المقالات

18 يونيو 2019

الخادم إنجيل معاش

" فقط عيشوا كما يحق لانجيل المسيح " (فيليبي 27:1) المسيحية تلمذة، والسيد المسيح لم يسلم تلاميذه كتاباً، ولكنهم تتلمذوا عليه وتلامسوا معه " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه و لمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1يو 1:1) وبعد أن تلمذهم أرسلهم ليتلمذوا الآخرين بدورهم "فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس " (متى 19:28). كان سلوك السيد المسيح بينهم هو أقوى شرح للتعليم عن الفضيلة، ولذلك فإن سلوك الخادم سيكون له التأثير الأول على من يخدمهم، اكثر من الكلام وحلاوة التعبير والذى يمكن أن يتحول عند شخص ما إلى ما يقرب من المهنة .. أو الصناعة (حسن الكلام أو مهنة الكلام). الخادم يجب أن يكون إنجيلي من جهة القلب والقالب، فهو مُطلع بشكل جيد على الكتاب المقدس، ويحفظ منه الكثير ويعضّد تعليمه وإرشاده بالآيات، وُيحسن استخدام الآيات فى تقنين الأفكار والمبادئ التى يسلمها لمخدوميه, وفى الوقت ذاته يتحول فيه الإنجيل إلى حياة، فتأتى حياته وسلوكه كثمرة تفاعل شخصه مع الوصية، أو هو كما يقول قداسة البابا شنودة أنه على الخادم أن يكون وسيلة إيضاح للفضائل، وكذلك إنجيلا مشروحاً للمخدومين .. إن الخادم ليس شخصاً عارضاً لبضاعة أو "ريكوردار" وليس خزانة معلومات وليس "بياع كلام" ولكنه شخص تحول بالوصية من الخبر إلى الخبرة ومن التعليم إلى التسليم. وفى الأدب الرهبانى نقرأ عن شخص زار أب كبير لسمع منه كلمة منفعة، ولكن الأب أمسك عن الحديث معه .. فلما سأله البعض، قال: " يعلم الله إنى لم أمسك نفسى عنه إلاّ لكونه بياع كلام يؤثر أن يتمجد بأقوال الآخرين !!" وفى انشودة المحبة التى كتبها القديس بولس يقول أن المحبة تتأنى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ .. الخ .. (1كو 13: 4) ولعله كان من المنطقى أن يقول أن المُحبّ يتأنى ويرفق .. الخ ولكنه تكلم عن المحب باعتباره محبة !!.. أليس حسنا أن يدعى الله نفسه محبة " ونحن قد عرفنا و صدقنا المحبة التي لله فينا الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يو16:4 ) محبة تجسدت فى تجسده وفداءه. هكذا الخادم إذا تكلم عن الاتضاع فهو متضع .. وإذا تكلم عن المحبة فهو مُحبّ ..إنه ليس واعظاً بقدر ماهو عظة .. وليس صاحب رسالة بقدر ماهو رسالة مقرؤة من الآخرين، وهو أيضا إنجيل معاش وبشارة مفرحة. هناك شخصيات في حياتنا ُتمثل لنا المسيحية المفرحة والعبادة المبهجة، والمسيح المعزيّ، ويكفى أن ترى شخصاً من هذا النوع. ويكفى أن يقول أى شئ .. يكفى أن فلان الذى قاله .. فكم وكم إذا كان شخصاً كتابياً، وإذا تكلم فلن يقول أى شئ بل "قاعدة الكلام كتابية والكلمة مشروحة فيه هو". لذلك فإن من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً (متى 19:5)، وقديماً كانوا يكتبون فى تقريظ الكتب ُمقدمين الكاتب بقولهم " الأب العامل العالم ". وهذا هو الفرق بين الفلاسفة والسيد المسيح .. فكثير منهم رغم ماقدموه من نظريات وأفكار عاشوا تعساء وأنهى بعضهم حياته بطريقة مأساوية إن الخادم هو شخص كاشف ومعلم صادق لكلمة الله وقوتها وفاعليتها من خلال حياته بكلمة الله كلام الله يؤيد كلامه، وكلامه وسلوكه يؤكدان أن الوصية حق وحيّة ويمكن الحياة بها فى كل الظروف إن الخادم هو انجيل مسموع وإنجيل مقروء وانجيل معاش. " فقط عيشوا كما يحق لانجيل المسيح " ( فى 27:1). نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
17 يوليو 2018

الرعاية

انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يوحنا 10: 11)" من أجمل الصور التي استخدمها الله ليصف بها علاقته بشعبه، صورة الراعي والحملان، ليس فقط لأن منطقة اليهودية كانت منطقة رعي أكثر من كونها منطقة زراعة، بل لأن ما ينطبق على الراعي الصالح ينطبق على صفات السيد المسيح بخصوص عنايته بنا. فالراعي الصالح باذل ومحب وساهر على رعيته ويقدم ذاته عنها، والخراف مطيعة .. واثقة .. بسيطة مرتبطة براعيها أكثر من تعلقها بالطعام، فإذا تحرك الراعي تبعته على الفور وهو في الوقت ذاته لا يتحرك من الموضع إلاّ إذا شبعت خرافه. وفي هذا الإطار هناك مستويات أربعة للمسئول: 1- راعي صالح (يبذل نفسه عن الخراف). 2- أجير (لا يبالي بالخراف). 3- سارق (يذبح ويهلك). 4- ذئب (شيطان). الذئب هو الشيطان الذي يوعز إلى السارق ويحركه لكي يذبح ويهلك، أما السارق فهو الذي وقع تحت تأثير الشيطان (الذئب) وأصبح وجوده خطراً على الخراف (الرعية) وأما الأجير فهو لا يهتم إلا بأجره وفي سبيل الحصول على الأجر قد يهمل الرعية و قد يُسئ إليها، أما الراعي الصالح فهو الذي يبذل نفسه عن الخراف، وقد يصل به البذل إلى حد الموت عنها، يتصدى لأعدائها ويتلقى الضربات عنها. وقديماً كان وصف "الراعي الصالح" يُطلق على الراعي الذي لم تُفقد له غنمة ولم يتعدى على أرض راعٍ آخر. هذه الشرائح الأربع نجدها في البيوت وفي الوظائف وفي دور التعليم والخدمة ، فهناك أب مصدر خطر على أولاده أو أجير يهتم بأولاده لكي يُنسب نجاحهم إليه، أو ذاك الذي يُنجب كثيراً ليتحول أولاده إلى قوة عاملة. وفي الوظيفة قد يسرق أو يختلس أو يُضر بمصالح الجمهور فهو "سارق ولص" وقد يكون أجيراً لا يهمه أكثر من التواجد المستمر للحصول على راتبه كاملاً مقابل مجهود لا يُذكر وهو في هذه الحالة لا يعنيه في شئ أن يحصل المواطنون على احتياجاتهم أم لا. والأصعب من ذلك أن يكون ذئباً يُحيك المؤامرات ويدفع الآخرين إلى الشر والفساد. أما إن كان راع صالح فهو ُيؤثر راحة زُملاؤه على راحته ومصالح الجمهور على مصالحه هو، وأن تنجح المؤسسة وله في ذلك الفخر. وفي الخدمة قد يتسبب خادم في عثرة الآخرين وقد يحمل البعض على ترك الكنيسة وهو بذلك ذئب وقد يكون أجيراً يأخذ من الخدمه كرامهً وتتضخم ذاته بسببها، وقد يكون سارقاً يسرق مجد الله ويبحث عن مجده هو وكرامته هو. وقد يكون راعٍ صالح يسكب ذاته سكيباً من أجل المخدومين. نيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص
المزيد
24 يوليو 2018

الخادم والمخدوم

بعض الخدام يقتطعون لأنفسهم الصلاحيات والسلطات, على حساب المخدومين المساكين بالطبع.. ويصبح لهم بسبب المخدومين مكانة ومكان.. ومع الوقت تصير مسئولية الخدمة هى أهم المسئوليات قاطبة فى حياتهم, ولكن ليس على أساس البذل والتفاني وإنما على أساس البحث عن الذات وارضاؤها.. أولئك الخدام ينسون أن المخدومين هم الذين أعطوهم هذه الكرامة .. وأنه بدونهم لن يحصلوا عليها, ومع ذلك قد يسيئون معاملة المخدومين ويتحكمون فيهم تحت ستار محبتهم لهم والخوف عليهم، كما يستخدمون - بشكل فيه مغالطة – الآية: "أمينة هى جروح المحب وغاشة هى قبلات العدو", ودليل عدم الصدق مع النفس فى هذا الاستخدام: أنهم هم أنفسهم لا يتقبلون ذلك من المسئولين عنهم من أمناء الخدمة أو الكهنة.. المخدوم يأتى ترتيبه فى الأهمية "الأول" فلأجله ُاقيم الأساقفة والكهنة وتعين الخدام والخادمات.. وكل هذه المنظومة تعمل معأ لأجل المخدوم, الكل فى خدمته. ومن الطبيعى أن يخطيء المخدوم فى حين أنه من الضرورى أن يحتمله الخادم ويستوعبه ويشفق عليه, لا أن يعاقبه ثأرًَا للنفس ولكرامته الشخصية.. هذا النوع من الخدام إذا أُعفى من الخدمة – ولو لبعض الوقت – ريثما يختلى بنفسه ويراجعها– قد يعتبر ذلك نوعاً من العقاب فتصغر نفسه ويحزن لأنه قد قطعت عنه مصادر الكرامة.. فالكرامة التى تأتيه من العمل أو الاصدقاء لا تساوى شيئاً أمام تلك التى اقتنصها لنفسه من تواجده فى الكنيسة.. يحتاج الخادم بين الحين والحين إلى مراجعة نفسه ليعرف ما إذا كان باذلاً منسحقاً فى الخدمة, يطلب مجد الله لا مجد نفسه.. فقد تقدم للخدمة وهو مستعد ليضع ذاته تحت اقدام الكل.. نيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص
المزيد
03 يوليو 2018

الخادم انجيل مُعاش

" فقط عيشوا كما يحق لانجيل المسيح " (فيليبي 27:1) المسيحية تلمذة، والسيد المسيح لم يسلم تلاميذه كتاباً، ولكنهم تتلمذوا عليه وتلامسوا معه " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه و لمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1يو 1:1) وبعد أن تلمذهم أرسلهم ليتلمذوا الآخرين بدورهم "فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس " (متى 19:28). كان سلوك السيد المسيح بينهم هو أقوى شرح للتعليم عن الفضيلة، ولذلك فإن سلوك الخادم سيكون له التأثير الأول على من يخدمهم، اكثر من الكلام وحلاوة التعبير والذى يمكن أن يتحول عند شخص ما إلى ما يقرب من المهنة .. أو الصناعة (حسن الكلام أو مهنة الكلام). الخادم يجب أن يكون إنجيلي من جهة القلب والقالب، فهو مطلع بشكل جيد على الكتاب المقدس، ويحفظ منه الكثير ويعضّد تعليمه وإرشاده بالآيات، وُيحسن استخدام الآيات فى تقنين الأفكار والمبادئ التى يسلمها لمخدوميه, وفى الوقت ذاته يتحول فيه الإنجيل إلى حياة، فتأتى حياته وسلوكه كثمرة تفاعل شخصه مع الوصية، أو هو كما يقول قداسة البابا شنودة أنه على الخادم أن يكون وسيلة إيضاح للفضائل، وكذلك إنجيلا مشروحاً للمخدومين إن الخادم ليس شخصاً عارضاً لبضاعة أو "ريكوردار" وليس خزانة معلومات وليس "بياع كلام" ولكنه شخص تحول بالوصية من الخبر إلى الخبرة ومن التعليم إلى التسليم. وفى الأدب الرهبانى نقرأ عن شخص زار أب كبير لسمع منه كلمة منفعة، ولكن الأب أمسك عن الحديث معه .. فلما سأله البعض، قال: " يعلم الله إنى لم ُأمسك نفسى عنه إلاّ لكونه بياع كلام ُيؤثر أن يتمجد بأقوال الآخرين !!" وفى انشودة المحبة التى كتبها القديس بولس يقول أن المحبة تتأنى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ .. الخ .. (1كو 13: 4) ولعله كان من المنطقى أن يقول أن المُحبّ يتأنى ويرفق .. الخ ولكنه تكلم عن المحب باعتباره محبة !!.. أليس حسنا أن يدعى الله نفسه محبة " ونحن قد عرفنا و صدقنا المحبة التي لله فينا الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يو16:4 ) محبة تجسدت فى تجسده وفداءه. هكذا الخادم إذا تكلم عن الاتضاع فهو متضع .. وإذا تكلم عن المحبة فهو مُحبّ ..إنه ليس واعظاً بقدر ماهو عظة .. وليس صاحب رسالة بقدر ماهو رسالة مقرؤة من الآخرين، وهو أيضا إنجيل معاش وبشارة مفرحة. هناك شخصيات في حياتنا ُتمثل لنا المسيحية المفرحة والعبادة المبهجة، والمسيح المعزيّ، ويكفى أن ترى شخصاً من هذا النوع. ويكفى أن يقول أى شئ .. يكفى أن فلان الذى قاله .. فكم وكم إذا كان شخصاً كتابياً، وإذا تكلم فلن يقول أى شئ بل "قاعدة الكلام كتابية والكلمة مشروحة فيه هو". لذلك فإن من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً (متى 19:5)، وقديماً كانوا يكتبون فى تقريظ الكتب ُمقدمين الكاتب بقولهم " الأب العامل العالم ". وهذا هو الفرق بين الفلاسفة والسيد المسيح .. فكثير منهم رغم ماقدموه من نظريات وأفكار عاشوا تعساء وأنهى بعضهم حياته بطريقة مأساوية إن الخادم هو شخص كاشف ومعلم صادق لكلمة الله وقوتها وفاعليتها من خلال حياته بكلمة الله .. كلام الله يؤيد كلامه، وكلامه وسلوكه يؤكدان أن الوصية حق وحيّة ويمكن الحياة بها فى كل الظروف إن الخادم هو انجيل مسموع .. وإنجيل مقروء وانجيل معاش. " فقط عيشوا كما يحق لانجيل المسيح " ( فى 27:1).
المزيد
31 يوليو 2018

بين تجاوز المخدوم وسعة صدر الخادم

الإنسان هو موضوع حب الله، ومع أن الله يحب كل خليقته إلا أن الإنسان هو المخلوق المدلل لديه، ويجب على الخادم وهو وكيل الله والمتشبه به أن يحب أولاده ويتخذ صفات الراعى الصالح من حيث بذل نفسه عن المخدوم وإطالة أناته عليه واحتوائه متى أخطأ فمن المتوقع أن يخطىء المخدوم .. وأن يتذمر وأن يسأل .. وأن يصدر عنه ما لا يعجب الخادم، فى حين يتوجب على الخادم (والذى قيل له ذلك كثيراً عندما كان يُعد خادماً) أن يطيل أناته على المخدوم ويحتمله ولا يضيق به ولا ينزل إلى مستوى الإحتكاك به والخصومة معه. وإذا كان على المستوى العادى نطلب من الآخرين الإحتمال والعودة بالملامة على النفس، فكم وكم يكون الخادم الذى يمتلك أحشاء رأفة وقلب حان ومشاعر رقيقة.. ألم ’يكتب أنه " يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل اضعاف الضعفاء ولا نرضى أنفسنا " (رومية 15: 1) فإذا وصل الحديث بين الأب وأبنه إلى الصدام فقد أخطأ الأب لا الإبن وكذلك المدرس والتلميذ والمدير والموظف ..الخ، وفى حالة الصدام فإن الذى يخسر هو الكبير أكثر بكثير من خسارة الصغير والذى قد لا يدرك ما يحدث لهذا كتب القديس امبروسيوس مقالته الرائعة " ترفقوا بالخطاة ..." أضعف الإيمان أن نسامح من يخطىء ولكن كأناس روحيين علينا أن نلتمس العذر لهم ونلوم أنفسنا .. ولاشك أن وداعة الخادم ولطفه.. وصبره مثل الأم الحنون " بل كنا مترفقين في وسطكم كما تربي المرضعة اولادها" (1 تس 2: 7). كل هذا يجعله يقتنى المخدوم ويربحه للمسيح ويعطيه فرصة لأن يعتذر أما من جهة التأديب المطلوب من الراعى أو الخادم فليكن بحب خالص وليس كمن ينتقم لنفسه ويثأر لكرامته، فالغرض من المحاكمة هو الوصول للحق وبالتالي فإن الهدف من العقوبة هو الإصلاح، إذ يجوز العقاب برفق، لأن الراعى هو طبيب لا قاضى، وعندما تحاكم الكنيسة شخص ما فإنها تهب كلها للصلاة لأجله حتى لا يفنى إيمانه. نيافة الحبر الحليل الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص
المزيد
10 يوليو 2018

بولس الرسول الخادم

عندما وقف ليحاكم أمام فيلكس الوالي رفع يده محتجاً: "إلى قيصر أنا رافع دعواي" (اعمال 25 : 11) وهنا لم يجد الوالي مفراً من إرساله إلى روما ليحاكم هناك أمام القيصر، إذ كان من حق أي مواطن روماني أن يطلب محاكمته أمام القيصر ذاته والذي كان يسره ذلك بالطبع إذ يشعره بثقة الشعب فيه وعدله، غير أن القيصر لم يكن مستعداً دائما للجلوس لينظر قضايا الشعب ومن ثمّ تتراكم القضايا ليصبح العدد ضخما ينظره على فترات متباعدة. ولذلك فقد سمح للقديس بولس أن يستأجر له بيتاً يعيش فيه ريثما يأتي الوقت الذي يجلس فيه القيصر للقضاء وينظر فيه مظلمته. غير أن بقائه في بيت استأجره (فيما يشبه الآن السجون المفتوحة) كان يستلزم وجود حارس روماني يلازمه عن طريق قيد يربط بين اليد اليمين للأسير واليد الشمال للجندي في ورديات تتغير كل ثماني ساعات كان الجندي بطبيعة الحال ملتصقا بالقديس بولس فيسمع صلاته وتسبيحه وقراءاته في الكتب المقدسة، ويسمع كذلك العظات التي يلقيها على ضيوفه وردوده على أسئلتهم، ويسمع كذلك ما يمليه القديس من رسائل يرسلها إلى الكنائس، فتكون النتيجة أن يتعلّق الجندي بلمسيح ويصبح مسيحياً أفما يكفيه من القديس بولس ثماني ساعات كاملة لصيقاً به معايشاً له مقدماً له قدوة في القول والفعل ؟!. إذا لقد كان القديس يقدم للكنيسة ثلاثمسيحيين في اليوم الواحد (هم جنود الورديات الثلاث) فإذا كان قد مكث في ذلك السجن سنتين فقد قدم ألفي مسيحي وهو مسجون !!. أمّا أولئك الجنود فقد كانوا من الحرس الإمبراطوري، وهو الكتيبة التي تحتل ثكنة عسكرية بجوار القصر الإمبراطوري، والمنوطة بحراسة القصر ومدينة روما. وكان كل جندي بطبيعة الحال يتحدث مع من حوله عن خبرته الجديدة مما أسهم في نشر المسيحية في روما. وهناك إشارات إلى مثل ذلك في بعض رسائل القديس بولس "يسلم عليكم جميع القديسين ولا سيما الذين من بيت قيصر (فيلبي4 : 22). نيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص
المزيد
04 أبريل 2020

التدبير الروحي

كثير من الناس يسيرون بلا تدبير، وبالتالي بلا ترتيب، ولا خطة، فيتخبطون، يتقدمون خطوة ويتراجعون خطوات، وتتلاهى بهم الشياطين. وعندما نقول أن الذين بلا مرشد يسقطون كأوراق الشجر، نقصد أنه لا جذور لهم ولا غذاء منتظم لذلك تجف من أعلى قال أب " لست أجد سقطة للإنسان سوى أن يعمل برأي نفسه " التدبير الروحي ونسميه في الأوساط النسكية بالقانون الروحي وكلمة قانون أصلاً تعنى مسطرة مدرجة للقياس بها والضبط ولكن يبدو أن الكلمة ارتبطت كثيراً بالعقوبة..!! في حين أنها تدبير شفائي. الله أولا هو المدبر الحقيقي، وهو يعطى موهبة التدبير للبعض ، يقول عنه سفر إستير " مدبر ومخلص الجميع " (أست 5:15) وفي سفر الحكمة " إذ أنت عادل تدبر الجميع بالعدل " (حك 15:12) إنه المدبر الذي يرعي شعب إسرائيل ( متى 6:2)عندما يكون مطلوباً من الأب الروحي إعطاء رأى أو قرار أو تدبير فإنه يصلى مع التلميذ ويطلب من الرب عنه ويطلب حكمة من الله لكي يرشد الابن هو بالأحرى يطلب من الرب طعاماً لابنه كان بعض الآباء يخرجون إلى البرية يصلون إلى بعض كتّاب الكتاب المقدس للحصول على تفسير أو شرح !! بين قداسة الأب وصحة التدبير:- المدبر الروحى قد لا يكون الأب في مستوى أولئك المدبرين المثاليين، ولكن من أجل أمانتك يعطيك الله احتياجك وقديماً لم يكن جميع الكهنة يمارسون سر الاعتراف، ولكن البعض الذين يكلفهم الأسقف أو رئيس الديركان يشترط في الأب سلوكه وهو (ما يسمى بسير القديسين) وحسن إرشاده وحكمته في الملاحظة وهو ما يسمى (كتابات الآباء) ولكن بعد الزيادة الكبيرة في عدد المسيحيين والنهضة الروحية التي شهدتها الكنيسة وإقبال الكثيرين على الاعتراف، لم يعد كاهن واحد يكفي في المدينة ولكن يلزم التفريق جيداً بين الاعتراف والارشاد: فالاعتراف سرّ يخص الخطية والحل عنها، أمّا الارشاد أو التدبير فهو طريقة الحياة والسلوك من حيث الممارسات ومن حيث تدبير الفكر وقد كان ذلك يتم بين الجماعات الرهبانية، وقد لا يوجد بها قسيس واحد (أي كاهن). ففي أديرة الأنبا باخوميوس لم يكن هناك كاهن. كما كان المتوحدون يتقابلون ليتحدثوا بعظائم الله (أي يتبادلون الخبرات .. " ثم نسألكم أيها الأخوة أن تعرفوا الذين بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم " ( 1 تس 12:5)واما الشيوخ المدبرون حسناً فليحسبوا أهلاً لك ا رمة مضاعفة ولا سيما الذين يتبعون في الكلمة والتعليم " ( ا تى 17:5) وكان الآباء يحذرون كثيراً من الوقوع في يد (مريض بدل طبيب) ويقولون ليس بالضرورة أن يكون المدبر (من طال عمرة وشاب شعره) ولكن كيف تتلاهى به الشياطين: اولاً يحاولون تشكيكه في أبيه الروحي، وأن يعتمد على خبرته الشخصية. ولذلك فالطاعة للمدبرهامة جداً يقول القديس أنطونيوس: "الطاعة تخليك مسئولية الطريق" تحميك من حيل المضاد تنقذك من الهلاك. يدبر فكره كيف يرتبط بالمسيح كيف لا يدين شخصا كيف يتفاعل مع ما يرى وما يسمع.كيف يتأمل قد يفاجأ شخص بأنه فقد التدبير الروحى كله يتهاون قليلاً قليلاً حتى يفقده بالتمام ينتبه ذات يوم ليجد ذاته لا يصلى ولا يقرأ في الإنجيل صومه مكسور فكره دنس عاداته رديئة برنامجه يخلو من الله !! لا في الصباح ولا في المساء، واذا اهتز التدبير الروحى الداخلي،اهتز الشخص من الخارج، وظهر ذلك في سلوكه وقراراته التدبير مثل الرصيد الروحى الداخلي والدعائم القوية للإنسان لقد تمسك آباؤنا بالتدبير (القانون) الروحى الى الموت الامانة في حد ذاتها ذبيحة يكلل عليها الانسان. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
28 يونيو 2020

ملاحظات حول خدمة الفقراء

نال الفقراء اهتماماً كبيراً فى الكتاب المقدس بعهديه، وُحسبوا ضمن أربع شرائع يجب الاهتمام بها سواء من جهة الأفراد أوالمؤسسات الخيرية أو الدينية (الهيكل ثم الكنيسة) هذه الشرائح هى "اليتيم والأرملة والغريب والضيف" فاليتيم فقد عائله النفسي وربما المادي، والأرملة فقدت سندها ربما فى الاتجاهين المذكورين أيضاً، أما الغريب فلأنه يحتاج إلى مساعدة فى مكان لا عون له فيه، أما الضيف فلأن صورة زيارة الله مع ملاكيه شاخصة أمام أعين الكل لعله يأتى فى أى زائر.. لذا اعتبر كل هؤلاء كأن المسيح مختفياً خلفهم. لا سيما وقد صرح السيد المسيح بذلك بفمه الطاهر " كل ما فعلتموه بأحد اخوتى هؤلاء الأصاغر فبى قد فعلتم ". وإلى هذه الشرائح أشار القديس بولس الرسول (فى رومية 12: 13 ) حين قال "مشتركين فى احتياجات القديسين" معتبراً إياهم قديسين لأنهم يحتملون الفقر بشكر ودون تذمر، وربما كانوا يعانون الفقر بسبب جشع البعض أو بعض الأنظمة الظالمة أو قسوة قلوب البعض الآخر. ونتذكر هنا أن لعازر المسكين كانت فضيلته الكبرى أنه لم يتذمر ولم يدن الغنى الجالس عند باب قصره. والحقيقة أن مسألة الغنى والفقر هذه شغلت جميع الرعاة والمفكرين والفلاسفة منذ زمن بعيد، إذ يرون أن الغني قد يخطىء بسبب غناه والفقير قد يخطىء بسبب فقره، ويتساءلون كيف سيدين الله هؤلاء وأولئك.. ولكن ليس كل غنى سيهلك وليس كل فقير سيخلص، فالغنى المتضع الخيّر سيخلص، والفقير المتذمر الكسول سيعاقب .. وعندما قال السيد المسيح أن "دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى ملكوت الله" (لوقا 18: 25) تحيّر السامعون إذ كانت ماثلة فى أذهانهم صوراً لأغنياء أبرار .. لم يجمعوا أموالهم بطرق غير مشروعة، كما أنهم خيرين رحماء، لذلك أضاف السيد المسيح قائلاً "ما أعسر دخول المتكلين على أموالهم إلى ملكوت الله" (مرقس 10: 23). إذاً المشكلة ليست فى المال ولكن فى استخدام المال، والذى يمكن أن يعين صاحبه من جهة مستقبله الأبدى من خلال عمل الرحمة والذى ُيعد تحويل من القيمة الفانية هنا إلى الباقية هناك، وهو ما يمكن أن ُيفهم من تعبير السيد المسيح: "اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم فى المظال الأبدية " (لو16: 9) حيث ُينظر إلى مال الظلم على أنه كافة الامكانيات المتاحة، والتى يمكن استثمارها فى اكتساب الفضائل مثل عمل الرحمة وغيرها .. وهكذا يمكن أن يكون المال معيناً ونعمة لا سيداً ونقمة. لذلك يقول القديس اكليمندس السكندرى "ليكن المال عبداً خاضعاً لا سيداً حاكماً" عندما نعطى الفقراء فنحن نشعر بسعادة ثلاثية، فالعطاء هنا تعبير عن الشكر لله الذى أهلنا لأن نعطي آخرين بدلاً من أن نتلقى الصدقة .. كما أنه تعامل مع السيد المسيح نفسه والذى نصنع الصدقة باسمه وهو الذى يتلقاها مباشرة، وثالثاً لأن فى سعادة الفقير سعادة لنا إذ استطعنا أن ندخل البهجة لقلب انسان .. وقد يتحيّر البعض ويتساءل: هل ُيعطون الكلّ .. حتى أولئك الذين يشعرون أنهم مبتزّين ومتطفّلين! ويرون الكثيرين منهم على أبواب دور العبادة وفى الأسواق وفى إشارات المرور وعند المستشفيات ؟ ويقع الشخص فى حيرة فإذا أعطى فقد لا ُتحسب صدقة بالمعنى الكامل وقد يساعد بذلك شخصاً على الكسل والاستجداء، وإذا لم يعطِ فقد يكون بذلك قد قصّر فى وصية العطاء: " كل من سألك فأعطه " (لو 6: 30). هنا ونقول أن هناك فرق بين صدقة بسيطة عابرة ورمزية، والتقدمات الكبيرة التى نأتمن الكنيسة على توزيعها على الفقراء بمعرفتها، أو التى نقدمها نحن لهم بشكل مباشر ولكن بعد بحث ودراسة، وجدير بالذكر هنا أن الله يعطينا ليس على أساس استحقاقنا ولكن على أساس خيريته هو، فإن الله "يمطر على الأبرار والأشرار ويشرق شمسه على الصالحين والطالحين" كما أن ما نأخذه من الله لا ننفقه بالضرورة فى الإتجاه السليم في كل مرة. أقول ذلك لأن فكرك قد يراودك بأن الفقير لا ينفق ما يناله منك فى الإتجاه الصحيح، ولنسأل أنفسنا: هل نوافق أن يعطينا الله بنفس التقييم الذى نعطى الفقراء على أساسه ؟ لا شك أن الله يعطينا على أساس تحننه لا على أساس استحقاقنا .. لقد ورد عن المعلم ابراهيم الجوهرى وهو الرجل الذى اشتهر بمحبته للفقراء، أن شخصاً مرّ من أمامه ثمانية عشر مرة يأخذ صدقة، وفى كل مرة كان يعطيه، كان الرجل فى كل مرة يأخذ ثم يدور ليعود من جديد مستغلاً فى ذلك الزحام الشديد، العجيب أن المعلم ابراهيم كان منتبهاً إلى ذلك ولكنه لم يبكته ولا امتنع على العطاء له .. وُيعدّ القديس يوحنا ذهبى الفم أكثر من كتب عن الإهتمام بالفقراء، وينقل عنه قوله إن الله يورد ذاته الشريفة بين الغنى والفقير ليصير ضامناً للفقير الذى اقترض، أفما تريد أن تكون دائناً للرب! لذلك يقول سليمان الحكيم " من يرحم الفقير يقرض الرب" (أمثال 19: 17) ولكن الله لا يقبل أن يكون مديوناً .. بل يرد أضعافاً مضاعفة، ونقرأ فى قصة الشاب الغنى أنه بعد أن مضى حزيناً رافضاً أن يبيع كل ممتلكاته ويهبها للفقراء ليتبع المسيح، تقدم القديس بطرس سائلاً السيد المسيح عن المكافأة التى سيهبها لهم بعد أن تركوا كل شىء وتبعوه هو وبقية التلاميذ، وهنا يصرح السيد بإلتزام إلهى وأبدى " من ترك أباً أو أماً أو اخوة أو أخوات أو حقول لأجلي ولأجل الإنجيل يأخذ مائة ضعف فى هذا الدهر والحياة الأبدية فى الدهر الآتى.." لذلك فإن من يعطى الفقراء يستثمر نقوده هنا .. وهناك .. هكذا يصلى الكاهن فى أوشية القرابين عن الذين أتوا بتقدماتهم أن يهبهم الله الباقيات عوض الفانيات والسمائيات عوض الأرضيات والأبديات عوض الزمانيات .. ثم يردف قائلاً بيوتهم ومخازنهم املائها من كل الخيرات (أى هبهم المكافأة هنا وهناك). هذا على مستوى الأفراد، أما على مستوى المؤسسات أو لجان البر فى الكنائس فالأمر يحتاج إلى إيجاد آلية " روحية.. إدارية.. تربوية " لتفعيل هذه الخدمة الجبارة، لا شك أن هناك الكثير من الأغنياء الخيرين المستعدين لبذل الكثير من أموالهم شريطة أن تصل هذه الأموال إلى مستحقيها، كما أنه يوجد فى المقابل آباء وخدام أمناء كثيرين يبحثون عن ممولين لخدمتهم هذه .. والعجيب أن الفقير الحقيقى من النادر أن يأتى ليعرض مشكلته، فإمّا أنه خجول لا يود الظهور بمظهر المستعطي، وإمّا أنه قنوع أكثر من اللازم ويرى فى نفسه أن هناك من هو أكثر استحقاقاً منه .. وإما أن له تجربة سابقة مع الكنيسة أو الجمعيات الخيرية باءت بالفشل فارتد على أعقابه مغلقاً على جرحه، مثل هذا نلام عليه لأننا قصرنا فى حقه، الأخطر من ذلك أن يتجه شخص آخر إلى الطرق غير المشروعة للحصول على ما يسد أعوازه فيؤدى به الفقر إلى الجريمة، ناهيك عن الأمراض والجهل الناتجين عن الفقر، فالفقر هو المتسبب فى كل من (الجريمة - الجهل - المرض) لذلك يقول أحد الفلاسفة ساخراً " لو كان الفقر رجلاً لقتلته " !!. + وفى الإطار الكنسى يمكن أن تقوم لجنة مخصصة بعمل أبحاث ميدانية لتقييم احتياج الأسرة من الواقع والشهود، لقد حدد خط الفقر من جهة المنظمات العالمية مثل اليونيسكو وحقوق الإنسان بـ 276 دولاراً فى الشهر (أى ما يعادل 1500 جنيه مصرى) فى حين تقدر بعض الجمعيات الخيرية خط الفقر بـ 50 جنيه للفرد الواحد فى الشهر.. ولكن ثمة ملاحظة وهى أن هناك فرق بين الفقير والمحتاج، ونحن نصلى من أجل الفقراء والمحتاجين، فالفقير هو المحتاج على طول الخط، وأما المحتاج فهو الشخص العادى والذى قد يتعرض لأى طاريء يحوجه إلى مساعدة حتى يجتاز الظروف الطارئة .. والكنيسة تساعد كل من هذا وذالك قدر استطاعتها، ناهيك عن أن الفقر والغنى مسألة نسبية فالراتب الشهرى الذى يضمن الكفاف لأسرة ما هو نفسه لا يفي بالكفاف لأسرة أخرى وهكذا. ولذلك يقال "ليس هناك ما ُيسمى بالفقر ولكن هناك ما ُيسمّى بالشعور بالاحتياج". ومن المقترحات المطروحة فى هذا الشأن أن تختص كل كنيسة بالفقراء الموجودين فى دائرتها بحيث يمكن التركيز عليهم مع احالة الفقراء الوافدين من مناطق أخرى إلى كنائسهم، وأما الكنائس التى لا تسمح لها امكانياتها بأن تعول أولئك الفقراء فيمكنها الحصول على دعم من الكنيسة الأم (البطريركية أو المطرانية) ولكن يؤخذ جداً فى الإعتبار ألا تكون الكنيسة نشطة فى الإتجاه المعمارى على حساب الفقراء والأرامل والأيتام .. فإن ذلك يعثر البسطاء ويحجب عطايا المقتدرين فى آن. كذلك يجب الإنتباه إلى ضرورة ألا يتم التوزيع تبعاً لتقييم شخص واحد .. وألا تدخل مسألة " الاستلطاف " أو " المواقف الشخصية " فى التقدير، بل ليكن هناك قواعداً تحكم ذلك. فليس من اللائق أن ينعم الخادم أو يحرم حسبما يرى، طبقاً لأسلوب السائل، أو توصية من صديق أو كبير على محتاج آخر وهكذا .. فهناك من يكسب صداقات شخصية من خلال العطايا وهناك من يمارس أنواعاً من العقاب على آخرين لأسباب شخصية، وأحياناً تكون هناك فروق فى العطايا التى ينالها شخص عن شخص آخر طبقاً لسبب فى نفس المسئول .. إن الأمر يحتاج إلى حرص وإلى شفافية فإن موضوع جمع العطايا للمحتاجين لا يمكن ضبطه عملياً إلا من خلال ضمير المسئول نفسه، والذى يجب أن يدرك أنه سيدان عن كل جنيه واحد وجّهه فى غير محله، فالعطايا التى نهبها لغير المستحقين (وأقصد المبالغ الضخمة لا الصدقة العابرة) تعتبر تقصيراً فى حق المحتاج الحقيقى !! ولكى نضمن أن الرب سيكافئنا جهراً فى ملكوته، علينا أن نعمل فى الخفاء، يجب ألا نسعى إلى الدعاية فنعلن أننا أنفقنا كذا ووزعنا كذا .. والأسوأ من ذلك أن يتم التوزيع فى وجود الآخرين من غير الفقراء، أو أن يتم تصويرهم وهم يتسلمون العطايا، ففى ذلك إهانة شديدة لإخوة المسيح وأخواته، فالسيد المسيح الذى أوصانا بألا نبوق متى صنعنا صدقة، كان أمامه ثلاثة عشر صندوقاً للعطايا كل منهم على شكل بوق أو قمع، فكان الأغنياء يضعون عطاياهم فى " البوق " بطريقة ظاهرة، ومثلها الآن من ينادون فى مكبر الصوت على الفقراء بأسمائهم لتسلم الصدقة، وكأننا نسجل عليهم عجزهم وضعفهم أمام الناس.. ومن هنا السؤال يطرح نفسه عن امكانية توصيل الهبات إلى مستحقيها فى أماكنهم لنكفيهم مشقة المجىء وعناء الخجل ؟ ولكن لماذا نخدم الفقراء والمحتاجين ؟ أولاً: عملاً بوصية الرب " كنت مريضا فزرتموني عريانا فكسوتموني غريبا فآويتموني الخ .." ثانياً: لأن من حق كل انسان أن يحيا حياة كريمة، وإن لم يكن ذلك ممكناً فليحصل على احتياجاته الأساسية. ثالثاً: لأن أموال هذا العالم كلها هى عطية من الله، وليس لأحد الحق فى الإستحواذ عليها جميعاً تاركاً الآخرين يتضورون جوعاً.. رابعا: لأن هناك أشخاصاً أقعدهم المرض عن العمل والحصول على المال اللازم وهناك أشخاصاً فقدوا عائلهم وما زالوا فى سن لا يسمح لهم بالعمل لتعويض ذلك. خامساً: لأن هناك من يمرون بمتاعب طارئة لم يتحسبوا لها .. وتقصر امكانياتهم عن التعامل معها .. مثل الحوادث والأمراض وتعرض عائل الأسرة للسجن .. إلخ سادساً: تفادياً لتردّي أوضاع الأسرة مما يتسبب فى الانحرافات الخلقية (للبنات) أو الجريمة (الأولاد) أو الإبتزاز من الآخرين (الارتداد) بسبب الاحتياج. سابعاً: تشجيع من نساعدهم على أن يساعدوا آخرين فيما بعد، وبذلك نخلق جيلاً سوياً قادراً على القيام بنفس الدور. ثامناً: تمجيد اسم الله من خلال من نساعدهم إذ يشعرون بعناية الله بهم واهتمامه باحتياجاتهم. تاسعاً: التعبير عن محبتنا لله من خلال محبتنا لأولاده الفقراء والمتألمين .. عاشراً: انطلاقاً من الشعور بأننا جسد واحد بأعضاء كثيرة يشعر بعضها بالبعض الآخر. هكذا سعداء هم الذين يخدمون مثل هذه الشرائح من المتألمين، عالمين أن لهم مكافأة أبدية من الله والذي أطلق على نفسه تشبيه: "إله المساكين" وللخيرين نقول أنه حسنا تعتقدون بأنكم لستم تعطون عشر ما تحصلون عليه، بل أن الله هو الذي يهبكم العشرة كلها، فتحتفظون بالتسعة وتقدمون :الُعشر" لكي يبارك لكم الله في البقية. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
21 مارس 2020

الأمومة الروحية

في عيد الأم تتجه مشاعر الجميع ناحية الأم، يعبرون لها عن حبهم وامتنانهم وُيؤكدون لها أنهم "يعرفون جميلها" وأن تعبها لم يضع وأنه كما هو محفوظ عندهم في قلوبهم ووجدانهم وذاكرتهم، فهو محفوظ أيضا عند الله "كما في زقّ" إن الأم معجزة والأمومة سرّ يصعب تفسيره، ولقد نسب الله هذه الصفة إلى نفسه مرارا، ففي العهد القديم يطمئن الشعب قائلاً: "هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك" (اشعياء 15:49)وفي العهد الجديد يقول الرب "كم مرة اردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها و لم تريدوا" (متى 37:23)هذارائع ولكننا في غمرة هذه الأفراح والاحتفالات، ننسى الأمهات الروحيات اللائي قمن بدور ريادي في الكنيسة سواء في الحياة الرهبانية أو التكريس والخدمة، فلقد كان لكثير منهن الأثر الكبير في الكنيسة، ففي الحياة الرهبانية كان لهن أثرا ملحوظاً على جماعات ضخمة من الرهبان والراهبات، نذكر منهن – على سبيل المثال لا الحصر – الأم سارة التي أقامت ديرا للعذارى في الإسقيط، والأم ثيئودورا (وهي ناسكة من الاسكندرية عاشت في الاسقيط) وكانت مرشدة لكثير من الرهبان والراهبات، وكذلك الأم الذي يطلق سفرنيكي، والأم سكلنتيكي، وغيرهن كثيرات كان يطلق عليهن لقب ( Ammas ) مقابل لقب (Abbas) أو (Abba) الذي يطلق على الآباء الروحيين (تجدر الاشارة هنا إلى أن لفظة Ammas هي التي جاءت منها الفظة العربية "أمّا" والتي ينادي بها الانسان. أمه في بعض المجتمعات.لدينا كذلك الكثيرات من الأمهات الروحيات داخل بيوت التكريس، والمنتشرة الآن في كثير من الإيبارشيات، حيث يقمن بتدريب وإرشاد الفتيات الراغبات في حياة التكريس، وُيؤهلوهن للقيام بأنواع متعددة من الخدمات سواء في التعليم أو الإرشاد أوالإدارة أو الأنشطة الكنسية بأنواعها وما يقال عن الأمهات داخل المجال الرهباني والتكريسي يقال أيضاً عن الأمومة داخل حقل الخدمة، فإليهن يرجع الفضل في مساعدة الكثير من الفتيات ليصبحن خادمات وفتيات صالحات، وذلك من خلال إرشادهن الحكيم المتعقل وأمومتهن الروحيةالناضجة. إلى مثل هؤلاء أشار القديس بولس " سلموا على روفس المختار في الرب وعلى امه أمي (رومية 13:16)أما عن الأمومة الروحية للخادمة نفسها، فنذكر بكثير من الخير والفخر معاً الخادمات اللائي أفنين حياتهن من أجل المخدومات في الكنائس، متحملات في ذلك العبء الكبير في سبيل راحتهن، فتمخضن بهن حتى ولدنهن من جديد كبنات (ولكن للمسيح في هذه المرة) من خلال جرن الإرشاد والتوبة، عن ذلك عبّر القديس بولس قائلاً عن أنسيموس " الذي ولدته في قيودي " (فليمون 10:1) كما تبنت أمهات كثيرات بعض القديسين وعلماء الكنيسة مثل أوريجانوس، كما نذكر بالخير أولئك اللائي اشتركن في "احتياجات القديسين (رو 12:16) مثل القديسة ميلانية (التي من أسبانيا وانفقت أموالها على الأديرة في شيهيت) والقديسة باولا (التي خدمت العلامة جيروم) وغيرهن قديسات تشبهن بمريم المجدلية ومريمات اُخر قال عنهم الكتاب "واخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن" (لوقا 3:8) كذلك يمكن أن يوهب لقب "الأم الروحية" للأم بالجسد، وذلك متى سلكت بالروح مع أولادها ولم تجعل كل اهتمامها أجساد أولادها وعلومهم ، بل روحياتهم وعلاقتهم بالمسيح، وكيف تؤهلهم للأبدية، مثلما سعت الكثيرات من الأمهات في جعل أولادها قادة روحيين، من خلال تلمذتهم وهم صغار على يديها داخل بيتها، وهكذا يمكن القول بأن القديسين والقادة الروحيين قد تم اعدادهم أولاً عند قدمي امهاتهم الروحيات. تحية كبيرة في هذا اليوم إلى كل أم روحية، وان كانت في غنى عن الشكر والذكر إلاً أننا نذكرها ونطوبها وبالأولى الله الذي يرى في الخفاء ويجازي علانية. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل