المقالات

13 أغسطس 2020

«مهما قال لكم فأفعلوه» (يو2: 5)

العذراء أم النور هي أمنا جميعًا. نحن نحبها ونطلب شفاعتها عنا، وندعوها الشفيعة الأمينة المؤتمنة أمام ربنا يسوع المسيح. ومحبتنا للعذراء الطاهرة تجعلنا دائمًا نتطلع إليها ونتعلم منها وخاصة في فترة الصوم الذي يحمل اسمها المبارك. العذراء القديسة مريم لم تكتب لنا رسالة، ولكن تقدم لنا نموذج حياة طاهرة مقدسة لنقتدي بها. ومسرة قلبها نحونا أن نتجه إلى ابنها الحبيب ونطيع وصاياه، لأن طاعة الوصية هي علامة المحبة. فالسيد المسيح يقول لنا: «إنْ كنتُم تُحِبّونَني فاحفَظوا وصايايَ» (يو14: 15)، «إنْ أحَبَّني أحَدٌ يَحفَظْ كلامي، ويُحِبُّهُ أبي، وإليهِ نأتي، وعِندَهُ نَصنَعُ مَنزِلًا» (يو14: 23)... الوصية الوحيدة المذكورة في الكتاب المقدس والمنسوبة للعذراء هي «مَهما قالَ لكُمْ فافعَلوهُ» (يو2: 5)، أنها تلخّص رغبة العذراء نحونا أن نظهر محبتنا لابنها الحبيب بحفظ وصاياه. ووصية المسيح الأساسية لنا هي «هذِهِ هي وصيَّتي أنْ تُحِبّوا بَعضُكُمْ بَعضًا كما أحبَبتُكُمْ» (يو15: 12)، لأن محبة الآخرين علامة لمحبتنا لله «ولَنا هذِهِ الوَصيَّةُ مِنهُ: أنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أخاهُ أيضًا» (1يو4: 21). العذراء أم النور التي أحبت الله وحفظت وصاياه، قدمت لنا مثالًا لمحبة الآخرين من خلال خدمة المحتاجين. لأن المحبة الحقيقية هي المحبة بالعمل والحق «يا أولادي، لا نُحِبَّ بالكلامِ ولا باللِّسانِ، بل بالعَمَلِ والحَقِّ!» (1يو3: 18). أحبّت العذراء أهل عرس قانا الجليل، لذا ذهبت مع ابنها الحبيب لمشاركتهم فرحتهم، ولكن حدثت مشكلة إذ فرغ الخمر. لم تنتقد العذراء أهل العرس الذين لم يكونوا مستعدين لضيوفهم، ولكن فكرت كيف تساعدهم دون أن يطلب منها أحد ذلك. لذا تقدمت إلى ابنها الحبيب قائلة له «ليس لهُمْ خمرٌ» (يو2: 3). ونلاحظ أن العذراء عرضت على ابنها المشكلة وليس الحل، لقد تقدمت بثقة أنه سوف يحل المشكلة بالطريقة التي يراها مناسبة، ورغم أن إجابة المسيح لها «ما لي ولكِ يا امرأةُ؟ لَمْ تأتِ ساعَتي بَعدُ»، إلّا أنها لم تلحّ عليه أو تناقشه فيما قاله، بل بثقة تركت له الوقت والطريقة لحل المشكلة، ولأنها كانت تثق أنه سوف يفعل شيئًا لذا قالت للخدام «مَهما قالَ لكُمْ فافعَلوهُ». ماذا يفعل؟ ومتى يفعل؟ هذا أمر متروك له، ولكنها تثق أنه لن يترك هؤلاء الناس بدون مساعدة. العذراء تعلّمنا أن نعرض مشاكلنا أمام الله بثقة وإيمان، دون أن نفرض وقتًا وطريقة معيّنة للحل، فالله لديه حلول كثيرة. مريم ومرثا عرضتا على المسيح مشكلتهما «يا سيِّدُ، هوذا الّذي تُحِبُّهُ مَريضٌ» (يو11: 3). وتوقّعتا أن يأتي المسيح حالًا ليشفي المريض، ولكن المسيح ذهب بعد ستة أيام وكان لعازر قد مات ودُفِن، لذا قالت كلٍّ من الأختين للمسيح «يا سيِّدُ، لو كُنتَ ههنا لَمْ يَمُتْ أخي!» (يو11: 21، 32)، وهنا لم يشفِ المسيح لعازر من مرضه، ولكنه أقامه من موته بعد أن كان في القبر أربعة أيام. الله قادر على كل شيء، ولكنه يدبّر كل الأمور بحكمة. نعجز - نحن المحدودين - أن ندرك حكمة الله التي تفوق إدراكنا، لذا لنتعلم من العذراء مريم أن نطرح احتياجاتنا ومشاكلنا ومتاعبنا أمام إلهنا بثقة وإيمان دون كيف؟ أو متى؟ ولنقف لننظر خلاص الرب... نيافة الأنبا سرابيون مطران لوس آنجلوس
المزيد
22 أكتوبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس أخنوخ

"وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" تك 5: 24 مقدمة لا أعلم كيف فاتني أن أتعمق في دراسة شخصية أخنوخ، ولا أعلم كيف فاتني -لسنوات متعددة- أن أقترب أكثر من هذا الشعاع من النور الذي أضاء في فجر الحياة البشرية، ولا أعلم لماذا لم أصدق في هذه الهالة التي لفت وجه الرجل السابع من آدم، الذي يقول البعض: إنه اسمه يعني "المبتدئ" أو "الجديد" أو "المكرس" وعلى أي حال فإن العدد "سبعة" رمز الكمال في لغة الكتاب، ويبدو أن الرجل كان بمثابة بداية جديدة أو نقطة تحول في مفهوم التكريس وعمقه وجلاله ومجده أمام الله والناس،.. هل يرجع الأمر إلى أن الكلمات التي جاءت عنه كانت قليلة ويسيرة في أربع آيات في سفر التكوين وآية واحدة في الرسالة إلى العبرانيين، واثنتين أخريين في رسالة يهوذا؟!! أم لأننا مرات كثيرة لا تستلفت القصة أنظارنا إن لم تكن مصحوبة بوقائع معينة، تعين على الرؤيا أو تحديد الملامح؟!! أما لأننا في عجلة الحياة وسطحيتها وضجيجها وعدم تعمقها نغفل عن أن نطل على الجواهر المتلئلئة المضيئة، فلا نرى الرجل الذي كان أشبه بالفلته النادرة في عصره فعاش الحياة ولم ير الموت، لأنه عاش أجمل حياة على الأرض، وبرح الدنيا إلى حياة أبدية أسمى وأجمل، دون أن توضع على شفتيه كأس المنون ليجرعها، كما يجرعها كل إنسان على الأرض؟!!.. لقد أفلت أخنوخ وإيليا من الموت، ولن يوجد على شاكلتهما إلا أولئك الأحياء الذين يعيشون دون أن يروا الموت في المجيء الثاني السعيد!!.. من يكون هذا الرجل وما هي السمات التي يمكن أن تتميز بها شخصيته الرائدة العظيمة؟.. إنه في تصوري هو "المتصوف" الأول في الحب الإلهي إن جاز هذا التعبير؟!!.فإذا قرأنا عن قافلة المحبين لله، الذين يركضون في سباق الحب الإلهي، فسنجد هذا الرجل أول المتسابقين في فجر الحياة البشرية!!.. لقد فتحت عينيه على الله، وإذ رآه لم يعد يرى شيئاً في الوجود غيره، فتن بالله، واستغرقه الحب الإلهي، وكان أسعد إنسان في عصره يسير هائماً مع الله، وقد ازدادت سعادته بهذا اليقين الذي ملأ قلبه أنه أرضى الله،.. وإذا صح أن رجلاً إنجليزياً عطوفاً تحدث ذات يوم إلى غلام كان يمسح حذاءه، وكان البرد قارساً،.. وقال الإنجليزي للغلام بعطف عميق: يا غلام.. هل أنت مقرور؟، وأجاب الغلام بابتسامة عميقة: لقد كنت كذلك يا سيدي إلى أن ابتسمت في وجهي!!.. إذا صح أن وجهاً بشرياً يطل على آخر فيصنع الابتسامة ويشيعها فيه، فكم يكون الله الذي أطل على أخنوخ ورضى عنه وأحبه!!.. إنها قصة جميلة رائعة، تستدعي تأملنا وتفكيرنا، ولذا يمكن أن نرى أخنوخ من عدة نواح. أخنوخ من هو؟!! لا أستطيع أن أتصور أخنوخ دون أن أراه الإنسان ذا الهالة والوجه النوراني، وهل يمكن لإنسان أن يعيش مع الله، ويسير في صحبة الله، دون أن تطبع الصورة الإلهية، أو الجمال الإلهي عليه؟. لقد صعد موسى إلى الله أربعين يوماً وأربعين ليلة، وعاد وجهه يشع بالنور وهو لا يدري، ولم يعرف حقيقة حاله، إلا من فزع الإسرائيليين الذين لم يستطيعوا أن يبصروا هذا الإشعاع من النور دون رهبة أو إجلال أو فزع، ولقد تعود موسى أن يضع البرقع على وجهه، ليغطي هذا النور كلما اقترب من الناس أو التقى بهم، فكيف يمكن أن يكون أخنوخ الذي تعرف على الله وهو في الخامسة والستين من عمره، وسار مع الله ثلاثمائة عام بأكملها من ذلك التاريخ؟!! وإذا صح أن "دانتي" كان يرسم على وجهه -وهو يكتب الكوميديا الإلهية- كل التأثرات والانفعالات التي تجيش في نفسه، فإذا كتب عن السماء، فهو أرقى إلى الملاك وهو يكتب، مأخوذاً بالصور السماوية الرائعة،.. وإذا تحول إلى الجحيم يدير وجهه، وكأنما الشيطان ينعكس من خلال ملامحه ونظراته، فهو أدنى إله وأقرب،.. وإذا صح أن الحياة تطبع على وجه الإنسان في الأربعين من عمره -كما يقال- معالمها من ذات السلوك الذي يسلكه بين الناس، فإن الرجل الذي يسير ويستمر مع الله في سيرة ثلاثمائة عام متوالية، لابد أن ينال من الجمال الإلهي ما لم يعرفه معاصروه أو أجيال كثيرة تأتي بعده،.. وهو الرجل النافذ النظر، البعيد الرؤيا، الحالم الوجدان، الذي يمد بصره إلى ما وراء المنظور، فيرى من لا يرى، شخص الله الذي آمن به، واستولى على كيانه وسيطر على كل ذره من تفكيره وعواطفه وبنيانه،.. وإذا كانوا قد قالوا: أن المصور المشهور "هولمان هانت" عندما قيل له كيف يستطيع أن يصور المسيح ويرسمه دون أن يكون قد رآه،.. أجاب: إني سأراه وأعيش معه، سأراه طفلاً في مذود بيت لحم، وسأذهب وراءه إلى مصر، وأعود معه إلى الناصرة، وأصعد وإياه فوق جبل التجلي، وأجول معه في جولاته بين الناس، وأتمشى وراءه في أورشليم، ولن أترك مكاناً ذهب إليه دون أن أذهب، وسأرسمه مأخوذاَ بهذه كلها، فإذا صح أن هذا المصور يعيش بخياله مع المسيح على هذا النحو الجليل فإن أخنوخ -وهو يضرب بقدميه في كل مكان، وقد أخذ الله بلباب حياته- لابد أن يكون الإنسان السارح الفكر البعيد الخيال، الممتد الرؤيا، الكثير التأمل، بل لعله من أقدم الشخصيات التي صلت فأطالت الصلاة، وناجت فمدت المناجاة، وهل يمكن أن يسير مع الله وهو أصم أو أعمى أو أبكم، لقد استيقظت حواسه بأكملها، فهو سامع مع الله، متكلم معه، وهو الذي سيجد من الشركة مع الله، ما يعطيه أن يشدو ويترنم ويسبح ويغني!!.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا الرجل كان واحداً من أقدم المحبين الذين ملأ حب الله قلوبهم بل لعلنا نذهب أكثر فنراه المتصوف الذي بلغ أعلى درجات الحب الإلهي،.. فإذا كان اليونانيون قد جاءوا بعد آلاف السنين ليفصلوا أنوع الحب، وكانت هناك كلمات ثلاث مختلفة عندهم الأولى Evrn وتعني حب الشهوة ليس بين الرجل والمرأة، بل كل الأنواع التي تستحق أن تملك كمثل حب الجمال أو الخير، أو الحب الذي هو أساس الحياة الأدبية كحب الفضيلة، أو أساس الحياة الفنية كتذوق الجمال، أو أساس الحياة الفلسفية، وقد رأوها في حب الآلهة، أو الأبدية أو الخلود.. وكانت الكلمة الثانية Phibein وهي حب الخير غير الأناني الذي يعني بالإنسان والصديق والوطن وما أشبه، وكان اليونانيون يصفون به أعلى الناس، وقد وصفت به أنتيجون، الفتاة التي تابعت أخاها حتى القبر، وظلت إلى جوار جثته حتى ماتت، ووصفت به نبلوب التي ظلت عشرين عاماً تحدق في الفضاء البعيد تنتظر مجيء زوجها وسفنه الضائعة،.. والكلمة الثالثة Agapan وقد استخدمت في أكثر من معنى، وشاعت عباراتها بالمعنى السالف للكلمتين، وإن كانت تعبر عن الحب القوي العميق!!.. إذا كان أخنوخ في فجر الحياة البشرية لم يفصل أو يفرق بين هذه الأنواع، إلا أنه عاشها، فقد عاش يتذوق الحب الإلهي، ولعله صاح طوال حياته للناس: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب، كما صاح المرنم الذي تغنى بذلك بعد آلاف السنين، أو لعله قال: "إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس بنفسي اشتهيتك في الليل أيضاً بروحي في داخلي إليك أتبكر لأنه حينما تكون أحكامك في الأرض يتعلم سكان المسكونة العدل. يرحم المنافق ولا يتعلم العدل. في أرض الاستقامة يصنع شراً ولا يرى جلال الرب" كما قال إشعياء فيما بعد!!. وعاش الحب الذي خرج به عن نفسه، واستغرق لا العشرين عاماً التي عرفتها بنلوب وهي تحدق في الفضاء البعيد، والتي لم تر بغير زوجها بديلاً،.. ولم ير زوجها بغيرها بديلاً –حتى في جنات الآلهة كما سرح الخيال الوثني- وظلا كلاهما على الوفاء بعد حروب تراوده حتى التقيت آخر الأمر،.. إن حب أخنوخ لله، كان هو التصوف الذي أشرنا إليه، والذي عاشه ثلاثمائة عام، وتجاوز به حاجز الموت حتى التقى بالله ليسبح في بحر الحب الإلهي إلى آباد الدهور!!.وكان أخنوخ –ولا شك كما وصفه الكسندر هوايت- أسعد إنسان في عصره، ورغم أن العصر الذي عاش فيه –كما سنرى- من أشر العصور وأفسدها،.. لكن الرجل مع ذلك وجد جنته الحقيقية في السير مع الله،.. إنه لم يفزع من الله كما فعل آدم عندما زاره الله في الجنة، وكان عرياناً يخجل من خطيته، ويتنافر بالخطية تلقائياً عن محضر الله أو السير معه،.. إلا أن أخنوخ كان على العكس، لقد أدرك ترياق الله من الخطية، وتعلم كيف يتقرب إلى الله بالذبيحة، بل يلتقي المحبان في نشوة الحب وعمقه وصدقه وجلاله وحلاوته،.. وأجل وتلك حقيقة أكيدة إذ أن حب الله استحوذ عليه فغطى على كل عاطفة أخرى، وجاء البديل لكل حاجة أخرى، وأسكره وهو يعلم أو لا يعلم عن كل خمر يمكن أن يقدمها الناس بعضهم لبعض في هذه الحياة!!.. لقد عرف أخنوخ لغة الشاعر المتصوف الذي أنشد قصيدته بعد ذلك وهو يقول لله: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا نلت منك الود يا غاية المنى فكل الذي فوق التراب تراب وكان أخنوخ أكثر من ذلك الرجل الغيور الملتهب، إن سيره مع الله لم يحوله إلى مجرد إنسان تأخذه النشوة، فيعيش في الأحلام دون أن يرى الواقع الذي يلمسه في العالم الحاضر الشرير، لقد زمجر كالأسد كما جاء في رسالة يهوذا قائلاً: "قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار"، وهنا نرى رجلاً ممتلئاً من الشجاعة، وقف إلى جانب الحق ومواكبه، ورفض أن يساير الباطل أو يرضى على الكذب أو يعيش في دنيا الخداع والنفاق والضلال،.. لقد أدرك أن الحق حق، وسيبقى ويسير هو إلى جانب الحق، حتى ولو امتلأت الدنيا بالباطل!!.. كان شجاعاً، وكان غيوراً، وكان الشاهد على عصره، لعصر يجري سريعاً ويستعد للطوفان المدمر المقبل الرهيب!! أخنوخ المجدد ولعله من الواجب أن نلاحظ هنا، أن ما أشرنا إليه عند تحليل شخصية أخنوخ، لا يعني بذلك أنه كان من طينة غير طينتنا، أو من طبيعة غير الطبيعة البشرية.. لقد ولد أخنوخ في عالمنا وجُبِّل كما جُبِّلنا،.. وهو يمكن أن يقول ما قاله آخر فيما بعد: "ها أنا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي".. لقد ولد أخنوخ بالخطية، وفي الخطية، ولكنه كأي مؤمن آخر، عرف الحياة الجديدة، والولادة الثانية.. ومن العجيب أن هذه الولادة.. جاءت نتيجة ولادة ابنه، إذ يقول الكتاب: "وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح".. لقد تطلع إلى وجه ابنه، ومن خلال هذا الوجه عرف الآب السماوي، لست أعلم مدى حبه لهذا الولد، ولكن هذا الولد كان بمثابة الفجر الجديد في حياته الروحية، أو في لغة أخرى: لقد أدرك أخنوخ أبوه الله عندما أصبح هو أباً، ومن خلال حنانه على ابنه أدرك حنان الله عليه.ما أكثر الوسائل والطرق التي يستخدمها الله حتى تفتح عيوننا على ذلك الطارق العظيم الذي يقف على الباب ويقرع، فإن سمع أحد وفتح الباب، يدخل إليه ويتعشى معه، وهو معه،.. ومن الناس من يجذبه الله بالعطية، فتأتي قرعته الحبيبة في صورة إحسان دافق، وخير عظيم. قد يعطينا ولداً يؤنس حياتنا، أو معونة تسد حاجتنا، أو رحمة تقابل تمردنا وعصياننا،.. قد يأتي إلينا كما جاء إلى يعقوب الهارب في دجى الليل، بعد أن خدع أباه وأخاه، وكان من الممكن أن يقسو الله عليه أو يعاقبه، ولكنه على العكس رأى سلم السماء والله فوقها يقول له: "أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله اسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أُعطها لك ولنسلك ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض، وها أنا معك وأُحِطَك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض ولا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به".. وقد كان الله أميناً ودقيقاً وصادقاً في وعده إلى الدرجة التي جعلت يعقوب في عودته يصرخ أمامه قائلاً: "صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك، فإني بعصاي عبرت هذا الأردن والآن قد صرت جيشين".. وقد يأتي الله بصور متعددة أخرى، قد يكون ظاهرها الغضب، وباطنها الرحمة، أو شكلها التأديب وقلبها المحبة،.. ولكنها على أي حال هي نداءات الله إلى النفس البشرية حتى تعود من الكورة البعيدة إلى بيت الآب حيث الفرح والبهجة والحرية والجمال والعزم. وقد جاء هذا النداء بقدوم متوشالح ومعه عندما كان أخنوخ في الخامسة والستين من عمره!!.. أخنوخ المؤمن فتح أخنوخ بالتجديد الصفحة العظيمة في العلاقة بالله، وهي ما أطلق عليها سفر التكوين: "وسار أخنوخ مع الله بعد ما ولد متوشالح ثلاثمائة سنة وولد بنين وبنات".. أو ما دعاه كاتب الرسالة إلى العبرانين حياة الإيمان، "بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه".. أي أن السير مع الله، كان حياة الإيمان المرضية لله، والمبهجة لقلبه،.. ولم يكن هذا السير جدولاً رقراقاً بل نهراً متدفقاً، ولم يكن فتيلة مدخنة، بل ناراً متوهجة،.. أو في لغة أخرى كان إيماناً قوياً كاسحاً غلاباً لا يتذبذب، وهو بهذا يعد من أبطال الإيمان، وإذا شئنا أن نحلل إيمانه أو نصفه، يمكن أن نراه أولاً وقبل كل شيء المؤمن ذهناً، أو المؤمن الذي آمن عقلياً بالله، وكل خلية في ذهنه كتب عليها الله،.. لقد ابتدأ بما انتهى إليه الفيلسوف ديكارت،.. لقد أراد ديكارت أن يصل إلى الله، فبدأ من النقطة التي عزل فيها فكره عن كل مسبقات،.. وافترض أنه لا يوجد شيء يؤمن به، فهو لا يرى الطبيعة، وقد يكون الإيمان بها هو ختال النظر، وخداع الحس، وهو لا يؤمن بالله، فقد يكون الله موجوداً أو غير موجود، وظل ديكارت يشك في كل شيء إلى أن بلغ النقطة أنه لا يشك في أنه يوجد إنسان يشك، ومن سلم الشك آمن أنه موجود، إذاً فلابد أن له عقلاً، وأن هذا العقل يستطيع أن يفكر، وأخذ من سلم الشك طريقه إلى الإيمان، حتى توج هذا الإيمان بوجود الله، علة كل معلول، لا أعلم إن كان أخنوخ فكر في شيء من هذا، لكني أعلم أنه آمن بوجود الله وأدرك أن الله هو الحقيقة العظمى في الوجود، بل إن الله هو حقيقة كل حقيقة وصلت إلى ذهن الناس، وبلغت إدراكهم، فالله هو علة كل معلول، ومسبب كل سبب.. على أن إيمان أخنوخ لم يكن مجرد إيمان عقلي، بل كان أكثر من ذلك هو الإيمان الوجداني الذي تملك عاطفته، وسيطر على مشاعره وإحساساته،.. إن عواطفه كانت كلها إلى جانب الله، هل رأى الله في الطبيعة الساحرة؟!! هل رأى الله في الزنبقة الجميلة؟!! هل رأى الله خلف العصفور المغرد؟!! هل رأى الله في الخضرة المذهلة؟!! هل رأى الله في السموات البعيدة؟!! هل رآه في الشمس والقمر والنجوم؟، لقد رآه كاتب المزمور الثامن والتاسع عشر، ورآه وردثورت في الجبال العظيمة، ورآه يوناثان إدواردس في مظهر الطبيعة الخلاب، ورأته أعداد من الناس لا تنتهي، ممن يتحسسون الجمال، فلم يؤمنوا بجمال الطبيعة فحسب، بل قالوا مع الشاعر العظيم ملتون: بناء هذا الكون بناؤك وهو عجيب الجمال فكم أنت في ذاتك عجيب!!.. ورأى أخنوخ الله أكثر في أعماق نفسه فهو لا يرى الله حوله، بل أكثر من ذلك يرى الله داخله، أو كما وصفه أحدهم بالقول: إنه لم يره في الجمال الخارجي فحسب، بل رآه في جمال الداخل، في ذلك الشيء الحلو الدافق الذي يغمر قلبه، وفي السكرة اللذيذة التي تدغدغ حياته،.. إنه ذلك المحب الذي يسرح بعيداً بطرفه لا لأنه يرى شيئاً أمامه، بل لأنه الحب الرابض في أعماقه وقلبه، وهو الذي يتمتم بكلمات غير مسموعة، لأنه يناجي وجدانه الداخلي، وهو مرات كثيرة يمتليء بالبشاشة والسرور، لأن منظر المحبوب ومض أمام عينيه بصورة تبعث على النشوة، وتملأ الجوانح بسعادة لا توصف،.. وهكذا كان أخنوخ يسير مع الله وكأنما يشرب كأساسً منزعة مردية من الراح!!.على أن أخنوخ في سيره مع الله كان أكثر من ذلك المؤمن اختباراً وعملاً،.. كانت له جنته الحقيقية في قصة الحياة اليومية العملية مع الله، ونحن لا نعلم هل كان الله يظهر له بين الحين والآخر كما كان يظهر لأبينا إبراهيم؟ لكننا نعلم بكل تحقيق أن صلته لم تكن منقطعة بالسماء، وكل ما يفعله الإيمان في حياتنا اليومية، كان من المؤكد يفعله في حياة ذلك الرجل القديم،.. وهل هناك من شك في أن أشواقه كانت سماوية، ففي الوقت الذي كان فيه معاصروه يضجون بما تضج به الحياة الأرضية من أكل وشرب ولهو ولعب وتجارة وعمل وصراع وقتال، كان هو يسير بقدميه على الأرض، وأشواقه وأنظاره متطلعة إلى السماء.. كان متخفف الثقل من الجاذبية الأرضية، إنه لم يكن يعيش ليأكل "بل يأكل ليعيش.. وكان الناس يحيون في العالم ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، وأفكارهم واهتماماتهم في الأرضيات، أما هو فعاش ثلاثمائة وخمسة وستين عاماً، وأفكاره بعد الحياة المجددة لمدة ثلاثمائة عام أفكاره سماوية، عاش الناس يزرعون حدائقهم، ويرون أشجارهم، ويأكلون ثمارها، أما هو فكان يعيش بطعام أبقى وأسمى، وهو يأكل من حديقة الله غير المنظورة في الشركة مع سيده، كان طعامه من المن المخفي في العلاقة بسيده،.. ولم تكن مجرد الأشواق هي التي تفصل بين أخنوخ ومعاصريه،.. بل الصلاة أيضاً، لقد عرف الصلاة بكل أنماطها وألوانها في العلاقة مع الله، كان من أوائل الذين تخاطبوا مع الله، وأكثروا الصلاة،.. فحياة الشكر كانت على لسانه في كل وقت،.. هل رأى عصفوراً يغرد على شجرة؟.. إنه يشكر الله الذي صنع الشجرة، وصنع العصفور، وصنع الصوت الجميل الذي يغرد به العصفور؟!! هل تمتع في الحياة بمتعة ما، إنه يشكر الله الذي هو مصدر كل متعة يحس بها بين الناس.. وهل احتاج إلى شيء، وانتظر أمراً؟ إنه قبل أن يتحدث به مع الناس، أو يتخاطب به مع البشر، يخاطب به الله الذي يستودعه كل انتظاراته واحتياجاته؟!!.. هل جاءت الغيمة، وغطت الشمس، وحل الظلام؟.. إنه يؤمن بأن الشمس خلف الغيمة، وأنه مهما تتلبد الغيوم، فإنها لابد أن تنقشع، ويعود النور مرة أخرى، وتتوارى التجارب والآلام والمتاعب!!.. إنه على أي حال يصلي بصلوات وابتهالات وتضرعات،.. لأن الصلاة عنده هي النداء الذي يتجه به إلى الله في السماء!!.. لم تكن الحياة عند أخنوخ مجرد التطلع إلى الغيبيات، بل كانت أكثر من ذلك، الحياة التي تواجه الواقع في مختلف ألوانه وظروفه، هل ناله الأذى من الناس؟ وهل أمعنوا في إيذائه؟ هل تحولت الحياة ضيقاً ما بعده من ضيق؟.. لقد عرف الرجل طريقة إلى النصر، في النظر إلى معنى الضيق في الأرض، لقد أدرك نفسه غريباً في الأرض، يطوي الزمن كما يطوي الجواب الصحراء القاسية، ولابد من الوطن، والضيق يهون، ما دام السبيل إلى الله يتدانى ويقترب، وخفة ضيقته الوقتية ستنشئ أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً!!وفي كل الأحوال واجه أخنوخ الحياة، وكافح الصعاب والمشقات والمتاعب، ولعله أدرك الحكمة التي غابت عن الصبي الصغير الذي وقف يرفع حجراً ثقيلاً –كما تقول القصة- وكان أبوه يرقب محاولته اليائسة دون جدوى،.. وقال الأب –وقد أدرك جهد ابنه البالغ. هل جربت يا بني كامل قوتك في رفع الحجر؟!!، وأجابه الصغير: نعم يا أبي، وليس عندي قوة أكثر من ذلك.. وقال الأب: لا أظن يا بني فمثلاً أنا قوتك، ولم تدعني لمساعدتك على رفع الحجر!!.. كان أخنوخ يعلم أن الله قوته التي يستعين بها في مواجهة كل صعوبة أو مشكلة أو معضلة أو تعب كان أخنوخ السابع من آدم نبياً، وكان من الأنبياء الشجعان الأقوياء، وعندما رأى الفساد يتزايد في الأرض ويستشري، زمجر كالأسد في مواجهة الخطاة، وكشف لهم عن دينونة الله الرهيبة العادلة، وغضب الله الذي سيلحق بفجور الناس وإثمهم، وربما كان أخنوخ أول من تحدث عن عقاب الله الأبدي الرهيب!!.. أخنوخ الخالد كان أخنوخ الأول في الجنس البشري الذي قفز فوق سور الموت، ودخل الحياة الأبدية دون أن يتذوق كأسه القاسية المريرة،.. وكان أول البشر في الإعلان عن الخلود في الصفحات الأولى من كتاب الله، بل كان أولهم الذي يمكنه أن يقول: وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيوماً، لم يكن هناك موت بالنسبة لأخنوخ، بل كان هناك انتقال وتطور، كان هناك مجرد انتقال من رحلة الأرض إلى رحلة السماء،.. هل انتقل في مركبة من نار كما انتقل إيليا؟ أم انتقل إذ أخذته سحابة كما أخذت المسيح عن أعين التلاميذ؟.. وهل جاء الانتقال أمام الناس كما يعتقد الكثيرون، حتى يبدو الأمر شهادة على سيطرة الله على الموت؟ أم اختفى فجأة على وجه لم يستطع أحد معرفة مكانه، وعبثاً وجدوا مكانه كما فعل أبناء الأنبياء عندما حاولوا التفتيش على إيليا؟ على أي حال.. لقد امتلأ أخنوخ بالحياة مع الله، وتشبع بهذه الحياة، حتى لم يجد الموت مكاناً له عنده،.. إنه يذكرنا بأسطورة الرجل الذي قيل أن الموت جاءه مفاجأة ذات يوم، وطلب الرجل إمهاله بعض الوقت، وقيل أن الموت أمهله قائلاً: سأعود إليك بعد سنة وشهر ويوم وساعة،.. وفزع الرجل محاولاً أن يجد السبيل إلى الخلاص من الموت، فذهب إلى الشمس وسألها: هل يمكن الهروب من الموت؟.. وأجابته الشمس: إنها تشرق على الناس وصرخاتهم كل يوم وهم يدفنون من لهم، ولم يحدث في يوم واحد أن غاب الموت عن الناس في الأرض،.. ذهب إلى الرياح يسألها: هل يمكن الهروب من الموت؟ وأجابته الرياح: إنها تلف الكرة الأرضية، وتلف بالصارخين الذين يصرخون وراء موتاهم في الأرض، ذهب إلى البحر يسأل: هل يمكن الهروب من الموت؟ وقال له البحر: ما أكثر الذين ضمتهم الأمواج والمياه من الغرقى أو الذين ماتوا على ظهر السفن، وطوح بهم تأكلهم الأسماك.. وحار الرجل، وفي حيرته التقى بملاك فوجه إليه السؤال: هل يمكن الهروب من الموت؟.. وقال الملاك: إنك تستطيع إذا سرت في موكب الأرض، والتقيت بالطفل الصغير الباكي، وعليك ألا تتركه حتى يضحك، والبائس حتى ترسم السعادة على شفتيه، والمنكوب حتى يرتفع فوق مأساته ونكبته ويترنم،.. وصدق الرجل، ووقف أمام آلام الناس وأحزانهم ومآسيهم وتعاساتهم، وهو يحول الدموع إلى الضحك والابتهاج والترنم،.. وقيل إن كل ابتسامة أوجدها على فم صغير أو كبير، انتقلت إليه وحولته هو إلى ابتسامة كبرى، دهش الموت عندما جاء لأنه وجد الرجل طيفاً مبتسماً في الأرض،.. هذه خرافة ولا شك، ولكنها تحمل المعنى العميق بالنسبة لأخنوخ، لقد ظل أخنوخ يتخفف من ثقل الأرض، ويرتفع في اتجاه السماء، حتى أفلت من الجاذبية الأرضية، وأخذته السماء بكل ما فيها من جلال وعظمة وبهجة ومجد.. ولم يوجد لأن الله أخذه قد تسألني: ولكن كيف يمكن أن يكون هذا، وكيف يتحول الجسد المادي الحيواني إلى جسد روحاني؟ لست أعلم، وليس في قدرتي أن أصف كيف يتجمع التراب والرماد ليعود جسداً ممجداً في القيامة من الأموات،.. كل ذلك فوق علم الإنسان وفهمه وتصوره وخياله،.. لكني أعلم أن هناك فارقاً كبيراً بين الجسد الذي عاش به أخنوخ على الأرض، والجسد الممجد في السماء.. هذا الفارق هو ذات الفارق بين البذرة، والشجرة، وبين صغر الأولى وضآلة منظرها وحجمها، وكبر الثانية وعظمة صورتها وجلالها.. ومهما يعجز الخيال البشري عن توضيح الفرق بين الحياة هنا، والحياة هناك، إلا أن أخنوخ كان بانتقاله إلى حضرة الله، نبرة الخلود وتوضيحاً للكلمات العظيمة التي ستأتي بعد آلاف السنين على فم السيد المبارك: "من آمن بي ولو مات فسيحيا، ومن كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد".. أو ما قاله الرسول عن المسيح: "الذي أبطل الموت وأناد الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" أجل.. سار أخنوخ مع الله، وعندما بلغ النهر ووقف على الشاطيء، حمله الله عبر المجرى إلى الشاطيء الآخر الأبدي، ليسير الأبدية كلها في صحبة الله وملكوته ومجده، مع جموع المفديين، وحق له كالبشرى الأول أن يوصف بالقول: "بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله إذ قبل نقله شهد له أنه قد أرضى الله ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن أنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه"..
المزيد
05 أبريل 2019

يوم الجمعة اليوم الخامس من الأسبوع الخامس

النبوات: (١٢- ٢٤ ) (أم ١:٥ - ١مل ٢:١٧ ) (٢٧:١٢- (تث ٢٩:١١ (٩- ٥:٣٢ ) (إش ١:٤٣ - (أي ٩:٣٠ القراءات: مزمور باكر: (٨:٨٥،٩) إنجيل باكر: (٣٤- (مر ٢٨:١٢ البولس: ( (عب ٥:١٢،٦ الكاثوليكون: (٥:٥- ١بط ١٥:٤ ) الإبركسيس: (٣:١٦- (أع ٣٦:١٥ مزمور إنجيل القداس: (١:١٣٧) إنجيل القداس: (٢٧- (يو ٢١:٨ إنجيل القداس: حيث أمضي أنا لا تقدرون أن تأتوا "لحمًا ودمًا لا يرثان ملكوت السموات" فالخطية سببت موتنا في خطايانا وهلاكنا بعيدًا عن المجد. والمسيح أتى كسابق لنا ليعد لنا مكانًا في المجد. ومن لا يؤمن بالمسيح سيموت في خطيته ولن يذهب حيث يذهب المسيح. والمسيح أتى حتى لا نموت في خطايانا، ولكي يخلصنا منها فنذهب حيث ذهب هو. مزمور الإنجيل: أعترف لك من كل قلبي= هذا إعتراف بعمل المسيح الذي به سندخل المجد. والإعتراف فيه نوع من إعلان الإيمان الذي بدونه لا خلاص ولا دخول للمجد. إنجيل باكر: يكلمنا الإنجيل عن طريق الخلاص وهو الإيمان والمحبة لله وللقريب. مزمور باكر: كل الأمم الذين خلقتهم يأتون ويسجدون أمامك يا رب إشارة للإنجيل (باكر) الذي يتكلم عن الإيمان بالله؟، فها الأمم تأتي وتؤمن بالمسيح وتسجد له.. ويمجدون إسمك. البولس: لا يكفي الإيمان للوصول للمجد. فطبيعتنا العاصية المتمردة تحتاج لتأديب، وهذا ما يكلمنا عنه بولس الرسول هنا، والتأديب هدفه أن نحيا. :(٥:٣٢- (أي ٩:٣٠ نرى هنا أيوب يكرر ويزيد أنه بلا خطية وبلا عيب وهذا ما جعل أليهو يغضب. فأليهو كان فاهمًا أنه لا يوجد إنسان بلا عيب، بل أن من يحبه الرب يؤدبه وهذا التأديب هو طريق السماء. الكاثوليكون: قراءات الصوم الكبير (يوم الجمعة من الأسبوع الخامس) ٧٠ الرسول يقول فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أي لا تعطوا للناس فرصة أن يضربوكم بسبب أخطائكم. ولكن طوبى لمن يهان لأنه مسيحي، فقط لأنه مسيحي وليس بسبب أخطائه. حينئذ يكون إحتماله للألم لأنه مسيحي طريقه للمجد فلا يخجل بل ليمجد الله بهذا الإسم الإضطهاد طريق المجد. الإبركسيس: بعد أيام قال بولس لبرنابا لنرجع ونفتقد الإخوة هذا دور الكنيسة أن تفتقد أولادها المجربين والمتألمين حتى لا يخوروا في الطريق. ولكن إختيار هذا الفصل له معنى مهم. فبولس رفض إصطحاب مرقس اليهودي الأصل والذي نظر كل أعمال المسيح، وذلك لرفضه أن يذهب مع بولس في الرحلة السابقة، ربما لمرضه وربما لصعوبة الكرازة. وأخذ معه تيموثاوس الأممي الذي لم يرى المسيح لكنه آمن دون أن يرى. والمعنى أن من يرفض لا نصيب له في المجد، ومن يقبل له نصيب في المجد. على أن مرقس كما هو معروف عاد وكرز في مصر وفي كل الدنيا، وقال عنه بولس أنه صار نافعًا للخدمة ( ٢تي ١١:٤ ) لكن النص المقصود منه المعنى الرمزي. :(٢٧:١٢- (تث ٢٩:١١ يتكلم هنا موسى النبي عن دخول أرض الميعاد، ولكن هذا رمز لدخول المجد والسماء. وكان شرط دخول الأرض أن يحفظوا الوصايا ويرفضوا العبادة الوثنية، ويقدموا العبادة لله. وطبعًا مفهوم بهذا أن نفس الوصايا هي شرط دخول السماء. :(٢٤- ١مل ٢:١٧ ) هنا نرى عظمة الإيمان، الذي بسببه كانت الغربان تعول إيليا، وبسببه بقيت الأرملة حية، وبسبب الإيمان عاش الولد بعد أن مات. والمعنى أن الإيمان شرط الحياة الأبدية وهذا موضوع إنجيل القداس. :(١٢- (أم ١:٥ نرى الزنا سبب الهلاك والموت والجحيم، والزنا نوعين: زنا روحي عبادة أحد غير الله. وزنا جسدي. وكلاهما يقطع علاقة الإنسان بالله فيهلك الإنسان فتندم في آخرتك عند فناء لحمك وجسدك. :(٩- (إش ١:٤٣ إني قد إفتدتيك.. إذا إجتزت في المياه فإني معك حياة. وإذا سلكت في النار فلا تحترق حياة. فالفداء أعطانا حياة أبدية، ولا الموت (المياه) قادرة أن تهلكنا، ولا النارالجحيم، قادر أن يضمنا.. لماذا لأني أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلصك.
المزيد
23 يوليو 2019

تقديس الوقت

فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة" (أف 15:5،16). هناك ما يسمى علم إدارة الوقت time mangment الوقت خمسة أنواع : 1- الوقت المادى : المقصود به الثانية والدقيقة والساعة واليوم والشهر والسنة. هام جداً لذلك حتى الثانية إنقسمت إلى مائة قسم بواسطة لاعبى الرياضة. تقاس حضارة الشعوب بمدى الإهتمام بالوقت. يجب أن نتعلم الدقة وليس التوتر فى المواعيد 2- الوقت البيولوجى : بفرض بنتين عمر كل واحدة منهما 13 عام.. الوقت البيولوجى للاثنين لم ينضجوا (بعض وظائف الحياة) ومع ذلك الجسم يختلف.. ليس هناك فرق فى الوقت المادى ولكن هناك فرق بيولوجى. 3- الوقت الاجتماعى : كل مجتمع له ملامح معينة فى التدقيق لا يفهمها مجتمع آخر أى المسيحيين عادة يحددوا بعض المناسبات ويربطوها بالصوم الكبير والعيد الصغير هذه التعبيرات لا يفهمها شخص آخر بقول فى عاشورة أو بعد رمضان أو فى أمريكا يقول عندنا long week end (فى شهر سبتمبر) أو عيد الشكر. 4- الوقت النفسى : الحالة النفسية تجعل الوقت يختلف.. عندما نكون فرحين نشعر الوقت عبر بسرعة وعندما نكون حزانى نشعر ببطىء بمرور الوقت (مثل انتظار ميعاد الإعدام.. أو انتظار أخ لأخيه مسافر...). أنظار الفرح مثل انتظار القديسين القديس ارسانيوس الذى كان يصلى إلى أن تشرق الشمس أمامه بعد أن كانت فى البداية خلقه.. وأيضاً فرح المخدومين بكلمة ربنا على لسان الخادم الذى يقدمها بروح مما يجعل الوقت مبهج وليس ممل. 5- الوقت الأبدى : وهو إما سعادة أبدية أو عذاب أبدى. أربعة مبادئ لاستثمار الوقت : 1- الأولويات : عدم مضيعة الوقت فى التوافر ولا نجد وقت للضروريات والروحيات : مثال : عامل لم يتفرغ لذهاب الكنيسة ويعتذر للجنة الافتقاد وبمشغولياته الكثيرة ثم فاجأته لحظة انتقاله بواسطة قالب طوب سقط عليه أثناء مسيرة فى الشارع وهنا لم تكن أمامه فرصة ووقت لحياته الروحية التى بددها وسط مشغولياته. وعلى ذلك فإن ترتيب الأوليات كالآتى : الروح ---> العقل ---> النفس ---> الجسد---> العلاقات. 2- التنظيم : أنظم الوقت بين: القداس - الخدمة - راحة (خلوة للإشباع الروحى - ودراسة للإشباع العقلى - نفسية..). 3- التوظيف والاستفادة من الوقت : قداس لمدة لابد أن أستفيد من هذه المدة.. خدمة لمدة انظمها لأستفيد منها.. راحة مدتها لابد أن تكون مثمرة وبناءة "مثمرين فى كل عمل صالح" (كو 10:1). 4- توفير الفاقد : الاتزان فى حفظ توفير الوقت فليس الترويح كثيراً مفيد ولا الكبت الكثير مفيد.
المزيد
06 أغسطس 2019

معجزات العذراء مريم العزباوية

معجزة شفاء من متاعب نفسية الإســـم : ن . ف منذ عامين عانيت من متاعب نفسية شديدة أقعدتني عن العمل والحياة وحتى عن الكنيسة وفقدت الرغبة في كل شيء في الحياة وباءت كل محاولات العلاج بالفشل وصلى لي الكثير من الآباء ولم يحدث أي تغيير ، حتى صرت لا أستطيع مغادرة سريري وكانت دموعي لا تفارق عيناي ، وفي شهر مارس 2003 اتصلت بنيافة الأنبا متاؤس وطلبت منه أن يصلي من أجلي وإذا أمكن لنيافته زيارتنا لكي تكتمل البركة أيضاً ويحدث الشفاء ، ومن جزيل محبته قبل الدعوة وحدد ميعاد الزيارة 7 / 3 / 2003 وكان يوم جمعه وكانت حالتي سيئة جداً كما ذكرت فقلت لنفسي كيف أستقبل سيدنا والمنزل غير منظم ، وجدت نفسي أستيقظ يومها مبكراً وشعرت بقوة غريبة داخل جسدي وكل المشاعر السيئة قد اختفت وحل محلها سعادة غامرة كأني ولدت من جديد ورتبت المنزل بكامل نشاطي وسعادتي ولكن لظروف طارئة اعتذر سيدنا عن الحضورهذا اليوم وقابلته بعد ذلك وذكرت له المعجزة التي حدثت معي فقال إنه بشفاعة العذراء أم النور، بعد فترة تزوجت وحدث بعد ذلك أن جائتني نفس الحالة وشعرت أن ذلك بسبب عدم توبتي الجادة والتهاون في حياتي ووصل الأمر إلي شدته في شهر نوفمبر 2004 وكانت زوجتي في شهور الحمل الأخيرة وساء الوضع جداً وانقطعت عن العمل وشعرت مرة أخرى بالأزمة النفسية وبقرب نهايتي وأن حياتي الأسرية سوف تتحطم فاتصلت بسيدنا وطلبت منه أن يصلي من أجلي مرة أخرى ويطلب بشفاعة أم النور فدعاني لزيارته بمقر الدير بالعزباوية في يوم 22/11/2004 وفي اليوم السابق على هذا الميعاد 21/11/2004 استيقظت مبكراً على غير العادة وذهبت إلى عملي وكنت مشرفاً على مجموعة من الطلبة يقوموا بعمل دراسة لبعض الحالات النفسية وعندما بدأنا التوزيع صادفني وجود بعض الحالات المشابهة لي فقلت للرب هل ستسمح أن تصل حياتي إلى هذا الحد فشعرت وقتها أنني سمعت صوتاً يقول لي (محبة أبدية ،أنا أحببتك ، فاذهب لك الرحمة ) وشعرت بعدها بقوة رهيبة جداً تندفع من داخلي وإحساس بسعادة غامرة وذهبت في اليوم التالي إلى سيدنا في الميعاد وحكيت له عما حدث والصوت الذي سمعته في داخلي فقال لي دي بركة من أم النور وقام بدهني بزيتها المبارك أمام أيقونتها ، وأعطاني مجموعة من أكياس الزيت المبارك قمت بتوزيعها على معارفي واحتفظت لنفسي بكيس واحد بركة فوجدت أن الكيس بدأ يتمزق كأنه بآلة حادة يُشق كل يوم ساتغربت لهذا الموضوع وقلت أنه صدفة وفاجئتني زوجتي بأن الكيس الذي يخصها هي حدث فيه نفس التمزق بهذه الطريقة وكانت أختها لا تنجب وبعد ذلك أصبحت حاملاً بفضل كيس البركة ولما خبرت نيافة الأنبا متاؤس قال أن العذراء وبعض القديسين يتركون هذه العلامة إشارة لحدوث المعجزة ، وبعد ذلك أعطاني الله طفلاً جميلاً وكنت أداوم الذهاب للعزباوية لأخذ بركة العذراء وكان أبونا ببنوده الراهب المسئول يطلب مني في كل زيارة كتابة المعجزة وظللت أقول له حاضر سوف أكتبها وأعود بعد ذلك أنساها وتأخرت كثيراً جداً في كتابة المعجزة حتى شهر مارس 2005 وبدأت أشعر بنفس التعب وذهبت لأطلب شفاعتها مرة أخرى لكي أشفى وبعدما صليت قال لي أبونا الراهب ببنوده إنك مديون للعذراء ولازم تكتب معجزتها معاك وفعلاً جلست أكتبها في المقر ولكنني لم أكملها فذهبت إلى المنزل وشعرت بتحسن ولم أكمل كتابة باقي المعجزة ... وفي اليوم التالي بدأت أتعب مرة أخرى فاتصلت بسيدنا فقال أكمل المعجزة وتعالى سلمها لأبونا وفعلاً كتبتها وأنا في انتظار قبول العذراء لاعتذاري و واثق في محبتها وشفاعتها. بركتها تكون مع جميع من يطلبونها. آمـــيــــن
المزيد
23 أبريل 2019

بيان يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة

فلما رجع السيد المسيح له المجد من بيت عنيا في صباح يوم الثلاثاء إلى المدينة ورأى التلاميذ أن التينة التى لعنها قد يبست تعجبوا(1) فكلمهم عن الايمان(2)وحينما دخل يسوع الهيكل سأله الفريسيون بمكر بأى سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان فأجابهم على سؤالهم قائلا لهم عن معمودية يوحنا(3)ثم ضرب لهم مثل الابنين(4)ومثل الكرامين الاشرار(5)ومثل عرس ابن الملك(6) وبعدئذ سأله الفريسيون عن جواز إعطاء. الجزية لقيصر(7)والصدوقيون عن القيامة والناموسي عن الوصية العظمي(8)ثم سأل الفريسين عن اعتقادهم فيه وأظهرلهم رياءهم(9) ثم حذر الجموع وتلاميذه من خبث الكتبة والفريسين(10)ثم أعطى الويل للكتبة والفريسيين ورثى أورشليم(11) ثم مدح الارملة المسكينة التى ألقت فى الخزانة الفلسين وكانا كل ما تمتلك(12) ثم طلب أناس يونانييون أن يروه ثم تكلم قليلا مع الجمع وترك الهيكل وفيما هو خارج منه أشار تلاميذه إلى فخامة وعظمة أبنية الهيكل فأنبأهم بخرابه واضطهاد اليهود لهم إذ رثى أورشليم لاجل خرابها (13) ولما صعد إلى جبل الزيتون جلس هناك وابتدأ أن يشرح لبطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس ترتيب الحوادث وعلامات مجيئه وخراب أورشليم وقلب الامة اليهودية إزالة نظامها(14) ومجيئه الاخير فى يوم الدينونة والحث علي السهر (15) ومثل العشر العذارى ومثل الوزنات وكان ذلك على جبل الزيتون(16) ولما أكمل يسوع هذه الاقوال كلها قال لتلاميذه أنه بعد يومين يكون الفصح وابن الانسان سيسلم للصلب(17) ثم مضى إلى بيت عنيا ليستريح فيه وفى هذا المساء تشاور رؤساء اليهود علي قتله(18) ويحسن بنا أن نصنع هنا عجالة تاريخية عن بناء الهيكل وهدمه وها هى بنى سليمان الهيكل الاول سنة 1005 قبل الميلاد فى اليوم الثاني من الشهر الثانى من السنة الرابعة لملكه فى أورشليم فى جبل المريا حيث تراءى الرب لداود أبيه حيث هيأ مكاناً فى بيدر ارنان اليبوسى(19) حيت أقام جدراناً عالية من بطن وادى يهوشافاط إلى قمة الجبل وملأ الفراغ الكائن بين القبة والجدران بالتراب والحجارة. وقل يوسيفوس المؤرخ انه كان طول بعض تلك الحجارة خمساً وأربعين قدماً وعرضه ستاً وسمكه خمساً وانه كان أكبر الحجارة فى الجانب الشرق. وزين سلمان كل ما بناه بالهيكل من غرف ودور وأروقة وأعمدة و أبواب وكانت هذه جميلة مغشاة بالفضة والذهب وأحدها من النحاس الكرنتى . و بالاجمال فأنه قدر رصع البيت بحجارة. كريمة بهية الجمال(20) وشغل بينائه مدة سبع سنين ونصف واستخدم في عملية بنائه 183300 شخصا منهم 30000 من اليهود و كانوا يخدمون بالدور 10000كل شهر ومنهم 153300 من الكنعانيين فتعين منهم 70000 لحمل الحجارة والاخشاب وغيرها و 80000 من النحاتين والنجارين و 3300 ناظراً و كانت المود تشغل علي بعد من مكان البناء فلم يسمع فى البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا اداة حديد 1مل 7:6 وكان مقدم الهيكل نحو الشرق وخلفه بناء يقل عنه ارتفاعاً وكان على جانبى هذا البناء غرف صغيرة يدخل اليها من الخارج بواسطة باب من خشب الصندل وفوقها غرف مغشاة بالذهب لا يسمح لاحد الا للملوك أن يصعدوا اليها 1 مل 6: 8وبقى هيكل سليمان 424 سنة الي أن هدمه نبوخذ ناصر سنة 584 فبل الميلاد(21) و بنى زربابل الهيكل الثانى عز3 : 81 مكان الاول بعد سبعين سنة من هدمه فكان دون الهيكل الاول فى الزينة والبهاء ولم يكن فيه تابوت العهد اذ فقد فى السبي ولم تظهر فيه سحابة المجد. ولا كاروبا المجد ولا اوريم ولا تميم ولاروح النبوة مع ذلك فأنه قد فاق الاول مجداً وكرامة لدخول السيد المسيح فيه(22) وكثراً مادنس هذا الهيكل ملوك الامم الذين استولوا علي أروشليم وخربوا منه جانباً. وأخذ هيرودس الكبير يرممه ويصلحه ليستميل اليه قلوب اليهود وابتدأ بعمل ذلك فى السنة الثامنة عشر لملكه وذلك كان قبل الميلاد بعشرين سنة وشغل بترميمه نحو عشرة آلاف من مهرة البنائين وظل خلفاؤه يصلحونه ويبدلون فيه بعضه حتى صح قول اليهود للمسيح انه " بنى فى ست واربعين سنة " (23) وكانت فسحة الهيكل مربعة عرض كل من جدرانها اربع مائة ذراع. وكان فى ذلك الهيكل اربع أدور (الاولى) دار الامم وفي الجانب الشرقى من هذه الدار باب الهيكل الجميل(24) ويحيط بها اروقه وعلى جوانبها غرف لسكن اللاويين. فى أحد تلك الجوانب مجمع أو مدرسة لعلماء اليهود وفى تلك المدرسة جلس فيها يسوع وهو ابن اثنتى عشرة سنة فى وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم (25) وفى تلك الاورقة خاطب يسوع الشعب. وفيها كان يجتمع التلاميذ كل يوم بعد صعوده(26) و أشتهر أحد هذه الاروقة اكثرمن غيره بنسبته الي رواق سليمان(27) وكان علو هذا الرواق سبعمائة قدم وهناك جرب الشيطان المسيح بان يطرح نفسه من سطحه الى أسفل(28) وكان فى تلك الدار موائد للصيارفة وباعة الحمام وامثالهم. وسميت بدار الامم لانه لم يكن لغير اليهود ان يجاوزها الى الداخل. ولم يكن فى هيكل سليمان دار للامم فما كان فيه سوى دار للكهنة والدارالعظيمة(29) (الثانية) دار النساء ونسبت الى النساء لا لانها مختصة بهن بل لانه لم يجز لهن أن يتعدينها الى داخل فكن يأتين اليها ليقدمن القرابين. وهى أعلى من الدار الاولى فكانوا يصعدون اليها بتسع درجات وفصلوا بين الدارين بجدار من حجر علوة ذراع واقلموا قرب الدرجات عمداً من الرخام كتبوا عليها باليونانية واللاتينية انذرات للامم خلاصتها أن من جاوزها منهم الى لداخل يقتل(30) واتهم بولس انه أدخل يونانيين الى الهيكل ودنس ذلك الموضع المقدس(31) وكان اليهود يمارسون العبادة العادية فى تلك الدار (32) وكان فى جوانبها ثلاثة عشر صندوقاً يضع العابدون قرابينهم فيها(33) (الثالثة) دار اسرائيل أى دار ذكور الاسرائيلين وكانت الدار العظيمة فى هيكل سليمان تشتمل على هذه الاقسام الثلاثة(34) وهى أرفع من دار النساء وكانوا يصعدون اليها بخمس عشرة درجة وفصلوا بينهما بجدار علوه ذراع فيه ثلاثة أبواب(الرابعة)دار الكهنة شرقى داراسرائيل وفيها مذبح المحرقة والمرحضة. وغربى هذه الدار الهيكل الحقيقى وهو أعلى منها وكانوا يصعدون اليه باثنتى عشرة درجة وكل قدامه رواق متجه إلى الشرق علو قمته مائة وتسعون قدماً وفى مدخله عمودان أسم أحدهما ياكين والثانى بوعز وقسم إلى قسمين الاول القدس وطوله ستون قدماً وعرضه ثلاثون قدماً وفيه المنارة الذهبية ومائدة خبزالوجوه ومذبح البخور والثانى قدس الأقداس وهو مربع طول كل من جوانبه الاربعة ثلاثون قدماً. وكان الفاصل بينه وبين القدس حجاباً نفيساً(35) وهدم هذا الهيكل في حصارتيطس أورشليم بعد الميلاد بسبعين سنة كما تنبأ عنه السيد له المجد(36) واجتهد الأمبراطور يوليانوس أن يبنيه سنة 363 ب. م فذهب اجتهاده هو واليهودية باطلا الذين كان يسرهم اعادة بنائه غير أنه لما حفروا الاساس حدثت انفجارات شديدة وظهرت كرات نارية كسرت أدوات الشغل وثارالغبار والدخان حتى أظلم المكان ولما عادو اليهود العمل فيه ثانياً أندفعوا بقوة غير عادية والقوا جميع أدواتهم تاركين الشغل يائسين. ذكر دخول الروم إلي قدس الاقداس ذى العظمة والفخار وأحراقهم أياه بالنار(37) لما كانت الحرب قائمة بين الروم واليهود أمر تيطس أصحابه ومن جاء اليه من الجموع من سائر الامم أن يحيطوا بمدينه أورشليم ويحاصروها ويضيقوا على من بقي من أهلها فيخضعوا من غير أن يتعرضوا لمحاربتهم ففعلوا كذلك فلما طال الحصار على اليهود مات أكثر من تبقى ثم جاء من هربوا إلى تيطس فقبلهم ثم دخل الروم إلى المدينة و إلى بيت الله عز وجل. فملكوه ولم يبقى من يمنعهم عنه وآمنوا جميع من كانوا يخافونه من اليهود وكان تيطس قد أوصى أصحابه وأكد عليهم ألا يحرقوا القدس فقال له رؤساء الروم انك إذا لم تحرقه لا تستطيع أن تملك اليهود ولاتقهرهم لانهم لا يفترون ولا يكفون عن القتال لاجله ما دام باقياً فاذا حرقته ذهب عزهم و لم يبق لهم مايقاتلون عنه فتنكسر قلوبهم ويذلون فقال لهم تيطس قد علمت ذلك ولكن على كل حال لاتحرقوه حتى آمركم بحرقه وكانت الطريق إلى القدس الاجل عليها باب عظيم مصفح بصفائح فضية وكان مغلقاً لان اليهود كانوا قد أغلقوه بأحكام فجاء بعض الروم الي هذا الباب فاحرقوه ليأخذوا الفضة التى عليه. فلما أحرقوه وجدوا سبيلهم إلى القدس فدخلوا اليه وتوسطوه ثم نصبوا أصناهم فيه وقربوا ذبائحهم لتيطس سيدهم ورفعوا أصنامهم بمدحه والثناء عليه واقبلوا يفترون على البيت ويتكلون بالعظائم فلما علم من بقى من اليهود ذلك لم يصبوا فخرج قوم منهم فى اليل إلى الروم الذين فى القدس فقتلوهم فبلغ الخبر إلى تيطس فجاء بجنوده إلى القدس فقتل أولئك وهرب من بقى منهم إلى جبل صهيون فأقاموا فيه فلما كان الغد أجتمع الروم واحرقوا باب قدس الاقداس وكانت كلها مغشاة بصفائح الذهب فلما سقطت الابواب صرخوا صراخاَ عظيماً فعلم تيطس بذلك فجاء مسرعاً إلى قدس الاقداس لينعهم من احراقه فلم يتم له ذلك فان الناس كثيروا و اجتمع فيه خلق كثير من الروم وغيرهم من الامم التى كانت تعادى اليهود وتطلب التشفى منهم فغلبوا تيطس على رأيه وهو يصرخ باعلى صوته ليمنعهم. وقبل أنه قتل فى ذلك اليوم جماعة من أصحابه وذلك انهم دخلوا إلى القدس بحنق عظيم وحدة شديدة وغيظ مفرط فخرج الامر من يد تيطس ولم يقدر على منعهم. ويقال أيضاً أنه صاح فى ذلك اليوم إلى أن بح صوته ولم يسمع كلامه ولما رأى قدس الاقداس وشاهد حسنه وتفرس فى عظم بهجته ورائق جماله وكثرة زينته تحير وتعجب وقال حقاً أن هذا البيت الجليل ينبغى أن يكون بيتاً الله اله السماء والارض ومسكن جلالة ومحل نوره وأنه يحق لليهود أن يحاربوا عنه ويستقتلوا لاجله. وفد أصابت الامم وأحسنت أعظامها لهذا البيت واجلالها له وحملها له الهدايا و الاموال وانه لاعظم من هيكل روميه ومن جميع الهياكل التى شاهدناها وبلغنا خبرها والشاهد على هوالله انى لم أشأ أحراقه ولكن القوم قد فعلوا ذلك من فرط شرهم وعظم الحاحهم. ثم اشتعلت النار فى القدس واحرقت جميعه واذ علم من بقى من الكهنه بدخول الروم إلى قدس الاقداس ليحرقوه جاءوا مستقتلين فحاربوا الروم إلى أن لم تبق لهم حيلة ولا قدرة على محاربته فلما غلبوا علي أمرهم ورأوا أن البيت قد احترق قالوا بعد احتراق قدس الله مالنا وللحياة وأى عيش يطيب لنا بعد فزجوا بانفسهم فى النار فأحترقوا باجعهم وكان حريق القدس في اليوم العاشر من الشهر الخامس مثل اليوم الذى أحرق فيه الكلدانيون البيت الاول. ولما علم اليهود الذين تبقوا فى المدينة بأن قدس الاقداس قد أحترق مضوا إلى جميع ما فى المدينة من القصور الجليلة والمنازل الحسنة والابواب الملوكية فأحرقوها مع جميع ما كان فيها من الذخائر الكثيرة العدد والاموال. ولما كان غد اليوم الذى أحرق فيه القدس ظهر رجل بين اليهود يدعى النبوه قائلا إن هذا البيت يبنى كما من غير أن يبنيه إنسان لكنه يبنى بقدرة الله عز وجل فثابروا على ما أنتم عليه من مقارعة الروم والامتناع عن إطاعتهم. ولما سمع كلامه من بقي من اليهود اجتمعوا وقاتلوا الروم فظفر الروم عليهم وقتلوهم عن آخرهم وقتلوا أيضاً جمعاً كبيراً من أمة اليهود ممن كانوا قبل ذلك قد رحموهم وأحسنوا اليهم ا.ه (ذكر أشياء جرت قبل خراب القدس دلت على خرابه) كان قد ظهر على القدس قبل مجئ وسباسيانى كوكب عظيم له نور قوى شديد وكان القدس يضئ بذلك الكوكب كضوء النهار تقريباً. فأقام ذلك مدة سبعة أيام عيد الفصح ثم غاب ففرح به أعوام الناس وجهلاؤهم وأغتم العلماء واهل الفضل والمعرفة. وكانوا قد احضروا الى القدس فى ذلك العيد بقرة ليقربوا بها فلما طرحوها ليذبحوها ولدت خروفاً فأستشنعه الناس واستنكروه ومن ذلك أن باب القدس الشرقى كان باباً عظيماً ثقيلاً ولم يقدر يفتحه إلا جماعة من الرجال فلما كان فى تلك الايام كانوا يجدونه كل يوم مفتوحاً فكان الجهال يفرحون بذلك واهل العلم والمعرفة يغتمون له. وظهر بعد ذلك على بيت القدس فى الهواء صورة وجه انسان شديد الحسن عظيم الجمال والبهاء ساطع النور والضياء. وظهر فى الجو ايضاً في تلك الايام صور ركبان من نارعلى خيل من نار يطيرون فى الهواء قريباً من الارض وكان ذلك يري على أورشليم وعلى جميع أرض اليهود. وبعد ذلك سمعت الكهنة فى القدس لية عيد العنصرة حس جماعة كثيرة يذهبون ويجثون ويمشون فى الهيكل من غير أن يروا شخصاً أصيلا كانوا يسمعون حسهم. ثم كانوا يسمعون صوتاً عظيماً يقول أمضى بنا حتى نرحل من هذا- البيت وقبل خراب القدس بأربع سنين ظهر فى المدينة انسان من العامة كان يمشى بين الناس كالمجنون ويصيح بأعلى صوته قائلاً صوت فى المشرق صوت في المغرب صوت فى أربع جهات العالم صوت على أورشليم صوت على الهيكل صوت على الحصن صوت علي العروس صوت على جميع الناس الذين بأورشليم. وكان الناس يمقتونه وينتهرونه ويستثقلونه ويتصورونه بصورة متوسوس ولم يكن هو يفتر من هذا فلم يزل على ذلك حق أحاط الروم بالمدينة. فلما كان فى بعض الايام والحرب على المدينة ابتدأ أن يتكلم بما كان يتكلم به على عادته فرمى بحجر على هامته فمات. ووجد حجر قديم فى ذلك الزمان مكتوب إذا كمل بنيان القدس وصار مربعاً عند ذلك يخرب. فلما كان بعد ذلك هدم تيطس البنيان الذى كان إلى جانب القدس المسمى بالعبرانيه أنطونيا فأنه تم سور القدس بهدمه وذلك أن اليهود بنوه بنياناً جيداً وأضافوه إلى جملة القدس فصار مربعاً وكانوا قد نسوا ذلك المكتوب الذى وجدوه على الحجر. فلما رأوا القدس وقد تربع تذكر و ذلك. ووجدوا أيضاً في جانب حيط قدس الاقداس حجراً مكتوب عليه اذا صار الهيكل مربعاً يملك حينئذ علي اسرائيل ملك ويستولى علي سائر الارض فقال بعض الناس هو ملك اسرائيل وقالت الحمكاء والكتبه بل هو ملك الروم.
المزيد
01 يونيو 2020

رحلة العائلة المقدسة الي مصر

بشائر وومضات الرحلة المقدسة في عام 1 قبل الميلاد، ظهر جبرائيل ملاك الرب لعذراء مخطوبة اسمها مريم، ليبشرها بميلاد ابن اسمه يسوع أو عيسى. وبالطبع أدرك الملاك أن خطيبها يوسف النجار سوف تنتابه الشكوك من هذه المسألة؛ فظهر له هو الآخر وطمأنه. وكان من الواضح انشغال السماء بهذا الميلاد، فمع هذين الاثنين ظهرت رؤية لثلاثة ملوك من بلاد فارس وأنبأتهم بالخبر؛ كما ظهر ملاك لأحد أحبار اليهود وبشره بميلاد ابن له يدعي يوحنا المعمدان (النبي يحيي)، وأنبأه بأن تلك ستكون علامة لميلاد يسوع. وكانت التوراة مليئة بنبوءات قديمة تتحدث عن تفاصيل هذا الميلاد، ومكانه، وعما سيهديه الملوك لهذا المولود، وعن رحلته لأرض مصر وكذلك عن جنون الملك الذي سيؤدي إلى هذه الرحلة. وفي العام صفر، صدرت أوامر من أوغسطس قيصر بأنه على اليهود التوجه إلى الدائرة التابع لها لكي يتمكن من عمل تعداد للسكان. فاصطحب يوسف النجار خطيبته إلي بيت لحم (حيث تنبأت الكتب القديمة أن الملك سيولد هناك)، ونظراً لأن الفنادق كانت كاملة العدد؛ اضطرا للبيات في مذود بقر، والتي تعد إشارة لتواضع الملك القادم.في طريقهم، مر ملوك الشرق بهيرودس ملك اليهود وسألوه عن مكان ميلاد الملك الطفل؛ فرحب بهم وقدم لهم الطعام والضيافة وقام بواجب الضيافة علي أكمل وجه. ولكن اضطرب قلبه خوفاً على عرشه من ذلك المولود الطفل، فجمع كل رؤساء الكهنة وسألهم:" أين يولد ملك اليهود؟" فقالوا له طبقاً للنبوءات القديمة، سيولد الملك الطفل في بيت لحم. فأوصي ملوك الشرق بأن يعودوا له بعد أن يجدوا المولود لكي يذهب هو أيضاً ويسجد له مُقدماً واجب الضيافة. ذهب الملوك لحظيرة البقر وسجدوا مع رعاة الغنم وقدموا هداياهم ذهباً" رمزاً لملكه" وألباناً" رمزاً" لآلامه على الأرض" ليظهر لهم النجم ويرحل بهم بعيداً عن هيرودس ملك اليهود.جن جنون هير ودس -الذي يعد واحداً من أكثر الملوك شراً في التاريخ- خوفاً من أن يشب هذا الرضيع ليأخذ ملكه، فأصدر أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين؛ ولكن كان الملاك قد ظهر ليوسف النجار في الحلم وأخبره بأن يأخذ الطفل ومريم إلى مصر، قائلا : خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودس ، بهذه الكلمات تحدث الإنجيل عن رحلة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء إلى مصر، التي سطرت صفحة جديدة في تاريخها واستغرقت زيارة العائلة المقدسة في مصر 3 سنوات، وقد رصد البابا "ثاؤفيلس" البطريرك رقم 23 في كرسي الكرازة المرقسية بمصر في الفترة ما بين 385-412م وفقا لمخطوطة " الميمر" (وهى كلمة سيريانية تعني السيرة)، أهم المحطات الرئيسية في رحلة العائلة المقدسة، بداية من "الفرما" والتي كانت تعرف بـ"البيليزيوم"، وهي المدينة الواقعة بين مدينتي العريش وبور سعيد حاليا، حتى جبل قسقام بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، حيث رجعا مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرودس.وفي أكثر تفصيل يحدثنا أشعياء النبي في سفره الإنجيلي عن هذه الرحلة المقدسة فيقول : "هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر ، فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها وهذا ما حدث فعندما كان السيد المسيح يدخل أي مدينة في مصر ، كانت الأوثان تسقط في المعابد وتنكسر، فيخاف الناس من هذا الحدث غير المألوف ويرتعبون" .وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة كبيرة لأرضها وشعبها ، فبسببها قال الرب "مبارك شعبي مصر" ( أش 19 : 25 ) ، وبسببها تمت نبوءة أشعياء القائلة : " .. يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر فهو مذبح كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية بدير المحرق العامر ، حيث مكثت العائلة المقدسة في هذا المكان أكثر من ستة شهور كاملة ، وسطح المذبح هو الحجر الذي كان ينام عليه المخلص الطفل .ويقع دير المحرق في منتصف أرض مصر تماماً من جميع الاتجاهات ، كما كثرت في أرض مصر على امتدادها الكنائس ، خصوصاً في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وباركتها. مسار الرحلة سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق ( الفلوسيات ) غرب العريش بـ ٣٧ كم ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما ( بلوزيوم ) الواقعة بنين مدينتى العريش وبور سعيد.ودخلت العائلة المقدسة مدينه تل بسطا ( بسطة ) بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠٠ كم من الشمال الشرقى وفيها انبع السيد المسيح عين ماء وكانت المدينة مليئة بالاوثان وعند دخول العائلة المقدسة المدينه سقطت الأوثان على الأرض فأساء اهلها معاملة العائلة المقدسة فتركت العائلة المقدسة تلك المدينة وتوجهت نحو الجنوب.تم غادرت العائلة مدينه تل بسطا ( بسطه ) متجهه نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد - المحمة وتبعد عن مدينه القاهرة بحوالى ١٠ كم تقريباً.وكلمة المحمة معناها مكان الاستحمام وسميت كذلك لان العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسة وفى عودة العائلة المقدسة مرت ايضاً على مسطرد وانبع السيد المسيح له المجد نبع ماء لا يزال موجوداً الى اليوم.ومن مسطرد انتقلت شمالاً الى بلبيس ( فيلبس ) مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة حوالى ٥٥ كم تقريباً.واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم ومرت العائلة المقدسة على بلبيس ايضاً فى رجوعه.ومن بلبيس رحلت العائلة شمالاً بغرب الى بلدة منية سمنود - منية جناح مــن منيـة سمنود عبـرت العــائلة المقـدسـة نهـر النيــل الـى مـدينة سمنـود ( جمنوتى - ذبة نثر ) داخـل الدلتا واستقبلهم شعبها استقبـالاً حسناً فباركهـم السيد المسيح لـه المجـد ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت يقال ان السيدة العذراء عجنت به اثناء وجودها ويوجد ايضا بئر ماء باركه السيد بنفسه ومن مدينة سمنود رحلت العـائلة المقدسة شمالاً بغــرب الـى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة ( سخا - خـاست - بيخـا ايسوس ) حالياً فــى محافظة كفــر الشيخ.وقد ظهر قدم السيد المسيح على حجر ومنه اخذت المدينه اسمها بالقبطية وقد اخفى هذا الحجر زمناً طويلاً خوفاً من سرقته فى بعض العصور واكتشف هذا الحجر ثانيه من حوالى ١٣ عاما فقط.واذا كانت العائلة المقدسة قد سلكت الطريق الطبيعى اثناء سيرها من ناحية سمنود الى مدينة سخا فلا بد انها تكون قد مرت على كثير من البلاد التابعة لمحافظة الغربية وكفر الشيخ ويقول البعض انها عبرت فى طريقها فى برارى بلقاس.ومن مدينة سخا عبرت نهر النيل (فرع رشيد ) الى غرب الدلتا وتحركت جنوباً الى وادى النطرون ( الاسقيط ) وقد بارك السيد المسيح وامه العذراء هذا المكان.ومن وادى النطرون ارتحلت جنوباً ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل الى الناحية الشرقية متجهه ناحية المطرية وعين شمس. ومنطقة المطرية وهى بالقرب من عين شمس ( هليوبوليس - اون ) وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠ كم وفى هذا الزمان كانت عين شمس يسكنها عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى بمعبد اونياس. وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف الى اليوم بشجرة مريم . وانبع الرب يسوع عين ماء وشرب منه وباركه ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس الطفل يسوع وصبت الماء على الارض فنبت فى تلك البقعة نبات عطرى ذو رائحة جميلة هو المعروف بنبات البلسم او البلسان يضيفونه الى انواع العطور والاطياب التى يصنع منها الميرون المقدس.ومن منطقة المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهه ناحية مصر القديمة وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى فى طريقها لمصر القديمة.ومرت وهى فى طريقها من الزيتون الى مصر القديمة على المنطقة الكائن بها حالياً كنيسة السيدة العذراء الاثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بكلوت بك.ووصلت العائلة المقدسة الى مصر القديمة وتعتبر منطقة مصر القديمة من اهم المناطق والمحطات التى حلت بها العائلة المقدسة فى رحلتها الى ارض مصر ويوجد بها العديد من الكنائس والاديرة. وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها الا اياماً قلائل نظراً لتحطم الاوثان فأثار ذلك سخط والى الفسطاط فأراد قتل الصبى يسوع. وكنيسه القديس سرجيوس ( ابو سرجه ) بها الكهف ( المغارة ) التى لجأت اليه العائلة المقدسة وتعتبر من اهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.وارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهه ناحية الجنوب حيث وصلت الى منطقة المعادى احد ضواحى منف - عاصمة مصر القديمة.وقد اقلعت فى مركب شراعى بالنيل متجهة نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الان كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لان منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة الى النيل فى رحلتها الى الصعيد ومنها جاء اسم المعادى وما زال السلم الحجرى الذى نزلت عليه العائلة المقدسة الى ضفة النيل موجوداً وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.ومن الاحداث العجيبة التى حدثت عند هذه الكنيسة انه فى يوم الجمعة الموافق ١٢ مارس ١٩٧٦ م وجد الكتاب المقدس مفتوحاً على سفر اشعياء النبى الاصحاح (١٩- ٢٥) مبارك شعبى مصر طافياً على سطح الماء فى المنطقة المواجهه للكنيسة من مياة النيل.وبعد ذلك وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس(ارجانوس) على مسافة ١٠ كم غرب اشنين النصارى - مركز مغاغة.وبجوار الحائط الغربى لكنيسة السيدة العذراء يوجد بئرعميق يقول التقليد ان العائلة المقدسة شربت منه.مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمى اباى ايسوس ( بيت يسوع ) شرقى البهسنا ومكانه الان قرية صندفا ( بنى مزار ) وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة ١٧ كم غرب بنى مزار.ورخلت العائلة من بلدة البهنسا ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنهاعبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير ( اكورس ) شرق سمالوط ويقع هذا الدير جنوب معدية بنى خالد بحوالى ٢ كم حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الاثرية. ويعرف بجبل الطير لان الوفاً من طير البوقيرس تجتمع فيه. ويسمى ايضاً بجبل الكف حيث يذكر التقليد القبطى ان العائلة المقدسة وهى بجوار الجبل - كادت صخرة كبيرة من الجبل ان تسقط عليهم فمد الرب يسوع يده ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت وانطبعت كفه على الصخر.وفى الطريق مرت على شجرة لبخ عالية ( شجرة غار ) على مسافة ٢ كم جنوب جبل الطير بجوار الطريق المجاور للنيل ، والجبل الواصل من جبل الطير الى نزلة عبيد الى كوبرى المنيا الجديد ويقال ان هذه الشجرة سجدت للسيد المسيح له المجد وتجد ان جميع فروعها هابطة بإتجاه الارض ثم صاعدة ثانيه بالاوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.وتغادر العائلة المقدسة من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية الى الناحية الغربية واتجهت نحو الاشمونيين ( اشمون الثانية ) وحدثت فى هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت اوثانها وباركت العائلة المقدسة الأشمونيين.وارتحلت العائلة المقدسة من الاشمونيين واتجهت جنوباً حوالى ٢٠ كم ناحية ديروط الشريف فيليس ثم تغادر من ديروط الشريف الى قرية قسقام ( قوست قوصيا ) حيث سقط الصنم معبودهم وتحطم فطردهم اهلها خارج المدينة واصبحت هذه المدينه خراباً.وتهرب العائلة المقدسة من قرية قسقام واتجهت نحو بلدة مير ميره تقع على بعد ٧ كم غرب القوصية وقد اكرم اهل مير العائلة المقدسة اثناء وجودها بالبلدة وباركهم الرب يسوع والسيدة العذراء.ومن مير ارتحلت الى جبل قسقام حيث يوجد الان دير المحرق ومنطقة الدير المحرق هذه من اهم المحطات التى استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثانى. يقع هذا الدير فى سفح الجبل الغربى المعروف بجبل قسقام نسبة الى المدينة التى خربت ويبعد نحو ١٢ كم غرب بلدة القوصية التابعه لمحافظة اسيوط على بعد ٣٢٧ كم جنوبى القاهرة. مكثت العائلة المقدسة نحو حوالى سته اشهر وعشرة ايام فى المغارة التى اصبحت فيما بعد هيكلاً لكنيسة السيدة العذراء الأثرية فى الجهه الغربية من الدير ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح. وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلا قم وخذ الصبى وأمه وإذهب أرض اسرائيل لانه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى.وفى طريق العودة سلكوا طريقا أخر إنحرف بهم الى الجنوب قليلا حتى جبل اسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة حيث بنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة ٨ كم جنوب غرب اسيوط. ثم وصلوا الى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها الى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة فى قرية الناصرة بالجليل.وهكذا انتهت رحلة المعاناة التى استمرت اكثر من ثلاث سنوات ذهابا وايابا قطعوا فيها مسافة اكثر من الفى كيلو متر ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة الى جوار السفن احيانا فى النيل وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيا على الاقدام محتملين تعب المشى وحر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة فى كل مكان فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكملة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح لأجلنا. دلالات وبراهين عُرفت مصر منذ فجر التاريخ بأنها واحة الأمن والأمان وموطن الحضارات ومهد الأديان. وخير مثال علي ذلك احتضانها لكثير من أنبياء العهد القديم؛ ومن بينهم إبراهيم، ويعقوب، والنبي موسي _الذي تهذب بحكمة المصريين_، ويوسف الصديق _الذي جاء إلى مصر أيام فرعون حتى أصبح وزيراً_؛ بل نجد أكبر مثالاً على أن مصر خطاها الأنبياء والقديسون هو رحلة العائلة المقدسة، وقد سارت العائلة المقدسة في البلاد من أقصاها إلى أقصاها لتباركها، ولكي تحطم الوثنية بأصنامها وتغرس غرساً روحياً مباركاً يدوم مع الزمن.احتمت العائلة المقدسة في حضن مصر وباركت أرضها. فقد نشرت جامعة كولون بألمانيا لأول مرة بردية أثرية ترجع إلى القرن الرابع الميلادي تتحدث عن فترة وجود السيد المسيح والعائلة المقدسة في مصر؛ مؤكدة أن طفولة السيد المسيح استمرت ثلاث سنوات وأحد عشر شهراً. وقد كُتبت البردية باللهجة القبطية الفيومية، وتؤكد أحد المصادر المهمة أن البردية تؤكد أن البركة قد حلت بمصر وأن شهر بشنس هو أكثر شهور السنة بركة؛ لذا نجد الكنيسة القبطية تحتفل في اليوم الرابع والعشرين منه_ والذي يوافق 1 يونيو_ من كل عام بذكري دخول العائلة المقدسة إلى مصر. إن رحلة العائلة المقدسة لمصر تحمل الكثير من المعاني والقيم التي يجب أن يتحلى بها الجميع، أهمها أن مصر بلد للسلام والاطمئنان، وأن رحلة المسيح فيها ملأت ربوعها بالبركة؛ فكل الأديان السماوية أكدت أن مصر هي واحة الأمان. كما تتمثل العظة الكبيرة من هذه الرحلة في الاقتداء بهؤلاء العظماء في طريقة عيشهم البسيطة وتعاملهم بالمودة مع الناس؛ فمصر هي أرض التعايش والضيافة، أرض اللقاء والتاريخ والحضارة والسلام، وهي الأرض المباركة عبر العصور بدم الأبرار والشهداء الثمين؛ فهي التي عاش فوقها القديس يوسف، والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء.ويُقال أيضاً أنه ارتجفت الأوثان آنذاك في عهد الرومان من هيبة يسوع، وتزلزلت الأرض تحت أقدامها ومالت بثقلها الحجري فتحطمت وتكسرت أمام رجلي الصبي القادم على مصر. وقد روي المؤرخون هذه الحادثة أيام حكم الرومان فقالوا:" إن الأصنام كانت تتكسر لدي ظهوره أمامها والبراري أفقرت من شياطينها، وذاب قلوب كهنة الأصنام خوفاً وهلعاً فهرعوا إلى حكام مصر لينصروهم على القادم الصغير ولكنه لم يكن سلطان الظلمة له سيطرة عليه."وفي أثناء هروب العائلة المقدسة من بلدة إلى أخري، كان يؤمن بعض المصريين بيسوع ولكنه كان يجد الكره والعداوة من بعضهم الآخر ومن كهنة الأوثان وخدامها لفقدهم أرزاقهم؛ فحلت على الأولين بركته وحلت على الآخرين هيبته. وكما تحطم تمثال داجون أمام تابوت العهد المقدس سقطت التماثيل عند مجيء يسوع، فلم تقو على مواجهة حضوره. تحمل هذه الرحلة في طياتها دلالات ومعان حضارية، وتاريخية وثقافية؛ بل تحمل أيضاً مفاهيم إنسانية راقية؛ وتتمثل المعاني التاريخية أنها تحمل تراثاً إنسانياً عظيماً ملكاً لكل إنسانية، وروعته أن هذا الحدث التاريخي والتراثي في مصر _التي تمثل قلب العالم_. وقد تمثل المعني الديني والروحي في البعد الكتابي، حيث وردت نصوص عنها في العهد الجديد، ووردت نبوءات عنها في العهد القديم. كما أن هناك بعداً وحقيقة أثرية، فما زالت هناك أثاراً تؤكد مجيء العائلة المقدسة لأرض مصر منها أديرة، وكنائس أثرية، وهياكل، ومذابح أثرية، ومغائر دينية، وصخور، وأحجار، وآبار وأشجار. وهذه الأثار تمتد على طول البلاد الواقعة على مسار الرحلة ويضاف لذلك الأيقونات الأثرية، والمخطوطات والقطع الفنية، والأديرة والكنائس الأثرية القديمة.وهناك أيضاً بعداً حضارياً يمثل جزءاً من الهوية المصرية وتلامساً مع البعد التاريخي، فرحلة العائلة المقدسة في أرض مصر هي من المكونات الأساسية للحضارة المصرية القبطية بل زادت أهمية أرض مصر بين العالم لأنها أرض الطيبة التي قدمت الحماية واحتضنت العائلة المقدسة منذ وقت مبكر من التاريخ، بل بني في معظم مسار العائلة المقدسة الأديرة والكنائس التي عمرت مصر بالإيمان بالله، كما حملت قيماً إنسانية رائعة تتمثل في المحبة، والسلام والتعايش علي أرض مصر.
المزيد
16 سبتمبر 2019

النيـروز ... عيد الشــــهداء

النيروز كلمة مشتقة من اللغة الفارسية وتعني "اليوم الجديد" وكان المصريون في أيام الفراعنة يحتفلون بعيد النيروز، وكان الأحتفال به يستمر لمدة سبعة أيام متواصلة... ويوافق عيد النيروز الأول من شهر توت (11 سبتمبر) كل عام والمعروف أن المصريين منذ عصر الفراعنة أول من قاس الزمن وأرخ السنوات وكانوا أيضًا أول من قسم السنة إلى شهور، وقد استخدموا التقويم الشمسي في حساباتهم ونظموا تقويمهم بدقة فكانت السنة اثني عشر شهرًا والشهر ثلاثين يومًا، وكان ذلك منذ عام 4241 ق.م. ويؤكد المؤرخ الإغريقي هيرودوت، أن المصريين قد توصلوا إلى ذلك نتيجة ملاحظتهم للنجوم، بل كانوا متفوقين عن الإغريق، إذ عدلوا السنة الشمسية عندهم بإضافة شهر صغير من خمسة أيام إلى إجمالي الاثنى عشر شهرًا، بحيث تبدأ السنة بدقة وفقًا لحساباتهم والجدير بالذكر فإن التقويم الشمسي لدى قدماء المصريين القائم على أساس الحسابات الفلكية، هو التقويم الذي تتبعه جميع الشعوب حتى الآن وعلى أساس التقويم المصري القديم جاء التقويم القبطي، الذي يتوافق تمامًا مع ظهور نجم أو "كوكب الشعري اليمانية" وهو ألمع نجوم السماء، خاصة قبيل شروق الشمس ومن هنا تعتبر السنة المصرية أو السنة القبطية، سنة نجمية ويرى علماء الفلك في العصر الحديث أن اليوم النجمي أكثر دقة من اليوم الشمسي... وكانت السنة عند قدماء المصريين تنقسم إلى ثلاثة فصول: فصل الفيضان: الذي تغمر فيه مياه النيل الأرض. فصل الإنبات: وهو موسم الزراعة. فصل الحرارة: وهو موسم الحصاد. وقد احتفظ المصريون حتى يومنا هذا بتقسيم فصول العام على هذا النحو، أما أشهر السنة القبطية فهي كالآتي: توت "من 11 سبتمبر حتى 10 أكتوبر" ويحمل اسم الإله المصري "تحوت" رب القمر، وهو شهر فيضان النيل، ومن هنا جاء المثل: "في توت لا تدع الفرصة تفوت". بابه "من 11 أكتوبر حتى 9 نوفمبر" وإسمه بالقبطية "باأوني" وهو مشتق من رب النضار "تروت" أو إله النيل "حابي". هاتور "من 10 نوفمبر حتى 9 ديسمبر" واسمه بالقبطية "أتهور" وهو مشتق من اسم إلهة الحب والجمال "حتحور" وفي هذا الشهر يبذر القمح، ومن هنا يأتي المثل: "هاتور أبو الذهب المنثور". كيهك "من 10 ديسمبر حتى 8 يناير" ويرجع إلى إله الخير أو الثور المقدس "أبيس" رمز الخصوبة ويقول المثل "كيهك صباحك في مساك". طوبة "من يناير حتى 7 فبراير" واسمه بالقبطية "طوبى" التي تعني النظافة والنقاوة وتشير إلى المطر في مصر الفرعونية يدعى "طوبيا" وهو شهر البرد والمطر في مصر، ومن هنا جاء المثل "طوبة تخلي الصبية كركوبة". * أمشير "من 8 فبراير حتى 13 أو 14 مارس" وهو شهر البرد الشديد والرياح الشديدة، ويقول المثل: "أمشير يأخذ الهدوم ويطير". * برمهات "من 14 أو 15 مارس حتى 8 أو 9 أبريل" وفيه يعتدل الجو ويبدأ الحصاد، ويقول المثل: "في برمهات روح الغيط وهات". * برمودة "من 9 إلى 10 مايو حتى 8 أو 9 مايو" وهو شهر الحر, ويقول المثل: "في برمودة دق العمودة أي وتد المظلة". * بشنس "من 9 أو 10 مايو حتى 7 أو 8 يونيه" وهو مشتق من اسم إله القمر ابن آمون، ويقول المثل: "في بشنس خلي بالك من الشمس". * بؤونة "من 8 أو 9 يونيه حتى 7 أو 8 يوليو" ويسمى بالقبطية "باأوني" وتعني الحجر والمعادن، وهو شهر القيظ الشديد ويقول المثل: "حر بؤونة يفلق الحجر". * أبيب "من 8 إلى 9 يوليو إلى 6 أو 7 أغسطس" وفيه تبدأ مياه النيل في الأرتفاع، ومن هنا جاء المثل: "في أبيب تفور مياه النيل وتزيد". * مسرى "من 7 أو 8 أغسطس حتى 5 أو 6 سبتمبر" وهو مشتق من الفعل القبطي "ميس" الذي يعني الوضع أو الخلق، وهو شهر فيضان النيل، ويقول المثل: "في مسري تفيض المياه وعلى الأرض تسري". * النسيء "من 6 أو 7 سبتمبر حتى 10 سبتمبر" وهو الشهر الصغير المتمم لأيام السنة، ويتكون من خمسة إلى ستة أيام، ويقول المثل: "في النسيء لا تكن أنت المسيء"ولا يزال هذا التقويم "القبطي" مستخدمًا عند الفلاحين حتى الآن، ويحفظونه عن ظهر قلب... رأس السنة القبطية: يعتبر عام 284 م فاتحة التقويم القبطي، حيث ارتقى الإمبراطور الروماني ديوكليتان "دقلديانوس" العرش، وكانت الأضطهادات التي أثارها من العنف حتى أن الأقباط هزتهم قسوتها وأثرت فيهم تأثيرًا عميقًا، ورغبوا في أن يبدأوا تقويمهم ابتداء من السنة الأولى التي ارتقى فيها ديوكليتان السلطة.. لقد بلغ عدد من استشهدوا في عصره في تقدير بعض المؤرخين بما يقارب المليون... وعلى هذا فإنه يمكن أن نؤكد أن الكنيسة القبطية تحوز امتيازًا بأنها قدمت أكبر عدد من المضطهدين في المسيحية بأسرها، ومع ذلك فإن لها أن تبتهج وتفخر بأنها استطاعت أن تقاوم كل القوى التي حاولت محوها... وفي هذا الصدد يقول المنسنيور جرين في كتابه قاموس القواميس:"إن وضع شهداء مصر وحدهم في كفة من الميزان وشهداء العالم كله في الكفة الأخرى، لرجحت كفة مصر". تعتز مصر بتاريخها ويعتز كل مصري بوطنيته وعقيدته وأصالته التاريخية فمصر تاريخ وتراث، يحيا فينا كمصريين قبل أن نكون مسيحيين أو مسلمين، ومن تراث مصر الموروث عيد النيروز الذي كان عيد مباركة نهر النيل وروافده عند المصريين القدماء، فالمصري القديم كان أول من قسم السنة إلى فصول وجعل رأس السنة هو أول السنة الزراعية التي تبدأ بشهر توت (أول شهور السنة القبطية سنة الشهداء). فكان يقام أحتفال كبير عند نهر النيل له طقوس خاصة فرحًا بزيادة مياه نهر النيل الذي يدعى باللغة القبطية (نياروؤو) هذه الكلمة التي أضاف اليونان إلى نهايتها حرف (s)، كما يضيفون للأسماء فأصبح (ني ياروس) ويظن البعض أنها كلمة فارسية ولكن في الحقيقة هي مصرية قديمة ومعدلة حسب قاعدة الأسماء اليونانية، أما كلمة نيروز الفارسية فقد أطلقها الفرس على الأعتدال الربيعي أو عيد الربيع عندهم إذ يقع في يوم 21 مارس من كل سنة الذي جعله (جمشيدجم) الملك يوم عطلة لأنه رأس السنة الإيرانية، وهو منقول عن المصريين القدماء عرفه الفرس أثناء غزوتهم المعروفة لمصر القديمة وليس من الصواب أن ننسب ما لنا إلى غيرنا. يقول العلامة المتنيح نيافة الأنبا لوكاس أسقف منفلوط:"إن كلمة نيروز ليست هي فارسية بل كلمة مصرية قديمة أصلها "نياروز" وهي اختصار لجملة مكررة في الصلاة "نيارو أزمو أروؤو" وهو قرار شعري ابتهالي إلى الخالق لمباركة الأنهار وتبعًا لقواعد الاختزال في اللغة القبطية فعوضًا عن تكرار القرار الشعري كاملاً بنصه واقتصادًا في الكتابة يكتفي بكلمة واحدة أو كلمة وجزء من الكلمة الثانية ويوضع فوقها خط أفقي يعني الإشارة التي توحي إلى القارئ بتكميل الجملة المختزلة وبتكرار القرار بوضعه "نياروس أو نياروز" في يوم أول السنة المصرية ومعناه عيد بركة الأنهار والمقصود بها النيل وروافده. وطنية عيد النيروز: احتفل المصري القديم بهذا العيد رسميًا أيام حكم الملك مينا الأول حوالي سنة 4000 ق.م. ومن المعروف أن توت المنعوت به أول الشهور المصرية والذي يحتفل في اليوم الأول منه بعيد النيروز هو الذي قالت عنه المعالم الأثرية إنه ولد قبل عهد الملك مينا الأول في مدينة خمنو (الأشمونيتن) التي تتبع مركز ملوي حاليًا محافظة المنيا وكانت مركز عبادة تحوتي إله الحكمة، وعاش توت إله العلم والمعرفة في مكان قرية منتوت حاليًا التابعة لمركز أبو قرقاص محافظة المنيا وله الفضل في إحياء روح الانتماء إلى نهر النيل لأنه جعل المصريين يحبون هذا النهر ويقدسوه فهو مصدر البركة والخير. وساهم البطالمة في عهدهم من 323 ق.م إلى 30 ق.م في الأحتفال بعيد النيروز بإقامة الهياكل التي من أهمها هيكل دندرة بجوار مدينة قنا بالوجه القبلي، ويشهد هذا الهيكل حتى الآن أن عيد النيروز كان عيدًا وطنيًا يحتفل به به كل الملوك على مر العصور وكان يصل عدد الحضور في ذاك الزمان إلى المليون يقدمون الذبائح والقرابين وكانوا يستحمون في النيل في صباح عيد النيروز ويرتدون الملابس الجديدة ويكرمون من يستحق التكريم ويأكلون خبز الزلابية الخالي من الخمير ويزورون "حقل النيروز" من منتوت إلى الأشمونيين حاملين أغصان النخيل وثماره التي أرتبطت كرمز بعيد النيروز بعد ذلك. ارتباط عيد النيروز بسنة الشهداء (عقيدة): احتل الرومان مصر سنة 30 ق.م، وفي القرن الأول الميلادي انتشرت المسيحية في مصر بكرازة القديس مرقس الرسول وتحولت العبادة الوثنية إلى عبادة الإله الواحد وانتشر الإيمان المسيحي في كل ربوع مصروتعرضت مصر المسيحية بعد ذلك إلى حلقات الأضطهاد العشر التي كان آخرها اضطهاد دقلديانوس وأعوانه سنة 284 - 305 م فإتخذت الكنيسة القبطية من بداية حكم ذاك الطاغية بداية لتقويمها الذي أطلق عليه تقويم الشهداء ففي عهده ارتوت أرض مصر بدماء الشهداء من أجل الإيمان بالله ووحدانيته وبدل أن يفرحوا بثمار الأرض فرحت الكنيسة بثمار الإيمان ومن هنا جاء رمز البلحة الحمراء وعيد النيروز، فاللون الأحمر يشير إلى دم الشهداء وقلب البلحة الأبيض يشير إلى قلب المؤمن والشهيد النقي والنواة الثابتة تشير إلى ثبات الإيمان وقوته، ومن العجيب أن النخل لا يأتي بالبلح الأحمر إلا في أيام النيروز وكأن الطبيعة تتحد مع التاريخ في صنع الأعياد ومعانيها، ولا غرابة أن يكون عيد النيروز عيدًا لشهداء مصر المسيحية فتاريخ مصر تاريخًا وطنيًا ملكلكل المصريين بصرف النظر عن معتقداتهم لذلك كان النيروز عيدًا يهتم به كل الحكام حتى عهد المماليك، فكانت الحكومة تدفع مبالغ كبيرة من المال وتوزع هدايا من الملابس الحريرية والفاكهة لكبار رجال الدولة وتعطي معونات على يد متخصصين كان يطلق عليهم لقب (أمير النيروز) فكان يوم النيروز من أبهج الأيام والمواسم في مصر بأستثناء عهد الظاهر برقوق الذي أمر بعم الأحتفال به في القاهرة نظرًا لبعض السلوكيات، ولن الفاطميين اهتموا به وجعلوه عيدًا وطنيًا لكل المصريين ويقول المقريزي:"وكان النيروز القبطي في أيامهم من جملة المواسم فتتعطل فيه الأسواق ويقل فيه سعي الناس في الطرقات وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة وأةلادهم ونسائهم والرسوم من المال وحوائج النيروز كما يذكر لنا التاريخ الحديث أنه في عهد محمد علي الكبير كان الأحتفال بعيد النيروز احتفالاً وطنيًا تدق فيه الطبول وتقام فيه التقاليد والعادات القديمة وتعطل فيه جميع الأعمال وعندما جاء سعيد باشا واليًا على مصر عام 1854 م أصدر في يوم السبت 7 يوليو عام 1855 م أمرًا بأن التاريخ القبطي هو التاريخ الرسمي في دواوين الحكومة وظل معمولاً به لمدة عشرين عامًا حتى جاء إسماعيل باشا ونقض هذا الأمر وتحول إلى التقويم الأفرنجي، ولكن إلى الآن يحتفظ الفلاح المصري بالتقويم القبطي (المصري القديم) تقويم الشهداء وبقيت معه الكنيسة القبطية محتفظة بتاريخ مصر محتفلة بعيد النيروز من 1 توت وحتى يوم 16 توت مؤكدة وطنيتها ومصريتها فعيد النيروز تاريخ وتراث لكل مصر ولنا أمل أن يعاد الأحتفال الوطني به على أساس أنه عيد مقترن باحترام نهر النيل الخالد وبعيدًا عن أي تعصب، أتمنى أن تقوم الدولة بخطوة وطنية ويتم تعديل القرار رقم 14 لسنة 1962 بإضافة يوم عيد النيروز إلى الأعياد الوطنية ويعامل معاملتها ويعتبر إجازة لكل المصريين، ولو تم هذا فسوف تمحو الدولة سيئة من السيئات التي صوبت نحو وطنية الإنسان المصري..
المزيد
28 يوليو 2019

لماذا أنا مسيحى؟

المسيحية هي ديانة الكمال "قد أكمل " "تم جميع «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ " (لو 44:24) تمهيد: المسيحية قد شهد لها الأعداء قبل الآبناء والأصدقاء بأنها أكمل وأعظم تعاليم السماء علي الأرض كما قال الزعيم الهندي "غاندي " وغيرة ممن قرأوا الإنجيل وتعرفوا عن قرب عن سيرة وأعمال الرب يسوع واكتشفوا مجالات عظيمة وكماله المطلق الذي به تفوق علي كل الأنبياء والرسل ولم يستطيع علماء اليهود وكبار رجال دينهم أن يردوا علي تحديه لهم بقوله:" مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ " (يو 46:8)؟ بينما سجلت الكتب المقدسة أخطاء الأنبياء والخدام بكل جلاء في العهدين وذكرت ضعفاتهم أجمعين. وفي الرب يسوع نري الكمال والجمال وعظمة الحب العملي وجليل الأقوال والأعمال التي لا تضارع وهو ما نناقشه بعد قليل للتدليل علي عظمة الإيمان المسيحي وكمال تعاليمه وعباداته وسمو رسالته وممارساته وحلاوة تقاليده وعاداته وفهمه السامي للفضيلة وكيفية تنفيذها وكشفه الواضح عن أسباب الشر والخطية وعلاجه الوحيد لنتاجها وآثارها الضارة علي النفس والروح والجسد وقد كسبت المسيحية الملايين من البشر ولا تزال تضم اليها –كل يوم – الكثيرين من كل العالم بالحب البازل وليس بالغضب أو بالعنف (1) السيد المسيح هو المثال الكامل لكل الأجيال: إنها دعوة للقارئ –ولكل نفس في هذا العالم –أن تتأمل في حياة وآلام الرب يسوع وكيف ألزمه حبه أن يأتي ليفدي البشرية الخاطئة – ويسدد الدين لكل خاطئ حزين كان مصيره المحتوم الهلاك هنا وهناك. وعلي كل إنسان غير متحيز أن يعرف ما سجلته التوراة والإنجيل والقرآن عن السيد المسيح من صفات تفوق طبيعة عن السيد المسيح من صفات تفوق طبيعة البشر في الخلق وفي السلوك والخلق العظيم وكذلك كل ما نراه في حياته البسيطة وعدم تعلقه بأمور الدنيا الفانية مثل ميلاده من بتول متواضعة وفي مكان وضيع وعاش فقيراً في المال وغنياً بلا حدود في النعمة وفي البر والتقوي والفضيلة الجميلة وفي زهده في المأكل والمشرب والمسكن فلم يكن له – في الواقع – أين يسند رأسه كما أعلنه بنفسه (مت 10:8) ولم ينظر لمملكته أرضية ولم يأتِ السيد المسيح –كبقية أنبياء العهد القديم – مهدداً ومتوعداً الخطاة بهلاك محتوم بل جاء ليساعدهم وينتشلهم من وحلهم ويسامحهم علي عظم آثامهم ويشجعهم علي ضرورة سلوك طريق الفضيلة من جديد "وجاء طبيباً شافياً وليس قاضياً وقد علم الرب – بالقول وبالعمل الفعلي -أن الخاطئ مريض يحتاج علاج لا عقاب لا توبيخ ولا تجريح ولا لوم بل صلاة وإرشاد وطبق السيد المسيح هذه السياسة علي كل من تقابل معهم من صرعي الخطية وأعطاهم الأمل في النجاة لو بدأوا معه سلوك طريق الحياة الجديدة. وها هو يتعامل بحب وبكلام رقيق جداً مع السامرية ومع المرأة الزانية ومع زكا القاسي القلب ومع بطرس بعد إنكاره له.وحتي مع يهوذا الذي خانه فلم يوبخه أو يعنفه بل كان مستعداً أن يقبل ضعفه وأن يصفح عنه لو تاب عن زلته ولكنه يأس من رحمة الله ففقد الحياة وأضاع أخراه مثل كثيرين جداً من الجلاء روحياً ومن المعاندين الأغبياء في كل زمان ومكان علي الأرض. (2)المسيح أكمل الفداء كما قررته السماء وشهد به كل الأنبياء: لا ينكر أحد أن الإنسان الأول قد أخطأ بإرادته وخالف وصية الله واستحق الشقاء والعقاب الأرضي والآبدي وإذا كان الله عادلاً جداً فهو أيضاً رحيم جداً وكيف تحل هذه المشكلة المعضلة؟وهل بسهولة يمكن أن يقول الرب لآدم "مغفورة لك خطاياك؟" وإن كان الله قد غفر له خطاياه – التي لم يتب عنها فعلاً –فلماذا طرده من الجنة الأولي؟ولماذا يعاني –مع ذريته –من نتائج وراثة ارض الخطية وآثارها الردية ويستحق الحكم العادل "بالموت "الهلاك الآبدي؟ وهو أمر عادل بسبب كسر قانون السماء والإساءة إلي قداسة الله الغير حدود لذلك فقد وعد الرب آدم بخلاصه وذريته من عبودية إبليس وسداد الدين الروحي الكبير الذي لم يستطيع أن يدفعه وها هو موقف "القاضي "العادل الذي قد يفاجأ ذات مرة بوجود ابنه –متهماً أمامه بالسلب والنهب –واقفاً في قفص الاتهام بلا مال ولا تعليل مقبول؟ لقد كان لابد أبد يحكم هذا القاضي علي ابنه المدين المسكين حسب قانون العدل الذي يطبقه ويقوم هذا القاضي بنفسه بسداد دين ابنه الثقيل جداً ويحرره من السجن الدائم ولهذا فقد طالب الأنبياء الرب يإنقاذهم من الهاوية التي كان يلقي بهم فيها الشيطان وجاء "إبن الرب "الذي بلا خطية ليفدي البشرية ويخرج أرواح مؤمني العهد القديم من سجن الجحيم ويفتح لهم أبواب الفردوسي انتظاراً ليوم الدين لدخول الملكوت مع المفديين في العهد الجديد الطائعين لوصايا الله ويدخله كل منهم حسب درجة عمله الروحي.وليس أمر الفداء وموضوع الخلاص من إبتداع المسيحية بل هو أساس التوراه ورموز ذبائجها القديمة التي كان يقر ويعترف الخاطئ بذنوبه علي رأسها وتذبح في الهيكل فداء عنه لأنه " وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ! " (عب 22:9) وأكد الرب يسوع – في عدة مناسبات –علي أنه جاء خصيصاً لإتمام فداء الإنسان وأعلن ذلك مراراً لرسله وأصر لي إتمام هذا المشروع الروحي رغم إعتراض القديس بطرس عليه (مت 22:16) وخلال أكله خروف الفصح مع رسله مساء خميس العهد –أعلن لهم عن بدء المسيرة –نحو جبل الجلجثة –حيث يتم صلبه وقال لهم بوضوح "ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ (مر21:14) ولكي تكمل نبوات الكتب (العهد القديم "وكان القديس مار متي الإنجيلي البشير يدعم ما سجله من سيرة وأعمال السيد المسيح بنصوص كثيرة من التوراة وأقوال أنبياء العهد القديم ويكتب ويقول كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ..ألخ (مت 22:1،:5) ولكي يتم ما قيل بالأنبياء..الخ (مت 35:13) ويذكر لنا القديس مار يوحنا الحبيب أنه حينما إلتقي الرب يسوع بالمرأة السامرية الخاطئة – لكي يخلصها وشعبها – حضر إليه تلاميذه –حاملين الطعام الذي اشتروه –وطلبوا منه أن يأكل معهم فأعن –له المجد –أن له هدفاً أهم جداً من طعام أو شراب الجسد وقال لهم عنه:طعامي (الهدف الذي يشبعني) أن أعمل مشيئة (الآب) الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ. (يو 34:4) وسجل لنا القديس لوقا الإنجيلي ما نصه وحين تمت الأيام لارتفاعه (علي الصليب)ثبت (المسيح) وجهه (هدفه) لينطلق إلي أورشليم " (لو 51:9) استعداد للآلام وإتمام الفداء العجيب علي عود الصليب كما يذكر القديس لوقا البشير أنه قبل القبض عليه جاء بعض اليهود لكي يبتعد عن أورشليم حتي لا يقتله هيرودس الملك الجبار والمكار فقال لهم المخلص بكل شجاعة: «ﭐمْضُوا وَقُولُوا لِهَذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَداً وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ. (لو31:13-32) ويروي القديس مار متي أنه عندما مضي يسوع إلي بستان جسيماني (شرق القدس)وجاء يهوذا الاسخريوطي (تلميذه الخائن) مع جمع كثير من الجنود بسيوف وعصي لقيض عليه وتقديمه للمحاكمة لم يوافق السيد المسيح علي تصرف القديس بطرس عندما إندفاع بسرعة –وقطع أذن عبد رئيس الكهنة بسفه –فأبرأه بحبه العملي وأعلن للرسول بطرس أنه كان في استطاعته أن يطلب فوراً إثني عشر جيشاً من الملائكة لإبادة كل بني إسرائيل وكل قوات الرومان ولم يفعل بالطبع لأن ذلك سوف يفسد هدفه في الموت عن البشر وإنما خلاصهم ثم قال له المجد لبطرس متسائلاً "فكيف تكمل الكتب " (تتم نبوات الهد القديم): أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟ (الفداء) (مت 54:26) ثم أعلن المخلص لمن جاءوا إليه من الجنود –وغيرهم – أنه كان من السهل عليهم أن يقبضوا عليه في الهيكل أثناء تعليمه للناس هناك ثم أضاف قائلاً: "وأما هذا كله (القبض عليه) فقد كان لكي تكمل (نبوات) كتب الأنبياء " (مت 56:26) وكان يسوع له المجد قد تنبأ لبطرس الرسول عن إنكاره له – أثناء محاكمته الغير قانونية والظالمة ليلاً –قبل أن يصيح الديك (وهو ما حدث فيما بعد رغم إصرار القديس بطرس أنه لن يفعله ويدل علي علم الله في المستقبل) وقد أكد الرب علي أنه سيصلب مع لصين مجرمين وقال لرسله:لأني أقول لكم:أنه ينبغي أن يتم في أيضا هذا المكتوب (أش12:53) وأحصي مع أثمة (لو 34:22،37) وفي صلاته الشفاعية والوداعية – عن تلاميذه وعن كل شعبه ليلة صلبه طلب المخلص من الآب –أن يفيض عليهم بالروح القدس المعزي ثم قال له "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكلمته " (4:17) وسجل القديس يوحنا الإنحيلي – كشاهد عيان –أنه قبل صلب الفادي إقترع الجنود الرومان علي من يأخذ ثيابه؟ وعلق البشير علي هذا العمل بأن هذه اقسمة كانت مكتوبة (مز 18:22) وبذلك تمت في حينه (يو 24:19) وكذلك علق القديس علي عدم كسر الجند ساقي السيد المسيح بعد موته علي الصليب بأنه "لكي يتم هذا أيضا كما هو مكتوب " (مز 18:22)... (يو 36:19) وبعد ما تم صلب الحبيب علي عود الصليب قام بالإهتمام بأمه البتول "مريم " بتسليمها للقديس يوحنا الحبيب لتعيش في بيته بأورشليم وقد قبل هذا الكنز الروحي العظيم وسجل لنا في إنجيله ما يلي "بعد هذا رأي يسوع أن كل شئ قد كمل..وقال "قد أكمل ونكس رأسه وأسلم الروح " (يو 28:19-30) وبذلك كمل الفداء والخلاص لكل الناس ولكل من يقبله فادياً خاصاً له وبعد صعود السيد المسيح إلي السماء تحدث القدس بطرس الرسول مع زملائه الرسل الإحدي عشر عن خيانة وموت يهوذا الأسخريوطي وقال:"كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقال بفم داود عن يهوذا.. (مز 9:41)..." (أع 16:1) وخاطب القديس بطرس اليهود أورشليم شارحاً لهم مجئ الخلص الحقيقي وهدف صلبه ثم قيامة حيا بقوة ذاته ثم قال:"والآن –أيها الأخوة – أنا أعلم إنكم بجهالة عملتهم – كما رؤسائكم أيضا وأما فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه (أع 1:3-7) وشرح القديس بولس الرسول لليهود المجتمعين في مجمع إنطاكيه بسيديه (بآسيا الصغري) كل ما تحدثت عنه نبوات العهد القديم من أن السيد المسيح الذي جاء، وصلب وقام من الأموات هو نفسه:" الذي يأتي من نسله داود حسب الموعد " (مز 11:132) وأضاف قائلاً لهم:"ولكن رؤساء الكهنة في أورشليم تمموا أقوال الأنيباء التي تقرأ – كل سبت – إذ حكموا ليه ومع أنهم لم يجدوا علة واحدة (فيه) للموت طلبوا من بيلاطس (الوالي) أن يتقبل ولما تمموا كل ما كتب عنه (في العهد القديم) أنزلوا عن الخشبة (الصليب) ووضعوه في قبر ولكن اله (الآب)أقامه من الأموات "واستطرد الرسول قائلاً:"ونحن نبركم بالموعد (الوعد)الذي صار لآبائنا أن الله قد أكمل هذا الفداء)لنا نحن إذ أقام يسوع كما هو مكتوب..الخ " (أع 1:13-34). وفي رسالته إليإلي العبرانيين قال القديس بولس الرسول عن الفادي العظيم " مَعَ كَوْنِهِ ابْناً (لله)تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ. 9وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ(يقبلون دعوته) (عب 9:5) وبعدما ذكر لهم سلسلة من أبطال الإيمان من أنبيائهم القدامي ونماذج من عذابات إخوتهم شهداء العهد الجديد (عب 11) دعا الكل إلي التمثل بهم في إيمانهم (عب 7:13) وعلي رأسهم " رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. الخ (عب 12) وهكذا صار القديس بولس لرسول في جهاده إلي النهاية (من أجل إتمام الخدمة ونشر كلمة الخلاص)علي درب الصليب مثل بقية الرسل والخدام المجاهدين –وأعلن لتلميذه الأسقف تيموثاوس (اسقف أفسس) في رسالته له قبل استشهاده في روما بعد قليل (67م) قائلا:"فإني الآن أُسكب سكيباً ووقت إنحلالي قد حضر للرحيل من العالم للفردوس) قد جاهدت الجهاد الحسن –أكملت السعي الجهاد في نشر كلمة ملكوت الله علي الأرض حفظت الإيمان (سليماً) وأخيراً وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي –في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبونه عند ظهوره (مجيئه الثاني أيضا" (2تي 6:4-8) وختاماً لهذه النقطة نذكر أن الرب يسوع –له المجد قد أظهر للقديس يوحنا البشير بعض أمجاد أورشليم السمائية المعدة للمؤمنين المفديين ثم أعلن له ما سجله الإنجيلي في رؤياه ما يلي " «قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. " (رؤ 1:21-6) وبالطبع لا قبلة لولا بعده كمال لما فعله الفادي في الدنيا وما أعده أيضا لأولاده في السموات من ملكوت أبدي سعيد وكامل وشامل (3) كمال التعاليم والأقوال: أعظم وأكمل تعليم في العالم ذاك الذي قدمه الرب يسوع للعالم وبهتت به الجموع (مت54:13) وقد طور يسوع مفاهيم الشريعة القديمة ليصل بها إلي حد الكمال المطلوب كما قال لسامعيه علي الجبل "«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. " (مت 17:5) وهكذا أوضح الرب في تعاليمه العظيمة من هم المطوبون من الله في دنياه وسماه – وعنكيفية البعادات والمماراسات الروحية ليس بالفرض أو الحبر والإلو\زام بل بمقاس الحب والإتضاع والخفاء والعمق: إن كنتم تحبونني فإحفظوا وصاياي (يو 15:14) وبعيداً عن المظهرية والسطحية والطقوس الجامدة ووضع مفاهيم جديدة للحب ليس علي أساس الأنانية بل الامحبة القائمة علي البذل والتضحية:ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه (يو 13:15) وقدم المعلم الأعظم المثال العملي للحب المثالي بالصليب والرحمة والإتضاعي الحقيقي بغسل أرجل تلاميذه وغفرانه لمن عذبوه وصلبوه وعندما إمتنع القديس الشهيد يوحنا المعمدان عن تعميده بسبب عظم قدره ومركزه الإلهي طلب منه الفادي بكل إتضاع أن يسمح له بالعماد (مثل باقي الناس الخطاة) وقال إسمح الآن لأنه ينبغي بنا أن نكمل كل بر (مت 15:3) كما قدم تعليمه للناس في قالب تربوي صالح لكل المستويات ويقوم علي أساس ذكر الأمثلة المستمدة من البيئة المحلية ثم شرحها بعمق أكثر – لتلاميذه الأخصاء وعلم بأن العظمة الحقيقية لا تكمن في السلطة والغني والمال ومناصب العالم وإنما في الإتضاع والمسكنة بالروح والخدمة (مت 19:5) وبساطة الأطفال وفي الصفح عن الإساءات وتقديم الخير للغير والصلاة من أجل المسيئين وضرورة "تنقية القلب " من دنس الخطية وعدم تعلق المؤمن بالله في نفس الوقت وفي نفس المجال كانت دعوة السيد المسيح إلي الكمال الحقيقي بعدم إنشغال المرء أكثر من اللازم بمحبة العالم إذ طلب له المجد من شاب غني كتدين أن ينمو أكثر في طريق الكمال الروحي بنبذ محبة المال ولكنه كان غير حكيم بما فيه الكفاية لأنه ظل يفضل عطايا الله عن رضاه فعاش حزيناً رغم توفر الأمور لديه (لو 16:19-22) بينما نما البقديس أنطونيوس في طريق الكمال الروحي مبتدئا بتوزيع كل ثروته علي المحتاجين ومكرساً قلبه ووقته للعبادة والجهاد الروحي وخلاص الآخرين أيضاً فنال الملكوت السعيد وإدانة النفس بدلا من إدانة الغير وطلب الحكمة واقتناء النفس بالصبر والإيمان واعتبار الألم "بركة عظمي (فيلبي 29:1) كما تضمنت تعاليمه مفاهيم سليمة للملكوت الآبدي القائم علي أساس روحي في عشرة الرب وملائكته وشهدائه وقديسيه وخدامه الأمناء وليس متع جسدية وأعلن أن التعاليم الدينية والتأملات الروحية تنير الذهن وتهذب القلب وتعين المؤمن علي الوصول إلي الحياة الفضلي وإلي الكمال الروحي أي النمو الروحي التدريجي بوسائط النعمة المختلفة "إلي ملء قامة المسيح " (أف 13:4) الوصول إلي درجة ممتازة من النمو في النعمة بالنعمة والجهاد الوحي ومن تعاليم الفادي التأكيد علي الحياة الروحية المعتدلة والتوازن بين مطالب الروح والجسد وبين العبادة والعمل مع أفضلية التكريس بالطبع والتأكيد علي خطورة العثرة علي النفس والغير وأهمية القدوة الصالحة للصغار والكبار وخطورة العثرات وضرورة السلوك بضمير صالح أمام الله والناس (أع 1:23) أي السلوك بأمانة حتي الموت (رؤ 10:2 وفي كافة الظروف وفي كل شئ القليل والمثير أي أمانة نحو الله ونحو النفس السعي لخلاصها وأمانة نحنو الأسرة ونحو الكنيسة وطقوسها وإيمانها المسلم مرة من القديسين وأمانة الإنسان أيضا في ماله وفي عمله وفي علاقته بالآخرين..الخ وقامت تعليمة العظيمة علي الإيمان والأعمال الصالحة معاً والتأكيد علي غربة الإنسان في الدنيا وضرورة الإستعداد للرحيل المفاجئ منها والتدرب علي الجدية وعلي قبول الوضع الصعب وفهم طبيعة الحياة والناس كبشر ضعفاء ومفهوم القوة في الحب وليس في الضرب وأن العنف ضعف وتتركز تعليم الكمال علي ضرورة حدوث التغير الداخلي عن طريق تغيير الفكر بتجديد الذهن (رؤ 2:12 أف 23:4) لا بتجديد الثياب (المظهر الخارجي)والتلمذة الدائمة لإكتساب الخبرة والعلم الجيد من رجال أمناء كما يعلمنا المخلص أنه ينبغي حل المشاكل بالمناقشة المنطقية الهادئة القائمة علي الإقتناع بالأدلة بدلا من الغضب والثورة أو العاطفة الهوجاء التي تدل علي الجهل المطبق متمثلين في ذلك بالري يسوع الذي كان يقدم الدليل الملموس والمثال الواضح الذي يقنع الغير ويقود إلي قبول لرأي الآخر وإلي حلول السلام في النهاية وغير ذلك من التعاليم العظيمة التي تضمها الأناجيل وبقية أسفار العهد الجديد التي ندعو الآن كل واحد لدراستها بتأمل وعمق ورغبة في الإستفادة الفعلية وحتماً سيجد فيها متعة ونعزية وعلماً نافعاً للنفس والروح والجسد ويشير القديس يعقوب الرسول إلي أن السيد المسيح "قد أعطانا الناموس الكامل ناموس الحرية " (يع 25:1) فهو الوحيد الذي يمكنه أن يحرر المرء من شهواته ومن خطاياه ويمتعه بالنمو بعد التحول من حياة النجاسة إلي حياة القداسة ويؤهله لفردوس الموعود كما يقول القديس بولس "أعد لنا المسكن الأعظم " (عب 11:9) علما بأن تعاليم المسيح توضح أن العبودية الحقيقية هي في سيطرة الخطية والعادات الردية علي الخاطئ الذي يسمع الصوت إبليس ولأعوانه من أصدقاء السوء ومن وسائل الإعلام العالية الفاسدة والمغرضة فإلجأ إليه تجد المساعدة لديه وللحديث بقية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل