المقالات
02 مارس 2025
انجيل قداس يوم الأحد الأول من الصوم الكبير
تتضمن الحث على إخفاء الفضائل وسترها مرتبة على قوله تعالى بفصل الانجيل " لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون "( مت ٦ : ١٩-٣٣ ) إذا كنا قد علمنا أن ربنا هو الخالق لذواتنا. والمهتم بقوام حياتنا، فما بالنا لا نرفع حاجاتنا اليه ونتكل عليه في تحصيل ضرورياتنا ونجتهد في اقتناء الفضائل واجتناب الرذائل ؟
وإذا كان الله تعالى يهتم بالمخلوقات لأجلنا هكذا،ويضرب لنا الامثال بفراخ الغربان وزهر النبات وأمثال ذلك من المخلوقات الحقيرة، فكيف يكون اهتمامه بنا ويا للعجب من كونه يحثنا دائما على تحصيل سعادة الأبد ويعد لنا ذخائر الملكوت ويوضح لنا المطالب السامية ويظهر لنا الكنوز الدائمة ونحن هكذا لا نزال متكاسلين متهاونين واذا كان الذين يقصدون استخراج الذهب من المعادن إذا ظهر لهم عرق دقيق من التبر أو من الفضة يحفرون عليه بإجتهاد ويطلبونه حيثما كان غائصا وأينما ذهب ويبحثون عنه حتى الأعماق ليحصلوا على الثروة بواسطته ويتنعموا بذلك ويترفهوا والنعم التي لا نهاية لها أن نبحث عن كنوزنا ونسارع إلى طلب خلاصنا ونجتهد في الوصول إلى جواهر الفضيلة ؟
وإذا كان الذين غناهم زمنى زائل وأحيانا كثيرة يجلب عليهم الأخطار والإضرار كخطف اللصوص وقطع الطرق وهم مع ذلك يجتهدون في طلبه هكذا فكيف لا تتشبهون بهم فى تحصيل الفضيلة بل وتزيدون عليهم ؟
ويا للعجب من كون أولئك إذا ظفروا بمطلوباتهم وحصلوا كنوزهم يجتهدون في حفظها ويبالغون فى صيانتها ولاسيما إذا شعروا بالذين يريدون انتزاعها ويحاولون خطفها منهم فإنهم يبادرون إلى حفظها وضبطها وإخفائها عن أعين السارقين فبعضهم يضعها في الخزائن الحريزة. وبعضهم يجعلها في مخابئ الأرض ويحتالون على حراستها وسترها على نظر اللصوص بوسائل مختلفة فما بالنا نحن لا نعتنى كذلك بكنوزنا ولا نحذر أغتيال أعدائنا فإذا جمعنا ثروة الفضيلة يجب أن لا ندعها ظاهرة لأعين الناظرين بل نودعها في خزائن الفكر ونغلق عليها أبواب الضمير ونوكل العقل بحراستها ونتيقظ لحفظها ساهرين عليها وكما أن التجار الذين في البلاد الغريبة إذا عزموا على العودة لبلادهم يجتهدون في تحصيل زاد السفر والهدايا الحسنة إلى اهلهم ويشحون على أنفسهم في النفقات لتوفير أموالهم لكى يقبلوا إلى أهلهم بالأموال والهدايا وبعد ذلك يستريحون ويستقرون في منازلهم كذلك يجب علينا أن نصنع في غربتنا في هذه الدنيا فنجتهد في حفظ ذخائرنا ونتجهز بزاد السفر ومهماته. لكى نصل إلى وطننا الحقيقي سالمين رابحين ونفرح بنوال ملكوت ربنا الذى له المجد إلى الأبد آمين
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
23 فبراير 2025
انجيل قداس أحد الرفاع الكبير
تتضمن الحث على الصوم واثباته من أقوال الله مرتبة على قوله تعلى بفصل الإنجيل"متى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فانهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين ( مت ٦ : ١-١٨ )
نتعلم من فصل إنجيل اليوم أيها الأحباء أربع فضائل الأولى الصدقة. وقال فيها السيد له المجد " أحترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكى ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم "الثانية الصلاة وقال فيها: " متـــــى صـليـــت كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس" الثالثة عدم الحقد وقال فيها: " إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً ابوكم السموى وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم والرابعة فضيلة الصوم وقال السيد له المجد فيها " متى صمتم فلا تكونوا كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا لللناس صائمين الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم وأما انت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذى يرى في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية هذه هي الأربع فضائل التي ورد ذكرها بفصل انجيل هذا اليوم. وبما اننا غداً نبتدئ صوم الأربعين المقدسة فوجب علينا أن نجعل فضيلة الصوم موضوعاً لعظتنا إن الله جل وعز خلق آدم وحواء ووضعهما في جنة عدن وأوصاهما أن يأكلا من جميع شجر الجنة ماعدا شجرة " معرفة الخير والشر " فلا يأكلان منها لأن يوم يأكلان منها موتا يموتان ولكن الشيطان دخل في الحية وخدع حــواء بقوله لها " أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة فقالت المرأة للحية من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا فقالت الحية للمرأة لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر فأخذت المرأة من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل هكذا تمكن الشيطان بواسطة الحية فأسقط الجدين الأولين آدم وحواء في الفساد وها هو ينصب شراكه للجنس البشرى كل يوم ليلبسه الخلاص الذي ناله بتجسد ابن الله وموته حتى يهوى به إلى مقر التعب والشقاء وها هو يغرى صدور الناس تارة بأن الصوم ليس وصية من الله وتارة أن يضر الصحة وتارة غير ذلك حتى قام البعض في هذه الأيام ينكر ويحتقر الصوم ويقول إنه لم يذكر ضمن الوصايا العشر ولا أوصى به السيد المسيح ولا الرسل القديسون وما هو إلا ترتيب بعض النساك والزهاد من الرهبان المقيمين فى الجبال والبراري وان من صام حسنا يفعل ومن لم يصم لا يخطئ فهم إذن لا يعترفون بأن الصوم لازم للخلاص ويجب علينا حتما أن نثبت لهم خطأهم فنقول:
أولا - من الطبيعة كما أن العود الطيب الرائحة لا تفوح رائحته إلا بالنار هكذا الإنسان لا تفوح منه روائح الفضائل إلا بكبحه بالصوم والبكاء والنوح وكما أن العود الرطب لا تؤثر فيه النار حتى تنزع منه الرطوبة هكذا الانسان الشبعان لا تؤثر فيه نار محبة الله حتى يجف بالصوم.
ثانيا من كتاب العهد القديم : إن الله أمر موسى النبي ان يقدس نفسه بالصوم ويقدس الشعب معه ايضا قبل ان يدنو جبل سينا لأخذ الوصايا ونقــــرأ فيه أن الصوم كان معمولا به فى اورشليم وغيرها في عهد إرميا النبي وإيليا النبي صام اربعين يوما واربعين ليلة ويهوديت كانت تصوم كل ايام حياتها ماعدا السبوت ورؤوس الشهور والأعياد وأهل نينوى صاموا وصام ايضا بنو اسرائیل وقت دفن شاول الملك وبنيه وقد أمر الله بالصوم على لسان يوئيل النبي بقوله: " قدسوا الصوم. نادوا بالاعتكاف ".
ثالثا - يثبت الصوم من العهد الجديد: إذ انه يخبرنا بصوم المسيح نفسه اربعين يوما واربعين ليلة ويقول: " ومتى صمتم فلا تكونوا كالمرائين ويقول إيضا: " إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلوة والصوم " والقديس بولس الرسول يحرض المؤمنين على الصوم بقوله: فلنظهر انفسنا كخدام الله بالصبر والصوم
رابعا - يثبت الصوم من اعتباره سنة لازمة عند جميع طوائف البشر على اختلاف مذاهبهم ماخلا الذين قد جعلوا آلهتهم بطونهم أما وقد ثبت أن الصوم قديم جدا يتصل الامر به ببدء تكوين العالم و معمول به بموجب وصية الله جل وعز للأنسان الأول فى جميع أنحاء المعمورة رغم اختلاف طقوس وعوائد الناس ولكن مما يوجب الأسف والاستغراب معا أنك إذا سألت ذلك الذي يحتقر الصوم وينكر الوصية الالهية الصادرة به قائلا ما هي الوصية الأولى الالهية لآدم ؟ لأجابك حالا وبدون تردد بأنها وصية " الامساك عن الاكل " التي هي الصوم ولكنه يعود حالا فينكر ما قرره محتجا بعدم ذكر الصوم ضمن الوصايا العشر ولذا فهو لا يصوم ويجعل نفسه قدوة لغيره من البسطاء مهلا مهلا أيها المسيحي المعتمد بالماء والمتقدس بالروح القدس قل لي لماذا تنكر الصوم وتزدرى به وأنت عارف بأن مخالفة آدم وحواء لوصية الصوم إنما هي التي جرت على الجنس البشرى هذا الشقاء الذى يعقبه الموت لعلك تنكر وصية الختان أيضا المعمول بها لدى جميع البشر بموجب الوصية الإلهية القديمة الصادرة لإبراهيم أب الآباء وهى " هذا هو عهدى الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن منكم كل ذكر ولعلك تحتج قائلا إنما لم تذكـــر ضمن الوصايا العشر أو لعلك تقول إنها وصية وقتية وانتهى أمرها بانتهاء زمانها فنقول لك أرجع بنا إلى قوله تعالى" فيكون عهدي في لحمكم عهدا أبديا " نعم أنه بختان المسيح قد بطل رسم الختان الحقيقي الذي كان الختان القديم رسما له ولكن هذا لا يدعو إلى القول بابطال الوصية كما أنه لا يصح أن يكون حجة للذين يعبدون بطونهم لان الانسان بجحده للشيطان وكل أعماله وقت العماد يختتن في غرلة الجسد أى تقطع عنه جميع الشهوات الجسدية وكل أباطيل العالم وبإعتماده بتغطيسه في الماء يدفن مع المسيح انسان الخطية القديم فيخرج المعتمد من جرن المعمودية مختتنا ختانا غير مصنوع بيد بشرية ومطهرا من كل خطية بنعمة المسيح إلهنا هذا هو الختان الحقيقى الذى كان الختان اليهودى رمزا له وهو ليس وقتيا كما يزعمون بل ثابتا إلى أخر الدهور كلها ها قد علمتم أن وصية الصوم كوصية الختان أما إذا كنت تريد معرفة السبب في عدم ذكر هاتين الوصيتين ضمن الوصايا العشر فإنما ذلك لأن هاتين الوصيتين كانتا قد تسلمتا قبل اعطاء الوصايا العشر أى أن الوصية الأولى الخاصة بالصوم أعطيت لآدم والثانية الخاصة بالختان أعطيت لإبراهيم وقــــد عمل بهاتين الوصيتين عند جميع طوائف الامم حتى الوثنين أيضا وليس اليهود وحدهم هم الذين كانوا يختتنون ويصومون كما يشهد بذلك صوم أهل نينوى وصوم كرنيليوس القائد الوثنى ولهذا السبب لم تذكر ضمن الوصايا العشر وجميع الانبياء تقريبا تكلموا على فضيلة الصوم وبالاخص زكريا النبي الذي أثبت أن الصوم كان في اوقات معينة ولم يكن موقتا كما يزعم البعض وهذا هو قول النبي " هكذا قال رب الجنود إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجا وفرحا وأعيادا طيبة " إن الصوم قديم جدا ومعمول به قبل المسيح بأجيال عديدة فإننا نرى في الكتاب المقدس أن موسى النبي صام اربعين يوما وأربعين ليلة والسيد المسيح لم ينقض الصوم بل ثبته بصومه هو نفسه أربعين يوما واربعين ليلة ثم وضع ترتيب الصوم موبخا المرائين اولئك الذين يتظاهرون أمام الناس بكثرة الصلوات والصوم كذبا والرسل ايضا كانوا يصومون كثيرا وفي أوقات محددة إذ يقول عنهم الكتاب: " لما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطرا إذ كان الصوم أيضا قد مضى جعل بولس ينذرهم " وبولس نفسه يقول " أهـــــم خــــدام المسيح. اقول كمختلى العقل فأنا أفضل في الاتعاب أكثر في الضربات أوفر في السجون أكثر في جوع وعطش في أصوام مررا كثيرة " فلا عذر أذن للذين لا يصومون بل ويزدرون بالصوم قائلين إنه من اختراعات البشر لانه قد ثبت مما تقدم أن الأمر به يتصل عهده بيدء تكوين الأنسان وأما انت ايها الحبيب يامن تهرب من الصوم خوفا على صحتك فأرجوك ان لا تنظر إلى ما هو تحت بل إلى ما هو فوق لان الله خلقك مستقيما فأمن فقط إيمانا وثيقا بذلك الذى قوى موسى بعد أن صام اربعين يوما واربعين ليلة على النزول من أعلى الجبل وعلى سحقه العجل الذهبي وتذريته في الماء وكن واثقا بذلك القادر على كل شئ الذى جعل إيليا النبى يمشى اربعين يوما واربعين ليلة ولم يأكل في تلك المدة سوى أكلة واحدة بسيطة جدا لانها مركبة من خبز وماء فقط فإذا وثقت تمام الوثوق بقدرة الله على منحك الصحة والعافية وكل ما تريده فلا شك أنه يعطيك جميع ذلك ويساعدك في كل عمل صالح فآمن يا أخى وسلم الامر لله على الصوم طائعا مختارا فإن قوة الغذاء وكل قوات الطبيعة هي تحت سلطان الله ونواميسها في يده يفعل بها كيفما شاء إن الصوم يفيد الجسد والنفس يفيد الجسد لأن الصوم الاربعيني يأتينا دائما في الوقت الذي تكثر فيه الحميات والامراض الصعبة بسبب غليان الدم مع بقية الاخلاط التي يؤثر الصوم عليها أكثر من سواه فيخمدها. أما فائدة النفس من الصوم فهي مصالحتها مع الله وتقربها اليه وهاك الدليل أن موسى بعد صومه طلب من الله ان يريه وجهه بقوله " إن كنت وجدت نعمة فأرني مجدك " وأما آدم فلمـــــا خالف واكل اختفى ولم يقدر أن يرى الله فسبيلنا ايها الاحباء أن يكون صومنا نقيا لا ان نصوم عن أكل لحم الحيوان ونأكل لحم اخينا الإنسان ولا ان ننقطع عن بعض المأكولات ونضبط أوراق الظلم على القريب ولا أن تمون معدتنا فارغة من الطعام وقلبنا مملوءا من كل حقد وبغضة وخصام ولا أن نصوم عن الخمر والزيت ونهضم حق الأجير ونشرب دم الفقير بل ليكن صومنا نقيا مقبولا لدى الله حتى لا يوجه الينا قوله تعالى بلسان أشعياء النبي " لا اختار مثل هذا الصوم " وإننا نتوسل إليه تعالى أن يجعل هذا الصوم مباركا عليكم وعلى جميع المسيحيين الارثوذكسيين وان يتقبل اتعابكم واصوامكم وصلواتكم وصدقاتكم وقرابينكم ويبلغكم إلى يوم الفصح المجيد والقيامة المقدسة ويغفر لكم خطاياكم برحمته ورأفته ويحفظكم لمثل هذا العام وإلى أعوام عديدة بالسلام والعافية في اجسادكم وأرواحكم وينجيكم من فخاخ العدو المناسب ويبارك زراعاتكم ومتاجركم وكل تصرفاتكم وان ينيح نفوس أمواتنا جميعا الذين رقدوا على الايمان القويم وان يؤهلنا جميعا لسماع صوته الفرح القائل " تعالوا يا مباركى ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. بشفاعة سيدتنا كلنا البتول الطاهرة مريم وجميــع مصاف الملائكة والشهداء والقديسين آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
16 فبراير 2025
انجيل قداس الأحد الثاني من شهر أمشير
تتضمن وجوب القاء الرجاء على الله دون سواه مرتبة على فصل اشباع الخمسة الاف رجل من الخمسة أرغفة والسمكتين( يو ٦ : ٥-١٤ )
إن السيد المسيح له المجد لما سمع بقطع رأس يوحنا المعمدان ترك أورشليم وأتى إلى برية قريبة من بيت صيدا ليستريح مع تلاميذه انفراد فتبعته جموع كثيرة فتحنن عليهم وعلمهم ثم شفى مرضاهم بدون أن يطلب منه ذلك ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين "الموضع خلاء والوقت قد مضى اصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما فقال لهم يسوع لا حاجة لهم ان يمضوا أعطوهم أنتم ليأكلوا وصنع لهم هذه الآية العظيمة التي سمعتم خبرها بفصل اليوم فأكل نحو أكثر من خمسة آلاف رجل ماعدا النساء والاولاد وشبعوا ورفع ما فضل عنهم اثنتا عشرة قفة مملوءة وذلك من خمسة أرغفة وسمكتين وهي أعجوبة عظيمة وبرهان مقنع على تحنن فادينا وباعث قوى لاحياء الثقة التامة داخل قلوب البشر وإلقاء رجائهم على الله دون سواء فالرجاء ينشأ مع نشوء الانسان وهو طبيعي في قلوب البشر الرجاء هو تعزية المريض أثناء مرضه لانه يأمل الشفاء العاجل تجد الرجاء في القلب النوتي عند مصادفة أهوال البحار فإنه يعلل نفسه بالرجاء لنجاته من الغرق فلولا الرجاء لما زرع زارع أرضا ولا صنع صانع شيئا لان كل الأشياء إنما تعمل على يقين الرجاء فالرجاء هو الذي جعل هاتيك الجموع الكثيرة تمضى وراء السيد بدون زاد لانهم عرفوا أن القادر على شفائهم عن أمرضهم قادر أيضا على اشباعهم خبزا الرجاء هو تعزية الانسان في عالم الاتعاب والاحزان وقد خلقه الله فينا ليكون هو جلت قدرته موضوع رجائنا غير أن فريقا من الناس يلقون رجاءهم على الناس والاموال وما اشبه ذلك فاسمع توبيخاته تعالى لامثال هؤلاء قال: "ماذا يصنع أيضل لكرمى وأنا لم أصنعه له وقال: "يا أورشليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمــــة المرسلين اليها كم مرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا وقال أيضا: "ربيت" بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على" وقال أيضا: بسطت يدى طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره وقال أيضا: "ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشــــر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه
هذا بعض من أقواله تعالى فلماذا لا نثق بها ونضع رجاءنا عليه ونذوق عذوبة خدمته قبل ان نذوق خدمة العالم ؟ لاسيما وهو يقول لنا بلسان نبيه داود ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب طوبى للرجل المتوكل عليه وإلا فقولوا لى بحقكم أى شئ لم يصنعه لنا إلهنا ليستميل قلوبنا إليه وها هو يتراءف على البشر بكل هيئة ويخاطبهم بأنواع كثيرة أحيانا كمبشر يبشر المساكين في كل مدينة ويلقى الصلح والسلام وأحيانا كسامري يعزى الحزاني ويشفى المرضى ويسكن الامواج ويهدئ العواصف وتارة كراع إذا وجد خروفا ضالا حمله على أكتافه وقال لاصدقائه افرحوا معى لانى وجدت خروفي الضال وتارة كأب شفوق يعانق أولاده ويباركهم قائلا: "دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات" فما بالنا نترك إلهنا الشفوق علينا ونلقى رجاءنا على بشر مثلنا مائتين مع علمنا اننا بفقدهم نفقد حمايتهم أيضا فتضيع علينا مصالحنا وربما يصيبنا أذى من أعدائهم بسبب انتسابنا اليهم وما الذى يمنعنا من استدراك خطايانا والعودة إلى صوابنا فنلقى رجاءنا على إلهنا ونتكل عليه دون سواه عملا بقوله تعالى"لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده و طوبى لمن إله يعقوب معينه ورجاؤه على الرب إلهه" ولنعد على اسماعكم ذكر بعض الحوادث لتعلموا أن إلهنا رؤوف ورحيم بعباده المتكلين عليه وفى كل حين يعينهم ويجيب طلبتهم قال الكتاب المقدس: مرض حزقيا ملك أورشليم للموت فجاء اليه اشعياء النبى وقال له هكذا قال الرب أوص بيتك لانك تموت ولا تعيش فوجه وجهه إلى الحائط وصلى إلى الرب قائلا: آه يا رب أذكر كيف سرت أمامك بالامانة وبقلب سليم وفعلت الحسن في عينيك وبكى حزقيا بكاء عظيما ولم يخرج إشعياء إلى المدينة الوسطى حتى كان كلام الرب إليه قائلا أرجع وقل لحزقيا رئيس شعبى هكذا قال الرب إله داود أبيك قد سمعت صلاتك قد رأيت دموعك هأنذا أشفيك في اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة وأنقذك من يد ملك أشور مع هذه المدينة وأحامى عن هذه المدينة من أجل نفسى ومن أجل داود عبدى فها قد أثبتنا اليكم أيها الاحباء من موسى والانبياء وأخبار الملوك وجوب القاء الرجاء على الله دون سواه فسبيلنا أذن أن نتواضع تحت يده القوية لكى يرفعنا في حينه. ملقين كل همنا عليه لأنه هو يعتنى بنا لأننا بدونه لا نقدر أن نفعل شيئا ) ولنتمسك بإقرار الرجاء الموضوع أمامنا كمرساة أمينة للنفس وثابتة تدخل إلى ما دخل الحجاب غير حائدين عن اعتراف رجائنا فإن الذي وعد هو أمين له المجد والاكرام والعزة والسجود إلى الأبد أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
09 فبراير 2025
انجيل قداس الأحد الأول من شهر أمشير
تتضمن الحث على الصدقة مرتبة على قوله بفصلى
انجيل اليوم "الحق الحق أقول لكم أنتم الآن تطلبوني ليس لأنكم رأيتم آيات بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم " ( يو ٦ : ٢٢ - ٣٩ )
يجب علينا أن نقدم الاهتمام بالأمور الروحانية على طلب الامور الجسدانية الضرورية وأن نلازم المسيح لا لنلتمس منه المحسوسات الأرضية كاليهود بل لنطلب منه نعيم الملكوت لأنه إذا كان قد قال لأولئك مبكتا لهم مع أن مواعيدهم كانت جسدانية انكم لا تطلبونني لنظركم الآيات بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم فماذا عساه أن يقول للمؤمنين؟
وإذا طان الطالبون للطعام البائد قد تركوا المدن والقرى والصنائع والمنازل وتبعوه في القفر فبأى مقدار يجب علينا نحن أن نبتعد عن الأمور الجسدانية لنحصل الباقيات ثم بعد ذلك نقدم الاهتمام للضروريات الوقتية فإن قلت إذا كان لانسان مال وقنايا كثيرة وحقول وزراعات وغير ذلك ولكن ليس له صناعة يتعيش منها أفما يدبر والحالة هذه أمور قناياه كما ينبغى؟ أقول لك أنه ينبغى أن يكون شبيهاً بأيوب الصديق الذى كان يستعمل أمواله ويصرفها في المفيد غير مغتبط بوجودها ولا مغموماً على فقدها وإذا كان المتيسر بالمال يعلم أن في العالم صنائع كثيرة وهو لا يحسن أن يكون صانعا للذهب ولا للفضة ولا للنحاس ولا للحديد ولا نساجاً ولا نجاراً ولا غير ذلك من أمثال هذه الصنائع فأنا الآن اقدم له صناعة أشرف من هذه الصنائع كلها فإن قال وما هـــــي الصناعة الجميلة الوصف؟ قلت أن يستعمل قناياه كما ينبغى وهو أن يعطى المقلين ويقرض المعسرين ويرحم البائسين ويتراءف على المساكين ويفعل جميع ما يجب عمله على المتيسرين فإنه بهذه يفوق سائر أرباب الصنائع لأن حوانيت أولئك في الأرض أما هو فحانوته في السماء أولئك يقتدون بالبشر في صنائعهم وهذا يقتدى بخالقه اولئك يحتاجون إلى آلات من نحاس وحديد وخشب وحجارة وغير ذلك لتدبير صنائعهم وهذا غنى عن جميع الآلات أولئك يحتاجون إلى وقت في تعليمهم وإلى جوائز للمعلمين وهذا يوجد بغير تعب وفى الوقت الحاضر ويأخذ الاجرة من المرشدين أولئك غاياتهم الفساد والهلاك اما هو فغايته التمتع بالخيرات السمائية وحصول النعم الروحانية والإختلاط بالزمر الملائكية والإستضاءة بالأنوار الإلهية والتصرف مع الختن في الأمجاد الابدية وإذا كان هذا علو شرف صاحب هذه الصناعة على الصنائع الضرورية في قوام الحياة فما قولك في الصنائع الاخرى المستعملة للمترفهين والمتنعمين والبذخين والمهملين لذواتهم كالذين يصنعون الحلل الملونة والثياب المنقوشة والذين يصورون الحيطان ويدهنون الخشب والذين يصنعون الاصناف المنقوشة بالحرير والذين يتناهون فى عمل أوانى الشراب وآلات اللهو والطرب وأمثال هذه التي لا ينبغى أن تسمى صنائع بل ينبغى أن تسمى اسبابا للفساد والبوار لأن المستعملين لها يحسبونها من الخطايا الصغار إلا أنها أسباب لكبائر كثيرة وإذا كان بولس الرسول يصرخ هكذا نحو النساء بأن تكون زينتهن لا بضفائر الشعر ولا بالجواهر ولا بحلى الفضة والذهب ولا بالثياب المرتفعة الثمن بل بخشية الله كما كانت النساء الطاهرات قديماً فماذا عساه يقول للرجال؟ وبماذا يقول لك أنت أيها اللابس الثياب المنقوشة المختلفة الألوان والاشكال المتحلى بخواتم الذهب والمتخذ الاخفاف المخروزة بالحرير والناظر إلى علو الاسرة ونقوش الفراش وتزيين الحيطان بصور الحيوانات والطيور المصنوعة من الخزف والشمع وغير ذلك وإذا كان الرجال لا يأنفون من التشبه بالنساء في اتخاذ الآلات المنقوشة فأولادهم ماذا عساهم أن يصنعوا ؟
وإذا كنت ياهذا إلى الان مغرما بألوان الازهار ونضارة الشجر ونقوش الحلل وزخرفة الثياب وسماع الملهين والمطربين فمتى تكون عاقلا؟ومتى تطلب زينة الباقيات؟ ومتى تشتاق إلى نعيم الملكوت؟
وإذا كانت قلوبنا معلقة بهذه الخسائس فكيف نضجر من عقاب ربنا إذا أيقظنا بالتأديبات اليسيرة كالامراض والمتاعب وتعذر المكاسب وقيام الظالمين وكيف لا نكون مستحقين للغلاء والوباء والتجارب والضيقات ونحن نبصر إخوة المسيح مطروحين في زوايا الشوارع جياعاً عراة عطاشى حزاني ونحن ننفق أموالنا فى الامور الضارة وننعم بها على الملهين والمضحكين ونحجبها عن المستحقين وإذا كنا إلى الآن نتعلق بالأمور الوضيعة فمتى ننظر إلى السموات؟ ومتى نتفرس في حسن صور المبدعات ؟
وإذا تعجبنا من أشكال الحيوانات المهندمة ومن الاحجار والخشب وغير ذلك فلم لا نتعجب من إبداع الخلائق وترتيب الافلاك وأشكال الكواكب ونظام الموجودات وإخراج الارض للمياه من العدم وإخراج جميع الحيوانات والنباتات من الأرض والماء ونسبح خالقها بلا فتور ؟
وإذا كنا إلى الآن نتخذ مثل هذه الثياب المنقوشة ونمدح اللابسين لها والمقتدرين عليها ونستنقص المقصرين والعاجزين عن إتخاذ نظائرها فكيف لا نحسب مع التائهين؟ لاننا بذلك نكون سبباً لان يبيع الاحداث والشابات من الرجال والنساء حسنهم وجمالهم لاقوام آخرين ليجودوا عليهم بما يقتنون به مثل هذه الثياب وهذه الآلات الفانية بل ويتطفلون عليهم ويصيرون عندهم بمنزلة العبيد والخدم وإذا كنا قد وجدنا هذه الامور سبباً لفساد المؤمنين هكذا فكم عقوبة يعدها لنا ربنا ؟
وإذا كان بعض الرجال يأخذون على نفوسهم تعليم الجيوانات وتأديبها كالذين يهذبون الوحوش والطيور وغير ذلك ويكلفون غير الناطقين التشبه بالناطقين فيعلمون الفيلة السجود لملوكهم والطيور تنطق باللغات، والقرود ترقص على ضروب مختلفة فلم لا نعتنى نحن بتعليم المؤمنين؟ وإذا كنا لا نعتنى بتهذيبهم فعلى الاقل لا نكون سبياً لهلاكهم وإذا كنا نعتنى بتنظيف ثيابنا واصلاح منازلنا فكيف نهمل نفوسنا ملطخة بهذه الأوحال مبتعدة عن مواطن الحياة وكيف لا نعلم أن النفوس المهملة من الفضائل هي كالاراضي المهملة من الزراعات المعدة لان الشوك ينبت فيها من هنا والحسك من هناك وتكون مكامناً للوحوش والافاعي ومرانعاً للشياطين
فسبيلنا إذن أن نبتعد عن الفانيات ونهرب من التنازل مع الشهوات ونتيقظ لعمل الصالحات. ونستعد للمواعيد السموية لنفوز بنعمة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى أبد الابدين أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
02 فبراير 2025
انجيل قداس الأحد الرابع من شهر طوبة
تتضمن البحث في العقاب الزمني للخطاة مرتبة على فصل إنجيل تفتيح عيني المولود من بطن أمه أعمى.
( يو ٩ : ١-٤١ )
بينما كان السيد مجتازا فى الطريق رأى انسانا مولودا من بطن أمه أعمى فسأله تلاميذه قائلين " يا معلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى فأجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا ابواه لكن لتظهر أعمال الله فيه " إن هذه المسألة عسرة الفهم جدا لأنه إذا كان هذا الإنسان قد ولد من بطن
أمه أعمى فأين ومتى أخطأ؟ أفى البطن وقبل أن يولد ؟إن في هذا عجبا لأنه قبل أن يولد لم يكن في الوجود حتى يقال إنه ولد أعمى قصاصا له على خطيته وبالتالي لم يكن ممكنا أن يخطئ وقول البشير أيضا " أم أبواه " لا يصح صدوره عن الرسل إن لم يكن هناك سبب آخر لأنهم يعرفون الكتاب المقدس القائل إن الله إن هذه المسألة عسرة الفهم جدا لأنه إذا كان هذا الإنسان قد ولد من بطن أمه أعمى فأين ومتى أخطأ ؟ أفى البطن وقبل أن يولد؟ إن في هذا عجباً لأنه قبلى أن يولد لم يكن في الوجود حتى يقال إنه ولد أعمى قصاصاً له على خطيته وبالتالي لم يكن ممكناً أن يخطئ وقول البشير أيضاً " أم أبواه " لا يصلح صدوره عن الرسل إن لم يكن هناك سبب آخر لأنهم يعرفون الكتاب المقدس القائل أن الله لا يعاقب الابن بخطأ أبيه كما يظهر من قول حزقيال النبي " النفس التي تخطئ هي تموت أيكون السبب إذن الذى جعل الرسل أن يلقوا هذا السؤال " من أخطأ هذا أم أبواه " ذلك المثل الدارج بين اليهود : " الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الابناء ضرست كلا ليس هذا هو السبب لأن الله قد أثبت بقسم أنهم لا يرون اتمامه بالفعل إذ قال بواسطة حزقيال النبي " حى أنا يقول السيد الرب لا يكون لكم من بعد أن تضربوا هذا المثل في اسرائيل " وإنما السبب في ذلك عقيدة التناسخ التي كانت سائدة بين اليهود في ذلك الحين فظن التلاميذ السائلون وهم من اليهود أن هذا الأعمى كان صحيح العينين عند ولادته الأولى وأخطأ في جسده الأول ولما ولد ثانية عوقب بالعمى ليتطهر من خطاياه السابقة وهذا الظن ألجأهم لأن يسألوا معلمهم قائلين " من أخطأ هذا أم أبواه " فأجابهم بقوله " لا هذا أخطأ ولا أبواه " فأبطل بهذا ظنهم الذى كان قد خامرهم وقوض أركان الرأى الخاطئ الذي كان سائداً بين اليهود وهو عقيدة التناسخ وقد ظهرت أعمال الله في هذا الأعمى بتحويل ظلام عينيه إلى نور بواسطة الطين والتفل وعلى ذكر هذا الإشكال الذى عرض للتلاميذ بخصوص المولود من بطن أمه أعمى نبحث في التجارب وأنواعها فنقول إنها تكون لتمجيد الله كما سمعتم بفصل انجيل هذا اليوم للقصاص المادى الزمني كما حدث للانسان الزاني الذي أمر بولس الرسول بتسليمه للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص النفس يوم الرب يسوع للخلاص من شر الكبرياء كما قال بولس الرســـــول عــــن نفسه أنه أعطى في جسده ملاك الشيطان ليلطمه فسأل الرب من أجله ليفارقه فقال له " تكفيك نعمتى لان قوتي في الضعف تكمل " للتجربة كما حدث لأيوب البار هذه أنواع التجارب ويعترض البعض على وجود أبرار معاقبين وخطاة يرقدون بسلام ونسى أو تناسى أن أحكام الله لجة عظيمة وانها بعيدة عن الفحص والاستقصاء لأن من يقدر أن يعرف أفكار الرب أو من صار له مشيراً نعم يوجد خطاة قد عوقبوا كقايين وفرعون و شاول و آخاب
ونبوخذ نصر وغيرهم كثيرون ويوجد خطاة آخرون عاشوا في سعة ورقدوا وعمرى وغيرهم كثيرون وذلك لأنه لو عاقب الله بسلام كرحبعام وأبيا جميع الخطاة في هذا العالم لصارت الفضيلة أمراً اضطرارياً وخوفاً من العقاب الحسى الزمني وليس حباً في الصلاح ولا لأجل الحظوى بالملكوت الأبدى إذ لا يكون ثواباً للفضيلة وحينئذاك يكون خضوع الإنسان للناموس كخضوع الفرس للجام وتكون الدينونة العامة غير لازمة فيبطل القول بخلود النفس ويعكف الاشرار على شرب كأس الخطية ولا شرب الماء وفى هذا إنكار لعناية الله تعالى وبما أننا نؤمن بعدل الله فمتى شاهدنا بعض الخطاة غير معاقبين في هذا العالم فأنه يجب علينا أن نتأكد بوجود حياة أخرى مستقبلة وأنه سيأتي يوم فيه يعاقب الله الخطاة الذين رقدوا بدون عقاب أما معاقبته للبعض في هذه الدنيا فإنما هو لكي يقمع ذوى الشر والفساد ويرهبهم ولكى يظهر اعتناءه بالبشر وبأعمالهم غير أن البعض ارتأى ان الله يعاقب في هذه الدنيا أولئك الذين قد بغضهم لكثرة خطاياهم ويترك أولئك الذين أخطأوا خطايا صغيرة وهذا الرأى غير صحيح، لأن الكتاب يقول من أجل الخطاة المعاقبين في هذه الدنيا أن " الذي يحبه " الرب يؤدبه وكأب بأبن يسر به " ويقول من أجل الخطاة غير المعاقبين في هذه الدنيا : " لا أعاقب بناتكم لانهن يزنين ولا كناتكم لأنهن يفسقن لأنهم يعتزلون مع الزانيات ويذبحون مع الناذرات الزني وشعب لا يعقل يصرع " فمن هذا ايها الاحباء نعلم أن الله يؤدب ذوى الخطايا الصغيرة لأنه يحبهم ولكي يجذبهم اليه بواسطة التوبة أما ذوى الخطايا الثقيلة فأنه يتركهم ويحفظهم ليوم السوء والأبرار أيضاً قد يطرأ عليهم ما يطرأ على الاشرار فإننا نرى في الكتاب ودانيال مشرفاً من من هو مشرف وموفق في هذه الدنيا ومنهم من هو محتقر ومضطهد ومضطهد. كيوسف مثلا نراه راكباً مركبة ملوكية وأيوب مطروحا على المزبلة وداود جالسا على كرسى الملك و وإرميا ملقى في جب الحمأة نبوخذ نصر وميخا مضروبا من صدقيا فإن قلت ولماذا هذا ؟ أجبتك بأن الله قد جعل بعض الأبرار مشرفين لكى يراهم الناس فيكرموا الفضيلة ويجتهدوا في اقتنائها وجعل البعض الآخر محتقراً ليمتحن شجاعتهم ولكي يضئ نور فضيلتهم في هذا العالم فيتعظم اسمه القدوس كان الله في العهد القديم يعاقب الخاطئ أثر ارتكابه الخطية ومن ذلك أن رجلا قطع حطبا في يوم السبت فأمر بقتله بالحجارة فقتل وكم من الناس لا يجمعون حطبا يوم السبت فقط، بل يصرفون في كل أيام الاعياد في محال الخمور والفجور ومع ذلك لا يرجمون ولا يقتلون إن مريم وهرون تكلما على موسى لاتخاذه أمراة حبشية قائلين " هل كلم الرب موسى وحده ألم يكلمنا نحن أيضاً وفى الحال صارت برصاء وكـــــم من الناس يسعون لضرر غيرهم بالوشاية والنميمة ومع ذلك لا يسهم البرص إن عزة مد يده إلى تابوت الرب فجرح ومات لدى التابوت وكـــــم مــــن المسيحين في هذه الايام يتجاسرون ويمدون أيديهم إلى الاسرار الالهية بدون استحقاق ومع ذلك لا يجرحون ولا يموتون إن كثيرين يحسدون ويطمعون ويكذبون ويفعلون شروراً متنوعة ومع كل ذلك لا يعاقبون كأولئك فلماذا هذا يا ترى ؟
الجواب إن الله جل وعز قد عاقب البشر بأنواع كثيرة على سبيل العبرة والمثال لكي يبين للناس أنه ينتقم من الخطية ويؤدب الخطاة كما يقول الرسول"كلى تعد ومعصية نال مجازاة عادلة " ولاجل هذا تراه في هذه الايام يطيل أناته فلا يؤدب الجميع أثر أرتكاب الخطية في هذه الحياة وذلك حتى تبقى إرادة الانسان حرة فيعمل الفضيلة بالرضاء والاختيار وإلا فالقصاص سوف ينتظره فسبيلنا أيها الأحباء أن نحزن ونذرف الدموع على خطايانا مقدمين فروض التوبة والندامة معترفين حتى بما نظنه صغيراً كالحقد والحسد والنميمة وما أشبه ذلك لنحظى بما وعدنا به ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذى له المجد إلى الابد أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
26 يناير 2025
انجيل قداس الأحد الثالث من شهر طوبة
تتضمن ذم رذيلة الحسد مرتبة على قول تلاميذ يوحنا المعمدان له بفصل انجيل اليوم "يا معلم هوذا الذى كان معك في معبر الأردن الذى أنت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون إليه فقال لهم أنتم أنفسكم تشهدون لى أنى قلت لست أنا المسيح بل اني مرسل امامه ينبغى أن ذلك يزيدةوأنى أنا أنقص " ( يو ٣ : ٢٢ - ٣٦ )
إن تلاميذ يوحنا لما رأوا أقبال الناس على المسيح لنوال معموديتة. تباحثوا مع بعض اليهود المتتلمذين للمسيح قائلين " هل معمودية المسيح أفضل من معمودية يوحنا أو بالعكس وأيهما أوفر قداسة وتطهيرا ؟ وذلك لخوفهم على مركز معلمهم ولحرصهم على شرفه وغيرة منهم جاءوا إليه وقالوا له " يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الأردن الذى أنت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون اليه " أملين أنه يمنعه من أن يعمد فأجابهم يوحنا مذللا عجرفتهم ومؤيدا ما كان قد قاله قبلا " لا يقدر انسان أن يأخذ شيئا إن لم يكن قد أعطى من السماء " أي أن يسوع قد أعطى ذلك من الله وأنا يكفيني أن الله أعطاني أن اكون سابقا له ومعدا طريقه وأني اسر واريد أن أحيا وأموت كذلك فلا تظنوا أنى أحسده ألا تعلمون هذا وأنتم أنفسكم تشهدون لى أني قلت لكم أنى لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه لأعـــــد الناس لسماع إنذاره وأعلمهم الاعتقاد به و" ينبغى أن ذلك يزيد وأني أنا انقص " أي يجب أن يعظم قدر المسيح بتقاطر الناس إليه وبشهرته وتعليمه وسلطته وكثرة عجائبه وعلو مجده ليعلم العالم أنه المسيح فيحبه ويتبعه ويعبده أما أنا فينبغي لــــي أن أنقص إذ يعرف العالم أنى خادم وسابق له كنجمة الصبح التي يأخذ ضوءها بالانتقاص كلما زاد بزوغ الشمس فإن قلت وما الذى دفع تلاميذ يوحنا لأن يقولوا له " هوذا الذي كان معك يعمد والجميع يأتون اليه " أجبتك إنما هو الغيرة أو هو الحسد إذن لا توجد خطية تفرق الإنسان من الله والناس مثل خطية الحسد لأن هذا المرض هو أشد خبثا من محبة الفضة لكون محب الفضة يفرح متى ربح شيئاً أما الحسود فيفرح متى خسر أحد شيئا أو ضاع تعبه سدى ويحسب عسر الغير وخسرانهم ربحا له فهل يوجد أشر من هذا؟
انظر كيف أن الحسود يهمل شروره وببحث عن شرور الآخرين ؟ولا يحصل له من ذلك غير التحرق والاضطراب ويحرم ذاته من ذاك التعيم الشهى في الفردوس و مالي أقول الفردوس فإنه في هذا العالم أيضاً لا يحصل له خير ولا نعيم وكما أن الأرضه تأكل الخشب والعث يفسد الصوف هكذا الحسد فإنه يذيب عظام الحسودين ونفوسهم ويفنيها معاً أولئك الذين هم أشر من الوحوش وأخبث من الأبالسة لأن غضب الوحوش يكون إما من احتياجهم للغذاء أو من اضطرابهم وقلقهم منا لكن الحسودين إن أحسن اليهم أحد يكون كأنه ظلمهم أما الأبالسة فإنهم يكونون أعداء ألداء شديدي الخضومة نحو أبناء البشر ولكنهم مع امثالهم وشركائهم لهم محبة مفرطة وذلك بخلاف الحسودين فإنهم يهربون من مكالمة أهل طبيعتهم وبالأكثر انهم لا يحبون خلاصهم فلهذا وغيره أقول لكم إنه ولو كان أحدنا يصنع الآيات والعجائب أو يكون حافظاً للبتولية أو كثير الصوم او يكون باسطاً كفيه بالرحمة، أو ينام على الحضيض أو غير ذلك مما يوصله إلى فضيلة الملائكة وكانت فيه ألام الحسد فهذا لا محالة يكون أشر جميع الخطاة لأننا إذا كنا نحب من يحبنا وليس لنا أجر أكثر من الأمم فكيف إذن يكون حال من يبغض الذى يحبه ويحسده؟ وأين يكون مستقره ؟. غير ممكن أن تتواتر الأخبار عن أحد يأنه شرير ما لم يسبب هو بذاته تلك الاسباب لأن كثيرين من هؤلاء يسقطون فى اليأس فنمتلئ نفوسهم اكتئابا وتمزقهم أسواط غيظهم وألمهم وكلما محسودهم زادت غصتهم ونسوا ماهم فيه من النعمة واسباب الهناء وتشاغلوا في ذكر ألاء محسودهم ثم عادوا يستكبرونها ويتألمون منها كانها نصال حادة تجرح فؤادهم فيبيتون والأرق مصاحبهم ويصبحون والأسى ملازمهم كل ذلك والحسود في دعة من العيش لا يشعر بشئ من هذه الألام فما أعدل الحسد لأنه يقتل الحسود قبل أن يصل إلى المحسود فاستيقظ أذن أيها الحسود من نومك وانتبه إلى ما صرت اليه فإن الحسد قد جعلك تسر بضرر أخيك بالطبيعة وتحزن لحصوله على الخير بهذا قد جردت نفسك من الانسانية وصرت شبيها بالخنافس التي تضرها رياح الورد وتنعشها روائح المزابل وإلا فقل لى إذا كنت قد ظلمت من أولئك فلماذا تظلم أنت نفسك أيضا! اما تعلم أن من جازى شرا بشر ففى ذاته يجوز السيف فإن أثرت انتفاع نفسك والإحسان إلى ذاتك فقل للذي ظلمك إنك وإن تكلمت على شرا فانا لا اعتقد أنك عدو لي ولا تتكلم على أحد بالردى أبدا لئلا تدنس ذاتك وتهلك نفسك إن الحسد أرسل هابيل سريعا من غير اختياره ليمثل بين يدي الله عندما
قتله قايين أخوه ما الذى أضر بيعقوب حينما حسده أخوه عيسو لقد كان يعقوب ممتلئا من الخيرات أما عيسو فقد كان مطرودا من وطنه يجول البلاد الغريبة ولم يصحبه سوى الحسد وما الذي استطاع أن يفعله أولاد يعقوب بيوسف المحسود منهم وقد وصلوا إلى سفك الدم أليس أنهم كادوا يموتون جوعا وقد أصابتهم كل مصيبة أما يوسف فقد صار ملكا متسلطا على مصر وكل تخومها؟ إلا تعلم أيها الحسود انك بمقدار ما تحسد أخاك الانسان تسبب له خيرات جزيلة وتعد لنفسك عقابا مؤلما مع الشيطان مدبرك لأن الله فاحص القلوب والكلى ينظر أفعالنا جميعا سواء كانت شريرة أم صالحة فإذا رأى المظلوم صابرا شاكرا ضاعف له الاحسان أكثر من الأخرين وعاقب الظالمين بزيادة وإذا كان عقابه يعم البخلاء والقساة فكم بالحرى يكون عقابة للحسودين؟
وإن كنت تحب من يحبك فأى فضل لك؟ إذ ان العشارين والخطاة يصنعون مثل ذلك وإن أبغضت من يحبك فأى عفو أو غفران يحصل لك؟ لا عفو ولا غفران لك لأنك تحزن لأجل الخير الواصل لأخيك وقد كان يجب عليك أن
تحزن على الذين يصيبهم شر لا على الذين يحصل لهم الخير فيا للعجب !!! لإن الزاني يتورط فى الخطا طمعا في لذة جزئية والسارق يستند على الحاجة والفقر فأى عذر لك تقدمه أيها الحسود؟ لا شئ بل إنما هو
مضرة وشر عظيم إن الشيطان لا يحسد الشيطان بل يحسد الناس فقط أمام الانسان فأنه يحسد الانسان فالحسد إذن خطية عظيمة وهو يؤول غالبا لخير المحسود ولنور لكم ما يثبت ذلك:- ١- خبر قتل قايين لهابيل أخيه الوارد ذكره في الاصحاح الرابع من سفر التكوين. ٢- خبر يوسف الذى كان أبوه يعقوب يحبه أكثر من جميع أخوته ولذلك حسدوه وأبغضوه حتى أنهم ما كانوا يكلمونه ولا بكلمة السلام ثم طرحوه في بئر لا ماء فيها فأخذته قافلة الاسماعيليين وباعته لخصى فرعون فنال حظوة فى عينى سيده وبالاجمال اتصل خبره بفرعون فجعله سيدا على كل أرض مصر وجاء أخوته وسجدوا له وهم لا يعرفون. ٣- خبر شاول الذى لما سمع بنات اسرائيل يغنين لداود لدى رجوعه من قتل جليات الجبار قائلا: " قتل شاول ألوفه وداود الربوات " غضب وأضمر له شرا من ذلك الحين ولكنه لم يصبه بشر لأن الله كان معه وأخيرا مات شاول وجلس داود على أريكة الملك عوضا عنه.وغير هذا كثير من الحوادث التي تنبئنا بأن الحسود لا يسود أبدا ولا ينال من حسده لغيره سوى الاضطراب الدائم والحزن الشديد ثم الموت مغبوطا عليه في الدنيا والآخرة فسبيلنا أيها الاحباء أن نقاتل هذه الرذيلة بالتواضع ومحبة القريب والابتهال اليه تعالى بتواتر أن يقلع جذور خطية الحسد من قلوبنا حتى تنجو نفوسنا من شرها له المجد إلى أخر الدهور كلها أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
12 يناير 2025
انجيل قداس الأحد الأول من شهر طوبة
تتضمن مدح أهل مصر ورهباتها مرتبة على قول الملاك ليوسف في الحلم بفصل اليوم قم وخذ الصبى وأمه وأهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ( مت ٢ : ۱۳-۲۳ )
يا أحبائي إن مصر لما قبلت سيدنا يسوع المسيح سائرا إليها أولا فقد أصبح ملك المسيح فيها مشرقا وتعليمه بها لامعا وذلك السحر الذي كان ثابتا فيها وصادرا عنها مبطلا وتهاونت بحكمائها الأولين وبكتبهم وطلاسمهم وسارت تتشرف بالخيمي والعشار والصيادين وتتلوا نهارا وليلا رسائلهم وبشائرهم ويصدروا في كل جهاتها صليب سيدهم وهذا لم يوجد في مدنها وقرأها فقط بل وفي براريها وجبالها بالأكثر فأنه قد صار براريها ربوات ملائكة في أشكال إنسانية وجيش مسيحي وقطيع ملكوتي ومذهب القوات العلوية وهذا موجود في بلاد مصر ليس من الرجال فقط بل من النساء أيضا فليست السماء بهية بنجومها وافلاكها مثل بهاء برية مصر برهبانها ومساكنهم فى جميع جهاتها وبهذا يعرف قوة الشريعة المسيحية كلا من كان قد عرف حال مصر قديما بل أن أثار كفرها وجنونها تدل على ما بطل منها من ذلك كما أن أجتهادهم الآن في عيشتهم الروحانية وفلسفتهم فى سيرتهم السمائية تدل على ايمانهم القوى واملهم العلوى لأنهم تجردوا من قناياهم كلها وصلبوا انفسهم عن العالم كله وكدوا في أعمال الجسد لتكون لهم كفاية للقيام بطعام المحتاجين وعندما صاموا نهارهم وسهروا ليلهم يطلبوا البطالة بل قطعوا لياليهم بالتسبيح وصرفوا كل ايامهم في الصلوات وفي عمل أيديهم متشبهين في ذلك ببولس الرسول أفما نخجل نحن يا أحبائى الموسرين منا والمفترين من كون أولئك الزاهدين لما لم يمتلكوا شيئا سوى أعضاء بدنهم أجتهدوا أن يجدوا من هى الجهة عونا للمحتاجين ونحن لا نسعف المتضايقين ولو بفضلة مما هو مخزون في منازلنا لقد كان اولئك المصريون أسرع مبادرة من غيرهم إلى غيظهم وأشد الناس كلهم مثابرة على لذة جسمهم وهذه لما أعتادها اليهود عندهم صاروا يتذكرونها ويطلبونها حين مفارقتهم وارتحالهم عنهم إلا انهم لم تسلموا نار المسيح باشارهم صاروا في الامور الروحانية كما كانوا في الأمور الجسدانية وانتقلوا من الأرض إلى السماء وتركوا السيرة البهيمية الشيطانية وتشبهوا بالسير الملائكية ومن ذهب إلى مصر يعرف بالمشاهدة صحة ما قلناه ومن لم يمضى فليتفطن في حال السعيد انطونيوس الذي فرعته مصر بعد الرسل الباقى إلى ألان في أفواه المؤمنين كلهم الذي لم يندر من كونه في البلد الذى كان فيه فرعون لكنه اصبح اهلا للمناظر الإلهية وأظهر المذهب الذى تقصده شريعة المسيح والكتاب المدونة فيه سيرته يوضح ذلك ويتضمن ما ينبئ به من المضرة الكائنة من سقم أريوس فهذا الفاضل ( القديس انطونيوس )وأمثاله برهبان يشهد لنا بفضل شريعتنا. إذ لا يوجد أحد من الخارجين عن ديننا بهذه الصفات وأنا اسالكم أن تتصفحوا كتاب هذا القديس لتتعلموا فلسفته وان تجتهدوا بأن تماثلوه في اجتهاده. فقد علمتم أنه لا جودة البلد ولا فضل الأباء ولا رداعته وخستهم يمنعنا إذا شئنا التفلسف أو يوجبه علينا فأبراهيم كان ابوه كافراً ولم ! ولم يوجب له هذا تجاوز الشريعة. والثلاثة فتية كانوا في بابل. وكان طعام ملكها بقدم لهم. ولم يمنعهم هذا من تمسكهم بفلسفتهم وأظهارهم لها. ويوسف كان في وسط مصر في زمن جنونها لكنه تكلل بعفته. وقد تربى موسى أيضاً فى مصر حين تمردها. وبولس ورسل ربنا بشروا المسكونة وما حصل لواحد منهم تأخير في سعي فضيلته فسبيلنا يا أحبائى أن ندافع المدافعات ونمارس المجاهدات لنتمتع بالنعم الدهرية بمعونة ربنا والهنا يسوع المسيح الذى له التسبيح والقدرة والجبروت والمجد دائماً أبدياً أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
05 يناير 2025
انجيل قداس الأحد الرابع من شهر كيهك
تتضمن ميلاد يوحنا المعمدان ثم نتأمل في رحمة الله مرتبة على قول البشير بفصل اليوم "وأما اليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابنا وسمع جيرانها واقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها ( لو ١ : ٤٧ - ٨٠ )أيها الأحباء يخبرنا البشير بفصل انجيل هذا اليوم عن ميلاد طفل عجيب لأنه ولد على طريقة خارقة العادة ليكون بشيرا أمام المسيح بمدينة يهوذا ونذيرا بقرب قدومه ونورا مضيئا فى الكنيسة وهذا الطفل هو يوحنا المعمدان الذي يقول عنه بعض الآباء أنه وإن لم يكن من تخوم بيت لحم حيث قتل الأطفال بأمر هيرودس الملك إلا أنه كان يخشى عليه بسبب شهرة ميلاده. ولذا قد هربت به أمه اليصابات الى البرية واختفيا في مغارة وبعد أربعين يوما ماتت أمه وكان يعوله ملاك الرب إلى يوم ظهوره لاسرائيل وقيل إن اختفاءه كان سببا لقتل أبيه زكريا بأمر هيرودس بين الهيكل والمذبح وقد سمعتم قول البشير عــن اليصابات " أن الله عظيم رحمته لها " وهو قول حق. إنه لولا مراحم الله لما بقيت سالمة إلى ساعة الولادة ولما أمكن لها أن تصير أما ليوحنا المعمدان الذي قال عنه سيد البرايا " أنه ليس بني أعظم منه بين المولودين من النساء " فالرب قد عظم رحمته لاليصابات بقصد اتمام نبوة ملاخى النبى القائل " هأنذا ذاك أرسل ملاكي فيهي الطريق أمامي فيهئ الطريق أمامي) ونبوة أشعياء القائل " صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب أن الله كثير الرحمة لكل الداعين إليه ومراحمه على كل أعماله فتأملوا في العالم تروا ذلك من تلك التأثيرات الظاهرة في كل مكان فتشوا الكتاب المقدس تجدوا في إحدى زوايا الفردوس آدم وحواء عريانين خائفين ورحمة الله متجلببة بشعائر المحبة وتدعوهما كأم حنون لتكسوهما وتطمنهما وأيضا يسمعون في البرية شرقي عدن صوت الرحمة الإلهية ينادى قايين القاتل لأخيه هابيل قائلا له " أين أخاك " تنبيها له لكى يتوب فيغفر له ويطمنه بقوله " كل من قتل قايين سبعة أضعاف ينتقم منه " تشجيعا لضعفه ليرجو الغفران وماذا نرى أيضا في الكتاب المقدس؟ نرى رحمة الله توعز إلى نوح البار أن ينذر الماس الاشرار ويصنع فلكا لخلاص من يريد النجاة من مياه الطوفان ونرى رحمة الله تفتش على عشرة أبرار فقط في تلك المدينة الفاسقة حتى لا تباد بالنار ونرى الرحمة في برية سيناء تناجى موسى من وسط عليقة في شبه نار لتبعث به إلى ارض جاسان لإنقاذ الاسرائيلين من عبودية فرعون ونرى رجلا واقعا بأيدى اللصوص في طريق أريحا ورحمة الله تضمد جراحه كطبيب ونرى ذلك الولد الشاذ الذي بدد أمواله في الخمور والشرور ورجع تائبا إلى بيت أبيه قد قبل وأقيمت له كل ولائم السرور فما أعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون إليه قال أرستوتالس الفيلسوف " إن سهولة الغضب تصدر من الضعف "نعم فإننا نرى الضعيف أسرع إلى الغضب من القوى والمرأة أسرع من الرجل كما أن الشيخ أسرع من الشاب والفقير أسرع من الغنى وهكذا وهاكم مثالا على ذلك ما قاله أدريانوس لمن كان قد أهانه قبل أن يصير ملكا وهو : " لقد نجوت يا أنسان لأني أنا الآن قد صرت ملكا " إن الهنا أقوى من أدريانوس قيصر يمقدار لا يقع تحت حصر وقدرته العظيمة دليل على رحمته الكثيرة فإذا عاقب أثيما فانما يكون ذلك لمصلحته لأنه كالجراح الذي لا يستعمل الكئ بالنار في جسم العليل إلا بعد تحققه من عدم نجاح الادوية البسيطة فيا لعظم رحمة إلهنا التي نراها كل يوم تهطل سحبها على قلوب الخطاة فترويها لتثمر ثمار التوبة وتشرق شموسها على بصائر الصالحين فتردهم إلى سبل الهدى إن الله يدعونا إيها الاحباء فهلم نعود إليه بالتوبة والاعتراف بالذنوب لأن هذا هو الزمان المقبول فلا تقسوا قلوبكم ولا تصموا آذانكم عن سماع صوت الرحمة لئلا يصيبكم ما أصاب ديوجانس من طيباريوس قيصر الذي طلب قبل أن يصير ملكا مقابلة ديوجانس فأجابه بأنه لا يمكنه مقابلته إلا بعد سبعة أيام وقبل انتهاء هذه المدة صار طيبارويس ملكا فخاف الفيلسوف وسعى لدى الوزراء بقصد مقابلة الملك فكان سعيه باطلا إذا جاءه الجواب ليس إلى سبعة ايام كجوابه للملك بل إلى سبع سنين فسبيلنا أيها الاحباء أن لا نؤخر الرجوع إلى الهنا بل نبادر بالاعتراف والندامة ومناولة الاسرار ولا نتباطاً من يوم إلى يوم فإن غضب الرب ينزل بغتة ويستأصل في يوم الانتقام مفتدين خطايانا بالصدقات منظفين قلوبنا بالدموع لننال الغفران فنحظى بملكوت ربنا الذى له المجد إلى آباد الدهور كلها أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
29 ديسمبر 2024
انجيل قداس الأحد الثالث من شهر كيهك
تتضمن ذو الكبرياء ومدح التواضع مرتبة على قول السيدة البتول بفصل اليوم:
"تعظم نفسى الرب لأنه نظر إلى اتضاع أمته صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين .( لو ١ : ٣٩-٥٦ )
اورد البشير بفعل الانجيل اليوم تسبحة البتول الطاهرة مرت مريم التي قالت في مطلعها " تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصي لأنه نظر إلى "بهذه التسبحة سبحت البتول الله عند ما علمت أنها ستكون اتضاع أمته أما لمخلص العالم.وهذه الأقول تصرح لنا على نوع ما بما شعرت به البتول من حاسيات الشكر الوافر الله تعالى على نعمته الجزيلة وبأن الله ينظر إلى اتضاع المتضعين ويرفعهم ويرذل كبرياء المستكبرين ويشتتهم فيجب علينا أولاً: ان نتشبه بها في تقديم الشكر لله كل حين على ما ينعم به علينا من النعم والخيرات الكثيرة والمتنوعة ثانياً: يجب علينا أن نتعلم منها الاتضاع لأنه فضيلة ضرورية للخلاص ولازمة كالأيمان وأى شئ الزم من هذه الفضيلة التي بدونها لا يمكن للأنسان ان يرضى الله وهذا ما أوجه التفاتكم إليه
يقوم التواضع أيها الأحباء بأحتقار الأنسان لنفسه واعتباره للقريب وقـــد أمر به السيد المسيح بقوله : " تعلموا منى لأني وضيع ومتواضع القلــــب وقال الرسول يعقوب: " أتضعوا قدام الرب فيرفعكم قال بطرس الرسول أيضاً: كونوا جميعاً خاضعين بعضكم لبعض وتسربلوا بالتواضع لأن الله يقـــاوم المستكبرين واما المتواضعون فيعطيهم نعمة فالله إذن يحب التواضع ولأجل هذا قد افتتح اعمال حياته الارضية بالتجسد ولهذا بعينه قد اختار البتول الطاهرة لتكون هيكلاً مقدساً يقدم فيه لأبيه الازلى أول أفعال السجود والتواضع العميق لان هذا الهيكل الإلهى مبنى على التواضع ومقدس به الله يحب التواضع وهاكم الامثلة على ذلك من الكتاب المقدس. إني أرى الرماد مقروناً بالمسموح ليكون دليلاً على التوبة وذلك لان تواضع القلب تصحبه الندامة وأرى عشاراً يطلب الرحمة والغفران بدون أن يرفع عينيه نحو السماء لان التواضع يستمد المغفرة التي يأملها الرجاء وأرى أمراة كنعانية تتبع المخلص وهو يظهر لها أنه يرذلها ويحتقرها فتعترف انها تستحق الاحتقار ولم تزل تستغيث بقدرته حتى أدركت مناها وأرى المجدلية تتبع المخلص لان التواضع كـــان وأرى الإله المتأنس أمام أقدام تلاميذه يقـــــدم يرشد المحبة المضطرمة في قلبها لهم في شخصية مثال التواضع بغسله أرجلهم. وقوله لهم: " فإن كنت وأنا السيد قــــد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض لاني أعطيتكم مثالا حتى كما صنعت بكم تصنعون أنتم أيضاً إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه " يسوع تواضع واطاع حتى الموت موت الصليب من أجلك أيها الانسان إلا تخجل من أن تكون متكبرا ؟ إلا تعلم أن الكبرياء هي مصدر للجحود وكل شر كيف لا وهي التي اسقطت الملائكة من السماء ثم اسقطت جدينا الأولين من قمة المجد والهناء إلى هذا الهوان والشقاء وهي بذاتها التي يغتر بها الناس لتبعدهم عن الله والكبرياء على أنواع:
الأول: هو ما يدعوا الانسان لان يدعى بأن كل ما يحصل عليه من الخير إنما هو بقوته وفرط ذكائه أو بحسبه وجاهة من دون مؤازرة الله له وهذا النوع بعينه هو الذي أسقط رئيس الملائكة القوى لأنه قال " أصعد فوق مرتفعات السحاب وأصير مثل العلى"
الثاني: أعجاب المرء بنفسه لماله وحسبه أو لحسن عمله وعلمه.
الثالث: أعجاب المرء بقوته وجماله وشجاعته وغير ذلك من أنواع . الكبرياء وهي على كل أنواعها مضرة." فتمقته من الله والناس وشأنها أرتكاب الأثم أمام الفريقين"نعم لأن الكبرياء هي أول الخطا ومن رسخت فيه فاض ارجاساً ولو قلبنا صفحات تاريخ الاقدمين لوجدناها مليئة بأخبار الويلات وأنواع البلاء التي صبت على رأس بنى الانسان بسبب الكبرياء فكم من ملك جاهل أو متسلط قاس رغبة منه في حفظ مجده وسطوته وأمتداد ايام مملكته قد أسعر نار الحروب في جميع البلاد فشكل الأمهات ويتم الأولاد. وكم من عميد أمه أو عائلة بسبب الكبرياء فقد سلامته وسلامة أمته أو عائلته بل وفي هذه الأيام نرى الكبرياء سبباً لكل نزاع وخصام، فهذا يسعى فى ضرر غيره بدعوى أنه أهانه بعدم أداء الواجب له من الاحترام وهذا يغتاب غيره لاستقامته وآدابه مفتريا عليه الملثم ليخفضه فيستقل هو برفعة الشأن وغير هذا كثير مما يثبت أن الكبرياء مصدر لجميع الشرور وسبب الأثام بأسرها وإلا فقل لى من أين يتاتى العصيان والعناد ؟ وما هي علة البدع والأرتقات والمنازعات بشأن الاعتقاد ؟ أو هل صدر شئ من ذلك عن غير الاستقلال بالرأى وحب الذات وطلب التكبر على العباد ؟ أو هل يخلو مجمعكم من أنسان يروى معائب الناس ويتحدث دواما بالتنديد على أشخاصهم وأعمالهم وأقوالهم؟ فإذا قيل أمامه إن فلانا عالم قال انه أجهل الجاهلين وأن ذكر غيره بالتقوى قال أنه من المرائين وإن ذكر أخر بأنه كاتب منشئ بليغ قال أنه سارق أو مقتبس من أقوال غيره من المتقدمين وبالأجمال لو تذكر له شئ من مأثر الآخرين إلا واجاب بلو كان وعظيم ولكن وغيرها من عبارات الطعن والتنديد المشين ومما يوجب الاسف والحزن الشديد أن الناس من أدنى الخلق حتى الفلاسفة ذاتهم يفتخرون ويرغبون في من يطنب في مديح صفاتهم وأعجب من ذلك أن الذين يكتبون ضد التكبر والافتخار يحبون لانفسهم الفخر بأنهم أجادوا في ما كتبوا ويكتبون فماذا يستفيد المستكبرون والمتفاخرون إذا كانوا لا يحصلون على غير ما يوقعهم في الذل والهوان؟ ويسيرهم محتقرين عند الله والناس فيعاندهم دهرهم فيما يشتهون أخيرا يكونون مظهرا لنقمة الله وإليكم أثبات ذلك فيما يلي :-
أن الكبرياء تقوم بحب التفرد بالمجد والعظمة والله الذى هو مصدر كل مجد وخير لا يريد أن يأخذ مجده الغير لأنه إله غيور ) فهو ذلك يقاوم المستكبرين ويذلهم كما أذل فرعون بالضربات وغرقه في البحر الأحمر مع كل رجاله ومركباته وكما سمح بقتل اليفانا بيد يهوديت وكما ضرب أنطيوخــس الذي صرخ من شدة الامه قائلا: " حق على الانسان أن يخضع له وان لا يحمله الكبر وهو فان إن يجعل نفسه معادلا لله واريوس أيضا الذي أدى به كبريائه أن ينقض تعاليم الكنيسة والأباء فضربه وهو سائر بين مشايعيه ليدخل الكنيسة الكبرى بالقسطنطينية فلم يكد يدنو منها حتى شعر بثقل فمال إلى مكان منفردا لقضاء حاجة طبيعية فساد تبطاؤه ومضوا ليروه فوجدوا ملقى على وجهه ولا حراك به ملطخا بدمائه وأمعائه كانت ملقاة بين الأقذار فما أتعس نهاية المتكبرين الأشرار وما أسوأ حالهم لأن أيمانهم باطل بدليلى توبيخ السيد لهم بقوله: " كيف تقدرون أن تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضـــــــم مــــن بعض والمجد الذى من الاله الواحد لستم تطلبونه" فسبيلنا إذن أيها الاحباء ان نتواضع لنرتفع وننجو من كل المتاعب ولكن افتخارنا بالرب فنجوز هذه الحياة آمنين ونحظى بالنعيم الذي لا يزول بتعطف وتحنن فادينا الذي له المجد إلى الأبد أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد