المقالات

12 ديسمبر 2021

عظه الأحد بدايه شهر كيهك

كل سنة وحضراتكم طيبين، والكنيسة من بداية شهر كيهك بتغير طقس وروح التسابيح فنجد حينما ندخل الكنيسة نبتديء نسمع لحن مختلف وهو لحن خاص بشهر كيهك، والفن في الكنيسه هو فن تعبيري سواء الآيقونات او الألحان أو الموسيقى، هي صورة من صور العبادة فمثلما الأيقونة لها عمل داخل الكنيسة اشارة لعمل التجسد وتقديس المادة وأنه صارت المادة مقدسة داخل الكنيسة . وأن الآيقونة وإن كانت تحمل ملامح مادية ولكنها تروحن بوجودها في الكنيسة فلم تعد مجرد الوان وصور ولكنها قديسيين واحداث الكتاب المقدس في الكنيسة. أيضاً الألحان تعبيرية وورثنا من اجدادنا الفراعنه العبادة بالموسيقي وصورة الآلحان التي تؤدي عمل في العبادة والتي هي أيضاً ملامح لصور العبادة . ففي وقت الفرح الالحان مفرحة ووقت الحزن الالحان حزينة . فالآلحان تعبير لمشاعرنا لذلك حينما نسمع اللحن الخاص بكيهك تتبادر لذهننا شكل وصورة الشهر الذي نقدمه لربنا كتسابيح . وشهر كيهك هو الشهر الذي في نهايته بنحتفل بتذكار التجسد . كل الاحداث اللي تمت بشخص السيد المسيح تممها بطبيعته الواحدة بلاهوت وناسوت السيد المسيح في شخصه المبارك.ولآن اللاهوت كان متحداً بالناسوت فقد صارت كل الاحداث الانسانية على الآرض فوق الزمن فنحن لا نحتفل بذكرى تجسد ولكننا نعيش الأحداث نفسها. وهذا الذي جعل الكنيسة تقول: لو اننا عايشين في هذا العصر كيف سنستقبل ملك الملوك ؟ فتقول سنعمل له احتفالات سيمفونية واحتفالات كبيرة ويصطف الشعب ويقول هانستقبله بأرواح خاشعه، فالكنيسة تعمل صوم وتعمل مع الصوم تسابيح ونسميها تسابيح كيهك. تسابيح كيهك هي التسبحة اللي فيها حالة فرح بعمل ربنا المتجسد فنضيف على التسابيح اليومية المدايح ويقدم الشعب كله تسابيح نتذكر فيها العذراء. فالعذراء تجدوها قاسم مشترك لآن منها تم عم التجسد ومنها اتولد السيد المسيح، والاحاد كلها في شهر كيهك تبدأ بفكرة بشارة الملاك لزكريا الكاهن بميلاد يوحنا، مار لوقا يقوم بمقارنه لطيفه، يقول :" أخترت أنا أيضاً إذ تتبعت بالتدقيق أن أكتب إليك أيها العزيز ثاؤفيلوس لتعرف قوه الكلام الذي وعظت به" .ثاؤفيلوس: لفظ عزيز مثل وزير أو رئيس وزراء، احد رجال الدوله في مصر، وهذا معناه أن الكرازه في البدايه في المرحله الاؤلي كان هناك العديد من القصص التي قيلت، وهو حينما كتب الكتاب المقدس ارسله إلي هذا الشخص، ثم اخبرنا نحن أيضاً بهذه القصه، لكن المقارنه أن الرسل صاروا المبشرين وملائكه العهد الجديد، فالعهد القديم كانت السماء ترسل ملاك يبشر، ثم في العهد الجديد صارت الكنيسه هي التي تحمل البشاره والكرازه. " لتعرف قوه الكلام الذي وعظت به" الكلام الذي اقوله هو روح وحياه، ليس مجرد تلاوه، نحن لا نذكر احداث وافكار، لكننا نري قوه كلام الكتاب المقدس، كانت السماء صامته اربعمائه سنه قبل هذا الحادث، لا ملاك يظهر يقول بشاره ولا احد الانبياء يقول نبوه، حتي يعرف الشعب إنه ينتظر حتي تنفتح السماء، وانفتحت السماء ونزل الملاك وقال لزكريا الكاهن أن ابنك هو الذي سيهيءالطريق أمام المسيح، وحسب النبوات كان لابد أن يوجد شخصيتان يسبقان المخلص المسيا، يوحنا المعمدان "ها أنا ارسل ملاكي الذي يهئ الطريق أمامي"، وشخصيه العذراء "هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً"، لذلك نحن نحتفل بميلاد هذا الشخصان، لا نحتفل بميلاد القديسين عامه نحتفل بنياحتهم أو استشهادهم، لكن نحتفل فقط بميلاد يوحنا وميلاد العذراء، لان ميلادهم هم علامات التجسد، فحينما انفتحت السماء واعلنت عن ميلاد يوحنا المعمدان ادركنا أن الاجراس تدق لكي تعلن ميلاد الملك والمخلص لذلك الكنيسه بدأت الأحد الأول بأن السماء افتقدت البشريه كلها وارسلت الاعلان بميلاد يوحنا المعمدان، والكرازه بيوحنا المعمدان كانت بدايه اعلان الخلاص ومجئ المسيح، لكن نقطه ثانيه مهمه جداً وهي كيف كان التدبير دقيقاً جداً، أحياناً نرفع أعيننا للسماء ونقول له إلي متي؟ ،انك مبطئ في خلاصنا، وحتي متي ننتظر ولا تري، ولا ندرك أبداً أن الازمنه وسلطانها وضعها الآب في سلطانه، متي يرسل معونه وخلاصا؟ يرسل المعمدان ليهئ طريق، ثم يأتي المخلص، أتعرفوا كم سنه انتظرتها البشريه حتي جاء المسيح؟ الآف السنين، بحسابات بسيطه خمسه الآف سنه، متخيلين بشريه تتألم وترزح تحت نير العبوديه وصوره إبليس المتحكم في العالم، قتل وحرب وشر ودماء ، نسأله لماذا تتمهل؟ يقول تدبير الازمنه له حكمه، لكن ما أن يبدأ في إكمال التدبير حتي يري الصوره تكتمل بسرعه، يأتي الملاك يبشر يوحنا، ويولد يوحنا المعمدان ثم أيضا يبشر الملاك العذراء ويولد السيد المسيح وتتوالي الاحداث إلي أن يتم الصليب والقيامه. لذلك نحن لا ننزعج كثيراً حينما نشعر بأننا نحمل نير او صليباً لآننا ندرك تماماً أننا في تدبير الله وفي فكره، أنه مهما كان الزمن يمر بضيق وصعوبات ولكن تدبير الازمنه في حكمته، هو ليس بعيداً عنا، نحن لسنا منسين منه، هو يدرك تماماً أننا نتألم ولكن في كل صور الالم وبكل صور الضعف البشري هو عينه علينا. تخيلوا كم من سنوات مرت علي زكريا الكاهن وأليصابات زوجته وكم كانوا متألمين ، وصرخوا كثيراً ولم يعطيهم ابناً ولكنهم لم يتحلوا عن برهم ولم يشعروا أبداً أنهم منسين من الله وبعد سنين طويله صار هذا الكاهن شيخاً وهي إمراه متقدمه في العمر، ولكن كان التدبير أن يفتقدا أيضاً وان يأخذا من الله هذه الهديه العظيمه يوحنا المعمدان، مثل تأمل المتنيح البابا شنوده " لو سألوا زكريا الكاهن هل تأخذ اي طفل الآن تفرح به، أم تنتظر العمر الطويل وتأخذ يوحنا المعمدان؟ اكيد كان سينتظر. تدبير الازمنه وحكمه إفتقاده لنا أيضا هي خير من يده، نحن نؤمن تماماً أن كل ما يفعله خير حتي حينما نحمل صليباً .. حتي حينما ننتظره طويلاً.. حتي حينما نري الشمس في الافق وأن الليل طويل ولكننا نثق تماماً أنه في تدبيره سيأتي الفجر وسيأتي الملاك يبشر، ستدق الاجراس ونفرح بالميلاد. لالهنا كل مجد وكرامه إلي الابد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
05 ديسمبر 2021

ماذا أفعل .... كى أرث الحياه الأبديه

إنجيل اليوم هو أحد الصور الكاشفه لنفوسنا وللاشخاص الذين قد يدعون أنهم متدينون وأن لهم أشتياقات وأن لهم صوره للوجود الالهي في حياتهم، ولكن ما أن تأتي تجربه، او توضع الصوره في حقيقتها حتي تُكتشف.فكره التدين فكره أحياناً ينخدع فيها الانسان، يري أن ما يفعله لاجل الله، ولكن في حقيقته مردوده إلي نفسه ليس لاجل الله، فهناك من هو متدين، اي يتخذ صوره الدين ( متفعلل) يفعل ما هو خاص بالدين، وهذا لفظ عابر يقال علي الاشخاص التي تريد أن تتقرب من الله ومن فكره الحياه معه. ولكن حقيقه أنا لا اشعر بارتياح للفظ، لان المتدين هو شخص يفعل شيئاً قد يكون من الخارج، متدين ( متفعلل). أما الحياه مع الله هي من الداخل، فهناك من يتدينوا لأجل ذواتهم، حتي حينما يصلي كي يخرج للناس ويشعر أنه في مصاف المصليين ومصاف المتدينين، وياخذ كرامه بهذه الصوره، أو حينما نصوم هناك أصوام مردوده إلي الذات أو لآجل المجتمع (أنني صائم). واحياناً كثيره نجد الذين يتدينون لاجل الناس او لاجل الذات ، كل همهم أن يأخذوا كرامه، بل في بعض الاحيان يتخذوا أشكال من الفضائل كالاتضاع، يأخذ شكل المتضع يحني رأسه ويحفظ بعض الالفاظ وما أسهل أن يضرب مطانيه ويقول أخطأت، ولكن يظهر حينما تمس ذاته. ذهبي الفم يقول:" أتضاع الجسد أمر سهل أما أتضاع الداخل هو الاصعب" حينما تتناقش معه تجده صلب معتد برأيه، متكبر في أفكاره، وأحياناً تُتلي المزامير ونأتي إلي الكنائس ولكن كل هذه الصور فقط لآجل الذات، بل هناك من يتوب لآنه كيف اسقط؟ يشعر ازاي أنا أقع ، الكاشف للقصه كلها سؤال السيد المسيح.. مستعد أن تترك لآجله؟؟ نقطه كاشفه جداً، هذا الشخص الذي جاء للمسيح، لو احد نظر إليه يقول: ما اروعه، حينما رآي المسيح ..اسرع، قلبه من الداخل متحمس، وسجد ياللتقوي، والسؤال الذي سأله للمسيح : ماذا افعل لآرث الحياه الابديه؟، اعطني الروشته، قل لي ماذا افعل واحد..اتنين.. ثلاثه، فنظر إليه المسيح نظره ثاقبه لداخله وقال له : بع اموالك، تقدر تتازل، ولكن ليس هذا هو الشئ الوحيد، لآن هناك الكثير من الاشخاص الذين باعوا، وكانت هذه الصوره مردوده للذات، لكن بيع وتعال اتبعني وشيل صليبك. ثلاثه نقط للوجود الفعلي والمشرق للمسيح في الداخل، أن يكون عندك استعداد أن تترك لآجله، والحقيقه في صراع الخطايا وفي صراع الذات تبقي هذه القضيه هي المهمه.. مستعد تترك لآجله، ليس أن تبيع وتأخذ..لا، ولكن تبيع ولا تأخذ. تقدم للفقراء ولكن بدون أن يكون لك كرامه المعطي، تصلي دون أن يراك أحد، تترك شهوات وخطايا بدون ماتقول عنك الناس هذا بار وطاهر ونقي، تبيع لاجله وليس لآجل نفسك، وأحياناً كتير يكون الله يحب الشخص.. نظر إليه واحبه، هو يراه من الداخل حلو ولكن ينقصه هذا حتي يصل لرؤيا حقيقيه للحياه الروحيه... ماذا اصنع لآرث؟ الفكره كلها أنت تريد ان تأخذ أم مستعد تترك؟ أحياناً كتيره نقول له مثلما في أش 52 :" صمنا فلم تنظر.. صلينا فلم تسمع" أحياناً يُطفي الانوار التي حولنا ويسألك موافق بالرغم من أنه ليس هناك كرامه ولا اضواء أنك تحبني؟؟ اذهب بيع، والبيع معناه أنك تقدم، لا تظن ابداً أن كل ساعه تقدمها في الصلاه ليست بيع، أنت بتترك لآجله، ونصل إلي ما هو أعلي أن تترك كل أموالك. النقطه الثانيه المهمه أن تتبعه، وتتبعه معناها عينك علي الطريق، عينك علي الوصيه، إنه دائماً أمام عينيك، لا يغيب عن ذهنك، مثلما قال أنبا أنطونيوس لاولاده :" فليكن لك في كل موقف شاهد من الكتاب المقدس". النقطه الثالثه: أن تحمل صليبك، أن تترك وتتبعه وتحمل صليبك، لو أنك تري المسيح أمامك تحت الصليب ستوافق بحب، يقول بولس الرسول:" الذي صلب العالم لي وأنا للعالم" ، مع المسيح أحيا لا انا، تسأل هل الحياه مع ربنا صعبه جداً إلي هذه الدرجه؟ أبداً، لو رأيت ماذا ستأخذ وآمنت به يهون عليك كل شئ، ماذا تضع أمام حياه أبديه؟، وماذا تضع أمام مجد السماء وأكاليل القديسين؟ . " الذي يغلب يجلس معي علي عرشي"، " تعالوا رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم"، من الذي يدعوهم؟ هم الذين تركوا وقدموا والذي آحب.يقول بولس الرسول:" خسرت كل الاشياء وأنا احسبها نفايه". شخص مثل الانبا أنطونيوس الذي ترك ثلاثمائه فدان، يثق أنه سيأخذ اكثر، إذا آمنت أن كل ما يُعرض عليك من الشيطان من مجد من شهوات من كرامه وتتركها لآجله، ستأخذ مكانها أكثر وأكثر، ستترك بدون تحسر، بنقدم وهو أمام أعيننا، تجسد وأخذ صوره عبد لآجلي، وحينما تراه مصلوباً أمامي يهون عليا كل صليب وتهون عليا كل الآلامات.لآلهنا كل مجد وكرامه غلي الآبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
23 سبتمبر 2021

عيد الصليب

تعيد الكنيسة بعيد الصليب على مناسبتين يوم 17 توت ويوم 10 برمهات. وإن كان الأخير هو يوم اكتشاف الصليب ولكن لأنه يقع في أيام الصوم الكبير فاتفقت الكنيسة أن يكون العيد الثاني هو ثاني يوم تدشين كنيسة القيامة وهو الموافق 17 توت. وإن كان الصليب يأخذ قوته من عمل الفداء ولكنه أيضاً أداة الحب، وأداة الصلح، وهو العرش الذي صعد إليه الملك ليأخذ ملكوته، وهو المذبح الذي قدم رئيس الكهنة ذاته ذبيحة عليه. ومن هنا جاءت قيمة الصليب في تاريخ البشرية وقد ظل مختفياً مدة كبيرة من الزمن حتى ملك قسطنطين بقوة الصليب الذي ظهر له، وكانت الملكة هيلانة التي لها اشتياقات قوية لبناء الكنائس وانتشار المسيحية في العالم كله، لذلك استخدمها السيد المسيح لاكتشاف خشبة الصليب فقد أرسل لها عن طريق رؤيا يخبرها أن تذهب إلى أورشليم لتبحث عن خشبة الصليب. وفي نفس الوقت كلم أسقف أورشليم الإمبراطور قسطنطين بأن الصليب الذي أعطاه قوة الانتصار مختفي ولا يعرف أحد أين هو. فجاءت الملكة هيلانة وكلمت ابنها في هذا الأمر وقد وجدت عنده نفس الطلب. فذهبت ولم تعرف كيف تعثر عليه فأخذت تسأل عن مكان الجلجثة القديم فوصلت إلى شخص عجوز يهودي يعرف مكان الجلجثة وبعد أن ضيقت عليه بسلطانها حتى تكلم وأخبرها عن مكان الجلجثة. وقد كان الإمبراطور هادريان قد بنى عليه معبد وثني كما قلنا سابقاً. ثم عرفت أن الصليب مدفون في مزبلة بجانب الجلجثة فحفرت حتى وجدت ثلاثة صلبان ولم تعرف كيف تجد صليب المسيح من الثلاثة صلبان لأن واحد منهم للسيد المسيح والاثنين الآخرين للصين. فكانت هناك جنازة وميت محمول فوضعت الميت على الثلاثة خشبات وحين لمس الميت خشبة الصليب الحقيقي قام من الأموات فعرفت أن هذا هو صليب ربنا يسوع المسيح. وقد ذكر الآباء هذه القصة في أكثر من مكان، فذكرها أيضاً القديس أمبروسيوس أسقف ميلان 395 م.، وذكرها أيضاً القديس يوحنا ذهبي الفم وقال: "منذ أن دفنت خشبة الصليب لم يوجد من يعتني بها بسبب الخوف المحيط بالمؤمنين واهتماماتهم بما هو أكثر ضرورة ولكن لم يكن مكانه مجهولاً". ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: "بعد مرور خمسة وعشرون عاماً على الصليب صار الصليب في العالم كله افتخار لكل الكنائس". ويقصد هنا قوة الصليب. ويقول أيضاً: "لقد صلب المسيح حقاً ونحن لا يمكننا أن ننكر هذا لأننا مجتمعون الآن أمام خشبة الصليب". وهذا يؤكد على أن أيامه كانت خشبة الصليب قائمة في أورشليم. وقد كان لخشبة الصليب قصة أخرى تاريخية هامة جداً. ففي القرن السابع، أثناء حكم الإمبراطور هرقل اجتاح الفرس بلدان الشرق ومنها أورشليم، وكان هناك أمير فارسي يكره المسيحية فدخل إلى كنيسة القيامة ورأى خشبة الصليب وكانت موضوعة في برواز فضة وعلى قاعدة من ذهب فحاول أن يمسك بخشبة الصليب فاحترقت يداه وكان واقف بالكنيسة شماس فقال له:  "لقد احترقت يداك لأنك غير مسيحي".  فقال له الأمير: "إذن احمله أنت وتعالى معي". وأخذ الشماس والصليب وسافر إلى بلاد الفرس وأخفى الصليب وقتل الشماس. وكان الجيش الفارسي قد سبي من أورشليم كهنة وعائلاتهم ومنها ابنة كاهن كانت عيناها معلقتان على الصليب ورأت ما حدث. وتمر السنوات ويعود هرقل وينتصر على الفرس، وأخذ الإمبراطور يبحث عن خشبة الصليب في كل مكان إلى أن جاءت إليه ابنة الكاهن التي كانت ترى الصليب وما فعله الشماس وقالت: "أن الأمير حفر في حديقة قصره وأخفى الصليب وقتل الشماس". وفعلاً وجد هرقل الصليب وأعاده إلى القسطنطينية بإكرام كبير وعمل احتفالاً له في العاشر من برمهات أيضاً. والذين لا يفهموا معنى الصليب ولا يعرفوا قوته وعمله يقولون لنا أنتم تعبدون أداة تعذيب إلهكم، كيف تكرمون آلات التعذيب؟ ولهؤلاء نقول لقد كان الصليب قبل المسيح أداة للتعذيب والموت والعقوبة ولكنه صار وسيلة خلاص العالم كله من إبليس وبه رفع حكم الموت، وأيضاً به تم عمل المصالحة بين الأرض والسماء، وبيننا وبين إلهنا المحبوب الذي اقتنانا إلهنا بدمه من خلاله وصرنا أحباء وأبناء. وقد كان الصليب أقسي أنواع العقوبة قديماً لهذا قد صار أقوى صور الحب لأن مسيحنا احتمل أقسى أنواع العقوبة على الأرض لأجلنا. وقد اختار السيد المسيح الصليب لثلاثة أشياء أولاً: كان الصليب في فكر العهد القديم هو لعنة "وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت، فقتل وعلقته على خشبة، فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المُعلق ملعون من اللـه" (تث 21: 22، 23) وهو قد جاء ليحمل خطايانا ولعناتنا كما قال معلمنا بولس الرسول: "إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: "ملعون كل من علق على خشبة" (غلا 3: 13)، فهو قد جاء لكي يحمل خطايانا ويقدم ذاته عوضاً لنا. ثانياً: ذبيحة الصليب هي الذبيحة الوحيدة التي يرى العالم كله من ينفذ هذا الحكم علناً ويرى الجميع أنه قد تم فيه حقاً حكم الموت. فهو حكم بالموت البطيء والذي يصلب يدفع ثمناً غالياً لأنه يموت بألم شديد. وهذا هو علامة الحب لأجلنا. ثالثاً: الصليب معلق بين الأرض والسماء ليكون هو السلم الذي به يصعد الأرضين نحو السماء كما أن المصلوب أيضاً يفتح أحضانه إلى أن يموت. وهذه الصورة هي أقوى صورة للحب ذبيحة تفتح أحضانها وتقدم بين الأرض والسماء. ولكن كان العهد القديم أيضاً يعطي إشارات بأن صورة الصليب هي صورة البركة أيضاً. فالصليب نفسه عقوبة اللعنة ولكن عمل الصليب هو البركة والقوة والمجد. فنرى موسى النبي يقف يصلي ويفتح يديه مثل علامة الصليب في حرب الشعب مع عماليق وينتصر الشعب طالما صورة الصليب قائمة أمام اللـه وينهزم حينما يغيب الصليب. وفي قصة ذبح اسحق نرى إبراهيم يضع حطب المحرقة على كتف ابنه ليحملها وهو صاعد ليقدمه ذبيحة كما حمل المسيح خشبة الصليب ليقدم ذاته ذبيحة. وفي عبور الشعب من مصر إلى أرض الموعد ورمز الملكوت أرسل الرب ضربة موت الأبكار لم ينقذ الشعب إلا دم خروف الفصح ووضع الدم على العتبة العليا والقائمتين لتكون علامة الصليب هي علامة الخلاص والتي تنجي من الموت. وكان خروف الفصح نفسه يقدم على سيخين متعارضين أي على شكل صليب ويقول المزمور: "الرب قد ملك على خشبة" (مز 95) وهي من النبوات العجيبة لأن في الفكر اليهودي عرش اللـه له صورة حسب رؤيا إشعياء وحزقيال بالمجد والكرامة والبهاء ولكنه يقول إنه يملك على خشبة. وقد تحققت هذه النبوة العجيبة بالصليب إذ ملك المسيح الإله المتجسد على خشبة الصليب، وصار ملكاً لكل النفوس التي أمنت واتحدت به. ولعل هناك من يشكك في موت المسيح على الصليب. وكان أول هؤلاء الفلاسفة الغنوسيين الذين صاروا مسيحيين فهم حسب فلسفتهم السابقة للمسيحية كانوا يحتقرون المادة وعلموا بفكرهم أن المعرفة تخلص. فرفضوا التجسد الإلهي ورفضوا الخلاص بالصليب. فقالوا إن سمعان القيرواني حين حمل الصليب بدلاً من السيد المسيح في الطريق وضع اللـه شبه المسيح عليه فقادوه ليصلب بينما المسيح صعد إلى السماوات أي أن المصلوب شبه لهم به والذي وضع الشبه على سمعان القيرواني هو اللـه لينجي المسيح نفسه. ولا أدري كيف لإنسان عنده عقل أن يؤمن بهذا الفكر الساذج وكيف لأحد أن يقتنع بهذه القصة الهزلية للأسباب الآتية: أولاً: الصليب نفسه هو عملية فداء من المسيح للبشرية كلها فكيف يقبل أن يصلب أخر نيابة عنه هو؟ ثانياً: أي شخص أخر يصلب بدلاً عنه تسقط فكرة الفداء والذبيحة الخلاصية وبالتالي سقط معها فكرة عمل اللـه لخلاص البشرية كلها بالتجسد ومعها أيضاً يكون كل التدبير الإلهي للخلاص بلا معنى والمسيحية نفسها بلا معنى. ثالثاً: وماذا عن النبوات التي تقول بأنه هو المخلص وخاصة ما قاله إشعياء النبي: "إن جعل نفسه ذبيحة إثم" (إش 53: 10)، والمزامير التي تتكلم عن الصلب مثل: "ثقبوا يدي ورجلي" (مز 22: 16) رابعاً: ولماذا هذه القصة الغريبة؟ فإذا كان الهدف هو ألا يصلب المسيح فكان يمكن أن يصعد المسيح إلى السماء دون أن يضع شبهه على آخر يصلبه. خامساً: وماذا عن كلمات المسيح عن نفسه أنه سيتألم ويصلب؟ وماذا عن قيامته؟ وماذا عن كلمات الرسل عن الصليب؟ وماذا عن المسيحية نفسها وقوة عمل المسيح فيها بالصليب؟ سادساً: وماذا عن التواتر والذين شهدوا بهذه القصة من اليهود والرومان قبل المسيحيين أنفسهم يقول مؤرخ روماني اسمه "تاسيثوس" عاش من عام (56 – 120 م.) في كتاب اسمه "الحوليات" عن حريق روما: "يقول نيرون أن المسيحيون هم المتسببون في حريق روما، والمسيحيون هؤلاء أخذوا الاسم من واحد حكم عليه بيلاطس بالموت صلباً". ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي المعاصر لأحداث الخلاص: "المسيح هو شخص حكم عليه بيلاطس البنطي بالصلب". وفيلسوف أخر اسمه "لوسيان" من أشهر فلاسفة الوثنية عام 100 م.: "المسيحيون لا يزالون إلى الآن يعبدون ذلك الرجل العظيم الذي صلب في فلسطين ويؤمنون أنه يدخلهم الجنة". ويقول فيلسوف أبيقوري اسمه "كلسوس" وهو يتهكم على المسيحية عام 170 م. في كتابه "البحث عن الحقيقة": "أولئك صلبوا إلهكم". وكُتب في أحد نصوص التلمود: "في ليلة عيد الفصح علق يسوع الناصري على الصليب". ولدينا الآن الكفن المقدس الذي عكف مئات العلماء بالتقنية الحديثة ببحث دقيق ليخرجوا للعالم أسرار عملية الصليب والقيامة ليكون شاهداً في زماننا أمام هؤلاء المشككين والملحدين. ونعود إلى أحضان كنيستنا ومسيحيتنا لنرى الرسل يخبرونا بقوة وعمل الصليب ويقول معلمنا بولس الرسول: "لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً: لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة!" (1 كو 1: 23)، ويقول: "مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ" (غلا 2: 20)، ويخبرنا المسيح نفسه عن صلبه وقيامته كثيراً حتى بعد قيامته في حديثه مع تلميذي عمواس. وظل الآباء يكتبوا عن عمل الصليب منذ الكرازة الأولى للمسيحية حتى الآن فيقول مار أغناطيوس عام 107 م. في رسالته إلى سميرنا: "لقد تألم المسيح من أجلنا ليخلصنا". وفي رسالته إلى أفسس: "يسوع المسيح هو الذي صلب لأجلنا". ويقول القديس بوليكاربوس عام 155 م. في رسالته إلى فيلبي: "كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو ضد المسيح. ومن لا يعترف بشهادة الصليب فهو من إبليس، ومن ينكر القيامة هو من الشيطان". والكنيسة في طقسها الرائع في عيد الصليب تعمل دورة الصليب، يدور الكاهن والشمامسة في الكنيسة ليعلنوا ملكوت المسيح بالصليب فيقفوا عند المذبح والأيقونات والأبواب ويتلون الألحان وفصول الكتاب المقدس التي تعلن عن ملكوت اللـه الذي فيه الخلاص والقديسين بالصليب. ولعل هناك أيضاً من يسمون أنفسهم مسيحيون ولكنهم لا يرسمون الصليب لأنه لا توجد آية في الكتاب المقدس تقول إن نرشم الصليب، ولهؤلاء نقول أن الصليب هو حياة القوة عند القديسين فهو قوة اختبار وحياة دائمة لكل من آمن بالمسيح. وكانت علامة الصليب هي قوة عبر العصور. فيقول القديس باسيليوس: "الرسل سلمونا أن نرشم الصليب ونقول باسم الآب والابن والروح القدس". ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: "الصليب ختمنا الذي نضعه بشجاعة على جبهتنا بأصابعنا ونرشمه على كل شيء". ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "صارت علامة الصليب ترسم على ملابس الملوك وتيجانهم، وترسم في الصلوات على المائدة المقدسة ليرتفع الصليب بكل قوة في كل مكان". ويقول البابا أثناسيوس: "بالصليب يستطيع الإنسان أن يطرد كل خداعات الشياطين". ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "الشيطان يفزع من الصليب لأنه يرى السلاح الذي به جرح والسيف الذي تلقى به الضربة المميتة". أحبائي اليوم عيد الصليب يقول البابا أثناسيوس: "أنه تذكار الانتصار فوق الموت والفساد". لذلك أفرح يا عزيزي لأن مسيحك الذي أحبك أعطاك اليوم قوة لا يمكن للعالم أن يغلبها. فأنت قوي بالصليب ولابد أن تشعر بوجودك الشخصي اليوم مع المسيح في الصليب. في لوحة شهيرة رسمها الفنان "رمبرانت" عن الصليب رسم فيها السيد المسيح مصلوباً ورسم حوله جموع كثيرة كانت حاضرة منهم من كان مشتركاً في صلبه ومنهم من كان حاضراً ويبكي. ولكن الغريب أن الفنان رسم نفسه أيضاً وسط هذه الجموع. القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل