المقالات

01 أكتوبر 2019

المسيح في سفر التكوين

يتحدث العهد القديم بأكمله عن شخص ربنا يسوع المسيح بطريقة نبوية شفرية، فيستطيع الدارس المتأمل أن يكتشف المسيح بين كل سطور العهد القديم فلم تكن النبوات فقط تتحدث عن شخصه الإلهي، بل الأحداث والشخصيات والأسماء والتعبيرات أيضًا، ولا عجب، فنحن نعرف أن العهد القديم كان هدفه تهيئة الناس، وإعدادهم لاستقبال الله المتجسد في العهد الجديد.. لذلك نرى في العهد القديم الوعود والإشارات والشرح والوصف حتى لا يتوه الناس عن معرفة هذا الإله العظيم الذي سيتأنس في ملء الزمان. سفر التكوين: وسفر التكوين هو سفر البدايات: بداية الخليقة، بداية العلاقة مع الله، بداية الزواج، بداية السقوط، بداية الوعد بالخلاص، بداية الأنسال، بداية العائلات، بداية قصة شعب الله.. الخ.ولابد لنا أن نرى المسيح واضحًا في كل تلك البدايات. (1) المسيح الخالق:- المسيح هو كلمة الله.. والله خلق العالم بالكلمة "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3)، "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يو1: 3 ،4)، "الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل" (كو1: 17)، "الكل به وله قد خُلق" (كو1: 16)، "لأنك أنت خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخُلقت" (رؤ4: 11).قصة الخلق هذه دُونت بتفاصيلها في سفر التكوين.. وكان واضحًا جدًّا أن الله الآب خلق العالم بالابن الكلمة.. إذ قيل في كل قصة خلق جديدة: "قال الله..". + "وقال الله: ليكن نور، فكان نور" (تك1: 3). + "وقال الله: ليكن جَلَد في وسط المياه" (تك1: 6). + "وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء" (تك1: 9). + "وقال الله: لتُنبت الأرض" (تك1: 11). + "وقال الله: لتكن أنوار في جَلَد السماء" (تك1: 14). + "وقال الله: لتفضِ المياه زحافات" (تك1: 20). + "وقال الله: لتُخرج الأرض ذوات أنفس حية" (تك1: 24). + "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26) واضح أن كل الخليقة تكوّنت بكلمة الله.. "بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يُرى مما هو ظاهر" (عب11: 3)، "السماوات كانت منذ القديم، والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء" (2بط3: 5) والمسيح هو كلمة الآب، وتكلّم في سفر الأمثال عن نفسه قائلاً: "منذ الأزل مُسحت.. لما ثبّت السماوات كنت هناك أنا.. كنت عنده صانعًا.." (أم8: 22-31) كان المسيح منذ الأزل كائنًا، وفي بدء الزمان خالقًا، وفي ملء الزمان مخلصًا، وفي المجيء الثاني سيكون دائنًا. (2) صورة الله:- المسيح "الذي هو صورة الله" (2كو4: 4)، "الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة" (كو1: 15). وعندما خلق الله الإنسان أراد أن يخلقه على صورته ومثاله ما هي صورة الله؟.. إن الله الآب لا يُرى.. "الله لم يره أحد قط" (يو1: 18) المسيح الابن هو فقط الذي يُرى "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18). لذلك قال المسيح أيام تجسده: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). ففي أية صورة خلق الله الإنسان؟ إنه خلقه على صورة المسيح.. + من جهة الروح: خلق الله روح الإنسان روحًا بسيطًا مقدسًا حكيمًا عاقلاً حرًا مريدًا. + ومن جهة الجسد: خلق الله جسد الإنسان على شكل الجسد الذي سوف يتجسد به في ملء الزمان. فالمسيح هو الأصل ونحن الصورة لقد أتى متجسدًا آخذًا شكلنا الذي هو في الأصل على صورته. "لأن الذين سبق فعرَفَهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29) والآن نحن في جهادنا المسيحي نسعى أن نسترد مرة أخرى بهاء صورة المسيح فينا بعد أن تشوهت صورة آدم وورثناها مشوهة وفاسدة.. "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2كو3: 18)، "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو3: 9 ،10) وستتحقق بالحقيقة في الأبدية أن نلبس صورة المسيح بدون عيوب"وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو15: 49)، "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في3: 21)، "ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2). إذًا نلخص الفكرة كالتالي: + المسيح هو صورة الله غير المنظور. + الإنسان خُلق على شبه هذه الصورة. + هذه الصورة تشوهت فينا بسبب الخطية وفساد الطبيعة. + جاء المسيح صورة الآب الحقيقي ليعيد صياغة صورتنا لتكون على شكله مرة أخرى. + موضوع جهادنا الروحي الدائم أن ترتسم فينا ملامح صورة المسيح. + في الأبدية بالحقيقة ستنطبع فينا صورة المسيح ونكون مثله لأننا سنراه كما هو. (3) أول وعد:- كان السقوط في الجنة الأولى مأساة.. أفقدت الإنسان كل الامتيازات التي خصّه بها الله.. وصار الإنسان عريانًا مهانًا مخذولاً.. مطرودًا من وجه الله.. ولم يكن هناك بصيص أمل في استرداد المجد الأول والنعمة العظيمة التي تمتع بها آدم وحواء وفي وسط هذا الظلام الحالك.. أشرق نور عظيم بوعد مقدس: أن نسل المرأة يسحق رأس الحية: "وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلِكِ ونسلها. هو يسحق رأسكِ، وأنتِ تسحقين عَقبه" (تك3: 15). من هو هذا النسل القادر أن يسحق رأس الشيطان؟ ظنت حواء أنه أول وُلد لها، فسمته قايين "وقالت: اقتنيت رجلاً من عند الرب" (تك4: 1). فرحت حواء بأول قنية، حاسبة أنه سيخلصها وزوجها من سم الحية.. ولكن للأسف كان قد لُدغ هو أيضًا وصار أول مجرم على وجه الأرض عندما اكتشفت حواء مبكرًا أن قايين ليس هو المخلص، أسمت ابنها الثاني هابيل أي (بسيط، نجار، زائل) لأنها أدركت أنه ليس هو أيضًا المخلص وكان على البشرية أن تنتظر أجيالاً كثيرة ليأتي "مخلِّص هو المسيح الرب" (لو2: 11)، متجسدًا ليس من حواء الأولى التي أخطأت.. بل من حواء الثانية الحقيقية القديسة الطاهرة مريم العذراء وكان هدف الله خلال هذه الأجيال الطويلة أن يرتقي بالبشرية ويهيئها ويُعدها للإيمان بتجسده.. ومع ذلك لم يؤمن الكثيرون.. وللآن أيضًا كثيرون لا يستطيعون أن يصدقوا أن الله تجسد. (4) أول ذبيحة:- "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (تك3: 21). هذا الجلد الذي استخدمه الله في عمل أقمصة يستر بها عري آدم وحواء.. هو جلد حيوان ذبحه الله ليُعرّف الإنسان أن في ملء الزمان سيأتي الذبيح الأعظم ليموت عوضًا عن الإنسان وعرف آدم حينئذٍ أن طريقة التقدم إلى الله لابد أن يكون فيها ذبيحة دموية. وعرف كذلك أن هذه الذبيحة هي مجرد رمز وإشارة إلى المخلص الحقيقي ربنا يسوع المسيح ونتيجة هذه الذبيحة يصير للإنسان فداء وستر على خطيته كمثلما ستر الله عريهما بالجلد وهذا تحقق لنا بالحقيقة في شخص ربنا يسوع المسيح الذي تجسد ومات لأجل فدائنا "الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا" (أف1: 7)، "وليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12)هذا الفداء الذي تبررنا به أمام الله "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رو3: 24). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
05 نوفمبر 2019

المسيح في سفر التكوين - المسيح في حياة أبينا يعقوب

يُعتبر أبونا يعقوب رأس الكنيسة القديمة، إذ هو أبو الأسباط، وكذلك السيد المسيح هو رأس ورئيس الكنيسة الجديدة إذ هو أب الجميع وكما كان ليعقوب اثنا عشر ابنًا هم رؤوس الآباء الأولين وأساس كنيسة العهد القديم كذلك للمسيح أيضًا اثنا عشر تلميذًا ورسولاً أسسوا كنيسته المقدسة وهم أصل الإيمان وجذر الآباء "مَبنيينَ علَى أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، ويَسوعُ المَسيحُ نَفسُهُ حَجَرُ الزّاويَةِ" (أف2: 20)دعنا الآن نتتبع أوجه الرمزية في حياة أبينا يعقوب التي تشير بوضوح إلى سيدنا وإلهنا ربنا يسوع المسيح: (1) بكر بين أخوة كثيرين:- كان يعقوب توأمًا لأخ آخر هو عيسو، وكان عيسو الأخ الأكبر ومع ذلك صار يعقوب بكرًا بدلاً منه. عيسو هو رمز لآدم الذي نزل أولاً على الأرض "لذلكَ دُعيَ اسمُهُ أدومَ" (تك25: 30). ثم تعقبه في ملء الزمان مجيء المسيح على الأرض ومع ذلك صار المسيح "بكرًا بَينَ إخوَةٍ كثيرينَ" (رو8: 29) بدلاً من آدم لقد فقد آدم بكوريته بسبب أكلة واحدة "لئلا يكون أحذ زانيًا أو مستبيحًا كعيسو، الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته" (عب12: 16)، وأيضًا فقد آدم بكوريته بسبب أكلة واحدة "فأخَذَتْ مِنْ ثَمَرِها وأكلَتْ، وأعطَتْ رَجُلها أيضًا معها فأكلَ" (تك3: 6) واكتسب يعقوب البكورية لأنه ضبط شهوة الأكل، وكان مترقبًا ومتلهفًا أن ينال هذه البكورية ليأخذ شرف أن يأتي المسيح من نسله وكذلك أخذ المسيح البكورية من آدم إذ بدأ خدمته بالصوم وضبط الجسد أما عيسو "فأكلَ وشَرِبَ وقامَ ومَضَى. فاحتَقَرَ عيسو البَكوريَّةَ" (تك25: 34) حقًا قيل في يعقوب وعيسو "شَعبٌ يَقوَى علَى شَعبٍ" (تك25: 23)، أي أن شعب المسيح يقوى على شعب العالم، "وكبيرٌ يُستَعبَدُ لصَغيرٍ" (تك25: 23) أي آدم (الكبير سنًا) يستعبد للمسيح (الذي جاء متأخرًا في ملء الزمان) وقد تعتبر أن عيسو يرمز للعهد القديم ويعقوب للعهد الجديد أو يرمزان للجسد والروح أو يرمزان للفضائل والرذائل التي توجد معًا في داخل القلب ويجب علينا أن نقوي الفضائل ونُميت الرذائل ونستعبد الجسد للروح "أقمَعُ جَسَدي وأستَعبِدُهُ، حتَّى بَعدَ ما كرَزتُ للآخَرينَ لا أصيرُ أنا نَفسي مَرفوضًا" (1كو9: 27) لقد قيل "كانَ عيسو إنسانًا يَعرِفُ الصَّيدَ، إنسانَ البَريَّةِ، ويعقوبُ إنسانًا كامِلاً يَسكُنُ الخيامَ" (تك25: 27)، الأول إنسان وحشي دموي صياد، والثاني رجل كامل (كمال ناسوت المسيح)، يسكن الخيام (التجسد حيث سكن المسيح في خيمة جسدنا البشري). (2) ابن الله وابن الإنسان:- مع أن يعقوب قد نال البركة من أبيه بخداع ومكر.. الأمر الذي عاقبه عليه الله فيما بعد.. ولكن الله وافق على هذه البركة بسبب أحقية يعقوب فيها إذ قد صار البكر.. وكذلك ليعطي لنا معنى وتفسيرًا يشير إلى السيد المسيح:- أ- عندما "فقالَ يعقوبُ لأبيهِ: أنا عيسو بكرُكَ" (تك27: 19).. يشير إلى السيد المسيح الذي أخذ مكان آدم أمام الآب السماوي ليحمل عنا عقاب خطايانا وليأخذ لنا فيه البركة. ب - عندما قال يعقوب لأبيه اسحق: "قد فعَلتُ كما كلَّمتَني" (تك27: 19).. وهذه ترمز إلى الطاعة التي أكملها الابن المسيح بدلاً عن آدم الذي تأخر في الطاعة بل قدّم العصيان. ج - عندما قال اسحق لابنه "الصَّوْتُ صوتُ يعقوبَ، ولكن اليَدَينِ يَدا عيسو" (تك27: 22)، كأن الآب السماوي يقول: "الصوت صوت ابني الحبيب الوحيد اللوغوس، والجسد جسد آدم". إنه هنا يتكلم عن اتحاد اللاهوت (الابن) بالناسوت (الطبيعة البشرية). (3) "نَعَمْ، ويكونُ مُبارَكًا" (تك27: 33):- كلمات البركة التي نطق بها أبونا اسحق فيها إشارات مبدعة إلى السيد المسيح:- أ- "رائحَةُ ابني كرائحَةِ حَقلٍ قد بارَكَهُ الرَّبُّ" (تك27: 27).. ما هذا الحقل إلا الكنيسة المقدسة التي فيها الكرمة الحقيقية: جذرها المسيح وأغصانها نحن، والآب السماوي هو الكرام.. "أن الكَرمَةُ الحَقيقيَّةُ وأبي الكَرّامُ" (يو15: 1)، "أنا الكَرمَةُ وأنتُمُ الأغصانُ" (يو15: 5) حقًا إن الكنيسة هي حقل قد باركه الرب، ورائحة البخور المتصاعدة منها هي رائحة الصلاة والطهارة، وكل فضيلة تدل وتكشف عن هذه الكنيسة الحقل المقدس المرعى الخصيب. ب- "فليُعطكَ الله من ندى السماء" (تك27: 28).. إن ندى السماء هو النعمة النازلة على الكنيسة بفعل الروح القدس من السماء. ت- "ومِنْ دَسَمِ الأرضِ. وكثرَةَ حِنطَةٍ وخمرٍ" (تك27: 28).. دسم الأرض هو الجسد الذي اتحد به الابن الوحيد.. لقد اتحد بطبيعتنا الترابية، فأعطى لنا كرامة وصار للأرض دسم وقيمة. أما الحنطة والخمر فهما سر الإفخارستيا المقدس.. الحنطة هي الجسد المقدس والخمر هو الدم الكريم لم تكن البركة – التي نطق بها الأب اسحق بالروح القدس – يُقصد بها القمح والعنب في حد ذاتهما – وإلاَّ لكان قد منحهما أبونا اسحق مرة أخرى لابنه عيسو عندما طلب البركة "أما أبقَيتَ لي بَرَكَةً؟. فأجابَ إسحاقُ وقالَ لعيسو: إني قد جَعَلتُهُ سيدًا لكَ، ودَفَعتُ إليهِ جميعَ إخوَتِهِ عَبيدًا، وعَضَدتُهُ بحِنطَةٍ وخمرٍ. فماذا أصنَعُ إلَيكَ يا ابني؟" (تك27: 36-37) قيل "عَضَدتُهُ بحِنطَةٍ وخمرٍ".. ماذا يمنع أن تعضدني أنا أيضًا بحنطة وخمر؟ إن الحنطة والخمر هنا هما جسد الرب ودمه، فإذا جاء المسيح من نسل يعقوب فكيف يأتي من نسل عيسو؟ وبالفعل لم تتحقق ليعقوب البركة بالمعنى المادي الحسي حيث أننا نعلم أنه نزل إلى مصر في شيخوخته ليشتري قمحًا ويقتات من خير مصر. فهذه البركة تحققت في ملء الزمان عندما جاء المسيح من نسله وأعطانا جسده ودمه المقدسين في صورة حنطة وخمر. ج- "ليُستَعبَدْ لكَ شُعوبٌ، وتسجُدْ لكَ قَبائلُ. كُنْ سيدًا لإخوَتِكَ، وليَسجُدْ لكَ بَنو أُمكَ. ليَكُنْ لاعِنوكَ مَلعونينَ، ومُبارِكوكَ مُبارَكينَ" (تك27: 29).. لقد اُستعبد يعقوب للابان خاله، ولم يتمتع بهذه السيادة طوال عمره، بل تحققت هذه النبوة بمجيء السيد المسيح من نسله، فصارت كل الشعوب وكل الأمم وكل القبائل وكل الألسن تتعبد لاسمه القدوس. (4) سلم يعقوب:- رأى يعقوب حلمًا "وإذا سُلَّمٌ مَنصوبَةٌ علَى الأرضِ ورأسُها يَمَسُّ السماءَ، وهوذا مَلائكَةُ اللهِ صاعِدَةٌ ونازِلَةٌ علَيها" (تك28: 12) إن هذا السلم يرمز إلى التجسد الإلهي حيث نزل إلينا الله، ويرمز أيضًا إلى الصليب المجيد إذ أنه منصوب على الأرض ورأسه يمس السماء، ويرمز ثالثة إلى العذراء مريم الوسيلة التي نزل عليها الله إلينا.. والتي صارت صلة تصل السماء بالأرض أما الملائكة الصاعدة والنازلة عليها فتشير إلى أن البعض سيصعد بالمسيح إلى السماء "ليس أحَدٌ يأتي إلَى الآبِ إلا بي" (يو14: 6)، والبعض الآخر سيُعثر فيه وينزل من مكانته السمائية "إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تُقاوم" (لو2: 34). وهذا السلم أشار إليه السيد المسيح عندما قال لنثنائيل: "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مِنَ الآنَ ترَوْنَ السماءَ مَفتوحَةً، ومَلائكَةَ اللهِ يَصعَدونَ ويَنزِلونَ علَى ابنِ الإنسانِ" (يو1: 51) إنه السلم النازل من السماء علامة اتضاع الله ونزوله إلينا ضد كبرياء بابل التي أرادت أن تبني برجًا من الأرض إلى السماء للارتفاع والتكبر على الله نفسه لقد أقام أبونا يعقوب في مكان هذه الرؤية أول كنيسة، ودشنها بالزيت، وأسماها بيت إيل (أي بيت الله) "وخافَ وقالَ: ما أرهَبَ هذا المَكانَ! ما هذا إلا بَيتُ اللهِ، وهذا بابُ السماءِ" (تك28: 17) وكان الحجر الذي نام عليه هو العمود التذكاري لهذه الكنيسة وهذا الحجر يرمز إلى جسد المسيح الذي صار رأس الزاوية وحجر عثرة وصخرة شك للذين لا يؤمنون.. "كما هو مَكتوبٌ: ها أنا أضَعُ في صِهيَوْنَ حَجَرَ صَدمَةٍ وصَخرَةَ عَثرَةٍ، وكُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ لا يُخزَى" (رو9: 33) بينما صار المسيح أصل البنيان للكنيسة "مَبنيينَ علَى أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، ويَسوعُ المَسيحُ نَفسُهُ حَجَرُ الزّاويَةِ" (أف2: 20)، أما الزيت المصبوب على رأس الحجر فيشير إلى انسكاب الروح القدس على الكنيسة وامتلاء جسد المسيح - الذي هو نحن - بالنعمة. (5) زواج يعقوب:- أ- لقد أرسل اسحق يعقوب ابنه ليأخذ لنفسه زوجة... وكأن الآب السماوي قد أرسل ابنه الوحيد ليأخذ لنفسه عروساً هى الكنيسة المقدسة.. "قم اذهب إلى فدان أرام، إلى بيت بتوئيل أبي أمك، وخذ لنفسك زوجة من هناك، من بنات لابان أخي أمك". (تك28: 2). ب- لقد حدّد اسحق العائلة التى يأخذ منها يعقوب زوجة، وكأن الآب السماوي قد اختار بيت آدم (أبى أمك)، بل ونسل إبراهيم بالذات، ومن بيت داود ليأخذ زوجة هي الكنيسة (البشرية)... فالعذراء مريم (أم الرب يسوع) هي ابنة آدم، وابنة إبراهيم وداود، وكأنك تقرأ الآية بالمعنى النبوي كالآتي: "قم اذهب إلى الأرض إلى بيت آدم أبي أمك (العذراء)، وخذ لنفسك زوجة (الكنيسة) من هناك من بنات لابان أخي أمك (أي من الأمة اليهودية)". فقد جاء المسيح إلى خاصته في البداية ليأخذ منهم لنفسه شعباً مستعداً مبرراً. ج - ثم كمّل اسحق بركته ليعقوب قائلاً: "والله القدير يُباركك، ويجعلك مُثمراً، ويُكثِّرك فتكون جمهوراً من الشعوب" (تك28: 3).. وكأن هذه البركة هي نبوءة عن المسيح الذي سيصير بالتجسد جمهوراً من الشعوب فبالرغم من أن السيد المسيح قد جاء إلى خاصته ولكن خاصته لم تقبله. وعدم القبول هذا فتح الباب على مصراعيه لباقي الأمم ليكون لهم نصيب في المسيح بالإيمان، ويصير المسيح أبًا لجمهور كثير، وليس لشعب واحدوقد تحقق هذا بالفعل عندما هتف المؤمنون بعد معمودية كرنيليوس: "إذاً أعطى الله الأمم أيضاً التوبة للحياة" (أع11: 18)، وما قاله معلمنا بولس وبرنابا: "كان يجب أن تُكلموا أنتم أولاً بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم، وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية، هوذا نتوجه إلى الأمم" (أع13: 46)، وأيضاً قيل عن اليهود الذين رفضوا المسيح: "وإذ كانوا يُقاومون ويُجدفون نفض ثيابه وقال لهم دمكم على رؤوسكم أنا بريء. من الآن أذهب إلى الأمم" (أع18: 6) هنا تحققت النبوءة التي قالها اسحق: "ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك معك" (تك28: 4)، وبركة إبراهيم هي "فأجعلك أمة عظيمة وأُباركك وأُعظم اسمك، وتكون بركة. وأُبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تك12: 2-3) حقاً في المسيح قد تباركت كل جميع قبائل الأرض. وهنا أيضاً تحققت النبوءة "لترث أرض غربتك التي أعطاها الله لإبراهيم" (تك28: 4)إن الدارس سيجد أن يعقوب لم يرث أرض الموعد بل تغرب في أرض مصر إلى أن مات ولكن تحققت هذه البركة في نسله الذي هو المسيح حيث ورث الأرض كلها، وورّثنا السماء أيضاً بموته على الصليب، وعندما رد سبي بني آدم من سلطان الشيطان (رئيس هذا العالم)، وصار المسيح هو الملك الحقيقي للبشر المؤمنين به وصارت "للرب الأرض وملؤها" (مز24: 1)، "قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه" (رؤ11: 15) لقد تغرب الرب يسوع في أرضنا كغريب ولكنه مَلَك عليها وصارت له، ونحن أيضاً صرنا له بكل الحب. ح- تقابل يعقوب مع راحيل عروسه في الحقل عند البئر (تك29: 2) وتقابل الرب يسوع مع الكنيسة – عروسه - في حقل العالم عند بئر المعمودية. خ- وكان هناك عند البئر ينتظر مجيء راحيل ثلثة قطعان من الغنم وكأنها عصور الآباء ثم الناموس ثم الأنبياء ينتظرون مجيء كنيسة المسيح عروس العهد الجديد لقد جاءت هذه القطعان ولكن كان البئر مغلقاً بحجر كبير، إشارة إلى أن المعمودية كانت مغلقة في العهد القديم حتى يجيء المسيح ليدحرج الحجر، ويفتح لنا باب المعمودية، ليسقي ويروي خراف راحيل أي شعبه الجديد. د- وجاءت راحيل مع الغنم لترعاها وترويها.. وكذلك تعمل الكنيسة كراعية أغنام ترعى وتربي وتعول وتروي أغنامها الحية المقدسة وقبّل يعقوب راحيل عروسه.. كما قبّل المسيح الكنيسة عندما نفخ فيها نفخة الروح القدس تحقيقاً لنبوءة سفر النشيد"ليُقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر" (نش1: 2)، "نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تُغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت" (يو20: 22-23). ذ- "وأخبر يعقوب راحيل أنه أخو أبيها وأنه ابن رفقة" (تك29: 12) والمسيح هو أخو آدم (بالتجسد)، وابن امرأة (نسل المرأة). ر- "فقال له لابان: إنما أنتَ عظمي ولحمي" (تك29: 14)، وهي نفس الكلمة التي قالها آدم عن حواء: "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي" (تك2: 23)، وأيضاً هي نفس الكلمة التي قالها معلمنا بولس عن الكنيسة والمسيح: "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه" (أفس5: 30). ز- عند الزواج أُعطيت ليئة ليعقوب أولاً بدلاً من راحيل التي أُعطيت له فيما بعد.. إشارة إلى ارتباط الله بكنيسة العهد القديم أولاً ثم كنيسة العهد الجديد فيما بعد وليئة تشير إلى كنيسة العهد القديم، فقد كانت عيناها ضعيفتين إشارة إلى عدم وضوح الرؤية عند آباء وأنبياء العهد القديم.. بسبب عدم تمتعهم برؤية السيد المسيح بالجسد بعكس كنيسة العهد الجديد (راحيل) التي كانت قوية النظر وحسنة الصورة وحسنة المنظر إنها الكنيسة المحبوبة وكانت ليئة كثيرة الإنجاب كمثل كنيسة العهد القديم التي أنجبت لنا الآباء والأنبياء، وكان لديها العهود والاشتراع والذبائح والكهنوت بينما كانت راحيل عاقراً كمثل كنيسة الأمم التي ما كانت تنجب قديساً أو فضيلة بل كانت غارقة في عبادة الأوثان وعندما فُتح رحم راحيل أعطاها الله أعظم الأبناء يوسف ثم بنيامين، وكذلك عندما بدأت الأمم في الإيمان صار منها أعظم القديسين وأفضل الآباء. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
26 نوفمبر 2018

جسد المسيح

عندما نتكلَّم عن القربانة كنموذج لشرح تكوين الكنيسة وطبيعتها وارتباطها بالمسيح في وحدة الحب، وذلك قبل أن تتحول القربانة نفسها بفِعل الصلاة والتقديس وحلول الروح القدس إلى جسد حقيقي للرب يسوع.. لا يجب أن يختلط المعنى في ذهننا بين جسد المسيح الخاص المولود من العذراء مريم بلا خطية والذي نأكله على المذبح، وبين جسد المسيح الذي هو الكنيسة، المكونة منَّا كأعضاء في هذا الجسد.. "وأمّا أنتُمْ فجَسَدُ المَسيحِ، وأعضاؤُهُ أفرادًا" (1كو12: 27). التمايز بين جسد المسيح الخاص والكنيسة جسد المسيح + فالكنيسة ليست مولودة من العذراء مريم، بل المسيح وحده الذي هو رأس الكنيسة .. "وإيّاهُ جَعَلَ رأسًا فوقَ كُل شَيءٍ للكَنيسَةِ" (أف1: 22). + والكنيسة لم تُصلب مع المسيح، بل هو مات وحده عنَّا.. "قد دُستُ المِعصَرَةَ وحدي، ومِنَ الشُّعوبِ لم يَكُنْ معي أحَدٌ" (إش63: 3). ولذلك قال السيد المسيح للكنيسة (جماعة الرسل): "هوذا تأتي ساعَةٌ، وقد أتتِ الآنَ، تتفَرَّقونَ فيها كُلُّ واحِدٍ إلَى خاصَّتِهِ، وتترُكونَني وحدي. وأنا لستُ وحدي لأنَّ الآبَ مَعي" (يو16: 32). + والسيد المسيح هو فادينا، لأنه صُلب وحده عنَّا، فلو صُلبت الكنيسة معه أي صُلبنا نحن معه على الجلجثة فكيف يكون فاديًا لنا؟ إنه فادي لأنه مات بدلاً ونائبًا عنَّا، ولم نمت نحن معه في الجلجثة في الصليب لأننا لم نكن موجودين آنئذٍ. لقد نلنا نصيبنا في صليبه عندما اعتمدنا باسمه القدوس .. + "فدُفِنّا معهُ بالمَعموديَّةِ للموتِ، حتَّى كما أُقيمَ المَسيحُ مِنَ الأمواتِ، بمَجدِ الآبِ، هكذا نَسلُكُ نَحنُ أيضًا في جِدَّةِ الحياةِ؟ لأنَّهُ إنْ كُنّا قد صِرنا مُتَّحِدينَ معهُ بشِبهِ موتِهِ، نَصيرُ أيضًا بقيامَتِهِ" (رو6: 4-5). + "مَدفونينَ معهُ في المَعموديَّةِ، التي فيها أُقِمتُمْ أيضًا معهُ بإيمانِ عَمَلِ اللهِ، الذي أقامَهُ مِنَ الأمواتِ. وإذ كنتُم أمواتًا في الخطايا وغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أحياكُمْ معهُ، مُسامِحًا لكُمْ بجميعِ الخطايا" (كو2: 12-13). لذلك يحق لنا بعد المعمودية فقط أن نقول: + "مع المَسيحِ صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المَسيحُ يَحيا فيَّ. فما أحياهُ الآنَ في الجَسَدِ، فإنَّما أحياهُ في الإيمانِ، إيمانِ ابنِ اللهِ، الذي أحَبَّني وأسلَمَ نَفسَهُ لأجلي" (غل2: 20). + "عالِمينَ هذا: أنَّ إنسانَنا العتيقَ قد صُلِبَ معهُ ليُبطَلَ جَسَدُ الخَطيَّةِ، كيْ لا نَعودَ نُستَعبَدُ أيضًا للخَطيَّةِ" (رو6: 6). + أما من جهة الصليب نفسه، فقد صُلب السيد المسيح وحده لأنه "أحَبَّني وأسلَمَ نَفسَهُ لأجلي" (غل2: 20). + فلو كانت الكنيسة هي جسد المسيح المصلوب لما احتاج أعضاؤها أن يعتمدوا، ولكننا يحدث لنا العكس .. إننا نحتاج المعمودية لكي نُصلب فيها ونُدفن مع المسيح ونقوم .. "وأقامَنا معهُ، وأجلَسَنا معهُ في السماويّاتِ في المَسيحِ يَسوعَ" (أف2: 6). + والكنيسة أيضًا تشترك في آلام الصليب باحتمال كل أنواع الآلام من أجل المسيح .. "ومَنْ لا يأخُذُ صَليبَهُ ويتبَعُني فلا يَستَحِقُّني" (مت10: 38). إنه صليب آلام الاضطهاد وآلام الخدمة وأتعابها وآلام النُسك ومشقاته، والآلام الطبيعية. "عالِمينَ أنَّ نَفسَ هذِهِ الآلامِ تُجرَى علَى إخوَتِكُمُ الذينَ في العالَمِ" (1بط5: 9) .. ولكننا نحتملها بشكر فتصير شركة في صليب المسيح.. "صادِقَةٌ هي الكلِمَةُ: أنَّهُ إنْ كُنّا قد مُتنا معهُ فسَنَحيا أيضًا معهُ. إنْ كُنّا نَصبِرُ فسَنَملِكُ أيضًا معهُ. إنْ كُنّا نُنكِرُهُ فهو أيضًا سيُنكِرُنا" (2تي2: 11-12). "إنْ كُنّا نَتألَّمُ معهُ لكَيْ نتمَجَّدَ أيضًا معهُ" (رو8: 17) .. أما صليب الجلجثة فلم يكن هناك غير يسوع المسيح وحده بجسده الخاص المبذول عن حياة العالم. + جسد المسيح المصلوب عنَّا هو جسد بلا عيب ولا لوم ولا خطية .. + "الذي بروحٍ أزَلي قَدَّمَ نَفسَهُ للهِ بلا عَيبٍ" (عب9: 14). + "بدَمٍ كريمٍ، كما مِنْ حَمَلٍ بلا عَيبٍ ولا دَنَسٍ، دَمِ المَسيحِ" (1بط1: 19). + أما نحن أعضاء الكنيسة .. "إنْ قُلنا: إنَّهُ ليس لنا خَطيَّةٌ نُضِلُّ أنفُسَنا وليس الحَقُّ فينا .... إنْ قُلنا: إنَّنا لم نُخطِئْ نَجعَلهُ كاذِبًا، وكلِمَتُهُ ليستْ فينا" (1يو1: 8، 10). + أما السيد المسيح فقد "حَمَلَ خَطيَّةَ كثيرينَ وشَفَعَ في المُذنِبينَ" (إش53: 12). ولذلك قيل عنه: "لأنَّهُ جَعَلَ الذي لم يَعرِفْ خَطيَّةً، خَطيَّةً لأجلِنا، لنَصيرَ نَحنُ برَّ اللهِ فيهِ" (2كو5: 21). هو حَمَل خطايا الكنيسة على جسده الخاص، لنصير نحن بر الله فيه. + جسد السيد المسيح المولود من العذراء والخاص به، اتحد اتحادًا كاملاً أقنوميًا باللاهوت، كمثل اتحاد النفس بالجسد في الإنسان .. أما المسيح فقد اتحد بكنيسته كاتحاد الرجل بامرأته، فصارت الكنيسة جسده كما أن المرأة هي جسد الرجل والرجل رأسها، ولكن يظل الرجل رجلاً والامرأة امرأة .. كذلك يظل المسيح هو الله والكنيسة هي البشر المتحد بالله اتحاد الحب والإرادة والقداسة. "لأنَّ الرَّجُلَ هو رأسُ المَرأةِ كما أنَّ المَسيحَ أيضًا رأسُ الكَنيسَةِ، وهو مُخَلِّصُ الجَسَدِ" (أف5: 23). + في سر الزيجة "يكونُ الاِثنانِ جَسَدًا واحِدًا" (مت19: 5)، ومع ذلك مازال للرجل جسده الخاص وكذلك للمرأة .. والرجل يصير رأسًا للمرأة والمرأة جسد للرجل. على هذا المثال تكون الكنيسة جسدًا للمسيح والمسيح بجسده الخاص رأسًا للكنيسة. + جسد المسيح المتحد بلاهوته هو جسد مُحي نسجد له ونُمجده، ويعمل المعجزات، ويعطينا حياة أبدية حينما نأكله .. "مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخير ِ ... مَنْ يأكُلني فهو يَحيا بي" (يو6: 54، 57) .. أما الكنيسة جسد المسيح .. فليست فيها الألوهة، ولا تعطي حياة، ولا يمكن أن نأكلها. + إننا نسجد فقط لرأس الكنيسة "وهو رأسُ الجَسَدِ: الكَنيسَةِ. الذي هو البَداءَةُ، بكرٌ مِنَ الأمواتِ، لكَيْ يكونَ هو مُتَقَدمًا في كُل شَيءٍ" (كو1: 18). ولكننا لا نسجد للكنيسة ولا نعبدها، لأنها هي نحن (أعضاء الجسد)، فكيف نسجد لأنفسنا أو نعبد أنفسنا؟ + إننا فعلاً "أعضاءُ جِسمِهِ، مِنْ لَحمِهِ ومِنْ عِظامِهِ" (أف5: 30).. ولكننا لسنا لاهوته وأقنومه، مثل المرأة التي هي جسد الرجل "عَظمٌ مِنْ عِظامي ولَحمٌ مِنْ لَحمي" (تك2: 23)، ولكنها ليست ذات الرجل أو شخصه. "هكذا نَحنُ الكَثيرينَ: جَسَدٌ واحِدٌ في المَسيحِ، وأعضاءٌ بَعضًا لبَعضٍ، كُلُّ واحِدٍ للآخَرِ" (رو12: 5). وبهذا المعنى تكون أجسادنا أعضاء المسيح .. + "ألستُمْ تعلَمونَ أنَّ أجسادَكُمْ هي أعضاءُ المَسيحِ؟ أفآخُذُ أعضاءَ المَسيحِ وأجعَلُها أعضاءَ زانيَةٍ؟ حاشا!" (1كو6: 15). + "لأنَّهُ كما أنَّ الجَسَدَ هو واحِدٌ ولهُ أعضاءٌ كثيرَةٌ، وكُلُّ أعضاءِ الجَسَدِ الواحِدِ إذا كانَتْ كثيرَةً هي جَسَدٌ واحِدٌ، كذلكَ المَسيحُ أيضًا" (1كو12: 12). + والمسيح هو الرأس "صادِقينَ في المَحَبَّةِ، نَنمو في كُل شَيءٍ إلَى ذاكَ الذي هو الرّأسُ: المَسيحُ" (أف4: 15). خلاصة القول .. إن الجسد المُقدَّس على المذبح هو جسد السيد المسيح المولود من العذراء مريم، وهو جسد بلا خطية وبلا عيب، يضمنا إليه، ونتحد به عندما نعتمد باسمه وعندما نأكله .. + "نَحنُ الكَثيرينَ خُبزٌ واحِدٌ، جَسَدٌ واحِدٌ، لأنَّنا جميعَنا نَشتَرِكُ في الخُبزِ الواحِدِ" (1كو10: 17). + "اجعلنا كلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من قُدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء" (القداس الباسيلي). وهذا الانضمام إلى جسد المسيح يكون الآن كعربون وفي الأبدية بالحقيقة .. وهذا كله بالنعمة الإلهية الممنوحة للبشروهذا الانضمام إلى جسد المسيح لا يُكسبنا صفات المسيح الإلهية، كمثل جهاز كهربائي لا يعمل إلاَّ باتحاده بالكهرباء، ولكنه عند اتحاده بها لا يصير هو نفسه (كهرباء)، ولكنه يظل (كهربائي)، ويعمل بقوة الكهرباء فيه كذلك نحن لا نحيا إلاَّ بالمسيح، ولكننا لا نصير (مسيحًا)،بل (مسيحيين) ونحيا بقوة حياة المسيح فينا. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
10 مارس 2020

الصوم الكبير والمعمودية

1- المعمودية والصليب والقيامة أن المعمودية المسيحية هى موت ودفن وقيامة مع المسيح؛ فيقول معلمنا بولس الرسول: "نحن الذين متنا عن الخطية. كيف نعيش بعد فيها؟. أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة؛ لأنه أن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته" (رو 6: 3-5).لذلك فقد كانت أنسب فرصة لمعمودية الموعوظين فى العصور الأولى، هى ليلة عيد القيامة، حيث الموت والقيامة فعلاً مع المسيح.يقول فى ذلك العلامة ترتليانوس: "الفصح هو أكثر الأيام ملاءمة لإقامة المعمودية، ففيه تمت آلام الرب وإليها نعتمد..." (فى المعمودية 19).وما زالت "الزفة" التى نعملها للمعمدين فى الكنيسة، هى نفسها دورة القيامة التى كانوا يشتركون فيها عقب معموديتهم ليلة العيد والكنيسة فى اختيارها لقراءات عيد القيامة فى القطمارس، لم تغفل ارتباط القيامة بالمعمودية؛ ففى فصل الكاثوليكون يورد معلمنا بطرس الرسول مقارنته الشهيرة بين الطوفان والمعمودية: "إذ كان الفلك يبنى، الذى فيه خلص قليلون، أى ثمانى أنفس بالماء، الذى مثاله يخلصنا نحن الآن، أى المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد، بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح" (1بط 3: 20-21) وفى فصل البولس يورد معلمنا بولس مقارنة بين بنى القيامة (المعمدين) وبنى الموت "ليس الروحانى أولاً (المولود من الروح بالمعمودية) بل الحيوانى (المولود بالجسد من أبويه)، وبعد ذلك الروحانى... وكما لبسنا صورة الترابى (آدم) سنلبس أيضاً صورة السماوى (المسيح ... فى المعمودية بالعربون، وفى الأبدية بالحقيقة)، فأقول هذا أيها الأخوة: أن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله (المولود حسب الجسد) ولا يرث الفاسد (بدون المعمودية) عدم الفساد (الأبدية)" (1كو 15: 46-50)، لاحظ أن نفس التعبير استخدمه الرب يسوع فى حواره مع نيقوديموس: "الحق الحق أقول لك إن كان أحد، لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله... المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يو 3: 3-6) وحقيقة الأمر أن الكنيسة كانت تبذل جهداً كبيراً فى إعداد الموعوظين للمعمودية، ثم تقدمهم للأب الأسقف ليختبر جدية نواياهم، وصدق إيمانهم.. ثم يسجل أسماءهم فى سجل الموعوظين، الذى يسميه القديس يوحنا ذهبى الفم "السفر السماوى" أو "سفر الحياة" ، ثم يرسم الأب الأسقف على جبهة الموعوظ إشارة الصليب، ويباركه... وكان هذا التسجيل يتم - أيام القديس يوحنا ذهبى الفم - فى بداية الصوم الكبير... ويستمر الموعوظون طيلة الصوم الكبير يتلقون تعاليم الكنيسة، خاصة ما يختص بسر المعمودية، وفعلها فى حياتهم، حتى ينتهى الصوم المقدس بالبصخة فالقيامة، فيتم تعميدهم ليكونوا بالحقيقة قد ماتوا وقاموا مع الرب يسوع المسيح له المجد.والملاحظ أن ترتيب قراءات آحاد الصوم الكبير المقدس قد جاءت بإلهام إلهى تشرح طقس المعمودية، وفعلها فى تغيير وتجديد طبيعة الإنسان وفى تبنيه لله الأب وفى استنارته وفى منحه الحياة الأبدية. 2- ارتباط قراءات أحاد الصوم الكبير بشرح فعل المعمودية:- أ- أحد الرفاع (مت 6: 1-18) :- تعلمنا الكنيسة المقدسة فى أحد الرفاع المنهج المسيحى فى الحياة، ويقوم على (الصدقة - والصلاة - والصوم) وكأنها تهمس فى أذن الموعوظ.. "صديقى.. ستكون معنا - بالمعمودية - وستسلك كما يليق بهذه المعمودية: الصدقة هى الزهد فى المال والقنية.. والصلاة هى جحد الذات وكسر المشيئة... والصوم هو ضبط الجسد"... الكنيسة تضع أمام الموعوظ علامات الطريق، وسر النصرة.. وتميز له ما بين ممارسة المسيحية، والممارسة التى كان يعيش فيها قبل المعمودية سواء كان وثنياً أم يهودياً... فالمسيحية تعرف الخفاء فى الممارسة.. والعلاقة الباطنية بين الابن (بالمعمودية) والآب السماوى الذى يرى فى الخفاء. ب- الأحد الأول (مت 19:6-34) (أحد الكنوز):- فى بداية الطريق... تضع الكنيسة الحافز المناسب أمام الموعوظ لئلا يخور ويتراجع... إن كنا قد علمناه فى أحد الرفاع أن يتخلى عن (المال - الذات - الجسد). فلنضع أمامه الآن المكافأة: أنها الكنز السماوى الذى لا يفسد ولا يسرق ثم تشرح الكنيسة للموعوظ قيمة التمسك بهذا الكنز السماوى... - العين تكون مستنيرة بالبساطة (المعمودية هى سر الاستنارة). - الله سيهتم باحتياجاتى (أبوكم السماوى يقوتها). - نفوز بملكوت السموات (اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره... وهذه كلها تزاد لكم). فالمعمودية تنقل الإنسان من سيرة علمانية إلى سيرة سمائية روحانيةالسيرة العلمانية تقوم على كنوز الأرض وعبودية المال، والعين الشريرة والاهتمامات المفسدة الرديئة فلا نكون مثلهم بل لنا الكنز السماوى، وخدمة المسيح، والعين البسيطة والاهتمامات الأخروية لأننا صرنا أبناء الملكوت، وأبناء النور بالمعمودية. ج- الأحد الثانى (مت 4: 1-11) (أحد التجربة) :- بعد إعداد الموعوظين بوعظهم، والصلاة عليهم (كما بطقس المعمودية)، تتمم الكنيسة لهم طقس جحد الشيطان، وكما انتصر السيد المسيح على الشيطان فى ثلاثة تجارب، كذلك يصرخ الموعوظ فى وجه الشيطان (نحو الغرب) قائلاً "أجحدك.. أجحدك.. أجحدك". أنها نفس النصرة التى فاز بها الرب يسوع لنا على الجبل لقد انتصر الرب يسوع فى تجارب الجسد (الحجارة تصير خبزاً)، والمجد الباطل (اطرح نفسك إلى أسفل)، وتجربة القنية (أعطيك هذه جميعها).. وهى نفس مواطن الضعف التى يحارب بها أبليس كل أولاد الله (الجسد - الذات - القنية)؛ لذلك فسبق لنا أن نتسلح ضد هذه الهجمات بأسلحة (الصوم - الصلاة - الصدقة).. إننا فى سر المعمودية نصرخ مع المسيح (أذهب يا شيطان). فيتركنا مهزوماً... ولكنه "إلى حين" (لو13:4)، لأنه سيعاود حربنا، ولن يتركنا نهائياً إلا عندما نخلع الجسد، ونحتمى فى الفردوس بالحقيقة، حيث تنتهى الحرب ، وتعلن النصرة فى الأبدية السعيدة. د- الأحد الثالث (لو 15: 11-32) (الابن الشاطر):- إن قصة الابن الضال هى شرح رائع لسر المعمودية.. فالمعمودية هى استعادة التبنى لله الآب.. لقد كان الإنسان أصلاً ابناً لله (بالتبنى)، فقد قيل عن آدم أنه "ابن الله" (لو 38:3) ولكن أدم فقد بنوته بسبب ضلالته، وانفصاله عن الله، وعيشه بعيداً بعيش مسرف فى الخطية.. والموعوظ فى توجهه للمعمودية، كأنه يقول مع الابن الضال: "أقوم وأذهب إلى أبى" (لو 18:15) إن الآب السماوى ما زال يحمل لنا مشاعر الأبوة ، وسوف يغدقها علينا فى المعمودية (الحلة الأولى).. فقال الأب لعبيده (الكهنة): "أخرجوا الحلة الأولى والبسوه (المعمودية هى لباس المسيح)" واجعلوا خاتماً فى يده (الميرون ختم الروح القدس)، "وحذاء فى رجليه" (الإنجيل الذى ينير الطريق ويهدى الخطوات): "حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام" (أف15:6)، "وقدموا العجل المسمن، وأذبحوه" (وليمة الافخارستياً التى يشترك فيها الأبناء فقط)، "فنأكل ونفرح" (بالتسبيح الدائم والشركة المقدسة فى الكنيسة) "لأن ابنى هذا كان ميتاً فعاش" (المعمودية موت وقيامة) "وكان ضالاً فوجد" الابن الأكبر هو رمز لليهود، الذين لهم علاقة مع الله منذ زمن بعيد، والابن الأصغر هو رمز للأمم الذين جاءوا متأخرين الابن الأكبر كان يعيش مع والده ولكن ليس بقلبه.. لذلك لم يكن فكره ولا قلبه كأبيه نحو الأخ الأصغر، بل تذمر كما تذمر اليهود عند قبول الأمم فى المعمودية (راجع فى ذلك قصة قبول كرنيليوس فى الإيمان والمعمودية، وكيف خاصم المسيحيون من أصل يهودى - معلمنا بطرس لأنه قبل الأمم، وكيف شرح لهم بطرس الرسول قصة إعلان الله له قبول الأمم (أع 10،11).. ولكن الآب السماوى يطمئن قلوب الموعوظين (الابن الأصغر) "كان ينبغى أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ميتاً (بفساد الطبيعة) فعاش (بالمعمودية) وكان ضالاً فوجد". هـ- الأحد الرابع (يو 4: 1-42) (السامرية):- السامرية جاءت لتشرب من ماء غير مرو، فقابلها يسوع وقال لها "لو كنت تعلمين عطية الله (المعمودية)... لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً.... كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً، ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد (لا تعاد معموديته). بل الماء الذى أعطيه، يصير فيه ينبوع ماء (الروح القدس) ينبع إلى حياة أبدية" جاءت السامرية لتشرب من بئر يعقوب وقلبها متعلق بخمسة أزواج وأخر ليس زوجاً.. فوجدت هناك بئر يسوع (المعمودية) والعريس الأوحد مخلص كل البشرية لقد رفع يسوع ذهنها إلى الحياة بالروح والحق، التى تليق بالمسيحيين؛ ليفطم قلبها من عبادة الحرف التى تليق باليهود والوثنيين... أن المعمودية حد فاصل... و- الأحد الخامس (يو 5: 1-18) (المخلع):- لقد كان هذا الرجل مريضا منذ زمان، رمزاً للبشرية التى تعانى من فساد الطبيعة منذ أدم.. وكان ملقى مطروحا عند البركة (رمزاً للمعمودية) يتوقع تحريك الماء مع باقى البشرية المريضة - "جمهور كثير من المرضى عمى وعرج وعسم لأن ملاكاً (رمزاً للروح القدس) كان ينزل أحياناً فى البركة، ويحرك الماء.. فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء (الماء والروح)، كان يبرأ من أى مرض أعتراه (البرء من فساد الطبيعة)" والخمسة أروقة التى كانوا مطروحين فيها دون شفاء، لعلها تشير إلى إمكانيات العهد القديم التى كان - على غناها وغزارتها- عاجزة عن تخليص الإنسان، فأسفار موسى الخمسة، وأنواع الذبائح الخمسة لم تكن كافية لبرء الإنسان.. جاء يسوع ليخلصنا بالمعمودية، ولكنه يسأل الإنسان (أتريد أن تبرأ)؟، كما يسأل الكاهن الموعوظ (هل آمنت)؟ ى- فى الأحد السادس (يو1:9-41) (المولود أعمى):- ومعجزة المولود أعمى هى قصة معمودية بكل تفاصيلها.. فالرجل ولد مشوهاً رمزاً للطبيعة الفاسدة، التى نولد بها من آدم وحواء.. وجاء الرب يسوع ليعيد خلقة الإنسان، ويجددها، لذلك فقد استخدم - بصفته الخالق - عناصر خلق الإنسان الأول نفسها.. (الطين).. وقال أذهب اغتسل فى بركة سلوام (المعمودية).. فمضى واغتسل وأتى بصيراً (سر الاستنارة).. ونتيجة هذه المعمودية انفصل هذا الرجل عن مجمع اليهود وصار فى مجمع المسيح (الكنيسة). ز- الأحد السابع الشعانين :- بعد أن شرحت الكنيسة للموعوظين فعل المعمودية فى حياتهم: التبنى (الابن الضال)، ماء الحياة (السامرية)، البرء من الطبيعة الفاسدة (المخلع)، والاستنارة (المولود أعمى) الآن تقتادهم ليروا المجد المعد لهم فى ملكوت الآب السماوى، سندخل أورشليم فى موكب المسيح، وسنهتف منتصرين حاملين سعف النخل.. وسننتمى إلى مملكة داود الروحية الحقيقية، ولكن هناك صليب سيقابلنا، وآلام لابد أن نجتازها.. وما يشجعنا ويعزينا أن هناك قيامة بعد الصليب.. وهناك المجد بعد الهوان.. وهناك النصرة بعد الحرب. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة عن كتاب الصوم الكبير عوده الى الله
المزيد
26 نوفمبر 2019

المسيح في سفر التكوين - يوسف الصديق

كان يوسف شخصية رائعة، فيها الكثير من الإشارات والرموز التي ترمز إلى شخص ربنا يسوع المسيح، نستطيع أن نلمح بعض هذه الرموز في الأمور التالية:- (1) الابن والعبد: بالرغم من أن يوسف كان الابن المحبوب لدى أبيه يعقوب "وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه" (تك37: 3) إلا أنه اشتغل كعبد عند إخوته "كان يرعى مع إخوته الغنم وهو غلام عند بني بلهة وبني زلفة امرأتي أبيه" (تك37: 2) فهو الابن المُدلل المحبوب، وفي نفس الوقت أطاع أن يكون عبدًا وغلامًا عند إخوته بني الجاريتين، وهو في هذا مشبه بابن الله الذي هو من حيث اللاهوت مساو للآب في الجوهر، وهو الابن الوحيد الذي في حضن أبيه، ومن أجلنا صار عبدًا ليرعى غنم أبيه "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في2: 6-8). (2) صنع يعقوب قميصًا ملونًا لابنه الحبيب يوسف وهذا القميص هو رمز للكنيسة التي لبسها المسيح متحدًا لها والألوان المتعددة في القميص ترمز إلى شعوب الأرض الذين يجتمعون في كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية، لها إيمان واحد كمثلما لها رب واحد ومعمودية واحدة. (3) أحب يعقوب ابنه بينما أبغضه إخوته "ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك37: 4) وهكذا مثلما أحب الآب الابن بينما أبغضه بني البشر وقاموا عليه وصلبوه بحقد وحسد وبغضة شديدة. (4) أرسل يعقوب يوسف ابنه قائلاً: "اذهب. انظر سلامة إخوتك وسلامة الغنم ورد لي خبرًا" (تك37: 14)، وهذا إشارة إلى أن الآب السماوي قد أرسل ابنه الوحيد الحبيب ليفتقد سلامتنا، ويعود إلى الآب السماوي بالصعود المقدس (ليرد له الخبر). (5) بينما سعى يوسف لمنفعة إخوته وافتقادهم تشاوروا هم ليقتلوه "احتالوا له ليميتوه فقال بعضهم لبعض: هوذا هذا صاحب الأحلام قادم فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول: وحش رديء أكله فنرى ماذا تكون أحلامه" (تك37: 18-20) وهكذا أيضًا بينما جاء المسيح إلينا متجسدًا طالبًا خلاصنا قابله البشر بالبغضة والتهكم والرفض والصلب. (6) "فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عن يوسف قميصه، القميص الملون الذي عليه، وأخذوه وطرحوه في البئر وأما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء" (تك37: 23-24) خلعوا قميصه ونزل إلى البئر بدون قميص كمثلما مات المسيح، فخلع الجسد، ونزل إلى الجحيم بروحه بدون الجسد. (7) أشار يهوذا أخو يوسف على إخوته أن يبيعوه لقافلة التجار الإسماعيليين، وباعوه بعشرين من الفضة (ثمن العبد في عصر يوسف) أما ربنا يسوع المسيح فقد باعه يهوذا أيضًا لكهنة اليهود بثلاثين من الفضة وهو (ثمن العبد في عصر المسيح). (8) "فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسًا من المعزى وغمسوا القميص في الدم" (تك37: 31) إشارة إلى صبغ الكنيسة بدم المسيح في سر المعمودية. (9) "أما يوسف فأنزل إلى مصر" (تك39: 1) إشارة إلى نزول السيد المسيح من بيت الآب السماوي إلى أرضنا، وكما صار يوسف الابن عبدًا في بيت فوطيفار هكذا صار المسيح الابن الكلمة عبدًا في بيت آدم. (10) كما هرب يوسف من زوجة فوطيفار وترك ثيابه في يديها كذلك خرج المسيح من الموت تاركًا الأكفان في يد القبر لقد كانت زوجة فوطيفار قبرًا من الشهوات النتنة، وانتصر يوسف عليها كمثلما انتصر المسيح على الموت، وخرج منه ظافرًا به في الصليب. (11) خرج يوسف من بيت فوطيفار، ونزل إلى السجن قبل صعوده إلى العرش وهكذا أيضًا خرج السيد المسيح من بيت آدم (الأرض)، ونزل إلى الجحيم من قبل الصليب قبل أن يقوم ويصعد إلى السماء بمجد الآب. (12) تقابل يوسف في السجن مع شخصية (الساقي وخباز الملك)، كان أحدهما مذنبًا والآخر بريئًا وكذلك على الصليب صُلب مع المسيح لصان أحدهما هلك والآخر خلُص وقد تنبأ يوسف للساقي بأنه سيعود إلى خدمة الملك، أما للخباز فقد تنبأ له بهلاكه، وكذلك عندما نزل المسيح إلى الجحيم أخرج البعض منه إلى الفردوس وهم الأبرار، أما الأشرار فقد تركهم في الجحيم بسبب شرورهم وعدم إيمانهم. (13) عندما أرسل فرعون ليأخذ يوسف من السجن "فأسرعوا به من السجن. فحلق وأبدل ثيابه ودخل على فرعون" (تك41: 14) لقد بدّل ثيابه إشارة إلى الجسد الممجد الذي قام به رب المجد السيد المسيح من الأموات، وإشارة أيضًا إلى أنه نزع عنا عار الخطية، وذل سجن الشيطان، وفي حياتنا الروحية يرمز هذا إلى خلع الإنسان العتيق مع أعماله المظلمة وشهواته الرديئة. (14) كما شرح يوسف رموز الأحلام لكل من الساقي والخباز ثم أيضًا لفرعون هكذا كشف لنا السيد المسيح عن أسرار العهد القديم ورموزه "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو24: 27)، "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو24: 45). (15) "فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله؟" (تك41: 38).. يشير هذا إلى إيمان الأمم بلاهوت المسيح بينما رفضه اليهود كمثلما فعل إخوة يوسف معه "وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص. ووضع طوق ذهب في عنقه" (تك41: 42) بالمقارنة بما فعله به إخوته، حينما خلعوا عنه القميص الملون وأهانوه، وهذا يرمز إلى رفض اليهود لمُلك المسيح عليهم بينما قبله الأمم وصاروا مملكته بالحقيقة التي هي الكنيسة. (16) "ودعا فرعون اسم يوسف صفنات فعنيح" (تك41: 45)، وهذا الاسم معناه "مخلص العالم" أو "طعام الحياة" وربنا يسوع المسيح هو مخلص العالم الحقيقي، وهو طعام الحياة وكما خلص يوسف العالم من المجاعة بتوفير القمح لهم كذلك خلصنا ربنا يسوع من الهلاك بأن أعطانا القمح الحقيقي الذي هو جسده ودمه الطاهرين. (17) تزوج يوسف من أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون إشارة إلى اقتران كنيسة الأمم بالسيد المسيح وقد تركت عبادة آبائها لتدخل في عبادة الله الحقيقي إله يوسف زوجها كمثلما ترك الأمم عباداتهم الوثنية ليرتبطوا بإله السماء ربنا يسوع المسيح نفسه. (18) جاء إخوة يوسف إليه في مصر وسجدوا له كمثلما آمن الآباء الرسل بالمسيح، وسجدوا له من بعد قيامته المقدسة. (19) بارك يعقوب ابني يوسف ونقل البكورية من منسى إلى أفرايم بعلامة الصليب كذلك انتقلت البكورية من آدم إلى المسيح بالصليب، وصار السيد المسيح "بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29) بدلاً من آدم. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
03 سبتمبر 2018

الحرب ضد الهراطقة والأخطاء الفكرية للجماعات المنحرفة

أولاً: مواجهة الهرطقات : فيما نتكلم عن الحب والإتحاد والسلام الكامل… يبرز للكنيسة من آن لآخر تيار غريب يهدد سلامة التعليم الأرثوذكسى… وتضطر الكنيسة إلى أن تحارب هذا التيار، وقد تلجأ إلى سلاح القطع والحرمان، من أجل حفظ سلام الكنيسة وسلامة التعليم…قد يتساءل البعض… ألا يتعارض هذا مع تعليم المسيح الخاص بالمحبة، وقبول الآخر والإتجاه نحو الوحدة والسلام؟كيف للكنيسة وهى مسئولة عن سلام العالم… ومسئولة عن نشر فكر المسيح، وتعميق روح الحب… كيف لها أن تحارب أشخاصاً وتطردهم وتقطعهم؟… ألا يوجد هنا شبهة قساوة وإرهاب فكرى، وتعارض، مع إتجاه التجميع والإحتضان والتسامح والحب؟!! ولكن أيضاً هل يجوز للكنيسة أن تترك كل إنسان يفكر كما يشاء، وينشر فكره مهما كان؟ تحت إدعاء طيبة القلب والتساهل، وخلاص نفس الآخر بقبوله؟ دعنا نناقش الأمر كتابياً، لنرى رأى الكتاب المقدس، وفكر المسيح من جهة هذا الأمر. خاصة وأن الكنيسة بطول الزمان لجأت إلى منهج عقد المجامع ومحاكمة الهراطقة، وقطعهم وفرزهم… ونحن مازلنا نمدح أبطال الإيمان، الذين شاركوا قطع الهراطقة، وأمضوا عمرهم كله فى جهاد عنيف ضد الأفكار المتمردة، كمثل القديس أثناسيوس، وكيرلس، وديسقوروس وغيرهم. هل أخطأ الآباء فى منهجهم هذا ولم يتوافقوا مع فكر المسيح؟! هل علينا الآن فى عصر الحرية، والفكر المنفتح، والديمقراطية – أن نغيّر منهج الآباء القدامى، ونسلك مع الهراطقة بروح جديدة، حفظاً لتواجدهم معنا فى الكنيسة!! ومنعاً لإستخدام سلاح الطرد والتشهير والحرمان كما يقولون…؟! 1- الهرطقات تعليم شيطانى أول حقيقة تقابلنا عند دراسة هذا الموضوع أن الشيطان هو المحرك لكل هرطقة فى الكنيسة “ولكن الروح يقول صريحاً أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان. تابعين أرواحاً مضلة، وتعاليم شياطين فى رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم” (1تى 1:4-2). فهل مطلوب من الكنيسة أن تحمى تعليم الشيطان وتقبله؟!”ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هى أرضية نفسانية شيطانية” (يع 15:3) “لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة، يجمعون لهم معلمين، مستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات” (2تى 3:4-4). فهل الكنيسة مسئولة عن حماية الإنحرافات والخرافات والشهوات الخاصة فى التعليم؟إن مثل هؤلاء الكذبة يحكم عليهم الكتاب المقدس بالهلاك. “ولكن كان أيضاً فى الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك. وإذ هم ينكرون الرب الذى إشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً. وسيتبع كثيرون تهلكاتهم. الذين بسببهم يُجدف على طريق الحق. وهم فى الطمع يتجرون بكم بأقوال مصنّعة. الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى. وهلاكهم لا ينعس” (2بط 1:2-3). “لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون، مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح. ولا عجب، لأن الشيطان نفسه يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيماً إن كان خدامه أيضاً يغيرون شكلهم كخدام البر. الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم” (2كو 13:11-15).لقد وصف هنا – معلمنا بولس الرسول – الهراطقة بأنهم خدام الشيطان وكذبة وماكرون… فهل تقبلهم الكنيسة وهم هكذا؟إن الأساس الذى تُبنى عليه الأفكار الهرطوقية، هو التمرد “فإنه يوجد كثيرون متمردين يتكلمون بالباطل ويخدعون العقول” (تى 10:1).والتمرد محسوب فى فكر الإنجيل إنه مثل عبادة الأوثان: “لأن التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم” (1صم 23:15). فهل مطلوب من الكنيسة أن تتغاضى عن عبادة الأوثان؟إنهم بتعبير معلنا بولس “الإخوة الكذبة المدخلين خفية الذين دخلوا أختلاساً” (غل 4:2)، “وهم أعداء صليب المسيح” (فى 18:3).إن التعليم الهرطوقى ليس إطلاقاً من الله، ولا من الروح القدس روح الحق… بل هو من العالم والشيطان وروح الضلال “هم من العالم. من أجل ذلك يتكلمون من العالم، والعالم يسمع لهم. نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا. ومن ليس من الله لا يسمع لنا. من هذا نعرف روح الحق، وروح الضلال”(1يو 5:4-6).”الذى من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله” (يو 47:8). 2- الهراطقة يحكمون على أنفسهم “منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا، لكن ليُظهروا أنهم ليسوا جميعهم منا” (1يو 19:2).إن الإنسان المسيحى الحقيقى يشعر أنه عضو فى الجسد.. يسلك كباقى الجسد ويفكر كرأس الجسد “أما نحن فلنا فكر المسيح” (1كو 16:2) ويكون حريصاً ألا يخرج عن إجماع الفكر الكنسى والتقليد الرسولى… يبرهن على صدق عضويته بطاعته، وتوافق فكره الخاص مع فكر المسيح. “واطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه، وأعرضوا عنهم، لأنه مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح، بل بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء” (رو 17:16-18). “عالماً أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه” (تى 11:3).إن الكنيسة فى حكمها على الهراطقة، إنما تقرر حكماً سبق أن حكموا به هم على أنفسهم بسبب عدم طاعتهم للحق. 3- لابد أن تأتى العثرات “لأنى أعلم هذا أنه بعد ذهابى سيدخل بينكم ذئاب خاطفة، لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية، ليجتذبوا التلاميذ وراءهم” (أع 29:20-30).إنه خطر محدق بالكنيسة منذ البداية… † “لأنه لابد أن يكون بينكم بدع أيضاً، ليكون المزكون ظاهرين بينكم” (1كو 19:11).حقاً قال السيد المسيح: “ويل للعالم من العثرات. فلابد أن تأتى العثرات. ولكن ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة” (مت 7:18). لقد نبهنا السيد المسيح بنفسه ألا نتبع الأنبياء الكذبة “ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين” (مت 11:24)، “ها أنا قد سبقت وقلت لكم” (2كو 2:13).فإذا كان الكتاب المقدس قد أنبأنا مسبقاً عن حتمية ظهور الهراطقة والذئاب الخاطفة. فلماذا نبهنا لذلك؟ وما هو دور الكنيسة إزاءهم؟ وما هى خطة الكتاب المقدس لمواجهتهم؟ 4- امتحنوا الأرواح أول كل شئ أن يكون لنا روح التمييز والإفراز. “أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح. هل هى من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم” (1يو 1:4)، “وأنبياؤها قد طينوا لهم بالطفال رائين باطلاً وعارفين لهم كذبا قائلين هكذا قال السيد الرب. والرب لم يتكلم” (حز 28:22).ليست البساطة هى السذاجة وقبول أى فكر… بل مع البساطة لابد من وجود الحكمة والإفراز “كونوا بسطاء كالحمام. حكماء كالحيات” (مت 16:10).ولذلك فمن ضمن المواهب التى يمنحها الله للكنيسة موهبة “تمييز الأرواح” (1كو 10:12) لكى تنفذ الكنيسة وصية المسيح القائلة: “أحترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة” (مت 15:7). “امتحنوا كل شئ، تمسكوا بالحسن” (1تس 21:5).إنك تحتاج نعمة خاصة وموهبة روحية، لكى تكتشف الذئب الذى يرتدى ثوب الحمل… “من ثمارهم تعرفونهم” (مت 16:7). ما هى ثمارهم؟ الحسد والخصام والإنقسام والعناد والتحزب “إن كان أحد يعلم تعليماً آخر، ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح، الصحيحة والتعليم الذى هو حسب التقوى، فقد تصلف، وهو لا يفهم شيئاً، بل هو متعلل بمباحثات ومماحكات الكلام. التى منها يحصل الحسد والخصام والإفتراء والظنون الردية، ومنازعات أناس فاسدى الذهن، وعادمى الحق” (1تى 3:6-5).”إن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم” (رو 18:16). فأول علامة للفكر المنحرف هى التحزب وإفتعال الخصومات “إن كان لكم غيرة مرة وتحزب فى قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل هى أرضية نفسانية شيطانية، لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر ردىء” (يع 14:3-16).”أما قوم فعن حسد وخصام يكرزون بالمسيح… فهؤلاء عن تحزب ينادون بالمسيح على عن إخلاص” (فى 15:1-16).إذاً مطلوب منا أن نميز الخادم الذى يخدم بروح الله، والمزيف الذى يخدم بروح مضلة ونكتشف هل هذا التعليم من الله أم لا؟ “أن لا تتزعزعوا سريعاً عن ذهنكم، ولا ترتاعوا لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها منا” (2تس 2:2)، “الذين نحن لم نأمرهم” (أع 24:15). “وإنما أقول هذا لئلا يخدعكم أحد بكلام ملق” (كو 4:2).ولا يقف الأمر عند حد الإفراز والتمييز فقط، بل يجب مواجهة الهراطقة. 5- مواجهة الهراطقة أمر كتابى “ثم نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم (التقليد) الذى أخذه منا” (2تس 16:3). “تجنب مثل هؤلاء” (1تى 5:6).وليس الأمر فقط التجنب بل هناك أيضاً الإنذار: “ونطلب إليكم أيها الأخوة أنذروا الذين بلا ترتيب” (1تس 14:5). “وإن كان احد لا يطيع كلامنا بالرسالة فسموا هذا ولا تخالطوه، لكى يخجل ولكن لا تحسبوه كعدو، بل أنذروه كأخ” (2تس 14:3-15).”لكى توصى قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها تسبب مباحثات دون بنيان الله الذى فى الإيمان” (1تى 3:1-4).وإن لم يستجيب الهرطوقى للإنذار، فهناك عقوبة التجنب “الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه” (تى 10:3)، “أعرضوا عنهم” (رو 17:16).وليست العقوبة هى فقط التجاهل، بل أيضاً التوبيخ. “فلهذا السبب وبخهم بصرامة لكى يكونوا أصحاء فى الإيمان، ولا يصغون إلى خرافات يهودية، ووصايا أناس مرتدين عن الحق” (تى 13:1-14). “الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكى يكون عند الباقين خوف” (1تى 20:5).وقد يتطور الأمر إلى القطع من شركة الكنيسة :”إنى أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذى دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر. ليس هو آخر. غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم فليكن أناثيما (محروماً)” (غل 6:1-9). ويجوز أيضاً مقاطعة هذا الإنسان نهائياً حتى يستفيق إلى نفسه: “إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه فى البيت ولا تقولوا له سلام، لأن من يسلم عليه يشترك فى أعماله الشريرة” (2يو 10:1-11).”أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا” (1كو 11:5). “فإعزلوا الخبيث من بينكم” (1كو 13:5)، “حتى يُرفع من وسطكم الذى فعل هذا الفعل” (1كو 2:5) ليس عن حقد وخصومة، بل بهدف ربح نفس هذا الإنسان “وعبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقاً بالجميع صالحاً للتعليم صبوراً على المشقات مؤدباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته” (2تى 24:2-26).وكان الأمر فى العهد القديم أكثر خطورة إذ كان يحكم على هؤلاء بالقتل “إذا قام فى وسطك نبى أو حالم حلماً و أعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التى كلمك عنها قائلا لنذهب وراء إلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها، فلا تسمع لكلام ذلك النبى أو الحالم ذلك الحلم… لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم، وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظون وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون، وذلك النبى أو الحالم ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم الذى أخرجكم من أرض مصر وفداكم من بيت العبودية لكى يطوحكم عن الطريق التى أمركم الرب الهكم أن تسلكوا فيها فتنزعون الشر من بينكم” (تث 1:13-5). 6- الآباء الرسل فى مواجهة الهراطقة لقد كان جهاد الآباء الرسل ينصب فى إتجاهين متكاملين: نشر الكرازة بالإنجيل وحفظ الإيمان سليماً بلا عيب… لئلا يتغير إنجيل المسيح. لذلك وقفوا بالمرصاد لكل من يخرج عن الإيمان الأرثوذكسى، أنظر ما قاله معلمنا يوحنا الرسول: “ديوتريفس الذى يحب أن يكون الأول بينهم لا يقبلنا، من أجل هذا إذا جئت سأذكره بأعماله التى يعملها هاذراً علينا بأقوال خبيثة” (3يو 9،10). وكانت سيامة الأسقف هدفها الأساسى هو حفظ الإيمان، كما أوصى معلمنا بولس تلميذيه تيموثاوس وتيطس: “كما طلبت إليك أن تمكث فى أفسس إذ كنت أنا ذهباً إلى مكدونية لكى توصى قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر” (1تى 3:1).”إن فكّرت الإخوة بهذا تكون خادماً صالحاً ليسوع المسيح متربياً بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذى تتبعته” (1تى 6:4).”يا تيموثاوس أحفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم. الذى إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان” (1تى 20:6-21).”تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع أحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا” (2تى 13:1-14).ليس هذا فقط بل كان أيضاً مسئولاً عن إختيار الخدام الأكفاء الذين ينقلون التعليم سليماً.”وما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً” (2تى 2:2). ويكون أيضاً “ملازماً للكلمة الصادقة التى بحسب التعليم لكى يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوّبخ المناقضين” (تى 9:1).وكان دائماً هدفه التوبيخ والعقوبة هو الخلاص “خلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار” (يه 23:1) وكان التخوف الوحيد هو إنتشار الفكر الهرطوقى فيهلك كثيرون “خميرة صغيرة تخمّر العجين كله. ولكننى أثق بكم فى الرب أنكم لا تفتكرون شيئاً آخر، ولكن الذى يزعجكم سيحمل الدينونة أى من كان” (غل 9:5-10). حقاً إن كل الهراطقة كانوا أعضاء فى جسد المسيح، لكنهم أختاروا لأنفسهم القطع “كل غصن فىّ لا يأتى بثمر ينزعه” (يو 2:15)، “إن كان أحد لا يثبت فىّ يطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق” (يو 6:15). إن وحدة جسد المسيح لا تحتمل وجود الهراطقة… بل قطع الهراطقة هو ضمان لحفظ وحدانية الجسد والروح والفكر. ووجود الهراطقة داخل الكنيسة يهدد وحدتها، وسلامتها وسلامة إيمانها “وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه وأعرضوا عنهم، لأنه مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم” (رو 17:16-18).”ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمّر العجين كله. إذا نقوا منكم الخميرة العتيقة لكى تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير” (1كو 6:5-7).”ولكن إن كان أحد يظهر أنه يحب الخصام فليس لنا نحن عادة مثل هذه ولا لكنائس الله” (1كو 16:11).”كى لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال، بل صادقين فى المحبة ننمو فى كل شئ إلى ذاك الذى هو الرأس المسيح” (أف 14:4-15). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة وللحديث بقية
المزيد
01 أكتوبر 2018

عصر سبي بابل

(1) ما قبل السبي كانت مملكة إسرائيل مملكة واحدة في أيام حُكم ثلاثة ملوك وهم: شاول بن قيس، وداود بن يسى، وسليمان بن داود. أما في عهد رحبعام بن سليمان فقد انقسمت المملكة إلى قسمين بسبب سوء تصرفه، وكذلك كعقوبة للعائلة المالكة بسبب سقوط الملك سليمان في عبادة الأصنام.. وهكذا صارت هناك مملكتان: مملكة الجنوب (يهوذا).. تشمل سبطين فقط هما يهوذا وبنيامين، وعاصمتها (أورشليم) حيث المذبح، والهيكل، واللاويون، والتسبيح الدائم. وقد تولى هذه المملكة بعض الملوك الصالحين الذين قاموا بنهضات روحية. وبعض الملوك كانوا أشرارًا أضروا بالشعب أعظم ضرر: روحيًا، وسياسيًا، وعسكريًا.. وبالتالي أيضًا أضروا بالهيكل، والعبادة، والذبيحة، والكهنوت - وبالأخص أيضًا التسبيح. مملكة الشمال (إسرائيل).. شملت باقي أسباط بني إسرائيل، وكانت عاصمتها (السامرة).. ودخلت فيها عبادات غريبة، بالإضافة إلى السحر، والعرافة، والشر.. وكان ملوكها أشرارًا بعيدين عن روح الآباء، وعن منهج داود وسليمان. كذلك لم يكن لهم حظ أو نصيب في ذبيحة التسبيح مقارنة بمملكة يهوذا بأورشليم. (2) سبي مملكة إسرائيل وبسبب شرور مملكة إسرائيل سلَّمهم الله إلى السبي بدءًا من سنة 722 ق.م. بعد أن انهزمت المملكة مرتين قبلاً أمام ملوك أشور، وسُبي أولاً سبط نفتالي إلى أشور "في أيّامِ فقحٍ مَلِكِ إسرائيلَ، جاءَ تغلَثَ فلاسِرُ مَلِكُ أشّورَ وأخَذَ عُيونَ وآبَلَ بَيتِ مَعكَةَ... وكُلَّ أرضِ نَفتالي، وسباهُمْ إلَى أشّورَ" (2مل29:15). بعد ذلك سُبي بعد ذلك سبطا رأوبين وجاد ونصف سبط منسى إلى ما بين النهرين. "فنَبَّهَ إلهُ إسرائيلَ روحَ فولَ مَلِكِ أشّورَ وروحَ تلغَثَ فلناسَرَ مَلِكِ أشّورَ، فسَباهُمُ، الرّأوبَينيينَ والجاديينَ ونِصفَ سِبطِ مَنَسَّى، وأتَى بهِمْ إلَى حَلَحَ وخابورَ وهارا ونهرِ جوزانَ" (1أخ26:5). أما في حكم شلمناصر فقد دخل السامرة بعد حصارها، "وفي السَّنَةِ التّاسِعَةِ لهوشَعَ أخَذَ مَلِكُ أشّورَ السّامِرَةَ، وسبَى إسرائيلَ إلَى أشّورَ وأسكَنَهُمْ في حَلَحَ وخابورَ نهرِ جوزانَ وفي مُدُنِ مادي" (2مل6:17). وبهذا انتهت مملكة إسرائيل بهذا السبي والتشتت. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
12 نوفمبر 2018

علاقة الله بالإنسان - الجزء الثانى

5- عصر الناموس موسى النبي والذبيحة.. كانت العلّة التي أراد موسى النبي أن يُخرِج بها الشعب من مصر هي الذبيحة.. "الرَّبُّ إلهُ العِبرانيينَ التَقانا، فالآنَ نَمضي سفَرَ ثَلاثَةِ أيّامٍ في البَريَّةِ ونَذبَحُ للرَّب إلهِنا" (خر18:3)، وكان خروجهم من مصر مرتبطًا بذبح خروف الفصح.. "مُسّوا العَتَبَةَ العُليا والقائمَتَينِ بالدَّمِ" (خر22:12). كانت كل العلاقة مع الله تدور حول الدم.. إشارة إلى الحاجة إلى سفك دم السيد المسيح، وأيضًا إعلانًا عن غضب السماء بسبب خطية الإنسان التي تستوجب الموت والدم. ولم يكن هناك مجال للتسبيح والترنيم.. "فحينَ يَرَى الدَّمَ علَى العَتَبَةِ العُليا والقائمَتَينِ يَعبُرُ الرَّبُّ عن البابِ ولا يَدَعُ المُهلِكَ يَدخُلُ بُيوتكُمْ ليَضرِبَ" (خر23:12) أول ترنيمة.. كان خروج بني إسرائيل من مصر معجزة غير متوقعة، وما صاحب هذه المعجزة كانت أعاجيب وعظائم تخلب العقل. فالضربات التي أصابت فرعون وشعبه، وضرب الأبكار، وعبور البحر الأحمر، وهلاك فرعون.. كان شيئًا عظيمًا جدًّا مما فتح غلفة لسان الشعب فبدأوا يُسبِّحون: "حينَئذٍ رَنَّمَ موسَى وبَنو إسرائيلَ هذِهِ التَّسبيحَةَ للرَّب وقالوا..." (خر15). وهذه هي التسبحة التي رتبتها كنيستنا بنفس نصها الكتابي في (الهوس الأول)، وهي أيضًا التسبحة التي يتغنى بها السمائيون: "وهُمْ يُرَتلونَ ترنيمَةَ موسَى عَبدِ اللهِ، وترنيمَةَ الخَروفِ" (رؤ3:15). مذبح موسى النبي.. كانت هذه التسبحة طفرة في العلاقة مع الله، ولكنها ارتبطت أيضًا بالمذبح والذبيحة. لقد سبَّحوا الله بهذه التسبحة مرة واحدة فقط؛ وكأن الله كان يفتح لهم نافذة ليطلّوا منها علينا – العهد الجديد – ويشاركوا في تسبيح الخلاص الذي ننعم به نحن الآن. لم يكن الخلاص قد تم وقتها، وكانوا مازالوا ينتظرون مجيء السيد المسيح المُزمع أن يفدي البشرية، لتحيا بعدئذ حياة التسبيح الدائم.. "فبَنَى موسَى مَذبَحًا ودَعا اسمَهُ يَهوهْ نِسِّي" (خر15:17). 6- موسى النبي وتنظيم العبادة عمل موسى خيمة الاجتماع حسب المثال الذي أظهره له الله على الجبل، وكان كل ما يدور داخل هذه الخيمة مرتبطًا بالذبائح فقط. وقد نُظِمت العبادة في عهد موسى؛ فصار هناك أنواع من الذبائح اليومية: (المحرقة، الخطية، الإثم، السلامة)، بالإضافة إلى الذبائح الموسمية: (كالفصح، ويوم الكفارة العظيم). وكان تدشين المذبح وتطهير الشعب برش الدم (راجع خر5:24-8)، وكذلك تقديس هارون والكهنة وثيابهم كان بالدم (خر21:29). وهذا شرحه مُعلِّمنا بولس الرسول في الرسالة إلى العبرانيين فقال: "لأنَّ موسَى بَعدَما كلَّمَ جميعَ الشَّعبِ بكُل وصيَّةٍ بحَسَبِ النّاموسِ، أخَذَ دَمَ العُجولِ والتُّيوسِ، مع ماءٍ وصوفًا قِرمِزيًّا وزوفا، ورَشَّ الكِتابَ نَفسَهُ وجميعَ الشَّعبِ، قائلاً: "هذا هو دَمُ العَهدِ الذي أوصاكُمُ اللهُ بهِ". والمَسكَنَ أيضًا وجميعَ آنيَةِ الخِدمَةِ رَشَّها كذلكَ بالدَّمِ. وكُلُّ شَيءٍ تقريبًا يتطَهَّرُ حَسَبَ النّاموسِ بالدَّمِ، وبدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب19:9-22). كان كل شيء في خيمة الاجتماع مرتبطًا بالدم؛ إشارة إلى الحاجة إلى دم السيد المسيح، وإعلانًا عن فظاعة الخطية وكراهية الله لها. فالموت ورائحة الدم والنار تقابل كل مَنْ يدخل إلى الخيمة للعبادة واللقاء مع الله، ليتذكر دائمًا خطيته ونتائجها المرعبة. 7- مذبح البخور لكن.. إلى جوار الدم والذبيحة كان هناك طفرة جديدة قدمها الله في العلاقة معه.. وهي مذبح البخور: "وتصنَعُ مَذبَحًا لإيقادِ البَخورِ. مِنْ خَشَبِ السَّنطِ تصنَعُهُ" (خر1:30). إنه مكان لا تُقدَّم عليه ذبائح دموية، ومع ذلك يُسمى "مذبح". هذا المذبح (مذبح البخور) يسبق فينبيء بنوع جديد من الذبائح (غير الدموية). فالبخور هو صلوات القديسين، كما جاء في سفر الرؤيا: "وجاءَ مَلاكٌ آخَرُ ووَقَفَ عِندَ المَذبَحِ، ومَعَهُ مِبخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وأُعطيَ بَخورًا كثيرًا لكَيْ يُقَدمَهُ مع صَلَواتِ القِديسينَ جميعِهِمْ علَى مَذبَحِ الذَّهَبِ الذي أمامَ العَرشِ. فصَعِدَ دُخانُ البَخورِ مع صَلَواتِ القِديسينَ مِنْ يَدِ المَلاكِ أمامَ اللهِ" (رؤ3:8-4) فمذبح البخور إذًا كان إشارة مبكرة إلى ذبيحة جديدة تقدمها البشرية هي: "ذبيحة التسبيح"تُرى متى دخلت ذبيحة التسبيح في العبادة؟ نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
17 ديسمبر 2018

المسيح ابن الآب

يتساءل البعض لماذا يُسمى السيد المسيح ابن الآب؟ وهل بنوته للآب كمثل بنوتنا نحن لله؟ المسيح هو ابن الآب لأنه مولود من الآب قبل كل الدهور، كما قيل في الآية المُقدَّسة "كُلُّ مَنْ يُحِبُّ الوالِدَ يُحِبُّ المَوْلودَ مِنهُ أيضًا" (1يو5: 1). والتعبير (مولود) يعني أن الابن خارج من الآب بطريقة يسميها الوحي المقدس (الولادة)، أما الروح القدس فهو خارج من الآب بطريقة أخرى اسمها (الانبثاق). وردت في (يو15: 26) وولادة الابن من الآب هي ولادة مستمرة وبدون انفصال، ولذلك قال السيد المسيح "ألستَ تؤمِنُ أني أنا في الآبِ والآبَ فيَّ؟ صَدقوني أني في الآبِ والآبَ فيَّ" (يو14: 10، 11)"لكَيْ تعرِفوا وتؤمِنوا أنَّ الآبَ فيَّ وأنا فيهِ" (يو10: 38)"في ذلكَ اليومِ تعلَمونَ أني أنا في أبي، وأنتُمْ فيَّ، وأنا فيكُم" (يو14: 20) "ليكونَ الجميعُ واحِدًا، كما أنَّكَ أنتَ أيُّها الآبُ فيَّ وأنا فيكَ، ليكونوا هُم أيضًا واحِدًا فينا، ليؤمِنَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلتني" (يو17: 21) "أنا فيهِمْ وأنتَ فيَّ ليكونوا مُكَمَّلينَ إلَى واحِدٍ، وليَعلَمَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلتني، وأحبَبتَهُمْ كما أحبَبتَني" (يو17: 23) وولادة الابن من الآب لم تكن تستلزم زواجًا (حاشا)، لأن الآب ليس عاجزًا عن ولادة الابن، ولا يحتاج إلى آخر يساعده.. بل الابن مولود من الآب قبل الدهورولا يوجد فارق زمني بين الآب والابن، لأنه الآب كائن منذ الأزل، وهو آب منذ الأزل، لذلك فله ابن أيضًا منذ الأزل.. لأن الله لا يتغير "في البَدءِ كانَ الكلِمَةُ، والكلِمَةُ كانَ عِندَ اللهِ، وكانَ الكلِمَةُ اللهَ. هذا كانَ في البَدءِ عِندَ اللهِ" (يو1: 1-2) "الرَّبُّ قَناني أوَّلَ طريقِهِ، مِنْ قَبلِ أعمالِهِ، منذُ القِدَمِ. منذُ الأزَلِ مُسِحتُ، منذُ البَدءِ، منذُ أوائلِ الأرضِ" (أم8: 22-23) "الذي هو قَبلَ كُل شَيءٍ، وفيهِ يَقومُ الكُلُّ" (كو1: 17) "والآنَ مَجدني أنتَ أيُّها الآبُ عِندَ ذاتِكَ بالمَجدِ الذي كانَ لي عِندَكَ قَبلَ كونِ العالَمِ" (يو17: 5) فالسيد المسيح كائن في الآب ومعه منذ الأزل، ومساو له في الجوهر والألوهة، ولأنه غير منفصل عن الآب والروح القدس فلذلك للثلاثة أقانيم جوهر واحد ولاهوت واحد، وهم الله الواحد "لكن لنا إلهٌ واحِدٌ: الآبُ الذي مِنهُ جميعُ الأشياءِ، ونَحنُ لهُ. ورَبٌّ واحِدٌ: يَسوعُ المَسيحُ، الذي بهِ جميعُ الأشياءِ، ونَحنُ بهِ" (1كو8: 6)"فإنَّ الذينَ يَشهَدونَ في السماءِ هُم ثَلاثَةٌ: الآبُ، والكلِمَةُ، والرّوحُ القُدُسُ. وهؤُلاءِ الثَّلاثَةُ هُم واحِدٌ" (1يو5: 7) والسيد المسيح خارج من الآب يحمل نفس جوهر الآب.. فالبشر يلدون بشرًا، وكل كائن يلد كائنًا آخر من نفس النوع، لذلك فالابن المولود من الآب (الله) هو أيضًا (الله)، ولكن الفرق هنا أن الآب والابن المولود منه ليسا شخصان منفصلان، وإلاَّ وقعنا في تعدّد الآلهة، بل هما أقنومان متحدان بدون انفصال منذ الأزل وإلى الأبد، ولهما روح واحد هو الأقنوم الثالث "الروح القدس"لذلك نهتف في الكنيسة: "واحد هو الآب القدوس.. واحد هو الابن القدوس.. واحد هو الروح القدس". فلنا آب واحد له ابن وحيد، والاثنان لهما روح واحد.. لذلك فهُم إله واحد، نسجد له في وحدانية الجوهر. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل