المقالات

16 مايو 2022

قومي استنيري...

«قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ» (إش60: 1)كان خروج بني إسرائيل من أرض مصر، وتحررهم من عبودية فرعون، إشارة إلى تحررنا من عبودية الشيطان بصليب السيد المسيح وقيامته.كما كانت عودة اليهود من السبي، رمزًا للقيامة من الموت. فالسبعين عامًا التي قضوها في مذلة السبي، ترمز إلى ظلمة القبر، وبالعودة من السبي تمتعوا بنور الحياة والحرية. أمّا أورشليم الجديدة، فقد تمتعت بما هو أعظم من حرية العودة من السبي. فبالقيامة فُتِح لنا الطريق للحياة الأبدية، باتحادنا بالسيد المسيح الذي هو القيامة والحياة (يو11: 25). كذلك كانت شريعة تطهير الأبرص رمزًا للقيامة (لا14: 4 -76)، فالشفاء والتطهير مصدر للفرح والاستنارة.الله هو النور الحقيقيّ الأزلي (يو1: 9؛ 8: 12)، باتحادنا به نلنا قبسًا من هذا النور، بل وأصبحنا نحن نورًا للعالم (مت5: 14)، من قِبَل الاستنارة التي حصلنا عليها كنعمة وبركة من بركات القيامة «لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا» (مز36: 9). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة فصحية: [الآن أضاءت علينا إشعاعات من نور المسيح المقدس، وأشرقت علينا أضواء صافية من الروح القدس وانفتحت علينا كنوز سماوية من المجد. لقد اُبتُلِع الليل الكثيف الحالك وانقشع الظلام الدامس، واختفى ظل الموت الكئيب... إنه الفصح العجيب، إبداع فضيلة الله وفعل قوته] (رسائل آباء الكنيسة4: 29). إن ما نعنيه بالاستنارة يختلف عن إعمال العقل، فالاستنارة من عطايا القيامة لنا. يقول القديس مقاريوس المصريّ: [الذي عنده استنارة، هو أعظم من الذي له عقل ومعرفة، لأن الإنسان المستنير قد نال عقله استنارة أكثر من الإنسان الذي له معرفة فقط] (عظة 7: 5).إن القيامة هي حجر الزاوية في الإيمان المسيحي «وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ» (1كو15: 14)، فقد كانت الكنيسة الأولى تعيش بالفعل حالة يقين الإيمان بالقيامة، ليس فقط كمبدأ إيمانيّ أو مجرد عقيدة لاهوتية، لكنها كانت تعيش في حالة قوة القيامة كحقيقة مُعاشة. بقيامة السيد المسيح من الأموات، وتحطيمه لمملكة الشيطان، وهبنا حياة جديدة لن يغلبها الموت، بل وجعل من الموت جسرًا للحياة. لذا يدعونا القديس بولس الرسول أن نعيش القيامة «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ بين الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أف5: 14). إن المسيح القائم هو الطريق والمصدر الوحيد للاستنارة، إن الليتورجية الكنسية تجسد لنا ذلك، حينما تُطفَأ الأنوار، وتُصلّى "تمثيلية القيامة"، ويعقبها إنارة الكنيسة بالشموع، التي تًضاء جميعها من على المذبح من الشمعدانين المحيطين بالدفنة، أي أن مصدر استنارتنا مُستمَّد من المسيح القائم. وكما كان الطريق إلى القيامة هو الصليب، الذي عن طريقه ذاق السيد المسيح الموت بالجسد. هكذا السبيل للتمتع باستنارة القيامة، بعدما مشاركة رحلة الآلام والقيامة، عن طريق التمتع بالتمتع بالأسرار الكنسية: «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا اقِمْتُمْ ايْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي اقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (كو2: 12)، وبذلك صرنا خليقة جديدة (2كو5: 17) نلنا فيها استنارة سمائية جديدة. علينا أن نكمل في طريق الإماته لكي نحصل على نور القيامة عن طريق رفض العالم (لو14: 33)، ونكران النفس (لو9: 23)، والانفصال عن الخطيئة (كو3: 5). إننا لا نأخذ الاستنارة بصورة كاملة مرة واحدة، أو يحصل عليها الجميع بقدر متساوٍ، بل بقدر ما يجاهد الإنسان في حياة التوبة والنقاوة، بقدر ما تفتقد النعمة الإنسان، وذلك لكي تمتحن قصد الإنسان لترى مدى حفظه للمحبة الإلهية. لذلك نرتل في توزيع الخماسين المقدسة، كدعوة للإستنارة، قائلين: "أضيئي واستنيري يا أورشليم، لأنه قد جاء نوركِ. لأن ربنا يسوع المسيح، الحمل الحقيقي، قام من بين الأموات" (لحن كل الصفوف: 3). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
19 أغسطس 2020

«وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ» (مت17: 2)

ونحن نحتفل بعيد التجلي، يكشف لنا المسيح إلهنا عن طبيعة الله، الطبيعة النورانيّة المطلقة، فيقول القديس يوحنا: «إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ» (1يو1: 5)، ويترنم داود النبي، قائلًا: «اللاَّبِسُ النُّورَ كَثَوْبٍ» (مز104: 2). وقال أيضًا: «لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ شَمْسٌ وَمِجَنٌّ» (مز84: 11). ونصلي في ثيؤطوكية يوم الأثنين: [الله هو نور وساكن فى النور تسبحه ملائكة النور]. وهذا النور هو النور غير المخلوق.ويقول معلمنا القديس بولس الرسول، عن الله: «سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ» (1تي6: 16). يشرح القديس يوحنا ذهبيّ الفم هذه الآية، قائلًا: [أعر انتباهك دقة أسلوب القديس بولس، فهو لم يقل: "الذي هو نور لا يُدنى منه"، بل قال: "مسكنه نور لا يُدنى منه". هذا كي تتعلم أنه إذا كان مسكنه لا يُدنى منه، فإن الله الذي يقيم في هذا المسكن، هو أيضًا كذلك، بل وأكثر كثيرًا ... وهو لم يقل: "الذي يسكن نورًا لا يُدرك"، ولكن: "لا يُدنى منه"، وهذا أقوى بكثير. إذ يُقال عن أمر إنه لا يُدرك عندما لا يتوصل الذين يدرسونه إلى إدراكه، بالرغم من بحوثهم وتنقيباتهم. أما الذي لا يُدنى منه، فهو ما يتوارى منذ أول وهلة عن كل تنقيب، ولا يمكن لأحد أن يدنو منه] (الله لا يمكن إدراكه، عظة3). ولكون السيد المسيح هو الإله المتجسد، فله الطبيعة الإلهيّة النورانيّة كاملة، متحدة بطبيعة بشريّة كاملة. فهو إله كامل وإنسان كامل في طبيعة واحدة وأقنوم واحد. وهو بهاء مجد الله «الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عب1: 3). ويعلن عن ذاته قائلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ» (يو8: 12). فعلى جبل التجلي أظهر حقيقة جوهره المحتجب في الناسوت، ولم يستمد شيئًا من خارجه.النور رمزٌ طبيعيّ لكل ما هو إيجابيّ، من العدل والحق والصلاح والخير، وهو يشير أيضًا إلى الفرح والسرور والابتهاج. فالنور تعبير مجازي يرمز إلى البر، فجاء في سفر الأمثال: بأنه «أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ» (أم4: 18). والنور يشير إلى حياة الطهارة. وقد استخدم المسيح إلهنا النور كصورة للأعمال الحسنة: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ» (مت5: 16). فجوهر الله نور، فهو كلي القداسة. ومن طبيعة الله النورانيّة يستمد أبناؤه النور، ينالون قبسًا من هذا النور بحلول روح الله فيهم، يقول العلاَّمة أوريجانوس: [حقًا إن اللَّه هو النور الذي يضيء أفهام القادرين على تقبل الحق، كما قيل في المزمور 36 "بنورك نعاين النور". أيّ نور به نعاين النور، سوي اللَّه الذي يضيء الإنسان فيجعله يرى الحق في كل شيء، ويأتي به إلى معرفة اللَّه ذاته الذي يدعى "الحق". فبقوله "بنورك يا رب نعاين النور" يعني أنه بكلمتك وحكمتك أي بابنك نرى فيه الآب]. فعمل الله فينا ينقلنا، وينْقَذَنَا «مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا الَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ» (كو1: 13). فدعوة الله لنا، دعوة إلى النور «دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ» (1بط2: 9). فإن لم يكن لنا النور، فنحن لا نعرف الله. الذين يعرفون الله ويسلكون معه، هم من النور ويسلكون في النور. وقد صاروا مشاركين صفات الطبيعة الإلهية (بصورة نسبية) «هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ» (2بط1: 4). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
09 ديسمبر 2019

ضرورة التجسد الإلهيّ

بمناسبة صوم الميلاد، الذي نحتفل فيه بتجسد الكلمة في أحشاء العذراء القديسة مريم، يتساءل البعض: ألم تكن هناك وسيلة أخرى للخلاص؟ غاية التجسد الإلهيّ هو فداء الإنسان. فالله محب البشر دبّر خلاص الإنسان، والخلاص بدون موت أمرٌ ضد طبيعة الله:- الله له السلطان المطلق والقوة المطلقة، فلماذا لم يخلص الإنسان بقوته، بدون التجسد؟!!إن الله يليق به العدل والحق، آدم عندما أخطأ، وخالف الوصية، فعل ذلك بمحض إرادته الحره، فوجود الوصية: «وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلًا: مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا. وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا» (تك2: 16، 17). ووجود عقاب «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوت»، دليل على الحرية، فحرية الإرادة التي منحها الله للإنسان، تجعل طبيعته قابلة للقداسة، وقابلة أيضًا للخطأ. يقول القديس مقاريوس الكبير: [إنك سيد نفسك، فإذا اخترت أن تهلك فطبيعتك تقبل التغير. وإذا اخترت أن تجدف أو أن تخلط سمومًا لكي تقتل إنسانًا ما، فلن يمنعك أو يعوقك أحد. فإذا أراد الإنسان، يمكنه أن يخضع لله ويسير في طريق البر ويضبط شهواته. فإن عقلنا هذا هو قوة متوازنة وقد أُعطيت له القدرة أن يخضع حركات وشهوات الخطية المخجلة] (عظات القديس مقاريوس15: 23). فكيف لله العادل أن يعاقب الإنسان على أمرٍ كان مجبرًا عليه؟!! فإذا رد اللهُ الإنسانَ، وخلصه بسلطانه وقوته، دون موت، يكون بذلك قد خرج من العدل. - ألم تكن توبة الإنسان كافية للخلاص؟! خطيئة آدم أحدثت فسادًا في الجنس البشريّ، يقول معلمنا القديس بولس الرسول: «وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا» (أف2: 3)، فخطيئة آدم لم تكن خاصة به كشخص، فالبشرية كانت في صلب آدم حينما أخطأ، لذلك «بإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رو5: 12). يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [لا تَقْدِر التوبة أن تُغَيِّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعه من أعمال الخطيئة. فلو كان تَعِدِّي الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الآن بعد أن حدث التَعَدِّي، فقد تورّط البشر في ذلك الفساد الذى كان هو طبيعتهم ونُزِعَتْ منهم نعمة مُمَاثَلَة صورة الله. فما هى الخطوة التى يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَن ذا الذي يستطيع أن يُعيد للإنسان تلك النعمة ويَرُدّه إلى حالته الأولى إلاَّ كلمة الله الذي خَلَقَ في البدء ـ كل شئ من العدم؟] (تجسد الكلمة7: 3، 4). لماذا تجسد الكلمة، ولم يترك الإنسان يموت؟ معنى أن الله يترك الإنسان يموت، وفقًا لنتيجة فعله ووجود عقاب هو عدل إلهيّ، ولكن صفات الله لا تتجزّأ، فالله عادل ورحيم في آنٍ واحد. وأيضًا إذا مات الإنسان فكأن الشيطان قد انتصر على الله، الذى خلق خليقة ولم يستطع أن يحميها. فحكم الموت يعني موت الإنسان موتًا أبديًا، وليس فقط موت الجسد. يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: [طالما طال الفساد الخليقة العاقلة، وكانت صنعة الله في طريقها إلى الفناء، فما الذى كان يجب على الله الصالح أن يفعله؟ أيترك الفساد يسيطر على البشر، والموت يسود عليهم؟ وما المنفعة إذًا من خلقتهم منذ البدء؟ لأنه كان أفضل بالحري ألاَّ يُخلقوا بالمرة من أن يُخلقوا وبعد ذلك يُهملوا ويفنوا. فلو أن الله قد أهمل ولم يبالِ بهلاك صنعته، لأظهر إهماله هذا ضعفه وليس صلاحه ... كان يجب إذًا أن لا يُترك البشر لينقادوا للفساد، لأن هذا يُعتبر عملًا غير لائق ويتعارض مع صلاح الله] (تجسد الكلمة6: 7، 8، 10). وان لم يمت الانسان يكون الله رحيمًا بغير عدل...اذ قد تساوى عنده وضع الإنسان وهو مخطئ .. كما ان الله سيكون حينئذ غير صادق لأنه قال للإنسان "موتا تموت"، وحاشا لله ان يكون غير عادل أو غير صادق... فما الحل اذًا والإنسان قد داس الوصية وأصبح مستوجبًا للموت؟ لذلك لكي تتحقق صفتا العدل والرحمة في الله، تجسد وأعدّ فداء الإنسان. القمص بنيامين المحرقي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل