يو19: 26-27)، وبعدها أخذها يوحنا إلى خاصته بمعنى أنه صار يهتم بها كابن لها حسب تكليف السيد المسيح له، وببنوته للعذراء كان الإعلان بأنها أم لجميع المؤمنين، لذلك نثق في شفاعتها وصلواتها كأم حنون تشعر بآلام أولادها، ونترنم لها ونقول "أنتِ الشفيع الأكرم عند ابنكِ يا مريم"، وتعبير الشفيع الأكرم تعني الأقرب والأقوى لنا، لأنها الأقوى في الدالة وقوة التأثير، وتشعر بنا بقوة، لذلك نطلب شفاعتها وطلباتها لأجلنا لمكانتها العظيمة وقربها من قلب الله المحب. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
08 يناير 2022

خواطر الميلاد

لقد وُلِد السيد المسيح وصار ابن الله الكلمة متجسدًا ليلتقي بالبشرية التي عجزت عن لقائه، إذ هرب آدم الأول حينما جاءه الله في الفردوس، واختبأ وراء الشجرة التي أكل منها مخالفًا. وكم تعبت البشرية من بُعدها عن الله، فجاء هو وصار كواحد من البشر ليصنع أكبر شركة قوية بين الله والبشرية، لذلك دُعي اسمه "عمانوئيل" الذي تفسيره "الله معنا"، وهذا ما ظهر في أحداث الميلاد المجيد إذ جاء الملاك وبشّر الرعاة ليذهبوا ويروا الابن الكلمة المتجسد مُضجَعًا في مذود، وظهر النجم -وهو ملاك أيضًا- للمجوس ليأتي الجميع للبيت حيث الطفل المولود ويقدموا له الهدايا ذات المعاني الداله علي شخصية هذا الطفل أنه الملك والكاهن والفادي المتألم. 1- إنه قد وُلد كحمل: في مذود لأنه زاد أي غذاء.. لذلك قال عن نفسه «أنا هو خبز الحياة»، وإن كان الإنسان الأول آدم وزوجته حواء سقطا من خلال الأكل، لذلك جاء المخلص من خلال ذبيحته (الخبز والخمر) ليُعطي غفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منها في كل الأزمان.. لذلك قال الآباء القديسون: "جاء الرب من السماء متجسدًا ليرفعنا إليها حيث الأبدية، وجاء من خلال المذود ليرفعنا إلى المذبح، وجاء إلى البيت الأرضي ليرفعنا إلى المنزل السماوي، وجاء فقيرًا وهو الغني لكي يمنحنا الغِنَى لكي نستغني بفقره (2كو8: 9)". ويؤكد القديس أمبروسيوس قائلًا: "إن ميراثي هو فقر المسيح، وقوتي هي ضعف المسيح (أي صلبه وموته)". 2- لقد تجسد ليُشبع الجائع: والقديس أثناسيوس يقول: "إن التأمل في الله وكلمته يُشبع النفس إذ يصير الإنسان كالملائكة الذين يقتاتون برؤية الله المخلص في السماء".. والقديس مار أفرآم السرياني يقول: "جاء الرعاة حاملين لبنًا وتسبيحًا للطفل يسوع وسجدوا للابن المولود".. والقديس كيرلس الكبير يتأمل في ميلاده في مذود فيقول: "حين رأى الله الإنسان وقد هبط إلى مستويات تقترب من الحيوان، لذلك وضع نفسه في مذود حتى إذا تركنا الطبيعة النفسانية الأرضية ارتفعنا إلي درجة الفهم والإدراك اللائق بالبشر، وحينئذ نقترب للمائدة السماوية". 3- وتجسد أيضًا ليعلمنا السهر بحكمة: فإن كانت بداية الخطية بالأكل والتهاون إلى نوم الكسل، دُعِيَ الكلمة أقنوم الحكمة لأنه علمنا أسرار الله ومنها سر السهر الحكيم أي الروحي كالملائكة. وإذا كان النوم مرتبطًا بالأكل والكسل والتراخي عن الجهاد، فالسهر سمة الذين يستحقون أن يروا الابن الكلمة في ميلاده العجيب، كما يقول القديس أمبروسيوس: "الرعاة سهروا، والمجوس راقبوا النجم، فاستحقوا أن يلتقوا براعي الخراف الحقيقي الساهر عليهم".. هكذا كل مَنْ يريد الالتقاء بالمخلص في عيد تجسده لابد أن يترك غفلته ويتولّد فيه السهر الحقيقي النافع للنفس، فالعين المفتوحة ساهرة ترى الله ويد الله الفاعلة في حياة الإنسان الروحي المحب لله. والنتيجة هي: يقول القديس مار أفرآم السرياني: "لقد اتحد السمائيون مع الأرضيين في كيان واحد لينشدوا للمولود الذي حَوَّلَ الأرض إلى سماء بحلوله فيها.. فهو كائن في السماء في حضن الآب، وهو أيضًا تجسد على الأرض فوحّد الاثنين معًا". نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
08 يونيو 2021

القيامة طريق الحياة

تحدثنا قراءات الكنيسة في الأحد الخامس عن أن السيد المسيح هو الطريق والحياة :(يو14: 1-11):قال له يسوع : «أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي»، والرب يسوع المسيح هو الطريق الحقيقي للحياة الأبدية : «لأنه ليس اسم آخر تحت السماء قد أعُطي بين الناس به ينبغي أن نخلص، وليس بأحد غيره الخلاص» (أع12:4-13). + قال يسوع هذا عن نفسه.. لأنه ليس هو مرشد للطريق بل هو الطريق نفسه، وهو الطريق الوحيد للحياة الأبدية فلا طريق سواه.. هو الحق الكامل الذي لا يشوبه ظلم.. هو الحياة الحقيقية فلا حياة بدونه .. + السيد المسيح يكشف لنا حقيقة معزية: إذ يؤكد لتلاميذه أنه هو الطريق والحياة وأنه لا يمكن أن يصل أحد إلى السماء إلا عن طريقه وأنه لا يوجد طريق آخر سواه ولا يمكن أن يأتي أحد إلى الآب إلا عن طريقه.. + لماذا لا يصل أحد للآب إلا عن طريقه؟ لأن الله هو العدل المطلق اللانهائي وطبقاً لمقتضيات العدل كان لابد أن تكون هناك كفارة عن الخطيئة إذ أخطأ الإنسان فلا يمكن أن يُقبل عند الآب إلا إذا كان هناك كفارة عن آثامه.. لذلك في ليلة عيد القيامة: تُطفَأ الأنوار في الكنيسة ويُغلق باب الهيكل، ويسمع المؤمنين حوارًا بين رئيس الكهنة أو الكاهن داخل الهيكل وبين آخرين خارج الهيكل.. هذا الحوار يمثل ما حدث حينما دخل السيد المسيح إلى السماء غالبًا منتصرًا بعد أن جعل للقديسين المحبوسين المنتظرين الخلاص مكانًا معه في الفردوس. «الذين نظروا المواعيد من بعيد وحيّوها وصدقوها».. فعندما يسمع الحراس كلام الملائكة "افتحوا أيها الملوك أبوابكم ليدخل ملك المجد"، فالحراس يقولون: "من هو ملك المجد؟:، فيجاوبهم الملائكة: "رب القوات هو ملك المجد"، لقد "كَسَرَ أبواب النحاس ومتاريس الحديد".. وهكذا يعلن الملائكة عن من هو الغالب المنتصر الذي قهر الموت وأعطانا القيامة والحياة لأنه هو الشفيع الكفاري الوحيد: «إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لأجل خطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا»، إذًا كفارتنا فقط هو واحد وهو يسوع المسيح مخلصنا وفادينا وحده: «ليس بأحد غيره الخلاص». هذا هو معنى أن المسيح هو الطريق بل والطريق الوحيد والحق والحياة .. فلا يمكن لإنسان يقدر أن يخلص إلا إذا آمن بالمسيح وإلا إذا اغتسل في دم المسيح وإلا إذا قبل المسيح فاديًا ومخلصًا يقول القديس جيروم: "إن كان المسيح هو طريق الأبرار فالشيطان هو طريق الأشرار، وما يميز المؤمنين هو اتحادهم بكلمة الله أي بالسيد المسيح".ويقول أحد الآباء أيضًا: "السيد المسيح يقودني إلى ذاته بكونه "الطريق". يجتذبني إليه بحبال محبته الإلهية ويهبني شركة طبيعته: القداسة والنقاوة والحب والاتضاع...الخ"ويقول القديس ذهبي الفم: "أنا هو الطريق والحق والحياة. المسيح هو الطريق إلى الحياة أي مصدر الحياة. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية (يو3: 36)".وأيضًا يقول أحد الآباء: "إنه الطريق الصالح الذي يقود الإنسان الصالح إلى الآب الصالح. يقود الإنسان الذي من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات. يقود العبد الأمين الصالح حقًا. إن هذا الطريق ضيّق، إذ لا يقدر كثيرون أن يحتملوا السير فيه لأنهم محبون لأجسادهم. ولكن من يسير فيه مع المسيح لا يعتاز لشيء، لا يحمل معه زادًا ولا مزودًا ولا ثوبًا ولا عصا، ولا يكون له احتياج (مت10:10)". نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد
01 يونيو 2021

نور القيامة يبدد الظلمة

لقد ظهرت الظلمة في أحداث الصليب إذ صارت ظلمة على الأرض كلها من وقت الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة، وهي عدد ساعات وجود السيد المسيح مُعلَّقًا على الصليب بعد أن عرّوه وضربوه وجلدوه وصار جسده ينضح دَمًا من كل جُزءٍ فيه، حتى يبذل ويقل كم الدم في الجسم، مما يجعل نبضات القلب تزيد حتى حدث (heart failure) فشل في القلب، أي يتوقف القلب عن نبضه فيموت الإنسان. وبموت السيد المسيح على الصليب يكون قد دفع ثمن الخطية ككفّارة عن خطايا كل العالم. وبعد دفنه ثلاثة أيام بلياليهم، يقوم بنور قوي كنور البرق، ويُحوِّل الظلمة إلى نور، والخطية إلى بر وقداسة، لذلك سمة النور مرتبطة بقبر السيد المسيح الذي يفجّ منه النور كل عام كتأكيد لحدث القيامة، تجسيدًا للقبر الفارغ والمفتوح، ويدخله كل الزوار ليروا حقيقة القيامة والأكفان التي تشهد للقيامة المجيدة «حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب» (لو24: 47). لقد لاحظ السيد المسيح أن التلاميذ كانوا غير مدركين لحديثه معهم، ولكن بعد القيامة فتح الرب ذهنهم ليفهموا، فآمنوا بالقيامة ورأوا الرب. ولنلاحظ ما جاء في (مر9: 32؛ ولو9: 45) «وأمّا هم فلم يفهموا، وكان الأمر مُخفى عنهم»، وفي (10: 6) «وأمّا هم فلم يفهموا ما كان يتكلم به معهم». ولكن بعد القيامة أدركوا ما لم يفهموه كما في (12: 16) «وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولًا، ولكن لما تمجّد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه». والقيامة كشفت الغموض الذي كان يكتنف التدبير الإلهي، لذلك ورد في (عب1:1-2) «الله بعد ما كلّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق شتى، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه»، وأكدها السيد المسيح في مناجاته للآب السماوي في (يو17: 6) «وأنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم، كانوا لكَ وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك». لذا كان الكل قبل القيامة في جهل وحالة اللا فهم واللا إدارك، وكانوا يحتاجون إلى نور القيامة والإعلان المقدس لكي تفهم البشرية قصد الله وتدابيره الفائقة المعرفة، من هنا جاء القول «لو عرفوا ما صلبوا رب المجد» (1كو2: 8). ففي ظهور الرب لتلميذي عمواس في (لو24: 26-27) «أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟ ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهم الأمور المختصة به في جميع الكتب»، وبعدها في (لو24: 44-45) يقول: «حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا أن المسيح كان ينبغي أن يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يُكرَز باسمه للتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم» (لو24: 47). وفي حديث التلاميذ اتضح حالتهم قبل أن يفتح ذهنهم بالقيامة وبعده، ففي البداية قالوا: «ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل» (لو24: 21)، ولكن بعد القيامة وظهوره للتلاميذ عدّة مرات، شهدوا له ولقيامته، حتى القديس بولس الرسول شهد أيضًا في (رو1: 4) قائلًا: «وتَعَيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات يسوع المسيح ربنا». حقًا إن نور القيامة المنبعث من قبر السيد المسيح سنويًا يكشف عن هذه الحقيقة الكاملة، والكرازة المبهرة للعالم كله بحقيقة هذا الإله المتجسد والقائم لخلاصنا... نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد
25 مايو 2021

القيامة والماء الحي

المسيح هو ينبوع الماء الحي (يو4: 1-42): «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا، أمّا من يشرب من الماء الذي أعطية أنا له فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطية له يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية».. وكان الماء من الأمور الضرورية للشعب في البرية لأن بدونه يهلكون عطشًا، لذلك أرسل لهم الرب ماءً من الصخرة ليشربوا.. لذلك لا يمكن للمسيحي أن يعيش في هذا العالم بدون مياه الروح القدس. + والإنسان له عواطف ومشاعر وأحاسيس لابد أن تشبع، فإن لم يصل إلى الامتلاء بالروح القدس فإنه يعطش إلى العالم ومياهه التي كل من يشرب منها يعطش، لأنه ليس في العالم الماء الحي، بينما طبيعة روح الله القدوس أنه أنهار ماء حي يفيض إلي حياة أبدية «الروح والعروس يقولان: تعالَ، ومن يسمع فليقل: تعالَ، ومن يعطش فليأتِ، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا» (رؤ22: 17). + وفي القيامة ينبغي أن نحس بالحركة الباطنية للروح القدس في حياتنا وتفيض على الآخرين أيضًا، أي أن الإنسان الذي يتكلم عن القيامة بدون إحساس بجريان الماء الحي من بطنه لهو يعيش الموت.. ومن جهله يظن أنه يملك أنهارًا داخلية.. لنتذوق قوة، القيامة ونرتوِ بمياه روحها الفيّاضة، لنذوق ينابيع الحب المنفجرة من الجنب الإلهي.. + لذلك يقول: «ومن يعطش فليأتِ، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا» (رؤ22: 17)، لأن مياه العالم (أي شهواته وملذاته) تزيد الإنسان عطشًا ونهمًا، أمّا شخص السيد المسيح ففيه كل الشبع وكل الارتواء الدائم الحي «أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا» (رؤ21: 6). + ولقد رأي الرائي نهرًا صافيًا من ماء حياة لامعًا كبلور، خارجًا من عرش الله (رؤ22: 1). + وعن الماء الحي مكتوب أيضًا: «وفي اليوم الأخير وقف يسوع ينادي قائلًا: إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب. من آمن بي - كما قال الكتاب - تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطِي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد» (يو7: 39-37).. السيد المسيح يكشف عن حقيقة أنه المانح ماء الحياة (الماء الحي): لقد ظنّت السامرية المسكينة أن الرب يسوع فعلًا يطلب أن يشرب لأنه كان قطع مسافات طويلة (6 ساعات)، فقالت له: «كيف تطلب مني لتشرب...؟»، فإذ به يقول لها: «لو كنتِ تعرفين عطية الله، ومن الذي يقول لكِ: أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاك ماء ينبع إلى حياة أبدية» (يو4: 10). + ما معني الماء الحي؟: ما هذا الماء الذي يعطي الإنسان الحياة الأبدية، والإنسان مخلوق ولابد للمخلوق أن يفنى، فكيف ينال الإنسان الحياة الأبدية ما لم يُعطَ ما يتغذى عليه، وما يعطينا أن نبقى إلى الأبد؟ هذا الماء الذي تكلم عنه سفر الرؤيا.. الذي يخرج من العرش، أي أن مصدره من الله نفسه.. لأن الله هو الحياة، فلابد لماء الحياة أن ينبع من الله.. ليس هناك مصدر للحياة ألّا الله. لأن الله هو الحي الأول، والسيد المسيح يقول عن نفسه: «أنا هو القيامة والحياة»، ومنه ينبع نبع الحياة، وكل من يريد أن يحيا لابد أن يأخذ من نهر الحياة، ولابد أن يشرب من نهر الحياة. وفي سفر إرمياء يقول: «تركوني أنا ينبوع الحياة»، مَن الذي يتكلم؟ الله هو الذي يقول : «تركوني أنا ينبوع الحياة».. هو باعث الحياة، ومَن يريد أن يحيا لابد أن يشرب من الماء الذي يعطية هو.. ومن يشرب من الماء الذي أنا يعطية يحيا إلى الأبد، ويصير فيه ينبوع ماء «ينبع إلى حياة أبدية». نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف المنوفية
المزيد
18 مايو 2021

جسد القيامة

كيف يقوم الأموات وبأي جسد يقومون؟ وبأي جسم يقومون؟ يتساءل البعض: بأيّة قوة أو كيف يمكن تحقيق القيامة؟ لأن هذا في نظرهم مستحيل. وهل إذا حدث يقوم بذات الشكل والأعضاء؟.. يوضّح ذلك الرسول بولس في رسالته الأولى لأهل كورنثوس: «لكن يقول قائل: كيف يُقام الأموات؟ وبأي جسم يأتون؟» (1كو15: 35). + يوبّخ الرسول المتشككين في القيامة بقولهم "كيف؟"، إذ لا يجوز التشكيك فيما يعلنه الله من حقائق لعجز العقل عن إمكانية تحقيقها، لذلك يوبخ هؤلاء: «يا غبي الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت» (15: 36). كأنه يقول: لماذا في غباوة نجحد قوة الله واهب القيامة، ونحن نختبر في كل يوم قدرته المحيية لأشياء ميتة؟ يقول القديس أمبروسيوس: "يليق بنا ألّا نشك فيما هو مُتفِق مع الطبيعة وليس ضدها، فإنه طبيعيًا كل الأشياء الحية تقوم ودمارها أمر غير طبيعي". ويقول مندهشًا «والذي تزرعه لست تزرعه الجسم الذي سوف يصير، بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي» (15: 37). إن ما يزرعه الإنسان ليست السنابل التي سيحصدها، بل حبة مجردة منها تخرج سنبلة من ذات النوع، لكنها أفضل وأعظم. هكذا الإنسان، يُزرع جسمًا ليقوم ذات الجسم ولكنه أبرع جمالًا وبهاءً، له طبيعة جديدة مجيدة روحية أعظم، فالموت ليس طريقًا لعبور الجسد وعودته فحسب، لكنه طريق لتمجيد الجسد ليشارك النفس بهاءها الأبدي. وبذلك ترفع القيامة من شأن الجسد الذي يقوم في بهاء أبدي مشاركة للنفس. يقول القديس أمبروسيوس: "إن كانت البذرة تموت وتقوم بمنافع إضافية للجنس البشري، فلماذا يُحسَب غير معقول أن الجسد البشري يقوم بقوة الله بكيان مساوٍ تمامًا؟". ويقول: «ولكن الله يعطيها جسمًا كما أراد، ولكل واحد من البذور جسمه» (15: 38). + الجسد القائم من نفس نوع الجسد: يقول القديس ثيؤدور معلقًا: "ليس كل جسد جسدًا واحدًا، بل للناس جسد واحد، وللبهائم جسد آخر، وللسمك آخر، وللطير آخر (15: 39)،لأنه في القيامة سيقوم جسد أفضل، جسد لا يعود فيه لحم ودم، بل كائن حي خالد ولا يمكن هلاكه". «أجسام سماوية وأجسام أرضية.. لكن مجد السماويات شيء ومجد الأرضيات آخر» (15: 40). يقصد بالسماء الشمس والقمر وبقية الأجرام السماوية، بينما يقصد بالأرض جرم الأرض المادي.. + القيامة تهب المؤمن قوة هنا ليحطم الخطية ويكسر شوكة الموت فيعيش بروح النصرة المتهلّلة.. يقول ذهبي الفم: "حقًا سيقوم الكل في قوة وعدم فساد، ولكن في هذا المجد الذي بلا فساد لا يتمتع الكل بذات الكرامة والأمان. ومع وجود قيامة واحدة لكن توجد اختلافات ضخمة في الكرامة من جسد لآخر". سمات جسد القيامة: 1- بلا فساد: جسد أبدي حي «هكذا أيضًا قيامة الأموات، يُزرّع في فساد ويُقام في عدم فساد» (15: 42). 2- مجيد: في مجد دائم لا ينقطع «يُزرَع في هوان ويُقام في مجد، يُزرَع في ضعف ويُقام في قوة» (15: 43). 3- في قوة: لا يرتبط بالجسد الضعيف «يُزرَع في ضعف ويُقام في قوة» (15: 43). 4- جسم روحاني: «يُزرَع جسمًا حيوانيًا، ويُقام جسمًا روحانيًا.. يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني» (15: 44). 5- على شبه جسم الإنسان الثاني، الرب من السماء (15: 45-50): «الإنسان الأول الأرض من تراب.. الإنسان الثاني الرب من السماء». لذلك إذا كانت القيامة ترفع من شأن الجسد ليصير في صورة السماوي «وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي»، لابد من أن يتغير الإنسان لننعم بإشراقات القديسين. يقول الأب كاسيدورس: "يُشار إلى إشراقات القديسين عندما يتلألأون في القيامة مثل ملائكة الله.. فإنهم سيظهرون هكذا، ويصيرون في بهاء، فيقدرون أن يتطلعوا إلى العظمة بعين القلب. لا يقدرون أن يتفرسوا في النور ما لم يتغيروا إلى ما هو أفضل". نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف المنوفية
المزيد
11 مايو 2021

القيامة والكنيسة

ظل السيد المسيح بعد قيامته أربعين يومًا يظهر لتلاميذه القديسين والمريمات والبعض ليشهدوا لقيامته، وحرص على أن يؤكد لهم جسد القيامة الذي يحيا إلى الأبد منتصرًا على الموت، وكان هدفه تجميع الكنيسة مرة أخرى حتى صعوده ليأتي الروح القدس ويحل على الرسل ومَنْ معهم، لتولد الكنيسة في عهد جديد تحمل في أسرارها قوة القيامة، وتعطي إمكانية الحياة الأبدية الغالية للضعف البشري وللموتى بكل صورة، لذلك نرى في حياة الكنيسة وقديسيها روح الغلبة والنصرة، فالرسل والشهداء والقديسون من كل الأنواع والجنسيات قدموا رسالة مفادها الظفر بالحياة الحقيقية إلى الأبد، رغم ما عانوه من آلام واضطهادات وسجون ومعاناة نفسيه وجسدية..يا ترى ماذا قال الرب لمن ظهر لهم؟ وكيف قضى الوقت معهم في ظهوراته لهم؟1) أسس مع التلاميذ سر الكهنوت والمغفرة: حتى تصير القيامة خبرة حقيقية من السقوط في الخطية إلى النهوض، ونفخ في وجوههم ليقبلوا الروح القدس لمغفرة خطايا الشعب للذي يقدم التوبة الحقيقية، وهنا سر الكهنوت مرتبط بسر التوبة والاعتراف المرتبط أيضًا بتقديم الذبيحة الإفخارستية، وكل هذا لتحويل الموت الأبدي الذي هو مصير الأشرار، إلى حياة أبدية بالمغفرة والتناول. وسَبَقَ ووَعَدَ الرب بتأسيس كنيسته على صخرة الإيمان حين قال لبطرس الرسول: «وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»، وكان هذا وعدًا حين سأل الرب بطرس: «مَنْ تقولون إني أنا؟» فأجابه: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»، فكافأه الرب بهذا الوعد: «... وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، وما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات، وما تحله على الأرض يكون محلولًا في السموات» (مت16: 16-18).وبعد القيامة جاء وقت التنفيذ للوعد بالتكليف، حين التقى الرب ببطرس بعد القيامة وقال له: «أتحبني؟»، فأجاب: «أنت تعلم أني أحبك»، فكلّفة قائلًا: «أرعَ خرافي» (يو21: 15) وحدث هذا ثلاث مرات... وهذا يؤكد فعل القيامة في حياة التلاميذ...2) جدد صيد السمك للتلاميذ السبعة: حين ظهر لهم وسألهم «يا غلمان ألعل عندكم أدامًا؟» فأجابوه أن لا! فأمرهم أن يلقوا الشباك على الجانب الأيمن فأمسكوا صيدًا كثيرًا وأكل معهم سمكًا، إذ حين صعدوا إلى الشاطئ وجدوه قد أعدّ لهم سمكًا مشويًا فأكلوا (يو21: 5-9).. وكأن الرب يجدّد وعده للتلاميذ بصيد كثير، ويؤكد وعودًا سابقه أن يجعلهم صيادي الناس حين دعاهم في البداية (لو5: 10).. إنها خطوة هامه في كرازة الرسل. وفي القيامة عودة المفقود إلى الوجود، لذلك أعاد لهم الوعود، وجمع تلاميذه والمريمات كنواة لكنيسة قوية مبنية على الصخر تأتي بثمر كثير من كرازتها بالفادى القائم من الأموات. لذلك كنيستنا رسولية مؤسسة على وعود الرب لرسله الأطهار، وعلى المبادئ التى أرساها معهم في إعدادهم طوال مدة التلمذة الروحية على مدى ثلاث سنوات وثلث سنة بكل اهتمام. ومما سبق يظهر تأثير القيامة على الكنيسة التى بدأت بالرسل القديسين ومَنْ معهم. هذه السطور مجرد نموذج لظهورات الرب الإحدي عشر على مدى أربعين يومًا، يبعث الحياة في تلاميذه والمريمات ومَنْ استمتعوا برؤيته، ويُسلمهم الكنيسة وأسرارها.. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
07 مايو 2021

القيامة وتحقيق الوعود

تضمّنت كلمات السيد المسيح لتلاميذه وعودًا كثيرة فرحوا بها جدًا، رغم حديثه عن آلامه وآلامهم، فمثلًا يقول لهم: «الحق الحق أقول لكم: إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون، ولكن حزنكم يتحول إلى فرح» (يو16: 20)، وأيضًا قولهك «وقبل هذا كله يضعون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وولاة لأجل اسمي، فيؤول لكم ذلك شهادة» (لو21: 12). ولكن وعدهم بوعود كثيرة مثل: «أنا هو القيامة والحياة، مَنْ آمن بي ولو مات فسيحيا» (يو11: 25)، ويقصد هنا الحياة الأبدية التي أعدّها الرب بقيامته المُحيية ودخوله الملكوت سابقًا لنا ليُعدّ لنا مكانًا معه. كذلك مع الآلام التي تكلّم الرب عنها بأنها ستنال المؤمنين، بدءًا من التلاميذ وبقية العهود التالية لهم يقول: «ولكن حزنكم يتحول إلى فرح» (يو16: 20)، وأكّدها الرب بقوله: «أراكم فتفرح قلوبكم» (يو16: 22).وهذا هو رجاؤنا دائمًا، أننا في الآلام نرى يد الله تعمل، ثم نرى الله واضحًا في الحلول التي تحدث عمليًا. ومن هنا نرى أن الوعود الإلهية صادقة، وتتم كما تمت في أحداث القيامة والصعود. فحين التقت مريم المجدلية مع الرب القائم من بين الأموات قال لها: «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يو20: 17). ومع خبر القيامة والصعود يتضح وعدان مهمان من وعود الرب: الأول هو عطية البنوة للآب السمائي، لأن ابن الله قد تجسد ليشابهنا، وتألم بجسم بشريتنا ليعبر بنا إلى الحياة من موت الخطية، ومن عبيد إلى أبناء، لذلك يقول «أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم»، أي أن أباه صار أبًا لنا، وإلهنا صار إلهًا له إذ شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، وبقيامته المجيدة جعلنا نشابهه بحياتنا الأبدية التي صارت لنا بقيامته أيضًا. وتتوالى وعود إلهنا الصالح بقوله: «من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير» (يو6: 54-56)، ذلك لأن مَنْ يتناول من الأسرار المقدسة يثبت في المسيح فينال الحياة معه إلى الأبد، وهكذا قال القديس بولس: «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا» (في1: 23)، وهذا يدلّ على ارتباط الحياة الأبدية بحياة المسيح له المجد، فهو أول مَنْ دخل إلى الأقداس مرة واحدة فوجد فداءً أبديًا (رو9: 12).من كل هذه الوعود ندرك لماذا قال المزمور: «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ونتهلّل فيه» (مز118: 24). فهو يوم جديد انتظرته البشرية لتدرك الحياة الأبدية، لذلك يقول يوحنا البشير: «ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب» (يو20:20)، لأنهم رأوه في مجد القيامة ودخل إليهم والأبواب مُغَلَّقة. وسَبَقَت وعود الرب في القيامة حديثه عن التوبة كأحد صور القيامة في حياة المؤمن حيث قال: «أقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًّا لا يحتاجون إلى توبة» (لو15: 7). والقصد هنا من أبرار لا يحتاجون إلى توبة في أعين أنفسهم، لأن الإنسان طالما في الجسد يحتاج إلى توبة كل لحظة. وهنا التوبة هي عودة المفقود بالخطية إلى الوجود مع المسيح، وهذه هي القيامة من الخطية كموت. فلقد دخلت الخطية إلى العالم بإنسان (آدم الأول) وبالخطية الموت (رو5: 12) «من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع»، (رو5: 15) «ولكن ليس كالخطية هكذا أيضًا الهبة. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيرًا نعمة الله، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين»!.. ونشكر الله على نعمة القيامة الأبدية. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل