المقالات

26 يونيو 2021

الأولويات فى حياة الخادم

الحاجة إلى واحد (لوقا 10: 41) ذهب يسوع إلى بيت مريم و مرثا فاختارت مريم أن تجلس عند قدمي المعلم لتسمع منه واختارت مرثا أن تعمل لتجهز طعام للمعلم ولم يعجبها اختيار مريم فذهبت تشتكي للمعلم فقدم لها السيد المسيح تعليما هاما مَرْثَا مَرْثَا أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ( لو 10 :41 ) وَلَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا».(لوقا 10: 41) كانت مرثا مضطربة لأن أمور كثيرة تريد أن تفعلها وإمكانياتها لا تساعدها ووقتها لا يسعها على إنجازها فتوقفت وابتدأت تشتكي فكانت النصيحة لها أن تختار الأهم والأولي والأصح لحياتها وتعمله كما فعلت مريم فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا ( لوقا 10: 42). عندما نشرع في العمل نجد أمامنا مهاما كثيرة علينا فنبدأ في تنفيذ أمر ثم نقلق على بقية الأمور فنترك الأول بدون اكتمال لنبدأ في الثاني والثالث وهكذا وفي النهاية نجد أمامنا أمورا كثيرة غير مكتملة وعملا واحدا لم ينجز قد يكون السبب في ذك إننا لا نملك القدرة مثل مريم على اختيار وترتيب الأولويات في حياتنا وفي أعمالنا. اطلبوا أولاً. من مبادئ الحياة المسيحية الهامة هي تحديد ما هو الأول والأهم ففي الصلاة يعلمنا السيد المسيح أن نطلب أولا ملكوت الله قبل أي طلبات أي نرتب طلباتنا في الصلاة حسب أهميتها وحتى الوصايا هناك وصايا أولي ولها أهمية فقد سأل واحد من الكتبة السيد المسيح «أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟» 29فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. 30وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى.( مر 12: 28 – 30). ويستخدم الكتاب المقدس تعبيرات تدل على تحديد الأولويات منها رأس الحكمة باكورة رتبه ترتيب فيقول أن رأس الحكمة مخافة الله أي أهم غرض للحكمة والأولوية الأولي لعمل الحكمة أن نصل إلى مخافة الله. كما أن بولس الرسول أوصي كثيراً بالترتيب وأهميته فيقول وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ.(1كو 14 :40 ) كما انه يهتم أن يرتب وينظم الأولويات بنفسه فيقول. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا. (1كو 11: 34) وأعطي توجيها لكنيسة تسالونيكي أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلاَ تَرْتِيبٍ (2تس 3: 6). ولنا في قصة الخلق نموذج رائع على تحديد الأولويات فالله لم يخلق النبات إلا بعد أن خلق النور ولم يخلق الإنسان إلا بعد أن خلق له الأرض والمياه والنبات فالخلق تم بترتيب معين حسب أولوية احتياج المخلوقات الأخرى لها. لماذا الأولويات؟ من حقائق الحياة أن الإنسان محدود أي إمكانياته محدودة وقدراته محدودة وكذلك وقته محدود لذلك لا يوجد إنسان يستطيع أن يعرف كل المعارف والعلوم ولا أن يعمل كل الأعمال ولا يستطيع أن يستمتع بكل الأشياء فإذا دعيت إلى وليمة وقدم لك أشهي الأطعمة وأجود الأصناف هل تستطيع أن تأكل كل الطعام هل تستطيع أن تستمتع وتتذوق كل الأصناف ولكن ماذا تفعل لابد أن تأخذ ما يكفيك فقط فماذا تختار ما الذي تعطيه الأولوية؟ وعلى أي أساس تختار؟ هذا مثال يتكرر معنا في أمور كثيرة في حياتنا داخل وخارج الخدمة فلأنك لا تستطيع أن تعرف كل المعرفة فاختار المعلومات الهامة لك ولحياتك أولاً ولا تبدد وقتك وعقلك في معارف غريبة نظرية لن تفيدك الآن ولأنك لا تستطيع أن تستمتع بكل الأشياء فاختار أن تستمتع بالأفضل لك أولاً الخمر الجد أولاً ثم بعد ذلك الدون كما قيل في معجزة عرس قانا الجليل عن كنت لا تستطيع أن تعرف كل المعرفة فاختار المعرفة المفيدة لحياتك ولعملك أولاً وإن كنت لا تستطيع أن تعمل كل الأعمال فاعمل ما تحتاجه أولاً وإن كنت لا تستطيع أن تستمتع بكل الأشياء فاستمتع بالأفضل لك أولا. كيف يجيد الخادم ترتيب أولوياته؟ الخادم شخص نجح في ترتيب الأولويات في حياته فاختار الله وخدمته أولاً ثم واجباته نحو خلاص الآخرين وسعادتهم ثم نجاحه وتحقيقه لذاته ثم بعد ذلك تأتي الأمور الأخرى الخادم يعرف جيداً كيف يفاضل وكيف يختار ويعرف ما هو الأهم وما هو الواجب هناك خمسة قواعد تساعدنا على ترتيب اولوياتنا. القاعدة الأولي: الله ثم الآخرين وأخيرا نفسي. ما لله أولاً: ما يخص الله لابد أن يكون أول كل أمر وقبل أي شيء فالكتاب المقدس علمنا اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ (متى 6: 33) كذلك يعلمنا أن نعطي البكور أول الأشياء والوقت لله لماذا؟! الله أولاً لأن الله الآب هو مصدر حياتنا ولا تستمر بدونه فأي شيء أو أمر بدون الله الآب هو مصدر حياتنا ولا تستمر بدونه فأي شيء أو أمر بدون الله يكون مصيره الفناء فلا أولوية على أولوية التمسك بمصدر الحياة وسر استمرارها لذا يجعل الخادم الله هو الأول في يومه وفي أعماله وفي خدمته العبادة أولاً ثم واجباتنا يتمم الخادم صلواته وقراءاته الروحية قبل أن يخدم ويعلم ويفتقد الخادم بالله أولاً قبل لقاءه بالناس في حياته اليومية فلا يذهب لافتقاد دون أن يصلي ولا يعظ ويعلم دون أن يصلي ولا يعطي مشورة دون أن يطلب مشورة الله ولا يتكلم عن أمر دون ان يذكر الله وبمجد اسمه. واجبات الخادم تجاه الآخرين لها أولوية على ما يخصه الخادم لا يفعل ذلك بدافع الحب الباذل فقط ولكنه يعرف جيدا مفهوم الكنيسة الجسد الواحد ويشعر بمسئولية عن سلامة هذا الجسد وتماسكه ويعرف أن في سلامة الجسد سلامته ومن صحته خيره فكل عطاء للآخرين يعود خيرا عليك فسلامة أسرتك يحقق استقرارك نمو كنيستك ينشط روحانياتك استقرار مجتمعك يمنحك الأمان كذلك بقدر عطائك للآخرين تتحقق إنسانيتك ثم إن السيد المسيح كان له توجيها خاصا إيجابيا للخدام من أراد أن يكون أول الكل فليكن أخر الكل وخادم للكل. القاعدة الثانية: العمل ثم الراحة. وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ (التكوين 2: 2) هذا ما يعلنه الله في بداية خلقه العالم العمل أولاً ثم الراحة أجعل الأولوية لما يبني حياتك روحيا أو جسديا أو اجتماعيا ثم بعد ذلك الراحة واللهو والمرح فعندما نأكل نعطي الأولوية للطعام الذي يبني الجسد ثم بعد ذلك الأطعمة ذات المذاق أو الشكل الحسن أو حسب المزاج فبهذه القاعدة نعطي الأولوية للمذاكرة والعمل ثم بعد ذلك الهواية والرحلة ونعطي الأولوية في الحياة الروحية للتعلم والتوبة ثم إلى الخدمة والتعليم. القاعدة الثالثة: الواجب لا يؤجل. في مثل العشرة عذارى العذارى الجاهلات ناموا قبل أن يجمعوا زيتا في آنيتهم وحينما أرادوا إصلاح ذلك جاء العريس ودخلت معه المستعدات وأغلق الباب ولم يفتح لهم بعد ذلك. في حياتنا لآبد أن نتذكر دائما أن هناك بابا يغلق وأن الأمور محكمة بوقت معين وزمن محدد فهناك أمور مستعجلة لا تحتمل التأجيل وهناك ما يمكن أن يؤجل إلى وقت أخر لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ. (الجامعة3 :1)* كذلك هناك أوقات مناسبة لأمور معينة بعدها لا يصلح عمل الأمر ويكون بلا معني وبلا قيمة وكما يقول الكتاب الكلام في غير وقته كالغناء في النوح( سيراخ 22: 6). فقترة الشباب المبكر والمراهقة فترة التعليم وليست فترة الحب والزواج هناك وقت لتعليم وآخر للزواج والعمل فلا نضيع فرصة التعليم فلنتعلم أولاً لأنه لن نجد وقتا للتعليم والدراسة فيما بعد لأبد أن تكون الأولوية لما لا يمكن تأجيله وهكذا فأمور كثيرة لا تؤجل التوبة لا تؤجل عمل الخير لا يؤجل الواجب لا يؤجل لنه لن ينفع في وقت آخر فما لا يؤجل لابد أن يأخذ أولوية تنفيذها على كل الأمور الأخرى. القاعدة الرابعة الأكثر احتياجا في ذلك الوقت له أولوية. عندما هرب إيليا من وجه إيزابيل الشريرة وسقط على وجهه في الصحراء أرسل له الله الملاك وأعطاه فطيرة ليأكل وماء ليشرب أولا ثم بعد أن ارتاح حدثه الله وعابته وعلمه وعرفه ماذا يفعل فعند التعب تكون الأولوية للراحة وللماء عند العطش فعند التعب نرتاح أولاً ثم نواصل العمل لأن العمل مع التعب يسبب المزيد من الإرهاق ويجعل العمل غير متقن. القاعدة الخامسة: أصنع ما تستطيع أولاً وأجل ما لا تستطيع إلى مراحله أخري. هناك أمور ليست في إمكانياتي أو قدراني الحالية فهذه أمور تؤجل أما الأمور التي تحسن مهاراتي وقدراتي هي التي أصنعها أولاً مثلاً تعلم ثم علم كن تلميذاً أولاً معلماً كذلك أبدا بالسهل من الأعمال ثم بعد ذلك العمال الصعبة.
المزيد
24 يونيو 2021

شخصيات الكتاب المقدس أيوب

أيوب " بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عين "" أى 42: 5 " مقدمة عندما أفاقت الفتاة فرانسس من المخدر أثر عملية كبيرة، قالت لها الطبيبة التى كانت تقف إلى جوارها: تشددى يا فتاتى إن هى إلا بضع ساعات تتحررين بعدها من الآلام، وفى الغد لن تشعرى بآلام أقسى وأشد وأجابت الفتاة الجميلة، وعيناها تلتهبان بشواظ من الضيق والتمرد: إن الأمر لا يقتصر على وليس بى أدنى خوف من الغد، فإن فى أعماقى شيئاً يقهر الألم القاسى،... لكن المشكلة التى تفزعنى هى فى آلاف الناس فى العالم الذين يطحنهم الألم،.. والكثيرون منهم ليس لهم قدرة على النضال، والسؤال الذى ربما تضيقين به، ولكنه يراودنى: كيف أحب إلهاً يسمح بهذه الآلام؟ ولعلك تقولين، إنه ليس مسئولا عن الآلام، إذ هى خطية الناس التى تجلب عليهم آلامهم، ومع ذلك فأنا أعلم أنه قادر على كل شئ فلم يسمح لهم بالآلام؟!!... وقالت الطبيبة: أجل، أنا أعلم أن بعض الآلام تأتى من خطايا الناس،.. ولا أعلم لماذا يسمح اللّه بالكثير من الآلام التى قد لا تكون نتيجة مباشرة للخطية!!.. ومع ذلك أود أن أقول لك: إن هناك فتاة شابة فقيرة على مقربة منك، وقد تعرضت هذه الفتاة لمرض خطير، وكان من المستحيل أن تقاوم المرض، ما لم يكن لها الروح المعنوية العالية التى تتغلب بها عليه،.. وقد قصصت عليها شجاعتك فى تحمل الآلام، إلى درجة أنها تود رؤياك وتشتاق أن تسمع كل شئ عنك!!... وربما لا تعلمين أنه لولا قصتك لما اجتازت الفتاة محنة مرضها!!.. وإذ سمعت فرانسيس هذا امتلأت تأثراً وقالت للطبيبة: أنا لا أستحق أن أوصف بهذه الصورة التى رسمتيها لى، وأود أن أرسل إليها باقة من الزهور!!.. وإذا بنوبة من الألم تسكتها.. وأكملت الطبيبة الكلام قائلة: وسأقول لها: إنكما تقفان معاً على خط النار!!... وقصة أيوب فى كل التاريخ هى قصة الواقفين على خط النار فى أتون الآلام، إذ هو الرجل الذى تتطلع إليه الأجيال كنموذج عظيم للانتصار على التجارب والمآسى: أو كما يذكر الرسول يعقوب: " ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " يع 5: 11 ". ولعلنا بعد هذا كله يمكن أن نرى القصة فيما يلى:- أيوب من هو:- يعتقد بعض المفسرين أن الاسم " أيوب " من الكلمة العبرية التى تناظر فى العربية " آب " أى رجع.. فهو " التائب " أو " الراجع ". ولعلهم قصدوا أن يصوروه فى قوله أمام اللّه: " لذلك أرفض وأندم فى التراب والرماد " " أيو 42: 6 ".. وهناك من يعتقد أن الاسم يعنى " المضطهد " أو " المتألم "... وأياً كان الاسم، فما من شك أن الرجل كان شخصية تاريخية، وليس مجرد شخصية خيالية أو رمزية،... وحجة المنادين بأنه شخصية رمزية، أن مقدمة السفر وخاتمته جاءت نثراً، وأما البقية فقد كانت شعراً رائعاً وعظيماً،.. ومثل هذا لا ينهض حجة ضد تاريخية الرجل، فإن الشعر فى كل أقطار الأرض تناول أناساً تاريخيين دون أن يقدح هذا فى شخصياتهم التاريخية،... فإذا قيل إن الأرقام الواردة به وردت ابتداء وتضاعفت انتهاء فى البهائم والسائمة والماشية وأن أرقامها الدائرية، لا تعطى حقيقة تاريخية، كان الرد أن هذه أيضاً حجة واهية، لأن كاتب السفر لم يقصد أن يسجل عددها، بقدر ما أراد أن يسجل مضاعفة بركة اللّه للرجل الذي احتمل التجربة،... وأن الأولاد فقط هم الذين كان عددهم مماثلا فى النهاية للذين ذهبوا إلى اللّه فى الكارثة التى أحدثها الشيطان، فهم لم يضيعوا، بل حفظوا فى المجد إلى أن لحق بهم أبوهم وأخوتهم!! وهناك حجة ثالثة تقول إن السفر قد ضم إلى الكتب التعليمية، كسفر المزامير والأمثال والجامعة والمراثى، ولم يضم إلى الكتب التاريخية،... غير أن هذه الكتب نفسها تعد حجة مع أيوب كشخصية تاريخية، وليست ضده، لأن الكتب التعليمية كانت هى ذاتها، والكثير مما تضمنته وقائع تاريخية، لأشخاص تاريخيين!!.. وفى الواقع أن كتاب سفر أيوب، هو كما وصفه فيكتور هوجو قائلا: ربما هو أعظم كتاب على الأرض واجه الذهن البشرى وكان أيوب شخصية تاريخية، ذكره حزقيال النبى كشخصية تاريخية يقول عنها اللّه له: " ياابن آدم إن أخطأت إلى الأرض وكان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة: نوح، ودانيال وأيوب... إن عبرت فى الأرض وحوشاً وفى وسطها هؤلاء الرجال الثلاثة، فحى أنا يقول السيد الرب إنهم لا يخلصون بنين ولا بنات هم وحدهم يخلصون " " حز 14: 13 - 20 " ويقول أيضاً يعقوب الرسول: وقد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " " يع 5: 11" ويعتقد مارتن لوثر أن أيوب شخصية تاريخية، وأن كاتب السفر رجل تقى عميق الفهم والدراية الكتابية!!ومن الواضح أن أيوب كان أعظم رجل شرقى فى عصره، وأنه من " عوص " التى يعتقد أنها كانت فى الطرف الشمالى للجزيرة العربية، وتقع بين فلسطين ونهر الفرات، وربما كانت المدينة على اسم " عوص " من سلالة سام!! فإذا تحولنا إلى أخلاق الرجل وصفاته، نجد أنه وصف بأربعة أوصاف أساسية: " وكان هذا الرجل كاملا، ومستقيما، يتقى اللّه، ويحيد عن الشر " " أيو 1: 1 و8، 2: 3 " ولا يعنى الكمال أنه كان بلا خطية، فهو قد تحدث عن خطاياه، وأنه لا يمكن أن يظهر الإنسان كاملا أمام اللّه، ولكن الكمال بالمعنى النسبى، وهو التوازن الخلقى الذى يظهر فيه الإنسان " موزوناً " على حد التعبير الشائع، بدون ازدواج أو انفصام فى الشخصية، أو يعتبر ملوماً فى هذا أو ذاك من أوضاع الحياة، وقد أوضح الرسول بولس هذا الكمال النسبى فى رسالة فيلبى عندما قال: " ليس أنى نلت أو صرت كاملا ولكنى أسعى فليفتكر هذا جميع الكاملين منا " " فى 3: 12 - 15 " إن الولد الصغير الذى ينال الدرجة النهائية فى الحساب مثلا درجة الكمال، ليس معناه أنه أصبح عالماً فى الرياضيات لا يحتاج إلى نمو فى معرفته للحساب، لكنه الكمال الذى ينمو ويتحول كمالا آخر مع تزايد المعرفة والإدراك،ولعل هذا الكمال يتضح فى السلوك المستقيم الذى لا يعرف الالتواء، بل يتبع الخط المستقيم طوال الطريق كلها، والرجل لا يمكن أن يكون هذا إلا إذا توفر له أمران: أحدهما داخلى، والآخر خارجى، أحدهما مع اللّه والآخر مع الناس، أحدهما فى السريرة، والآخر فى السيرة،فهو فى السريرة الداخلية " يتقى اللّه " أى يخاف اللّه ويخشاه ويجله ويحترمه، وهو فى السيرة أمام الناس " يحيد عن الشر " أى يتباعد عنه، ولا يرتبط به بأية صورة من الصور!!.. أيوب والحوار غير المنظور:- إن النقطة التى يبدأ بها سفر أيوب، وينتهى، هى الحوار غير المنظور، بين اللّه والشيطان ابتداء، وبين اللّه وأيوب انتهاء، ومن اللازم أن نشير إلى أن أهم ما فى الوجود، ومن فى الوجود، هو غير المنظور، وأن مصائر الحياة، تتعلق بغير المنظور دون أدنى شبهة أو شك،وإن أقل ما فى الوجود هو المنظور،وإن أقل ما يجرى بين الناس هو المنظور، وأنه كان من الطبيعى إذا أردنا لقصة أيوب أن تتصور على حقيقتها، أن نبدأ بغير المنظور، أو أن نبدأ بالمنظر العلوى غير المكشوف للعين البشرية، الذى يمثل فيه الشيطان فى حضرة اللّه،والسؤال: كيف يمثل، وهل يمثل برغبته، أم يمثل بأمر أو سماح من اللّه؟؟ إنها أسئلة عويصة، ليس من السهل الإجابة عليها، وإن كنا نعلم أنها حقيقة واقعة، وأن ما يحدث على الأرض فى حياة الناس أو البيوت أو المجتمعات أو الممالك، يحدث فى العادة لأن غير المنظور تحكم فى المنظور،وأن الناس لا تعرف فى العادة من الحقيقة: إلا أقلها وأبسطها،فهذا الشيطان الذى مثل أمام اللّه يطلب أيوب، هو نفسه الذى مثل أمام السيد لنفس الشئ تلاميذ المسيح. وكما ادعى الشيطان أن أيوب لا يعبد اللّه مجاناً، وأنه لو سلم فى يده لأثبت هذا، هو نفسه الذى أراد أن يفتك بتلاميذ المسيح، وهو يصورهم على استعداد أن يتركوا المسيح عند أقل بادرة: " هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة ".. (لو 22: 31).. وهو الذى يشتكى على المؤمنين ليلا ونهاراً أمام اللّه، " رؤ 12: 10 "ولو أننا تأملنا هذا الحوار المثير لأدركنا أنه تحد للّه، أكثر من تحد لأيوب، وكأنما الشيطان يريد أن يقول للّه إن نعمته ليست كافية قط لأن تحفظ الإنسان، فى شتى التجارب والآلام، وأن العلاقة بين الإنسان واللّه، ليست هى نوعاً من الحب بين الإنسان واللّه، الحب العميق المجرد الخالص، بل هى نوع من المتاجرة، يجزل اللّه العطاء ليكسب ولاء الإنسان وتعبده وصلاته،وهذا الاتهام التعس الرخيص، إذا كان يصيب الإنسان فى الصميم، فإنه يجرح مشاعر اللّه ولا شك، واللّه الآب السماوى لا يقبل أن تكون علاقته بابنه المؤمن، مجرد علاقة وصولية نفعية، يعطى فيه الابن مقابل ما يأخذ، أو يقدم على أساس الانتفاع والمصلحة،... وقد أخذت قصة أيوب قوتها أمام الأجيال والتاريخ، فى أن اللّه يريد أن يكشف الحقيقة الثابتة لديه، والغائبة عن العالم والشيطان والتاريخ: إن نعمة اللّه الحافظة قوية منتصرة على طول الخط، وأن علاقة المؤمن باللّه تضرب جذورها العميقة فى المحبة الإلهية - محبة المسيح لنا وليست محبتنا للمسيح - والتى جعلت بولس يتحدى الشيطان فى قوله العظيم: " من سيشتكى على مختارى اللّه؟ اللّه هو الذى يبرر. من هو الذى يدين. المسيح هو الذى مات بل بالحرى قام أيضاً الذى هو أيضاً عن يمين اللّه الذى أيضاً يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشده أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف؟ كما هو مكتوب اننا من أجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا. فإنى متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة اللّه التى فى المسيح يسوع ربنا " " رو: 33 - 39"إن الحقيقة المثيرة التى ينبغى أن ننبه الناس إليها، فى قصة أيوب، والتى تقلبها رأساً على عقب، هى أن أيوب صمد فى المعركة لسبب واحد لا أكثر ولا أقل، وقد ذكره السيد المسيح فى قوله: " وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى، أبى الذى أعطانى إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبى ".. " يو 10: 28 و29 " عندما هدد الكاردينال " كاجيتان " لوثر وهو يقول له: " إن خنصر البابا أغلظ من ألمانيا التى أنت متكل عليها، وأين تكون أنت عند ئذاك؟!!... وأجاب لوثر: أكون حيث أنا الآن فى قبضة يمين القادر على كل شئ!!.. قال أحدهم: إن الشيطان رغم معرفته بحقائق كثيرة، لكن هناك حقيقة يجهلها أو لا يستطيع أن يصل إلى عمقها، وهى قدرة نعمة اللّه الفعالة فى حفظ الناس!!.. وهذه الحقيقة ليست مجرد خيال أو تصور، أو من باب التخمين أو الاستنتاج، بل إنها واضحة من القصة نفسها، لقد استنفد شيطان تجاربه بالقضاء على ثروة أيوب وأولاده، بسماح من اللّه، ثم عاد مرة أخرى يطلب مواصلة الامتحان فى جسده، وأعطى له كل شئ بحدود، فهو ليس مطلق التصرف، وعندما طلب التلاميذ ليغربلهم كالحنطة... كان هناك طلب آخر، مضاد ومعاكس لطلب الشيطان، وهو طلب المسيح " طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت فثبت إخوتك ". " لو 22: 32 ".. لقد ذهب يهوذا لأنه كان ابن الهلاك، وبقى بطرس لا لقوة فيه، بل للحارس الضامن بأعجوبة النعمة الإلهية الفعالة فى حياة المؤمنين!!... أما ما هى البواعث العميقة فى قلب اللّه للمنح أو للترك؟؟؟... فهذا سؤال أعمق من أن يصل إليه الإنسان فى العالم الحاضر، وربما يشاء اللّه فى جلاله الأبدى أن يبقيه، إلى أن يكشف حكمته العظيمة الكلية، فيما وراء عالمنا المنظور وفى مجده الفائق فى السماء،... ومن الثابت على أية حال أن صراعنا الأكبر فى الأرض، ليس الصراع مع المنظور، بل مع غير المنظور، أو كما يقول الرسول بولس: " البسوا سلاح اللّه الكامل لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد ابليس، فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية فى السماويات " " أف 6: 11 و12 " إن الناس، كبروا أو صغروا، ما هم إلا دمى فى يد الشيطان يلعب بهم ويستخدمهم فى حربه مع المؤمنين!!.. ومن أول التاريخ البشرى حتى نهايته، من اللحظة التى اختبأ فيها الشيطان فى الحية، والتى ظهر فيها فى الصليب من وراء قيافا وبيلاطس واليهود والرومان،... والتى فيها ارتكب يهوذا جريمته الكبرى بعد أن دخله الشيطان،... وإلى آخر القصة البشرية، لا ينبغى أن نحول النظر عنه، لأنه دائم الجولان والتمشى فى الأرض، " ولأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو "... " 1 بط 5: 8 " هل يستطيع البشر كتابة التاريخ من هذه الزاوية؟،.. إنهم إن عجزوا، فإن الأبدية سترويه وستقصه من هذه النقطة المثيرة التى لا يتعمق الناس فى دراستها، وهم يناقشون مسرحية الإنسان ولعبته الكبرى فى الأرض!!. أيوب والحوار المنظور مع أصحابه:- فإذا تركنا الخلفية غير المنظورة، وتحولنا إلى الحوار المنظور، وهو الحوار الذى قام بين أيوب وبين أصدقائه الأربعة،... ولكن قبل أن نتعرض لهذا الحوار، لابد أن نشير إلى أن لغز الألم أعمق من أن يكشف عنه البشر فى الأرض!!.. قال ج. ولا س هاملتون: " لا يمكن لأى إنسان إلا الأحمق أن يدعى معرفة الجواب عن كل آلام الإنسان فى العالم،... إن آلام الإنسان مغطاة بالرهبة وبالفزع المقدس، وهى التى تجعله يصرخ فى اتجاه السماء قائلا: لماذا!!؟... وأحكم الناس على الأرض، لا يستطيعون معرفة لماذا!!... ومع ذلك، فنحن لسنا فى ظلام مطبق!!... فالناس الذين يشتكون، كثيراً ما ينسون أن شكواهم ما هى إلا خلاصة الاختيار الذى اختاروه هم لأنفسهم!!.. ومع ذلك فليس الكل يشتكون دائماً، إذ نحن نعيش فى عالم واحد، والناس يدخلون الاختبار الواحد بدرجات مختلفة، وتقبل الإنسان الأمور بالشك أو الإيمان، إنما هو عملية داخلية بينه وبين نفسه!!.. ورد الفعل عند البعض بالمرارة والتذمر، وعند آخرين هو التدرب على اليقين بأن صمت السماء ليس مجرد صمت غليظ أو جاف، بل سيتعلمون بعض المعانى، وسيرون فى أعماق الليل، النجوم التى لم يستطيعوا أن يروها فى النهار، وسيدركون أن المعنى الأعمق فى الحياة هنا ليس السعادة بل القداسة، وأن ما هو أفضل لنا، هو القياس الصحيح للنضال المحتدم فى حياتنا!!.. فقد " هارولد رسل " يديه فى الحرب العالمية الأخيرة، لكنه أصبح واحداً من أشجع الناس فى تقبل صدمته بعد الحرب، وشق طريقه لتصبح حياته ذات فائدة ومغزى عندما كتب كتاباً فى عام 1949: " النصر فى يدى " قال فيه: إنه ليس هناك قاعدة سهلة للحياة السعيدة، والذى يقول غير ذلك إما أنه ساخر، أو كاذب ولست أقصد أن أعطى وصفة أو تذكرة طبية من عندى،... ولكنى أركز على حقيقة واحدة بسيطة، إذا كان لى أن أذكر، وهى ليست وصفة مؤكدة للسعادة، أو سبيلا يمكن أن يملأ حديقتك الخلفية بالطيور المغردة، بل هى فى الواقع، ما وجدت أنه يساعد على الانتصار على الأسف الذى لا يجدى، أو هزيمة النفس!!... إنه ليس ما تفقد بل ما تترك هو الذى يتبقى،... وما أكثر الذين يبذرون جهدهم ووقتهم وأحلامهم فى الأمور التى انطوت، والتى لا يمكن أن تعود، وكان الأحرى بهم أن يشغلوا حياتهم بالحقائق، والواجبات الثقيلة اليومية " لقد أفلس أيوب وأصحابه فى الوصول إلى الحل الأخير لمشكلة الألم، وبقيت المشكلة أعمق من أن نجد لها الجواب الصحيح فى العالم الحاضر، ويكفى أن نلخص الحوار العظيم حول هذه المشكلة فى سفر أيوب!!.. لقد بدأ أيوب الحوار، بعد أن عجز عن ضبط نفسه، فلعن اليوم الذى ولد فيه، والليل الذى تصور فيه فى بطن أمه، وتمنى لو أنه مات طفلا، ليتساوى مع الذين ماتوا بعد أن بنوا الأهرام،... ومن المتصور أن اليفاز التيمانى كان أكبر الصحاب، وخلاصة كلامه فى الأصحاح الرابع أنه لابد أن هذا عقاب من اللّه على خطايا ارتكبها أيوب، وطلب إليه فى الأصحاح الخامس أن يتوب عنها، وسارع أيوب فى الرد على أليفاز، فى الأصحاحين السادس والسابع، غير أن بلدد الشوحى وصوفر النعمانى ساندا أليفاز فى الأصحاحين الثامن والحادى عشر، وكان بلدد أقسى من أليفاز، وصوفر أقسى من بلدد،... ورد أيوب بضعف على الجميع فى الأصحاحات التاسع والعاشر والثانى عشر، والثالث عشر، والرابع عشر ووصفهم بالقول: " أما أنتم فملفقو كذب أطباء بطالون كلكم ". " أيو 13: 4 ".. ومع أن أيوب اعترف بخطايا صباه: " لأنك تثبت على أمور مرة وورثتنى آثام صباى ". " أيو 13: 26 ".. ومع أنه اعترف بنقصه شأن كل بشر: " أ أخطات؟ ماذا أفعل لك يارقيب الناس؟ لماذا جعلتنى عاثوراً لنفسك حتى أكون على نفسى حملا؟. وولماذا لا تغفر ذنبى ولا تزيل إثمى لأنى الآن اضطجع فى التراب تطلبنى فلا أكون؟ " " أيو 7: 20 و21 " إن اخطأت تلاحظنى ولا تبرئنى من إثمى. إن أذنبت فويل لى، وإن تبررت لا أرفع رأسى " " أيو 10: 14 و15 " " كم لى من الآثام والخطايا أعلمنى ذنبى وخطيتى " " أيو 13: 23 " " أما الآن فتحصى خطواتى، ألا تحافظ على خطيتى؟ معصيتى مختوم عليها فى صرة وتلفق على فوق إثمى " (أيو 14: 16/17) إلا أن أيوب مع هذا كله لا يعلم خطية معينة معروفة لديه قد ارتكبها، وهو لهذا يؤكد: " فى علمك إنى لستت مذنباً " " أيو 10: 7 " وهو إذا حوكم سيخرج بريئا!!.. وبينما يرى أصدقاؤه أن هذا الإصرار من جانبه على براءته يعتبر نوعاً من التجديف: " أما أنت فتنافى المخافة وتناقض التقوى لدى اللّه، لأن فمك يذيع إثمك وتختار لسان المحتالين " " أيو 15: 4 و5 " ومع أن أيوب، وهو فى سياق الدفاع عن نفسه، كاد يصور اللّه، وكأنه لا يبالى بالفرق بين الكامل والشرير: " لذلك قلت إن الكامل والشرير هو يغنيهما. إذا قتل السوط بغتة يستهزئ بتجربة الأبرياء. الأرض مسلمة ليد الشرير. يغشى وجوه قضائها، وإن لم يكن هو فإذاً من " " أيو 9: 22 - 24 " " خيام المخربين مستريحة والذين يغيظون اللّه مطمئنون الذين يأتون بإلههم فى يدهم " (أيو 21: 6).. وهو مع هذا كله، لا يتخفى عن اللّه مهما يفعل اللّه معه،... وهو يؤمن أنه سينصفه بصور ة ما، وفى يوم ما... ولذا يقول مهما بلغت قسوة أصدقائه عليه: " هوذا يقتلنى. لا انتظر شيئاً. فقط أزكى طريقى قدامه ". " أيو 13: 15 " فإذا انتهى الحوار الأول عند هذا الحد، فإن حواراً ثانياً يبدأ من الأصحاح الخامس عشر حتى نهاية الأصحاح الحادى والعشرين وقد بدأه أيضاً أليفاز التيمانى، وفيه يؤكد بشهادة الحكماء الأقدمين، العقاب الذى يلاحق الأشرار فى الأرض،... وقد عدد بعده بلدد فى الأصحاح الثامن عشر الألوان المختلفة لهذا العقاب،... ويبدو أن صوفر وهو يساند الاثنين، يكاد ينعت أيوب بالخطايا السرية التى ارتكبها، وجلبت عقاب اللّه عليه،... وقد رد أيوب فى الأصحاحات السادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر والحادى والعشرين، ويبدو من الرد أنه لا يهتم باتهامهم له، فهو فى نظره لغو فارغ بغير دليل،... وأنه لهذا يشهد اللّه: " أيضاً الآن هو ذا فى السموات شهيدى وشاهدى فى الأعالى " " أيو 16: 19 " وهو لا يتحدث عن براءته فحسب، بل يؤكد أن اللّه لابد أن يكشف الحق يوماً ما ولو بعد حياته هنا على الأرض، أو كما يقول: " ليتك توارينى فى الهاوية وتخفينى إلى أن ينصرف غضبك عنى وتعين لى أجلا فتذكرنى. إن مات رجل أفيحيا؟ كل أيام جهادى أصبر إلى أن يأتى بدلى تدعو فأنا أجيبك تشتاق إلى عمل يديك " " أيو 14: 13- 15"" أما أنا فقد علمت أن وليى حى، والآخر على الأرض يقوم، وبعد أن يفنى جلدى هذا وبدون جسدى أرى اللّه ".. " أيو 19: 25 و26 " على أنه فى الوقت عينه، وفى الرد على صوفر يبدو أيوب أو بالحرى يقع فى التجربة التى وقع فيها آساف عندى يرى خير الأشرار وفيضهم وبهجتهم، وهو يفزع لهذا كله على النحو الذى يذكره فى الأصحاح الحادى والعشرين!! فإذا جئنا إلى الحوار الثالث وهو الذى يبدأ من الأصحاح الثانى والعشرين حتى نهاية الأصحاح الحادى والثلاثين، فنجد أنه فى هذا الحوار يتخلف صوفر عن الاشتراك فيه. ويتكلم أليفاز فى الأصحاح الثانى والعشرين وبلدد فى الخامس والعشرين، ويجيب أيوب فى الأصحاحات الثالث والعشرين والرابع والعشرين، ومن السادس والعشرين حتى الحادى والثلاثين - ويؤكد أليفاز بشاعة خطية أيوب، كما يتصورها فى الأصحاح الثانى والعشرين، وفى الوقت عينه رحمه اللّه الواسعة متى اتضع أمامه وتاب،... ويضيف بلدد إلى ذلك متحدثاً عن عظمة اللّه وسلطانه، وضعف الإنسان ونقصه: " السلطان والهيبة عنده. هو صانع السلام فى أعاليه، هل من عدد لجنوده وعلى من لا يشرق نوره فكيف يتبرر الإنسان عند اللّه وكيف يزكو مولود المرأة هو ذا نفس القمر لا يضئ والكواكب غير نقية فى عينيه فكم بالحرى الإنسان الرمة وابن آدم الدود " " أيو 25: 2 - 6 " ويرفض أيوب إتهام الرجلين، ويؤكد براءته ويدعمها باستعداده للمثول فى حضرة اللّه، وأنه إذا جربه سيخرج كالذهب، وهو يذكر كم يعانى الأبرار من متاعب، وكم يستمر الأشرار فى ظلمهم،... ومع ذلك فهو يؤكد عظمة اللّه وجلاله ومجده، فى الأصحاح السادس والعشرين، وأن نهاية الأشرار، مهما ارتفعوا وعلوا، قاسية وشنيعة كما يظهر فى الأصحاح السابع والعشرين - ومن الغريب أن الإنسان مهما علا فى الفهم والإدراك والمعرفة العالمية، فهو عاطل تماماً من كل حكمة سماوية كما يظهر فى الأصحاح الثامن والعشرين!!.. ويختم أيوب هذا الحوار بالحديث عن نفسه، فى مجده السابق، وفى حياته العظيمة، وفى مأساته اللاحقة،... دون أن يتخلى عن يقينه بصدق حياته وأمانته أمام اللّه والناس، وأنه ليس لأصدقائه أدنى حق، فيما حاولوا أن يتهموه، أو يلصقوه به!! فإذا أردنا أن نلخص كل مساجلات الحوار التى أشرنا إليه، فهو اتهام يبدأ بالتشكك، ثم تصاعد إلى مرتبة اليقين من أصدقاء أيوب، عن الخطايا المتعددة والجسيمة التى اقترفها صاحبهم سراً أو علنا، والتى لا يمكن أن يتركها اللّه دون عقاب، إذ هو شديد البأس والبطش بالخطاة والأشرار، وهيهات لمجرم أو آثم أن يفلت من بين يديه، وأنه يمكن أن يكون هناك رجاء، لو أن أيوب اتضع فى حضرة اللّه، وندم، ويدفع أيوب عن نفسه سائرالتهم. ويؤكد براءته، ويسجل أن الأبرار وليس الأشرار هم الذين يعانون مرات كثيرة من الظلم والمتاعب والآلام،... وعلى العكس، فما أكثر النعم والمتع والخيرات التى تمتلئ بها بيوت العتاة! وهو لا يعرف السبب الذى من أجله تلاحقت النكبات، والتى قلبت حياته رأساً على عقب،... وهو يتمسك باللّه، وبكماله، وهو يؤمن أن اللّه لابد أن يحقق العدل الذى ضاع فى الأرض ويؤمن بحياة بعد الموت، فصحح فيها كل الأوضاع، ويتم فيها الجزاء الصحيح للأبرار أو الأشرار على حد سواء!!... وإذ ينتهى الحوار عند هذا الحد، دون أن ترجح كفة أيوب أو كفة أصحابه، يدخل أليهو طرف فى الحوار، وقد ظل مستمعاً طوال الوقت وكان أحدث سنا، ولعل هذا هو الذى منعه من المساجلة أولا!!.. ولكنه لا يلبث وقد تمكن منه الغضب على أيوب وأصحابه، أن يدفع فى حديث طويل، يتجه شطره الأكبر إلى أيوب، ما بين الأصحاحات الثانى والثلاثين إلى السابع والثلاثين، والأقل إلى أصحابه،... وفيه يندفع قاسياً فهو لا يقبل تبرير أيوب لنفسه، ويشتد عليه فى الكلام،... وإن كان فى الوقت نفسه يدخل عنصراً جديداً لم يذكره أصحاب أيوب الثلاثة... وهو أن الآلام والمآسى، تأتى من اللّه أساساً فى أغلب الأحوال، وهى تأديبات المحبة، وليست عقوبة الغضب، وأنها مرسلة للتعليم والتقويم والتحذير، دون أن تكون رصداً لخطايا قديمة ينتقم منها!!.. أيوب والسبى المردود:- وفى الأصحاحات الأربعة الأخيرة، تأتى نهاية القصة العظيمة. ويظهر اللّه من خلال العاصفة، ليتحدث إلى أيوب، وإذا كان أصدقاء أيوب جميعاً، قد صمتوا، ولم يعد لهم كلام، ولم يكن لأيوب سوى كلمات قليلة، فإن اللّه يتكلم، وهو لم يأت ليتحاجج مع أيوب أو ليعطيه جواباً على أسئلته، بل أخرجه إلى الطبيعة الواسعة ليعرف منها كيف يكون الجواب!!.. وكان السؤال: هل يستطيع أيوب وهو يرى السماء والنجوم، والبحار والنور، والزوبعة والجليد، والضباب والوحوش، والحيوانات البرية وفرس البحر، والتمساح وغيرها، هل يستطيع أن يخلفها، ويقودها، ويوجهها!؟؟ وهل له القدرة والحكم والسلطان على تسييرها وضبطها وفق النظام الدقيق العظيم الذى تسير به كما يلمح ويشاهد!!؟... ومع أن أيوب سبق أن صاح: " من يعطينى أن أجده فأتى إلى كرسيه. أحسن الدعوى أمامه وأملأ فمى حججاً فأعرف الأقوال التى بها يجيبنى وأفهم ما يقوله لى " " أيو 23: 3 - 5 "... إلا أنه - وقد جاء أمام اللّه فى جلاله العظيم - لم تعد له كلمة أو حجة واحدة يجاوب بها، إذ أدرك حقارته ووضع يده على فمه إذ لا يجد الجواب!!.. وإذا كان اللّه يدير الكون بهذه القدرة الواسعة، والحكمة العظيمة، فهل يستطيع أيوب أمام أسرار اللّه الفائقة أن يبحث سراً واحداً، ويهتدى فيه إلى حل!!؟.. لقد أدرك أيوب، ما ينبغى أن يدركه الإنسان فى كل العصور والأجيال، إن الحياة مفعمة بالأسرار، وأن الإنسان مهما يبلغ من معرفة أو فهم ستأتى عليه اللحظات التى يقف فيها أمام الجلال الإلهى، عارى القدم، مغطى الوجه، لأن الأرض التى يقف عليها أرض مقدسة، وأن أسرار اللّه التى يطويها، (ومن بينها سر الألم) ستبقى مكنونة، ومحفوظة، ومهما قال الإنسان إزاءها: لماذا!!؟ لماذا!!؟ فإنه يجمل به على الدوام أن يقول: " لما كنت طفلا كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن... ولكن لما صرت رجلا أبطلت ما للطفل. فإننا ننظر الآن فى مرآة فى لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت "!! " 1 كو 13: 11 و12 ".نسى أيوب كل حججه أمام اللّه، وإذ سمع صوت القدير انجابت عن نفسه الزوابع والأعاصير، وسكنت مشاعره وقرت نفسه،... إن سر عاصفته هو أنه كان يتكلم عن الرب ويبحث عنه دون أن يجده، ولكنه الآن قد رآه وسمعه، وهناك فرق شاسع بين أن يتكلم الإنسان عن الرب، وأن يكلم الرب،... وبين أن يسمع عن الرب، وأن يسمع الرب. إن سر الشقاء والتعاسة الدائمة للانسان، هو أنه لا يستطيع أن يتبين اللّه أو يسمعه من خلال تجاربه، ولكن أيوب تعلم بعد أن سمعه، أنه وإن كان لا يفهم شيئاً فمن واجبه أن يثق فيه ويؤمن به، وهو إذ يصل إلى هذه النتيجة، يندم على ما فرط منه دون فهم، بل يلتتصق بالتراب والرماد فى الخضوع والتسليم للّه!!.. ملك الشيطان الزمام مؤقتاً، ولكنه خسر المعركة، وسيخسرها على الدوام، لأن اللّه محبة، ولأن السبيل إليه، على الدوام، هو سبيل الإيمان..لم يؤخذ أيوب مع أملاكه إلى الأسر، ولم يذهب بعيداً عن المكان الذى عاش فيه. فلماذا يقال: " ورد الرب سبى أيوب؟ ".. إن الكلمة تعنى نهاية الألم والتعب، والضيق والمشقة، والعسر والمرض،.. أو فى - لغة أخرى - إن عودة الحياة والصحة والأصدقاء والظروف الطيبة، كمن أفلت من الأسر والغربة والبؤس والتشريد، ليعود إلى السلام والبهجة والهدوء والراحة بعد طول البلوى والمعاناة، وهو لم يعد إلى هذه جميعاً، إلا بعد أن جلس مستضعفاً على التراب فى حضرة اللّه،.. ولن يرد اللّه سبينا أو يعيد إلينا المجد والجلال والحياة، إلا ونحن فى وادى الوداعة والتصاغر والاتضاع أمام عظمته الكلية ومجده الأسنى، وهو لن يفعل ذلك قبل أن نغفر لإخوتنا، ونزيل كل مرارة من نفوسنا تجاههم،.. ولم يرض اللّه على أليفاز وصوفر وبلدد، رغم ما تكلموه أو ظنوا أنه يتكلمونه من أجل اللّه،.. ومع أنهم تكلموا جميعاً عن المبادئ السليمة عن اللّه وحقه ومجده العظيم، لكنهم أخطأوا، إذ تحدثوا عن أيوب، وظلموه بما لم يكن لهم به علم، واللّه لا يقبل دفاعاً يستند إلى ظلم، أو حقاً يتمشى إلى جانب القسوة فى الحكم على البائس المسكين. وعفا اللّه عنهم بالذبيحة التى قدمها أيوب من أجلهم!!.. وانتهت قصة أيوب بالبركة المضاعفة، والأولاد السبعة والبنات الثلاث البارعات الجمال،.. وبالحياة الصابرة التى عوضها اللّه كل شئ بسخاء عظيم!!.فى أحد معسكرات أسرى الحرب العالمية الأخيرة، وجدت هذه الكلمات التى كتبها أحدهم: إنى أؤمن بالشمس حتى لو لم تكن ساطعة، وأؤمن بالمحبة حتى ولو لم أحس بها، وأؤمن باللّه حتى ولو صمت ولم يتكلم!!... حقاً نحن لا نعلم ماذا سيأتى به الغد. ولكننا نعلم من يمسك بالغد!!..
المزيد
19 يونيو 2021

ميمر في عيد العنصرة

سبيلنا أن نتفلسف في العيد قليلاً. ليكون تعييدنا روحانيّاً. وذلك لأنَّ لكل أحدٍ غيرنا عيداً يخصه. وأما خادم الكلمة. فعيدهُ النطق. ومن النطق ما كان ملائماً للوقت. وليس شيءٌ حسنٌ يسرُّ ھكذا لأحدٍ من مؤثري الحسنات مثل حضور من يودّ الأعياد والمواسم الروحانية. ويجب علينا أن ننظر ھكذا. وذلك أن اليھودي يعيّد ولكن بما يخصُّ الكتاب لأنه قصد الناموس الجسداني فلم يصل الى الروحاني.والصابئَ يعيّد أيضاً ولكن بما يلائم الجسم وعلى حسب مذھب آلھتِه وشيطانية الذين منھم مَن أبدع عوارض الفساد على رأيھم أنفسھم ومنھم من كان تكريمهُ من ھذه الأعراض فلذلك صار تعييدھم مضاھياً للفساد حتى يكون تكريم الإله عندھم الإثم بعينِه فيفرّ إليهِ عوضاً من الفساد كأنه محمدة. ونحن نع يد أيضاً ولكن بحسب رأينا في الروح. والرأي عندنا: إما أن نقول شيئاً مما ينبغي. وإما أن نعملهُ. وھذا ھو تعييدنا أن نخزن للنفس شيئاً مما يثبت وينضبط لا مما ينحلُّ وينصرف. ويطرب الحسَّ قليلاً ويفسدهُ كثيراً ويضرُّ به. على حسب الرأي عندي يكفي الجسم شرَّ ذاتِه فلِمَ يزادِ اللھيب مادَّةً ولِمَ للوحش أن يغمر طعاماً حتى يزيد التمكُّن منهُ بعداً ويصعب على الفكر انقياده. فمن ھھنا يجب أن نعيّد تعييداً روحانياً.فأول الكلام فيما يجب أن نقوله وإن طال الشرح قليلاً فيجب على وامقي الكلام أن يؤثروا التعب في ذلك لنخلط ذلك في ھذا الموسم مثل ملذَّة ما وذلك أن أولاد العبرانيين يكرمون السابع على سنَّة موسى. كما أكرم أصحاب بيثاغوروس بعدھم الرابع فجعلوه لھم قسماً. وكما أكرم أصحاب آل سيمون ومركيون عدد الثمانية وعدد الثلاثين فقد سمُّوا دھوراً تسامي ذلك في العدد ولست أعلم على أي رأي وقياس ذلك؟ وأية قوَّة لھذا العدد فيكرمونه بھا. ولكن على كل حال ھم لذلك مكرومون. إلا أن الظاھر في ذلك أن لله عزَّ وجلَّ أبدع الھيولى في ستة أيام وصوَّرھا وزيَّن ھذا العالم المنظور بأنواع وصور شتَّى لما خلقه. فلما كان اليوم السابع استراح على ما يدلُّ عليهِ اسم السبت فإنهُ باللغة العبرانية يدلُّ على الراحة. فإن كان ھھنا رأي آخر أشرف فيتفلسف فيه غيرنا.والكرامة عندھم (عند العبرانيين) ليست في الأيام وحدھا بل ھي واصلة الى السنين. فكرامة الأيام ولَّدت لھم ھذا السبت الذي يكرّمونه دائماً وعلَّته من عدد أيام رفع الخمير عندھم. وأما كرامة السنين فمنھا صار السابع من السنين عام الفصح والتسريح. وليست الكرامة عندھم في السبعة وحدھا بل في سبعة السابعين وذلك متشابهٌ عندھم في الايام والسنين. فأمّأ سبعة الأيام فولدت يوم الخمسين يوماً مدعواً عندھم "مقدساً" وأما سبعة السنين فولدت العام الذي يسمونه يوبيلاً وفيه يكون عندھم تسبيل الأرض وعتق العبيد وإطلاق ما اقتني بثمنٍ. فبذا القبيل ليس يزكي لله بواكر الغلات والأبكار وحدھا بل نواجم الأيام والسنين أيضاً. فعدد السبعة المكرَّم عندھم بعث لنا كرامة البنديقستي وذلك أن السبعة إذا كرِّرت بمثلھا سبعة كانت خمسين إلا واحداً وھو اليوم الذي أخذناهُ من الدھر المستأنف فھو بعينه يزم ثامن وأول بل ھو واحد لا ينحلُّ ولا يزول وھناك ينبغي أن تنتھي سبوت النفوس كما يجب أن بعطى جزءٌ للسبعة بل للثمانية أيضاً بحسبما رأى قوم ممن كانوا قبلنا في قول سليمان.إلا أن إكرام السبعة لع شھادات جملة فيكفينا قليل من كثير. كما أن ھھنا أرواح سميت كريمة لأن أشعياء عندي (أي حسب رأيي) أنه كان يؤثر أن يدعو أفعال الروح أرواحاً. وكلام الرب مطھَّر سبعة أضعافٍ عند داود. والصدّيق مخلَّص من الشدائد ست دفعات والسابعة فھو فيھا غير مجروح. والخاطئ فمصفوح عنه ليس سبع مرات فقط بل سبعةً في سبعين وبضدّ ذلك عقاب الشرّ ممدوح فقايين أُخِذَ منه الثأر سبع مرات. أي طولب بالثار عن قتلهِ أخاه. وأما لامخ فمؤَدٍّ ذلك سبعةً في سبعين لأنه كان قاتولاً بعد الناموس وفرائض الدين. وأما الذين كانوا ذوي شرور فصاروا آخذين في حضونھم سبعة أضعاف ما بُذِر منھم. وبيت الحكمة كان مدعوماً من العمد بسبعة وحجر زربابل فبعدد ذلك عيوناً كان مزيناً. ولله ممجدٌ بالتسبيح سبع مرات بالنھار. والعقر ولدت سبعة وأتت بالعدد الكامل وھي ضدٌّ لمن كانت غير تامَّة الأولاد.وإن تدرجت في النظر في العھد العتيق وجدت أخنزخ السابع في السالفين بالنقلة من المكرمين. ووجدت ابراھيم الحادي والعشرين برئاسة الأبوًّة من الممجدين بزيادة في السرّ مضاعفة لأن السبعة إذا ثُلِّثت كانت بھذا العدد آتية. وقد يجسر أحد من المتجاسرين في كل شيءٍ على الأقدام على آدم الجديد الذي ھو إلھنا وربنا يسوع المسيح فيجدهُ من آدم العتيق الذي كان تحت الخطيئة سابعاً وسبعين في العدد بحسب نسبة لوقا المعكوسة. وأرى أيضاً سبعة ابواق يشوع ابن نون ودورات الكھنة. كذلك بھذا المقدار من الأيام فد ھُدِمت أسوار أريحا. وأرى عودة إيليا النبي الثالثة لما عاد على ابن الأرملة الصرفندية قد نفخَت فيه الروح المحيي وأرى نضحهُ على شقق اللحم بھذا العدد قد استدعى ناراً منزلة من عند لله أحرقت الضحية وحكمت على أنبياءِ الخزي لما لم يقدروا على مثل ذلك بما قدموهُ من دعائھم. وأرى كذلك مراقبة الغمام وقد أمر بھذا الغلامَ سبع مراتٍ. وأرى من أليشع سبع عطفات على ابن الصومانية قد عطفت بالحياة عليه. ومن ھذا المعنى أيضاً أذكر الآن منارة الھيكل ذات السبعة القوائم والسرج السبعة. وفي سبعة أيام أرى الكاھن متمّماً وفي مثلھا الأبرص مطھَّراً والھيكل في عدد مثلھا مجدّداً. والشعب في السنة السبعين من السبي عائداً ليكون ما تقدم في الآحاد في العشرات مكرراً وسرُّ السابع في عددٍ أتمَّ من غيره مكرماً. وما لي أطيل في القول ويسوع نفسه الذي ھو التمام النقي قد رأى أن بغذي في القفر بخمس خبزات خمسة آلاف وبسبع أيضاً أربعة آلاف. وفضل عنھم بعد ما شبعوا أما ھناك فاثنتا عشرة قفة وأما ھنا فسبعة سلال وليس شيء من ذلك في ظني بغير قياس ولا بعيد من استحقاق الروح. وأنت إذا تفقدت في نفسك وجدت أعداداً كثيرة فيھا ما ھو أعمق من ظاھرھا إلا أم ما تحتاج إليه في ھذا الوقت أن العبرانيين إمَّا على ھذه الأحوال. و‘ما على ما يقرب منھا. وإما على ما ھو أجلُّ منھا يكرمون البنديقستي (العنصرة) ونكرم ذلك نحن أيضاً كما أن ھھنا أيضاً من رسوم العبرانيين أشياءَ أُخر كثيرة معمولة على جھة الرسوم وعائدة عندنا على معنى السرّ.فإذا كنا قد قدَّمنا في ھذا اليوم ھذا المقدار من الكلام فسبيلنا الآن أن نصير الى ما يتلو ذلك فيما بعد من القول. فنقول إننا معيدون عيد الخمسين وورود الروح وصلوا الميعاد وتمام الأجل. والسرُّ عظيم القدر وكريم من كل جھة. فجسدنيات المسيح قد انتھت بل الذي انتھى ھو أحوال قدومهِ الجسداني لأنني متوقف عن أن أسباب الجسد قد انتھت ما دام لا يقنعني قول بأن الأجود انتزاحهُ عن الجسد.وقد ابتدأت الآن أسباب المسيح؟ فھي بتولٌ وميلادٌ ودذود وتقميط وملائكة يمجدون ورعاة يتسارعون ومسير كوكب وسجود مجوس وحملھم ھدايا وقتل ھيرودس اطفالاً وھرب يسوع الى مصر وعودتهُ من مصر وختانتهُ ومعموديتهُ والشھادة لهُ من العلو وامتحانهُ ورجمهُ بالحجارة لأجلنا نحن الذين كان ينبغي أن يعطينا مثالاً للتألم من أجل الكلمة وتسليمهُ وتسميرهُ ودفنهُ ونشورهُ (قيامته) وصعودهُ وأتيانهُ وما نالهُ كثيراً والآن إمّا من قِبل ماقنيهِ من المسبة واحتمالهِ لھا لأنهُ طويل الأناة. وأمّا من قبَل وامقيهِ (محبيه) فمن الاقتضاءِ والتسخُّط وھو ينظر فكما يؤخر الرجز عن أولئك كذلك يؤخر الصلاح عن ھؤلاء. أما أولئك فيمھل لھم عطية وقت يكون لتوبتھم وأما ھؤلاء فيمتحن ودَّھم ألاّ يكونوا في الأحزان ناكصين وفي الجھاد عن حسن الديانة مقصرين وذلك أصل في التدبير الإلھي وشأن لأحكامهِ التي لا تدرك وبھا يقوّم أحوالنا بحكمته. فھذه أحوال المسيح وھذا شأنھا وستبصرھا فيما بعد زائدة شرفاً. ويا ليتنا كذلك عندھا.وأما أحوال الروح فايحضرني الروح لذكرھا ويجود عليَّ بنطق بمقدار ما أؤثر. ولإن لم يكن بھذا المقدار فبالمقدار الذي يكون مضاھياً للوقت. وعلى كلٍّ فسيحضر ھو كما يحضر سيد لا كما يحضرعبدٌ ولا ينتظر من غيرهِ أمراً كما ظنَّ قومٌ بل يھبُّ أينما يشاءُ وعلى من يشاءُ ومتى أراد بالقدر الذي يختارهُ. وكذلك ألھمنا نحن أن نعتقد ونقول في الروح فأما الذين يحطون الروح القدس الى أن يكون خلقة فھم شاتمون وعبيد اشرار وشرٌّ من كل شرير. لأن العبيد الأشرار من شأنھم إنكار الولاءِ والمروقُ والمعاندة لصاحبھم وتصيير الحرّ مساوياً لھم بالعبودية.وأما الذين يعتقدون أن الروح إلهٌ فأولئك إلھيّون وفي أذھانھم بھيون. وأما الذين سمونهُ بذلك فإن سموَّهُ كذوي طاعةٍ ومحافظةٍ فھم رفيعون. وأن سموَّهُ كمنخفضين فليسوا مدبّرين إذ ايتمنوا طيناً على جوھرة وسمعاً فاسداً على صوت رعد وألحاظاً ضعيفة على النظر الى الشمس. ومَن كان بعدُ يرضع لبناً على الطعام الصلب. وقد كان من الواجب أن يستجروھم الى قدام رويداً رويداً ويھبوا لھم الضوءَ بالضوءِ ويفيدوھم الحقَّ بحقٍّ.إلا أننا نترك الكلام الكامل الآن في ذلك إذ كان ليس ھذا وقتهُ ونخاطبھم ھكذا يا قوم أن كان عندكم أن الروح القدس ليس إلاّ مخلوقاً. وليس إلا تحت زمان فھذا بلا محالة فعل الروح النجس. فسلموا للغيرة أن تجري أن تجري قليلاً وإن كنتم قد وصلتم الى ھذا المقدار من الصحة والسلامة حتى تحيدوا عن الكفر المبين فتجعلوا من يجعلكم أحراراً من العبودية برياً فانظروا فيما يتلو ذلك مع الروح ومعنا. لأنني أثق بأن معكم شيئاً منهُ فأخالطكم حينئذٍ في النظر كما يخالط الأخصون. أو سلموا إليَّ شيئاً يتوسط فيما بين الملك والعبودية حتى أضع ھناك رتبة الروح. وإن ھربتم من العبودية فلا يخفى أين ترتبون المطلوب أفأنتم لمن يصعب عليه الحروف ويتعثر باللفظ وذلك لكم حجر عثرة وصخرة شكٍّ لأن المسيح قد صار كذلك لقومٍ. إن ذلك لألمٍ بشري. فسبيلنا أن نوافق بعضنا بعضاً بالروح ونكون ذوي محبة للأخوة أكثر من الودّ لذواتنا. وسلموا قوة اللاھوت حتى يسلم إليكم الصفح عن الاسم. واعترفوا بطبيعتهِ بألفاظٍ أخرى وإن وجب أن تكونوا منھا خجلين ونحن أذ ذاك نطببكم كما نؤاسي أي نكبب المرضى. متحياين في شيءٍ نسرفهُ لكم مما تكونون به متلذذين. فقبيح قبيح وبعيد من القياس جداً أن تكونوا في النفوس معافَيْن وفي الكلام وتضايقين كأننا نستر كنزاً لغيرنا حاسدين.أو تجزعوا من أن تقدسوا اللسان فرقين. وأقبح من ذلك ان يدخل علينا ما نشكوهُ ونكون على البخل بالكلام لا يمين فنتضايق نحن ايض اً في الحروف. فاعترفوا يا قوم أن الثالوث من لاھوت واحدٍ وإن شئتم من طبيعة واحدة فنطلب نحن لكم الاسم الذي ھو الإله من الروح إذ كنت أعلم حسناً أن الذي أعطي الأول سوف يعطي الثاني لا سيما إن كانت المعاندة جناية روحية ولم تكن دفعاً شيطانياً.وأنا أقول ما ھو أب ين من ھذا وأوجز لا تلومونا نحن في اللفظة العالية فليس حسداً من أجل استعلاءٍ الى ما ھذه صورتهُ فلا نشكو نحن منكم أيضاً اللفظة التي لم تصلوا الى سواھا ما دمتم صائرين الى ھذا المعنى بطريق أخرى إذ كنا لا نطلب أن نغلب بل أن نحتضن أخوة نحن منزعجون لفراقھم. فھذا قولنا لمن نجد عندهُ شيئاً من آلة الحياة وھم معشرة الاصحاء في امر الإبن الذين نحن من سيرتھم متعجبون إلا أننا لسنا لرأيھم حامدين. فيا من عندھم أسباب الروح اتخذوا الروح لكيلا تجاھدوا فقط بل يكون ذلك على موجب الناموس الذي منهُ الإكليل يا ليت ھذا يكون لكم ثواب اعن سيرتكم أن تقرُّوا بالروح اقراراً كاملاً وتنشروا ذكرهُ معنا وقبلنا بمقدار ما ھو أھلهُ فإني أجسر من أجلكم على ما ھو أكثر من ھذا وذاك أن أقول كما قال السليح ھذا مقدار محاماني عنكم ومقدار استحيائي من لباسكم الحسن زيُّهُ ومن لونكم المنبيء بنسككم ومن مجامعكم الطاھرة والبتولية اللطيفة النقية التي فيكم والصلاة الليل أجمع. ومحبة الفقراءِ وودِّ الأخوة ومقة. الضيافة حتى أني أرضي أن أكون عن المسيح في ناحيةٍ وأن يلحقني شيءٌ مما يلحق الذي قد وجب عليهِ الحكم إذا أنتم وقفتم معنا ومجدنا الثالوث معاً.وأما غيركم فماذا ينبغي أن أقول فيھم وقد ماتوا بالكلية وليس لاحدٍ غير المسيح أن يقيمھم إذ كان ھو المحيي الأموات بقدرتهِ وھم المنفصلون بالموضع انفصالاً ردياً وإن كانوا بالقول معافين فھم بھذا المقدار في مخالفة بعضھم لبعضٍ بمقدار مقلتين منقلبتين شاخصتين الى شيء واحد فھما من حيث وضعھما لا من حيث الناظر بل مختلفتان ھذا متى وجب أن نشكو منھم الإعوجاج ولم يكن العمى ھو الشكوى منھما. والآن فإذا كنا قد أتينا بمقدار القصد فيما بيننا وبينكم فھات نعود الى الروح وأظن أنكم تتبعونني. إن الروح القدس كان وھو كذلك الآن ولا يزال لا بداءة له ولا نھاية ولكنه منتظم ومتصل ومعدودٌ مع الآب والابن أبداً لأنه ما حسن قط أن يخلو الآب من الابن ولا الابن من الروح وإلا لو كان ذلك لكان اللاھوت عادماً للمجد في أكثر الأشياء. كأنه صار الى تمام كمال على تدرّج من رأي الى رأي. إلا أن الروح لم يزل ينال منه ولا يحتاج الى النوال. يتمّم ولا يتمَّم يكمّل ولا يكمَّل. يقدّس ولا يقدَّس. يؤلّه ولا يؤلَّه. وھو شيءٌ واحدٌ في ذاته موافق لھا دائماً ولمن ھو مرتَّب نعھا. لا يبصَر ولا يحويه زمان ولا يسعهُ مكان لا يستحيل. ولا يشوبهُ كيفية ولا كمية ولا صورة ولا لمسٌ ھو متحرك بذاته. ودائم بذاته. وقدرتهُ كلية. وإن كان الى العلة الأولى منتسباً فكما أن أسباب الابن الوحيد الى الآب راجعة كذلك أسباب الروح أيضاً. فھو حياةٍ ومحيٍ وھو نور ومانح نوراً. ھو في ذاته خير ومعدن للخيرات ھو روح مستقيم. رئيس. سيدٌ. مرسَل. مميّز. صانع محلاتٍ لذاته. ھادٍ . فاعل كما يشاءُ. موزع المواھب. ھو روح النبوة والحقّ والحكمة والفھم والمعرفة والكرامة والرأي والقوة والخوف ھذه الاشياء التي ھي معدودة. بهِ يعرَف الآب ويمجَّد الابن. ومنھما وحدھما يعلم بهِ فالانتظام واحد. والعبادة واحدة. والسجود واحد والقوة والتمام والتقديس – وما لي أطول – كلما للآب فھو للابن ما خلا أن ذاك غير مولود. وكلما ھو للابن فھو للروح ما خلا أن ذاك مولودٌ. وھذه الأشياء فليست بحسب رأيي تميّز جوھراً بل ھي تمييز حول الجوھر. فإن كنت تتمخض على المعاندة فإني أنا أتلھف على ارسال الكلام. فأكرم يوم الروح واضبط لسانك قليلاً إن كان ذلك ممكناً فإن الكلام في ألسنٍ اخرى فاستحي منھا أوفخفھا فإنھا شوھدت كالنار. فسبيلنا اليوم أن نذكر الرأي مطلقاً ثم نصفهُ في غدٍ من حيث الصناعة وأن نعيد اليوم ونشتھر بالقبح في غدٍ. ويكون ھذا من معنى السرّ الروحاني وذاك من معنى مشاھد الھزل. ويكون ھذا في البيع وذاك في الاسواق. وھذا لمن كان صاحياً وذاك لمن كان سكران. ھذا لذي الجدّ وذاك لمن ھم في الھزل من قصدھم الروح والآن إذا كنا دفعنا الغريب فھات نصلح القريب.فھذا الروح لم يزل فعلهُ قديماً في القوات السماوية الملائكية وكل ما كان منھا حول لله لأنه لم يكن لھا التمام والنور وبعد الخفوف الى الشرّ وعدم الحركة إليهِ بالكلية من جھة أخرى لا من جھة الروح القدس. ثم كانت آثارهُ بعد ذلك في الآباءِ والأنبياءِ. فنھم من تخيل لله أو عرفه. ومنھم من سبق فعرف ما يكون بما نقشه الروح في صفوة عقله فصاروا مشاھدين المستقبل كمشاھدة ما ھو حاضر إذ كانت كذلك قوة الروح. ثمَّ ظھر فعله في تلاميذ المسيح وأنا أترك أن أقول في المسيح الذي كان معهُ حاضراً ولم يكن فيهِ كفاعل بل كان كما يكون المشارك في الكرامة موافقاً. وكان اتصالهُ بالتلاميذ من ثلالثة اوجه بمقدار ما كان في طاقتھم أن يسعوهُ في أوقاتٍ ثلاثة منھا قبل تمجُّد المسيح بالأمم وبعد تمجيده بالقيامة وبعد ارتقائه وعودته الى السموات. أو غير ذلك مما ينبغي أن يقال. ويدلُّ على ذلك تطھيرھم في الأول من الأمراض والأرواح. وأن ذلك لم يكن خلواً من الروح. ثم النفخة بعد تمام التدبير ومن البيّن أنھا كانت منحة تزيد على غيرھا في الإلھية. وبعد ذلك ھذا التقسيم وتوزيع الألسن النارية الذي نحن معيّدوهُ اليوم إلا أن الأول كان خفياً والثاني كان أوفر بياناً وھذا أتمُّ. لأنه لم يكن حضوره في العقل والأثر كما كان في القديم بل كان ملابساً ومطابق اً كما قد يكاد الانسان يقول بالجوھرية وقد كان لائقاً لما نجانا الابن بالجسم أن يظھر ھذا من معنى جسم ولما عاد المسيح الى ذاته أن ينحدر إلينا ذاك قادماً كربّ مرسلاً كموافق غير مخالف. وھذه الألفاظ تدلُّ على الموافقة أكثرمن دلالتھا على فصل الطبائع ومن أجل ھذا كان ذلك بعد المسيح حتى لا نخلو من معزٍّ. ومن قبيل آخر لتذكر أنت المساواة في الكرامة. لأن الآخر إنما ھو آخر ھواناً وھذا إنماھو اسم للمشاركة في الملك وليس ھو اسماً للھوان لأنه لا يقال آخر على من كانت طبائعه غريبة بل على من كان متفقاً بالجوھر.أما ظھوره في أَلسنٍ فلوضع اختصاصه بالنطق. وأما كونھا نارية فأنا أطلب في ذلك إحدى الخصلتين. إما أن يكون ذلك من أجل الطھارة. لأن القول عندنا قد عُرف ناراً مطھرة بحسب ما يعرف ذلك من يريدهُ من مواضع كثيرة. وإما من أجل الجوھر لأن إلھنا نار ونار مھلكة للفساد وإن كنت أنت تتسخط من حيث يضيق عليك أن يكون في الجوھر مساوياً. وأما أن الألسن كانت منقسمة فذلك كرسيّاً كان لاختلاف المواھب. وأما أنھا كانت جالسة فلأجل الملوكية والاستقرار في القديسين لأن ھو الشاروبيم. وأما نزوله في علية فإن لم يُظَنَّ بي التجاوز عن الواجب فذلك لاستعلاءِ القابلين إياه وارتفاعھم عن الأرضيين لأن ھنا علالي مكنوفة بمياه إلھية يسبح لله. ومع ذلك فيسوع نفسه في علية شارك في السرّ الذين كملوا في الرفيعات ليبيّن ھذا أنه في بعض المعاني ينبغي أن يتطأطأ لله إلينا بحسب ما عرفت أنه كان في القديم بموسى مصنوعاً وفي معنى آخر سبيلنا نحن أن نرتفع إليهِ ثم يصير ھكذا الاتصال فيما بين لله وبين البشريين بامتزاج الرتبتين. ولكن إذ أثبت كل واحد منھما فيما يخصهُ أحدھما في شرفه والآخر في ذلتهِ فالجود حينئذٍ ممسك عن المخالطة في النوال والتفضل على البشر فلا وصول للمشاركة فيهِ. وقد حصل فيما بينھما ھوة عظيمة لا سبيل الى عبورھا ولا تكون مانعة للغني وحدهُ عن ألعازر وأحضان ابراھيم المأثورة بل تمنع الطبيعة الكائنة الزائلة عن غير الكائنة الثابتة. وھذا الروح قد أنذر بهِ الأنبياءُ حسب ما قيل "روح الربّ عليَّ الذي بهِ مسحني". وسوف يستقرُّ عليهِ سبعة ارواح. وانحدر روح الربّ فھداھم وأرشدھم. وروح علم أفعم بصلئيل رئيس صنَّاع قبَّة الزمان. وروح جديد رفع إيلياس على عجلة. وطلبهُ أليشع مضاعفاً. وداود اعتضد واھتدى بروحٍ صالح رئاسي وھذا الروح وعد بهِ في الأول على لسان يوئيل النبي في قولهِ: سيكون مؤمن وعلى بنيكم وبناتكم. وما الخ. في الايام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل جسدٍ أي جسدٍ ووعد به أيضاً يسوع المسيح بعد ذلك لما مجَّد ومُجّد اي مجَّد الآب وجَّدهُ الآب وأما الميعاد فعمرٌ جزيل وھوأن يدوم الى الدھر ويثبت. أي مع المستحقين له الآن على ممرّ الأوقات. وفي الآخرة مع مَن يستأھله ھناك. إذا نحن حفظناهُ في سيرتنا كاملاً وام نطرحهُ بمقدار خطايانا. ھذا الروح خلق الخليقة والقيامة مع الابن ويحقق ذلك عندك قوله بكلمة الرب تشددت السموات وبروح فيهِ كل قواتھا. وقوله روح الإله صنعني ونسمة ضابط الكل ھي التي تعملني وقولهُ في موضع آخر ترسل روحك فيخلقون وتجدّد وجه الأرض. وھو الذي يصنع الميلاد الثاني الذي ھو روحاني. ويحقق ذلك عندك قولهُ: إنهُ لا يمكن أحد أن يرى ملكوت السموات أو يصل إليھا إذا لم يولد من فوق بالروح. وإن لم يتطھر من المولود الأول الذي ھو سرٌّ من أسرار الليل بخلقة نھارية مضيئة يخلقھا كل أحدٍ في ذاته. ھذا الروح حكيم جدّاً يحبُّ البشر حبّاً شديداً فإن أخذ شاباً من الرعاة جعله مظفراً بالغرباء ولك شھادة على ھذا ظفر داود بجليات وجعلهُ طارداً الأرواح النجسة بالحانهِ وترنمهِ وأشھرهُ على اسرائيل ملكاً وإن أخذ راعي غنم مق لماً ثوبهُ جعلهُ نبيّاً فاذكر في ذلك داود وعاموص وموسى كليم لله. وإن أخذ غلاماً ذكياًّ جعلهُ مع صغر سنهِ قاضياً على الشيوخ ويشھد بذلك دانيال الذي غلب الاسد في الجبّ. وإن مجد صيّادين صادھم المسيح ليتصيدوا العالم بشصّ كلامھم وخذ لي في ھذا بطرس وأندريا وبني الرعد الذين أرعدوا الروحانيات. وإن كانوا عشَّارين فھو يربح منھم التلمذة ويصنعھم وصار اليوم بشيراً وإن كانوا ◌ً تجاراً ليسافرون بالأرواح والقائل ذلك متى الذي أمس عشّاراَ مضطھدين ملتھبين أَحال غيرتھم وجعلھم كبولس بدلاً من شاول وبلغوا في حسن العبادة ما بلغوهُ في الشرّ وھذا الروح ھو روح دعةٍ إلا أنه يحتدُّ على الخطأة فسبيلنا أن نباشرهُ وديعاً لا غضوباً باعترافنا بما ھو أھلهُ ونفورنا من مسبَّتهِ ولا نؤثر أن نراهُ ساخطاً سخطاً لا غفران لهُ. وھذا الروح ھو الذي جعلني لكم اليوم نذيراً جرياً فإن لم ينلني شيءٌ من المكروه فللَّه المنَّة ولإن نالني فالمنَّة أيضاً كذلك. ففي الأول من ھذين الإشفاق على مبغضينا. وفي الثاني يقدسنا. ويكون ھذا الثواب خدمتنا في بشارتهِ أن نتوفى بدمائنا. وأما أن كلامھم كان بألسن غريبة ليست ألسن آبائھم فإن ذلك لعجب عظيم كلامٌ نطق ممن لم يكن قد تعلمهُ والآية في ھذا للكفار وليست للمؤمنين لتكون خصماً لمن لا إيمان له. وقد كُتِب في ذلك "أني سأخاطب ھذا الشعب بشفاهٍ أخرى وألسنٍ غير ھذه ولا ھكذا يسمعون قال الرب". وأما في القول عنھم أنھم سمعوا فأمسك ھھنا قليلاً واشكك وانظر كيف نميز القول. فإن في اللفظة شكّ اً بيانهُ في الوقوف على ھذه النقطة. ھل سمع كل واحدٍ كلاماً بلغتهِ كأن الصوت كان في انطلاقهِ واحداً ثم سُمع أصواتاً كثيرة من جھة انفصالهِ في طنين الھواء. وإن زدت كلامي بياناً قلتُ كأن الصوت صار أصواتاً. أو سبيلنا أن نقول سمعوا ونقف ثم أنھم كانوا يتكلمون بلغاتھم ونضمُّ اللغات الى ما يتلو حتى يكون كلامھم بلغات السامعين التي ھي غريبة عند الناطقين فھذا ھو رأيي لأن العجيبة إذا كان الأول تكون من السامعين أكثر منھا من الناطقين. وأما كونھا ھكذا على المعنى الثاني قتكون من الناطقين الذين نُسِبوا الى السكر عندما صنعوا ھذه العجيبة بالروح في اللغات. إلا أن تشتُّت اللغات في القديم كان ممدوحاً عندما بنى البرج الذين كان اتفاق لغاتھم من الرداءّة صادراً والى الكفر مؤدياً كما يتجاسر البعض في ھذا الوقت. إلا أن اتفاق رأي أولئك القدماءَ لما انحلَّ باختلاف لغاتھم انحلَّ مع ذلك مرامھم. وأما العجيبة التي كانت الآن في انقسام ھذه الألسن فھي أشدُّ عجباً وبحسب ذلك وصفھا ونعتھا: فأولاً لأنھا نعمة انصبَّت من روحٍ واحدٍ الى جماعة ثمَّ اجتمعت الى نظامٍ واحدٍ وصار الفرق في المواھب محتاجاً الى موھبة أُخرى في تمييز الأفضل وإلاّ فكلّھا لا تحلو من شيء ممدوح. وھذا الانقسام أيضاّ جيّدٌ وھو الذي ذكرهُ داود في قولهِ: "غرّق يا ربّ وفرّق ألسنتھم" لماذا؟ لأنھم أحبوا كلام التغريق كلهُ وألسناً مغتالة كانت دغلة إنما كان الألسن التي ھھنا ظاھراً وھي التي تبترُ اللاھوت. ھذا من الكلام فلينتهِ الى ھھنا مقدارهُ.إلا أن الألسن لما كان خطابھا لسكان أورشليم من أتقياءِ اليھود من الفرس وأھل خراسان والعجم والديلم وأھل الأھواز والأقباط والإفريقيين والإقريطشيين والعرب وأھل الجزيرة وأھلي أناالكبادوكيين ومن كان من كلّ أمّة تحت السماءِ قد اجتمع ھناك من اليھود بحسب ما يفھمهُ الإنسان. فمن الواجب أن ننظر مَنْ كان ھؤلاءِ؟ ومن أيّ سبيٍ اجتمعوا لأن النقلة الى مصر والى بابل قد كانتا محدودتين ثمَّ انحلَّتا بالعودة. وأما نقلتھم وتشتيتھم من قبل الروم فلم يكن تمَّ بعدُ بل كان عتيداً أن يقدعقوبةً على ما جسروا عليهِ ضدَّ المخلّص. بقي الآن أن نتوھم أن ذلك من سبي أنتيوخس الذي لم يكن بعيد القدمة من ھذه الأوقات. فإن كان أحد لا يقبل ھذا الشرح وكان فيهِ فضلٌ في البحث من حيث الاحتجاج بأن السبي لا يكن عتيقاً ولم ينبسط في جميع المسكونة وطلب ھذا الانسان ما ھو أقنع مما ذكرناهُ فيجوز أن نرى ما ھو أكثر بياناً من ھذا. إن ھذه الأمة قد جُلِبت دفعاتٍ وسباھا جماعة بحسب ما ذكرهُ عزرا الكاتب فعاد عدة أسباط وتأخَّر منھا جماعة تفرقوا في أممٍ شتى فجاز أن يكون قد حضر جماعة منھم في ذلك الوقت فوصلوا الى ھذه العجيبة. وقد فحص عن ھذا محبُّو العلم فحصاً لعلَّهُ لا يُنسَب الى زيادة على ما يحتاج إليهِ. ومھما أحضرهُ غيرنا لھذا اليوم فھو مشارك لنا فيما أحضرناهُ.والآن قد حان لنا أن نطلق ھذا الجمع إذ كان فيما قلناهُ كفاية. وأما الموسم فلا نسرحهُ ابداً بل سبيلنا أن نعيّد دائماً أمّا الآن فأعياداً بعضھا جسمانية وأما بعد قليل فكلھا روحانية بحيث نعرف أحوال ھذه الأشياء معرفة جلية بيّنة بالكلمة نفسهِ الذي ھو الھنا وربنا يسوع المسيح الذي ھو العيد الصادق والفرح الأھل الخلاص المجدُ والعزُّ والكرامة للآب الأزلي. معهُ. ومع الروح القدس المحيي دائماً الآن والى الدھر. آمين. القديس غريغوريوس اللاھوتي
المزيد
12 يونيو 2021

عيد العنصرة

وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل "ينتظروا موعد الآب". أعمال 4:1 يوم العنصرة وهو الخمسين من يوم القيامة التي للسيد هو يوم ميلاد الكنيسة الحقيقي فقد صعد الرب بعد قيامته بأربعين يوما وترك تلاميذه مذعورين خائفين مختبئين خلف الأبواب المغلقة خوفا من اليهود.لم يكن لهم عمل سوى الصلاة بنفس واحدة تؤيدهم أم الرب وأمنا العذراء وربما كانوا يتفكرون في قلوبهم بمعنى كلام الرب بل "ينتظروا موعد الآب". أعمال 4:1 ربما لم يتذكروا في تلك الأيام أين هو وعد الآب وربما تذكروا بعد ذلك ما ورد في سفر يوئيل النبي الآية التالية: "ويكون في آخر الأيام أني أسكب من روحي على كل أحد فيتنبأ بنوكم ويرى بنوكم وبناتكم أحلاماً" يوئيل 2 :28 لكنهم فوجئوا (بعبارة على كل أحد) فهم يعلمون أن الروح القدس يحل على أناس معينين الأنبياء والمرسلين فيتنبأ النبي ثم يفارقه ذلك الروح أي يحل بشكل مؤقت ليبلغ النبي الرسالة ثم يفارقه الروح القدس.لكن ان يحل على كل أحد أي على كل بشر فهذا أمر مستغرب لم يألفه الشعب ولا حتى الرسل.لكنهم كانوا يواظبون على الصلاة بنفس واحدة هم وأمهم مريم العذراء.لكن تحقق الوعد بعد عشرة أيام من صعود الرب هبت ريح عاصفة ملأت البيت الذي كانوا فيه وظهرت الألسن النارية واستقرت على كل واحد منهم فقد حل الروح القدس روح الله بشكل ريح ونار فالريح طردت من نفوسهم الجبن والخوف والنار ملأتهم قوة عظيمة لبدء الكرازة بعهد النعمة والبشرى بالخلاص وبدئوا ينطقون بلغات العالم المختلفة ليوصلوا البشارة لكل العالم والمعجزة كانت أن كل واحد يتحدث بلغته الأصلية لكن السامعون يسمع كل واحد بحسب لغته.ومن قوة العظة الأولى بعد هذا الملء المقدس آمن ثلاثة آلاف من السامعين وزال الخوف حتى لو وصل الأمر إلى حبسهم وقتلهم لا يهم المهم أن تصل البشارة للعالم كله فيكون ثمن فقدان الحياة يسيرا مقارنة بانتشار البشارة إلى أقصى الأرض. من أسماء الروح القدس الباراكليتوس وتعني المعزي والمؤيد والمدافع والشفيع والمحامي. كثيرون اعتقدوا في الباراكليتوس شخص يأتي بعد المسيح. لنرى النص يوحنا 14: أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر يمكث معكم إلى الأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يدركه لكنكم تعرفونه ويحل فيكم إذن هو ليس شخصاً. عمل الروح القدس في الكنيسة 1. إنه يعزي المؤمنين لعدم مشاهدتهم الرب بالجسد. 2. يتكلم فيهم. 3. يوحي بالكتاب: "لأنه لم يأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين بالروح القدس . 2 بطرس 21:2". لو كتب الرسل الإنجيل لكان كتاباً بشرياً . الروح تكلم فيهم فهو من الله. + حلّ الروح القدس هنا على التلاميذ علناً بعكس نفخة الروح القدس التي أخذوها في العلية والأبواب مغلقة. وذلك لسببين: 1. أعلن الرب تأييده للرسل علناً أمام الناس، إنهم مرسلون من عنده حقيقة لاصطياد الناس. 2. أعلن شرعيتهم ككنيسة. الروح القدس والأسرار حل الروح القدس على الرسل ككنيسة وهو باق فيها ومتدفق جريانه وكما يقول داود في المزمور 4:46 نهر سواقيه تفرح مدينة الله. فالنهر هو الروح القدس، والسواقي هي الأسرار، فلا حلول للروح القدس خارج الأسرار. 1. في سر المعمودية: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. يوحنا 3:3. رسم الرب هذا السر هو ولادة جديدة بل هو تجديد الطبيعة البشرية كلها. والروح القدس يعمل خلال هذا السر. 2. في سر المسحة المقدسة: الذي فيه أيضاً إذا آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده. أفسس 14:1. + في العهد القديم كانت المسحة من أهم طقوس التكريس، ولدهن المسحة طريقة خاصة للإعداد خروج 3 : 23 – 33. + يمسح به الملوك والكهنة والأنبياء وكان إشارة لمسحة الروح القدس التي ننالها في الميرون. + بها تتقدس النفس، ويهبها الروح القدس إمكانية القداسة، (المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح). يوحنا 6:3 3. في سر الاعتراف والتوبة : الروح يعين ضعفاتنا والروح نفسه يشفع فينا. رومية 26:8 + الروح القدس يحل فينا ليقودنا إلى التوبة. يشجعنا ويبكتنا على خطايانا لنقدم توبة عنها. وعندما نعترف بخطايانا يمنحنا الغفران. 4. في سر الشكر (الإفخارستيا: يستدع الكاهن الروح القدس على الخبز والخمر فيتحولان إلى جسد ودم الرب، إذ يحل على الأسرار وعلى الكاهن والشعب ليصيروا أهلاً لاقتبال السر). ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: لا ذبيحة بدون شعب. 5.في سر الزيت المقدس: يحل ويقدس الزيت ويحل على المريض فيعطيه قوة الشفاء. يعقوب 14:5 6.في سر الزواج: يحل على المتقدمين للزواج فيقرنهما متحدين في جسد واحد. أفسس 31:5 7.في سر الكهنوت: وهو تاج الأسرار، يحل الروح القدس على المتقدم للكهنوت، ليتمم الأسرار ويقدس نفسه والشعب. الروح القدس وعمله فينا + الفرق بين حلول الروح القدس في العهد القديم والجديد، أنه في العهد القديم كان يحل على الأشخاص ويفارقهم عند انتهاء العمل أو النبوة. + في العنصرة حلّ الروح على الجميع، وأصبح له صورة جديدة، وعطية متميزة، حلّ في الكنيسة ولن يفارقها، لذا وجب علينا المحافظة على حلول الروح فينا محافظة تامة. كيف؟ ذكر الرسول بولس أربع وصايا لننال ثمر الروح: 1.لا تحزنوا الروح. أفسس 20:4 فهو يحزن بسبب خطايانا وشهواتنا. + ويحزن الروح القدس عند الرجوع لأعمال الإنسان وطبيعته القديمة التي جحدناها في المعمودية ومنها الكذب والسرقة والغضب والكلام الرديء والمرارة والسخط والتجديف والخبث، وهي صفات ذكرها الرسول بولس. أفسس 24 : 25 – 31 2.لا تطفئوا الروح. 1 تسالونيكي 19:5 + أي لا تخمدوا نار الروح القدس إنه مشتعل فيكم يرشدكم إلى الحق. يوحنا 13:16 + وهو دائم العمل يشتعل فينير أجسادنا ونعكس منها نور المسيح. 3- اسلكوا بالروح. غلاطية 16:5 + هو أن تلتقي إرادتنا مع إرادة الله. + والسلوك بالروح عكس السلوك بالجسد فسلوك الجسد ذكره الرسول بولس في غلاطية 5 : 19 وهو : زنا عهر نجاسة دعارة، عبادة أوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، قتل سكر. + السلوك بالروح يهيئ مكاناً في داخلنا ليستريح فيه الروح القدس الذي لا يسكن إلا في القديسين. + الحمامة في سفينة نوح لم تجد لها مكاناً بين جثث الموتى المنتنة فعادت إلى الفلك، وهي ترمز للروح القدس. + والروح له أعمال ظاهرة: فهو يعلم ويرشد ويعزي. ولا ننسى أن أجسادنا هي هياكل للروح القدس. امتلئوا بالروح. أفسس 18:5 + يدعونا للامتلاء من الروح القدس كما امتلأ به التلاميذ في مناسبات عديدة + لقد سكن فينا الروح القدس في المعمودية، لكننا نحتاجه ليتدفق فينا كما احتاج الرسل في مناسبات عديدة: فلكي يشهد بطرس أمام مجمع السنهدريم الذي حكم على المسيح بالصلب، بقيامة المسيح كان يتطلب امتلاءً جديداً. وشرعية اختيار الشمامسة السبعة للخدمة يحتاج للامتلاء من الروح القدس. ومواجهته علم الساحر المضل يحتاج أيضاً للامتلاء + الامتلاء من الروح القدس لا يعني بأي حال من الأحوال نوال المواهب وما يرافق ذلك من التشنجات العاطفية. هو تدفق الطاقة في الكنيسة. + والامتلاء من الروح القدس لا يعني ملء إناء فارغ ، بل هو فيض الروح القدس فينا وتدفق مستمر لا ينقطع، وهو تدفق ماء حي. يوحنا 38:7 + هو النفخ في نار الخمسين في داخلنا فتتأجج وتشتعل حرارة أرواحنا. ثمر الروح + وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف. غلاطية 22:5 خاتمة 1.الروح القدس يجدد طبيعة الإنسان. 2.يبعث الفرح في نفوس الشهداء. 3.ينزع الحزن من العالم. 4.يهب التقوية في الآلام. + لا فضيلة ولا بركة ولا نعمة إلا من كنز الروح القدس الذي يعطي الغنى ويحيي الكنيسة بكل وسائط النعمة.لذلك فلننحن مع الساجدين في وسط الكنيسة ونصرخ: يا رب أغثنا بروحك القدوس لنكون حقاً من الساجدين لك بالروح والحق. آمين
المزيد
11 يونيو 2021

شخصيات الكتاب المقدس جدعون

"الرب معك يا جبار البأس" قض 6: 12 مقدمة ما أوسع الفرق بين نابليون وجدعون، وبين تكتيك المدفعية الثقيلة وتكتيك الجرار الفارغة. كان نابليون في الحرب لا يؤمن بالله، ويقول ساخراً إن الله مع المدفعية الثقيلة، وكان يؤمن بثلاثة عناصر يقوم عليها النجاح في الحرب: عدد الجنود، والتسلح الجيد، وعبقرية القيادة. ومن العجيب أن الثلاثة توفرت له، ومع ذلك هزم هزيمة منكرة، فقد قاد حملته إلى روسيا، وكان تكتيك الروس الانسحاب أمامه وحرق المدن بكاملها حتى لا يجد ملجأ أو طعاماً، وذهب بنصف مليون جندي، وعاد ببضعة آلاف، قد لا تصل إلى الخمسين ألفاً، وعندما سئل عن سر الهزيمة قال: لقد هزمني الچنرال يناير، ويقصد بذلك الشتاء الروسي، وفي آخر معاركه ووترلو، وفي شهادة واحد من كبار العسكريين أنه وفقاً للحساب البشري والتخطيط العسكري، كان أوفر حظاً من ولنجنتون، وعندما سئل: ومن الذي هزمه إذاً؟.. أجاب! الله هزم نابليون رغم عبقريته العسكرية، أو مدفعيته الثقيلة،لم يعرف جدعون العدد الكثير فقد أمره الله ألا يبقى من جيش قوامه اثنان وثلاثون ألفاً وثلاثمائة من الجنود، وألا يحمل معه سيفاً واحداً، وأن يتسلح بثلاثمائة من الجرار الفارغة، وثلاثمائة من الأبواق، وثلاثمائة مصباح، وكان تكتيكه العسكري، أن يضرب الجنود بالأبواق، وأن يكسروا الجرار، وأن يرفعوا المصابيح في أيديهم، وذلك في أول الهزيع الأوسط، عندما كان جنود الأعداء غارقين في النوم العميق قبيل منتصف الليل بقليل،.. وعندما نسأل بعد ذلك، ومن الذي هزم المديانيين إذاً؟ لا نجد سوى الجواب الوحيد: الله هزم المديانيين، ويهزم في كل جيل وعصر الطغاة مهما كان عددهم ومهما كانت أسلحتهم. إن قصة جدعون من أمتع وأصدق القصص التي يجمل أن نضعها أمام أنظارنا، ونحن نخوض حرب الحياة، ومعارك الأيام!!.. جدعون والقوى الداخلية الكامنة فيه هل رأيت جدعون عندما باغته ملاك الرب، وقال له الرب معك يا جبار البأس؟، كان جدعون في ذلك في الحضيض نفسياً، في أسوأ حالة يمكن أن يكون عليها الإنسان، وجهه مملوء بالتراب، وعيناه لا تكادان تقويان على النظر، جلس الملاك أمامه تحت البطمة، وهو عاجز عن رؤياه، والأعجب أن الملاك مع هذا كله يناديه قائلاً: الرب معك يا جبار البأس، وهي في نظره سخرية ما بعدها سخرية، كيف يمكن أن يكون جباراً، وهو الخائف من المديانيين والذي يخبط الحنطة في المعصرة ليهربها من المديانيين، ويكاد يخاف من ظله هو؟.. ولكن الملاك مع ذلك يرى فيه رجلاً جبار بأس، وأن هناك قوى هاجعة في داخله توشك أن تستيقظ، وتوشك أن يكشفها الله له!!.. هل حقاً ما قاله أحدهم: إن الناس أربعة.. رجل يجهل، ويجهل أنه يجهل، ذلك مدع أتركه.. ورجل يجهل ويعلم أنه يجهل، ذلك بسيط علمه،.. ورجل يعلم، ويجهل أنه يعلم ذلك نائم أيقظه،.. ورجل يعلم، ويعلم أنه يعلم، ذلك معلم اتبعه!!.. كان جدعون الجبار النائم الذي جاء الله ليرفع عنه التراب الذي يعفر وجهه، ويخرجه من المعصرة التي اختبأ فيها، ومن الظلام الذي حاول أن يتدثر به!!.. ومن الندم الذي وصل إليه حتى عجز عن أن يدرك جبروته الصحيح! الجبار الصريح وكانت هذه سمة من أفضل سمات الرجل، إنه ذلك الإنسان الصريح الذي لا يخبئ في أعماقه شيئاً يداور به الواقع الذي يعيشه،.. قال له الغريب: الرب معك،.. وكان الجواب: لا يا سيدي، إنني لا أستطيع أن أصدق هذه الحقيقة، وذلك لأن الرب الذي تذكره لي، يختلف تماماً عن الذي حدثنا به آباؤنا: "وإذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟ وأين عجائبه التي أخبرنا بها آباؤنا، قائلين: ألم يصعدنا الرب من مصر والآن قد رفضنا الرب وجعلنا في كف مديان".. هذا رجل صريح لا يداور الحقيقة التي يلمسها بيديه، وهو يطرحها أمام الغريب الذي يتحدث معه دون سابق معرفة،.. ساوره الشك، وهو من أخلص الناس في شكوكهم، وهو يطرح تجاربه الذهنية دون لف أو دوران أمام ملاك الرب وهو لا يعلم، وما أجمل أن يكون الإنسان صريحاً، شفافاً كالبلور، أمام الله، يعكس الظلال التي تقع عليها دون أن يغطيها أو يداريها، وهذا أعظم وأجدى أمام السيد، من التكلف والتصنع والمداورة،.. فمن الناس من يملأ قلبه التذمر، وهو يدعى الشكر، أو يمتليء بالغيظ وهو يدعي الرضا!!.. جيد عند الرب أن تتحدث بشكوكك ومتاعبك ومخاوفك وضيقك، ولن يضيق الرب بهذا الإحساس ما دمت صادقاً مخلصاً أميناً. إن صفحات الكتاب ممتلئة بهذه الحقيقة من أناس جابهوا الله بما يعتمد في صدرهم بدون مواراة،.. وهل رأيت أجرأ من يقول لله مع موسى محتجاً، وهو يرى أن مقابلته لفرعون، لم تخرج الشعب، بل زادت الطينة بلة، أو زاد الثقل عليهم: "فرجع موسى إلى الرب وقال يا سيد لماذا أسأت إلى هذا الشعب لماذا أرسلتني لأنه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب وأنت لم تخلص شعبك"؟؟ وهل وقفت مع إيليا وهو يصرخ لله ويقول: "أيها الرب إلهي أأيضاً إلى الأرملة التي أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها؟؟".وهل سمعت آساف وهو يكاد يترك الدين: "حقاً قد زكيت قلبي باطلاً وغسلت بالنقاوة يدي وكنت مصاباً اليوم كله وتأدبت كل صباح؟؟" وهل ذكرت أرميا وقد ناله الجهد والتعب، إلى درجة التصميم أن لا يذكر اسم الرب بعد: "فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع؟؟" وهل أدركت حبقوق وهو يبدأ سفره: "حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع، أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص؟؟" وهل تابعت المعمدان وهو يرسل تلميذيه إلى السيد قائلاً: "أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟؟".. هؤلاء جميعاً كانوا على لظى الشكوك، ولكنهم كشفوا أعمال نفوسهم لله، ولم يضق الله بشكهم، إذ كانوا أمناء صادقين دون خداع أو ختال أو رياء!! إن هناك فرقاً بين شك وشك،.. هناك من يشك كجدعون، دون أن تكون له الرغبة في التمسك بالشك أو الإبقاء عليه، على العكس ممن يشك وهو مصر على عدم التحول عن هذا الشك، مهما كانت البراهين واضحة أمامه،.. قيل عن الواعظ العظيم فردريك روبرتسن أنه عاش سنوات متعددة في صراع مع الشك، كان أميناً في بسط هذا الشك أمام الله، ولم تضعف الوساوس خدمته على الإطلاق، حتى انتصر في معركة الشك، وخرج إلى إيمانه العظيم بالله،.. قيل عن اثنين من اسكتلندا كان أحدهما شاباً والآخر عجوزاً: كان الشاب مهما تلونت الظروف معه، يؤمن بأنه يسير إلى جوار الله، وكان يتكلم على الطريق معه، كما يكلم الإنسان صاحبه الذي يتمشى معه، وكان الآخر عجوزاً، مرض وطال مرضه، وكان يضع إلى جواره كرسياً يطلق عليه كرسي الله، وقد رأوه في لحظة الموت، وقد مد يده إلى الكرسي، وعلق أحدهم بالقول هل كان الكرسي خالياً؟!!. كن صريحاً أبلغ الصراحة مع الله، ما دمت مؤمناً يملؤك الإخلاص الذي يعلم الله!!.. الجبار الوديع لم يكن وديعاً فحسب، بل كان رائعاً في وداعته،.. يقول له الملاك: "اذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان ؛ أما أرسلتك؟! فقال له أسألك يا سيدي بماذا أخلص إسرائيل؟ ها عشيرتي هي الذلى في منسى وأنا الأصغر في بيت أبي".. هل وقفت أمام الجبار الذي يقول: "أنا الأصغر؟؟، وهل وقفت أمام سر من أعظم الأسرار في حياة الأبطال الناجحين الذي يرون نفوسهم على حقيقتها ويقولون: "أنا الأصغر؟؟.. هل علمت لماذا ترك بولس اسمه القديم "شاول"، وعرفه العالم باسم بولس الذي يعني "صغير" لأنه أدرك هذه الحقيقة، إنه يبدأ ويعيش وينتهي تحت إحساس الإنسان الصغير، مهما فعل في هذه الدنيا،.. بل هل نعلم بأنه نافس جدعون منافسة قوية في التعبير "الأصغر" فعندما وازن بين نفسه والرسل قال: "وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي لأني أصغر الرسل، أنا الذي لست أهلاً لأن أدعى رسولاً لأني اضطهدت كنيسة الله"؟؟ على أنه في الموازنة أكثر من ذلك مع القديسين قال: "لي أنا أصغر جميع القديسين أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يستقصى" لم يضع بولس مجرد الموازنة مع الرسل ليرى نفسه أصغرهم، بل مع جميع القديسين ليقول أنا الأصغر!! هل الإحساس بالأصغر هو المغالاة في التعبير عند جدعون أو بولس أو من على شاكلتهما من العظماء؟ أو هو الاكتشاف الصحيح الذي ينبغي أن يكتشفه جبابرة الأرض أمام السيد: "الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب الذي ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن الذي يجعل العظماء لا شيئاً ويصير قضاة الأرض كالباطل".. وهل يزيد الإنسان أمام الله مهما كانت عظمته عن الجندب أو الجراد؟؟ وما الفرق بين جرادة وجرادة؟؟ لو أنك رأيت نملاً يندفع في خط طويل أمامك، ما الفرق بين نملة وأخرى؟؟ إذا رأيت عشباً هنا أو عشباً هناك، ما الفرق بين هذا وذاك؟؟ والإنسان عشب: "كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل يبس العشب ذبل الزهر لأن نفخة الرب هبت عليه حقاً الشعب عشب يبس الشعب ذبل الزهر وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد".. عندما اعتلت الملكة ولهلمينا عرش هولندا، علمتها أمها دائماً أن تكون متواضعة صغيرة،.. ذات مرة طرقت غرفة أمها، وعندما صاحت الأم: من بالخارج؟؟ جاء الجواب: ملكة هولندا.. أريد الدخول،.. ولم يكن من مجيب!!.. وعادت الابنة تطرق.. وكان السؤال من بالخارج؟.. وجاء الجواب: ولهلمينا هولندا؟!!.. ولم يكن من مجيب، ثم طرقت الابنة مرة ثالثة: وإذا بالسؤال: من بالخارج؟.. وكان الجواب ابنتك الصغيرة وعندئذ قالت الأم: ادخلي!!.كان لورد كلفن من أعظم علماء علم الأحياء، وكانوا يسألونه عما فعل وأنجز.. فيأتي الجواب: لا شيء وحياتي فاشلة!!.. وعندما انتصر إبراهام لنكولن على منافسه، وأصبح رئيساً للولايات المتحدة.. قال: في الحقيقة أنا لا أصلح أن أكون رئيس الولايات المتحدة.. وطالما سمع الناس أينشتين العظيم يقول: إن سر ما وصل إليه يرجع إلى العديد من تلاميذه المجهولين غير المعروفين!!.. لقد بلغ جدعون السر الذي قال عنه المسيح لتلاميذه بعد قرون طويلة، وهو يقيم ولداً صغيراً في الوسط، إذ رآهم يتشاجرون عمن يكون الأعظم،.. وقال: "لأن الأصغر فيكم جميعاً هو يكون عظيماً".. الجبار المناضل عندما جاءه الملاك، لم يجده مسترخياً في مكانه، أو نائماً في سريره بل جاءه في الوقت الذي كان فيه يخبط الحنطة، ويبدو أنها كانت كمية قليلة لا تحتاج إلى نورج، أو أنه لا يجد النورج بسهولة، فهو يقوم بالعمل مهما كلفه من جهد وتعب، كان الرجل بطبيعته مناضلاً متحركاً، وهو لهذا من النوع المحبوب لدى الله،.. إن الله لا يهتم بنوع العمل الذي تقوم به، ومقدار ما فيه من عظمة وجلال ومجد، بل يهمه أولاً وأخيراً أن تقوم بالعمل بأمانة وجد وإخلاص، مهما بدا العمل صغيراً أو حقيراً.. عندما طلب الله موسى، طلبه وهو يرعى أغنام حميه في مديان، وعندما طلبه داود كان داود وراء الأغنام في بيت لحم، وعندما وجد جدعون وجده وهو يخبط الحنطة،.. قم بعملك مهما كان صغيراً، ولا تنتظر مؤجلاً العمل حتى تصل إلى ظروف أسمى وأفضل، إن الله يأتي إليك حتى ولو كنت وراء قليل من الحنطة، تعمل في معصرة دون أن ينتبه إليك أحد. قيل عن رجل حكم عليه بالسجن مدى الحياة، وكان الرجل يهوى الموسيقى ولم يقل الرجل أن لا أمل في الخروج، بل كان في السجن يلحن ويدرس الموسيقى حتى أصبح من أعظم رجال الموسيقى في عصره، وخرج من السجن بالعفو ليجد نفسه يسمع الدنيا بأكملها موسيقاه،.. قد تكون سجين ظروف قاسية في سجن الفقر، أو الاضطهاد، أو المرض، أو التعب، أو العزلة، اعمل دون أن تستهين يوماً بالأمور الصغيرة، فإن أعظم أعمال الدنيا جاءت من أناس بدئوا صغاراً وعملوا!!.. جدعون والخطية المانعة كان السؤال الذي وضعه جدعون أمام الملاك: هل تغير الله؟. ولماذا لا تظهر عجائبه التي سمعها من آبائه وأجداده؟؟ وكان عليه أن يعلم أن الله ليس عنده تغيير أو ظل دوران،.. وأن البشر هم الذين يتغيرون، ويكفي أن يلقى جدعون أقرب نظرة إليه، في بيته وعند أبيه ليرى كم كان التغيير مخيفاً ومؤلماً وبشعاً،.. لقد تفشت الوثنية في الشعب إلى درجة أن أباه أقام مذبحاً للبعل، ويعتقد البعض أن هذا المذبح كان لأبيه خاصة، ويرى آخرون بأنه كان لأبيه وللمدينة كلها، وما من شك بأن الله ضاق بهذا التحول عنه، وسلم الشعب للأعداء، وكان لا يمكن أن ينقذهم قبل أن يطهرهم من الفساد الذي وصلوا إليه، وهذا التطهير له الجانب السلبي في هدم مذبح البعل، والجانب الإيجابي في بناء مذبح الرب على رأس الحصن ليبقى مرتفعاً ومنظوراً من الجميع، وهناك تساؤل: هل قدم جدعون العجلين ذبيحة أو العجل الواحد؟؟ وأغلب الظن أنه قدم عن نفسه عجل أبيه، لكن الأهم كان العجل ابن السبع سنين، وهي سنو الفساد والاستعباد التي أدخلها المديانيون إلى حياتهم، وكانت الذبيحة هنا إشارة لهدم كل رابطة تربطهم بالوثنية السوداء التي عاشوا فيها!! عندما دخلت الخطية حياة الشعب دخل الخراب، فقد استولى المديانيون على كل شيء، وكانوا أشبه بالجراد الذي يأكل كل شيء ولا يترك وراءه إلا أرضاً جرداء بدون ثمر أو طعام. ودخل الحزن، وكثرت الضحايا، وسقط الشباب كالأعواد الزاهرة الذاوية، وقتل ذبح وصلمناع سبعين رجلاً هم إخوة جدعون الأشقاء، ودخل الفزع ليصنع فعله القاسي في حياة الناس، إذ لم يعد هناك أمان أو اطمئنان. وعندما جاء الملاك كان جدعون يخبط حنطته في خوف ورعب ليهرب بها من المديانيين.. وكان على جدعون قبل أن يحتج أو يصنع شيئاً أن يقول ما قاله إرميا في مراثيه فيما بعد: "لماذا يشتكي الإنسان الحي الرجل من قصاص خطاياه لنفحص طرقنا ونمتحنها ونرجع إلى الرب"..!! جدعون والإيمان المسترد كان العنصر الأساسي في حياة جدعون أن يتخلص من كل شك، وبعد أن يطهر نفسه والشعب يسترد إيمانه العظيم بالله، الإيمان الذي صنع العجائب العظيمة مع آبائه، ويمكن أن يصنعها أيضاً معه،.. وقبل الله ذبيحته الأولى، وقبل أن يعطيه البرهان في الجزة مرتين، مرة تمتليء بالطل والأرض جافة، والثانية عندما تجف والأرض كلها ممتلئة بالطل،.. وزاد الله بأن أسمعه حلم المدياني الذي تحدث عن رغيف الخبز من الشعير الذي قلب خيمته، والذي فسره الآخر بأنه سيف جدعون بن يوآش رجل إسرائيل كان بسكال الفيلسوف معجباً إلى الحد الكبير بجدعون بن يوآش، وهو صاحب ذلك الخيال الطريف، والذي ذكر فيه أن أم جدعون أخذت جزة ابنها، وصنعت منها صديرياً يلبسه على صدره كل حين، ويذكره على الدوام بإيمانه بالله، كلما تعرض هذا الإيمان لهزة من الهزات، وسار جدعون بإيمانه ليدخل ركب التاريخ وصفوف الأبطال، ويكتب اسمه في الرسالة إلى العبرانيين قبل أن يعوز الوقت الكاتب الذي جعله يمر بالكثيرين دون أن يذكر أسماءهم وأفعالهم العظيمة!! كان الفرق بين إيمان جدعون الأول وإيمانه الثاني: إن الإيمان الأول كان إيماناً إخبارياً نقل إليه من الكثيرين عما فعل الرب مع آبائه وأجداده في القديم، أما الإيمان الثاني، فهو الإيمان الاختباري الذي فيه تلاقى مباشرة مع الله واختبره، وهناك فرق عظيم، بين مجرد السمع، وبين الاختبار الفعلي، وبين أثر هذا وذاك في حياة الناس، ويكفي أن نرى الفرق بين إيمان أهل سوخار بسبب ما قالت المرأة السامرية لهم، وإيمانهم المباشر بعد لقاء المسيح المبارك معهم: "فأمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة التي تشهد أنه قال لي كل ما فعلت، فلما جاء إليه السامريون سألوه أن يمكث عندهم فمكث هناك يومين فآمن به أكثر جداً بسبب كلامه وقالوا للمرأة إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم. جدعون والمعركة الناجحة ومع أن معركة جدعون كانت من أغرب المعارك التاريخية على وجه الأرض، إلا أنه يمكن أن نلاحظ عليها ما يلي:- استراتيچية القائد الأعلى كان على الجنود أن يصرخوا "سيف للرب ولجدعون".. ولئن كان جدعون هو الأداة البشرية فإن الله هو القائد الأعلى، وهذا القائد لا يسير بمنطق الناس أو حكمتهم أو فهمهم البشري، بل إنه على العكس يقلب كل شيء ويجعله مضاداً للفكر البشري، والسر في ذلك كما قال هو: "لئلا يفتخر على إسرائيل قائلاً يدي خلصتني". ومن ثم فقد تقدم للحرب اثنان وثلاثون ألفاً، فوصل بهم الله إلى ثلاثمائة جندي، وحتى يقطع الطريق تماماً على كل ادعاء بشري، جرد الثلاثمائة جندي من كل سلاح يستخدم في المعارك ومن العجيب أن هذه استراتيچيته الثابتة في كل معارك الحياة، كلما أراد أن يصنع المعجزات، ويغير التاريخ، ويكفي أن نرى في كل العصور: "فانظروا دعوتكم أيها الإخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون أقوياء ليس كثيرون شرفاء بل اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء، وأختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه".. وهو إلى جانب هذا يرفض الأسلحة البشرية التقليدية،.. هل قرأت ذلك الخيال الطريف الذي تصوره أحدهم، إن المسيح في عودته إلى السماء، استقبلته الملائكة، وقال لقد أتممت الرسالة وتركتها وديعة في يد الذين سينشرونها في الأرض؟؟ وسأل الملائكة: هل هم فلاسفة الأرض، وقال المسيح: كلا.. هل هم أغنياء الأرض.. وأجاب: كلا.. هل هم مجموعة من الجيوش الزاحفة في الأرض.. وقال المسيح: إنهم جماعة من الصيادين الفقراء الذين لا يملكون شيئاً، وإنما يحملون اسمي معهم في كل مكان!!.. أن أنظار الأصدقاء والأعداء تتجه في معركة جدعون إلى الله وإلى الله وحده!!.. استراتيچية الجندي الناجح عندما صرخ الجنود، كانت صرختهم: "سيف للرب ولجدعون" ومع أن جدعون يستوي والعدم بالنسبة للمعركة، لكن وجوده ووجود جنوده أمر أساسي وجوهري في النصر، وبكل إجلال واحترام لله، نقول: إنه لا يصنع شيئاً في الأرض إلا إذا استخدم الأداة البشرية، لكن السؤال يأتي: من هم الذين يستخدمهم الله؟؟.. إن الله هنا يهتم بالنوع أكثر من العدد، لقد أعاد من المعركة الخائفين الذين ليس لهم قوة الإيمان وجسارته، وأدخل البقية الأخرى في الامتحان عند شرب الماء فالذي جثا على ركبتيه للشرب كان في جانب، والذي ولغ بيده كما يلغ الكلب كان في جانب آخر، وكان العدد الأخير ثلاثمائة، هم الذي دخلوا المعركة، أما الآخرون فسرحوا، ويعتقد كثيرون أنهم سرحوا لأن الانبطاح على الوجه، كان عادة الذين تعودوا الانبطاح أمام البعل في العادة، وهؤلاء مرفوضون أي لأنهم كانوا في السهل، وأعداؤهم كانوا في أعلى الجبل ويسهل أن يهاجموهم وهم على هذا الوضع، ولا يجوز لإنسان أن يدخل المعركة، ثم ينبطح على وجهه، أو لأنهم يريدون أن يشربوا ملء بطونهم، وليس لهم حركة الآخرين، وتأهبهم، الذين يرون فقط ظمأهم وهم مثل آبائهم الذين خرجوا من مصر وأحقاؤهم مشدودة، والأحذية في أرجلهم، لأنهم على استعداد للحركة السريعة!!.. أياً كان الفكر، فمما لا شك فيه أن "النوع" في الثلاثمائة هو الأفضل والأنشط والأكثر استعداداً وتأهباً للقتال!!من طريف ما يذكر أن أحد رجال الله قال لزميله الذي سأله عن الأحوال وأجاب الآخر: رائعة إذ أن الكنيسة في نهضة عظيمة، لقد شطبنا من عضويتها خمسين عضواً،.. وكانت هذه حقاً نهضة عظيمة، إذ أن الله يسر بالنوع أكثر من الكم، والثلاثمائة بغيرتهم وحركتهم وجسارتهم أفضل من ثلاثين ألفا أو يزيد من الخائفين أو الكسلة، أو المترددين أو المنبطحين على وجوههم!!.. استراتيچية الوسيلة البارعة باغت جدعون الأعداء عندما تثقل نومهم في أول الهزيع الأوسط الذي يبدأ حسب النظام اليهودي من الساعة العاشرة إلى الثانية صباحاً، وطوقهم من ثلاث جهات، وهم يستيقظون على فرقعة الجرار المكسورة والأنوار المرتفعة، والأبواق الضاربة، فلا يعتقدون أن المهاجمين هم ثلاثمائة جندي بغير سلاح، بل هم جيوش جرارة تطوقهم من ثلاث جهات، وفي الفزع والرعب لا يعرف العدو من الصديق، وإذا بهم كل واحد يقتل جاره، لم يقاتل جدعون أجساد أعدائه، بل قاتل أذهانهم، وساعد بعضهم على إهلاك بعض!! وفي المعارك الروحية، نحن لسنا إلا جراراً فارغة يستخدمها الله أفضل استخدام، رغم تصدعها وضعفها، ولا قدرة لنا إلا أن نرفع أمام العالم الغارق في الظلام مشاعل النور والحق والخير والسلام،.. وليس لنا من سلاح إلا كلمة الله نبوق بها للناس، فإذا بعالم الخطية والفساد والشر يسقط تحت أقدامنا أسرع من البرق!! ترى هل نستطيع أن نستعيد الوسيلة القديمة البارعة، فلا نرى نفوسنا في معارك الحياة، سوى جرار فارغة تحمل مشعل النور العظيم للعالم، وبوق الكلمة الإلهية كصوت صارخ في البرية؟!! جدعون والتجربة الزاحفة وهذا آخر ما تنتهي به في قصة الرجل، لقد واجهته التجربة في قمة انتصاره فرفضها عندما طلب منه أن يكون ملكاً على الشعب، زمجرت التجربة في وجهه، ولكنه أبى أن يأخذ مكان الله وقال: "لا أتسلط أنا عليكم ولا يتسلط ابني، الرب يتسلط عليكم".. وتركه الشيطان إلى حين، ليداوره مرة أخرى، ولكن بأسلوب آخر لا كملك بل ككاهن، فصنع أفوداً وابتعد عن شيلوه، وكان ذلك فخاً له ولبيته ولشعب الله،.. إن جدعون يذكرنا على الدوام، بأنه لا يوجد فينا إنسان محصن ضد التجربة وأنه في الصغر والصبا والشباب والشيخوخة، نحن في حاجة إلى أن نصرخ: "اختبرني يا الله واعرف قلبي، امتحني واعرف أفكاري وانظر إن كان في طريق باطل واهدني طريقاً أبدياً"هل صرخ جدعون هذه الصرخة أو مثلها؟؟.. وهل تاب عنها؟؟.. نحن نشكر الله الذي لم يحرمنا من الرجاء فيه أو في شمشون من بعده، عندما نقرأ الكلمات الإلهية ونراه من أبطال الإيمان في الرسالة إلى العبرانيين القائلة: "وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون وباراق وشمشمون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء!!..".. شكراً لأجل النعمة التي أنقذت جدعون.. وأنقذت شمشون أيضاً!!..
المزيد
28 مايو 2021

بطرس الرسول

القديس بطرس الرسول لم يكن خادما ًمثاليا، ولم يختلف عن باقي الرسول ولم يكن له صفات معينه تفرق بينه وبين الرسل، فهو إنسان طبيعي، ولن قدوة ولكن قدوة الله التي علمت فيه بصورة كبيرة وأخرجت لنا بطرس الرسول وهناك نقط في حياة القديس بطرس سوف نتكلم ومن هذه النفط والصفات :- أولا: دعوة بطرس حدثت دعوة بطرس عندما مر عليه السيد المسيح ودعاه للخدمة وقال أتبعني، وعلي الفور ترك بطرس الشباك وتبع السيد المسيح، لقد كان بطرس الرسول صيادا للسمك، ولم يحمل أي مؤهلات، وهذا يعني أن الله يختار تلاميذه لا ينظر إلي الإمكانيات العملية أو العقلية فإختار السيد المسيح لم يكن قائم بناء علي المؤهلات أو المواهب ولا الإمكانيات والطاقات، فبطرس ليس لديه خبرة بشئ إلا بالبحر فهو لا يغرف إلا السمك أنواعه، أسعاره ولم يكن القديس بطرس صاحب جاه أو مركز أو مال بل كان فقيرا وهذا يدل علي أن الله لا يختار أشخاص معينين أو أشخاص مختلفين أو لهم مميزات عن غيرهم فدعوة الله ليست قاصرة علي أصحاب المواهب طبل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء (1كو27:10)ولكن ما هو المعيار أو المقياس الذي تم بناء عليه اختيار القديس بطرس؟! المعيار هو القلب فالله ينظر إلي القلب وليس إلي العينين فقد كان القديس بطرس يتمتع ببساطة قلب فالله ينظر إلي القلب وليس الإمكانيات والمواهب. والله نظر إلي القديس بطرس فوجد في قلبه :- حب للخدمة قلبه كان ملئ بالمحبة، رغم أن المعالم الخارجية لشخصه بطرس لم توحي بذلك. ثانيا: غيرة بطرس كلن بطرس شخصية غيورة ولكن بلا فهم غير مصحوبة بالتسرع والاندفاع والتهور هناك كثيرون لهم غيرة وليس لهم حكمة وهذا نوع خطير في الخدمة فالغيرة وحدها لا تكفي !!فلا يصح أن يكون الشخص له غيرة جاهلة !أو غيرة بلا فهم فالغيرة السليمة هي الغيرة التي بلا تهور أوإندفاع فلا يصلح أن يكون الخادم ضراب أو مهين أو مجرح لشعور الأخرين فالإصلاح لا يكون فقط بالغيرة التي يصاحبها الحماقة والتهور دون حكمة او فهم فالمهم هو الحكمة والاقتناع والعمق فالغيرة التي يصاحبها عنف هي غيرة مرفوضة في الخدمة والغيرة التي تجرح شعور الأخرين غير مطلوبة السيد المسيح عندما قلب موائد الصيارفة لم يؤذي أحد من الناس، فكان غرضه منصب علي هذه الموائد وعندما جاء اليهود ليقبضوا علي السيد المسيح اندفع بطرس وقطع إذن عبد رئيس الكهنة، ولكن السيد المسيح اعترض علي هذا العمل وقال له : " رد سيفك إلي مكانه لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون " (مت 52:26)وقام السيد المسيح بإعادة الأذن للعبد مرة أخري بمعجزة فالغيرة المصحوبة بالعنف تأتي بنتائج عكسية.. فهي تدفع إلي الناس وتبعدهم عن الكنيسة ولا تجعلهم يقتربون منها.. فلذلك الغيرة الجاهلة هي منتهي الخطورة علي الخدمة. ثالثا ً: إيمان بطرس كان بطرس مؤمنا إيمان عظيم بالسيد المسيح، ولكن هذا الإيمان كان لإيمان عاطفي وليس إيمان عقلي والمفروض أن يكون الإيمان مبنيا علي العاطفة والعقل معا ًوكان نتيجة هذا الإيمان العاطفي أن بطرس هو أول شخص من التلاميذ اعترف بلا هوت السيد المسيح عندما سـأل السيد المسيح التلاميذ من يقول الناس إني أنا فرد بطرس وقال " أنت هو المسيح ابن الله الحي " ( مت 16:16 ) فامتدح السيد المسيح إيمان بطرس وقال له "طوبي لك يا سمعان بن يونا لأن لحما نودما لم يعلن لك لكن لأبي الذي في السموات " (مت 17:16) وعندما أعلن السيد المسيح أنه سيتألم ويصلب إندفع بطرس وعندما أعلن السيد المسيح أنه سيتألم ويصلب إندفع بطرس وقال "حاشا يارب " فإنتهره السيد المسيح وقال (اذهب عني يا شيطان ) وذلك لأن ايمان بطرس هو ايمان عاطفي وليس ايمان عقلي ولذلك فالخادم العاطفي في الخدمة أحيانا يكون قوي وأحيانا ضعيف فالحكمة في الخدمة شئ مطلوب. رابعا :كان بطرس خادماً مليئا بالرجاء كان بطرس ملئ بالرجاء، فقد فعل بطرس ما فعله يهوذا الأسخريوطي ويمكن أبشع منه !فقد ذهب يهوذا وباع السيد المسيح وأخذ ثلاثين من الفضة لمجرد أن يعرف اليهود طريق المسيح فقط، فقال لهم من أقبله هوهو أمسكوه ن وبعدما وحكموا علي السيد المسيح شعر يهوذا أنه أسلم دما بريئا، وحاول إرجاع الفضة التي أخذها ولكنهم رفضوا فذهب وشنق نفسه لأنه لم يكن عنده رجاء أن السيد المسيح بعد صلبه وقيامة وسوف يغفر له خطيته، أما بطرس الرسول فقد أنكر السيد المسيح بل لم يكتفي بذلك فقد لعن وسب وجدف علي السيد المسيح أمام جارية !!ولكن بطرس بكي بكاءا مرا علي عملته هذه وكان عنده رجاء أن السيد المسيح سوف يغفر له خطيته، وأصر القديس بطرس علي تبعية السيد المسيح وهذا دليل علي أنه عنده رجاء أن الله ان يرفضه.. فذهب إلي العلية وأصر علي ترك التلاميذ وبعد القيامة قال الملاك للنسوة " أذهبن وقلن للتلاميذ ولبطرس أنه يسبقكم إلي الجليل وظهر السيد المسيح لبطرس علي بحر طبرية وعاتبه عتاب المحبة وقال له " يا سمعان ابن يونا أتحبني "(ثلاث مرات ") فد بطرس عليه "أنت تعلم يارب أني أحبك " فقال له السيد المسيح "أرع خرافي " وبكي بطرس ومع ذلك لم يفقد القديس بطرس رجاءه في القيامة في محبة المسيح وغفرانه وهذا يدل علي أنه كان ملئ بالرجاء فالمفروض أن الخادم يكون لديه لرجاء في المسيح فمهما فعل الخادم فالمسيح لن يتركه خامساً : الله يستطيع أن يحول الصفات الغريبة في الخادم إلي صفات جميلة كان في بطرس صفة الاندفاع والتهور وقد حول السيد المسيح هذه الصفات الغريبة لتكون وسيلة للمنفعة فكان بطرس مشهور بصفة التسرع وهذه الصفة نفعت في يوم الخمسين (يوم حلول الروح القدس )فعندما قال اليهود عن التلاميذ يوم الخمسين أنهم سكري قام بطرس بشجاعة وأقحمهم(وكانت أورشليم مكتظة باليهود من جميع بلدان العالم ومن جميع الجنسيات )فقام بطرس واندفع ودافع عن المسيحة والتلاميذ فباندفاعه هذا قام وتكلم ووعظ الناس وفي هذا اليوم أمن 3 ألاف نفس وكانت أكبر عملية تبشير بعد حلول الروح القدس علي التلاميذ فالله استخدم اندفاع بطرس وشجاعته لصالح الخدمة.وعندما طلب اليهود من التلاميذ ألا يتكلموا عن السيد المسيح ويبشروا به، فبشجاعة قال بطرس والتلاميذ "لا نستطيع أن نتكلم بما سمعنا ورأينا " (أع 20:4)ان الله استخدم التهور عند بطرس للكرازة والخدمة الله يستخدم كل ضعفات وطاقات الخادم في الخدمة لكي تثمر، فالمسيح لم يغير طبيعة بطرس ولكن عرف كيف يستخدمها في الخدمة ولخير الناس وقد يكون الخادم متشددا ًمع الأولاد في الخدمة فحزمه وتشديده علي الأولاد لحضور القداس ومدارس الأحد قد يؤدي انتظام والتزام الأولاد علي المواظبة أو تشديد أمين الخدمة أو أمين الأسرة مع الخدام من جهة التحضير والافتقاد والقراءات الروحية والجدول الروحي مهم ويقيد الخدام والخدمة أن الله لا يغير طبيعة أي شخص من الرسل ولكنه استخدمه كما هو بشخصيته المميزة فالله لا يغير طبيعة الإنسان ولكن فقط قد يعدل من شخصيته للأفضل
المزيد
27 مايو 2021

27- شخصيات الكتاب المقدس إيليا

" يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها" 2" مل 2: 12 " مقدمة تطرح قضية إيليا علينا سؤالا حيوياً يلزم أن نتنبه إليه بين الحين والآخر، وهو ما قيمة: الرجل!!؟ فى علم الإحصاء: الرجل الواحد يكتب واحداً مهما صغر أو كبر شأنه، وإن رجلين مهما يختلفان طولا أو عرضاً أو سناً أو مقاماً أو قوة أو نفوذاً، يحسبان اثنين!!... غير أن الأمر يختلف تماماً فى قصة الحياة!!؟... وقف القائد الإنجليزى نيلسون على بارجة من البوارج البحرية، والتف حوله الجنود، وهم يتحدثون عن قوة أعدائهم،... وإذا به يمسك بالمنظار المكبر، ويضعه على عينه المفقودة البصر، وينظر بها إلى الأمام، ويقول: إنى لا أرى أمامى أعداء!!... وهو يقصد السخرية والاستهانة بمن يحسبونهم قوة معادية وهو يراهم لا شئ أمامه،... فالإنسان فى نظره لا يحسب قوة معادية وهو يراهم لا شئ أمامه،... فالإنسان فى نظره لا يحسب بمجرد العدد، بل بالعدة والقوة، ويبدو أن إيليا كان يقصد شيئاً من هذا القبيل، وليس بالضرورة مع الأعداء، بل ربما مع الأصدقاء أيضاً،... فمع أن عوبديا حدثه عن نفسه، وكيف أمكنه أن يخبئ مائة من الأنبياء فى مغارتين، إلا أن إيليا عندما تحدث مع الرب بعد ذلك، لم يحسب حساباً لهؤلاء الأنبياء، ناهيك عما علمه بعد ذلك بأن هناك سبعة آلاف ركبة لم تجث لبعل، وكل فم لم يقبله، إذ أن إيليا لم ير أحداً يواجه الوثنية والفساد غيره: " بقيت وحدى "... وفى عرف أليشع كانت هذه الحقيقة واضحة وهو يصرخ عند صعود إيليا إلى السماء،... إذ لم ير فردا صاعداً أمام عينيه، بل رأى جيشاً بأكمله فى صورة فرد. مركبة إسرائيل وفرسانها "... وهو يذكرنا بما قاله أحد القواد لجنوده، عندما جاءوا يتحدثون إليه عن الكثرة الهائلة المتفوقة لجنود الأعداء على عددهم!!.. وكان سؤاله للجنود!!.. وبكم تحسبوننى أنا!!؟ كانت مارى الدموية تفزع من جون نوكس، وتفضل أن تلاقى جيشاً من عشرة آلاف رجل، على مقابلة الرجل الذى كتب على قبره... هنا يرقد الرجل الذى لم يهب فى حياته قط وجه إنسان!!.كان إيليا جيشاً عرمرما فى وجه آخاب وإيزابل، ومن هنا سنقرأ قصته ونعرف من هو، وما هى رسالته، وكيف يمكن أن تتكرر فى كل أبطال اللّه على كر العصور والأجيال!!؟ إيليا ومن هو كان إيليا من الشخصيات العظيمة التى كثرت حولها الآراء والتقاليد، إلى درجة أن الأساطير فى التلمود صورته بصورة فينحاس بن هرون، وقد عاد إلى الحياة مرة أخرى لينتقم لمجد الرب الذى حاولت إيزابل وآخاب أن يضيعاه من إسرائيل!!.. أو هو الملاك أو رسول الرب الذى صعد إلى السماء، بعد أن قدم جدعون تقدمته أمامه، فمسها بالعكاز وصعد فى لهيبها إلى السماء،... وهو الرجل الذى قلده الكثيرون من اليهود زعامة الأنبياء، والذى رن اسمه طيلة تسعة قرون فى صدور الإسرائيلين، والذى كانوا يضعون له كرسياً شاغراً عند ختان كل صبى فى إسرائيل، وعند الفصح، آملين أن يظهر بغتة فى مثل هذه المناسبات،.... والكلمة " إيليا " تعنى " إلهى يهوه " أو: " إلهى إله العهد " - أما " تشبه " التى ولد فيها فلا يعرف موقعها على وجه التحديد، فالبعض يقول إنها بلدة فى الجليل تقع فى سبط نفتالى، ولذا يعتقدون أن إيليا كان من هذا السبط، وأنه هو أو ربما أبويه، قد هرب إلى جلعاد من وجه الاضطهاد والوثنية أيام عمرى أبى آخاب، واستوطن هناك، ولذا دعى من مستوطنى جلعاد، بينما يعتقد آخرون أن تشبه هذه بلد فى جلعاد الواقعة شرقى الأردن تجاه السامرة، وأن إيليا ولد فيها، ووجد من رده إلى الأصل القينى كيوناداب بن ركاب فى أيام ياهو!!. ومهما يختلف الناس فى أصله أو نسبه، فإنه من الواضح أنه كان رجلاً جبلياً إذا صح التعبير، يألف حياة الجبال. وقد جاء المعمدان بعده، ليعيش فى البرية إلى يوم ظهوره لإسرائيل، وهذا النوع من الناس يتسم فى العادة بالخشونة والصلابة والشجاعة وقوة الاحتمال،... ومنهم الجاديون الذين فى أيام داود، وصفوا بالقول: " جبابرة البأس رجال جيش للحرب صافوا أتراس ورماح وجوههم كوجوه الأسود وهم كالظبى على الجبال فى السرعة. هؤلاء هم الذين عبروا الأردن فى الشهر الأول وهو ممتلئ إلى جميع شطوطه وهزموا كل أهل الأودية شرقاً وغرباً ".. " 1 أي 12: 8 - 15 " والكتاب يصف إيليا: " أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه ". " 2 مل 1: 8 ". والتقليد يقول: " إنه كان قصير القامة نذيراً، أسود الشعر يتدلى شعره على كتفيه فى شبه عرف الأسد "... ومع أننا لا نعرف كم استمرت فترة نبوته لإسرائيل، غير أن البعض يرجح أنها كانت عشرين عاماً، وأنه دعى للنبوة ومواجهة آخاب فى السنة الخامسة من كلمة، أو حوالى عام 920 ق. م. وأنه التقى بآخاب بعد مصرع نابوت عام 906 ق.م،وأنه صعد إلى السماء عام 900 ق. م.. إيليا وظهوره ظهر إيليا فجأة كالشهاب اللامع فى الليل البهيم... وأغلب الظن أنه كالمعمدان، عاش السنوات السابقة لظهوره فى البرية، وبين الجبال، يتأمل ماضى أمته العظيم، وكيف تحول كل شئ خراباً إثر مجئ إيزابل زوجة لأخاب الملك، وكانت إيزابل بنت اثبعل ملك الصيدونين، وكان أبوها كاهنا للبعل - كما يقول يوسيفوس - وقدوضعت خطتها من اللحظة الأولى لمجيئها إلى إسرائيل أن تبيد اسم اللّه من كل مكان، وأن تحل محله اسم البعل وعبادته، وهوت ابنة الشيطان على كل مقدس فى إسرائيل، هدمت مذابح اللّه، وقتلت الأنبياء، وأجبرت الناس على الانحناء للبعل وعشتاروث، وأحلت محل أنبياء اللّه أربعمائه وخمسين من أنبياء البعل، وأربعمائه من أنبياء السوارى، وكان البعل أبا الآلهة عند الفنيقيين ومصدر القوة والسيطرة والبهجة، والسوارى أو عشتاروث آلهة الخصب والشباب والجمال، ولم يستطيع إيليا وهو ينظر مأساة أمته، إلا أن يتحول ينبوعا من الحزن العميق والغضب الهائل، والمقاومة الجبارة،... وهل يمكن أن يكون غير ذلك، وهو الإنسان الذى كانت عبارته المفضلة: "حى هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامه " " 1 مل 18: 15 ".. وهل يستطيع واحد منا وقد وقف أمام الرب الحى، ليرى بيتاً من بيوت اللّه، وقد كان عامراً بالأمس، مجيداً ينادى بمجد اللّه، وقد تحول اليوم خراباً تنعق فيه البوم والغربان، بسبب الخطية والشر؟، وهل يمكن أن يمر بهذا البيت دون أن يقول: " ياليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع فأبكى نهاراً وليلا قتلى بنت شعبى " " إر 9: 1 ". أليس هذا هو إحساس نحميا أمام أرتحشستا الملك: " فقال لى الملك لماذا وجهك مكمد وأنت غير مريض؟ ما هذا إلا كآبة قلب... وقلت للملك ليحيى الملك إلى الأبد. كيف لا يكمد وجهى والمدينة بيت مقابر آبائى خراب وأبوابها قد أكلتها النار " " نح 2: 2 و3 " وإلى جوار هذا الحزن امتلأ الرجل بالغضب الهائل، إذ أنه عاش طوال سنى خدمته يتقد غيره، وانطوت نفسه على ثورة لا تهدأ ولا تستريح،... وإن الغيرة المتقدة الآكلة، حولت قلبه إلى كتلة من لهيب، وثورة هائلة، لا تستطيع مياه الأرض كلها أن تطفىء سعيرها، ولظاها،.. هل لك اللهيب المقدس أيها المؤمن - وعلى وجه الخصوص - وأنت تعلم، أنه ليس شئ عند اللّه أقسى وأوجع من الحياة الفاترة إلى الدرجة التى تثير الغثيان: " ليتك كنت بارداً أو حاراً، هكذا لأنك فاتر ولست بارداً ولا حاراً أنا مزمع أن اتقيأك من فمى " " رؤ 3: 15 و16 " وقد تحول الحزن والغضب إلى مقاومة جبارة،... لقد كانت رسالته، فى لحمتها وسداها، مقاومة الشر والفساد والطغيان والعبادة الكاذبة،... وهل يستطيع أن يقف أمام الرب، ثم يواجه البعل، وتهدأ نفسه وتستريح،.. كانت روسيا القيصرية تبذل كل جهدها فى مقاومة المرسليات فى القرن الماضى فى أنحاء الامبراطورية التركية،... وقد حدث لقاء بين واحد من سفراء القيصر، وأحد رجال اللّه،... وقال السفير للمرسل: ينبغى ان أقول لك بكل صراحة أن سيدى القيصر لن يسمح للمرسليات البروتستانتية بأن تضع قدمها فى الإمبراطورية التركية، وقال المرسل رداً على ذلك: " ياصاحب الفخامة: إن سيدى الرب يسوع المسيح لن يسأل قيصر الروس أين يضع قدميه "... إن روسيا التى ضربها العفن والفساد هوى قياصرتها، ومجدهم، وبقى اسم المسيح، وسيبقى إلى الأبد، وقد أصدر السلطان عبد المجيد خان الفرمان الهمايونى فى شهر ديسمبر عام 1850، والذى أخذ به المذهب الإنجيلى فى مصر مركزه القانونى وقد نص فيه: " عند وصول أمرى العالى الشاهانى إليك ليكن معلوماً لديك أن طائفة النصارى من رعايا دولتى الذين تبعوا مذهب البروتستانت وسلكوا فيه حيث أنهم لغاية الآن ليسوا تحت نظارة مستقلة وأن بطارقة ورؤساء مذاهبهم القديمة التى تركوها بالطبع لم يعد لهم أن ينظروا فى أشغالهم ولذلك حاصل لهم الآن بعض المضايقة والعسر، وقد اقتضت أفكارنا الخيرية ومرحمتنا السامية الملوكية المشهورة فى حق كافة رعايانا من سائر الطوائف بأن لا ترضى عدالتنا الشاهانية بحصول التعب والاضطراب لأى طائفة منهم. وحيث أن المذكورين هم عبارة من جماعة متفرقة من سائر المذاهب، وبقى لإصلاح أمورهم والحصول على استتباب راحتهم، تعيين وكيل لهم من طائفة البروتستانت... وتباشرون جميع مصالحهم مثل سائر الطوائف من رعايانا، ولذلك تسهلون لهم جميع ما يلزم لمحال عبادتهم ولا ترخصوا لأحد من الطوائف الأخرى أن يتداخل فى مصالحهم وأشغالهم الأهلية والدينية، ولا يعارضهم أحد فى شئ من ذلك... إلخ "وقد شاء اللّه أن تأتى مقاومة إيليا للبعل وعشتاروث عن طريق المجاعة التى لابد أن تحل بالشعب بمنع المطر من السماء،... وكانت المجاعة أنسب أسلوب ليعرف الشعب من هو الإله الحقيقى، ومن هى الآلهة الباطلة،.. فإذا كان البعل وعشتاروث يشيران إلى الخصوبة والإثمار، ويعتبران السر وراء كل طعام وماء، فإن أفضل الطرق لإثبات كذب هذا الادعاء هو افلاسهما، وعجزهما عن أى مساعدة من هذا القبيل،... وفى الوقت عينه إعلان اللّه عن سخطه وغضبة ولعنته على التحول عنه وراء آلهة غريبة كما ذكر موسى فى سفر التثنية: " وتكون سماؤك التى فوق رأسك نحاساً والأرض التى تحتك حديداً، ويجعل الرب مطر أرضك غباراً وتراباً ينزل عليك من السماء حتى تهلك " " تث 28: 23 و24 " وكان لابد أن تطول المجاعة، حتى يحس بها الملك وإيزابل إحساساً عميقاً، وأكثر من ذلك يحس بها الشعب، حتى يدرك مدى الغضب الإلهى، وضرورة العودة والرجوع إلى شخص اللّه!!.. إيليا والعناية الإلهية وكان لابد لعناية اللّه أن تظهر وتعمل عملها مع إيليا فى قلب المجاعة، وكان على إيليا نفسه أن يأخذ بعض الدروس من المجاعة ولعل أول هذه الدروس هو أن المصلح لابد أن يشارك الشعب الذي يحاول إصلاحه متاعبه وضيقاته وآلامه، كان لابد لإيليا نفسه أن يجوع، ويعيش حياة الشظف مع الآخرين، وقد حق لأحدهم أن يتصوره يخرج ذات يوم ليشرب من نهر كريت: " وكان بعد مدة من الزمان أن النهر يبس لأنه لم يكن مطر فى الأرض "... " 1 مل 17: 7 ".. وظل ذلك اليوم ظامئا، وسار فى طريقه إلى أرملة صرفة صيدا، ومن حديثه مع المرأة وطلبه منها أن تعمل له أولا كعكة صغيرة، نحس مدى الجوع الذى وصل إليه،... ومع أن المجاعة لم تكن بسبب خطية ارتكبها هو، أو أن اللّه قد تخلى عنه فى إحسانه وجوده، لكنه مع ذلك كان لابد أن يكون شريكاً فى آلام قومه وشعبه، وهى ضريبة المصلح فى كل العصور والأجيال،... والدرس الثانى الذى كان لابد أن يتلقنه، هو الفرق بين الشجاعة والتهور، فقد كان عليه أن يختبئ عند نهر كريت، وقد تكون عناية اللّه مرات كثيرة بتخبئة المعتنى به من وجه الشر، وقد خبأ اللّه إرميا من وجه الأعداء، ورأى بولس عناية السيد، عندما أنزل فى زمبيل من سور دمشق،... وهى العناية التى تملك الوسائل الطبيعية والمعجزية، الظاهرة والخفية، الكبيرة والصغيرة ومن الواجب أن نراها ونقبلها بالشكر ولا يجوز قط أن تبعدنا هذه العناية عن الحكمة والواجب إلتماسها، بدعوى أنه مادام اللّه معنا، فلا يجوز أن نلجأ إلى هذا التحفظ أو غيره من الأساليب أو الصور،على أنه يلزم أن نعلم، على أية حال، أن عناية اللّه فى المجاعات تستطيع أن تشق الطريق، مهما كانت العوائق والحواجز، ونحن نرى العناية هنا تسلك سبيلا عجيباً، سواء فى الانتصار على الغرائز أو فى قلب الأوضاع رأساً على عقب،... وقد مد اللّه عنايته لإيليا أولا عن طريق الغربان التى كانت تأتيه بالخبز واللحم مرتين كل يوم صباحاً ومساء،... وهذه الطريقة المثيرة جعلت البعض يتصورون أن كلمة الغربان " يمكن أن تترجم " العربان أو رجال البادية الذين كانوا يمدون إيليا مرتين، وقالوا إن الأصل العربى كالعبرى يصح معه مثل هذه الترجمة، وهذا تفسير واه ضعيف، وليس أقل ضعفاً منه ذلك التفسير بأن الكلمات رمزية تشير إلى أنه كان يأكل بوفرة فى المجاعة،... ولعل الصعوبة عندهم هى أن غريزة الغراب الأولى هى الخطف وأنه يأخذ ولا يعطى،... وهذا فى عقيدتى، هو السر فى استخدام اللّه له، ليثبت جلاله ومجده فى السيطرة على الغرائز، فهو يعطيك من حيث لا تدرى وهو يفنيك بتغيير مجرى الغرائز فى العجماوات أو البشر على حد سواء، وأنه يمكن أن يجعل القاسى ودوداً، والشحيح سخياً، والشره باذلا، والآخذ معطياً، ويده لا تقصر عن استخدام الجماد والحيوان والإنسان فى إتمام قصده ومشيئته،... فإذا تلقن إيليا هذا الدرس، فإنه يعطيه درساً آخر، ليؤكده من وجه ثان، إذ ينقله من إسرائيل إلى صرفه صيدا، الواقعة فى أرض أثبعل أبى ايزابل، الأرض التى لا يمكن أن يخطر ببال إنسان أن إيليا يلجأ إليها، ويأتيه المدد من امرأة أرملة أممية معدمة، تقف على الخط الفاصل بين الحياة والموت، لتقش عيداناً، لتعمل لقمة تتبلغ بها مع ابنها، ثم يموتان... وهكذا تأتى العناية عن طريق الجائع المسغب الذى يهلك جوعاً، وليس هناك من قلب للاوضاع فى الدنيا مثل هذا القلب، فالرجل تعوله امرأة، والمرأة ليست إلا أرملة، والأرملة ليست إلا الفقيرة المعدمة التى لا تملك قوت الحياة!!.. ذهبت المرأة لتسعف إيليا بجرعة ماء، وتعتذر عن تقديم كسرة خبز له، وتكشف عن آخر مكانها مع اللقمة الباقية، ولكن إيليا رجل اللّه مع ذلك يطلب، ويطلب كعكة صغيرة أولا،... يريد أن يعلمها أن حق اللّه يسبق كل حق،... وأنك يوم تعطى اللّه، ولو شيئاً صغيراً مما تملك، فإنك ستعثر على سر ينبوع البركة وستعرف سيلا من الزيت لا يمكن أن ينتهى حتى تنتهى المجاعة من الأرض!!.. عندما نقف أمام عناية اللّه، ينبغى أن نلغى من الذهن البشرى كل مفهوم للحساب الأرضى، وقواعده، وأصوله، وذلك لأن هذا الحساب يستطيع أن يعطى صورة جيدة للمنظور، ولكنه يعجز تماماً عن أن يدخل إلى بحر غير المنظور، ويقيم هناك حسابهن،... ولعل اللّه أراد أن يعطى إيليا درساً ثالثاً أبعد وأعمق من الدرسين السابقين،... فإذا بابن الأرملة يموت، وإذا بالمرأة تعجز عن أن تفسر موته، إلا أنه عقاب على خطايا سابقة ربما عملتها فى أيام الصبا،... سقط السلاح من يد المرأة، وذهب الولد الذى كان رجاءها وتعزيتها فى الأرض،... ورفض إيليا هذا المنطق، فهو لا يعتقد أن اللّه يمكن أن يجازى المرأة هذا الجزاء،... وهو يصرخ إلى الرب بلغة من أغرب اللغات وأجرأها، تلك التى يتعود أبناء اللّه الاتجاه فيها إلى سيدهم فى لحظات الضيق والشدة والألم: " أيها الرب إلهى أ أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك إبنها.. يارب إلهى لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه " " 1مل 17: 20 ت 21 "هل تستطيع أيها المؤمن أن ترفع كل تحفظ بينك وبين اللّه؟، وهل تستطيع – كابن اللّه – أن تعبر بأعمق تعبيرات النبوة، إلى الدرجة التى تقول فيها مع موسى: " فرجع موسى إلى الرب وقال يا سيدى لماذا أسأت إلى هذا الشعب؟ لماذا أرسلتنى؟ " " خر 5: 22 "... ومع إيليا: " قد أسأت بإماتتك ابنها "..!!؟... ألا يقبل اللّه التعبير المخلص، حتى ولو بدا خشناً قاسياً!... بلى! إنه عنده أفضل من التعبير المهذب المرائى، الذى لا يتحدث بعمق الحب المتألم المخلص العميق!!؟.. إن اللّه يفضل أن نأتى إليه بالإخلاص، مهما بدا هذا الإخلاص ضعيفاً أو خالياً من العبارة المصنوعة أو التعبير المتكلف،... إنه يريد أن تعانق روح المؤمن مع روحه فى الحب والألم والشركة المخلصة، مهما كانت الظروف التى نعيش فيها!!.. وسمع اللّه لإيليا وأرجع الولد،... الذى يقول تقليد - لا يعلم إن كان صحيحاً أو غير صحيح - إن الغلام كبر ليكون يونان النبى الذى أرسله اللّه إلى نينوى الأممية... على أنه على أية حال، كان هذا النوع من العناية مقوياً ومشدداً للأرملة وللغلام ولإيليا،... وكان درساً خالداً فى كل الأجيال لكل الذين يتطلعون فى أرض الآلام والمتاعب والمجاعات، إلى ينابيع العناية الإلهية التى لا تنضب. أو تنفد أو تفيض!! إيليا والمعركة على جبل الكرمل ولعله من المناسب أن نذكر هنا ان إيليا لم يذهب إلى آخاب، بل إن آخاب ذهب للقاء إيليا،... وهذا هو الفارق العظيم بين الرجلين، أن إيليا يعلم أنه أعظم من آخاب، بذات الصورة التى رأى فيها بولس نفسه وهو يقول للملك أغريباس: " كنت أصلى إلى اللّه أنه بقليل وبكثير ليس أنت فقط، بل أيضاً جميع الذى يسمعوننى اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه القيود " " أع 26: 29 " إن قيمة الإنسان الحقيقية لا تظهر فيما يملك من متاع أو ما يلبس من ثياب فاخرة، أو ما يحيط به من الخدم أو الحشم، أو مظاهر العظمة أو القوة، إن قيمته الحقيقية تكمن فى شخصيته ونفسه،كان إيليا أشعر، يتمنطق بمنطقة من جلد، وعندما ركض أمام آخاب، سار ما يقرب من ستة عشر ميلا على قدميه،... لم يكن له مركبة آخاب أو ثيابه أو بهاؤه أو مظهره، ولكنها هذه جميعها، ليست إلا الغلاف الذى يغطى الحمقى والأشرار فى الأرض!!.. أما جوهر الإنسان ففى قلبه المرتبط باللّه، وهو الذى يمكن أن يعطيه أعظم قيمة فى هذا الوجود!!.. وفى اللقاء بين الملك وإيليا كان آخاب الإنسان الأحمق الذى غطت الخطية الحقيقة عن عينيه وقلبه،... فهو يرى الذنب كل الذنب فى إيليا: " ولما رأى آخاب قال له آخاب: أ أنت هو مكدر إسرائيل؟ " "1مل 18: 17 ".. وهو لا يستطيع أن يرى خطية واحدة فى نفسه، أو فى الشعب الذى ترك اللّه،.. أو عبادة البعل وعشتاروث التى كانت سر النكبة والكارثة والمجاعة!!!.. وهى الصورة الدائمة للبشر، فهم يدفعون عن أنفسهم النتيجة: التى لابد أن تكون لخطاياهم،... وهى فى نظرهم الظروف السيئة أو أخطاء الآخرين أو القسوة التى لا مبرر لها من اللّه!!... ولم يخف إيليا من أن يضع الصورة الصحيحة للمأساة كلها إذ قال: " لم أكدر إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك، بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم " " 1 مل 18: 18 "... وقاد إيليا الجميع إلى المعركة الفاصلة على جبل الكرمل.. وكان لابد من أن تدرك الأمة - عن بكرة أبيها - من هو الإله الحى الحقيقى وحده، ومن هى الالهة الزائفة الباطلة الكاذبة!!؟ والبينة على من ادعى!!؟.. فإذا زعم إنسان أنه فيلسوف أو شاعر، فالبرهان يظهر فى فلسفته أو شعره،... وإذا قال أنه رجل فإن أعمال الرجال تظهره، وإذا ادعى أنه نبى مرسل من اللّه، فإن أقوال النبى أو أعماله هى التى تشهد له!!.. وقد وقف إيليا وحده فى مواجهة ثمانمائة وخمسين نبياً للبعل وعشتاروث، ولم تكن الكثرة دليلا على الحق أو الصواب الذى يزعمون أنه فى جانبهم،... وأعطاهم إيليا الفرصة الكاملة أولا دون أن يستطيع صراخهم أو جراحهم التى سالت من أجسادهم بسيوفهم، والتى ظنوا أنهم يرضون الآلهة بها،.. لم تستطع أن تعينهم فى شئ وسخر إيليا منهم سخرية الواثق بإلهه، وكانت سخريته لاذعه، فى قوله ك " ادعوا بصوت عال لأنه إله. لعله مستغرق أو فى خلوة أو فى سفر أو لعله نائم فيتنبه ".." 1 مل 18: 27 ".. ومن الغريب أن هذا التحدى لم ينته بعصر إيليا، فإن البعل يذهب ويجئ فى العصور كلها، حيث يستبدل اللّه بآلهة غريبة، أو كما قال أحدهم: " إن البعل العصرى هو ما يعبده الناس من ثروة أو شهوة أو جاه، أو مجد عالمى أو راحة مادية،... وهم يضعونها فى مواجهة البر والأمانة والحق وكل ثمار الروح القدس فى الإنسان الباطن "!!.وإذ عجز الأدعياء عن أن يثبتوا ادعاءهم، تقدم هو ورمم بالاشتراك مع الشعب مذبح الرب المنهدم، وقدم الذبيحة بما لا يدع مجالا للشك أو التساؤل أو الخداع، إذ أنه لم يرتب الحطب والذبيحة فقط، بل صب ماء كثيراً حتى لا يقال إن النار المشتعلة حدثت عن طريق خداع بشرى، وأبصر الشعب جميعاً النار التى أتت من السماء لتلتهم كل شئ. على أنه من الملاحظ أن النار لم تنزل إلا بعد صلاة النبى، وهكذا فى كل حين يشجع اللّه أبناءه ليحسوا بكيفية اختبارية بينه وبين العالم، وهو مستعد أن يظهر ذاته لهم وللعالم أجمع، بصورة لا تحتمل اللبس أو الإبهام!!.. ألم يقل عرافو فرعون أمام ضربة البعوض: " هذا إصبع اللّه " "خر 8: 19 "... وإذ رأى الشعب المعجزة بلغ بهم الانفعال ذروته وسجدوا على وجوههم أمام اللّه، واشتركوا مع إيليا فى ذبح أنبياء البعل على نهر قيشون!!.. ومع أن هذا الانفعال كان قصيراً ووقتياً، إلا أنه - على أية حال - عرف الجميع من هو الإله الحق، ومن هى الآلهة الباطلة!!.. إيليا وآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى بعد أربع سنوات أو خمس من القضاء على أنبياء البعل، عاد إيليا ليلتقى بآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى، وكانت يزرعيل إلى الشمال من السامرة بما يقرب من العشرين ميلا، وعاد الشر إلى جولة أخرى مع الخير، وآخاب يزداد سوءاً ومصيره يزداد بشاعة، وذهب آخاب إلى الكرم ليرثه، والتقى به إيليا هناك، ليقول له: " هل قتلت وورثت أيضاً؟ " "1مل 21: 19 ". ويا له من ميراث رهيب! "... والحقيقة المحزنة هى أن الميراث الرهيب من الجائز أن يصل إليه الإنسان فى أرض الفساد والظلم، رغم كافة الحواجز التى يمكن تجاوزها أو تجاهلها أو تخطيها بكل قوة وعنف.طلب آخاب كرم نابوت لكى يحوله إلى بستان بقول، وقال له إنى مستعد أن أعطيك ثمنه أو كرماً أحسن منه، وكان يمكن لنابوت أن يرضى لولا أن الشريعة تمنع ذلك إذ لا يجوز لإنسان أن يتصرف فى ميراث آبائه، وأغلب الظن أنه قال للملك: " كان بودى أن أفعل ذلك، ولكن أمر اللّه يمنعنى من التصرف فى أرض الميراث "، وذهب آخاب إلى بيته مغموماً " وامتنع عن الطعام، ونام محزوناً كئيباً، وإذا بإيزابل تأتى إليه وتستفسر عن سر حزنه، ثم تسخر منه لأنه وهو ملك لا يستطيع أن يزيل عقبة كهذه، وأمكن للملكة عن طريق الشر أن تحصل على الكرم، هذا هو الفصل الأول من القصة،... وهو فصل يتكرر كثيراً فى الحياة.. قال السيد: " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك. وكثيرون هم الذين يدخلون منه " مت 7: 13 ".. إن طريق الشر واسع ميسور فيمكن أن تحصل علي ما تريد، ولا يحتاج الأمر إلا إلى كذبة أو غش أو خداع أو تدليس، أو شئ يعمل فى الظلام. وقد ينجح الشر فى الجولة الأولى من المعركة، ولكنه هيهات أن يكسب المعركة الأخيرة.. يقول المرنم: " لا تغر من الأشرار ولا تحسد ععمال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعاً يقطعون، ومثل العشب الأخضر يذبلون!!.. "مز 37: 1 و2 " ومع أن الميراث الرهيب أمر ممكن وجائز فى الأرض، إلا أنه تلحق به حقيقة أخرى، أنه دائماً مخجل،.... واعتقد أن آخاب أحس الكثير من الخجل وهو فى طريقه إلى الكرم لرؤياه.. لقد اكتشف فيه نفسه، واكتشف فى هذه النفس أشياء كثيرة تنكس الرأس. لقد اكتشف طمعه، وكذبه، وظلمه،.. كان آخاب ملكاً يملك أعظم القصور والبساتين، وكانت لديه بساتين وكروم متعددة، ولكن هذه لا تساوى شيئاً طالما هو غير مستطيع أن يحصل على كرم نابوت!! يا للنفس البشرية التى لا تشبع، والتى تتريد أن تأخذ لنفسها كل شئ!!. إننا نقيس أمورنا لا على حساب حاجاتنا، بل على حساب جيراننا، إذ لا أريد أن يظهر مجد إلى جانب مجدى، أو سلطان إلى جانب سلطانى، أو نفوذ إلى جانب نفوذى، وكل بساتين الدنيا أو كرومها لا تساوى البستان الصغير الذي يملكه جارى،... يا له من طمع مخجل!.. بل يا له من ميراث قبيح! ذاك الذي لا أستطيع الحصول عليه إلا بالكذب والخداع والغش.. نادوا بصوم، والمناداة بالصوم لا تحدث إلا إذا حدث أمر رهيب، والأمر الرهيب أن نابوت جدف على اللّه والملك، فياله من مجرم، ويا لها من خطية شنيعة، وها اثنان يشهدان أمام الشيوخ، وها المحاكمة كلها تتم فى جو من الكذب، وآخاب يعلم ويطأطئ رأسه خجلا، بل هو يعلم أنه حصل على هذا الميراث بغير حق أو عدل، بل حصل عليه بظلم صارخ،.. ما أكثر الذين يأخذون من الناس مواريث متعددة، ولكنهم يدفعون فى سبيلها أثمان باهظة، إذ يدفعون المبادئ الروحية والأدبية: يدفعون الحق والشرف والكرامة والنبل والإباء والعدالة!!، وهل تستحق كروم الدنيا كلها - لا كرم نابوت فحسب - هل تستحق أن يدفع فيها مثل هذا الثمن؟!!... فإذا أضفنا إلى هذا كله، أن الميراث كان ميراثاً مقلقاً!!.. ذهب آخاب ليستمتع بالكرم الذي ورثه، ولعل الكرم كان جميلاً ظليلا، وكانت عناقيده حلوة ولذيذة، وكان موقعه بديعاً، وآخاب يستطيع أن يملأ نظره منه، ويفيء إليه سعة الحر والهجير، بل يستطيع أن يأكل منه ما يشاء دون أن يمنعه أحد، فهل استراح الملك وأكل؟، لقد أضحت الظلال ظلاماً، والعناقيد علقماً، والكرم سجناً رهيباً، إذ سمع صوت اللّه العادل هناك: !! هل قتلت وورثت أيضاً "!! لقد ظهر نبى اللّه فى لحظة السرور والبهجة والتمتع،.. يقولون إنه قبل أن يذهب إلى الكرم ثار عليه ضميره، وحاول إسكاته بالقول: لم أصنع شيئاً!!؟ فأنا لم أحاول اغتصاب الكرم.. لقد عرضت عليه ثمناً سخياً فأبى!!.. لقد عرضت عليه كرماً آخر أحسن منه مقابله فرفض.. ولم أفعل أنا شيئاً ضده، فلم أتدخل فى الأمر، بل تدخل غيرى، كما أنه يستحق الموت لأنه عصى أمر مليكه، ولكن صوت اللّه جاءه لينسب إليه القتل كيفما كان، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة!!.. فالرضا على الظلم، هو بعينه الظلم، والقتل بأمر آخاب أو بأمر إيزابل أو بأمر الشيوخ، هو الدم الذي يتحمله آخاب أولا وأخيراً!!.. لم يتمتع الرجل بالكرم كما كان يشتهى، لأنه فى قلب الكرم سمع عن مصيره المفجع، ومصير بيته، ولولا أنه اتضع ومزق ثيابه وصام، لجلب اللّه عليه العقاب سريعاً، ولكن بقية من رحمة اللّه آتية فلم يحدث كل الشر فى حياته، ولو أنه تاب مع إيزابل لنجيا، ولكنها لم تتب، فدمرت بيتها بيديها وأضحت قصتها مثلا تذكره الأجيال بالخوف والفزع والرهبة!!.. قيل إن أحد ملوك انجلترا أراد مرة أن يستولى على حديقة كنيسته ليكمل بها قصره، فسأل رئيس الوزراء: كم تكلف هذه الحديقة.. فأجابه: إنها تكلف ثلاثة تيجان.. تاج انجلترا، وإيرلندا، واسكتلندا، أى أن محاولة أخذها ستقلب العرش، وكان هذا كافياً لإقلاع الملك عن فكرته!!.. أجل " مخيف هو الوقوع فى يدى اللّه الحى!!.. " عب 10: 31 ".. إيليا والمركبة السماوية من المعتقد أن خدمة إيليا استمرت حوالى عشرين عاماً، كانت الخمسة عشر أو الستة عشر عاماً الأولى منها عاصفة، ممتلئة بالثورة والصراع، وهو أشبه بالخادم الميثودستى، الذي اشتكوا من صوته الصارخ فى المنبر، وإذ به يجيبهم: " أنا لا أغنى لتنويم الأطفال، بل أنا أحطم الصخور ". وكانت رسالة إيليا تحطيم صخور الوثنية والشر التى ملأت كل مكان... ومع أننا نعلم أنه أصيب بصدمة قاسية غداة قتل أنبياء البعل، وهى رد الفعل للنجاح العظيم فوق جبل الكرمل، إذ أن إيزابل هددته بالقتل،.. ولم يجد من الشعب الذي آزره فى ذبح الأنبياء الكذبة، ما يشجعه على مواجهة الشريرة الطاغية، التى مازالت تمسك بزمام الأمور فى الأمة كلها، كان إيليا تحت الرتمة شيئاً يختلف تماماً عن إيليا فوق جبل الكرمل، وهى النفس البشرية المتلونة والتى لا تثبت على حال، فهى تارة فى أعلى جبال الشركة مع اللّه ثم لا تلبث أن تهوى تارة أخرى إلى بالوعة اليأس،.. ولكن شكراً للّه، الذي أرسل ملاكه إليه تحت الرتمة، دون أن يناقشه فى شئ، فقد كانت نفسه ممتلئة بالمرارة والأسى واليأس والقنوط، والتوتر يملأ عواطفه، والانفعال لا يعطيه أية فرصة للمناقشة الهادئة الساكنة، وكان علاج اللّه لنفسه أن يطعمه ويريحه، حتى يهدأ ويسكن، قبل أن يتكلم إليه أو يحاجه أو يسأله... وهى الحكمة الإلهية التى ينبغى أن نتعلم منها، كيف نعالج الثورات النفسية عند الآخرين " فالأفضل أن ننتظر، حتى تستريح أجسادهم ونفوسهم، قبل أى حديث أو مناقشة،.. كان عمل اللّه الوحيد أن يطعم إيليا ويريحه، وينتظر أربعين يوماً قبل إن ينقاشه على جبل اللّه حوريب قائلا: " مالك ههنا يا إيليا؟. "" 1مل 19: 9 " ومن الغريب أنه فوق جبل اللّه حوريب فى سيناء أدرك إيليا الحقيقة التى غابت عنه طويلا، إن الصوت المنخفض الخفيف، وليس صوت الريح أو الزلزلة أو النار، هو الأكثر تأثيراً وقوة وفاعلية، إن الثلاثة الأصوات الأولى ليست فى حقيقتها، سوى المهد للصوت الأقوى والأعمق والأبعد أثراً، صوت الحب والحنان والرحمة والإحسان والجود والغفران، أو فى لغة أخرى هو صوت الصليب، الصوت الذى تحدث به موسى وإيليا مع المسيح فوق جبل التجلى: " وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا، اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذى كان عتيداً أن يكمله فى أورشليم " " لو 19: 30 و31 " لقد أهلك اللّه العالم بالطوفان أيام نوح، وأباد اللّه سدوم وعمورة بالنيران، وذبح إيليا أنبياء البعل، ومع ذلك فالخطية لا تزال تفتك بالبشر، وهى فى حاجة إلى أصوات أخرى أفعل من العواصف والزوابع والنيران والزلازل، إنه صوت اللّه المنخفض فى الصليب،... وعاد إيليا إنساناً من حوريب يختلف، إلى حد بعيد، عما كان عليه أولا، يمسح حزائيل ملكاً على آرام، وياهو بن نمشى ملكاً على إسرائيل، وأليشع بن شافاط نبياً عوضاً عنه ودخلت إلى حياته حلاوة أعمق وأجل،... وأضحى أشبه بشجرة عنب فى إنجلترا ربما هى أكبر شجرة من نوعها، وهى قديمة، وقد لاحظ أحدهم أن عنبها أصغر من المعتاد، وسأل لماذا يبدو حجم الحبة من العنب أصغر وأجابة البستانى: إنه أصغر لأن الشجرة قديمة عجوز، ولكن لا يوجد ما هو أحلى من هذا العنب على الاطلاق، "عاش إيليا سنواته الأخيرة أهدأ وأجمل وأقوى، وأخذ يشرف على مدارس الأنبياء،... وجاء اليوم الذى وصفه جوزيف باركر كدرس من أعظم دروس العناية، وهو: " لا متى يذهب إيليا، بل متى يأخذه اللّه الذى يعلم متى تنتهى خدمتنا ورسالتنا " أو فى لغة أخرى: إن اللّه يعلم متى يأخذنا إلى حقل آخر أعظم وأجمل، وإلى فرصة أوسع: " من عشرة أمناء إلى عشر مدن "... وها نحن نرى الرحلة الأخيرة لإيليا فى الأرض، التى تنقل فيها من الجلجال إلى بيت إيل إلى أريحا، أو قرابة ثلاثين ميلا " وأغلب الظن أنه كان يريد زيارة ثلاث مدارس للأنبياء هناك، ويتزود بالنظرات الأخيرة للارض التى أحبها وخدم فيها، قبل أن يصعد إلى السماء، وقد لازمه ورافقه فى الرحلة أليشع، وأبى أن يتخلى عنه البتة، رغم أن إيليا ألح عليه أن يبقى حيث هو،... ونحن نسأل لماذا أراد إيليا أن يمكث أليشع فى المكان الذى كان فيه!!؟ هل لأنه كان لا يريده أن يتخلى عن عمل كان يقوم به عند بدء الرحلة!!... أم لأنه أراده أن يكون بين بنى الأنبياء فى واحدة من المدارس الثلاث!!؟... أم لأنه كما هو الأرجح أراد أن يختبر معدنه وصلابته، قبل أن يرحل عنه، وفى الوقت عينه أن يختلى باللّه الذى سيذهب إليه بعد قليل!!... على أية حال لقد أصر أليشع على مرافقته، كما ينبغى للخادم الأمين أو الصديق الوفى، أو الجندى الذى أوشك أن يحمل العلم ليؤدى الرسالة الموضوعة عليه،... وها نحن نراهما الآن يصلان إلى الأردن، ويلف إيليا الرداء ويشق الأردن به، ويعبر كلاهما، ويسأل المعلم تلميذه ماذا يريد قبل أن يؤخذ منه!!؟ ويصر التلميذ على أن يقف من المعلم موقف الابن البكر الذى يأخذ نصيب اثنين حسب الشريعة الإسرائيلية، ولما لم يكن لايليا شئ من متاع الأرض، ولما كانت الطلبة روحية، قال له إيليا: " صعبت السؤال "!!... " 2 مل 2: 10 " وذلك لأن الطلبات الروحية، عطية من اللّه، وليس هبة من إنسان!!... وهى تؤخذ بالعين الروحية المفتوحة، فإن رآه يؤخذ منه، كان هذا دليلا على أن اللّه سيعطيه هذا النصيب، نعود فنشير إلى أن أليشع لا يقصد أن يكون له ضعف ما كان إيليا، بل أن يأخذ نصيب البكر من الأولاد،... وفتح اللّه عينى إليشع، وسقط رداء إيليا عنه، فأخذه وأخذ نصيب إثنين من روحه، بعد أن مزق ثيابه، " وهو يصرخ يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها "، " 2مل 2: 12 " وهو كما أشرنا أولا لم يره فرداً واحداً، بل جيشاً عرمرما، والقائد المسيحى الغيور الشجاع سيبقى دائماً هكذا، سواء فى الدفاع أو الهجوم لمجد اللّه،... ومع أن إبراهيم، وداود، وايليا، وبولس، وأثناسيوس، ولوثر وويسلى، وأمثالهم - لا يظهرون إلا نادراً فى موكب العصور، لكننا نصلى لعل واحداً منهم يظهر فى أيامنا هذه فى عظمة الأبطال الخالدين، ويمكن أن نقول قبل أن يؤخذ منا فى مركبة السماء: " يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها"..
المزيد
20 مايو 2021

شخصيات الكتاب المقدس إيزابل

وكأنه كان أمرًا زهيدًا سلوكه في خطايا يربعام بن نباط حتى اتخذ إيزابل ابنة اثبعل ملك الصيدونيين امرأة. مقدمة لست أظن أن أفلاطون كان يعلم شيئًا عن إيزابل، أو قرأ قصتها، ولو أنه جاء بعدها على الأغلب بما يقرب من خمسة قرون، لكن أفلاطون أعطانا في أحد كتبه العظيمة، صورة مثيرة خيالية تكاد تكون تشبه إيزابل الملك القديمة تمام المشابهة... إذ طلب إلينا أن نتصور وحشًا ضاريًا يجمع في جسد واحد جميع رؤوس الحيوانات المفترسة مجتمعة معاً ومضاف إليها رأس إنسان، والوحوش لا تعيش جميعًا داخل هذا الجسد الواحد فحسب، لكنها أكثر من ذلك تنمو على نحو أكثر ضراوة وتوحشًا ورعبًا... وهل كانت إيزابل إلا هذا الوحش، وقد أطل من عيني امرأة، فأضحت رمزًا عتيدًا رهيبًا لكل أنثى تفعل الشر على نحو معربد وحشي، يسير في قلب العصور والأجيال، ويدمر الأفراد والبيوت والجماعات والعشائر، والكنائس حتى نسمع القول الإلهي لملاك كنيسة ثياتيرا: «أنك تسيب المرأة إيزابل التي تقول إنها نبية حتى تعلم وتغوي عبيدي أن يزنوا ويأكلوا ما ذبح للأوثان، وأعطيتها زمانًا لكي تتوب عن زناها ولم تتب، ها أنا ألقيها في فراش والذين يزنون معها في ضيقة عظيمة إن كانوا لا يتوبون عن أعمالهم وأولادها أقتلهم بالسيف»... أجل وما إيزابل في الواقع إلا الشر مجسمًا، أو المرأة التي تلقت تدريباً خاصًا على يدي الشيطان، واذا كان كل شرير في العادة لا يقدم على الشر، إلا بإغراء وتحريض شيطاني، إلا أن هناك أفراداً وجماعات، وفرقًا يتجاوزون عادة هذا الحد إلى خط أكثر عمقًا ورهبة وهولا، فيفعلون ما لا يمكن أن يفعله إلا من عرف أعماق الشيطان، أو من دخله الشيطان بتعبير آخر كما قيل عن يهوذا الاسخريوطي «وبعد اللقمة دخله الشيطان» والآن هل لنا أن نتتبع كيف دخل الشيطان هذه المرأة، وتغلغل فيها، ففعلت من الشر ما تطن له الأذن - وفي الوقت عينه، نرى يد الله وعقابه وعدالته التي تؤكد أنه فوق العالي وأن الشرير لا يمكن أن يستفيد من الشر بتة، بل أن الشر هو الحية القديمة التي قد تنفث سمها هنا وهناك، ولكنها تتحول آخر الأمر على صاحبها فتلدغه اللدغة القاسية القاتلة المفزعة المميتة، على نحو الدمار والخراب الذي جاء مروعًا ورهيبًا إلى إيزابل وبنيها والذي ذهب في كل تاريخ مذهب الأمثال. المرأة وشخصيتها الشريرة هل يولد الشر ويستقر في حياة الإنسان بين يوم وليلة، أم أن بذرته كأية بذرة أخرى، تبدأ عندما تزرع في مطلع الأمر، عودًا رطبًا يمكن أن يقلع، أو ينمو على حسب ما ينال من صاحبه أو من الآخرين أو المجتمع من مقاومة أو تأييد، ولا أعتقد أن بي تلك الجرأة التي جعلت الكسندر هوايت، يقارن من هذا القبيل بين أشر امرأة في الوجود وأقدسها، بين إيزابل والعذراء المباركة: ويقول إن إيزابل كان شأنها شأن أي فتاة تدخل العالم، بدأت من نفس النقطة، التي بدأت منها العذراء أيضًا، مع هذا الفارق الضخم الرهيب أن كلتيهما وقفت على رأس الطريق الممتد الطويل، فذهبت العذراء في طريق القداسة والحق لتكون الأم العظيمة المطوبة للمسيح سيدنا مخلص العالم، وذهبت الأخرى في شوطها التعس المرهب لتقطعه إلى النهاية، وتكون رمزًا للشر في كل زمان ومكان، ولا شبهة في أن إيزابل كانت امرأة جميلة، فائقة الجمال تدرك ما في الجمال من قوة، وماله من سلطان، ولا شبهة أيضًا في أنها أحسنت استخدامه على ذلك النحو من الصغيان الذي جرف معه كل مقاومة، ربما حاول أخاب أن يبديها، في بعض اللحظات عندما هم ضميره أن يشتكي أو يحتج أو يثور، على ما تفعل من منكر أو تظهر من شر أو استبداد، ولاشك أن مفتاح المرأة يكمن أيضًا في عقيدتها الدينية فهي ابنة اثبعل ملك الصيدونيين، والكلمة «اثبعل» تعني «مع بعل» أو ذاك الذي يسير مع البعل، ينال رعايته ويتمتع بحمايته، ولم يكن الرجل ملكًا على أمته فحسب، بل كان كما يذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي كاهنًا للبعل وخادمًا له، وقد كان الملك في الأصل لأخيه، إلا أنه تمكن من اغتياله وأصبح ملكًا وكاهنًا معا واستمر يحكم بلاده اثنين وثلاثين عاماً متواصلة، وكان البعل أبا الألهة عند الفينيقيين ومصدر القوة والبهجة والسيطرة وكنت السواري أو عشتاروت آلهة الخصب والشباب والجمال ولم تكن العبادة في الواقع للاثنين إلا مزاجًا من الفساد والخرافة والقسوة والشهوة والدنس مجتمعة معاً، ولا حاجة إلى القول إن الكاهن وابنته، لابد أن الحياة التي يمكن أن يعيشاها ويسلكاها بين الناس،... قال الأب في ثورة غاضبة لولده الصغير: لا أعلم لماذا أنت ولد رديء،... أنا أذكر إني عندما كنت في سنك لم أكن أرتكب من الحماقات والشر مثل ما تفعل أنت نظيره اليوم!!... وأجابه الولد في هدوء وعمق وأناة ورصانة: ربما يا أبي لأنه كان لك أب أفضل وأجمل! ومهما كان في التعبير من سخرية وقسوة لاذعة، إلا أنه يصور إلى أبعد الحدود ماذا يمكن أن يفعل الآباء في أبنائهم في كل جيل وعصر، وإذا كانت القديسة تريزا قد ذكرت أنها تشكر الله أوفر الشكر، لأن واحداً من أبويها لم يصنع في حياتها إلا ما هو مجيد وعظيم ومقدس، فإنه على العكس تماماً، لا يمكن أن ننسى عندما نتأمل شخصية إيزابل أثبعل وأمها وأهلها وبيتها ومدى ما حملت معها من هذا البيت وهي تشق طريقها إلى أرض إسرائيل تحكم مع زوجها قرابة اثنين وعشرين عاماً ثم تسيطر بعد ذلك في نسلها سنوات أخرى قاسية رهيبة، ولعل هذا يفسر كيف ظهرت هذه المرأة على ما عرفت عليه من قسوة أو شر أو عنف!... بل يفسر كيف لعب الدور الوراثي والديني معًا، أبعد الآثار في طبعها الدموي الفتاك، فلا تستريح إلى منظر القتل أو السفك أو الدم فحسب، بل تسر به وتبتهج وترقص على طلب من مزيد! أليس هذا عينه ما قاله السيد: «تأتي ساعة فيها يظن من يقتلكم إنه يقدم خدمة الله...» أجل وبالحقيقة لا نعلم قط، قسوة أو طغيانًا يمكن أن يصل إليه الإنسان، كمثل هذا الذي يمعن خلف تفسير ديني أو فهم عقائدي، ومن العجيب أن المرأة رغم ما جبلت عليه من هذه القسوة أو البطش إلا أنها كانت واسعة الحيلة شديدة الدهاء، تستطيع أن تجد لكل عقدة حلا حتى هذه التي يقف أمامها نابوت اليزرعيلي وآخاب، دون الاهتداء إلى حل، فنابوت كان لا يملك أصلا أن يتصرف في كرمه إذ هو محرم عليه دينيا أن يفعل هذا بحسب الشريعة والدين، وآخاب لا يعرف كيف السبيل إلى حل مثل هذه العقدة مع شهوته العارمة إلى هذا الكرم، إلى الدرجة التي يدخل فيها إلى بيته، ويضطجع على سريره، ويحول وجهه إلى الحائط، ويمتنع عن الطعام والشراب، على أن المرأة الشريرة، وهي ترى زوجها على هذا الوضع، تأتي إليه وتسخر منه وتتعجب، كيف يعجز الملك، أمام عقدة سهلة ميسورة كهذه، فإذا كانت العقدة دينية، فالحل يمكن أن يكون أيضًا بكل بساطة أو يسر حلا دينيًا يستطيع معه الملك أن يأخذ الكرم كما يشتهي دون مبادلة أو حتى بغير ثمن على الإطلاق، ويتم هذا عن طريق حل واحد لا غير، باتهام نابوت بالتجديف على الله والملك، وليس أيسر من اثبات هذه التهمة، بإشاعة الجو المناسب لها، بالصوم والصلاة والحزن كأعظم جريمة يتصور وقوعها في ذلك الحين، فإذا وجد الشاهدان اللذان يمكن أن يعد للشهادة بذلك، فالعقوبة لا تلحق بنابوت وحده، بل لابد لفظاعتها ورهبتها أن تجرف بأسرته معاً، فيرجم الكل ويصبح الكرم بلا وارث، ويرثه الملك عندئذاك بحكم تقليد كان موضوعًا هناك، وتم الكل كما رسمت المرأة ونقذت، ولا بأس عندها أن يأتي الظلم سافرا في بعض الأحايين فإذا لم يكن بد من غطاء، فان الدهاء يمكن أن يجهز هذ الغطاء، خفيفًا أو كثيفًا على حد سواء، هذه هي المرآة التي يظهر من لغة الكتاب كم كانت على أوفر الحظوظ من الجمال والدهاء والتعصب والقسوة بل كم كانت على قدرة غير عادية في التخطيط لنشره ورسمه وتدبيره وتنفيذه معًا. المرأة وتأثيرها الرهيب قال أحد الكتاب وهو يصف هذه المرأة: «إن ظلها الأسود وقع لسنوات متعددة على شعب إسرائيل ويهوذا، إذ هي من ذلك الصنف من النساء اللواتي لا يتورعن عن عمل كل شيء وبكل عنف وبكل أسلوب، ومتى أتيحت لهن قدرة التخريب والتدمير فإنهن على أتم الاستعداد لفعل ذلك على أبشع الصور وأرهبها»، ولعله من الملاحظ أن آخاب زوجها كان من أول ضحاياها وأشدهم خضوعًا وخنوعًا وسقوطاً تحت تأثيرها المدمر وسلطانها الرهيب! وقد وضع أحدهم هذا السؤال قائلاً يا ترى أيهما أبعد أثرًا في حياة الأزواج والرجال الزوجة الفاضلة التي تجتهد على الدوام في دفع زوجها في طريق الحياة والحق والخير والجمال، أم الأخرى الشريرة التي تحركه تجاه الموت والباطل والشر والدمار، ومن المؤسف أنه أجاب أنه يخشى أن تكون هذه الأخيرة أقوى فعلاً وأبعد تأثيرًا!!.. ومع أن آخاب ورث الكثير من عمري أبيه، إلا أننا لا ينبغي أن ننسى، أنه كان يحمل في كثير من الأحايين القوة والقدرة والشجاعة والوطنية، ولو أنه وجد زوجة تغذي فيه وتقوى أفضل السجايا والمثل والمباديء، لتغير تاريخه على الاطلاق، ولما دخل السوق الرهيبة التي سمع فيها قول الله «بعت نفسك لعمل الشر في عيني الرب». ومن الموكد أن مكبث في قصة شكسبير المعروفة ذلك الرجل الذي بدأ حياته قائدًا انجليزيًا ممتازاً ومحبًا ومحبوبًا من الجميع، ما كان من الممكن أن يتردي في جريمته البشعة في قتل ملكه الكريم الطيب لولا تحريض زوجته بأطماعها الآثمة القاسية الشريرة!! كما أني وإن كنت لا أملك أن أجزم بصحة ذلك التقليد القديم الذي جاءنا عن يوسيفوس: أن إيزابل عندما جاءت تحمل إلى زوجها بشرى الخلاص من نابوت اليبزرعيلي وبيته، اهتز الرجل وفزع في مطلع الأمر، بل ومزق أيضًا ثيابه في هلع ورعب، لكني لا أستبعد أن تكون هذه بعض رعشات الضمير المترنح، والذي كان ينتظر قليلاً من ضربات أخرى حتى يمكن أن يقضي على ما بقي فيه من يقظة أو حركة.كما أن إيزابل تعد من أقدم النساء في التاريخ ممن كتبن على رأس قائمة المضطهدات اللواتي قتلن وذبحن وأرقن الدماء أنهارًا في كل مكان... وما أقسى ما فعلت من هذا القبيل في طول البلاد وعرضها. وقد وقف إيليا في فاجعة النفس يروي أمام الله ما تركت أو ما جعلت عبيدها يتركونه عندما قال: «لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف وهم يطلبون نفسي ليأخذوها» ومع أن الكثير من لغة التشاؤم قد سرت إلى حقيقة ما قال: إذ لم يكن هو وحده، بل كان هناك سبعة آلاف ركبة لم تجث للبعل، وكان من بينهم عوبديا ومن معه من الأنبياء الذين خبأهم وعالهم طوال فترة اضطهاد إيزابل الشنيع، إلا أن هذا العدد بعينه وما بلغت الأمة في خراب ودمار وركام وأنقاض تشهد جميعها بما فعلت هذه المرأة الباغية في حياة الناس!. المرأة والمقاومة الإلهية يتعرض المؤمنون على الدوام في عصور الآلام والاضطهاد إلى السؤال الذي يلح على أذهانهم ومشاعرهم وحياتهم، ويضغط عليهم ضغطًا قاسيًا شديدًا: ولكن أين الله من كل هذه الأحداث والمآسي والاضطهادات، وهل يمكن أن يترك الله الشر دون تحذير أو تنبيه أو مقاومة، وليس هذا من باب العدالة فحسب بل لعله من باب الرحمة أيضًا. وقد أسمع الله إيزابل والشعب أكثر من صوت من هذا القبيل، ولعل أول هذه الأصوات وأصرحها وأهمها كان صوت إيليا النبي الذي ظهر فجأة في طول البلاد وعرضها كالنور البارع في الليلة المظلمة، ومع أننا لا نعرف كم كان عمره عندما ظهر، وفي أي بيئة نشأ، وكيف قضى حياته الأولى، إلا أننا نعلم أنه كان الرجل الذي جبله الله على القوة والعنف والصلابة والخشونة، وأعده للحظة الحاسمة ليقف في وجه الوثنية والشر والطغيان والفساد، وكان حريًا بالمرأة أن تعلم، بأن مملكة الله لا يمكن أن تنقرض، وسيجد الله شهوده وسيبقى الركب التي لا تجثو لبعل، ويخرج في اللحظة الدقيقة قائده الشجاع وبطله المنتصر وفي كل عصور التاريخ هيهات أن يهمل الله أو يترك نفسه بلا شاهد، بل سيقف ولو مع واحد فقط ليصنع فيه ومعه المعجزات والأعاجيب، ألم يفعل هذا مع تليماخوس الراهب القديم الذي قدم نفسه للوحوش في روما، فأبطل هذه اللعب البربرية الوحشية التي درج عليها الرومان... ألم يفعل هذا الأمر نفسه مع لوثر عندما وقف في مجمع ورمس وصاح: هنا أقف ولا أتزحزح وليعني الله!... وألم يشجع في هذا السبيل ابراهام لنكولن الذي آثر أن يفشل عدة مرات، على نجاح باطل مزعوم عندما قال: لا لست ملتزمًا على الإطلاق أن أفوز، بقدر التزامي أن أكون على حق، ولست ملتزمًا أن أنجح، غير أني ملتزم أن أقف إلى جانب النور الذي يصل إلى ويوقفني إلى جانب الإنسان الذي يمسك بالحق، وسأبقى إلى جواره طالما هو على حق. وسأربحه على الفور إذا آثر في وقت ما أن يخضع للباطل» وقد جاءت المقاومة لإيزابل أيضًا من وجه آخر، من منع المطر ثلاث سنوات متواليات حتى تعلم إفلاس آلهتها، إذا كان البعل وعشتاروت عندها وعند أبيها وشعبها سر الغيث والخصب والدسم والحياة، فإذا لم تتحقق هذه، بل جاء على النقيض منها الجوع والحاجة والتعب والضيق، فإن لها أو لغيرها من الشعب أن يتجه إلى الله الحي الحقيقي الذي جهلوه وتركوه، كما أن اللقاء الحاسم على جبل الكرمل، بين نبي الله وأنبيائها، كان يمكن أن يعطيها الدرس الأخير لو آن لها أو للناس أن تنفتح عيونهم أو يتأملوا أو يتنبهوا ولكنهم للأسف هيهات هيهات!!.. المرأة والنهاية المدمرة وبعد هذا كله كان لابد أن تأتي النهاية، التي لم تستطع أن تراها، أو يراها الشعب، في وسط المظاهر المتعددة من غرور أو ضجيج ولكن الله رآها، وحدد أين ومتى وكيف ستكون؟ ومع أن الله أعلنها من البداءة على لسان إيليا، وبدأت بهلاك آخاب الذي لحست الكلاب دمه، وتلاها قتل السبعين من أولاده، بيد أقرب الناس إليهم، وارسال رؤوسهم في سلال متعددة إلى ياهو المتمرد على سيده ومولاه، إلا أنها إلى هذا الحد لم تستطع أن تتعلم أو تتعظ أو ترعوى، بل بالحري تمادت ووصلت في شرها إلى القرار وهي تركض سراعًا إلى الهاوية الأبدية، إذا كحلت بالأثمد عينيها وزينت رأسها، وتطلعت من الكوة، لعلها تستطيع أن تقترب بياهو إلى الغواية والإثم دون أن تعلم أنه أداة الله القاسية الرهيبة والتي ستضع الحد النهائي لما اقترفته من آثام وشرور ومفاسد... ومن العجيب أن الكلاب لم تبق من جسدها الجميل الفاتن «الا الجمجمة والرجلين وكفي اليدين» وذلك لا لكي يثبت صدق الله فحسب، بل لتتحول هذه البقايا معالم خالدة على الطريق لكل العابرين كل من يريد أن يرى ويتعلم كيف ينتهي الشرير وشره «وتكون جثة إيزابل على وجه الحقل في قسم يزرعيل حتى لا يقولوا هذه إيزابل»....
المزيد
13 مايو 2021

شخصيات الكتاب المقدس أمصيا

" فأرسل أمصيا كاهن بيت إيل إلى يربعام ملك إسرائيل قائلاً: قد فتن عليك عاموس فى وسط بيت إسرائيل " (عا 7: 10) مقدمة تعد قصة أمصيا من أقدم القصص الكتابية التى تتحدث عما يطلق عليه " سلطان " الخادم أو " حقه " فى ممارسة الخدمة، وقد جاءت صورة أمصيا، من سوء حظه، جنباً إلى جنب مع صورة عاموس... وحسب الظاهر كان أمصيا الكاهن المعترف به رسمياً من الدولة، فقد صدر به مرسوم من الملك يربعام الثانى ملك إسرائيل، فهو الكاهن " الشرعى " حسب قوانين البلاد!!.ولم يكن عاموس سوى رجل يلبس ثياب الرعاة الخشنة، ويحيا أبسط حياة، بلا ثياب رسمية أو مظاهر فخمة يمكن أن تعطيه الحق فى الخدمة الدينية،... بل لعله أكثر من ذلك أخطأ - بحسب مفهوم أمصيا - إذ وهو من المملكة الجنوبية اقتحم الخدمة فى المملكة الشمالية، وهذا لم يكن جائزا قانونياً!!.. والسؤال الذى تطرحه قضية أمصيا هو سؤال " الشرعية " فى الخدمة، ومن هو صاحب الحق فيها، أهو أمصيا الكاهن الرسمى بأمر الدولة ونفوذها وسلطانها، أم هو المقتحم الدخيل الآتى إليها من أرض يهوذا من الجنوب؟ من اللازم أن ندرس لهذا كله قصة أمصيا، إذ أنها القصة التى تكررت وماتزال تتكرر فى كل مراحل التاريخ حول " الشرعية " فى المفهوم البشرى، و"الشرعية" فى مفهوم اللّه والحق الكتابى!!.. ومن ثم يحسن أن نرى القصة من الجوانب التالية: أمصيا الكاهن بمرسوم ملكى تطرح قصة أمصيا - كما أشرنا آنفا - قصة الشرعية فى الخدمة، من حيث الخادم والخدمة ذاتها، ومع أننا لا نعلم بالضبط متى عين أمصيا كاهناً فى بيت إيل، إلا أنه من المرجح أن خدمته فى بيت إيل فى أيام يربعام الثانى حفيد ياهو بن نمشى كانت فى حوالى عام 722 ق. م عندما سقطت السامرة، وأخذ أمصيا مع المسبيين إلى السبى ليحرث هناك!!.. على أى حال لقد كان أمصيا آخر السلسلة العجيبة من الكهنة الذين بدأ يربعام الأول عام 932 ق.م فى تعيينهم، ليكونوا كهنة مرتفعات، وقد استمر هذا النظام حتى سقوط السامرة، أى أن هذا النظام استمر قرابة مائتين وعشرة أعوام، هى عمر المملكة الشمالية، فهل تكتسب الشرعية فى الخدمة الدينية، بمجرد مرور السنين أو القرون على ذلك؟. وهل يحسب الكاهن كاهناً، لمجرد أنه ينتمى إلى تقليد قديم ربما نسى الناس أصله وفصله؟؟،.. من الواضح من قصة أمصيا أنه كان ختاماً لمجموعة من الكهنة استمرت أكثر من قرنين من الزمان، ولا يمكنه أن يكتسب الشرعية لمرور هذا الزمن الطويل حتى ولو تلاحقت عليه آلاف السنين، إذ أن اللّه لم يعترف قط بهؤلاء الكهنة، ولم يقبلهم أو يرض عنهم، لأن الشرعية دعوة إلهية، لا تكتسب بالتقادم على وجه الإطلاق!!.. إن من أكبر الخطايا التى سقطت فيها الكنيسة فى أوقات الظلام والفساد، هو هذا الإدعاء، بأن الخادم هو خادم شرعتى لمجرد أنه تسلم الخدمة، ممن هو أقدم، وأن هذا السلطان متوارث بصرف النظر عن المسلم أو المتسلم، وسيتاح لنا عندما ندرس قصة عاموس فى شخصيتته الخاصة به، أن نتحدث عن هذا باسهاب، لندرك أن عاموس الذى لم يكن يستند إلى شرعية الوراثة المزعومة، كان هو الخادم الصحيح، وأن أمصيا (ولو أن وراءه أكثر من مائتى عام من الشرعية المعترف بها من الدولة) لم يكن إلا كاهناً كاذباً هو والذين قبله من أولهم إلى أخرهم!! كما أن الشرعية المزعومة يثبت فسادها من وجه آخر، من الأسلوب الذى كانت تلجأ إليه وتستخدمه فى الوصول إلى كرسى الكهنوت، فهى تستخدم كل الوسائل أو الوسائط البشرية، ولا تعف عن استخدام الأساليب الدنيوية لما للكرسى من امتيازات أرضية ومادية كبيرة، ومن هنا نشأ ما يعرف بالسيمونية " على مذهب سيمون الساحر: " ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدى الرسل يعطى الروح القدس قدم لهما دراهم قائلاً: "أعطيانى أنا أيضاً هذا السلطان حتى أى من وضعت عليه يدى يقبل الروح القدس، فقال له بطرس لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة اللّه بدارهم. ليس لك نصيب ولا قرعة فى هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماً أمام اللّه، فتب عن شرك وأطلب إلى اللّه عسى أن يغفر لك فكر قلبك " " أع 8: 18 - 22 " وما أكثر ما لعبت الدراهم دورها الرهيب فى هذا الشأن، وقد تحول بيت اللّه إلى مغارة لصوص ويزداد الأمر سوءاً عندما تختلط السياسة بالدين، فلا تكتفى السياسة بادخال المال إلى الساحة من أوسع الأبواب، بل تدخل الأوضاع الأخرى التى هى أشد رهبة ونكراً، ويحرص الساسة على أن يجعلوا على كرسى موسى الصدوقيين، وليس الفريسيين، وكان الصدوقيون ممن لا يؤمنون بالقيامة واليوم الأخير، وهم لذلك أصلح الناس عند الرومان للقيادة الدينية، وكان منهم حنان وقيافا والعدد الكبير من أعضاء السنهدريم، وهم الواجهة التى تفسد الدين باسم الدين، وليس هناك من هو أقدر على تضليل الجماهير مثل رجل الدين الذى يخدم السياسة باسم الدين، وهو العدو الأول للحق الإلهى، ولو ظهر مندثراً فى ثياب كهنوتية، ويجلس على الكرسى الذى قال عنه السيد المسيح: " على كرسى موسى جلس الكتبة والفريسيون: فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعلموا لأنهم يقولون ولا يفعلون ". " مت 23: 2 و3 "وكانت الشرعية المزعومة كاذبة من حيث الخدمة نفسها، لقد تعاقب على المملكة الشمالية تسعة عشر ملكاً كانوا كلهم أشراراً، وقد بدأ يربعام بن نباط هذا الشر بتحويل المجرى الدينى للخدمة، إلى الوثنية البشعة، لقد خشى أن تحن الأسباط إلى الوحدة مع يهوذا عندما يصعدون كل عام لتقديم الذبائح فى أورشليم فعمل عجلى ذهب، أحدهما فى بيت إيل، والآخر فى دان، ليبعد بالإسرائيليين عن أورشليم وذكراها، وكان يقصد بالعجلين أن يتصور اللّه فيهما، لأن العجول فى البلاد الزراعية ترمز إلى الخير والبركة، وكان الذهب يلمع فى عينيه كلما دخل إلى البيت أو خرج منه، ومن المؤلم حقاً أن ذلك المكان الذى رأى فيه يعقوب سلم السماء، تحول إلى هذه الصورة البشعة من الوثنية ومهما قيل عن الشريعة، فإنها برهانها الأعظم هو فى حياة الخادم وأسلوب خدمته!!.. لقد ابتلعت عصا موسى عصى العرافين، وكانت برهاناً على الفرق البين بين الحق والكذب، وقال بولس للكورنثيين: " إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فى الذى ليس ضعيفاً لكم بل قوى فيكم " " 2 كو 13: 3 ".كانت الخدمة عند أمصيا نوعاً من أكل العيش " وقد أفصح عن ذلك عندما تحدث إلى عاموس قائلاً: " وكل هناك خبزاً، وهناك تنبأ ". " عا 7: 12 " وما أكثر الذين يحيون ليأكلوا خبزاً، ويشربوا خمراً، ويأخذوا مركزاً، فالخدمة عندهم لا تزيد عن المغنم الذى إليه يسعون ويتجهون.إن امتحان الشرعية يظهر فى وضعه الصحيح من اليد النظيفة: " من يصعد إلى جبل الرب، ومن يقوم فى موضع قدسه؟ الطاهر اليدين والنقى القلب الذى لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذباً " " مز 24: 3 و4 " وعندما تساءل قوم من الكورنثيين عن شرعية الرسول بولس، ومركزه من الخدمة أجاب: " أهم خدام المسيح أقوال مختل العقل. فأنا أفضل. فى الأتعاب أكثر فى الضربات. أوفر فى السجون أكثر فى الميتات مراراً كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلده إلا واحدة. ثلاث مرات ضربت بالعصى. مرة رجمت. ثلاث مرات انكسرت بى السفينة. ليلاً ونهاراً قضيت فى العمق. بأسفار مراراً كثيرة. بأخطار سيول. بأخطار لصوص. بأخطار من جنس. بأخطار من الأمم. بأخطار فى المدينة. بأخطار فى البرية. بأخطار فى البحر. بأخطار من أخوة كذبة. فى تعب وكد. فى أسهار مراراً كثيرة. فى جوع وعطش. فى أصوام مراراً كثيرة. فى برد وعرى. عدا ما هو دون ذلك. التراكم على كل يوم، الاهتمام بجميع الكنائس " " 2 كو 11: 23 - 28 " وهل هناك برهان على صحة الخدمة أو حقيقتها أقوى من هذا البرهان؟!!. كان الشئ الأخير فى الشرعية عند أمصيا متصلا بالمكان أو دائرة النفوذ، وهو لذلك لا يقبل أن يقتحم عليه عاموس مكانه،.. لقد أخذ هو بيت إيل بمقتضى المرسوم الملكى ليكون مركز نفوذه وسلطانه، وهو على استعداد أن يصارع أى إنسان آخر يدنو من كرميه أو يعمل بين رعيته،.. ومن المؤسف أنه ما تزال إلى اليوم هذه الصورة على وضعها البشع، فى كثير من الأماكن، وبين المذاهب المسيحية المختلفة.. فعندما يكرز خادم من خدام اللّه بالكلمة يسأل: من أى مذهب هو، وما سلطانه وحقه فى الكلام بين أبناء المذاهب الأخرى؟؟، وتصبح الأذن صماء بالنسبة لرسالته، لأنه يتكلم وهو ابن مذهب معين إلى آخرين ينتمون إلى مذهب مخالف لمذهبه!!.. ومن المؤسف أيضاً أن أبناء المذهب الواحد يتصارعون على الأعضاء، وكيف يتحدث راع من كنيسة أخرى إليهم أو يزورهم أو ينادى لهم برسالة الإنجيل أو يبشرهم بكلمة الخلاص؟، وبدلا من أن يشكر على هدايتهم ومعونتهم، يقال له ما قاله أمصيا لعاموس: " أن اذهب... إلى أرض يهوذا... وهناك تنبأ!!.. أمصيا الكاهن والادعاء الكاذب كان على أمصيا أن يسعى بكل جهده لإخراج عاموس من إرض إسرائيل وهو لا يعنيه، فى شئ ما يقول عاموس خارج هذه الدائرة، أن الحق والباطل عنده يتساويان خارج دائرة نفوذه وسلطانه،.. وفى الحقيقة إن الحق والباطل عنده يتساويان إذا ضمنت له لقمة العيش والبقاء فى المركز!!.. وكم من أناس يدعون الغيرة على بيت اللّه ومجد اللّه، والقضية الدينية عندهم لاتزيد عن هذين الأمرين: المال، والمركز..!!، أعطهم الإثنين وهم على استعداد أن يعبدوا عجل الذهب، لأنهم أصلا عبيد الذهب أينما ذهبوا يسعون وراء المال كيفما مال بهم واتجه!!.. أما إذا دخل أحد بينهم وبين الإثنين أو بينهم وبين واحد منهما فهنا الطامة الكبرى، والمصيبة التى لا تحتمل، وهنا يحل الكذب والاتهام والافتراء والنميمة وكل الصور التى تشوه الآخرين أو تنال من سمعتهم أو رزقهم أو مركزهم أو حياتهم أيضاً، ويصبح القضاء عليهم واجباً مقدساً، يسهرون من أجله، ويكافحون سبيله دون أدنى تراخ أو تراجع أو يأس أو سكون،... وقد سلك أمصيا فى ذلك أكثر من سبيل، فهو يشى إلى الملك، ولا يتكلم بالرواية الصحيحة، بل يشوها تشويها، فإذا كان عاموس يبين أن الخطية ستنتهى بالأمة إلى الخراب، وتذهب بالشعب إلى السبى، فهو يصور هذه الأقوال فى صورة فتنة يتعمدها عاموس، وهى ليست أقوالا من الرب، بل هى كلمات الثورة والفتنة التى يسببها الرجل الآتى من أرضى يهوذا،... ويبدو أن يربعام لم يهتم كثيراً بأقوال أمصيا، وإذاً فلابد من مواجهة عاموس نفسه، والعمل على تخويفه ليهرب إلى أرض يهوذا،... وهو يلوح له إلى جانب التهديد من طرف خفى - بأن أرض يهوذا أكثر مكسباً من أرض إسرائيل، فلماذا لا يذهب إلى هناك ويأكل خبزاً؟!!... كان أمصيا فى هذا كله ابناً للشيطان ورسولا منه، والشيطان فى العادة يحاول دائماً أن يسكت الحق الإلهى بالوعيد أو بالوعد، بالتهديد أو الإغراء، وسجلاته فى كل العصور خير شاهد علي ذلك!! وقف أحد الرهبان فى كنيسة من الكنائس الألمانية غداة حرمان مارتن لوثر، وكان قد ذهب إلى هذه الكنيسة ليعلن قرار الحرمان، وقف يقول: " أيها الآباء والأخوة والأبناء: إن الكنيسة عانت طويلا من سم حية نشأت بين أحضانها، هذه الحية هى " مارتن لوثر، والسم هو تعاليمه التى ينشرها!! ولا حاجة بى إلى أن أخبركم عن قصة ضلاله، فهو، أولاً، فى كبرياء قلبه يحتج على المحبة العظمى فى قلب أبينا البابا المقدس، الذى جعل من الميسور بيع صكوك غفران الخطايا عند أبوابنا، وهو فى هذا يؤذى الكنيسة إذ يعظ ضد الصكوك المقدسة، والغفرانات، ويمنع خلاص النفوس، قد كتب حججاً كاذبة وسمرها على باب الكنيسة فى وتنبرج، وانتشرت من هناك فى كل المانيا. وكثيرون يموتون فى خطاياهم ويذهبون إلى الجحيم بسبب هذه الحجج، وقد كانت الكنيسة مترفقة به إذ وعدته بالعفو إذا تراجع، وأعطته الفرصة ليظهر فى أوجسبرج أمام قداسة الكاردنيال كاجيتان الذى تعامل معه بلطف دون جدوى، وبعد هروبه الجبان من أوجسبرج، كان له الشرف أن يتقابل مع دكتور أيك العظيم الذى تغلب عليه تماماً، ومع ذلك فهو ما يزال ينشر أكاذيبه فى كل مكان وقد أضحى الآن أكثر غطرسة، وقسوة... إذ لم يكتف بمهاجمة الغفرانات، بل بدأ يهاجم البابا نفسه، وقد كتب كتباً عديدة ممتلئة بالباطل والأضاليل، ويزرع الشوك فى عقول الكثيرين من أبناء الكنيسة المؤمنين، وأبعد آلافاً عن الأم الحقيقية الوحيدة الكنيسة، ولهذا فإن البابا عزم على أن يضع حداً لهذا الهرطوقى الكبير وأبى الأكاذيب ".أغلب الظن أن أمصيا وعظ فى بيت إيل بمثل هذه العظة للشعب المضلل المنكوب!!.. أمصيا الكاهن والعقاب الرهيب تنبأ عاموس على أمصيا، وقد اتسمت نبوته بالوضوح القاطع، وهنا يفترق الصدق الإلهى عن همهمات وإدعاءات الرؤى الوثنية، أو - كما قال أحدهم - إن العرافين فى العادة لا يقطعون برأى، بل يضعون نبواتهم فى كلمات غامضة تحتل أكثر من معنى ليكون الأمر عند التفسير أقرب إلى ما قد يجئ به التنفيذ، وهم على استعداد أن يدعوا أن هذا هو ما كانوا يقصدونه من البدء، إذ تصادف أن اقتربت الحقيقة إلى ما يزعمون، لكن نبوة النبى الصادق تتحدى الأنبياء الكذبة حتى ولو كانوا أربعمائة نبى يتحدثون بلسان واحد وعلى رأسهم صدقيا بن كنعنة الذى عمل لنفسه قرنى حديد وقال لآخاب: " هكذا قال الرب بهذه تنطح الأراميين حتى يفنوا، وتنبأ جميع الأنبياء هكذا قائلين اصعد إلى راموت جلعاد وافلح فيدفعها الرب ليد الملك " " 1 مل 22: 11 و12 " أما ميخا بن يمله نبى اللّه الصادق فإنه لا يتردد فى أن يصف الأربعمائة من الأنبياء بأنهم كاذبون مضللون، وأن الشيطان قد وضع فى أفواههم جميع أقوالا كاذبة، وأن مصيره سينتهى فى المعركة، وإذ يصفعه صدقيا بن كنعنه على فكه قائلا: " من أين عبر روح الرب منى ليكلمك؟ فقال ميخا: إنك سترى فى ذلك اليوم الذى تدخل فيه من مخدع إلى مخدع لتختبئ " 1 مل 22: 24 و25 " وإذ يسجنه آخاب طالباً أن يضعوه فى السجن، وأن يطعموه خبز الضيق وماء الضيق حتى يعود بسلام: " فقال ميخا: إن رجعت بسلام فلم يتكلم الرب بى.وقال اسمعوا أيها الشعب أجمعون" " 1 مل 22: 28 " كان ميخا واضح الرؤيا، شديد الثقة، دون اهتزاز أو تذبذب أو تتردد، والأمر بعينه كما يذكره ذلك الأرامى فى شهادته أمام الملك عن أليشع " ولكن أليشع النبى الذى فى إسرائيل يخبر ملك إسرائيل بالأمور التى تكلم بها فى مخدع مضجعك " " 2 مل 6: 12 ".. بل لعل الأمر يبلغ قمته، عندما حلم نبوخذ ناصر حلمه، وأغلب الظن أنه نسيه، ومع ذلك فهو يطلب من حكماء بابل أن يبينوا له الحلم وتعبيره " وأجاب الكلدانيون قدام الملك وقالوا ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبين أمر الملك. لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مثل هذا من مجوس أو سامر أو كلدانى. والأمر الذى يطلبه الملك عسر وليس آخر يبينه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر " " دا 2: 10 و11 " وإذ يسمع دانيال، ويتجه بالصلاة إلى اللّه، وهو زملاؤه الثلاثة فتية، يكشف له السر فيدخل إلى نبوخذ نصر مسرعاً ليقول: " السر الذى طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبينوه للملك. لكن يوجد إله فى السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذ نصر ما يكون فى الأيام الأخيرة " " دا 2: 27 و28 ".. ويذهل نبوخذ نصر من هذه المعرفة العجيبة إلى درجة أن يخر ساجداً على وجهه إلى الأرض أمام دانيال،... وعلى هذا المنوال كانت رؤيا عاموس واضحة أمام عينيه وهو يتنبأ عن أمصيا كاهن بيت إيل، ولم يتردد فى ذكرها للرجل بكل أمانة وشجاعة، رغم ما تمتلئ به من عنف وشدة وقسوة،.. لم يحاول عاموس أن يصقل كلامه أو يخفف من واقعه على أذنى الرجل، بل كانت كلماته كالمطارق القاسية التى تهوى على رأسه دون أدنى شفقة أو رحمة، وقد كانت النبوة فى الحقيقة مفزعة ومخيفة!!.. إذ كانت. 1- الفضيحة القاسية: وأى فضيحة أقسى وأشد من القول: " امرأتك تزنى فى المدينة " " عا 7: 17 " والكلمة يمكن أن تفسر من اتجاهين، إما أن الرجل يلصق به العار لخيانة زوجته له،.. فلقد خان هو اللّه وزنى عنه، أو أصبح رئيس الزناة بعبادته الوثنية وتكريس حياته لخدمة عجل الذهب،.. والبعد عن اللّه فى لغة الكتاب هو زنى: " لأنه هو ذا البعداء عنك يبيدون تهلك كل من يزنى عنك " " مز 73: 27 " والذهاب وراء كل إله غريب، مهما يكن لونه أو شأنه هو الفسق أمام اللّه، بدون أدنى حرج أو حياء أو خجل، ومن المؤلم أن اللّه أقام نبينا، وجعل قصته تجسيداً لهذه الحقيقة عندما: " قال الرب لهوشع إذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب. فذهب وأخذ جومر بنت ديلايم فحبلت وولدت له ابناً " " هو 1: 2 و3 "... وقد تحولت أمة إسرائيل كلها إلى أمة زانية بهذا المعنى، عندما انصرفت عن اللّه، وتحولت إلى الهوى والشهوة وراء الآلهة الغريبة، فكان لابد أن يكون الجزاء من جنس العمل،.. ومن المحتمل أن زوجة أمصيا انصرفت عنه وفسدت دون تورع، كانصرافه عن الحق الإلهى، وسيره وراء التيه والفساد والبطلان،.. أو أن الأمر يمكن أن يؤخذ من اتجاه آخر، إذ تغتصب زوجته فى المدينة من ورائه أو على مرأى عينيه، عندما يدخل الغزاة ويتم السبى،.. وما أقسى ما يحدث، فى مثل هذه الظروف والأحوال، من أوقات الحروب، كعقاب مخيف مفزع من اللّه! ألم يقل إشعياء: " وتحطم أطفالهم أمام عيونهم، وتنهب بيوتهم، وتفضح نساؤهم " " إش 13: 16 " وقال زكريا الشئ نفسه: " فتؤخذ المدينة وتنهب البيوت وتفضح النساء "... (زك 14: 2) وسواء أكانت الصورة بالمعنى الأول أو الثانى، فإنها أشبه الكل بعقدة " أوديب " العقدة التى حلت بالشاب اليونانى الذى قيل إنه قتل أباه، وتزوج أمه، وهو لا يعلم، وعندما أدرك ذلك فقأ عينيه، وخرج هارباً فى الأرض كقايين، تروعه عذابات الضمير، دون أن يستريح أو يهدأ أو يلوى على شئ!!.. إن الخروج على اللّه هو الفضيحة بعينها، ولا بد أن تكشف هذه الفضيحة فى هذه الصورة أو تلك، وما عمل فى الخفاء سيرى الناس عقابه علانية وتحت ضوء الشمس فى كل مكان!!.. 2- ضياع الأرض.. " وأرضك تقسم بالحبل " " عا 7: 17 " ونحن نعلم أن الأرض كانت مقدسة، وهى ملك لصاحبها بالوكالة، لأنها أساساً للّه، وكانت إذا بيعت أو اشتريت، فإن ذلك إلى يوم اليوبيل الخمسينى لتعود مرة أخرى إلى صاحبها، لكن الأشوريين لا يعرفون شيئاً عن هذا اليوبيل، وكما اغتصبت الزوجة، تغتصب الأرض أيضاً اغتصاباً،.. لقد عاش أمصيا للأرض دون أن يرفع عينيه إلى السماء، وبحث عن الذهب، وعبده، ومال وراءه،.. وها هى الأرض أيضاً تؤخذ بما فيها وما عليها، والحرام لا يذهب وحده كما يقولون، بل يأخذ الحلال والمقدس معه،.. وإذا كان الناس يقولون إن الجريمة لا تفيد، فإنه الأصح أن يقال دائماً، إن الخطية لا يمكن أن يكسب الإنسان من ورائها أدنى خير أو مكسب،.. لقد جند أمصيا نفسه ليجمع الثروة والمال من وراء خدمة عجل الذهب تعبد له، وأقيم كاهناً لخدمته، وها قد ذهب المال والعجل وكل شئ، وحل محلها الفقر والضياع والعدم والهلك!!.. 3- الموت البشع: " وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف " " عا 7: 17 " وأى منظر أشد هولا أو رعباً، من منظر الأولاد والبنات، وهم يقتلون على مرأى عينيه،.. أليس هؤلاء الأولاد أو البنات هم الذين من أجلهم سعى لاقتناء الثروة، وجمع الكنوز، وتكديس المال، وكان أقصى ما يحلم به أن يوفر لهم الحياة الهانئة والعيش الرغد؟، وها هو المال يذهب، وفى إثره يقتل أحب الناس إليه فى الأرض!!.. 4- النهاية التعسة: " وأنت تحرث فى أرض نجسة " " عا 7: 17 " ولم يبق للرجل بعد هذا كله سوى جسده، ونفسه،.. وهما أيضاً معاً سوف يعذبان، إذ سيؤخذ إلى السبى، ويبقى هناك على أتعس الذكريات وأشرها فكراً، وسيموت محاطاً بالدنس من كل جانب، لأن الدنس ملأ نفسه من الداخل، وهل لنا أن نتصور أمصيا وقد قبض عليه وسار سير المسبيين فى الأرض، وجر كما يجر الحيوان بالسلاسل والأغلال، وسار فى الفيافى والقفار، حتى انتهى إلى الأرض القريبة، وعاش ميتاً، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، وهوى وثوى فى الأرض النجسة الغريبة كأتعس ما تكون نهاية القصة والمأساة لأى إنسان أحسن ظنه بالأيام والليالى، ولم يدر أن الزمن قلب، ومفاجآت الحياة للأشرار دونها كل مفاجأة.. 5- سبى الأمة كلها: " وإسرائيل يسبى سبياً عن أرضه " " عا 7: 17 " ومن العجيب أن يقال هذا الكلام فى أيام يربعام الثانى ملك إسرائيل، إذ كانت البلاد، فى ألمع أيامها الذهبية، من الوجهة السياسية والاجتماعية، وكان الناس ينامون على أسرة من العاج، كما نرى فى نبوات عاموس، وكانوا يسترخون على نغم الموسيقى الراقصة أو الحالمة " انظر عا 6: 1- 7 " ولكن عاموس - شأنه شأن الأنبياء الصادقين - لم يخدع بالمظهر البراق أو الصورة الخلابة، إذ رأى الدنس والخطية والخراب والموت خلف الكل،.. وعندما جاءت هذه النهاية كانت مرعبة مرهبة فظيعة، إذ لم يسقط الأسباط العشرة تحت جحافل الأشوريين فقط، بل قضى على كيانهم السياسى والاجتماعى والقومى والدينى إلى الأبد. وإلى اليوم، لا يكاد يعرف أحد مصير هذه الأسباط. لقد كان عقابهم كخطيتهم قاسياً مفزعاً مروعاً رهيباً!! أجل: لأن أجرة الخطية هى موت، وأما هبة اللّه فهى حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا " " رو 6: 23 "..
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل