المقالات

07 سبتمبر 2019

القيامة الأولى والموت الأول القيامة الثانية والموت الثاني

كتب القديس يوحنا الرسول في سفر الرؤيا "هذه هي القيامة الأولى. مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم" (رؤ20: 5، 6). ما هي القيامة الأولى؟ وما هو الموت الثاني؟ وما هي علاقة ذلك بالمجيء الثاني للسيد المسيح؟ هذه الأمور سنحاول أن نجيب عنها. إلى جوار ذلك فإن القيامة الأولى تفترض قيامة ثانية، والموت الثاني يفترض موتًا أولًافيلزمنا أيضًا أن نضع هذا في اعتبارنا عندما نتأمل في هذه الأقوال الإلهية الصادقة. القيامة الأولى الموت الثاني الموت الأول القيامة الثانية القيامة الأولى أولًا: القيامة الأولى القيامة الأولى هي النصرة الروحية التي يطالبنا الرب بها في حياتنا الحاضرة لكي نتأهل لميراث الملكوت ونستحق أن نشارك في قيامة الأبرار أي القيامة الثانية عن القيامة الأولى قالالسيد المسيح: "كل من كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" (يو11: 26). وقال أيضًا "الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" (مر9: 1) طبعًا لم يكن المقصود في كلام السيد المسيح عن عدم موت المؤمنين به إلى الأبد بمعنى أنهم لن يُنقلوا من هذا العالم، بل كما نقول في صلاةأوشية الراقدين (لأنه لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال( فإننا نفهم الموت في كلام السيد المسيح بمعنى السقوط تحت سلطان ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس. وبهذا يكون السيد المسيح قد وعد أن من كان حيًا بالجسد وآمن به فلن يذوق الموت الروحي إلى الأبد وفي قوله: "إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" يقصد إلى جوار أن هناك قومًا كانوا عتيدين قبل وفاتهم أن يحضروا حلول الروح القدس في يوم الخمسين، فإنه قصد أيضًا أن من آمنوا به وثبتوا فيه فلن يموتوا موتًا روحيًا إلى أن يعاينوا مجيئه الثاني واستعلان ملكوت السماوات بقوة مع ملاحظة أن عبارة "ملكوت الله"هي عبارة عامة تشمل ملكوته الحالي وملكوته الآتي في السماوات، أما عبارة "ملكوت السماوات" فإنها غالبًا تشير إلى الحياة الأبدية في السماوات القيامة الأولى أيضًا نفهمها عن المعمودية في قول معلمنا بولس الرسول: "حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته.. كذلك أنتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 4، 5، 11). ثانيًا: الموت الثاني من الطبيعي أن من عاشوا حياتهم ملتصقين بالرب وأكملوا جهادهم وسعيهم أي أنهم قد تمتعوا بقوة القيامة الأولى، فإن الموت الثاني لن يكون له سلطان عليهم كما ورد في سفر الرؤيا والموت الثاني من المفهوم إنه الهلاك الأبدي. ومن ليس للموت الثاني سلطان عليه ينطبق عليه قول الرب: "من يغلب فذلك سيلبس ثيابًا بيضًا، ولن أمحو اسمه من سفر الحياة وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته" (رؤ3: 5) الذين للموت الثاني سلطان عليهم ينطبق عليهم قول السيد المسيح لليهود: "وتموتون في خطيتكم" (يو8: 21). هؤلاء يموتون في خطاياهم بمعنى أنهم يموتون الموت الأول بنهاية حياتهم على الأرض، ويتأهلون بموتهم في خطاياهم للموت الثاني أي الهلاك الأبدي وقيل أيضًا عن هلاك الأشرار: "وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طُرِح في بحيرة النار" (رؤ20: 14، 15). ثالثًا: الموت الأول يقول الكتاب: "وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (عب9: 27). والمقصود بذلك موت الجسد، وهذا الموت الأول يشترك فيه جميع البشر حتى القديسون مثل السيدة العذراء مريم وحتى أخنوخ وإيليا بعد صعودهما إلى السماء أحياء، فإنهما سوف يرجعان إلى الأرض ويصيران شهداء وتموت أجسادهما كباقي البشر ولكن هذا الموت الأول الذي يشترك فيه الجميع لا يعني وحدة المصير للجميع لأن الكتاب يقول: "طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم" (رؤ14: 13). رابعًا: القيامة الثانية من البديهي أن القيامة الثانيةهي قيامة الأبرار للحياة الأبدية. وقد تكلّم السيد المسيح عن الأبرار الذين سوف يقيمهم عن يمينه في يوم الدينونة "يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34). وقال عن الأشرار مقارنًا إياهم بالأبرار في يوم الدينونة: "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت25: 46) معنى ذلك أن قيامة الأشرار للدينونة لا ينطبق عليها لقب القيامة الثانية الخاصة بالأبرار لأن الأشرار أصلًا لم يتمتعوا بالقيامة الأولى الروحية التي للأبرار، وبهذا فإن قيامة الأشرار قد أخذت فقط لقب "قيامة الدينونة"كقول السيد المسيح: "تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو5: 28، 29). أما القيامة الثانية الخاصة بالأبرار فهي "قيامة الحياة" إذا كانت القيامة الأولى هي الانتصار الروحي على الشر فإن القيامة الثانية تكون هي التحرر من سلطان الموت الناتج عن الخطية الأولى التي بها دخل الموت إلى العالم، لذلك قيل في الكتاب "آخر عدو يُبطل هو الموت" (1كو15: 26). خاتمة إن المعاني الخاصة بالموت الأول والموت الثاني والقيامة الأولى والقيامة الثانية، ترتبط بعمل السيد المسيح الخلاصي لتحرير البشر المفديين من عواقب الخطية، وصولًا إلى المصير الأبدي للإنسان بعد مجيء السيد المسيح الثاني الذي ينتظره القديسون بكل اشتياق ومحبة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
13 يونيو 2019

صعود إيليا

"ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم" (أع1: 9).كان ينبغي أن يصعد السيد المسيح أمام أعين تلاميذه، ليجتذب أنظارهم نحو السماء حيث جلس هو عن يمين العظمة.صعود السيد المسيح يذكرنا بصعود إيليا النبي على مرأى من تلميذه أليشع. فقد حدث "عند إصعاد الرب إيليا في العاصفة إلى السماء، أن إيليا وأليشع ذهبا من الجلجال.. إلى بيت إيل.. إلى أريحا.. إلى الأردن.. وأخذ إيليا رداءه ولفه وضرب الماء فانفلق إلى هنا وهناك، فعبرا كلاهما في اليبس. ولما عبرا قال إيليا لأليشع: اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أُوخذ منك. فقال أليشع ليكن نصيب اثنين من روحك علىّ. فقال صعّبت السؤال. فإن رأيتني أُوخذ منك يكون لك كذلك وإلاّ فلا يكون" (2مل2: 1-10).لقد طلب أليشع أن يكون له نصيب البكر في البركة التي ينالها من قبل الرب بواسطة سيده ومعلمه إيليا وكان نصيب البكر هو نصيب اثنين من الأبناء في توزيع الميراث.وعبارة "نصيب اثنين من روحك علىّ" تعني روح النبوة، أي مواهب الروح القدس التي نالها إيليا النبي، مثلما قيل عن يوحنا المعمدان -أعظم مواليد النساء من الأنبياء- أنه يتقدم أمام السيد المسيح "بروح إيليا وقوته" (لو1: 17).لقد طلب أليشع مواهب الروح القدس، لأنه لا يستطيع أن يمارس رسالته كنبي بدون قوة الروح القدس. وإرشاده وفعله.كان أليشع في ذلك رمزًا إلى الكنيسة التي كانت تنتظر موعد الآب، الذي أشار إليه السيد المسيح في حديثه مع تلاميذه، كما هو مدون في سفر الأعمال "وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير" (أع1: 4، 5). رداء إيليا "وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء. وكان أليشع يرى وهو يصرخ يا أبي يا أبي مركبة إسرائيلوفرسانها. ولم يره بعد. فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين. ورفع رداء إيليا الذي سقط عنه، ورجع ووقف على شاطئ الأردن. فأخذ رداء إيليا الذي سقط عنه وضرب الماء، وقال: أين هو الرب إله إيليا، ثم ضرب الماء أيضًا، فانفلق إلى هنا وهناك فعبر أليشع. ولما رآه بنو الأنبياء الذين في أريحا قبالته، قالوا قد استقرت روح إيليا على أليشع" (2مل2: 11-15).إن رداء إيليا الذي حمله أليشع، بعد إصعاد إيليا إلى السماء، وشق به مياه الأردن، يرمز إلى بر المسيح الذي يلبسه المعمد المؤمن بالمسيح في المعمودية. كقول معلمنا بولس الرسول: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل3: 27).والعجيب أن لهذا الرداء قصة: إذ أن إيليا النبي كان قد طرح على أليشع هذا الرداء فيأول لقاء بينهما، حينما أمره الرب أن يمسح أليشع نبيًا "امسح أليشع بن شافاط من آبل محولة نبيًا عوضًا عنك.. فذهب من هناك ووجد أليشع بن شافاط يحرث واثنا عشر فدان بقر قدامه، وهو مع الثاني عشر، فمر إيليا وطرح رداءه عليه" (1مل19: 16-19).كان طرح الرداء على أليشع هو علامة دعوة الرب له عن يد إيليا النبي، ليدخل في نصيب الرب وليتشح برداء النبوة نرى في هذه القصة أن أليشع كان "مع الثاني عشر" ولا يخفى ما في ذلك الرقم من إشارة إلى تلاميذ السيد المسيح الاثني عشر الذين دعاهم ليكونوا معه وأرسلهم لبشارة الملكوت.إن قصة إصعاد إيليا إلى السماء ومقدماتها وملابساتها وما نتج عنها، تمتلئ بالرموز الخاصة بالسيد المسيح وكنيسته المجيدة وإرسال الروح القدس إلى الكنيسة في يوم الخمسين بألسنة موزعة كأنها من نار. الأمور التي لا يتسع المجال أن نتكلم عنها بالتفصيل ولكنها جميعها تبرز روعة الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس بعهديه.بين الصعود وحلول الروح القدس قال السيد المسيح لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق، لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7).فكان انطلاق السيد المسيح إلى السماء هو العلامة التي انتظرت على أساسها الكنيسةحلول الروح القدس في يوم الخمسين لذلك قال إيليا لأليشع "صعبت السؤال. فإن رأيتني أوخذ منك يكون لك كذلك، وإلا فلا يكون". أي أن شرط أن يستقر روح النبوة الذي لإيليا على أليشع، أن يراه وهو صاعد إلى السماء.بمعنى أن التلامس مع حقيقة الصعود هو الذي يؤهل لنيل قوة ومواهب الروح القدس.قال السيد المسيح لتلاميذه قبيل صعوده: "أقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبسوا قوة من الأعالي" (لو24: 49).صعد السيد المسيح "بعد ما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم" (أع1: 2) الذين أراهم أيضًا نفسه ببراهين كثيرة بعد قيامته من الأموات.ارتفع بصورة منظورة، جسديًا، أمام أعين تلاميذه.. تمامًا مثلما ارتفع في أعينهم ببذله نفسه عنهم على الصليب، وظهوره لهم بعد القيامة ليمسح أحزانهم، وعودته إلى الآب تاركًا الأرض بعدما رفض المُلك الأرضي عليها.كان السيد المسيح جديرًا أن يصير هو ملك ملوك الأرض، بعد انتصاره على الموت الذي لم ينتصر عليه أي إنسان مهما كانت عظمته.ولكن السيد المسيح غادر الأرض وهو في قمة انتصاره ومجده.. فيا لروعة التخلّي عن كل أمجاد العالم.! أليس هو الذي سبق فقال: "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18: 36)،وأيضًا سبق فقال لتلاميذه: "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28).حقًا ارتفع السيد المسيح أمام أعينهم، كما ارتفع في أعينهم وهو يغادر الأرض في بساطة شديدة دون أن يطلب مجدًا من الناس.. لأن المجد الحقيقي كان في وجوده مع الآب الذي أرسله.لقد اجتذب السيد المسيح مشاعر تلاميذه نحو السماء.. وصارت نبضات قلوبهم تعزف أجمل الألحان مع أناشيد السمائيين كما يقول المزمور "صعد الله بتهليل. والرب بصوت البوق. رتلوا لإلهنا رتلوا. رتلوا لمليكنا رتلوا. لأن الرب هو ملك الأرض كلها. رتلوا بفهم. فإن الرب ملك على جميع الأمم. الله جلس على كرسيه المقدس" (مز46: 5-8) وبهذا ملك الرب..ملك السيد المسيح على قلوب محبيه، واجتذب مشاعرهم نحو كرسيه الذي في السماوات. وهذا ما أوجزه القديس مرقس في إنجيله بقوله: "ثم إن الرب بعدما كلَّمهم ارتفع إلىالسماء وجلس عن يمين الله" (مر16: 19).لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله.." (كو3: 1).وقال أيضًا: "فإن سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح. الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى3:20، 21). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
17 مايو 2019

ظهورات لمريم المجدلية بعد القيامة

كما شرح لنا قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث فإن مريم المجدلية قد زارت القبر خمس مرات في فجر أحد القيامة وقد استغرقت أحداث هذه الزيارات وبأكثر تحديد الزيارات الأربعة الأولى الفترة ما بين ظهور أول ضوء في الفجر "إذ طلعت الشمس" (مر16: 2)، وتلاشى آخر بقايا ظلمة الليل "والظلام باق" (يو20: 1). وهي مدة لا تقل عن نصف ساعة في المعتاد يوميًا وكانت مريم المجدلية تذهب لزيارة القبر، ثم تعود إلى مدينة أورشليم بمنتهي السرعة، ثم تأتى إلى القبر مسرعة في زيارة تالية وهي تجرى ولأن موضع القبر كان قريبًا من أورشليم (انظر يو19: 20، 41)، لهذا لم تكن المسافة تستغرق وقتًا طويلًا. وبالرغم من أن مريم المجدلية قد قطعت هذه المسافة عشر مرات في زياراتها الخمسة، إلا أنها في الزيارات الأربعة الأولى، ومنذ وجودها عند القبر لأول مرة في فجر الأحد فإنها قطعت هذه المسافة ست مرات فقط. أي أنها استغرقت حوالى خمس دقائق في كل مرة ما بين القبر وأورشليم وبالعكس. ونظرًا لأهمية ترتيب أحداث القيامة، نورد فيما يلي بيانًا بالزيارات الخمسة لمريم المجدلية عند القبر حسبما أوردها الإنجيليون الأربع بترتيب حدوثها: الزيارة الأولى أوردها القديس مرقس في إنجيله كما يلي:"وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه. وباكرًا جدًا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس. وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر. فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج. لأنه كان عظيمًا جدًا. ولما دخلن القبر رأين شابًا جالسًا عن اليمين لابسًا حلة بيضاء فاندهشن. فقال لهن: لا تندهشن. أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه. لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعًا وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولم يقلن لأحد شيئًا لأنهن كن خائفات" (مر16: 1-8) والدليل على أن هذه الزيارة كانت الأولى أن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب كن يقلن فيما بينهن: "من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر" (مر16: 3) إذ لم تكن مريم قد رأت الحجر مدحرجًا بعد. الزيارة الثانية بعد عودة مريم المجدلية من الزيارة الأولى إذ لم تخبر أحدًا بما قاله الملاك في الزيارة الأولى لأنها كانت خائفة، ذهبت مرة أخرى في صُحبة القديسة مريم العذراء لتنظرا القبر. وقد أورد القديس متى في إنجيله هذه الواقعة دون أن يذكر القديسة العذراء مريم بالتحديد مسميًا إياها "مريم الأخرى""وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. فأجاب الملاك وقال للمرأتين: لا تخافا أنتما. فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعًا فيه. واذهبا سريعًا قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما. فخرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه. وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع لا تخافا، اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني" (مت28: 1-10) في قول القديس متى: "إذا زلزلة عظيمة قد حدثت" لا يعني أن الزلزلة قد حدثت وقت تلك الزيارة، بل سبقتها وسبقت الزيارة الأولى أيضًا وقد أورد القديس مرقس هذه الزيارة باختصار في إنجيله، وهي التي رأت فيها مريم المجدلية السيد المسيح وهي في صحبة القديسة مريم العذراء. وذكر هذه الواقعة بعد أن ذكر الزيارة الأولى: "وبعدما قام باكرًا في أول الأسبوع، ظهر أولًا لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين. فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون. فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا" (مر16: 9-11) وبهذا نرى كيف أكرم السيد المسيح أمه العذراء والدة الإله: إذ لم يظهر لمريم المجدلية في زيارتها الأولى مع مريم أم يعقوب وسالومة. بل ظهر لها حينما حضرت مع أمه. وفي تلك الزيارة تم تنفيذ رغبة السيد المسيح بسرعة في إبلاغتلاميذه كما ذكر القديس متى إذ خرجتا من القبر "راكضتين لتخبرا تلاميذه" (مت28: 8) ليتنا نطلب صُحبة القديسة مريم العذراء في حياتنا الروحية، لنرى السيد المسيح بأعين قلوبنا ونبشر بقيامته بغير تردد. لأن العذراء هي مثال الطاعة والتسليم بين جميع القديسين. الزيارة الثالثة بعد أن أخبرت مريم المجدلية التلاميذ بقيامة السيد المسيح، أرادت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب أن تذهبا مرة أخرى إلى القبر مع مجموعة من نساء عديدات. وقد أورد القديس لوقا في إنجيله هذه الزيارة بعد أن سرد أحداث الدفن يوم الجمعة. وراحة يوم السبت "وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وُضع جسده. فرجعن وأعددن حنوطًا وأطيابًا. وفي السبت استرحن حسب الوصية. ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس فوجدن الحجر مدحرجًا عن القبر. فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع. وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض. قالا لهنَّ: لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ليس هو ههنا لكنه قام. اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلًا: إنه ينبغي أن يُسلّم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم. فتذكّرن كلامه. ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله. وكانتمريم المجدلية، ويونا، ومريم أم يعقوب، والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل. فتراءى كلامهن لهم كالهذيان. ولم يصدقوهن" (لو23: 55 -24: 11) بعد هذه الزيارة إذ لم يصدِّق الآباء الرسل كلام النسوة بدأ الشك يساور مريم المجدلية فقررت أن تذهب إلى القبر بمفردها. هذه هي الزيارة التالية. الزيارة الرابعة ذهبت إلى القبر بمفردها قبل نهاية بقايا ظلمة الليل. وقد أورد القديس يوحنا الإنجيلي هذه الزيارة كما يلي: "وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا والظلام باق. فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر. فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه.فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر. وكان الاثنان يركضان معًا. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولًا إلى القبر. وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان، بل ملفوفًا في موضع وحده. فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولًا إلى القبر ورأى فآمن. لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات. فمضى التلميذان أيضًا إلى موضعهما" (يو20: 1-10) والعجيب أن مريم المجدلية بعد هذه الزيارة، بدأت تردد كلامًا مغايرًا تمامًا لما سبق أن قالته بعد الزيارتين الثانية والثالثة حينما أخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وبكلامه ثم بكلام الملاكين عن قيامته بعد الزيارة الرابعة بدأت تردد عبارة تحمل معنى الشك في قيامة السيد المسيح بالرغم من ظهوره السابق لها وظهورات الملائكة المتعددة قالت للقديسين بطرس ويوحنا الرسولين: "أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه؟!" (يو20: 2) بعد هذا الكلام وبعد أن علم الرسل أن الحراس قد انصرفوا من أمام القبرذهب بطرس ويوحنا الرسولان إلى القبر وتبعتهما مريم المجدلية. وكانت هذه هي زيارتها الخامسة والأخيرة للقبر في أحد القيامة. وحفلت هذه الزيارة بأحداث هامة غيرّت مجرى حياتها وتفكيرها تمامًا. الزيارة الخامسة أورد القديس يوحنا في إنجيله أحداث هذه الزيارة بعد كلامه السابق مباشرة كما يلي"أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكى. وفيما هي تبكى انحنت إلى القبر، فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين، حيث كان جسد يسوع موضوعًا. فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين. قالت لهما إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه. ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفًا ولم تعلم أنه يسوع. قال لها يسوع: يا امرأة لماذا تبكين. من تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستاني فقالت له: يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه. قال لها يسوع: يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له: ربوني؛ الذي تفسيره يا معلم. قال لها يسوع: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم، فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا" (يو20: 11- 18) في هذه الزيارة الخامسة والأخيرة للقبر، نرى مريم المجدلية وهي في اضطراب وشك وبكاء، تردد قولها السابق الذي قالته للرسولين بطرس ويوحنا. فقالت نفس العبارة للملاكين الجالسين داخل القبر "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه" (يو20: 13). ثم وصل بها الحال أن قالتها للسيد المسيح نفسه عند ظهوره لها للمرة الثانية: "يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه" (يو20: 15). وكانت قد ظنت أنه البستاني ولم تعلم أنه يسوع (انظر يو20: 14، 15) وحينما ناداها السيد المسيح باسمها قائلًا: "يا مريم" (يو20: 16)، كان يريد أن يعاتبها على كل هذه البلبلة والشكوك التي أثارتها حول قيامته، وعلى ما هي فيه من شك في هذه القيامة المجيدة، ثم رغبتها في الإمساك به لئلا يفلت منها مرة أخرى بعد أن أمسكت سابقًا بقدميه وسجدت له في ظهوره الأول لها مع العذراء مريم (انظر مت 28: 9) في هذه المرة قال لها مؤنبًا: "لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي" (يو20: 17). كان هذا تأنيبًا شديدًا لها لأنها شكّت في قيامته، وتريد أن تمسكه لئلا يختفي مرة أخرى إنها بشكها في قيامته؛ تكون قد شكت في قدرته الإلهية في أن يقوم من الأموات. وكأنه ليس هو رب الحياة المساوي لأبيه السماوي في القدرة والعظمة والسلطان. وبهذا يكون لم يرتفع في نظرها إلى مستوى الآب.. كما إنها تريد أن تمنع اختفاءه من أمام عينيها لكي لا تشك في القيامة.. وبهذا تكون كمن يريد أن يمنع صعوده إلى السماء.. وماذا يكون حالها بعد صعوده فعلًا ليجلس عن يمين الآب لهذا أمرها بصريح العبارة: "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو20: 17) في هذه المرة فهمت مريم المجدلية أنها ينبغي أن تقبل فكرة صعود السيد المسيح الذي لم يكن قد صعد بعد بالرغم من اختفائه عن عينيها بعد قيامته، كما أنه بقى على الأرض أربعين يومًا كاملين بعد القيامة لحين صعوده إلى السماءأمام أعين تلاميذه وقديسيه لهذا "جاءت مريم المجدلية، وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب، وأنه قال لها هذا" (يو20: 18) وكما عالج السيد المسيح شك توما في يوم الأحد التالي لأحد القيامة، هكذا عالج شكوك المجدلية بظهوره لها مرة أخرى في أحد القيامة، في البستان كانت السيدة العذراء مريم عجيبة ومتفوقة في إيمانها- فقد آمنت قبل أن ترى السيد المسيح قائمًا من الأموات، وآمنت حينما أبصرته، وآمنت حينما أمسكت بقدميه وسجدت له.. وقبلت صعوده في تسليم كامل، لأنها كانت تعرف أنه ينبغي أن يجلس عن يمين أبيه السماوي، ولا يكون لملكه نهاية، حسبما بشرها الملاك قبل حلول الكلمة في أحشائها متجسدًا.. لهذا حقًا قالت لها أليصابات بالروح القدس: "طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو1: 45). والظلام باقٍ "وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا، والظلام باقٍ" (يو20: 1) كان النهار قد بدأ منذ حوالي نصف الساعة، ولكن بقايا الظلام كانت ما تزال موجودة ناحية الغرب لأن النور يأتي من الشرق ويتدرج حتى ينسحب الظلام تمامًا في ناحية الغرب ولكن هناك معنى آخر وراء كلمة "الظلام باقٍ".. لأن مريم المجدلية بالرغم من رؤيتها للسيد المسيح القائم هي ومريم الأخرى إذ "أمسكتا بقدميه وسجدتا له" (مت 28: 9) وكان ذلك بعد زيارتها الأولى للقبر بعد قيامته مباشرة، إلا أنها في هذه المرة قبل وأثناء زيارتها الأخيرة بدأت تردد قولها للتلاميذ، وبعد ذلك للملائكة وللسيد المسيح نفسه:"أخذوا السيد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه" (يو20: 2) فمعنى هذه العبارة هو أنها لم تفهم بعد بوضوح حقيقة القيامة، أو لم يكتمل إيمانها بقيامة السيد المسيح -لذلك قيل أنها جاءت إلى القبر باكرًا، والظلام باقٍ. أي أن ظلمة عدمالمعرفة كانت ما تزال باقية تحتاج إلى من يجليها عن عقلها وإيمانها. ولنفس السبب لم تعرف السيد المسيح عندما ظهر لها ثانية وظنته أنه هو البستاني الذي يهتم بالبستان، حيث كان القبر الذي وضع فيه جسد السيد المسيح (انظر يو20: 15). كان الظلام باقٍ ولذلك لم تعرفه في تلك المرة. فناداها باسمها حتى تفيق من غفلتها الروحية وتستنير بالإيمان. انحنى "فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر. وكان الاثنان يركضان معًا. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولًا إلى القبر. وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنه لم يدخل" (يو 20: 3-5) لماذا انحنى التلميذ لكي ينظر داخل القبر. معنى ذلك أن باب القبر كان منخفضًا بصورة تحتم الانحناء وتكرر نفس الكلام بالنسبة لمريم المجدلية "أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكى. وفيما هي تبكى انحنت إلى القبر" (يو20: 11) من أراد أن يؤمن بالرب القائم من الأموات.. يؤمن بالفداء وبموت الرب وقيامته، ينبغي أن ينحني أمام هذه الحقيقة الفائقة للوصف. لا يستطيع أن يقبل الإيمان إلا القلب المنكسر والمتواضع، لأن "يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع4: 6) إن من يزور الأديرة القديمة يلاحظ أن باب الدير الخارجي وباب الكنيسة دائمًا يكون منخفضًا، ويُلزِم الداخل بالانحناء.. أليس هذا هو بداية الطريق الروحي: المسكنة بالروح؟! واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين "فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين، واحدًا عند الرأس، والآخر عند الرجلين، حيث كان جسد يسوع موضوعًا" (يو 20: 12) جسد الرب يسوع هو السلم الموصل من الأرض إلى السماء. هكذا رآه الأب يعقوب بروح النبوة والملائكة صاعدة ونازلة عليه وقيل أيضًا إن "السماء هي كرسي الله والأرض هي موطئ قدميه" (انظر مت 5: 34، 35) فالملاك عند موضع الرأس يشير إلى السماء حيث كرسي الله. والملاك عند موضع القدمين يشير إلى الأرض حيث تجسد السيد المسيح وصنع الفداء كان من الممكن أن تملأ الملائكة قبر السيد المسيح ولكن وجود الملاكين بهذه الصورة يرفع عقولنا نحو هذه الحقيقة: إن جسد يسوع هو الطريق المؤدى من الأرض إلىالسماء.. هكذا أظهرت لنا ملائكة القيامة وقد اعتادت الكنيسة أن تضع شمعدانين منيرين فوق المذبح أثناء الخدمة الطاهرة، وهذان الشمعدانان يرمزان إلى ملائكة القيامة نفس الأمر تمارسه الكنيسة عند قراءة الإنجيل المقدس حقًا لقد جمع السيد المسيح ما في السماوات وما على الأرض بخلاصه العجيب. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
04 نوفمبر 2019

فلسَي الأرملة

إنها قصة عجيبة حدثت فى وجود الرب يسوع فى الهيكل: "جاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم: الحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12 42- 44) والأسئلة التى قد تتبادر إلى الذهن عند قراءة هذه الواقعة المؤثرة هى كما يلى أولاً: كيف تتبرع أرملة فقيرة فى خزانة بيت الرب وهى تحتاج إلى مساعدة؟ ثانياً: كيف تتبرع بكل ما عندها، كل معيشتها. مع أن الناموس طالبها بالعشور فقط؟! ثالثاً: لماذا سمح السيد المسيح لهذه الأرملة أن تفعل ذلك، ثم تخرج وليس معها ما تقتات به وهى أرملة فقيرة؟! رابعاً: لماذا لم يأمر تلاميذه بمنحها مبلغاً من المال لمساعدتها بعد أن صارت لا تملك شيئاً بل "ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 44)؟ إن القصة قد بدأت هكذا "جلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقى الجمع نحاساً فى الخزانة. وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيراً فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع" (مر12: 41، 42)أراد السيد المسيح أن يلقن تلاميذه درساً فى العطاء، وأن يعطيهم فكرة عن مقاييسه التى تختلف عن مقاييس عامة البشرأراد أن يفهموا أن قيمة عمل الإنسان فى نظره لا تتوقف على حجم هذا العمل، ولكن على المشاعر والدوافع التى تقترن به، وأن كل فضيلة تخلو من الحب والاتضاع لا تحسب فضيلة عند الله لاشك أن هذه الأرملة قد امتلأ قلبها بمحبة الله ولهذا أعطت كل ما عندها، كل معيشتها. وبالفعل عاشت الوصية التى تقول "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك" (مت22: 37)وفى تواضعها لم تخجل من أن تضع قدر ضئيل جداً من المال فى وسط الأغنياء الذين يملكون الكثير ووضعوا نقوداً كثيرة. لقد عرضت نفسها لسخرية واحتقار الآخرين، ولكن دافع الحب عندها جعلها تقدم أقصى ما عندها حتى ولو بدا ضئيلاً فى أعين الآخرين لقد عاشت هذه المرأة الوصية بغض النظر عن حالتها الشخصية فبالرغم من فقرها الشديد إلا أنها أرادت أن تنال بركة العطاء وتقديم العشور. ولكن ماذا تكون عشورها؟!.. ربما لا توجد عملة متاحة من النقود تساوى عشر الفلسين. وحتى لو وُجدت فإنها أرادت أن تقدم تكريماً لرب الجنود يتخطى الحد الأدنى للعطاء وهو العشور.. لذلك "ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 44)، ولسان حالها يقول {اقبل يا رب تقدمتى المتواضعة التى لا تليق بجلالك.. ولكن هذا هو كل ما عندى}0 موقف السيد المسيح كان عطاء هذه المرأة عظيماً جداً فى عينى الرب لذلك لم يعترضها ولم يمنعها ولم يجرح مشاعرها بأن يمنحها صدقة فى ذلك التوقيت بالذات كانت الملائكة تسبح بتسابيح البركة وكان المشهد عظيماً إهتزت له أعتاب السماء على مثال سلم يعقوب حاضراً بملائكته الأطهار صاعدين ونازلين وسجّل الإنجيل المقدس هذا المشهد العجيب ليكون عبرة للكنيسة فى جميع الأجيال إنها أنشودة حب ابتهج لها قلب السيد المسيح وأراد أن يلفت أنظار تلاميذه ليقفوا مبهورين أمام هذا المشهد العظيم الذى كان حضوره فيه هو مصدر جلاله وعظمته وخرجت الأرملة الفقيرة بكل وقار القداسة، محاطة بجماهير الملائكة الذين اجتذبهم حب هذه المرأة وتواضعها إن هذه الأرملة الفقيرة التى كانت غنية بمحبتها وتواضعها هى رمز للكنيسة التى ترملت بعد خروجها من الفردوس وقال لها الرب بفم اشعياء النبى "لا تخافى لأنك لا تخزين. ولا تخجلى لأنك لا تستحين. فإنك تنسين خزى صباك وعار ترملك لا تذكرينه بعد. لأن بعلك هو صانعك رب الحنود اسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يُدعى. لأنه كإمرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب، وكزوجة الصبا إذا رذلت قال إلهك. لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة، وبإحسان أبدى سأرحمك قال وليّك الرب.." (أش54: 4-8) لاشك أن الرب قد أحسن كثيراً إلى هذه المرأة الأرملة الفقيرة بعد خروجها من الهيكل وتولاها بعنايته بعد أن قدّمت له كل ما عندها.. كل معيشتها وهكذا أيضاً الكنيسة من خلال القديسة مريم العذراء قد قدّمت كل ما عندها بكل الحب والاتضاع جسداً وروحاً إنسانياً عاقلاً إتخذه الرب ناسوتاً كاملاً من العذراء مريم ليدخل به مع البشرية فى عهد جديد. وكان هذا الجسد والروح الإنسانى اللذين إتخذهما الرب هو ما يرمز إليه فلسَي الأرملة اللذان لهما أعظم قيمة فى عينى الرب "ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة" (مر12: 43) وهكذا نسمع الرب يقول هذه الأنشودة الشعرية بفم اشعياء النبى "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية: هأنذا أبنى بالإثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شُرفك ياقوتاً وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيراً" (أش54: 11- 13) بعد ميلاد الرب البتولى من العذراء مريم بفعل الروح القدس، صار السيد المسيح هو كل ما عندها، كل معيشتها. وليس للعذراء مريم فقط بل للكنيسة كلها كان السيد المسيح هو كل ما عندها، كل معيشتها كما نقول فى أوشية الإنجيل {لأنك أنت هو حياتنا كلنا}وجاء يوم الفداء وقدّمت العذراء مريم راضية على الصليب ابنها الوحيد ناسوتياً، وقدّمت الكنيسة كل ما عندها، كل معيشتها فى خزانة الرب.. وقبل الآب تقدمة البشرية إليه، التى هى نفسها عطية الآب للبشرية.. وكانت أعظم تقدمة.. وكان سلم يعقوب.. وكان رضى الآب نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
02 سبتمبر 2021

علامات تسبق المجيء الثاني للرب

علامات المجيء الثاني للرب هناك من يتساءلون هل هناك علامات معينة للمجيء الثاني للسيد المسيح له المجد؟ وإن وجدت هذه العلامات فهل تكون وسيلة لتحديد موعد المجيء الثاني؟ لقد أعطى السيد المسيح علامات وقال: "فمن شجرة التين تعلّموا المثل متى صار غصنها رخصًا وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب" (مت24: 32).فلا يوجد مانع أن يكون لدينا علامات لكن هذه العلامات لا تحدد موعد المجيء الثاني، وإلا سيتعارض هذا مع كلام الرب عندما قال: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7).إن هذه العلامات لها فائدة ثانية إلى جوار معرِفة موعد المجيء الثاني بالتقريب (وحينما نقول بالتقريب هنا فإننا لا نقصد الساعة أو اليوم أو الشهر أو السنة طبعًا). الفائدة الثانية هي أنه طالما هذه العلامات لم تحدث بعد فإننا نستطيع أن نرد على الذين يدّعون أن المجيء الثاني سوف يحدث الآن بسؤالهم: أين هي العلامات؟!! إذًا العلامات ليست فقط لكي نعرف أن مجيئه قد اقترب، لكن أيضًا لكي نقدر أن نرد على الذين يدّعون سرعة مجيء الرب. لذلك لابد أن نفهم العلامات جيدًا. ترتيب علامات المجيء الثاني ولا يكفى مجرد معرفة ما هي العلامات لكن لابد أيضًا من معرفة ترتيبها ونلاحظ من كلام السيد المسيح العلامات التالية بالترتيب الآتي: أولًا: انتشار الإنجيل في كل العالم. ثانيًا: توبة اليهود وإيمانهم بالسيد المسيح. ثالثًا: النهضة الروحية الهائلة التي تترتب على هذا الحدث، الذي هو توبة اليهود وإيمانهم بالسيد المسيح. رابعًا: ظهور الوحش والوحش ليس حيوان لكنه إنسان سوف يدّعى إنه هو المسيح. خامسًا: الارتداد العام الذي سيترتب على ظهور الوحش. وهو ارتداد غير ما نراه في أيامنا هذه، وسيكون مصحوبًا باضطهاد عنيف جدًا على المسيحيين. سادسًا: عودة أخنوخ Enoch وإيليا اللذين صعدا إلى السماء أحياء؛ سيرجعان إلى الأرض مرة أخرى ويستشهدا. سابعًا: الضيق العظيم الذي سيسبق مجيء الرب. ويلي ذلك أحداث المجيء نفسها، فالمجيء الثاني هو الحدث الثامن في الترتيب. هناك سبعة علامات للمجيء الثاني ثم أحداث المجيء الثاني نفسها. انتشار الإنجيل في كل العالم من علامات المجيء الثاني:- قال السيد المسيح: "ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهي" (مت24: 14). وهو هنا ربط بين البشارة بالإنجيل لجميع الأمم وبين نهاية العالم.لو فحصنا هذه العلامة سوف نجد أن الإنجيل قد انتشر فعلًا في العالم كله وطُبع في مئات اللغات، ومن السهل جدًا على أي شعب من شعوب الأرض حاليًا معرفة محتوى الإنجيل سواء عن طريق أناجيل طُبعت بلغاتهم الخاصة أو عن طريق ترجمات من الممكن أن يقوم بها بعض المفسرين.وكما نعرف فإنه حتى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية حاليًا لها كنائس في كل قارات العالم تقريبًا. فلها كنائس في أوربا، وكنائس في أمريكا الشمالية، وفى أمريكا الجنوبية، وفى أفريقيا، وفى أسيا مثل دول الخليج، ولنا كنائس في أستراليا. وبدأت خدمة في اليابان. وأيضًا إلى جوار أستراليا توجد نيوزلندا التي تعتبر أرض جديدة ولنا فيها كنيسة في بلد اسمها Christ Church "كنيسة المسيح" وهى تتبع إيبارشية ملبورن.ولنا كنائس شقيقة مثل الكنيسة السريانية وهى كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية الموجودة في أسيا: في سوريا ولبنان وبلاد المشرق حتى الهند.فبنظرة سريعة نرى الكلام الذي قيل عن بشارة الرسل "إلى كل الأرض خرج صوتهم وإلى أقاصي المسكونة أقوالهم" (رو10: 18) وذكرها بولس الرسول نقلًا أو اقتباسًا من سفر المزامير (مز18: 4).ففي تصوري إن فكرة انتشار الإنجيل أو البشارة بالإنجيل في العالم كله من الممكن أن نعتبرها علامة شبه تمت. وهذا يعطينا انطباعًا لما قاله السيد المسيح: "حتى تكمل أزمنة الأمم" (لو21: 24) الأمم أي الشعوب التي ليست من أصل يهودي. نستطيع القول بأننا قاب قوسين أو أدنى من عبارة "تكمل أزمنة الأمم". لكن ليس هناك تحديدات إنما مجرد ملاحظة أن الإنجيل قد انتشر في العالم كله. توبة اليهود وإيمانهم من علامات المجيء الثاني:- وهناك ارتباط بين الأمرين.. فقد قال معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية: "فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا هذا السر لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء، أن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤُ الأمم" (رو11: 25). بمعنى أن الذي لا يحاول فهم هذه النقطة، ويظن نفسه فاهمًا وحكيمًا، فهو في الحقيقة غير فاهم. إذًا هذه مسألة تستدعى الانتباه.. بمعنى أننا يجب أن نتفهّم هذا القول "أن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤُ الأمم. وهكذا سيخلُصُ جميع إسرائيل" (رو11: 25، 26).عبارة "سيخلص جميع إسرائيل" تبطل تطبيق هذه العلامة على إيمان عشرون أو ثلاثون فردًا من اليهود بالمسيحية في بلد ما، أو جماعة كبيرة من اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية عملوا في فلوريدا نموذج لهيكل سليمان ليُوَضِحوا الارتباط بين الرموز الموجودة في الهيكل وبين الديانة المسيحية.. هذه كلها مجرد محاولات للاقتراب من المسيحية من جانب بعض اليهود. ثم، أولًا: هل هؤلاء صاروا مسيحيين أرثوذوكسيين؟ ثانيًا: ما هو عددهم؟ لأن الكتاب يقول "هكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو11: 26)، فالنص الكتابي لا يحتمل المزايدات. إن توبة اليهود وإيمانهم هو عبارة عن تحول جذري في مصير الأمة اليهودية كلها. فإذا استثنينا أفراد قلائل لن يقبلوا الإيمان في ذلك الحين ولا يعبرون عن المجتمع العام لليهود سواء كانوا موجودين في أرض إسرائيل أو خارجها هذا لا يؤثر في المعنى لكن الهدف إن اليهود سوف يؤمنون بصفة شاملة، حتى غير الموجودين في إسرائيل.. لابد أن يكون الرجوع شاملًا.. رجوع إلى الله وتوبة.هذا الكلام لا يوجد فقط في الكتاب المقدس بعهده الجديد لكنه موجود في القديم أيضًا. فقد قال هوشع النبي في العهد القديم: "لأن بنى إسرائيل سيقعدون أيامًا كثيرة بلا ملك وبلا رئيس وبلا ذبيحة... بعد ذلك يعود بنى إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام" (هو3: 4، 5). والمعروف أن هوشع النبي قد أتى بعد داود النبي بمدة كبيرة أي بمئات السنين، فعندما يقول: "ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم" يكون المقصود بعبارة "داود ملكهم" هو "الرب يسوع المسيح"، وهذا يعنى إيمانهم بالمسيح لأنهم كيف يطلبون داود وهو قد دُفن وقبره موجود إلى هذا اليوم كما قال بطرس الرسول (انظر أع2: 29).وقوله: "يعود بنى إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام " (هو3: 4-5) عبارة "آخر الأيام" تعنى المجيء الثاني، وهذه هي إحدى علامات المجيء الثاني.لا زال اليهود إلى الآن يسفكون دماءً كثيرة في حروبهم ضد الفلسطينيين، ويشردون سكان الأراضي المقدسة، ويصارعون من أجل مملكة أرضية رفضها السيد المسيح عندما قال: "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18: 36)، ويصارعون من أجل هيكل قديم قال عنه السيد المسيح: "لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض" (مت24: 2، مر13: 2، لو21: 6) وهذه العبارة وردت في ثلاثة أناجيل من الأربعة.وقال لهم السيد المسيح أيضًا: "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (مت23: 38، لو13: 35).. إذًا السعي إلى بناء الهيكل هو أمر يعتبر ضد التيار.. فتيار الرب هو في أن يستغنوا عن الذبائح الحيوانية ويقبلوا ذبيحة الرب يسوع المسيح. وأن يستغنوا عن المُلك الأرضي ويقبلوا الملكوت السماوي. فطالما لازالت أحلامهم الأرضية قائمة، سيظل إيمانهم بالمسيح معطل. والعزوة والاعتزاز بالشرائع الناموسية الموسوية المختصة بالذبائح والهيكل إلخ. كل هذا يُعطّل إيمانهم بالسيد المسيح.كيف سيؤمن اليهود؟ هذه مسألة لا نقدر أن نقطع فيها برأي. ولكن علينا مسئولية وهى أن نشهد للمسيح في كل زمان ومكان..لقد أصبحت وسائل الاتصالات اليوم توفّر للإنسان التواصل مع أي شعب من الشعوب حتى وهو جالس في مكانه. لذلك علينا مسئولية وهى أن تكون لنا شهادة عما ورد في العهد القديم من نبوءات. ومن الممكن جدًا أن يهتم المسيحيين بشرح المسيحية شرحًا سليمًا من خلال الكتاب المقدس وأسفار العهد القديم بحيث تبرز صدق إرسالية السيد المسيح وحقيقة أن يسوع الناصري هو فعلًا المسيا المنتظر. فهذه رسالة موضوعة علينا حتى وإن لم نوجد في وسط اليهود في الأراضي المقدسة، ومن الممكن أن يكون لنا القدرة على التواصل الفكري من خلال وسائل الاتصالات. كما أنه توجد لنا كنائس وشعب في الولايات المتحدة الأمريكية من الممكن أن يعلن المبادئ المسيحية لكي يراجع اليهود الموجودون هناك أنفسهم، وتكون لهذه قوة تأثير كبيرة جدًا على اليهود في أي مكان آخر في العالم عندما قال الرب: "لما كان إسرائيل غلامًا أحببته، ومن مصر دعوت ابني" (هو11: 1) كان المقصود بها ليس فقط خروج شعب إسرائيل من أرض مصر ولكن أيضًا مجيء العائلة المقدسة إلى أرض مصر وعودتهم مرة أخرى إلى هناك حيث صُلب السيد المسيح في الأراضي المقدسة. فعبارة "من مصر دعوت ابني" تعنى عندما هربت العائلة المقدسة إلى مصر.وحاليًا الإيمان الحقيقي مستقر في مصر وفى الكنائس الشقيقة. ونحن نحتاج إلى أن نحفظ هذا الإيمان إلى أن يأتي الوقت الذي يصل فيه نور الإيمان وشرارة الإيمان إلى هؤلاء الناس.. هذه مسئولية علينا.. النهضة الروحية من علامات المجيء الثاني:- اليهود مصدر حزن وقلق للعالم كله، وقد قال عنهم بولس الرسول: "غير مرضيين لله وأضداد لجميع الناس" (1تس2: 15). ولكن الله في مقاصده التي يعبر عنها بولس الرسول بقوله: "إن كان رفضهم هو مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات" (رو15:11). وهذا يعنى أنه لما كان اليهود قد رُفِضوا بسبب قساوتهم وصلبهم للسيد المسيح، اتجه الآباء الرسل للتبشير بالمسيحية إلى كل أمم الأرض، فإذا كان رفضهم صار مصالحة للعالم -لأن المسيحية قد انتشرت في شعوب الأرض كلها بسبب قساوة اليهود- فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات. إذن رجوعهم سيكون سبب ازدهار شديد جدًا للمسيحية. للأسف نحن نرى أن المسيحية تنهار في الغرب بصورة رهيبة.اليهود في حالة غضب شديد بسبب فيلم آلام المسيح الذي ظهر قريبًا (إخراج ميل جيبسون Mel Gibson)، وفى نفس الوقت فإن المسيحيون الذين يشاهدون هذا الفيلم يتأثرون ويتبكت الكثيرون منهم على خطاياهم. هناك حركة تحدث الآن.. لست أقصد أن هذا الفيلم هو الذي سوف يتسبب في إيمان اليهود لكن من الواضح أن هناك صراع فكرى يدور. تأثير هذا الفيلم جبار على كل المستويات فاليهود في حالة غضب شديد والمسيحيون في حالة تأثر شديد. وهذا يعطينا نموذج لِما يمكن أن يحدث في مرحلة مشابهة عندما ينوح اليهود على خطاياهم بدلًا من أن يبكوا عند حائط المبكى على مجدهم الزائل، يبكوا على خطية صلبهم للسيد المسيح، حينئذ يتبكت المسيحي أيضًا.اليهود في وقت صلب السيد المسيح قالوا "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 27: 25)، والآن يقولون ما ذنبنا إن كان أجدادنا هم الذين صلبوه؟ لكن طالما هم إلى هذا الوقت يعتبرون أن السيد المسيح مضل ومخالف للناموس، وبالتالي فحسب شريعتهم هو مستحق للموت، إذن كل يهودي اليوم يظن في نفسه أن السيد المسيح كان مستحقًا للصلب، لا يجب أن يقول ما ذنبي إن كان أجدادي هم الذين صلبوه؟! لأن هذا نوع من تزييف الحقيقة ونوع من التمويه لكن على أية الأحوال اليهود أعداء من أجل الإنجيل، وأحباء من أجل الآباء كما يقول معلمنا بولس الرسول: "من جهة الإنجيل هم أعداء من أجلكم وأما من جهة الاختيار فهم أحباء من أجل الآباء" (رو11: 28). "من جهة الإنجيل أعداء" تعنى أنهم طالما ينكرون السيد المسيح فهم أعداء للإنجيل، و"من جهة الاختيار فهم أحباء من أجل الآباء" تعنى أنهم عندما يتوبون ويؤمنون بالمسيح فسيكون هذا هو تحقيق الوعد الذي قاله الرب لإبراهيم: "يتبارك فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض" (تك28: 14). فمن باب أولى إذا كانت كل الشعوب قد تباركت، فلماذا يحرمون هم أنفسهم من هذه البركة؟ ولكن بشرط أن يتوبوا.. ومن ضمن توبتهم أن يكفوا عن سفك الدماء والعدوان والأحلام الأرضية والتوسعية. وللحديث بقية مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس عن كتاب سلسلة محاضرات تبسيط الإيمان
المزيد
25 نوفمبر 2019

التناول من جسد الرب ودمه

يتساءل البعض هل عندما نتناول جسد الرب يسوع المسيح المتحد بلاهوته تحت أعراض الخبز فنحن نمضغ اللاهوت؟ وهل عندما نشرب دم الرب يسوع المسيح المتحد بلاهوته تحت أعراض الخمر الممتزج بالماء فنحن نشرب اللاهوت؟وللإجابة على ذلك نقول أن يد السيد المسيح في جسده المصلوب على الصليب والمتحد بلاهوته عندما دقوا فيها المسمار فإن المسمار خرق يده المتحد باللاهوت ولكنه لم يخرق اللاهوت. وآلام جسده عمومًا المتحد باللاهوت في ذبيحة الصليب لم تقع على اللاهوت لأن اللاهوت غير قابل للألم. والكنيسة في القرون الأولى حرمت بدعة مؤلّمي اللاهوت (ثيئوباسخايتس).واللاهوت حاضر في كل مكان ولا ينتقل من مكان إلى آخر لذلك عندما نذكر صعود السيد المسيح بجسده الممجد القائم من الأموات نقول في القداس الإلهي (الغريغوري) [وعند صعودك إلى السماوات جسديًا وأنت مالئ الكل بلاهوتك]. نقول عن صعوده جسديًا؛ وجسده متحد بلاهوته ولكن لاهوته لا يصعد من الأرض إلى السماء بل هو في الأرض وفي السماء في آنٍ واحد. وعندما كان موجودًا بجسده المتحد باللاهوت على الأرض، كان في نفس الوقت في حضن الآب بلاهوته كقول إنجيل القديس يوحنا الرسول عن السيد المسيح وصعوده بالجسد «الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو1: 18). وقول القديس أثناسيوس الرسولي: [وحضن الآب لا يخلو أبدًا من الابن بحسب ألوهيته] (مجموعة آباء ما قبل وما بعد نيقية، السلسلة الثانية، المجلد الرابع صفحة 85 طبعة سبتمبر 1978 الإنجليزية).إذًا ففي التناول نحن نمضغ الجسد المتحد باللاهوت ولكن لا نمضغ اللاهوت الذي لا يتجزأ بالمضغ. ونحن نشرب الدم المتحد باللاهوت ولكن اللاهوت لا ينتقل من الفم إلى البلعوم ثم إلى المرّيء لأنه كائن في كل مكان. وباتحادنا بجسد الرب الحقيقي وبدمه الحقيقي نتحد بالحياة الأبدية حسب وعده الصادق «مَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي» (يو6: 57). وأيضًا قوله «إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ» (يو6: 53). وقوله «لأَنَّ خُبْزَ اللَّهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ» (يو6: 33)، «وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يو6: 51). وفي وعده المقدس قال السيد المسيح «مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يو6: 56)، «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ» (يو6: 54-55). أي أن جسده هو مأكل حقيقي ودمه هو مشرب حقيقي. وكما هو وسيلة للثبات في المسيح فإنه يمنح الحياة الأبدية لأنه يمنح استحقاق القيامة في اليوم الأخير. فالاتحاد بالمسيح في التناول هو اتحاد بالحياة الأبدية لأنه هو "ينبوع الحياة" بالنسبة لنا. لذلك نقول في قطع صلاة النوم في الأجبية عن السيدة العذراء مريم أنها [أم قادرة رحيمة معينة والدة ينبوع الحياة ملكي وإلهي يسوع المسيح رجائي] (القطعة الثالثة). نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
16 مايو 2019

القيامة هي موضوع شهادة

قبل التجلي بستة أيام أنبأ السيد المسيح تلاميذه عن آلامه وموته وقيامته، وقد سجل القديس متى الإنجيلي ذلك بقوله: "من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم" (مت16: 21) أراد السيد المسيح بذلك أن يجعلهم يفهمون أنه سوف يبذل للموت نفسه بإرادته، وأنه سوف يقوم بسلطانه الإلهي كان ينبغي لكي يخبرهم بقيامته أن يخبرهم بموته، لأنه لا توجد قيامة إلا من الموت. ولولا الموت لما كانت القيامة كانت القيامة هي أقوى برهان على لاهوته، وعلى خلوه من الخطية الأصلية التي لآدم. وكذلك برهان على بره الكامل، ونقاوته المطلقة في حياته الإنسانية، وعلى قبول ذبيحته أمام الله الآب لغفران خطايا العالم إن قيامة السيد المسيح من الأموات، هي عماد الديانة المسيحية، وموضوع شهادة الآباء الرسل للعالم، بحسب وصية الرب لهم "تكونون لي شهودًا" (أع1: 8). وحينما أرادوا أن يختاروا من يحل محل يهوذا الإسخريوطى ويأخذ وظيفته الرسولية قالوا: "فينبغى أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج، منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنّا يصير واحد منهم شاهدًا معنا بقيامته" (أع1: 21، 22) وقد أزعجت شهادة الرسل لقيامة السيد المسيح رؤساء كهنة اليهود والفريسيين والصدوقيين، وحاولوا أن يمنعوها بكل الوسائل. سواء بالتهديد والوعيد أو بالتنكيل والتعذيب. ولكن كانت إجابة الآباء الرسل الثابتة هي "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع4: 20) وحينما شفى بطرس ويوحنا الرسولان الرجل الأعرج عند باب الهيكل الذي يقال له الجميل "بينما هما يخاطبان الشعب أقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون، متضجرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات. فألقوا عليهما الأيادي ووضعوهما في حبس إلى الغد وحدث في الغد أن رؤساءهم وشيوخهم وكتبتهم اجتمعوا إلى أورشليم مع حنان رئيس الكهنة وقيافا ويوحنا والإسكندر وجميع الذين كانوا من عشيرةرؤساء الكهنة" (أع4: 1-3، 5، 6). فقال لهم الآباء الرسل: "فليكن معلومًا عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات. بذاك وقف هذا أمامكم صحيحًا" (أع4: 10). في كل عظة للرسل كانوا ينادون بقيامة الرب يسوع المسيح من الأموات: ففي عظة يوم الخمسين قالوا: "الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه" (أع2: 24) وقالوا أيضًا: "يسوغ أن يُقال لكم جهارًا عن رئيس الآباء داود أنه مات ودُفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيًا وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم تُترَك نفسه في الهاوية، ولا رأى جسده فسادًا. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك" (أع2: 29-32) وفي عظة باب الهيكل الجميل قالوا: "إله آبائنا مجَّد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطسوهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 13-15) وإلى جوار ما سبق أن ذكرناه في حوار بطرس ويوحنا مع رؤساء اليهود بعد شفاء الأعرج عن قيامة السيد المسيح فإن حوارًا آخر قد دار بعد القبض على كل الآباء الرسل ووضعهم في حبس العامة، وإخراج ملاك الرب لهم في الليل من السجن، وإحضارهم في اليوم التالي "فلما أحضروهم أوقفوهم في المجمع. فسألهم رئيس الكهنة قائلًا: أما أوصيناكم وصية أن لا تعلِّموا بهذا الاسم، وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان فأجاب بطرس والرسل وقالوا: ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس. إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلّقين إياه على خشبة" (أع5: 27-30) وفي خطاب استفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء أمام مجمع اليهود قال: "ها أنا أنظر السماوات مفتوحةوابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 56) وعندما أرسل الرب بطرس ليكرز بالكلمة في بيت كرنيليوس الذي كان من الكتيبة التي تُدعى الإيطالية قال عن السيد المسيح: "ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم. الذي أيضًا قتلوه معلقين إياه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث. وأعطى أن يصير ظاهرًا، ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فانتخبهم لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات" (أع10: 39-41) وفي أنطاكية بيسيدية قال بولس الرسول في مجمع اليهود عن السيد المسيح: "ولما تمموا كل ما كُتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر. ولكن الله أقامه من الأموات. وظهر أيامًا كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب. ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا؛ إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضًا في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك. إنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضًا إلى فساد" (أع13: 29-34) في هذا الخطاب ربط القديس بولس بين بنوة المسيح لله في قول المزمور: "أنت ابني" (مز2: 7) وبين القيامة، لأن القيامة كانت نتيجة حتمية لاتحاد اللاهوت بالناسوت.. إذ أن الذي مات بحسب الجسد هو هو نفسه القدوس الحي الذي لا يموت بحسب لاهوته. وقام بسلطانه الإلهي منتصرًا على الموت، لأنه قَبِل الموت بإرادته وليس انهزامًا أمامه وقد ربط القديس بولس مرة أخرى الأمرين معًا في رسالته إلى أهل رومية بقوله عن إنجيل الله: "الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة، عن ابنه. الذي صار من نسلداود من جهة الجسد. وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات. يسوع المسيح ربنا" (رو1: 2-4). أي أن القيامة كانت برهانًا قويًا على بنوة السيد المسيح للآب وحينما تكلم القديس بولس الرسول في أثينا في أريوس باغوس شهد لقيامة المسيح فقال: "فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيًا عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه مقدمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات" (أع17: 30، 31) وفي خطابه أمام أغريباس الملك قال: "إن يُؤلَّم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعًا أن ينادى بنور للشعب وللأمم" (أع26: 23)وهكذا نرى كيف اهتم الآباء الرسل القديسون بالشهادة لقيامة السيد المسيح في كرازتهم بالإنجيل، وتعليمهم للشعب، ومجاهرتهم بالإيمان. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
09 مايو 2020

أيقونة السيد المسيح على المنديل

لقد ترك السيد المسيح صورته مطبوعة على المنديل "Mandilum" وعلى الكفن المقدس. وقد انطبعت بصورة معجزية تذكارًا للأجيال. وعنها أخذ الفنانون على مدى العصور مثال صورة وجه السيد المسيح ويحرص الأرثوذكس البيزنطيون في الفن الخاص بأيقوناتهم أن يكون وجه السيد المسيح أقرب ما يكون للوجه المطبوع على المنديل وعلى الكفن المقدس. لقد ترك السيد المسيح للأجيال المتعاقبة كلامه مدونًا في الأناجيل المقدسة وصورته على المنديل والكفن المقدس لأنه سبق أن قال لتلاميذه: "إن أنبياءَ وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا. ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر، ولآذانكم لأنها تسمع" (مت13: 17، 16) إذن فقد طوّب السيد المسيح في العهد الجديد كلًا من الرؤية والسمع لِما يخص أعماله، وأقواله، وظهوره، وتعاليمه وعن هذه الطوبى كتب القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1يو1: 1) وقد حفظت الكنائس الأرثوذكسية هذا التقليد الرسولي الذي استلمته الكنيسة من السيد المسيح وصارت الكنيسة تحتفل وترفع البخور وتوقد الشموع أثناء قراءة الإنجيل المقدس لأنه كلام السيد المسيح ويقول الشماس(قفوا بخوف أمام الله، وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس). ويقول الأب الكاهن(مبارك الآتي باسم الرب؛ ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح..). كما أنها صارت تحتفل وترفع البخور وتوقد الشموع أو القناديل أمام أيقونةالسيد المسيح؛ وبخاصة أيقونة الصلبوت التي تحمل ذِكرى آلامه. والتي يصل الاحتفال بها في يوم الجمعة العظيمة إلى الذروة ويتلو ذلك تكريم أيقونة الدفن في نهاية الصلوات إلى فجر الأحد حينما يبدأ تكريم أيقونة القيامة لمدة أربعين يومًا وتضاف إليها أيقونة الصعود في عيد الصعود إلى صلوات رفع بخور أحد العنصرة في يوم الخمسين وبهذا يسير الأمران معًا: الرؤية (للأيقونة)، والسمع (عند قراءة الإنجيل) تمامًا كما قصد السيد المسيح "طوبى لعيونكم لأنها تبصر، ولآذانكم لأنها تسمع" (مت13: 16) أليست الكنيسة ككل هي أيقونة السماء على الأرض فكيف لا تحوى أيقونة للسيد المسيح؟!وكما إننا لا نقدم العبادة لكتاب الإنجيل كما لو كان هو الله الكلمة وليس كلمة الله المدوّنة في الكتب المقدسة، هكذا فنحن لا نعبد أيقونة السيد المسيح وكأنها هي السيد المسيح نفسه إن تكريم الأيقونات Veneration of Icons لا يتعارض إطلاقًا مع الوصية. ففي الوصايا العشر قال الرب لشعبه في القديم "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (خر20: 4، 5). أي أن ما نهي عنه الرب في الوصية هو عبادة الصور والتماثيل التي يعبدها الوثنيون وكأنها الآلهة التي يُقدّم لها السجود ولكن من الجانب الآخر؛ أمر الرب موسى النبي بأن يصنع من خراطة الذهب كروبين (أي ملاكين) فوق غطاءتابوت العهد يتجهان الواحد نحو الآخر؛ وينظران نحو غطاء التابوت ويبسطان أجنحتهما (انظر خر37: 6-9) حتى تلامس أجنحة الواحد منهما الآخر فوق غطاء التابوت وكان تابوت العهد في قدس الأقداس. وكان مجد الرب يتراءى لموسى فوق غطاء التابوت تحت جناحيّالكروبين؛ وكان موسى يسمع صوت الرب وهو يكلّمه "من على الغطاء الذي على تابوت الشهادة من بينالكروبين" (عد 7: 89) وفي عهد سليمان الملك عند تدشين الهيكل في أورشليم حينما "أدخل الكهنة تابوت عهد الرب إلى مكانه في محراب البيت في قدس الأقداس إلى تحت جناحيّ الكروبين لأن الكروبين بسطا أجنحتهما على موضع التابوت وظلل الكروبان التابوت وعصيه من فوق" (1مل8: 6، 7)، قيل "أن السحاب ملأ بيت الرب. ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب" (1مل8: 10، 11) وكان العابدون من الشعب يدخلون إلى الهيكل وهم يرددون: "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5: 7) لم تكن العبادة تقدَّم للكروبيم؛ بل للرب الساكن في بيته المقدس والساكن في السماوات، والذي سماء السماوات لا تسعه وكان في القدس مذبح البخور والكهنة يبخرون في وجود تابوت العهد والكروبيم (انظر 1مل 6: 23-28) ونقش الكروبيم على ستور خيمة الاجتماع وعلى جدران الهيكل "وجميع حيطان البيت في مستديرها رسمها نقشًا بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج" (1مل6: 29). "والمصراعان من خشب الزيتون ورسم عليهما نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور" (1مل 6: 32) ولم يعتبر هذا كله مخالفًا للوصية إن الأيقونة المدشّنة بالميرون هي (ميناء خلاص لكل من يلجأ إليها بإيمان) (من طقس تدشين الأيقونة) هي مثل جهاز التليفون إذا تم توصيل الحرارة إليه وتحمل رقم القديس صاحب الأيقونة الصلاة تصل إلى السماوات والبخور هو العلامة المنظورة للصلاة في الكنيسة وشركة الصلاة مع القديسين. وقد أبصر يوحنا في سفر الرؤيا في السماء حول العرش الإلهي الأربعة وعشرين قسيسًا وفي أيديهم مجامر من ذهب يرفعون بخورًا الذي هو صلوات القديسين (انظر رؤ5: 8) وإيقاد الشمع أمام الأيقونة هو لتأكيد أن السيد المسيح هو نور العالم. وبالنسبة للقديسين أن حياتهم كانت منيرة بالمسيح الذي قال أيضًا لتلاميذه: "أنتم نور العالم" (مت5: 14) وتظهر أهمية الشموع بصفة خاصة حينما توجد كنيسة بلا تيار كهربائي في الصلوات المسائية والليلية، أو التي في الصباح الباكر جدًا. وهذا كان الوضع إلى عهد قريب قبل اختراع التيار الكهربائي إن الأيقونة في الكنيسة في حال مثل هذا بدون الشمع أمامها؛ لا يراها أحد من الناس وتكون الشمعة هي تقدمة حب نحو من أناروا العالم بقداستهم وعند قراءة الإنجيل أيضًا تضاء الشموع لنفس الأسباب ولأن الإنجيل قد أنار العالم، والسيد المسيح قد "أنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تى1: 10). أي بواسطة بشرى الخلاص بموت السيد المسيح وقيامته ولا يفوتنا هنا أن نشير أنه في كلٍ من التقليد الأرثوذكسي الشرقي والبيزنطي قد تلازم تكريم الأيقونة مع تكريم الإنجيل المقدس. لأن السيد المسيح ترك لنا صورته على المنديل والكفن وكلامه فيالإنجيل، ولم يترك تمثالًا مجسّمًا لصورته. ومن هنا لم تُدخِل الكنائس الأرثوذكسية التمثال في تقليدها وطقوسها التي تجرى داخل الكنيسة في أثناء الصلوات المقدسة إن للتمثال أبعاد ثلاث (طول - عرض - ارتفاع). أما الأيقونة فلها بعدين، وبعدها الثالث هو عمق أو علو روحانية صاحب أو صاحبة الأيقونة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
16 يونيو 2019

عمل الروح القدس فينا

قال السيد المسيح: "متى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي" (يو15: 26) وهكذا أُرسل الروح القدس بناءً على طلب السيد المسيح، وبناءً على الصلح بدم صليبه أما المؤمنون بالمسيح فقال لهم: "أما أنتم فتعرفونه، لأنه ماكث معكم ويكون فيكم"تلاميذ الرب نشأت بينهم وبين الروح القدس علاقة شخصية، اختبارية كقول معلمنا بولس الرسول: "جميعنا سقينا روحًا واحدًا" (1كو12: 13)، وقوله: "الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها" (رو8: 26) صارت لهم معرفة للروح القدس، ماذا يريد، وماذا يقول "قال الروح القدس أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع13: 2)صارت لهم الدالة أن يطلبوا من الروح القدس. مثلما تصلى الكنيسة وتقول (أيها الملك السمائي المعزى روح الحق الحاضر في كل مكان؛ مالئ الكل كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وكن فينا، وطهِّرنا من كل دنس أيها الصالح وخلّص نفوسنا( (قِطع صلاة الساعة الثالثة).وقد تنبأ داود النبي في المزمور عن الروح القدس وعن وجوده في كل مكان وعن عمله في حياة الإنسان فقال: "أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضًا تهديني يدك وتمسكني يمينك" (مز139: 7-10) ونلاحظ في كلمات المزمور؛ عمل الروح القدس في إرشاد المؤمنين "تهديني يدك وتمسكني يمينك". "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14). المؤمن الحقيقي الذي يطلبه بحرارة من الله، يستشعر عمل الروح القدس في داخله: يعلّمه ويرشده ويعزّيه روحيًا ويقوده ويقود ضميره، وأحيانًا يوبّخه.. يذكّره بكلام السيد المسيح، أو يعلن مشيئة المسيح في داخله.. يقوّيه.. ينطق على لسانه.. يحدِّثه.. يلهمه لكي يتصرف بحسب فكر الروح، يعلن له أسرار سمائية، أو مقاصد إلهية.. يرفعه فوق مستوى العالم والمادة والزمان لكي يتصل بالحياة الأبدية. وعمومًا يشعر الإنسان بحضور الله في داخله إذ يصير هيكلًا للروح القدس فكيف بعد هذا كله، وكثير غيره، يتصور الإنسان أو تتصور الكنيسة أن تحيا بدون عمل الروح القدس فيها؟!وقال السيد المسيح إنه هو الذي سيرسل الباراقليط (انظر يو15: 26)، وأن الباراقليط سوف يأخذ مما للمسيح ويخبرنا.. لأن كل ما للمسيح فهو للآب وهو أيضًا للروح القدس. وكل ما للروح القدس فهو للآب وهو أيضًا للابن.. وهكذا فالجوهر الإلهي الواحد للأقانيم الثلاثة يجعل كل ما للأقنوم الواحد هو أيضًا للأقنومين الآخرين، فيما عدا الخاصية الأقنومية التي يتمايز بها هذا الأقنوم على وجه الخصوص. فالأبوة هي للآب، والبنوة هي للابن. والانبثاق هو للروح القدس. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل