المقالات

09 مارس 2020

الصوم وحياة السهر

في مَثَل الحنطة والزوان، يعلن عن وجود عدو مُقاوم أي إبليس رئيس مملكة الظلمة الذي لا يطيق مملكة النور.. «يشبه ملكوت السموات إنسانًا زرع زرعًا جيدًا في حقله، وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زوانًا في وسط الحنطة ومضى، فلما طلع النبات وصنع ثمرًا، حينئذ ظهر الزوان أيضًا» (مت13: 24-26). أولًا: لماذا لم يقل السيد "وفيما الزارع نائم جاء عدوه وزرع زوانًا" إنما قال "فيما الناس نيام"؟.. ذلك لأن: الله يسهر على كرمه ويهتم به، لكن الكرامين إذ ينامون يتسلل العدو إلى الكرم.. إن الله يحترم الإرادة الإنسانية ويأتمنها، لكن الله يطلب السهر حتى لا يتسلل العدو ليلًا.. ثانيًا: لم يقل السيد المسيح "جاء عدوهم" إنما قال:"جاء عدوه"؟.. لأن: العدو لا يقصد الكرامين بل صاحب الكرم، فالعامل الحقيقي ضد الكرم هو إبليس عدو الله نفسه.. حقًا إنها حرب بين الله وإبليس، بين النور والظلمة.. ما المقصود بالنوم هنا؟ يُقصد به التراخي والإهمال أو نسيان الله نفسه. يقول ق. جيروم "لا تسمح للعدو أن يلقي زوانًا وسط الحنطة بينما الزارع نائم عندما يكون الذهن الملتصق بالله في غير حراسة، وإنما قُل مع عروس النشيد: في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي. إخبرني أين ترعى أين تربض عند الظهيرة (نش3: 1 و1: 7)". ثالثًا: ماهو الزوان؟ إلى أي شيء يشير؟ (1) يشير إلى الهرطقات: التي تنتشر في غفلة روحية من الرعاة، لذلك يقول ق. جيروم: "ليت أسقف الكنيسة لا ينام لئلا بإهماله يأتي إنسان عدو ويلقي بالزوان، أي تعليم الهراطقة". (2) يشير إلى الخطية: الخطية التي تتسلّل إلى الفكر والقلب في غفلة روحية من الإنسان الروحي، لذلك يتحدث الأب إيسيذورس عن الأفكار الشريرة بقوله: "لماذا تنبع الأفكار الشريرة من القلب وتنجس الإنسان (مت 15: 19-20)؟! بلا شك لأن العاملين ينامون مع أنه كان يلزم أن يكونوا ساهرين حتى يحفظوا ثمار البذار الصالحة لكي تنمو. فلو لم نضعف أثناء سهرنا بسبب النهم والتراخي وتدنيس الصورة الإلهية، أي فساد البذرة الصالحة، ما كان لباذر الزوان أن يجد وسيلة للزحف وإلقاء الزوان المستحق للنار". (3) يشير إلى الأشرار: الذين يحملون شكلية العضوية الكنسية دون روحها وحياتها العميقة. رابعًا: ظهور الزوان وانتظار وقت الحصاد، لماذا؟ «فلما طلع النبات وصنع ثمرًا.. حينئذ ظهر الزوان أيضًا.. إنسان عدو فعل هذا.. دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى الحصاد.. وفي وقت الحصاد أقول للحصادين اجمعوا أولًا الزوان واحزموه ليُحرق.. وأمّا الحنطة فاجمعوها إلى مخزني" (13: 26-30).. وهنا يطلب السيد الرب يسوع: (أ) تأكيد الاهتمام الإيجابي والعمل لحساب ملكوت الله عوض إدانة الأشرار. (ب) عدم اليأس والجهاد، لا في إقتلاع الزوان بل في العمل وتحويل الزوان إلى حنطة، فالله لم يقطع عيسو الشرير حتى لا يهلك معه أيوب البار الذي جاء من نسله، ولم يقتل لاوي العشار حتى لا يفقده ككارز بالإنجيل، ولا انتقم لإنكار سمعان بطرس الذي قدم دموع التوبة بحرقة، ولا ضرب شاول الطرسوسي بالموت حتى لا نفقد بولس الرسول الذي كرز بالخلاص في أقاصي الأرض. ينصح ق. أغسطينوس بقوله: "كثيرون يكونون في البداية زوانًا لكنهم يصيرون بعد ذلك حنطة، فلنحتملهم بالصبر. وإنك لتجد القمح والزوان بين الكراسي العظيمة كما بين العلمانيين أيضًا، فليحتمل الصالحون الأشرار، وليصلح الأشرار من أمرهم مقتدين بالصالحين". لنحذر: في ملء اليقظة من عدو الخير الذي يلقي الزوان سرًا ليملك على القلب الذي أُعِد لسُكنى المسيا المخلص، ولا يكون هناك مكان لإبليس المفسد بالصوم وحياة السهر. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
02 مارس 2020

الصوم والشفاء

الصوم وصية إلهية وُجِّهت للإنسان لتأكيد حبه لله، وذلك حين طلب الله من الإنسان أن يأكل من كل الشجر في الجنة ماعدا شجرة معرفة الخير والشر. وهكذا وُجِد الصوم في عبادة الإنسان لله، وكان أمام الإنسان فرصة الطاعة لتأكيد محبته لله، أو المعصية والأكل والسقوط ودخول الموت إلى الإنسان، وهذا ما حدث فعلًا... لذلك حين تجسد الابن الكلمة اُقتيد بالروح للبرية صائمًا حتى يُصحّح خطأ آدم الأول، ويصير آدم الثاني رأس البشرية الجديدة. ومن هنا اكتسب الإنسان أهمية الصوم، لأنه يرفض الموت ويحب الحياة، لذلك ركزت الكنيسة في قراءات الآحاد علي الأمور التالية: (1) علاقة الصوم بالعبادة: وهذا إنجيل أحد الرفاع قبل بداية الصوم، ويضع صورة العبادة المقبولة: في صلاة في المخدع، وصوم داخلي بقناعة وتُعفّف النفس، وصدقة مُخفاة عن أعين الجميع وعطاء المديون وليس المتباهي بمنطق «من يدك وأعطيناك... والمعطي المسرور يحبه الرب»، كمن هو فرح بسداد ديونه للرب المسئول عن الفقير والمحتاج. وهنا دعوة للاستشفاء من التباهي والمتعة بالتفضُّل علي الآخر. (2) علاقة الصوم بالنصرة: كما انتصر السيد المسيح على الشيطان الذي لم يستطع أن يُسقطه كما حدث مع آدم الأول، وذلك أعطى للإنسان الجديد كرامة أقوي وأعلىن حتى مع إمكانيات العهد الجديد ينتصر على عدو الخير بصورة تجعله يحيا بالفضيلة والقداسة الداخلية بعيدًا عن موت الخطية. وهذا نوع من الشفاء من مرض الخطية، فالذي يبدأ بالعبادة ومنها الصوم، يصل إلى النصرة على موت الخطية. (3) علاقة الصوم بالعودة لبيت الآب: حيث السيادة ورفض عبودية الكورة البعيدة مع الخنازير المتسخة، والتمسك ببيت الآب وبالأمان وبالغذاء والحياة الكريمة، والاستشفاء النفسي والجسدي. والصوم من العوامل الأساسية لحفظ إرادة الإنسان صالحة نقية، وتظل اختيارات الإنسان تُفرح قلب الله دائمًا بنعمة الله. (4) علاقة الصوم بالمصالحة: حين التقي الرب بالسامرية لكي يُنهي العداوة بين اليهود والسامريين، إذ هو المخلص والمصالح الإنسان مع الله والإنسان مع أخيه والإنسان مع الخليقة. وهنا نجد المصالحة تبدأ مع الله ثم مع الإنسان ثم مع الخليقة، وبذلك تمنح الحياة، لأن الخصومة موت لأنها عداوة، أمّا المصالحة فحياة. (5) علاقة الصوم بالشفاء: وهذه نتيجة لكل ما سبق بالصوم. والشفاء هو المحصِّلة لبركات الصوم في كل ما سبق الحديث عنه. وشفاء الإرادة التي بدأت بالعبادة، فاختزنت للنصرة على الشر، بفضل العودة لبيت الآب، والمصالحة التي تقدِّس الإرادة، وتُنير العينين لرؤية الحياة الأبدية، بالقيامة التي تهزم الموت إلى الأبد، من خلال الخلاص والفداء الذي نحتفل به في أسبوع الآلام، وصولًا إلى القيامة التي تعلن جسد الحياة الأبدية. وواضح جدًا أن الصوم كعبادة، مع الصلاة والصدقة، يُحرّر النفس من سلطان الشيطان، ويعيدنا لبيت الآب، ويُنهي العداوة بالمصالحة الشافية للروح بالتوبة، وللنفس بالتوبة، وللنفس بالقداسة، وللجسد بالحفظ من إغراءات أو شهوات تضر بالكيان الإنساني. ونخلص من كل هذا أن مراحل الشفاء الإرادي من أي ضرر شرير تتوقف على الصوم بطريقة روحية تقدّس الإرادة، لذلك قيل «وتنبت صحتك سريعًا» (إش58: 8). نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
24 فبراير 2020

فكر الصوم

الصوم ليس هو الجوع، ولكنه التوبة والرجوع بمعنى تغيير الفكر، الذي يُمثّل الاتجاه الذي يحدّد علاقة الإنسان بالله... ومن هنا كان للصوم فكر هدفه ضبط فكر الصائم حتى يتجه نحو الله ويحبه، ومن هنا كان للصوم فكر روحي قوي تقدمه الكنيسة لنا في قراءات آحاد وأيام الصوم المقدس.أحد الرفاع: العبادة في الخفاء «أبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية»، بمعنى «أدخل مخدعك وأغلق بابك» أي الاتجاه الخفي العميق في القلب الذي يحب الله ويريده. فالصوم فرصة للعلاقة الفردوسية مع الله، حيث بدأ آدم وحواء حياتهما مع الله صائميْن، أي لا يأكلان من الثمرة الممنوعة، فكانت العشرة المقدسة مع الله والحديث المتبادل معه.أحد الكنوز: أي كيف تكتنز كنزًا سمائيًا في الصوم لأنه «حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك»... والاكتناز المادي يضيع، لكن الكنوز الروحية لا تفنى ولا تتبدّد، فليست المشكلة في الاحتياج المادي، ولكن العلاج في الشبع الروحي الذي يرفعنا فوق كل الكائنات الأرضية، فلا يقدر أحد أن يخدم سيدين، بل اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تُزاد لكم... فالكنز الحقيقي هو أن يملك الله على الإنسان، لكي يملك الإنسان مع الله في الأبدية السعيدة.أحد التجربة: نتيجة حسد الشيطان للصائم يحاربه بالأكل، وإذا رفضها يحاربه بالقنية «أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي». وإذا انتصر عليها يحاربه بالمعجزة «أوقفه على جناح الهيكل» ويطالبه بأن يلقي بنفسه حتى يتأكد أن الملائكة معه وستحمله بلا أذى (مت4: 1-11). وهذا هو أسلوب الشيطان: أن يحارب بالمنطق الشرير للتشكيك والتشويش ونزع السلام.أحد الابن الضال: والتركيز على ترك بيت الآب (الكنيسة)، حيث البحث عن نصيب الذات والمتعة الزائفة مع أصدقاء السوء حيث الكورة البعيدة. ولكن المال ينتهي ولا يبقى سوى خرنوب الخنازير الذي لا يجده مَنْ يريده، لأن الشيطان ليس ملجأً، بل يبغي ضلال الإنسان. والصوم يعيد الابن إلى حضن أبيه بالتوبة ورفض الكورة البعيدة، فينال الحُلة الأولى والعجل المُسمن فرحًا وابتهاجًا بالعودة المرتقبة، إذ عينا الآب لا تكفّان عن البحث عن الضال.أحد السامرية: كمثال للضلال والبحث عن الماء والارتواء بعيدًا عن الله مع ستة أزواج، فتجد عند البئر مخلص العالم والعريس الحقيقي للنفس البشرية، فيدعوها إلى الماء الحي لترتوي بعد ظمأ سنين كثيرة، لأنها تشرب من الماء الذي يعطش مَنْ يشرب منه باستمرار، فلأنها التقت بالمسيا نالت ما جعلها تُقِرّ وتعترف بأخطائها وترغب في السجود بالروح والحق.أحد المخلّع: وهو مثال للشلل الإرادي الذي يقترب من الماء دون شفاء إذ ليس له مَنْ يلقيه أولًا في الماء بعد أن يحرِّك الملاك الماء، فيأتي الإنسان الذي يبحث عنه ليشفيه ويأمره أن يحمل سريره ويمشي، لأنه المخلص الشافي للإرادة الشريرة المشلولة الضائعة.أحد المولود أعمى: حيث الشفاء الشامل بخلقة عين جديدة من التراب بيد المخلص وبالماء، حيث الاستنارة الداخلية والحكمة الحقيقية لاقتناء الإنسان الروحي المولود من فوق. وهكذا يجدِّد الصوم وفكره الروحي حياة الصائم من خلال العبادة ليكنز وينتصر ويتوب ويتجدد. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
17 فبراير 2020

بين القوة والعنف

كثرت أحداث العنف في هذه الأيام في مجتمعنا المصري الهادئ بطبعه، والمُعبَّق بالمحبة كطبيعته. ويظن البعض أو القِلّة التي تستخدم العنف والقتل، أنه لون من القوة. بينما العنف ضعف، فالقوة تساعد لكن العنف يُسيء للآخرين، ويدل على تعصب ديني أو أفكار خاطئة أو خضوع لأعصاب ملتهبة تُترجَم إلى شتائم أو سباب بعبارات لا تليق، وكلها خطايا لا تليق تَنُمّ عن رغبة في الانتقام أو التسيُّد على المجتمع، ورغبة في التخلُّص من الآخر بدلًا من الوحدة معه كنسيج قوي يحمل فضائل المحبة والاحتمال والاتضاع والوداعة ونبذ العنف، كمجتمع قوي يؤمن بالله القوي، وليس مجتمعًا يتخذ أسلوب العنف الذي هو الضعف، بل والشر في صور عديدة بغيضة يُقَسَّم المجتمع، وينتج عن هذا عواقب وخيمة وشريرة.. لذلك ينصح معلمنا بولس الرسول في مواجهة الصعوبات: «بل في كُلِّ شَيءٍ نُظهِرُ أنفُسَنا كخُدّامِ اللهِ، في صَبرٍ كثيرٍ: في شَدائدَ، في ضَروراتٍ، في ضيقاتٍ، في ضَرَباتٍ، في سُجونٍ، في اضطِراباتٍ، في أتعابٍ، في أسهارٍ، في أصوامٍ، في طَهارَةٍ، في عِلمٍ، في أناةٍ، في لُطفٍ، في الرّوحِ القُدُسِ، في مَحَبَّةٍ بلا رياءٍ» (2كو6: 4-6).+ مصادر العنف: الرغبة في التسلّط، والتباهي بالجريمة، وإرهاب الناس الآمنين وترويعهم كمظهر من مظاهر الرفض، وصنع القلاقل والتوتر المؤذي للأمن وللحياة وللسلام، والذي يُصًدّر الموت ويهدّد الحياة الآمنة المستقرة. ونحن كمصريين نرفض هذا بشدة، والتاريخ يُظهر حقيقة هامة وهي أن مَنْ يستخدم العنف ينتهي مثل الوثنيين وغيرهم، بينما مَنْ يتحمل الإساءة وينشر السلام والوئام في المجتمع يقوى وينتشر ويجذب الجميع ويغفر للآخرين زلّاتهم ويقدم القدوة للفضيلة التي تفوق القانون الوضعي وتسمو عنه.فالقوة تتفوق على العنف وتغلبه، وتحول الموت المدمّر إلى سلام بإبادة صانعي العنف ومُصَدّري الموت للأبرياء. فقوة التعاليم الدينية السمحة، وقوة القانون، وقوة الوحدة المجتمعية، تتحد ضد العنف، وتخلص المجتمع من هؤلاء العنفاء الأشرار. لذلك فإن الشهيد أسطفانوس وهو يُحاكَم أمام المجمع كان حكيمًا قويًا، ولم يستطيعوا أن يقاوموا قوته، فيقول سفر الأعمال: «ولَمْ يَقدِروا أنْ يُقاوِموا الحِكمَةَ والرّوحَ الّذي كانَ يتَكلَّمُ بهِ» (أع6: 10).وفي هذا نستنجد بقوة الله وعمله المعجزي، وقوة الدولة بجيشها وشرطتها ورجال القانون فيها، وقوة القانون نفسه الذي يحكم على مَنْ يؤذي غيره ويخلص المجتمع منه ومن أمثاله. وسبيلنا في هذا بنشر روح الحب والوحدة، ونبذ الكراهية، وتقديم الأمثولة الصالحة في الحوار المجتمعي الهادئ، والتأثير الروحي القوي بالصبر وطول الأناة، والقناعة الداخلية بأن الحياة أقوى من الموت، والبعد عن الرغبة في الانتقام الشخصي الذي يحول المجتمع إلى غابة يأكل فيها القوى الضعيف، والبعد أيضًا عن التكتلات الشريرة التي تؤدّي إلى إشعال الغضب بين الأطراف فتشتعل البلاد بطريقة تهدم السلام والهدوء والتنمية والبناء.+ الفكر المستنير: يؤمن بأن نعمة الله تكفي لتحوِّل الضعف إلى قوة أكثر من أي سلاح حاد، فالله يكره إزهاق الروح، ويرفض القتل والعنف، ونعمته تقوّي الضعيف لينتصر على العنيف، وأقصد أن نعمة الله عملت في النبي موسى فانتصر على فرعون صاحب القوة الغاشمة، وفتح الله للشعب بقيادة النبي موسى البحر ليعبروا في سلامٍ وأمان بينما غرق فرعون وكل قوته في البحر الأحمر، وهذا هو مصير العنفاء القتلة، مثلما حدث مع جليات الذي أراد قتل الناس فأعطى الله داود النبي قوة ليقتله بوسائل بسيطة من يد الله وفوق قدرة داود. وببركة الشهداء ضحايا العنف ينتصر المجتمع على العنف ومَنْ يتبعه، بوحدة الجميع ضده، ندعو الله مخلصين أن يحرّر مجتمعنا من العنف لتبقى القوة من الله أقوى بكثير جدًا من العنف. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
03 فبراير 2020

المذبح العائلي

مع اقتراب فترة مقدسة هي الصوم الأربعيني المقدس الذي صامه رب المجد بنفسه في الجبل، وهي فترة من أقدس أيام السنة كلها، تتسم بأنها فترة عبادة على مستوى الكنيسة في القداسات اليومية، وعلى مستوى الأسرة أيضًا فيما يُسمّى بالمذبح العائلي أي خدمة الصلاة اليومية بالمزامير، وهذا له تأثير قوي في اجتماع الصلاة مع الصوم في حياتنا مما يجعل العلاقة بالله متكاملة ويُضاف إليهما الصدقة، وهم أركان العبادة المسيحية، إذ بالصوم ينضبط المصلي في صلاته ويأخذ من محبة الله للخليقة فيعطي على قدر ما يستطيع.وهنا نذكر أن الصوم يجعل الجسد ذبيحة حب لله، وبالصلاة يقدم ذبائح شكر لله وتسبيحًا، وبالصدقة يعطي للمحتاجين على مثال الله العاطي فيتشبه بالله في صنع الخير لمن يحتاج. لذلك نجد في كنائسنا في فترة الصوم قداسات يومية في الكنيسة، وحرصًا على إشباع الجائع والمحتاج، ونردد في ألحان الصوم اللحن الشهير: "طوبى للرحماء على المساكين، فإن الرحمة تحل عليهم، والمسيح يرحمهم في يوم الدين (يوم الدينونة في القيامة العامة).."الصوم دعوة لإقامة المذبح العائلي: فنجد في (يشوع24: 15) «أما أنا وبيتي فنعبد الرب».. وهذا مبدأ روحي مهم جدًا يجب أن نأخذه في الاعتبار في الصوم خاصة، وطول أيام حياتنا عمومًا، لأن وجود الله في البيت مهم لكي يقود روح الله الأسرة، وهي أفضل عبادة وقيادة «إن لم يبنِ الرب البيت، فباطلًا تعب البنائون» (مز127: 1)، وهكذا يضع الله أساسًا قويًا للأسرة، ويبني كل أفرادها على الوصية الإلهية وتنفيذها بحرص شديد، لأن خلال الصلاة والصدقة في الصوم تُبني حياة كل أفراد الأسرة وأحد الآباء يقول: "الكنيسة المقدسة ليست مجرد حوائط مبنية، ولكنها تُعَبَّر عن قلوب المؤمنين التي تحب الله، ومسكن لله بداخلها". لذلك ينبغي أن نبني مذبحًا للرب داخل بيوتنا ليسكن الله فيها، وهذه هي الوصية «قُم اصعد إلى بيت إيل وأَقم هناك مذبحًا لله» (تك35: 1) وهنا نؤكد أن قداسة الجماعة من خلال الصوم والصلاة حول المذبح، لتصير الأسرة أيقونة حَيَّة سمائية تخلو من العيوب التي تهدمها لكن عمليًا ماهو المذبح العائلي؟: جزء من البيت مُخصَّص للعبادة والصلوات والجلسات الروحية الفردية أو للأسرة كلها للصلوات ويقول القديس كبريانوس: "إن كان اثنان بفكر واحد يستطيعان أن يفعلا هكذا متى وُجِد اتفاق في الفكر، فكم بالأكثر بين الجميع".. وهكذا تكون الصلاة مؤثرة إذا وُجِدت وحدانية القلب بين الجميع. ويقول الأب يوحنا من كرونستادت: "الصلاة الجماعية تُستجاب سريعًا وتأتي بثمار كثيرة عندما تكون بوحدانية الرأي واتفاق الأهداف، ويُضاف إلى ذلك التمتع بكلمة الله التي هي غذاء روحي قوي «فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله»."والسيد المسيح يوصي بحفظ كلمته كدليل لحبه الذي يملأ القلب في الصوم : «إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا»، فإن كان الصوم دليل حبنا لله فهكذا حفظ وصاياه..( يو14: 23).. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
06 مايو 2019

القيامة والكنيسة

ظل السيد المسيح بعد قيامته أربعين يومًا يظهر لتلاميذه القديسين والمريمات والبعض ليشهدوا لقيامته، وحرص على أن يؤكد لهم جسد القيامة الذي يحيا إلى الأبد منتصرًا على الموت، وكان هدفه تجميع الكنيسة مرة أخرى حتى صعوده ليأتي الروح القدس ويحل على الرسل ومَنْ معهم، لتولد الكنيسة في عهد جديد تحمل في أسرارها قوة القيامة، وتعطي إمكانية الحياة الأبدية الغالية للضعف البشري وللموتى بكل صورة، لذلك نرى في حياة الكنيسة وقديسيها روح الغلبة والنصرة، فالرسل والشهداء والقديسون من كل الأنواع والجنسيات قدموا رسالة مفادها الظفر بالحياة الحقيقية إلى الأبد، رغم ما عانوه من آلام واضطهادات وسجون ومعاناة نفسيه وجسدية..يا ترى ماذا قال الرب لمن ظهر لهم؟ وكيف قضى الوقت معهم في ظهوراته لهم؟1) أسس مع التلاميذ سر الكهنوت والمغفرة: حتى تصير القيامة خبرة حقيقية من السقوط في الخطية إلى النهوض، ونفخ في وجوههم ليقبلوا الروح القدس لمغفرة خطايا الشعب للذي يقدم التوبة الحقيقية، وهنا سر الكهنوت مرتبط بسر التوبة والاعتراف المرتبط أيضًا بتقديم الذبيحة الإفخارستية، وكل هذا لتحويل الموت الأبدي الذي هو مصير الأشرار، إلى حياة أبدية بالمغفرة والتناول. وسَبَقَ ووَعَدَ الرب بتأسيس كنيسته على صخرة الإيمان حين قال لبطرس الرسول: «وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»، وكان هذا وعدًا حين سأل الرب بطرس: «مَنْ تقولون إني أنا؟» فأجابه: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»، فكافأه الرب بهذا الوعد: «... وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، وما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات، وما تحله على الأرض يكون محلولًا في السموات» (مت16: 16-18).وبعد القيامة جاء وقت التنفيذ للوعد بالتكليف، حين التقى الرب ببطرس بعد القيامة وقال له: «أتحبني؟»، فأجاب: «أنت تعلم أني أحبك»، فكلّفة قائلًا: «أرعَ خرافي» (يو21: 15) وحدث هذا ثلاث مرات... وهذا يؤكد فعل القيامة في حياة التلاميذ...2) جدد صيد السمك للتلاميذ السبعة: حين ظهر لهم وسألهم «يا غلمان ألعل عندكم أدامًا؟» فأجابوه أن لا! فأمرهم أن يلقوا الشباك على الجانب الأيمن فأمسكوا صيدًا كثيرًا وأكل معهم سمكًا، إذ حين صعدوا إلى الشاطئ وجدوه قد أعدّ لهم سمكًا مشويًا فأكلوا (يو21: 5-9).. وكأن الرب يجدّد وعده للتلاميذ بصيد كثير، ويؤكد وعودًا سابقه أن يجعلهم صيادي الناس حين دعاهم في البداية (لو5: 10).. إنها خطوة هامه في كرازة الرسل. وفي القيامة عودة المفقود إلى الوجود، لذلك أعاد لهم الوعود، وجمع تلاميذه والمريمات كنواة لكنيسة قوية مبنية على الصخر تأتي بثمر كثير من كرازتها بالفادى القائم من الأموات. لذلك كنيستنا رسولية مؤسسة على وعود الرب لرسله الأطهار، وعلى المبادئ التى أرساها معهم في إعدادهم طوال مدة التلمذة الروحية على مدى ثلاث سنوات وثلث سنة بكل اهتمام. ومما سبق يظهر تأثير القيامة على الكنيسة التى بدأت بالرسل القديسين ومَنْ معهم. هذه السطور مجرد نموذج لظهورات الرب الإحدي عشر على مدى أربعين يومًا، يبعث الحياة في تلاميذه والمريمات ومَنْ استمتعوا برؤيته، ويُسلمهم الكنيسة وأسرارها.. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد
22 يناير 2019

خطورة الإدانة

من أكثر الحروب التي تجد مكانًا في الإنسان إدانة الآخرين، وهي خطية صعبة ومنتشرة بكثرة. والكتاب يوصينا قائلًا: «لا يئنّ بعضكم على بعض أيها الأخوة لئلا تُدانوا» (يع5: 9)، وهذا الوصف دقيق لأنه يصور هذه الحرب الشديدة التي تنبع من داخل الإنسان، ولكن «هوذا الديّان واقف على الباب» بمعنى أن الحُكم على الناس ليس هو دور البشر، لكن الديّان الحقيقي الذي يرى الخفيّات قبل الظاهرات وبلا خطية ويعرف الحقيقة كاملة وله هذا السلطان «فَمَنْ أنت يا من تدين غيرك؟» (رو14: 4). والسيد المسيح أوصانا «لا تدينوا لكي لا تُدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون» (مت7: 1).الإدانة خداع: بمعنى أن مَنْ يُدين غيره يخدع نفسه: «لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأمّا الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها» (مت7: 1، 3). وهذا يعني أن الإدانة غير حقيقية ويكون مًنْ يُدين هو الُمدان.. ويقول القديس برصنوفيوس: "يوم تدين أخاك تنقطع عنك نعمة الروح القدس، فتكون سبب عثرة له". وبما أن المؤمن هو مسكن للروح القدس لذلك ينال نعمة التمييز الروحي فيشفق على مَنْ يخطئ بسبب حرب الشيطان، فبدل أن يحكم عليه يأخذ بيده ويُعينه ليقيمه.الإدانة ضد نقاوة القلب: لأن مَنْ قلبه نقي يملك عينًا بسيطة لا ترى الشر ولكن تحب الخير للجميع، لذلك الإدانة لا تتفق مع النقاوة والبساطة الحكيمة التي ترى الحقيقة.. إن العين التي بها خشبة لا ترى القذى الذي في عين الآخر (وهو إفراز العين الطبيعي)، وهكذا كان القديسون... لهذا حين رأى القديس يوأنّس القصير أحدًا يخطئ بكى، فسأله الأخوة لماذا تبكي؟ فقال لهم: "لأن أخي أخطأ اليوم بحربٍ من الشيطان وقد يتوب وغدًا، قد أُخطئ أنا بحربه ولا أتوب". وقد قيل عن لوط إنه كان يُعذّب نفسه البارة بالسمع والبصر للخطايا التي حدثت أمامه.الإدانة تتعارض مع كل الفضائل: فهي ضد المحبة التي تستر كثرة من الخطايا، فمن يُدين لا يحب. وتتعارض مع الاتضاع، لأن المتضع لا يرى خطايا غيره بل يرى خطايا نفسه ويدين نفسه. والإدانة ضد الوداعة الحليمة على البشر التي تحترم الصغير والكبير، فلا تحكم على أحد ولا تحتد. وهي ضد الصدق، لأن مَنْ في عينه خشبة لن يستطيع رؤية شيء، بل هو في حكم الأعمى. وضد احترام الناس وتوقيرهم، لأن الإنسان صورة الله، وهذه كرامة لا تناظرها رفعة. وإذا كانت الإدانة ضد كل هذه الفضائل، إذًا فهي تجمع العديد من الرذائل السيئة.فالإدانة خطية مركبة: فيها الكراهية والكبرياء والخداع الكاذب واحتقار البشر ورفضهم، وحين يسقط في كل هذه الخطايا فسوف ينعكس حكمة على الآخرين ليقدم إدانة لنفسه.والنصيحة... إن مستعظم النار من مستصغر الشرر، فربما نقدٌ بسيط يعتاده الإنسان فيدخل إلى الإدانة، وحين يعتاد عليها يصير أعمى يقود أعمى فيسقط كلاهما في حفرة. ومَنْ يحكم يجب أن يكون بلا خطية كما قال السيد المسيح لمن أتوا إليه بالمرأة الخاطئة: «مَنْ منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر» (يو8: 7)، ومَنَعَ العمّال من نزع الزوان الذي وسط الحنطة قائلًا لهم: «دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى وقت الحصاد»، والقمح يُجمع إلى مخازن والزوان مصيره معروف... نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل