المقالات

11 ديسمبر 2024

أَخْلَى ذَاته ج2

أخلى ذاته حتى في صنع المعجزات! أخلي الرب ذاته فلم يستخدم قوته على صنع المعجزات إلا في الضرورة القصوى لم يستخدم قوته من أجل ذاته، ولا من أجل منفعة خاصة لم يستخدم لاهوته ليمنع عن نفسه الجوع أو العطش أو التعب أو الألم رفض أن يحول الحجارة إلى خبز لسد جوعه الشخصي، بينما بارك الخمس خبزات من أجل إشفاقه على الناس لم يستخدم قوته ليهبر الناس بالمعجزات، ولا من أجل الإيمان وعندما كانوا يطلبون منه معجزة لأجل (الفرجة) لم يكن يقبل بل كان يبكتهم قائلًا "جيل فاسق وشرير يطلب آية ولا تعطي له" (مت12: 39) لم يبهر الناس بالمعجزات مثلما فعل سيمون الساحر، ومثلما فعلت عرافة فيلبي، ومثلما سيحدث في الأزمنة الأخيرة من المسيح الدجال والوحش والتنين رفض أن يلقي نفسه من على جناح الهيكل، لتحمله الملائكة ويري الناس المنظر فينذهلون ويؤمنون معجبين بعظمته ! رفض ذلك، لأنه أخلي ذاته من إعجاب الناس إن معلمنا الصالح لم يحط نفسه بالمجد، لأنه أراد أن يلتف الناس حول التواضع وليس حول المجد ومعجزة كحادثة التجلي التي كان يمكن أن تبهر الجماهير، لم يشأ أن يراها كل الشعب، ولا حتى كل تلاميذه الاثني عشر، بل رآها ثلاثة فقط، وأوصاهم ألا يظهروها كان زاهدًا في كل هذه الأمور التي يبحث عنها من يريدون أن يظهروا ذواتهم بل أكثر من هذا أنه بعد كل معجزة تبهر البصر كان يخفي تلك المعجزة بعمل من أعمال الضعف البشري أو بكلام عن آلامه أو يطلب ممن حدثت معه أن يخفيها وحتى من أجل الإيمان لم يشأ أن يبهر الناس بالمعجزات أراد أن يكون إيمانهم بدافع من الحب والاقتناع وليس بسبب المعجزات وما الدليل على هذا؟ دليلنا أنه كان يطلب الإيمان قبل المعجزة، وليس كنتيجة لها وكثيرًا ما كان يسأل الذي يجري معه المعجزة "أتؤمن؟"، أو يقول له "ليكن لك حسب إيمانك"وإن كان يؤمن قبلًا تحدث معه المعجزة ولذلك قيل عنه إنه في وطنه "لم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم" (مت13: 58) كان الإيمان يسبق المعجزة وكانت المعجزة نتيجة للإيمان وليست سببًا وكثير من معجزات السيد الرب كانت أعمال رحمة وحب وكانت لها أهداف روحية تتبعوا عنصر الحب والحنان في معجزات الرب يظهر لكم واضحًا وجليًا وهكذا نري في معجزة لإقامة ألعازر أنه بكي قبل أن يقيمه إن الحب الذي كان يعتصر قلبه، ظهر أولًا في عينيه الدامعتين، قبل أن تظهر قوته في عبارة "هلم خارجًا" وكثير من معجزات الشفاء كانت تسبقها عبارة "فتحنن يسوع" أو "أشفق" أو ما شابه ذلك ولم يستخدم معجزاته في الدفاع عن نفسه، أو في الانتقام من مضطهديه وشاتميه أهانوه بكل أنواع الإهانة، وأشبعوه شتمًا وتعييرًا وكان يستطيع أن يجعل الأرض تفتح فاها وتبتلعهم، أو تنزل نار من السماء وتفنيهم ولكنه لم يفعل كان قد أخلي ذاته من استخدام هذه القوة التي فيه. عاش المسيح بغير لقب وبغير وظيفة:- عاش السيد المسيح بغير لقب، وبغير وظيفة رسمية في المجتمع، وبغير اختصاصات في نظر الناس ماذا كانت وظيفة المسيح في نظر المجتمع اليهودي، أو في نظر الدولة؟! لا شيء كان أمامهم مجرد رجل يجول من مكان إلى آخر، يعمل ويعلم، دون أن يستند إلى وضع رسمي لم يكن من أصحاب الرتب الكهنوتية في نظر الناس، لأنه لم يكن من سبط لاوي ولا من أبناء هارون فقد كانت أمه ويوسف النجار من سبط يهوذا ووصل إخلاؤه لذاته في هذه الناحية، أنه عندما شفي الرجل الأبرص، قال له: "اذهب أر نفسك للكاهن، وقدم القربان الذي أمر به موسى" (مت 8: 4). يا لها من عبارة مؤثرة للغاية!! تصوروا رئيس الكهنة الأعظم، منشئ الكهنوت ومؤسسه، ومنع كل سلطة كهنوتية، يقول للأبرص: "اذهب أر نفسك للكاهن"!! وماذا عنك أنت يا رب؟ أنت الكاهن إلى الأبد على طقس ملكي صادق؟ لماذا ترسلني إلى كاهن، وأنت راعي الرعاة وكاهن الكهنة؟! ما أعجبك في إخلائك لذاتك! تتصرف كمن لا سلطة له، وأنت مصدر كل سلطة!! وعاش السيد المسيح بدون أي مركز اجتماعي، ولم تكن له أية صفة رسمية على الإطلاق حتى في وضعه كمعلم لم يكن من طوائف الكتبة والفريسيين المؤتمنين على التعليم في ذلك الحين، ولا من جماعة الكهنة الذين من أفواههم تطلب الشريعة (أر18: 18)، ولا من الشيوخ ولا من البارزين في المجتمع وعلى الرغم من كل ذلك، ملأ الدنيا تعليمًا، وكانوا يلقبونه بالمعلم، والمعلم الصالح، ودعي معلمًا حتى من أصحاب المكانة العلمية كالكتبة والفريسيين وهكذا أرانا كيف يمكن أن يعيش الشخص بلا لقب، ومع ذلك يعمل أكثر من أصحاب الألقاب..! وفي حياته كمعلم، عاش وقد أخلى ذاته من كل شيء. لم يكن للمسيح مكانًا يُعَلِّم فيه:- أحيانًا كان يعلم وهو جالس على الجبل، وأحيانًا يكلم الناس وهو واقف في سفينة وهم جلوس على الشاطئ وأحيانًا كان يعلم وهو في وسط الزروع والبساتين، يتأمل مع تلاميذه زنابق الحقل وطيور السماء وأحيانًا كان يعلم في الخلاء، في موضع قفر، في البرية وأحيانًا في الطريق وعلى العموم لم يكن له مكان خاص للتعليم، لا مركز ثابت ولا مكان ثابت بل لم يكن له أين يسند رأسه (لو9: 58) وإذ أخلى ذاته من الارتباط بمكان معين، أصبح له كل مكان عجيب أن الله الذي ملأ السموات والأرض، لم يكن له أين يسند رأسه عندما ولد يقول الكتاب "لم يكن له موضع في البيت" (لو2: 7) وطول فترة تجسده على الأرض لم يكن له مسكن معين يذهب أحيانًا إلى بيت مريم ومرثا، وأحيانا إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس، وأحيانا إلى إلى بيت سِمعان، وأحيانًا إلى بستان جثماني ما أعجب قول الكتاب "ومضي كل واحد إلى بيته، أما يسوع فمضي إلى جبل الزيتون" (يو8: 1) والذين كانوا يتبعونه، كانوا يسيرون وراء المجهول لا يعرفون لهم موضعًا ولا مركزًا، ولا مالية معينة، ولا عملًا محددًا عندما قال السيد لمتي اللاوى "اتبعني"، تبعه متى ولو سألته "إلى أين؟" لما عرف كيف يجيب ولو سألته ماذا ستعمل؟ لوقف أمام علامة استفهام لا جواب لها لقد أراد الرب لتلاميذه أن يخلوا ذواتهم أيضًا هم مجرد تلاميذ، لا يعرفون لهم عملًا سوي أن يتبعوا المسيح، الذي لا يعرفون له وظيفة ولا عملًا رسميًا ولا مكانًا ثابتًا. كان المسيح يحيط به جماعة من المساكين:- وكما أخلي المسيح ذاته، أحبه الذين أخلوا ذواتهم، أو الذين لا ذوات لهم فأحاطت به مجموعة من الفقراء والمساكين والمزدري وغير الموجود جماعة من جُهَّال العالم وضعفاء العالم وأدنياء العالم (1كو1: 27، 28) وهكذا اختار تلاميذه جماعة من الصيادين الجهلة، كما اختار واحدًا من العشارين المرذولين والذين أحاطوا به كانوا من عامة الشعب الأطفال الذين لا يعتد بهم أحد والخطاة والعشارين الذين يحتقرهم الناس، والنساء أيضًا اللائي لم تكن لهن مكانه في المتجمع اليهودي وهكذا كانت نسوة كثيرات يتبعنه (لو23: 27) وحول صليبه وقفت النسوة لا شيوخ الشعب وبكت عليه بنات أورشليم (لو22: 28) ولم يبك عليه أعضاء مجلس السنهدريم! عاش إنسانًا بسيطًا بلا مركز وبلا لقب، يحيط به أشخاص مجهولون بلا مركز وبلا لقب أيضًا وحتى لقبه الطبيعي "ابن الله"، لم يستخدمه كثيرًا وكان يستبدله في غالب الأحيان بلقب "إبن الإنسان"! عاش وسط الشعب، لا وسط الرؤساء، وكان قريبًا من الصغار، بعيدًا عن الكبار والمعتبرين، يحبه الشعب ويضطهده الرؤساء وحسنًا تنبأ عنه داود قائلًا: "الأعزاء قاموا على" (مز54: 3) "الرؤساء اضطهدوني بلا سبب" (مز119: 161) حتى الذين استضافوه كانوا من البسطاء أو من المحتقرين فدخل بيت متي، ولم يدخل بيت بيلاطس ولا بيت هيرودس ودخل بيت زَكَّا، ولم يدخل بيت حنان ولا بيت قَيافا. عاش المسيح فقيرًا ومرفوضًا:- أخلي ذاته من المال والجاه، فعاش فقيرًا لا يملك شيئًا وهو مغني الكل حتى أنهم لما طلبوا منه الجزية لم يجد ما يعطيه لهم، فطلب من بطرس أن يلقي الشبكة ويصطاد ويدفع لهم (مت17: 27) وعاش مرفوضًا إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله (يو1: 11) كنور أشرق في الظلمة، والظلمة لم تدركه (يو1: 5)،بل أحب الناس الظلمة أكثر من النور (يو3: 19) وأصبح الاتصال به تهمة، والتلمذة له عارًا حتى أن نيقوديموس عندما أراد مقابلته، قابله في الخفاء، سرًا وليلًا (يو3: 2) وحتى أن اليهود في إهانتهم للمولود أعمي إذ آمن بالمسيح بعد شفائه، شتموه قائلين له أنت تلميذ ذاك (يو9: 28) وهكذا أصبحت التلمذة لذاك الناصري من أنواع السب ووصمة عار وجاء الوقت الذي أصبح فيه تلاميذه مغلقين على أنفسهم في العلية لا يستطيعون الخروج منها، خوفًا من مسبة انتسابهم لذاك الناصري وهكذا وجدنا عملاقًا عظيمًا كبطرس تبرأ من المسيح ومن الانتساب إليه، وأخذ يلعن ويحلف قائلًا إنه لا يعرف الرجل (مز14: 71). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في الميلاد
المزيد
04 ديسمبر 2024

أَخْلَى ذَاته

مقدمة عن الميلاد "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا، الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله. لكنه أخلى ذاته آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبة الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في 2: 5-8). إن السيد الرب، إذ أخلى ذاته وأخذ شكل العبد لم يقتصر ذلك على حادثة الميلاد فحسب، بل شمل ذلك حياته كلها التي لا تدخل تحت حصر ميلاد السيد المسيح المتواضع كان مجرد مظهر من مظاهر إخلاء الذات وسنحاول أن نتبع إخلاء الرب لذاته في كل ناحية ونحاول أن ندرك الأسباب التي من أجلها أخلي ذاته ثم نأخذ لأنفسنا عِظَة عملية، محاولين أن نطبق عنصر الإخلاء في حياتنا وعلينا أن نفهم بالدقة: ما هو معني إخلاء الذات إنه لم يخلها طبعًا من جوهرة ولا من طبيعته ولا من لاهوته الذي لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين بل أخلى ذاته من الأمجاد المحيطة به ومن عظمة السماء جميل بنا أن نلاحظ أن هذا الإخلاء لم يكن إقلالًا من شأن الرب، وإنما هو عظمة جديدة في مفهومها. كان الناس يفهمون العَظَمَة في مظاهر خارجية. أما عظمة من يخلي ذاته ويأخذ شكل العبد، فلم يكن أحد يتصورها هذه قدمها الرب لنا أخلَى ذاته في ميلاده:- عجيب هو الرب في اتضاعه، عندما أخلي ذاته في ميلاده نزل إلى العالم هادئا بدون ضجة، ودخله في خفاء لم يشعر به أحد لم يحدد من قبل موعد مجيئه وهكذا ولد في يوم مجهول، لم تستعد له الأرض ولا السماء، ولم يستقبله فيه أحد. يوم ميلاده كان نكره بالنسبة إلى العالم، مع أنه من أعظم الأيام إذ بدأ فيه عمل الخلاص الذي تم على الصليب ولو نزل الرب إلى العالم في صفوف ملائكته، على سحابة عظيمة، أو في مركبة نورانية يحيط به الشاروبيم والسارافيم وقد ارتجت له السموات وكل قوي الطبيعة أو لو أن السماء احتفلت بميلاده، وليس بنجم بسيط يظهر للمجوس، بل اهتزت له كل نجوم السماء وكواكبها لو حدث ذلك، لقلنا إنه أمر يليق بالرب ومجده! لو أن شخصًا كان مسافرًا إلى مكان، لأرسل الرسائل قبلها، فيستقبله الأحباء والأصدقاء والأقارب والمعارف والمريدون، وربما يستاء إذا قصر أحد في انتظاره أو في استقباله أما السيد المسيح فدخل إلى العالم في صمت، بعيدًا عن كل مظاهر الترحيب، في ضجيج، وبطريقة بسيطة هادئة دخل بنكران عجيب للذات، أو في إخلاء عجيب للذات وكل الذين استقبلوه جماعة من الرعاة المساكين، ثم المجوس هناك أشخاص يحبون الضجيج وبهرجة الترحيب في دخولهم وفي خروجهم، لأن فاعلية ميلاد السيد المسيح لم تغيرهم بعد لم يخل السيد المسيح ذاته في هدوء مجيئه إلى العالم فحسب، بل في كل ظروف ميلاده فكيف كان ذلك؟ ولد من أم فقيرة يتيمة، لم تكن تجد من يعولها. عهد بها الكهنة إلى يوسف، خطبوها له لتعيش في كنفه وولد في قرية هي: "الصغرى بين رؤساء يهوذا" (مت2: 6) وسكن في الناصرة التي يعجب الناس إن أمكن أن يخرج منها شيء صالح (يو1: 46) ودعي ناصريًّا وعاش في بيت نجار بسيط، حتى كانوا يعيرونه قائلين "أليس هذا هو ابن النجار" (مت13: 5) وعاش ثلاثين سنة مجهولًا، كفترة تبدو ضائعة في التاريخ. حتى الرسل لم يعتنوا أن يكتبوا عنها شيئًا تقريبًا عاش فيها دون أن يلتفت إليه أحد، مخفيًا لا يعرف عنه أحد شيئًا، كأي شخص عادي بينما تلك السنوات الثلاثون هي فترة الشباب والقوة التي يهتم فيها كل إنسان بذاته، ويود فيها كل شاب أن يظهر وأن يعمل عملًا أخلي الرب ذاته فعاش في التطورات الطبيعية كسائر البشر قضى فترة كرضيع وكطفل ولم يستح من ضعف الطفولة بما فيها من احتياج إلى معونة آخرين، وهو معين الكل! احتياج إلى رعاية أم، وهو راعي الرعاة! احتياج إلى امرأة من صنع يديه، تحمله على يديها، وتهتم به، وهو المهتم بكل أحد. وتغذيه، وتعطيه ليأكل ويشرب! ومن العجيب في طفولته، أنه أخلي ذاته من استخدام قوته فهرب من أمام هيرودس، بينما روح هيرودس في يده! هرب من هيرودس وهو الذي خلق هيرودس، وأبقاه حتى ذلك اليوم عجيب هذا الأمر عجيب أن نري القوي القادر على كل شيء يهرب مثل سائر الذين يهربون من الضيق! يهرب من القتل وهو الذي يملك الحياة والموت وجاء إلى مصر وعاش فيها سنوات ولم يرجع إلا بعد أن هدأ الجو، بينما كان يستطيع أن يفلت من الرجل بطريقة معجزية أو يقضي عليه أخلى ذاته، فاحتمل ضعف البشرية وهو المنزه عن كل ضعف وسمح لنفسه أن يجوع ويعطش ويتعب وينام، كسائر البشرعجيب أن يقال عن الرب أنه في آخر الأربعين يومًا "جاع أخيرًا" (مت4: 2) وعجيب أن هذا الينبوع الذي روي الكل يقول للسامرية "أعطيني لأشرب" (يو4: 7)، ويقول على الصليب "أنا عطشان" (يو19: 28) وعجب أن يقال عنه إنه تعب وجلس عند البئر (يو4: 6) وإنه نام في السفينة (لو8: 23) أخلى الرب ذاته كل هذا الإخلاء، ليخزي الذين يفتخرون ويتكبرون وكأنه يقول لكل هؤلاء إنني لم أولد في قصر ملك، ولا على سرير من حرير، وإنما في مزود للبهائم ولكني سأجعل هذا المزود أعظم من عروش الأباطرة والملوك سيأتيه الناس من مشارق الشمس إلى مغاربها ليتباركوا منه ليس المكان هو الذي يمجد الإنسان، ولكن الإنسان هو الذي يمجد المكان والعظمة الحقيقية إنما تنبع من الداخل فليحل الرب في أي مكان، ولو كان مكانًا للبهائم، وليولد في أية قرية ولو كانت هي الصغرى في يهوذا ولكنه سيرفع من شأن كل هذا يولد في هذه الحقارة إلى مجد يولد من فتاة فقيرة، ويجعلها أعظم نساء العالم ويولد في بيت رجل نجار بسيط، فيحوله إلى رجل قديس مشهور في الكنيسة. أخلى ذاته من صفات الملك:- كان يمكن لمعلمنا الصالح أن يأتي كملك ولو أتي كذلك، ما كان أحد ينكر عليه أنه ملك فهو من سبط يهوذا صاحب المملكة، ومن نسل داود الملك ولكنه أخلى ذاته من الملك، وهو ملك الملوك (رؤ17: 14) لم يأت في هيئة ملك. لأن اليهود في تفاخرهم بالعظمة البشرية، كانوا ينتظرون أن يأتي المسيا كملك عظيم، لأنهم كانوا يظنون أن عظمة الملوك هي التي تخلصهم وكان قصد الرب أن يحطم هذه الفكرة أيًا فلم يخلصهم بعظمة الملوك، بل بتواضع النجار الناصري، الذي استهانوا به قائلين "أليس هذا هو النجار ابن مريم؟!" (مر6: 3) أتي كنجار بسيط، ولم يأت كملك ولما سعي إليه الملك، رفضه وهرب منه ولما "رأي أنهم مهتمون أن يأتوا ليختطفوه ويجعلوه ملكًا، انصرف إلى الجبل وحده" (يو6: 15) ورضي أن يحاكم أمام عبيده، أمام بيلاطس وهيرودس، وأمام أعضاء مجلس السنهدريم وكان يقول "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18: 36) أخلي ذاته من صولجان المُلك ومن الكرامة المقدمة للملوك، مفضلًا أن يحاط بمحبة القلوب الطائعة لقلبه، وليست الخائفة من سطوه سلطانه. أخلى ذاته من كرامة الرئاسة:- لم يطلب أن يكون رئيسًا لتابعيه، أو سيدًا وإنما صديقًا لهم. وهكذا قال لتلاميذه "لا أعود أُسميكم عبيدًا لكني سميتكم أحباء" (يو15: 15) وخاطبهم في إحدى المرات قائلًا "أقول لكم يا أصدقائي " (لو12: 4) وأخلي ذاته لدرجة أنه انحني وغسل أرجلهم لم يعامل الناس كعبيد من صنع يديه بل كانت تربطه بهم رابطة الحب لا رابطه الرئاسة إن البشر هم الذين يستهويهم حب الرئاسة والسلطان أما معلمنا المتواضع فكان يريد قلوب الناس لا خضوعهم، وكان يريد محبتهم لا تذللهم ولم يقم نفسه رئيسًا للناس بل صديقًا لذلك كان محبوبًا لا مُخافًا يهابه الناس عن توقير، لا عن رعب لم يرد أن تكون له الرهبة التي ترعب الناس، بل الحب الذي يجذب الناس وهكذا أمكن للأطفال أن تلتف حوله، وأمكن ليوحنا أن يتكئ على صدره إن كل من يحب العظمة، لم يتمتع بفاعلية الإيمان بعد قال الأنبا أنطونيوس مرة لأولاده[يا أولادي، أنا لا أخاف الله] فأجابوه [إن هذا الكلام صعب يا أبانا] فقال لهم [ذلك لأني أحبه والمحبة تطرح الخوف إلى خارج] (1يو4: 18) إن أهل العالم يحبون السلطة والنفوذ والسيطرة يريدون أن يخافهم الناس،ولو عن قهر أما المسيح إلهنا فيقول "من يحبني يحفظ وصاياي" يعني أن حفظ وصاياه يكون عن حب وليس عن خوف. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات في الميلاد
المزيد
27 نوفمبر 2024

الذي يحب أن ينتفع

الذي يحب أن ينتفع، يبحث عن المنفعة، وليس الكلام الكثير هو الذي ينفعه بل إن مجرد كلمة واحدة قد تغير حياته كلها.. بل أنه ينتفع أيضًا من الصمت، كما قال القديس بفنوتيوس عن أحد ضيوفه:"إن لم ينتفع من سكوتي، فمن كلامي أيضًا سوف لا ينتفع"عبارة واحدة سمعها الأنبا أنطونيوس، كانت سببًا في رهبنته، وفى تأسيس هذا الطقس الملائكي. وعبارة أخرى كانت سببًا لدخوله في البرية الجوانية وحياة الوحدة إن الله لا يشترط أن يعلمك بكلام كثير، إنما تكفى عبارة واحدة، والوصايا العشر عبارات قصيرة، ولكنها تحمل كل التعليم والصلاة الربانية عبارات قصيرة وتحمل عمق طلبات الصلاة والذي يحب أن ينتفع، يسعى وراء المنفعة بأي ثمن كان السواح يتحملون أسفارًا طويلة، لكي يسمعوا مجرد كلمة من أحد الآباء، والآباء أنفسهم كانوا ينتفعون، من أي منظر، وحتى من أبنائهم إن الذي يطلب الخير يجده ولو في كلمة عابرة، من أي أحد، ولو في حادث عابر، حدث له أو لغيره. ينتفع حتى من أخطائه، ومن أخطاء الناس قال أحد القديسين "لا أتذكر أن الشياطين أطغوني في خطية واحدة مرتين" ذلك لأنه انتفع من سقطته الأولى، فاحترس من الثانية والسيد المسيح دعانا أن ننتفع من منظر زنابق الحقل، ومن طيور السماء، ونأخذ منها دروسًا في الإيمان وفي رعاية الله إن مصادر المنفعة موجودة: ليست في كلام الوعاظ فقط، ولا في الكتب الروحية فحسب، وإنما في كل مكان، وفي كل وقت. والمهم هو: هل تريد أن تنتفع أم لا وصوت الله يصل إلى كل أحد، بأنواع وطرق شتى. ولكن "مَنْ له أذنان للسمع فليسمع". قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
20 نوفمبر 2024

الانقسام

قال أحد القديسين:لو اجتمع عشرة آلاف من الملائكة، لكان لهم رأى واحد، للأسف حينما يجتمع عدد قليل من البشر، فإنهم يختلفون..! والانقسام قد يكون دليلًا على وجود الذات الذات التي تعمل وحدها، بعيدًا عن روح الله والتي تريد أن تنفذ رأيها، مهما كانت النتيجة والتي لا تبالي بالنتائج الخطيرة التي يسببها الانقسام! وما هي هذه النتائج ؟ قال أحد الأدباء:تنازع نسران على فريسة، كانت من نصيب الثعلب ولهذا قال السيد المسيح "كل بيت منقسم على ذاته يخرب"، إنها عبارة ينساها المنقسمون كثيرًا ما تقوم جماعة بعمل انقسام، تترك الجو خرابًا، ثم تمضى لحالها، وكأنها لم تفعل شيئًا! بينما يطالبها الله بدم ما قد خربته بأفعالها.. الانقسام بين الأخوة يدل على عدم محبة وانقسام الصغير على الكبير يدل على التمرد، وعدم الطاعة، وعدم احترام الرئاسات وكلها خطايا وكما قد يدل الانقسام على كبرياء في النفس، واعتداد بالذات. وغالبًا ما يكون أب الاعتراف خارج الدائرة في كل هذا، لا يستشار في شيء في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس، وبخهم على الانقسام، ووصفهم بأنهم جسديون (1كو3) ذلك لأن المنقسمين بعيدون عن وحدانية الروح إن أعضاء الجسد الواحد تتعاون معًا لخير الذي يتعاون فيه الكل معًا والوحدانية تحتاج إلى احترام الرأي الآخر، وعلى الأقل التدريب على التعامل مع الرأي الآخر، دون ثورة، ودون غضب، ودون تشهير، ودون تحطيم نصيحة نقولها لكل من يسير في طريق الانقسام:حاول أن تكسب غيرك، بدلًا من انقسامك عليه كُن موضوعيًا، وابعد عن المسائل الشخصية دَرِّب نفسك على التعاون وروح الجماعة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
06 نوفمبر 2024

في البرية والهدوء

وسط زحمة الحياة ومشاغلها وضوضائها واهتماماتها الكثيرة ما أجمل أن يتفرغ الإنسان ولو قليلًا للجلوس مع الله، في جو التأمل، والصلاة، وانفتاح القلب على الله هنا يلجأ الإنسان إلي السكون والهدوء لأن الحديث مع الله، يليق به الإنفراد بالله من أجل هذا نقل الله أبانا إبراهيم من وطنه، ومن بين أهله وعشيرته، إلى الجبل، إلى حيث ينفرد في خلوة مع الله هناك يبنى المذبح وفى خلوة على الجبل المقدس، قضى موسى أربعين يومًا مع الله، أخذ منه الناموس والوصايا، وأخذ المثال الذي على نسقه بنى خيمة الاجتماع وفى خلوة على الجبل، كان السيد المسيح يلتقي بتلاميذه، وأحيانًا كان يأخذهم إلى موضع خلاء كلمة الله، يليق بها السكون والهدوء وعلى جبل الكرمل، في الهدوء، تدرب إيليا النبي وفي البرية،على مدى ثلاثين عامًا، تربى يوحنا المعمدان وفى الهدوء والسكون أيضًا، تدرب أعضاء مدرسة الأنبياء ولم يصر موسى نبيًا، ولم يختره الرب للقيادة، إلا بعد أن قضى في البرية أربعين سنة، في السكون، بعيدًا عن قصر فرعون وضوضائه وسياساته والسيد المسيح نفسه، على الرغم من السكون غير المحدود الكائن في أعماقه، وعلى الرغم من صلته الأزلية الدائمة بالآب، لكي يعطينا مثالًا، لم يبدأ خدمته العلنية إلا بعد أربعين يومًا قضاها وحده في الجبل، في حياة السكون، مع الآب وكان الجبل، له موقعه وموضعه، في حياة الرب. وما أجمل قول الكتاب في ذلك "مضى كل واحد إلى بيته أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون" (يو 8: 1) وكان بستان جثسيماني مكان هدوء وسكون للمسيح يقضى فيه فترات من الخلوة ما أعمقها وكانت مريم أخت مرثا مثالًا لحياة السكون، في جلستها الهادئة عند قدميّ الرب بقوله "أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة والحاجة إلى واحد" ليتك إذن تبحث عن مركز السكون في حياتك؟ وهل أنت تهتم وتضطرب لأجل أمور كثيرة ومتى تهدأ إلى نفسك..؟ متى؟ قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
30 أكتوبر 2024

الوقت المناسب

قال الكتاب: "لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السماء وقت" (جا3: 1) والعمل الروحي ينبغي أن يعمل في الحين الحسن الرب حينما تجسد، تجسد في "ملء الزمان" في أنسب وقت، بالنسبة إلى إكمال النبوات واستعداد العالم لقبول الكلمة وفهم عمل الفداء وعلمنا بهذا أن نضع الوقت المناسب في اعتبارنا في العمل، في الكلام، في الصمت، في الخدمة، في كل شيء مثل النباتات التي لا تزرع إلا في موسم معين، في الجو المناسب، حرارة وبرودة ورياحا ومن جهة الكلام يقول الكتاب:" للسكوت وقت وللتكلم وقت" (جا3: 7) وقيل أيضًا "تفاحة من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في وقتها"والإنسان الحكيم لا يتكلم في الوقت الذي يجب فيه الصمت، ولا يصمت في الوقت الذي يجب فيه الكلام إن عاتبت إنسانًا، تخير الوقت المناسب للعتاب، وإلا أتى عتابك بعكس ما تريد انتهز الوقت المناسب الذي يكون فيه غيرك مستعدًا لسماعك ومستعدا لقبول كلامك ولا تطلب من أحد شيئًا في وقت يكون فيه مشغولًا ومتعبًا ومتضايقًا فإن هذا ليس بالوقت المناسب الذي تطلب فيه شيئًا على أنه إن كان لكل شيء وقته المناسب، إلا أن التوبة بالذات يصلح لها كل وقت لا تقل: حينما يأتي زمان التوبة، سأتوب..! حينما أجد فرصة مناسبة سأتوب فالآن وقت مقبول، والآن ساعة خلاص كما يقول الرسول ومع ذلك، فهناك أوقات نعتبرها أكثر مناسبة وأكثر تأثيرًا "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم"ولهذا هناك أشخاص نهازون للفرصة، لا يتركون الفرصة تفلت من أيديهم حينما تعمل النعمة فيهم إن تأثروا بكلمة سمعوها فهذا وقت مناسب مثلما سمع الأنبا أنطونيوس كلمة فغيرت حياته ورأى أمامه حادثة معينة (موت أبيه) فانتهزها، وأخذ منها كل ما فيها من تأثير جعله يزهد الحياة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
23 أكتوبر 2024

الحب الحكيم والحب الجاهل

هناك حب حكيم يفيد صاحبه حتى إن سَبَّب له شيئًا من الألم! ولكنه نافع لروحه وأبديته وهناك حب جاهل يضيع صاحبه وإن بَدَت فيه ملامح من الشفقة والحنوقد تحب شخصا فتؤيده في الحق والباطل وربما تشجعه حتى في الخطأ فتهلك نفسه وتهلك نفسك معه ويكون حبك حبًا خاطئًا وقد تحب إنسانًا فتشفق على جسده من التعب ومن الجهاد ومن النسك فتضره وتضيع روحه وعقله ومستقبله! إنه حب جاهل وأم قد تحب طفلها فَتُدَلِّـلَهُ، فتفسده وتحبه في كبره وتود أن يبقى إلى جوارها، فتمنعه عن التكريس وتمنعه عن الرهبنة وعن الكهنوت! ويكون حبها له حبًا أنانيًا ضارًا!! وشخص يحب قريبه المريض فيخفى عنه خطورة مرضه ولا يعطيه فرصة يستعد فيها لأبديته انه أيضًا حب غير روحي وغير حكيم الحب الحقيقي حكيم وروحي ويهدف إلى خلاص النفس، محبة لا تُجامِل على حساب الحق، ولا تشترِك في خطايا الآخرين محبة طاهرة مخلصة كمحبة الله. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
16 أكتوبر 2024

ثلاث فضائل المحبة، التواضع، الحكمة

ثلاث فضائل ينبغي أن تدخل في كل فضيلة لتصبح فضيلة حقيقية: وهي المحبة والتواضع والحكمة كل فضيلة خالية من المحبة، لا تحسب فضيلة وكذلك كل فضيلة خالية من الاتضاع ومن الحكمة فكل عمل بعيد عن الحب، هو بعيد عن الله والله يأخذ من كل فضيلة ما فيها من حب، فإن لم يجد فيها حبًا يبعدها عنه بالجملة كذلك الفضيلة الخالية من الاتضاع هي مرفوضة من الله، وهى طعام للبر الذاتي والمجد الباطل فأكثر شيء يكرهه الله هو الكبرياء وقد قال الكتاب أن الرب يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة كذلك ينبغي أن تمارس كل فضيلة في حكمة، بفهم وعقل وإفراز ومن غير الحكمة والفهم لا تحسب الفضيلة فضيلة ولهذا كان القديسون يمارسون الفضائل تحت إرشاد آباء عارفين مختبرين لكي يعلموهم الإفراز ويفهموهم كيف تكون الفضيلة ويشرح لنا التاريخ كيف أن الذين سلكوا في الفضيلة بلا معرفة، سقطوا وضاعوا كثيرون سلكوا في الصوم بلا حكمة، فتعبوا جسديًا وروحيًا وكثيرون مارسوا الصمت بغير حكمة، فأوقعوا أنفسهم في مشاكل وأخطاء، ولم يكن الصمت بالنسبة إليهم فضيلة والبعض سلكوا في العطاء بلا معرفة، فأعطوا مال الله للمحتاجين بدلًا من إعطائه للمحتاجين لهذا قال القديس انطونيوس أن الإفراز هو أعظم الفضائل لأنه يحكمها ويدبرها جميعًا والرعاية والخدمة بلا إفراز، قد تعقد الأمور بدلًا من علاجه ولهذا اشترط الآباء الرسل أن يتصف الشمامسة بالحكمة إلى جوار امتلائهم بالروح القدس (أع 6) إن الحكمة تعطى الفضيلة عمقًا وصدقًا والمحبة تعطى عاطفة وشعورًا أما التواضع فيخفى الفضيلة عن حسد الشياطين، وإذ يخفى الفضيلة يعطى صاحبها استحياء، كما يعطيه محبة في قلوب الناس ليتنا نختبر أنفسنا: هل هذه الفضائل في أعماقنا؟ قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد
09 أكتوبر 2024

أبديتك

غالبية الناس يفكرون فقط في حياتهم على الأرض، كل رغباتهم مركزة في هذه الحياة الأرضية وكل تعبهم وجهادهم هو من أجله أما أبديتهم لا تخطر لهم على بال إن حياتك كلها على الأرض لا تساوى طرفة عين إذا ما قورنت بالأبدية التي لا نهاية لها وحياتك على الأرض ما هي إلا إعداد وتمهيد لتلك الأبدية، وحياة الخلود ربما تمسك بكرامة أرضية يضيع عليك كل الكرامة التي ينالها القديسون في المجد الأبدي ومع ذلك فأنت ما تزال تتمسك بهذه الكرامة الأرضية. وتضحي في سبيلها بأبديتك وكأنك لا تعي!! وربما تمسكك ببعض الملاذ الأرضية الوقتية والزائلة يفقدك كل النعيم الأبدي وسعادة الخلود عليك إذن أن تقتنع بأهمية الأبدية وتضعها باستمرار أمام عينيك ويصبح كل شيء رخيص إلى جوارها ما أجمل قول القديس بولس الرسول لأهل كورونثوس: "غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل التي لا ترى لأن التي ترى وقتية أما التي لا تُرى فأبدية" (2كو4: 18) حقًا، في هذه النظرة يتجلى الفارق الأساسي بين الإنسان الحكيم والإنسان الجاهل الجاهل نظرته قصيرة لا تتعدى المرئيات والحياة الأرضية أما الحكيم ينظر إلى بعيد إلى ما بعد الموت ويظل يفكر: ماذا سيكون مصيري بعد أن أخلع هذا الجسد؟ أين سأذهب؟ وماذا سأكون؟ وأنت أيها الأخ، بماذا أنت مشغول..؟ وأين وضعت قلبك؟ هنا أم هناك..؟ لأنه حيث يكون قلبك يكون كنزك أيضًا إن الحكماء يشعرون أنهم غرباء على الأرض، ولا يركزون آمالهم في الأرض بل "ينتظرون المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله" (عب11) والذي يهتم بأبديته يرتفع فوق مستوى الأرض والأرضيات ولا يستهويه شيء مما في هذا العالم العالم كله خلفه، وليس أمامه. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الاول
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل