المقالات
04 أكتوبر 2024
مائة درس وعظة ( ٤٨ )
سمات كنيسة الرسل "صورة بهية" (وكان عندهم كل شيء مشتركاً ) (أع ٤٤:٢)
السيد المسيح أسس الكنيسة بنفسه واختار التلاميذ والرسل
التلاميذ عددهم ۱۲ وكلهم من اليهود ودعوا تلاميذ وحواريين ورقم ۱۲ يشير إلى أسباط اليهود الـ ١٢
وأرسلهم إلى اليهود.
الرسل عددهم ۷۰ وهم من اليهود والأمم وأرسلهم إلى الأمم.
الآباء الاثنا عشر هم أقدم مجتمع مسیحی ظهر على الأرض، وقد تسموا بالآتي:
رسل لأنهم نقلوا رسالة.
تلاميذ لأنهم تعلموا من السيد المسيح. حواريون لأنهم كانوا في حوار دائم مع المسيح ليس بالآذان فقط بل بالعين والمشاعر والخبرة أيضاً .
صورة الآباء الرسل صورة بهية، نراجع أنفسنا عليها باستمرار.
سمات كنيسة الرسل
أولاً: سلموا اختبار القيامة للبشرية
أصبحت مسئولية كل مسيحى أن يشهد لقيامة المسيح، فالآباء الرسل سلموا للأجيال ما رأوا بالعيان لتعيشه الأجيال وتختبره بالإيمان فشهدوا للمسيح المصلوب الذي قام ليس هوههنا ، لكنه قام (لو ٦:٢٤). فنجد القيامة في
حياة الكنيسة تظهر في الآتي:
١- خليقة جديدة: إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً (۲كوه : ۱۷).
٢- فرح دائم تعيد الكنيسة بالقيامة في كل يوم في صلاة باكر، وكل أسبوع يوم الأحد وكل شهر يوم ۲۹ من الشهر القبطى، وكل سنة في فترة الخمسين المقدسة، فنور القيامة يشع في حياتنا جميعاً.
٣- رجاء ثابت نقول في قانون الإيمان "وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين" وهذه هي الحقيقة التي نراها بالرجاء فنصلى في اتجاه الشرق، لأنه الموضع الذي يأتي منه المسيح، فيصير اشتياق كل واحد منا متى ستأتى يارب؟
ثانياً: نالوا قوة من الأعالي
١- أعطاهم موعداً : الرسل كانوا بسطاء اختارهم السيد المسيح من على ضفاف البحيرة، أو مكان الجباية، وليس من الهيكل. ولكن عند اختيارهم أعطاهم موعداً إنهم
يلبسون قوة من الأعالي (لو ٤٩:٢٤).
٢- أعطاهم قوة لو نظروا لإمكانياتهم لما تركوا فلسطين ولما نظروا للعالم كله على أنه حقل خدمة، فما الذي حرك مار مرقس ليجيء إلى مصر وحرك توما الرسول ليذهب إلى الهند؟ وحرك القديس متى ليذهب إلى إثيوبيا؟
وبولس الرسول ليذهب إلى روما بالرغم من أن إمكانياتهم البشرية ضعيفة جداً.
قوة الروح القدس كملت فيهم كل ضعف وصار روح الله يلهب قلوبهم، فنرى بطرس وحده يساوى صفراً .. فقد أنكر سيده ولكنه بعدما تصالح مع المسيح نال قوة الروح القدس فاشتعل ناراً ووقف أمام الجموع يوم الخمسين وألقى عظة نارية فنال الإيمان أكثر من 3 آلاف.
٣- أعطاهم علماً من أين أتوا بهذا العلم فيكتب متى هذا الإنجيل الرائع ولوقا الطبيب يسجل إنجيله وسفر الأعمال في أدب وبلاغة ومار مرقس يكتب قصة حياة المسيح ومعجزاته ويوحنا الحبيب يكتب إنجيله المرتفع والسامي.
ثالثاً: صنعوا معجزات وآيات
١- للكرازة: وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين: "إنه قد اقترب ملكوت السموات اشفوا مرضى طهروا برصاً. أقيموا موتى أخرجوا شياطين مجاناً أخذتم. مجاناً أعطوا"( مت ۷:۱۰-۸)، مثل شفاء بطرس ويوحنا للمقعد عند باب الهيكل.
٢- المجد الله:لم تكن المعجزة للشهرة أو المظهرية، ولم يكن الآباء الرسل ينسبون المعجزة لأنفسهم بل لتأييد كلماتهم "لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً"(مت ٢٤:٢٤) .
٣- للاحتياج: كان لهم معجزات كثيرة فبطرس يقيم طابيثا من الموت.
رابعاً: كرزوا بالإنجيل
١- البشارة المفرحة كانت الكنيسة تكرز بالبشارة المفرحة فكان كل بيت يعيش بالإنجيل ويهتم به.
٢- البشارة للجميع كانوا يقدمون الفرح لكل أحد "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " (مر ١٥:١٦).
٣- الخبرة الشفاهية اعتمدت الكنيسة الأولى على الخبرة الشفاهية، فلم يكن هناك إنجيل مكتوب، فحياتهم هي الإنجيل الذي يعيشونه.
خامساً: أسسوا كنائس
أسسوا كنائس عن طريق
١- الإيمان: كانت الكنيسة تتأسس بمجموعة من المؤمنين الذين يؤمنون بالمسيح ليس ببناء الكنيسة تلمذوا جميع الأمم (مت ۱۹:۲۸).
٢- التعليم القديس مارمرقس أنشأ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية للتعليم والتسليم وحفظ الإيمان.
٣- الافتقاد كانوا يؤسسون الكنائس بالحقيقة من نفوس المؤمنين، ثم يفتقدونها كما كان يفعل بولس الرسول.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
27 سبتمبر 2024
مسيحنا مصلوب ومسيحينا صليب
نحتفل بالصليب المقدس ثلاث مرات على مدار العام : الأولى : ۱۰ برمهات (۱۹ مارس) من كل عام. الثانية: يوم الجمعة العظيمة، يوم الصليب (متغير التاريخ).
الثالثة : (۱۷ توت ۲۷سبتمبر) من كل عام. هذا على المستوى الكنسي، ولكن على المستوى الروحي والشخصي نعيش الصليب في كل يوم وكل ساعة، يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: «الصليب بالنسبة لنا هو عمل المحبة اللانهائية نحو البشر، وعلامة عناية الله غير المنطوق بها». ويُعتبر الصليب هو الخلاصة السريعة التي تقدم المسيحية في كل عقائدها وروحياتها، كما أنه محور الارتكاز لفهم المسيحية ، وقد سئل أحدهم: هل تؤمن بالمصلوب؟ فأجاب: نعم أؤمن بالذي صلب الخطية. إنه بالحقيقة فخرنا وعلامة حياتنا .
فإذا كان اليهود يتعجبون كيف يحدث الخلاص من ميت على الصليب؟! وإذا كان الفلاسفة يرون الأمر حماقة إذ كيف يحدث الخلاص من عبد ؟ فإننا نراه مجدا وإكليل افتخار لأن فيه حكمة وتدبير الله محب البشر . والإنسان المسيحي مدعو لحمل الصليب في حياته حتى ينال إكليل المجد، من هذا المنطلق نري أنواعا وأنواعًا للصليب في حياتنا منها :
صليب الدفاع عن الإيمان وحمله الكثيرون، ومن أشهرهم البابا أثناسيوس الرسولي (البطريرك العشرون) الذي واجه الهرطقة الأريوسية العنيفة في القرن الرابع الميلادي بضراوة، ودافع عن الإيمان المستقيم، وصار معروفا بلقب "أثناسيوس ضد العالم" الأريوسي.
صليب الحاجة أو الفقر : يحمله كثير من المسيحيين ربما بسبب الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية ويمثلهم "لعازر" في مثل الغنى والعازر الذي نال ظلما واستعبادا من ذلك الغني الذي كان يراه على مرمي البصر وربما كل يوم (لوقا ١٩:١٦-٣١).
صليب النسك والفقر الاختياري وهوا أحد أساسيات الحياة الرهبانية الناجحة، وعاشه آباؤنا عبر الأجيال برضى واختيار وفرح عالمين "أنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم : كله وخسر نفسه ؟" (متى (١٦: ٢٦) . أحد الأمثلة الشهيرة القديس الأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك ، والذي ترهب بعدما ترك كل ما كان له من رغد العيش ليحيا ناسكا .
صليب المرض والألم في حياة البعض يكون الصليب قاسيا من وجهة نظرنا كبشر، ولكن الذي يتحمله بشكر ورضا يضع لنفسه إكليلا في السماء، حتى أننا كنا نري المتنيح القمص بيشوي كامل كاهن الاسكندرية) وهو يعاني من مرض السرطان ويتألم ولكنه يدعوه «مرض الفردوس»!..
صليب الاحتمال سواء في الحياة الزوجية أو في الحياة الاجتماعية أو الحياة الكنسية، حتى أننا نصلي في صلاة باكر كل يوم "مُحتملين بعضكم بعضا في المحبة" (أفسس ٢:٤). وعلى سبيل المثال نتذكر والدة القديس أغسطينوس البارة مونيكا، وهي تحتمل في أسرتها زوجها الذي كان غير مؤمن وابنها الذي كان شاردا، وبدموعها وبصلواتها واحتمالها عاد الاثنان إلى حظيرة الإيمان.
صليب الكرازة والذي يحمل الإيمان بالمسيح لكل إنسان حتى يحيا في فرح الخلاص من الخطية التي مسحها الصليب .. وها هو بولس الرسول الكارز العظيم يقول: «وأما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي بِهِ قَد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم .» (غلاطية ٦: ١٤) .
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
20 سبتمبر 2024
مائة درس وعظة (٤٧)
صفات المسيح « أتشبه بك »
لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ (مت ۲۱:۱۲)
خمس صفات رئيسية للمسيح له المجد تجدها في هذه الآية هوذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سرت به نفسی أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق لا يخاصم ولا يصبح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته القصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفى حتى يخرج الحق إلى النصرة وعلى اسمه يكون رجاء الأمم، (مت ۱۲ ۱۸-۲۱)
١- لا يخاصم قلبه لا يعرف الخصام لأن الخصام يعنى عدم وجود محبة، ففي الزمن القديم كان اليهود يخاصمون السامريين، ولكن مسيحنا الحلو يقطع مشواراً كبيراً ليقابل المرأة السامرية وعندما قابلته قالت له كيف تكلمني وانت رجل يهودي وأنا امرأة سامرية (فاليهود لا - يعاملون السامريين) فبدأ السيد المسيح بلطف يقتادها إلى التوبة وخطوة بخطوة يظهر جمالها وتصير كارزة ويشير إليها ويقول: هوذا فتاي الذي اخترته وحبيبي الذي سرت به نفسى لا يخاصم أحداً. فالأفضل لك أن تراجع نفسك.
٢- لا يصيح غضب الإنسان لا يصنع بر الله وغضب الإنسان يظهر في ملامح الوجه وفي الكلام وفي السلوك وإن أقام الغضوب أمواتاً فليس مقبولاً أمام الله - مثلما علمنا الآباء لو ضبطت مشاعرك وفكرك وقلبك يشير إليك المسيح ويقول هوذا فتاى الذي اخترته حبيبي الذي سرت به نفسی.
٣- لا يسمع أحد في الشوارع صوته كانت البيوت كلها دور واحد ولم يكن هناك زجاج للنوافذ ولا أبواب خشب مثل الموجودة عندنا حالياً لذلك يمكن للناس التي تسير في الشارع أن تسمع ما يدور داخل البيت فالذي تكون حياته هادئة لا يسمع أحد في الشوارع صوته، والحياة الهادئة تعبر عن الإنسان الذي يسعى إلى رضا المسيح فيقال عنه هوذا فتاى الذي اخترته حبيبي الذي سرت به نفسی مثال شخص يكون كمحطة إرسال أو إذاعة طوال اليوم فعندما يقابلك هذا الشخص يبادرك بالسؤال الشهير هل لديك أخبار وان لم يكن لديك أخبار يتطوع هو بل ويتبرع ويقدم لك طائفة من الأخبار وأحيانا يكون وكالة أنباء سيئة الأخبار فيثور قائلاً "الم تدر" فقد حدث كذا وكذا نجده شخصاً مزعجاً حتى وهو يقوم بتربية أولاده سواء هو أو الأم فعند تربية الأولاد والبنات لابد أن يكونا هادي الملامح فيكون كلاهما كإنسان هادي السير دائماً فالأمور
العظيمة تتم في السر أي في هدوء یعنی الشجرة الضخمة التي تعطى ثمراً هل يسمع أحد صوتها ".
٤- قصبة مرضوضة لا يقصف مرضوضة (يعنى قطعة خشب هشة) لا يقصف (لا يكسر) ويقول ليس منها فائدة بمعنى أنه حتى لو عاش الإنسان في الخطية مستحيل أن ينظر المسيح إليه بهذا الشكل كان هناك إنسان شرير من هامة راسه حتى اسفل قدميه والله منتظر عودته، وصلب هذا الإنسان مع المسيح على الصليب والله يتأني عليه وعندما قال هذا اللص ، اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك قبله المسيح فوراً، وكانه يقول له انا منتظرك منذ زمن بعيد انت قصبة مرفوضة فانتظرتك أن ترفع صلاة .. لذلك أجابه المسيح على الفور اليوم تكون معي في الفردوس ويصير هذا الإنسان من أوائل الذين دخلوا إلى الفردوس قصبة مرضوضة لا يقصف دائماً عنده أمل ورجاء دائما عنده نوع من التشجيع
٥- فتيلة مدخنة لا يطفى يوجد انسان يقفل باب الرجاء أمامك، ويوجد انسان اخر يفتح أمامك باب الأمل وفي هذا يتم تقسيم الناس إلى نوعين متفائلين ومتشائمين.
ا- المتفائل يقول الله وردة جميلة لكن بها بعض الشوك.
ب- المتشائم يقول: ما هذا الشوك الذي يحيط بالوردة
تری ماهی نظرتكم إن نظرت للوردة تكون متفائلاً وعندك رجاء مثل نظرة المسيح إلينا نحن الخطاة المسيح ينتظر عودتنا لانه يرى فينا جمالاً افضل ویرى أن كل إنسان له نصيب في الملكوت هوذا فتاي الذي اخترت وحبيبي الذي سرت به نفسی.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
14 سبتمبر 2024
ما الذي يميز الشهداء ؟
"ولهذا عَينِهِ - وأنتُمْ باذِلُونَ كُلَّ اجتهادٍ - قَدِّموا في إيمَانِكُمْ فضيلَةً، وفي الفَضيلَةِ مَعرِفَةً، وفي المَعرِفَةِ تَعَفْفًا، وفي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وفي الصَّبرِ تقوى، وفي التَّقْوَى مَوَدَّةً أخويةً، وفي المَوَدَّةِ الأخَويَّةِ مَحَبَّةً. لأنَّ هَذِهِ إذا كانت فيكم وكثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لا مُتَكاسلين ولا غير مثمرين لمَعرِفَةِ رَبِّنا يسوع المسيح ." (بطرس الثانية 1: ٥-٨) الكنيسة قدمت ولا زالت تقدم شهداء، منهم أطفال مثل أبانوب ، وشباب مثل مارجرجس، ومنهم من كانوا متزوجين ومازالوا في بدايات حياتهم الزوجية مثل القديس تيموثاوس والقديسة مورا؛ ومنهم أيضا أمهات مثل القديسة رفقة والقديسة دولاجي. ونحن نسمي الكنيسة بأنها «أم الشهداء جميلة»، أي أن الشهداء هم جمال كنيستنا أحيانًا نظن أن الشهداء عجينة أخرى ..!! ترى ما الذي جعل الشهداء على هذه الدرجة في تقديم حياتهم ؟! .. ما هي أهم الأشياء التي تميز الشهداء ؟
إيمانهم :
فالشهداء لديهم إيمان قوي ، وهذا الإيمان ليس ببعيد عن أي أحد فينا ، بطرس يقدم لنا فكرة عن هذا الإيمان في الآيات التي ذكرناها ....
١- في الفضيلة معرفة
من أين نعرف ؟ من الكتاب المقدس . يقول القديس يوحنا ذهبي الفم : [ علة جميع الشرور عدم معرفة الكتب
المقدسة] . معرفتنا تكون من الكتاب المقدس .
٢- في المعرفة تعففا:
يوجد أشياء نعرفها فتلوّث عقلنا وقلبنا ، مثل من يقرأ في قراءات السحر والجريمة، لذا يجب أن يكون لدى الإنسان تعففا في المعرفة .
٣- في التعفف صبرا:
الحياة مع المسيح تحتاج لطول أناة، الحياة مع المسيح تحتاج للصبر، ويقول الكتاب المقدس: «بصبركم اقتنوا أنفسكم» (لوقا (۱۹ : ۲۱) ، لهذا من يذهب للسماء هو من اكتسب فضيلة الصبر على الأرض.
٤- في الصبر تقوى:
التقوى أي مخافة الله في القلب. فهل قلبك يوجد فيه مخافة الله ؟ الله ساكن في قلبك ، في بيتك ، في لسانك المخافة تحفظك من أشياء كثيرة.
٥- في التقوى مودة أخوية :
من أجمل ملامح الإنسان المسيحي أن لديه مودة. المودة هي إحساسك بالآخر .
٦- في المودة الأخوية محبة:
الشهداء الذين نحتفل بهم ونتذكر محبتهم، لم نسمع أن أحدًا منهم استشهد وهو متضايق أو عابس الوجه وكأننا بكل هذا نبني هرما ثابتا، قاعدته الاجتهاد، وقمته فضيلة المحبة. قلبك يجب أن يكون مملوءًا بالمحبة، وبولس الرسول يقول «المحبة لا تسقط أبدا» كورنثوس الأولى (۱۳ : ۸) ...لذا ابن حياتك على المحبة .
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
06 سبتمبر 2024
مائة درس وعظة (٤٦)
الالتقاء بالمسيح "آتي إليك"
تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم(مت ۲۸:۱۱) الإنسان لا يتغير إلا بالنعمة، والنعمة لا تأتى إلا عندما نجاهد روحياً، ونحن لا نرغب إلا عندما نطلب باشتياق ما هو فوق، نطلب المسيح.قيمة الإنسان تقاس بقوة شخصيته وبنائه الداخلي، وليس في ماله أو منصبه لكن الإنسان أمام أمور كثيرة في العالم ضعيف للغاية.فمثلاً إنسان جبار مثل شمشون، أحد قضاة بني إسرائيل تتخلى عنه نعمة الله عندما يسقط في شهوات نفسه، ويسقط أمام دليلة. فقيمة الإنسان في قوته الداخلية. وفي نفس الوقت فتاة صغيرة مثل يوستينا الشهيدة مجرد اسمها يهزم الشياطين.
أولاً: أناس ذهب إليهم المسيح
١- سمعان الفريسي ذهب إلى بيت سمعان الفريسي.. وكانت زيارة المسيح له لكي يكشف معدن هذا الإنسان، ويضعه في مقارنة أمام المرأة الخاطئة وهي التي تفوز
(لو ٣٦:٧-٥٠)
٢- المرأة السامرية ذهب المسيح للمرأة السامرية عند البئر.
٣- زكا العشار قابله عند الشجرة، وهي ترمز إلى الصليب، فالمسيح أراد أن يقابل زكا عند خشبة الصليب "الشجرة" ليقدم له الخلاص.
يذهب المسيح لهؤلاء الناس لأجل ثلاثة أسباب:
أ- خلاص نفوسهم لكي يعرفوا المسيح
ب- شفائهم الروحى شفاء أمراضهم وشفائهم من الخطية.
المخلص.
ج- إقامة الموتى فى مراحل مختلفة كإقامة ابنة يايرس أو إقامة ابن أرملة نايين أو إقامة لعازر.
ثانياً: أناس ذهبوا إلى المسيح . قد يكونون سمعوا عنه بحثوا عنه مثل:
١- المرأة الكنعانية كانت تصرخ بحرارة ارحمني يا سيد يا ابن داود (مت ٢٢:١٥). ٢- نازفة الدم التي كانت كل أمنيتها أن تلمس هدب ثوبه (مت ۲۰:۹).
٣- أصدقاء المفلوج أصحاب الإيمان بصانع المعجزات الذي يستطيع أن يشفى صديقهم (مر ۳:۲).
أسباب الجاذبية في شخص المسيح والتي جعلت الناس تريد أن تتقابل معه.
١- المخلص الوحيد ليس بأحد غيره الخلاص (أع ١٢:٤)، هو المخلص الوحيد من الخطية التي هي داء الإنسان.
٢- الراعى الصالح المسيح هو الراعي الصالح الذي يرعى الإنسان على حسب تعبير الكتاب "الرب راعى فلا يعوزني شيء" (مز ۱:۲۳)، رعاية الله للإنسان رعاية دائمة لا يحدها زمان ولا مكان.
٣- باب السماء أي هو الوسيلة الوحيدة التي تصل الإنسان بالسماء «اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق (لو ٢٤:١٣).
٤- القادر على كل شيء: «القادر على كل شيء» (رؤ ٧:١٦) ، هو الذي يستطيع أن يحول الخوف إلى شجاعة واليأس إلى رضا والحزن إلى فرح...
٥- المعلم الصالح المسيح هو الذي يعلم الإنسان السلوك المسيحى الراقي الذي يهذب الروح ويرفع من إنسانيته.
٦- المعطى القوة المسيح هو الذي يعطى قوة النعمة "تكفيك نعمتی" (۲ کو ۹:۱۲). ثالثاً: خطوات تساعدك على الالتقاء بالمسيح :-
١- اثبت اثبت في إيمانك وأقوى تعبير عن الإيمان المزدهر هو سير القديسين وأبطال الإيمان، فلا تجعل إيمانك شكلياً.
٢- حاول: حاول أن تدرك محبة الله نحوك الله يتحرك نحوك بالحب، فعليك أن تدرك مقدار هذه المحبة.
٣- تحرك تحرك نحو الله دائماً بالصلاة فالمسيح علمنا أنه ينبغى أن نصلى كل حين. وهذا معناه كن في حركة اقتراب دائمة نحو الله. ٤- اجعل اجعل لك عملاً يعبر عن محبتك لله إن كان بالخدمة أو بأعمال الرحمة .. فعندما تلتقى بالمسيح سيعطيك قوة خاصة.. فيوسف الصديق نال قوة داخلية أمام إغراء امرأة فوطيفار وإسطفانوس الشهيد الأول أيضاً نال قوة داخلية أمام راجميه.. إذا فأنت الرابح في الحالتين عندما يزورك مسيحك من خلال النعمة أو عندما تسعى أنت لتلتقى به وتكون النتيجة أن تشعر بهذه القوة في داخلك وأنه يرافق طريقك في كل يوم.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
30 أغسطس 2024
أخطر نار
ﻓﻲ اﻟﺘاريخ الإنسانى تعتبر اﻟﻨار أحد مكونات نظرية العناﺻﺮ الأربعة وﻫﻲ:
اﻟﻤاء– اﻟﻬواء– اﻟﻨار– التراب ولیس المقصود في ھذا المقال "النار المادیة" التي تدمر وتحرق وتترك كل شيء رمادًا كما في الحرائق التي تحدث لأسباب مادیة أو بیئیة، مثل حرائق الغابات والتي تأكل ملایین الأشجار بسبب تغیرات المناخ، أو ثورة البراكین والحمم المحرقة التي تفیض منھا وتدمر كل شيء إنما المقصود من ھذا المقال النار المعنویة التي یشعلھا اللسان الذي كتب عنه یعقوب الرسول في رسالته قائلاً: "فَاللِّسَانُ نَارٌ عَالَمُ الإِثْمِ" (یعقوب ۳: 6) وقدیمًا قال سفر الأمثال ( ۱۸: 21) "اَلْمَوْتُ وَالْحَیَاةُ فِي یَدِ اللِّسَانِ" إن الإنسان كائن ناطق یتواصل من خلال الكلام والاستماع والقراءة والكتابة، وھذا ھو سر حضارة
الإنسان، لأننا في المقابل مع سائر الكائنات الحیة الأخرى من نباتات وحیوانات والتي لیس لدیھا لسان الكلام وبالتالي لیس لدیھا أي حضارة على مستوى تاریخ الوجود البشري وتكمن أھمیة اللسان بأھمیة النار في التأثیر والحضور والبناء والھدم وبه نبارك الله وبه نلعن الناس المخلوقین على صورة الله (یعقوب ۳: 12)
وﻳﺨصص القديس يعقوب الرسول أصحاحًا ﻛﺎملاً عن اللسان ويصفه بصفات عديدة مثل
عضو صغير يفتخر متعظمًا– ﻋﺎلم الإثم– يدنس اﻟﺠسم ﻛﻠه – يضرم (يشعل) دائرة ا لكون يضرﺮم من جهنم – هو ﺷﺮ لا يضبط – ﻣﻤلوء سُمًا ﻣﻤيتًا - ... إلخ.ولكن یتربع على ھذه الصفات كلھا أنه "نار" فعلیة تستطیع أن تشعل النفوس والقلوب والعقول وتحرق وتبید وتدمر وھكذا یكون الاستخدام السئ للسان فاللسان البذيء یصدر الكذب والغش والریاء والاغتیاب والنمیمة، كما أنھ أفعى (مز۱٤۰: 4) وھو موسى مسنونة (مزمور ٥۲ :2) ، وسیف حاد (مز ٥۷ :5) ، وسھم قاتل (إرمیاء ۹ : 7, 18:18)وصارت أكاذیب اللسان في كل العصور سھام شریرة توقد نارًا بین الأفراد والجماعات والشعوب والأمم حتى حذَّر منھا السفر الأخیر في الكتاب المقدس حین وصف الفئات الثمانیة التي لا تدخل إلى حضرة الله: "وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَیْرُ الْمُؤْمِنِینَ
وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِیعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِیبُھُمْ فِي الْبُحَیْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ
وَكِبْرِیتٍ، الَّذِي ھُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (رؤیا۲۱ : ۸) ثم یؤكد في الأصحاح الأخیر من نفس السفر على ذلك بقوله "لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالقْتَلَةَ وَعَبدَة الأوَثاَنِ، وَكلُ مَنْ یحُبِّ وَیصَنعَ كَذِباً"(رؤیا ۲۲ :15)
وبسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات العدیدة على شبكة الإنترنت وانتشار أجھزة التلیفون المحمول (الموبایل) والتي تعد بالملیارات في أیدي الصغار والكبار صار الكذب بكل صوره وأشكاله وأحداثه ھو الطاغي في عالم الیوم بین الناس، ووجد "اللسان البشري"وسیلته البارعة في نقل ونشر الكذب على كل
المستویات بدءً من الأخبار الدولیة والمحلیة وانتھاءً بعملیات النصب والسرقة بین الأفراد والعصابات ونسمع عن الأمن السیبراني الذي یھدف إلى حفظ البیانات بدلاً من تزویرھا واستخدامھا بصورة سلبیة في شتى المجالات.
في بدایة الكنیسة المسیحیة وبعد یوم الخمسین سجل الكتاب المقدس قصة حنانیا وسفیرة زوجته كمثال صارخ عن حالة الكذب وإخفاء الحقیقة طمعًا في المال والكرامة والشھرة. ولكن كان العقاب قاسیًا إذ ماتا بسبب كذبھما (أعمال٥ :1-11) وعالم الیوم صار فیه الكذب شائعًا بصورة مرعبة بین الأخبار والرسومات والتسجیلات والفیدیوھات وغیرھا، ودخل الذكاء الاصطناعي في ھذا المیدان مما صعب حالة الضلال وعدم
التمییز بین ما ھو صادق وما ھو كاذب وصارت الكذبة الأولى في أي موضوع تؤدي إلى الثانیة ثم الثالثة وھكذا حتى صار "الكذب السلس" ھو الذي ینزع وخز الضمیر شیئًا فشیئًا حتى یصیر الإنسان بلا ضمیر ویصیر عالمه والھواء الذي یستنشقه ھو الكذب والغش والضلال ومن صور نار اللسان ما تصفه كتابات بعض المواقع ووصف شخص بأنه "ھرطوقي"، والكلمة اتھام قاسي یصف الشخص الذي یبتدع في الإیمان
والعقیدة بأقوال غیر صادقة وكاذبة بل ومنحرفة ولكن ھذا الاتھام الذي یخص سلامة الإیمان لیس من حق أي إنسان أن یصدره، تمامًا مثل القاضي فقط ھو الذي یصدر حكمًا ما في حق إنسان متھم أمامه أما إطلاق ھذا الوصف على إنسان ما فھو یشیع ویشعل نارًا حوله سرعان ما تنتشر دون تحقیق أو تدقیق إن الجھة الوحیدة التي لھا حق إطلاق ھذا الوصف "ھرطوقي" على شخص ما ھو المجمع المقدس في الكنیسة وبإجماع أعضائه وبعد تحقیقات عدیدة یتاح فیھا الفرصة للشخص بالدفاع عن نفسه أما الكتابات والمواقع التي بسبب ألسنة أصحابھا تطلق ھذا الوصف أو غیره عن أي إنسان فھي تشعل أخطر نار مدمرة ومحطمة لحیاة إنسان وأسرته وعائلته.
يا صديقى لسانك نار إن استخدمته كذبًا وضلالاً ضد آخر،واعلم أنه بكلامك تتبرر وبكلامك تدان، فاحذر هذه اﻟﻨار التى لا ﺗﺨمد ﺳريعًا بل تمتد من زمن إﻟﻰ زمن،ولا تشترك ﻓﻲ مثل هذه الأﻛﺎذيب التى إن صنعتها فقدت نصيبك السماوي ومن ﻟﻪ أذنان للسمع فليسمع وﻳﺤذر
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
23 أغسطس 2024
أعظم راحة
تتوزع ساﻋﺎت اﻟﻴوم عند الإنسان ﻋﻠﻰ ثلاثة أقسام متساوية ﻏﺎﻟﺒًا٨ ساﻋﺎت للنوم وهو الاحتياج الأول عند الإنسان 8 ساﻋﺎت للعمل أو اﻟﺪراسة واﻟﺒحث وﻫﻲ ساﻋﺎت الإﻧﺠاز.8 ساﻋﺎت ﺗﺨتلف من إنسان لإنسان ولكنها تتوزع ﻋﻠﻰ الأ نشطة اﻟﺘاﻟﻴة الأﺳﺮة والأصدقاء والعبادة والصحة واﻟﻬواية والقراءة واﻟﺨدمة واﻟﻨواﺣﻲ الشخصية والمعروف أن جمیع البشر یتساوون في عطیة الوقت الیومیة، إذ ینالون ۲٤ ساعة كل یوم مھما كانت أعمارھم أو أعمالھم أو مؤھلاتھم أو صحتھم أو خدمتھم والإنسان یبحث دائمًا عن الراحة سواء الشخصیة أو الأسریة أو الاجتماعیة، حتى أنه من الوصایا العشر وصیة "اُذْكُرْ یَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَه"(خر۲۰: 8؟) أي تخصصه لأعمال المحبة والرحمة والعبادة والتفرغ من كل أشكال العمل الأرضیة لیكون یومًا مخصصًا لأجل الله وفي الخلقة التي تمت في ستة أیام انتھت بخلقه الإنسان ذكرًا وأنثى في الیوم السادس لیكون قمة الخلیقة ثم مكتوب "وَفَرَغَ اللهُ فِي الْیَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِه الَّذِي عَمِلَ فَاسْتَرَاحَ فِي الْیَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِیعِ عَمَلِه الَّذِي عَمِلَ، وَبَارَكَ اللهُ الْیَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَه، لأَنَّه فِیه اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِیعِ عَمَلِه الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا"(تكوین ۲: 2, 3) والراحة في مفھوم الوصیة رمز للتحرر من العمل والمسؤولیة ولیس راحة الكسل والنوم، رغم أن الإنسان یقضي ثلث عمره في النوم والاسترخاء، وھذا یعتبر أحد الأسرار الإنسانیة عند علماء الدراسات الإنسانیة لماذا ینام الإنسان؟! والإجابة البسیطة: لكي یرتاح. ویأتي السؤال الذي لم یجد له العلماء إجابة وھو: لماذا یرتاح؟!..
وفي تاریخ بني إسرائیل كانوا یشتاقون إلى أرض الراحة أو أرض المیعاد، كما ھو موصوف في كتب العھد القدیم، ویعتبرون ذلك أنه الراحة المرجوة، ولكنھم لم ینعموا بذلك على الإطلاق،فیقال أن مدینة السلام أورشلیم القدس بنیت منذ ثلاثة آلاف سنة لم تنعم بالسلام سوى ثلاثین عامًا فقط عبر تاریخھا الطویل.
ويأﺗﻲ السؤال الشخصى ما ﻫﻲ أعظم راحة عند الإ نسان؟!
والإجابة مدهشة إذ أن أعظم راحة ﻫﻲ خدمة الآخرين واﻟﺘعب واﻟﺒذل من أجلهم!!!
وما أحلى الراحة الداخلیة التي یشعر بھا الإنسان بعدما یخدم الآخرین في أي من مجالات الخدمة الواسعة وربما كان ھذا السبب وراء إنشاء المنظمات والھیئات التي تخدم الآخرین دون مقابل، مثل ھیئة الصلیب الأحمر أو أطباء بلا حدود وغیرھا، والتي تعتمد أساسًا على عنصرالخدمة التطوعیة دون أي منافع مادیة، وتمتد خدمتھم عبر الشعوب والدول دون غرض معین سوى مساعدة وخدمة الإنسان في وقت الأزمات دون أدنى منفعة سوى الراحة الداخلیة واجتماعیًا یختلف مفھوم الراحة من إنسان لآخر، فالبعض یعتبر أن الراحة ھي الإجازة أو الفسحة أو السفر إلى بلاد أخرى أو التنزه بین الحدائق أو الراحة المنزلیة بكافة صورھا، وھذه وغیرھا غیر مفھوم الكسل والتراخي وعدم العمل بأي شكل بل والنوم حتى في أوقات غیر ساعات اللیل أو عدم بذل المجھود بأي شكل، ومكتوب إن "الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَیْدًا" (أم ۱۲: 27) ومن أجمل الفقرات الكتابیة التي تتحدث في ھذا الموضوع سفر الأمثال "اِذْھَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَیُّھَا الْكَسْلاَنُ تَأَمَّلْ طُرُقَھَا وَكُنْ حَكِیمًا" (أمثال ٦: 6) إذن الراحة الحقیقیة ھي التعب من أجل الآخرین حتى أن السید المسیح جاء إلینا مكملاً عمل الخلاص للإنسان حیث قال على الصلیب "قَدْ أُكْمِلَ" (یو ۱۹: 30) فكان بذل الصلیب وآلامه ھي عطیة الخلاص للإنسان وفرح الله أن تكون لخلیقته الحیاة الأبدیة "لأَنَّه ھكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَه الْوَحِیدَ، لِكَيْ لاَ یَھْلِكَ كُلُّ مَنْ یُؤْمِنُ بِه، بَلْ تَكُونُ لَه الْحَیَاةُ الأَبَدِیَّةُ" (یوحنا ۳ : ۱٦) وطبعًا ھناك فرق كبیر بین العمل في وظیفة ما لھا أجر أو مرتب أو مقابل مالي، وبین الھوایة التي یمارسھا الإنسان بدون أجر أو مقابل مادي سوى الحصول على متعة وراحة نفسیة تجعل الإنسان یمضي الساعات والساعات دون كلل أو ملل محصلاً سلامًا نفسیًا وراحة داخلیة حتى وإن بذل العرق والوقت والمجھود المضني وھذا یحقق سعادته الداخلیة ھكذا خدمة الآخرین في مجالات عدیدة ولكن الھدف ھو إسعاد الآخر سواء كان طفلاً یتیمًا مثلاً أو إنسانًا معاقًا من ذوي القدرات أو مریضًا أو مسنًا متقدمًا في الأیام أو الانخراط في مساعدة البشر في أوقات الضیق والكوارث الطبیعیة أو النزاعات والحروب القتالیة.
صديقى القارئ العزيز لن تشعر بالراحة اﻟﺤقيقية إلا عندما تتعب ﻓﻲ خدمةالآخرين
الأب والأم الذین یبذلون الكثیر والكثیر في تربیة وتنشئة أبنائھم.
المدرس والمعلم وھو ینقل خبرات الحیاة في تعب وبذل لكل تلامیذه.
الخادم والخادمة الذي یتعب في افتقاد أبنائه وربطھم الحیوي بالكنیسة.
الكاھن الذي یكرس حیاته في خدمة ورعایة شعبه بكل قطاعاته.
المسؤول الكنسي أو المدني في خدمته أو عمله المتعلق بخدمة الآخرین وتسھیل أمور الحیاة أمامھم إن الراحة المتحصلة من خدمة الآخرین أینما كانوا وأینما ظھروا ھي التي تحصن الإنسان ضد الأنانیة والتقوقع حول الذات، حیث یخرج الإنسان من انحساره حول نفسه إلى الآخرین في تعب وبذل وتضحیة حقیقیة تجعله یشعر بإنسانیته وبرسالته في الحیاة كما أرادھا الله له وینطبق نفس الأمر عندما ندعو أحدًا إلى الخدمة أو التكریس أو الكھنوت أو الأسقفیة ھي لیست دعوة ترقیة أو منصب أو ریاسة ولكنھا دعوة إلى"التعب المریح" أي خدمة الآخرین خدمة كل إنسان وكل الإنسان.صديقى تمتع بالراحة الحقيقية فى تعبك وبذلك لكل أحد.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
16 أغسطس 2024
نشكرك لأنك نعمة الحياة
من أجمل الكلمات التي يمكن للإنسان أن يخاطب بها الله هي "نشكرك "وحسب تقليد كنيستنا، فإن هذه العبارة هي المقدمة التعبدية التي تفتتح بها صلواتنا في كل المناسبات بعد أن تتلو الصلاة الربانية.
نعمة الحياة
"الرب راعي فلا يعوزني شيء في مراع خضر يربضني إلى مياه الراحة يوردنی يرد نفسی يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه أيضا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك انت معى عصاك وعكازك هما يعزيانني. ترتب قدامي مائدة تجاه مضايقي مسحت بالدهن رأسي كاسي ريا. إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي واسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام" (مزمور ۲۳) نعمة الحياة هي النعمة التي أعطاها لنا الله إلى هذه الساعة أي الساعة التي تصلى فيها، فوجودنا في هذه الحياة هو نعمة من الله، وأنه أعطانا اننا نعيش لهذه الساعة في نعمة أخرى. وقد يتساءل الإنسان لماذا خلقنا الله ؟!! نجيبه الله خلقنا لأنه يحبنا، ومحبته لنا جعلته يوجدنا لكي ما نشترك في هذه الحياة وأيضا أعطانا أن تمتد بنا الحياة إلى هذه الساعة، فهناك نفوس انتهت إقامتها على الأرض وانتقلت إلى السماء. لذلك فإننا في كل صباح نصلي قائلين" نشكرك يارب لأنك اعطيتنا نهارا جديدا وعمرا جديدا" فكل يوم يعطيه الله لنا، هو نعمة في حد ذاته. فالله، لأنه يحبك بصورة خاصة أوجدت في هذه الحياة، لكي ما يكون لك هدف معين وخطة وعمل وقصد... إن الله عندما خلق الإنسان خلقه بقصد، وصحيح أن الإنسان المشترك مع الله في نمو الخليقة وتكاثرها، وذلك من خلال سر الزيجة المقدس، إلا أن الله هو وحده معطى هذه الحياة. وهذا هو التكوين الجميل للبشرية، فإن ادم وحواء أو من مثلهما عندما يرتبطان ينتج من هذه الارتباط ابنا أو ابنة، وهذا المولود يبدا جنينا صغيرا جدا عبارة عن خلايا قليلة في رحم أمه، ثم ينمو بالتدريج على مدار 4 أشهر، حتى يأتي إلى العالم.. ويكون مجيئه سبب فرحة كبيرة للأب والأم والأسرة والمجتمع كله. حيث يتم عمل شهادة ميلاد له بتاريخ ميلاده ويصبح إنساناً له وجود في المجتمع. وهنا تبدأ الكنيسة في ممارسة دورها بصلاة الحميم ثم المعمودية المقدسة ثم يبدأ في ممارسة الأسرار الكنسية المختلفة. وتبدأ ظهور خطة الله في حياة هذا الإنسان ان الله في خلقته للإنسان، كان هدفه الاساسي هو المحبة لذلك نقول "الله محبة" (١يو ٨:٤)، ومن هذه المحبة أوجد الله الإنسان حتى إنه لا يستطيع أن يعيش إلا من خلال هذه المحبة، وأيضا الله لا ينسى الإنسان الذي خلقه كما يقول الكتاب "فهل تنسى المراة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا انساك، هوذا على كفى نقشتك" (إش ١٥:٤٩- ١٦) ومن الطقوس الجميلة في كنيستنا فكرة بيض النعامة التي توضع على باب الهيكل، إشارة إلى القيامة، وأيضا إلى عناية الله لأن النعامة تدفن بيضها في التراب، وبذلك تعرضه لخطر اقدام الحيوانات التي من الممكن ان تهرس البيض، ولكن الله يحفظ البيض، فالله الذي استطاع أن يحفظها، يستطيع أيضا أن يحفظك لأن عينيه عليك فلن ينساك الله يظل يعتني بالإنسان ويرعاه "الرب راعي فلا يعورني شيء" (مز ۱:۲۳)، وبالرغم من كل هذا، قد يقول البعض أن وجودي غير مهم في هذه الحياة ... أو لماذا خلقني الله ؟!! وكأنه يعتدي على نعمة الله
أمثلة من الكتاب المقدس توضح نعمة الحياة
إرميا النبي
فعندما رفض شعب مملكة يهوذا كلام ارميا النبي ونبواته ورفضوا التوبة كتب ارميا وقال "ملعون اليوم الذي ولدت فيه اليوم الذي ولدتني فيه أمي لا يكن مباركا " لماذا خرجت من الرحم، لأرى تعباً وحزناً فتفنى بالخزى أيامی (ار ١٤:۲۰-۱۸)
يونان النبي
فعندما ذبلت اليقطينة التي كان يستظل تحتها ورأی شعب نينوى لبس المسوح وبدأ في حياة التوبة الصادقة، قال "موتي غير من حیاتی (یون٤ :۸)
أبوب الصديق
تعرض لتجارب وآلامات شديدة جداً، فقال: "ليته هلك اليوم الذي ولدت فيه، والليل الذي قال: قد حبل برجل لم لم أمت من الرحم" عندما خرجت من البطن، لم لم أسلم الروح" ( ای ٣:٣-١١) لكن أيوب بعدما دخل التجربة وتمحص وتصفى من حب الذات كانت النتيجة أنه عاش بعد هذه التجربة ١٤٠ سنة وأعطاه الله نعمة الوجود، وأصبح يمكنه أن يقف يصلى ويقول اشكرك يارب لانك أتيت بي إلى هذه الساعة إن كثيرين من الممكن أن يتعرضوا إلى مثل هذه المواقف لكن الحياة نعمة، والاعتداء عليها يعتبر خطية، لذلك الإدمان خطية والانتحار خطية فكلاهما اعتداء على نعمة الحياة
يعقوب أبو الآباء
عندما علم من أولاده أن يوسف حي يقول الكتاب "فجمد قلبه لأنه لم يصدقهم ثم كلموه بكل كلام يوسف الذي كلمهم به، وأبصر العجلات التي أرسلها يوسف لتحمله فعاشت روح يعقوب أبيهم فقال إسرائيل كفى يوسف ابني حي بعد أذهب وأراه قبل أن أموت، (تك ٢٦:٤٥-٢٨) وكما ذكر الكتاب أنه عندما علم يعقوب بموت يوسف عن طريق وحش ردي كان مثل الميت ولكن عندما علم أن ابنه حي ردت فيه الحياة مرة ثانية، فقال يعقوب ليوسف "أموت الآن بعدما رأيت وجهك انك حي بعد" (تك ٣٠:٤٦) وفي هذه اللحظة اعتقد أنه وقف وقال اشكرك يارب لأنك أتيت بي إلى هذه الساعة.
سمعان الشيخ
الذي ولد قبل مجيء السيد المسيح، واشتراك في ترجمة التوراة، وتوقف عند كلمة عذراء تحبل وتلد، فوضع بدلاً من كلمة "عذراء "كلمة فتاة فظهر له ملاك الرب، وأمره أن يكتب كلمة عذراء وليس فتاة، ووعده أنه لن يرى الموت قبل أن تتحقق هذه النبوة "وكان قد أوحى إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب(لو ٢٦:٢) وبالفعل عاش سمعان الشيخ حتى حمل الطفل يسوع على ذراعيه وبارك الرب قائلاً "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام(لو ۲ :۲۹)، وغالباً قال سمعان في هذه اللحظة "اشكرك يارب لأنك اتيت بي إلى هذه الساعة" لماذا أتي بك الله إلى هذه الساعة : ان مجرد أن يأتي الله بالإنسان إلى هذه الساعة، فهذه فرصة، لأنه في نفس هذه الساعة انتهت الفرصة عند آخرين.
أولاً فرصة توبة
فربما لم يقدر الإنسان على التوبة بالأمس، فهي فرصة للتوبة فرصة لتنقية القلب فرصة لطرد كل خطية إلخ فاثناء الصلاة يقدم الإنسان تعهدا لله على ترك الخطية، حتى يتقابل مع أب اعترافه ويعترف لكيما ينال جلاً وهذه الفرصة قد تضيع إن لم ينتهز الإنسان الفرصة فمثلاً لو كان القديس موسى الأسود. قد عاند وظل كما هو في الشر، ولم يذهب إلى القديس ايسيذوروس، لكان سوف يظل في خطيته، ولكنه استغل فرصة التوبة وتحول. وصار من إنسان قلبه أسود إلى قلب أبيض، وقديس تتشفع به، رغم أن حياته الأولى كانت لا تسر ولا تفرح قلب الله. وتتخيل أن القديس موسى وقف يصلي ويقول أشكرك يارب لانك اتيت بي إلى هذه الساعة ساعة التوبة.
ثانيا: فرصة مصالحة
ربما يكون الإنسان متخاصما أو قاضيا أو زعلانا مع شخص آخر، وهنا اسال نفسك هل ستسمح أن تنتهى حياتك وانت تحمل كل هذه الأخطاء انتبه أيها الحبيب، فهناك فرصة للمصالحة وعندما تتقدم للمصالحة، فأنت تصنع عملاً سمانيا، فهناك مشاكل قد تستمر لسنوات طويلة وكان من الممكن أن تنتهى بسرعة إن تقدم أحد الطرفين بطلب المصالحة فوجود الإنسان في الحياة حتى هذه الساعة، هو فرصة لصنع السلام مع الآخرين، وكأنه يبدأ صفحة جديدة في حياته تتخيل معى لو أن والد الابن الضال لم يقبله وليس هذا فقط بل أيضا طرده ووبخه بالطبع كان سيعود هذا الابن إلى خطيته مرة أخرى، وربما إلى أكثر مما كان عليه، وبذلك تضيع فرصة المصالحة.
ثالثا: فرصة عمل وخدمة
يقول الكتاب قال "الكسلان الأسد في الطريق الشبل في الشوارع"(أم ١٣:٢٦). فهناك من يضع معوقات في الطريق والمبررات ولا يستطيع أن يقول كلمة اخطيت من قلبه أتيت بنا إلى هذه الساعة هي فرصة عمل "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل، (يو٥: ۱۷)، فالسيد المسيح في سنوات خدمته على الأرض، كان في عمل وخدمة دائمة ومستمرة، فلا تؤجل أي عمل أو خدمة تطلب منك، واستغل الساعة التي أعطاها لك الله في عمل الخدمة بكل أنواعها وأشكالها واتذكر أنه في إحدى المرات وقبل وجودي في مسئوليتي الحالية جاء إلى شخص وأخبرني عن إنسان يريد التناول وأعلمني أن هذا الشخص بعيد تماما على الكنيسة منذ ما يقرب من ٢٠ عاما !! فذهبت إليه وقبل أن يأخذ التناول قال لي أريد أن اعترف أولاً وبالفعل قدم اعترافا بتوبة وندم، ثم تقدم المتناول من جسد الرب ودمه، وبعد حوالي ساعتين تنيح فالحياة فرصة عمل وخدمة.
رابعا: - فرصة للنمو
بمعنى أن ينمو الإنسان روحيا. ومعرفيا ودراسيا ينمو في الخبرة والمعرفة، فهناك شخص لا يحب أن يضيع الوقت واتذكر انني في إحدى المرات كنت في الخارج، وكلفت شخصية معينة أن تكون مرافقة لي، فقلت في نفسي هذه فرصة، فالقطار سياخذ ، ساعات من الممكن أن أتعرف فيها على معالم هذه البلد، من خلال هذه الشخصية المرافقة ولكنني فوجئت أن هذه المرافقة قد استغلت هذه الساعات في قراءة أحد الكتب فقد استغلت هذا الوقت في زيادة معرفتها عن طريق القراءة. فهناك شخص قد يستغل الوقت، في الجلوس إلى الأجهزة الحديثة ولكنه لا يستغلها بطريقة جيدة، ويضيع الوقت الذي هو أثمن عملية بدون فائدة فالحياة هي فرصة نمو على كل الأصعدة، لكيما تكون شخصية الإنسان متكاملة.
خامسا: - فرصة صلاة
الحياة فرصة للصلاة والتسبيح لقراءة الإنجيل. وفرصة لعلاقة روحية اكثر فيكون لك نصيب في السماء وتعرف طريقك من تقليد الكنيسة أنه يوجد ما يسمى بالصلاة السهمية (الدائمة)، استغل الوقت في الصلاة في قراءة الكتاب المقدس وكلما روح الصلاة تتاجج في الإنسان. حياته تكون أكثر استنارة، ويكون بالحقيقة ابنا للسماء، ويصبح قلبه علينا بالنور نشكرك يارب لأنك أتيت بنا إلى هذه الساعة(نعمة الحياة التي تعطيها للإنسان)
قداسة البابا تواضروس الثاني
عن كتاب نشكرك لأنك
المزيد
09 أغسطس 2024
نشكرك لأنك نعمة العضد
من أجمل الكلمات التي يمكن للإنسان أن يخاطب بها الله هي "نشكرك" وحسب تقلید كنيستنا، فإن هذه العبارة هي المقدمة التعبدية التي تفتتح بها صلواتنا في كل المناسبات بعد أن تتلو الصلاة الربانية.
"يا الله إلهي أنت. إليك أبكر عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في ارض ناشفة ويابسة بلا ماء، لكي أبصر فوتك ومجدك كما قد رأيتك في قدسك. لأن رحمتك أفضل من الحياة شفتاي تسبحانك هكذا أباركك في حياتي باسمك ارفع يدى كما من شحم ودسم تشبع نفسي وبشفتي الابتهاج يسبحك فمي إذا ذكرتك على فراشي، في السهد الهج بك، لأنك كنت عونا لي، وبظل جناحيك ابتهج التصقت نفسي بك. يمينك تعضدني أما الذين هم للتهلكة يطلبون نفسي، فيدخلون في أسافل الأرض يدفعون إلى يدى السيف. يكونون نصيباً لبنات أوى أما الملك فيفرح بالله يفتخر كل من يحلف به، لأن افواه المتكلمين بالكذب تسده" (مز ٦٣)
العضد هو الساعد وهي تعنى Support us، فالسيد المسيح صلب على الصليب وهو فاتح ذراعيه، لكي ما يذكرنا دائما انه يعضدنا، ومعلمنا داود النبي يرنم قائلاً "التصقت نفسي بك. يمينك تعضدني" (مز ٨:٦٣)، وكلمة التصقت هنا تمثل كل أوجه العبادة التي تتعلمها في كنيستنا مثل الصلاة في الأجبية أو حضور القداسات أو ممارسة الأسرار أو إلخ وكل هذا يمثل أشكالاً من الالتصاق بالله.
فئات من البشر يعضدها الله إن الله عندما يعضد البشر يعضدهم بأشكالاً كثيرة، وسنتأمل هنا في أربع فئات من البشر الله يعضدها وهم: الفئات الضعيفة جسدياً، والفئات الضعيفة اجتماعياً، والفئات الضعيفة روحيا، والابرار والصديقون أولاً: الفئات الضعيفة جسدياً.
هناك بعض البشر لهم ضعف جسدي معين سواء كان هذا الضعف مرضاً جسدياً أو نفسياً أو مرضاً صعباً أو سهلاً أو مرضاً عابراً.. أو مرضاً مزمنا .. الخ.ويقول الكتاب "طوبي للذي ينظر إلى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب. الرب يحفظه ويحيبه يغتبط في الأرض. ولا يسلمه إلى مرام أعدائه الرب يعضده وهو على فراش الضعف. مهدت مضجعه كله في مرضه" (مز١:٤١-٣)وكلمة يعضده، تعنى يسنده، فقد يحتار الأطباء في علاج شخص ما. وفجاة ينال هذا المريض الشفاء بطريقة معجزية أو قد يتوقع الأطباء استمرار المرض لمدة طويلة، ولكن الله يتمجد وينال المريض الشفاء سريعاً بخلاف كل توقعات العلم! فمثلاً في العهد القديم، نقرأ عن حزقيا النبي الذي كان ملكاً على يهوذا، فيقول عنه الكتاب "التصق بالرب ولم يحد عنه، بل حفظ وصاياه التي أمر بها الرب موسى" (۲مل ٦:۱۸)، ولكنه في أحد الأيام تعرض لمرض شديد جداً، كاد أن يودى بحياته ولأن حزقيا كان ملكاً صالحاً، وصاحب أعمال جيدة في مملكته، وأيضاً كان لديه رغبة ملحة في أن يخدم الله أكثر وأكثر، لهذا وقف وصلى أمام الله قائلاً "اه يارب اذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلب فعلت الحسن في عينيك، وبكي حزقيا بكلء عظيما، (۲ مل ٣:٢٠).وهنا عضده الله، ولم يخرج إشعياء النبي من المدينة حتى أمره الرب بالعودة إلى حزقيا ليعلمه انه سيشفيه ويزيد على عمره ١٥ عاماً !! "قال الرب.. قد سمعت صلاتك. قد رأيت دموعك هانذا أشفيك في اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة (٢ مل ٥:٣٠-٦)، لقد أعطى الله حزقيا الملك الفرصة لكي ما يخدمه أكثر، كما اشتاق
في معجزة مريض بيت حسدا، الذي كان مطروحا على البركة ٣٨ عاماً، في حالة ميئوس منها حيث إن عضلات جسده كانت قد يبست وأصبحت عاجزة عن الحركة !! إلا أن السيد المسيح عندما رأه على هذا الحال قال له "أتريد أن تبرأ " (يو٦:٥)، وهذه هي الإرادة فقال له المريض" ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أنا ات ينزل قدامى آخر"( يوه : ٧)، وهنا عضده الرب فقال له: "قم. احمل سريرك وامش" (يو٨:٥)!!
وهنا لم يأمره الرب بالقيام فقط، لكنه أيضا أمره بحمل سريره وهذا يعنى أنه قام بصحة كاملة وجيدة، حيث إنه تمكن من حمل فراشه والسير به!! وهناك معجزات كثيرة صنعها السيد المسيح مع فئات المرضى، حيث كان عضدًا لهم وأحيانا يكون التعضيد في احتمال صليب المرض، فقد يصاب إنسان ما بمرض يستمر معه لمدة طويلة، وهنا يحتاج إلى يد الله التي تعضده وتعزيه، لذلك عند زيارة مثل هذا المريض تشعر بيد الله التي تعضده وتملأه بالرجاء، حتى إننا نتعجب من إيمان بعض المرضى !! فالله يعضد الضعفاء جسديا ونفسيا وأتذكر أنني في إحدى المرات ذهبت لزيارة فتاة مريضة بمرض صعب الشفاء، حيث كان عمرها قد قارب على الانتهاء، وكان عمر هذه الفتاة ٢٦ عامًا، وكانت تعمل في التمريض بالجيش بدرجة نقيب !! ودار بيننا حوار لطيف، وفى النهاية سألتها عما تقرأ ؟!! فأجابت بالتأكيد أقرأ في سفر الرؤيا، لكي ما أستعد للأبدية، وبالفعل بعد ١١ يوما سافرت هذه الفتاة إلى السماء وأنا لا أنسى ابتسامتها ورجاءها، حتى في قراءتها لسفر الرؤيا كانت تقرأه باستمتاع فقد قامت برسم كروكي لكل أحداث ورؤى هذا السفر، وكانت جميع هذه الرسومات مليئة بالفرح والرجاء، وتبين مدى تعضيد الله لها في مرضها .
ثانيا: الفئات الضعيفة اجتماعيا
في كل مجتمع يوجد طائفة من المستضعفين والمهمشين والذين لا صوت لهم والذين يعيشون على هامش الحياة ولكن أخطر الفئات المستضعفة اجتماعيا، هي فئات اليتامى والأرامل، ولذلك قال الله عن نفسه أبو اليتامى وقاضي الأرامل، كما يعلمنا الكتاب "الرب يحفظ الغرباء. يعضد اليتيم والأرملة (مز ٩:١٤٦) قديماً، لم يكن هناك قوانين التأمينات والمعاشات والوحدات الصحية وبيوت ضيافة الأطفال، لكن كان يوجد الله الذي يعمل وما زال يعمل حتى الآن، وبالرغم من الانتشار الواسع للعمل الاجتماعي في خدمة اليتامى والأرامل، إلا أنهم مازالوا من الفئات المستضعفة على مستوى أي مجتمع ويحتاجون دائما إلى الأمانة في الرعاية ونذكر هنا مثالاً من العهد القديم، وهو أرملة صرفة صيدا وكيف عضدها الله في المجاعة، وأعطاها أيضا بركة خدمة إيليا النبي !! فهذه الأرملة لم يكن لديها سوى كمية قليلة من الزيت والدقيق !! ولكنها بالأمانة وبالقليل الذي لديها، عضدها الله وحفظها في أيام المجاعة هي وابنها، إلى جانب بركة خدمة نبي الله إيليا !! وكما قال الكتاب: "لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل: إن كوار الدقيق لا يفرغ، وكوز الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي فيه يعطى الرب مطرًا على وجه الأرض" (۱مل ١٤:١٧)، وهذه القصة تعطى لنا مثالاً بسيطاً عن كيف أن هذه الأرملة أو هذا اليتيم، من الممكن أن يكون له علاقة قوية بالله، وأن الله من خلال أمانتهم يستطيع أن يخدم أشخاصاً كثيرين. أما في العهد الجديد فنذكر على سبيل المثال: قصة أرملة نايين، فهي أرملة وحيدة ليس لها سند أو دخل، ولديها ابن وحيد وضعت فيه كل رجائها ومستقبلها وحاضرها، وكأن هذه الأرملة وابنها يعيشان بقلب واحد !! ولكن الله سمح بتجربة قاسية لهذه الأرملة، وهي أن وحيدها يموت!! وهنا تحنن الله عليها ولم يتركها لحزنها فيقول الكتاب" فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها : لا تبكى. ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون. فقال: أيها الشاب، لك أقول: قم. فجلس الميت وابتدأ يتكلم، فدفعه إلى أمه" (لو ۷: ۱۳-١٥). فاعلم أيها الحبيب، أنه لا تستطيع الكلمات البشرية، أن تعضد إنسانا حزيناً أو متألماً أو مجروحاً أو في تجربة ما إلخ لكن الله وحده هو من يستطيع تعضيد الإنسان، وذلك من خلال آيات وعبارات الكتاب المقدس، ولذلك نوصى دائما أي إنسان يتعرض لتجربة، أن يستلهم تعزيته من كلمات الكتاب وقصصه وأحداثه، وكلمات سفر المزامير تساعد كثيرا في هذه التعزية.
ثالثاً : الفئات الضعيفة روحيا :
المقصود بهذه الفئة هو الإنسان الساقط في الخطية، سواء كانت هذه الخطية صغيرة أو كبيرة، وكنيستنا تعلمنا دائما أن يكون لنا علاقة قوية بالله، وذلك من خلال الوسائط الروحية المختلفة، لكي ما نكتسب قوة روحية تحمينا من السقوط وإن سقطنا نقوم سريعا، وإن قمنا فعلينا تقديم التوبة. لكن هناك من يسقط بسبب ضعف إرادته!! وحتى في هذا الله يعضده كما يعلمنا الكتاب: "الرب عاضد كل الساقطين، ومقوم كل المنحنين"( مز ١٤:١٤٥ ) ، وعبارة «مقوم كل المنحنين» تعنى من لم يسقط بعد، لكنه في الطريق إلى السقوط، وهذا أيضا الله يسرع لنجدته، فالله لا ينتظر من الإنسان أكثر من طلب المساعدة!!
ويقول أيضا "الرب رحيم ورؤوف طويل الروح، وكثير الرحمة. لا يحاكم إلى الأبد .. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب أثامنا .. كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه. لأنه يعرف جبلتنا . يذكر أننا تراب نحن"(مز ٨:١٠٣-١٤) والساقطون عبر التاريخ كثيرون جدا،لكن يمكننا أن نقف قليلاً عند سقطة داود النبي، وكيف أن هذه القامة الروحية وهذا النبي العظيم سقط؟!! يقول الكتاب :فقال داود لناثان قد أخطأت إلى الرب.فقال ناثان لداود الرب أيضا قد نقل عنك خطيتك. لا تموت» (۲ صم ۱۳:۱۲) وهذا هو أسلوب الله فهو دائما ما يعضد الخطاة، وقد نتساءل كيف إنسان كان في عمق الشر، يصبح في عمق النقاوة، مثل القديس موسى الأسود والقديسة مريم المصرية. والقديسة بائيسة وغيرهم كثيرين؟!!
إن ما يحدث لهؤلاء القديسين، لهو شيء لا يرى بالعين المجردة، لكنه ذراع الله الممدودة على الصليب، نحو كل هذه النفوس الساقطة لكى ما تقوم، وتجد نفسها في حياة جديدة وهي حياة التوبة ويقول الكتاب: :إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (١ يو٩:١).
ومن أمثلة الكتاب المقدس على ذلك:
قصة الابن الضال الذي عاش في بيت أبيه متذمرا ، فتعامل مع أبيه بكل جفاء حتى إنه أخذ نصيبه من الميراث ورحل مع أصدقائه!! ثم بعد أن نفدت أمواله بدأ فى الانحدار حتى وصل إلى القاع عند الخنازير !! وهنا جلس إلى نفسه، واكتشف أنه يموت جوعًا ، بينما أقل عبد في بيت أبيه يعيش أفضل منه !! وعلى هذا، فكر في الرجوع إلى بيت أبيه، وبدأ في وضع سيناريو لمقابلة أبيه، فقال أقول لأبي: "يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك، ولست متسحقاً بعد أن أدعى لك ابنا بل أجعلني كأحد أجراك" (لو ۱۸:۱۵-۱۹). وكان من الممكن أن يكتفى بهذا السيناريو، ولا يرجع لبيت أبيه، ولكنه كان له الإرادة القوية التي جعلته ينفذ ما فكر فيه، ولأنه كان صادقا وأمينا في توبته ورغبته ورجائه، مد له الله يمينه وعضده، وبالفعل قام وذهب إلى أبيه يقول الكتاب: "فقام وجاء إلى أبيه" فهذا الابن الشاطر لم يعط نفسه وقتًا للتراجع، فقام في الحال بدون أي تأجيل أو كسل، وبالتأكيد هذا تصرف إنسان سلم إرادته لله.. والله وهو الذي أكمل المشوار. وقد وجد هذا الابن الضال أحضان أبيه مفتوحة له مع كل الفرح... والعجل المسمن.. والخاتم والحذاء... والحلة الأولى .. كما قال الكتاب: "كان ينبغى أن نفرح ونسر، لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش، وكان ضالاً فوجد "(لو ٣٢:١٥).
وينطبق هذا أيضا على المرأة السامرية وكيف أنها كانت ساقطة روحياً، والله نهض بها إلى أن صارت قديسة.
رابعاً: الصديقون والأبرار
الله يعضد الصديقين والأبرار لأنهم فئات ضعيفة، أو بمعنى أدق لأنهم فئات متضعة مثل أمنا العذراء التي قالت في تسبحتها : "أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين" (لو ٥٢:١)، فالله يعضد هذه الفئات ويقويها، ونجد هذا كثيراً في سير القديسين، فالله يشدد هؤلاء القديسين في حياتهم وخدمتهم. وقد نجد أحياناً قديساً بلا إمكانيات مثل مار مرقس الرسول عند مجيئه إلى أرض مصر !! كان بلا أية إمكانيات.. لم يكن لديه مال.. أو معارف.. أو أي شيء!! لكن الله عضده وكان هو البذرة الأولى لتقديم الإيمان المسيحي في كل أرض مصر!!
أمثلة لتعضيد الله من الكتاب المقدس
عضد الله موسى النبي طوال مسيرة حياته على الأرض، وعلى سبيل المثال: عندما طلب الله من موسى قيادة شعب بني إسرائيل في الخروج من مصر، اعتذر وقال إنه ثقيل الفم واللسان!!
"فقال موسى للرب استمع أيها السيد لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس، ولا من حين كلمت عبدك، بل أنا ثقيل الفم واللسان" (خر١٠:٤) وهنا طمأنه الرب وقال له: «من صنع للإنسان فماً؟ أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيراً أو أعمى؟ أما هو أنا الرب؟ فالآن اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به» (خر٤: ۱۱-۱۲). وبالفعل بدأ موسى يطيع ويدخل إلى فرعون، ويطلب منه إطلاق شعب إسرائيل وفرعون يرفض.. فيعضد الله موسى.. ثم يعود فرعون للعناد .. وهكذا كما ورد في قصة الخروج (خر ٤-١٥). فالله عضد موسى صاحب اللسان الضعيف، لأنه اعترف بضعفه، وعندما يعترف الإنسان بضعفه أمام الله في مسيرة حياته الروحية الله يعضده، فالله مستعد دائماً لمساعدة كل من يطلبه لذلك اجعل أمامك دائماً صورة ذراع المسيح الممدودة على الصليب، وتأكد أنه مازال فاتحاً ذراعيه لكل أحد .
عضد الآباء الرسل، بالرغم من أهم كانوا ذوى إمكانيات ضعيفة جداً !! ما بين صيادين للسمك وعشارين!! ولكن بتعضيد الله لهم فتنوا المسكونة كلها بكرازتهم!! ومن خلال ۱۲ تلميذاً و ٧٠ رسولاً والقديس بولس الرسول، وصل الإيمان المسيحى لكل إنسان في العالم...
عضد بطرس الصياد البسيط، فأمن على يديه في عظة واحدة ثلاثة آلاف نفس، كما ذكر الكتاب: "فوقف بطرس. ورفع صوته وقال لهم.. فقبلوا كلامه بفرح، واعتمدوا ، وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس"(أع ٤١:٢).
عضد الآباء الرسل بصنع المعجزات، وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة، كما قال الكتاب "ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو، ولا يضركم شيء"(لو ۱۹:۱۰)، والله الذي صنع في القديم هذا، يستطيع أن يصنع نفس الأمر في كل زمان.. وفي كل جيل...
عضد بولس الرسول وهو في السلاسل ويحاكم وأعطاه فما وحكمة حتى أن أغربياس الملك يقول له" بقليل تقنعنى أن أصير مسيحياً" (أع ٢٨:٢٦) وهنا أجابه بولس: «كنت أصلى إلى الله أنه بقليل وبكثير، ليس أنت فقط، بل أيضاً جميع الذين يسمعونني اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه
القيود» (أع ٢٩:٢٦).
الخلاصة:
"التصقت نفسي بك. يمينك تعضدني"(مز ٨:٦٣) انظر إلى يدى المسيح الممدودة عى عود الصليب، وممدودة نحوك لتعرف أن المسيح يشاركك ويعضدك وعندما تقف للصلاة، صل قائلاً: «نشكرك يارب لأنك عضدتنا ».
قداسة البابا تواضروس الثاني
عن كتاب نشكرك لأنك
المزيد