المقالات

17 أغسطس 2022

أمنا وسيدتنا كلنا القديسة العذراء مريم

القديسة العذراء هي أول مؤمنة في المسيحية:- آمنت بأنها ستكون أم لابن الله، حتى أن أليصابات قالت لها "طوبى لمن آمنت بما قيل لها من قبل الرب"، ونص الآية هو: "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (إنجيل لوقا 1: 45)قيل لها أنها وهي عذراء ستلد فآمنت بهذا قيل لها القدوس المولود منك يدعى ابن الله، فآمنت بهذا قيل لها إن الروح القدس يحل عليك وقوة العلي يظللك، فآمنت بهذا. حلول الروح القدس على السيدة العذراء:- والروح القدس له علاقة كبيرة بالسيدة العذراء. حل عليها ولم يكن حلول الروح القدس عليها لمباركتها فقط ولكن الأكثر من ذلك أنها هي الوحيدة التي حل عليها الروح القدس حلولًا أقنوميًا. وما معنى حلولًا أقنوميًا؟ أي حلولًا كإله يعمل في داخلها عملًا إلهيًا. وما هو العمل الإلهي الذي عمله فيها؟ أولًا: أوجد في داخلها جنين بشري من غير زرع بشر. وهذه معجزة. ثانيًا: قدس مستودعها بحيث أن هذا الجنين لا يرث شيئًا من الخطية الجدية (الخطية الأصلية). لذلك قيل لها القدوس المولود منك (بلا خطية). ثالثًا: اتحد هذا الناسوت داخلها باللاهوت. كل هذه أعمال إلهية عملها الروح القدس في السيدة العذراء فكلمة "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ" (إنجيل لوقا 1: 35) لا تعني حلول عادي، كالذي يمكن أن يحل على أي شخص، أو كما حل الروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين، بل حلول الروح القدس عليها كان حلولًا أقنوميًا. وهناك ألقاب كثيرة للعذراء:- العظيمة بين النساء:- السيدة العذراء هي أعظم امرأة في الوجود فهي أعظم من جميع النساء بل أعظم أيضًا من الملائكة. ونحن نقول لها: "علوتِ يا مريم فوق الشاروبيم، وسموتِ يا مريم فوق السيرافيم" وعندما نقول الهيتينات في الكنيسة ونتشفع، نذكر العذراء أولًا قبل أن نذكر رؤساء الملائكة. فهي فوق رؤساء الملائكة يكفي أنها الوحيدة من نساء العالم كله على مر الأجيال التي اختارها الرب لكي تكون حاملة له هي التي انتظرها ملء الزمان والتي تكلم عنها بولس الرسول عندما قال"وفي ملء الزمان، نزل الله مولودًا من إمرأة"، ونص الآية هو: "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 4: 4) نساء كثيرات مرَّ عليهن التاريخ والرب لم يختر واحدة منهن، إلى أن جاءت العذراء. لذلك نرتل ونقول: "نساء كثيرات نلن كرامات ولم تنل مثلك واحدة منهن" وهذه العبارة مأخوذة من سفر الأمثال، ونص الآية هو: "بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلًا، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا" (سفر الأمثال 31: 29) إن عظمة السيدة العذراء أنها لم تكن فقط مملوءة من الروح القدس وإنما أيضًا كان وجودها يمنح الروح القدس. ففي زيارتها لأليصابات حين صار سلامها في أذن أليصابات امتلأت أليصابات من الروح القدس ليس فقط أليصابات التي امتلأت من الروح القدس وإنما الجنين الذي في بطن أليصابات يمتلئ أيضًا من الروح القدس ويتحرك بابتهاج في بطنها وفي إنجيل لوقا 1: 15 قيل في النبوءة بالمعمدان "وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (إنجيل لوقا 1: 15) وفعلًا امتلأ من الروح القدس بمجرد أن مريم العذراء أعطت السلام لأمه أليصابات لذلك أليصابات قالت لها: "مِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟!" (إنجيل لوقا 1: 43) أي أنا لا أستحق هذا الشرف العظيم أن تأتي أم ربي إلي وكيف عرفتِ يا أليصابات أنها أم ربك؟! عندما حل الروح القدس عليها بسلام مريم بدأ ينكشف أمامها أمور وتتنبأ بأمور فعرفت أن العذراء أم ربها وعرفت أنها آمنت بما قيل لها من قبل الرب بالروح القدس عبارة "أم ربي" أخذها مجمع أفسس المسكوني سنة 431 م. برئاسة القديس كيرلس الكبير ووضع لنا مقدمة قانون الإيمان "نعظمك يا أم النور الحقيقي القديسة العذراء مريم لأنك ولدتي لنا مخلص العالم" إذًا تعظيم وتمجيد السيدة العذراء قرار مجمع مسكوني. وليس مجرد إيمان عادي. الكنيسة كلها تمجد العذراء وتحبها:- لذلك نجد أن الكنيسة كلها لا تمجد العذراء فقط، بل تحبها. وتسمي باسمها كثير من بناتنا فنجد من هي إسمها مريم، ماري، ماريام، مارينا، آن ماري، ماريانا، فكثير من البنات اسمهم على اسم العذراء مريم وتجد أيقونة العذراء موجودة في كل مكان، ويندر أن يخلو بيت من أيقونة العذراء. والكنيسة دائمًا بها أيقونة العذراء. الحمامة الحسنة:- لكن أهم أيقونة للعذراء الأيقونة الموجودة في الجزء البحري من حامل الأيقونات (إيقونستات Iconostasis) على يمين الكاهن عندما يخرج من الهيكل ويبخر. حيث يبخر على اليمين ويقول: "السلام لك أيتها العذراء الحمامة الحسنة"وكلمة حمامة تذكرنا بالحمامة التي أتت بغصن الزيتون إعلان للسلام للفلك في الطوفان. بمجرد أن استلمها نوح، علم أن الخير قد جاء. فالعذراء هي الحمامة التي أتت بالسلام للعالم. التي عند البشارة بميلاد المسيح قيل "وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ" (إنجيل لوقا 2: 14) والحمامة في بساطتها وبراءتها حتى إن في النشيد يشبه بساطة ونقاوة الحبيبة بالحمامة "عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ" (سفر نشيد الأنشاد 1: 15؛ 4: 1) رمز للطهر والبساطة السيدة العذراء ليس من ألقابها العظمة أو الحمامة الحسنة فقط. ولكن من ألقابها أيضًا أنها دائمة البتولية. الدائمة البتولية:- دائمة البتولية تعني أنجبت وهي بتول وكانت قبل الإنجاب بتولًا وبعد الإنجاب بتولًا أيضًا فهي دائمة البتولية. الملكة:- ومن ألقابها أيضًا الملكة ونسميها ملكة ولذلك في أيقوناتها الطقسية هناك تاج فوق رأسها وتاج فوق رأس المسيح وتكون هي عن يمينه في الصورة الطقسية ليتم القول "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك"، ونص الآية هو "جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ" (سفر المزامير 45: 9) يقول عنها المزمور "كل مجد ابنة الملك من داخلها"، ونص الآية هو: "كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا" (سفر المزامير 45: 13). السماء الثانية:- ولأنها حملت المسيح وهو ساكن السماء لذلك أصبح من ألقابها السماء الثانية أي كما أن السماء فيها ربنا كذلك العذراء فيها ربنا. مدينة الله أو صهيون:- لذلك سميت أيضًا مدينة الله أو صهيون المزمور يقول "صهيون الأم تقول إن إنسانًا وإنسانًا ولد فيها" والنص كما ورد في الكتاب المقدس "وَلِصِهْيَوْنَ يُقَالُ: «هذَا الإِنْسَانُ، وَهذَا الإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ الْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا» (سفر المزامير 87: 5). العذراء في الكتاب المقدس:- وكثير من نبوات العهد القديم تشير إلى السيدة العذراء وأهم ما ورد عن العذراء الآية التي في سفر أشعياء النبي "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا"، ونص الآية هو: "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا" (سفر إشعياء 7: 14؛ إنجيل متى 1: 23). رموز العذراء في العهد القديم:- رموز كثيرة جدًا من العهد القديم. (العليقة):- من الرموز المشهورة في العهد القديم (العليقة) "العليقة التي رآها موسى النبي في البرية والنار تشعل جواها ولم تصيبها بأذية". (المجمرة الذهبية):- ومن ضمن الرموز إليها المجمرة الذهبية (المجمرة أي الشورية) المجمرة بداخلها الفحم المتحد بالنار. الفحم يمثل الطبيعة البشرية والنار يمثل الطبيعة الإلهية. لأن الكتاب يقول "إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12: 29)؛ "الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ" (سفر التثنية 4: 24). والنار والفحم متحدين داخل المجمرة. كما اتحد اللاهوت بالناسوت داخل بطن العذراء. (شورية هارون):- ولذلك أيضًا يسمونها شورية هارون. وشورية كلمة قبطية ]ourh تعني مجمرة. (عصا هارون):- وترمز إليها أيضًا عصا هارون التي أفرخت. عصا هارون خشبة ليس بها شيء ولكن خرج منها فروع حية، كذلك البتول. (تابوت العهد):- وشبهت أيضًا بتابوت العهد المغطي بالذهب وبداخله قسط المن. (قسط المن):- وشبهت بقسط المن. لأن قسط المن بداخله خبز المن الذي يرمز إلى المسيح. وهناك أسماء كثيرة أيضًا للعذراء: (الكرمة الحقانية):- وسميت بالكرمة الحقانية التي وجد بها عنقود الحياة. (أم النور، أم المخلص، أم القدوس، أم الفادي):- وسميت أيضًا بأم النور لأن المسيح هو نور العالم. وكل صفة للمسيح يضعون لها كلمة "أم" تكون العذراء. المسيح هو الفادي فتكون العذراء أم الفادي. والمسيح المخلص فتكون العذراء أم المخلص. المسيح النور فتكون العذراء أم النور. المسيح القدوس فتكون العذراء أم القدوس. كل هذه أسماء للعذراء. ولا توجد من سميت بهذه الأسماء الكثيرة مثل العذراء. العذراء في التسبحة:- العذارء توجد كثيرًا في التسبحة. على الأقل لحن "السلام لك يا مريم شيري ني ماريا" نكرر في كل مقطع اسم مريم وكله عن أسماء العذراء وكل تماجيد شهر كيهك عن العذراء. وإخوتنا الكاثوليك يسمون هذا الشهر (الشهر المريمي). أعياد العذراء:- السيدة العذراء تحتفل لها الكنيسة بأعياد كثيرة جدًا كل قديس من القديسين تحتفل له الكنيسة بعيد أو عيدين على الأكثر. في تاريخ استشهاده أو نياحته. وقد تحتفل الكنيسة بتاريخ تأسيس أول كنيسة على اسمه لكن الكنيسة تحتفل بأعياد كثيرة للعذراء مثل: (عيد البشارة بولادتها) فقد كان والديها لا ينجبان، والله بشرهم بولادتها. عيد ميلادها عيد دخولها الهيكل عيد دخولها أرض مصر. عيد نياحتها عيد صعود جسدها للسماء عيد العذراء حالة الحديد التي بشفاعتها انحلت قيود متياس الرسول. عيد ظهورها في كنيسة العذراء بالزيتون فالعذراء لها أعياد كثيرة جدًا، ولها معجزات لا حصر لها كما نحتفل بظهوراتها عمومًا على الأقل في مصر فبالإضافة لظهورها بالزيتون ظهرت في أرض بابا دبلو وفي أسيوط وفي الوراق. زيارة العذراء لمصر:- لذلك العذراء لها أهمية بالنسبة لمصر خصوصًا بالإضافة إلى أهميتها في العالم كله يكفي أنها قضت في مصر 3 سنين ونصف وجزء منهم في منطقة دير المحرق، لذلك الكثير من الأثيوبيين يذهبون للتبرك بدير المحرق كما يذهبون للقدس وفي مصر تنقلت العذراء في أماكن عديدة، فالعائلة المقدسة كانت كلما تذهب إلى مدينة تقع الأصنام على الأرض من جلال لاهوت السيد المسيح فيطردوهم من المدينة، فتذهب إلى مدينة أخرى فتقع الأصنام فيطردون أيضًا. فتنقلت العذراء والعائلة المقدَّسة من مدينة إلى مدينة. فضائل العذراء:- السيدة العذراء لها فضائل كثيرة جدًا، في مقدمتها: فضيلة التواضع:- المسيح المتواضع بحث عن إنسانة متواضعة لكي يولد منها. ولذلك (ماري اسحق) عندما سؤل عن التواضع قال: "أريد أن أتكلم عن التواضع ولكني خائف كمن يتكلم عن الله" لأن التواضع هو الحلة التي لبسها اللاهوت حينما ظهر بيننا المسيح المتواضع ولد من فتاة متواضعة ولذلك العذراء في تسبحتها تقول: "إن الله نظر إلى إتضاع أمته"، ونص الآية هو: "لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ" (إنجيل لوقا 1: 48)، وعجيبة أنها تقول عن نفسها أمة الرب، بالرغم من أن الملاك قال لها ستكونين أم الرب ولكنها تقول له أنا أمة الرب أي عبدته ولهذا العذراء لم يرتفع قلبها أبدًا بولادة السيد المسيح. ولم يرتفع قلبها بنشيد الملائكة ولا بالمعجزات التي صاحبت الميلاد ولا بمجيء المجوس وسجودهم له ولا بالنور الذي كان يحيط بالمسيح باستمرارومن تواضع العذراء أنها ذهبت لتخدم أليصابات في حبلها. الملاك قال لها اليصابات نسيبتك حبلى في الشهر السادس فإذا بهذه الفتاة الصغيرة التي كان عمرها 16 سنة تقريبًا تمشي وسط الجبال والأودية حتى تصل لأليصابات التي كانت حبلى في الشهر السادس وظلت تخدمها حتى الشهر التاسع فقد أمضت ثلاثة أشهر تخدم أليصابات العجوز في فترة حبلها. ما هذه العظمة! أم الإله تخدم أليصابات! للأسف نجد بعض الذين يصلون وظيفة كبيرة أو وضع كبير يفتخرون بذلك حتى يظنون أن الدنيا تعجز عن حملهم. وكما يقول المثل "يا أرض ما عليك مُن مثلي" (يا أرض اتهدي، ما عليكي أدّي)!. لكن العذراء أم الإله عبرت الجبال والأودية لتخدم أليصابات العجوزولم يطلب منها أحد أن تفعل ذلك، بل فعلت هذا من نفسها، ومن قلبها المحب للخدمة الذي يخدم دون أن يُطلب منه.وتواضع العذراء جعلها تقبل ما هو ضد رغبتها. فلم تفكر أبدًا أن تلد. كانت تريد أن تعيش بتول. لذلك عندما بشرها الملاك قالت له "كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟!" (إنجيل لوقا 1: 34) أي ليس من شأني الولادة. ولكنها قبلت ما هو ضد رغبتها. وكانت متضعة رغم الأمجاد الكثيرة التي تحيط بها. فضيلة الاحتمال:- من فضائل العذراء الاحتمال فقد احتملت كل شيء احتملت أولًا اليتم. فمن سن 8 سنين كانت يتيمة الأب والأم ولذلك دخلت الهيكل وعاشت حياة الوحدة في الهيكل. فكل بنت في هذه السن تريد أن تجول وتلعب هنا وهناك، وتتمتع بالدنيا ولكن العذراء ظلت في الهيكل منذ أن كان سنها 8 سنين إلى أن خطبت ليوسف النجار. ظلت هذه الفترة في بيت للعذارى بالهيكل وكانت تحفظ آيات الكتاب المقدس والمزامير. ولذلك تسبحتها مليئة بالآيات والمزاميراحتملت الفقر بلا تزمر. وفيما بعد احتملت المجد بلا افتخار. عاشت في فقر فلم تتزمر وعاشت في مجد فلم تفتخراحتملت المسئولية وهي في سنة صغيرة، حيث أنجبت وهي في سنة صغيرة واحتملت المسئولية. احتملت التعب في الذهاب إلى أرض مصر والتعب في الرجوع من أرض مصر. ومن أشهر المناطق التي مكثت بها السيدة العذراء في أرض مصر منطقة المطرية حيث توجد "شجرة مريم" احتملت أن تلد في مزود وفي الشتاء القارص. فنحن نحتفل بعيد الميلاد في الشتاء احتملت آلام صلب المسيح إن كنا نحب العذراء مريم فيجب أن نحاول أن نقتني فضائلها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
16 أغسطس 2022

ولم يعرفــها

«ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر» (مت1: 25). هي آية أعيت عقول الكثيرين فاستغلوها سندًا للتشكيك في بتولية العذراء. أمّا القديس كيرلس الكبير، الذي تربطه بالسيدة العذراء علاقة وطيدة، فقد علّق ببراعة على هذه الآية في ميمر له على نياحة السيدة العذراء قائلًا: "حقًا قال عنكِ الإنجيلي الطاهر أيتها العذراء أن «يوسف لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعي اسمه يسوع» أي أنه لم يعرف مقدار مجدك وكرامتك والنعمة التي تحلّيتِ بها إلا بعد ميلادك السيد له المجد ورأى الملائكة صاعدة ونازلة تسبح المولود منكِ قائلة: «المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة»، والرب دعاكِ بوالدته الحبيبة". يعني ذلك أن القديس كيرلس الكبير فسّر كلمة "يعرفها" بمعناها البسيط، أي لم يعرف مقدار كرامتها.يوجد في الحقيقة نصٌّ رائع في ميمر آخر على "بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء" عثر عليه البابا كيرلس الخامس في دير المحرق وقام بطباعته سنة 1902م في كتاب "ميامر وعجائب السيدة العذراء مريم". هذا النص يصف ببراعة عجيبة حال يوسف النجار لما اكتشف حملها فيقول: "وعندما وقع نظره عليها وإذا هي حبلى تعجب يوسف واستغرب ذلك الأمر، ووقع في دهشة وتاه في بحور الأفكار وهو ما بين مُصدِّق ومُكذِّب. ثم لما فاق من دهشته والتفت وتأمل وجد أن أيام حملها تقدمت وقد ظهر حملها للعيان. فقال لها: يا مريم لم يسعني أن أمكث هنا وأحتمل العار من بني إسرائيل ومن الكهنة ومن شيوخ الشعب، وكاد يلطم على وجهه وبكي بكاء مرًا وينتحب ويحزن ويندب سوء حظه ويقول: ويلي أنا الشقي، كيف يكون حالي وماذا أقول؟ نعم إني سأصير عبرة في بني إسرائيل، وبماذا أجاوب وأي عذر لي وأنتِ معي في منزلي وتسليمي؟".والآن من السهل أن نضع النصين السابقين بجانب بعضهما البعض لندرك أن ظهور الملاك ليوسف في الحلم ليطمئنه من جهة العذراء لم يكن كافيًا ليستوعب مقدار كرامتها، بل أن ميلاد المسيح منها وما صحبه من عجائب كان هو وحده الحدث الجوهري الذي أضاء بصيرة يوسف الروحية فانفتحت على غنى كرامة ومجد العذراء. بالتالي، كل من يحاول تكريم العذراء لشخصها وفضائلها بمنأى عن ربط كرامتها بميلاد المسيح منها فإنه لابد وأن يقع فيما وقع فيه يوسف من شك وحيرة. لقد تشبّهت السيدة العذراء بابنها وتحولت إلى تلك الصورة عينها. فكما صار ذاك، الذي لم يعرف خطية، خطية من أجلنا، هكذا صار حبل تلك التي لم تعرف رجلًا بالسيد المسيح صليبها الذي عُلِّقت عليه بلا خطية منها. وكما تمجد السيد المسيح في أعين تلاميذه بقيامته فانفتحت أعينهم وعرفوه، هكذا صارت حادثة ميلاد المسيح من العذراء قيامةً لها حيث تمجدت في عيني يوسف الذي انفتحت عندئذ عيناه "فعرفها". بالتالي يكون لقب "والدة الإله" هو مجد قيامة العذراء!! نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد
15 أغسطس 2022

الطاعة والقداسة

ارتبطت فضيلة الطاعة بحياة القداسة والقديسين، إذ ظهرت كفضيلة هي الأبرز في حياة كل مَنْ هم قدوة لنا، وأولهم السيد المسيح الذي أطاع الآب السماوي حتى الموت موت الصليب، وكذلك العذراء التي أطاعت في أمر يصعب استيعابه حين بشرها رئيس الملائكة غبريال المبشر بأنها ستحبل وتلد ابن الله الكلمة متجسدًا منها، وقالت «هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك» (لو1: 38)... ومن هنا صارت الطاعة مرتبطة بالقداسة.(1) هي دليل الإيمان القلبي: كما ظهر في حياة أبينا إبراهيم إذ قيل: «بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا، فخرج وهو لا يعلم إلي أين يأتي، وبالإيمان تغرّب في أرض الموعد كأنها غريبة» (عب11: 8)، فطاعة أحد رجال الإيمان جعلته يسير وراء الله وهو واثق أنه سيصل، حتى وان كان لا يعلم إلى أين يذهب، وبذلك يتضح أن فضيلة الطاعة ترجمة قوية للإيمان القلبي في عمل الله وقيادته له ولأسرته في كل أموره الحياتية...(2) هي دليل الحرية الحقيقية الداخلية: فالطاعة هي الشكل الأكمل للحرية القلبية الداخلية من تسلط الأهواء الخاطئة والرغبات الشريرة، والشهوات القلبية التي توقع الإنسان في المعصية، وقمتها في انغلاق الذات على نفسها فلا تسمع لصوت الله ولا تصدق وعود الله ولا تريد حتى الاتصال بالله... من هنا كانت الطاعة دليلًا قويًا على التحرُّر من المشيئة الذاتية التي تكمن وراءها كل الأخطاء والشهوات. ولعل هذا هو دور الروح القدس الذي يقود المؤمن إلى خطوات الطاعة الإرادية التي تدل على حرية قلبية من شهوات أو أخطاء أو قيود يضع فيها الإنسان نفسه نتيجة عدم الطاعة أو رفض الاستماع القلبي الداخلي الذي تحدثنا عنه في فضيلة الطاعة الإرادية.(3) دليل رفض المشورات الشريرة: يتلقى الإنسان طوال حياته الزمنية كثيرًا من المعارف والأفكار من مصادر عديدة، بعضها صالح أو غير صالح، وهنا تظهر أهمية فضيلة الطاعة في إنقاذ المؤمن من أي مشورة شريرة، لذلك جاءت الوصية الإلهية «أطيعوا مرشديكم واخضعوا لهم لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يُعطون حسابًا، لكي يفعلوا ذلك بفرح لا آنّين لأن هذا غير نافع لكم» (عب13: 17). وهنا نرى أن الطاعة تهب المؤمن الإنقاذ من الشر من خلال إرشاد روح الله له. لذلك يقول ذهبي الفم: "كيف يثبت ما يقدمه الخورس إذا أُلغي دور قائده؟ وكيف ينتصر جيش إذا أُبعد قائده؟ وكيف تصل سفينة إلى البر إذا عدمت مديرها؟ وكيف يستمر قطيع الخراف إذا اختفى الراعي عنه؟ وهكذا واضح أن الطاعة تُنجي المؤمن من الشر والأشرار".(4) الطاعة ذبيحة حب تقدس النفس: فمجرد استعداد الإنسان لتنفيذ مشيئة الله في طاعة حقيقية، يقود إلي تقديس المشيئة كما في قول الكتاب: «ولكم محبه واحدة بنفس واحده مفتكرين شيئًا واحدًا... حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم. فلا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو للآخرين أيضًا» (فيلبي2: 2، 3). ويؤكد القديس بولس: «إذًا يا أحبائي كما أطعتم كل حين، تمِّموا خلاصكم بخوف ورعدة» (في2: 12). وهكذا تقود الطاعة إلى القداسة بكل ما تحمله الطاعة من فضائل الإيمان والحرية ورفض الشر وتقديس الحب لإتمام الخلاص للنفوس الساعية للفضيلة. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية
المزيد
14 أغسطس 2022

أشياء تميزت بها العذراء مريم

تطلع الآب من السماء فلم يجد مَن يُشبهكِ أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ ربع من أرباع التسبحة جعلني أتسأل فيه ما هي الأشياء التي ظهرت في حياة القديسة العذراء مريم وجذبت قلب الله ليأتي منها كمولود من امرأة ؟ كيف لها أن تزينت للحمل ؟ كما نقول في لبش يوم الخميس من أجل هذا تمدح مع يوحنا البتول قائلين طاهرة هي هذه العروسة التي تزينت للحمل .كيف رفعت من شأن النساء بعد أن كانت البشرية مضطربة بعد سقوط أمنا حواء وسماعها لكلام الحية . فالسيدة العذراء بمشورتها استطاعت أن تمحو ما فعلته حواء و بمجئ السيد المسيح متجسد من العذراء أزال عنا سلطان الموت والفساد ورجع ادم إلي رئاسته الأولي .وما الذي جعل داوود النبي يسمي العذراء مريم مدينة الله لأن الله في السماء ولما نزل وتجسد من العذراء مريم صارت العذراء سماء ثانية ؟ ولماذا تشبهت برموز كثيرة في العهد القديم ( عصا هارون – شورية موسي – باب حزقيال – فلك نوح – لوحا الشريعة – سلم يعقوب … ) فحقاً السيدة العذراء هي الواسطة التي جعلت هناك علاقة بين السماء والأرض وبقدسيتها استحقت أن تلد الرب يسوع الوسيط بين الله والناس فخر جنسنا . أكليل فخرنا . رأس خلاصنا . ثبات ظهرنا . السيدة مريم العذراء التي ولدت لنا الله الكلمة ما الذي جعلها مستحة أن يقال لها أفرحي يا مريم العبده والأم ؟ ولابد أن نعرف إن السيدة العذراء مريم في حاجة إلي الخلاص مثلنا ولكنها تميزت عن باقي النساء لتصبح والدة الإله ترفعها الكنيسة فوق مرتبة رؤساء الملائكة فنقول عنها في تسابيحها وألحانها : علوت يا مريم فوق الشاروبيم وسموت يا مريم فوق السيرافيم ويجب علينا نحن أيضاً أن نأخذ من صفاتها لنسلك هياكل للروح القدس يسكن فينا كما أن السيد المسيح سكن في أحشائها ونعرض الآن بعض الفضائل متمثلة في بعض النقاط وأهم الأشياء التي تميزت بها السيدة العذراء مريم . 1- نشأتها في أسرة مقدسة :- ولدت القديسة العذراء مريم من أب طيب وأم حنونة رباها في تقوي وبر ومخافة الله . والدها اسمه يواقيم ( يهوه يقيم ) وزوجته اسمها حَنَة ( الحنون ) وقد كانا متقدمين في السن ولم يرزقا بذرية. ولأن بني إسرائيل كانوا يعيرون من لا ولد له لهذا كانا القديسان حزينين ومداومين على الصلاة والطلب من الله نهارًا وليلًا أن يعطيهما ابنًا يخدمه في بيته كصموئيل . فاستجاب الرب الدعاء فظهر ملاك الرب جبرائيل ليواقيم وبشره بان امرأته حَنَة ستحبل وتلد مولودًا يسر قلبه ، كما ظهر جبرائيل الملاك لحَنَة وزف إليها البشرى بأنها ستلد ابنة مباركة تطوبها جميع الأجيال لان منها يكون خلاص آدم وذريته . وقضت حَنَة أيام حملها في صلوات و أصوام إلى أن ولدت بنتًا وسمياها مريم يستطيع الرب أن يختار من الأسرة المقدسة من هو مقدس .لذا نسمي القديسة العذراء مريم أم الخلاص ولكنها لم تشترك في الخلاص وهي مولودة من أب وأم ونحن لا نؤمن بحبل أمها فيها بلا دنس هذا الكلام ليس له مدلول تاريخياً والكنيسة تكرم العذراء لأنها ولدت السيد المسيح مشتهي الأجيال ولأنها حملته فقط , وربته فقط أماً له و يقول السيد الرب في أشعياء ( 63 : 3 )( قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي ، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ ) جزت المعصرة وحدي ولم يكن معي أحداً من البشر السيد المسيح وحده هو الذي أتم عملية الخلاص وهو ابن الله المتجسد والجسد الذي أخذه لكي يشابهنا في كل شئ محال الخطية وحدها نحن الذين أخطائنا فنستحق الموت مات السيد المسيح عوضاً عنا ولكن بلاهوته مسح خطايانا وغفر كل خطايا العالم من الشرق إلي الغرب ومن الشمال إلي الجنوب من أدم والي أخر الدهر وهذا العمل عمله السيد المسيح ابن الله المتجسد وحده ومات الإنسان يسوع المسيح والله لا يموت فالإنسان يسوع المسيح هو الذي أخذ عقوبتنا بجسده الذي أخده من السيدة العذراء مريم هي أم ابن الله ونسميها ثيؤتوكوس أم الله لأن المسيح هو ابن الله وهو الله نفسه لأن لاهوت السيد المسيح هو لاهوت الأب هو لاهوت الروح القدس والثلاثة هم واحد هذا هو الأيمان السليم منذ سفر التكوين نجد أن الثلاثة أقانيم ظاهرين في الإصحاح الأول عدد 1 و 2 و 3 ( في البدء خلق الله السماوات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة ، وروح الله يرف على وجه المياه وقال الله : ليكن نور، فكان نور ) ( تك 1 : 1 – 3 ) الله مثلث الأقانيم منذ الأزل ولكنه عندما أراد أن يأخذ جسد ظهر في ملء الزمان مولوداً من امرأة ( غلاطية 4 : 4 ) ” وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ ” وهي السيدة العذراء مريم التي ولدت مشتهي الأجيال لذلك نطلب من السيدة العذراء لأنها قريبة منه جدا لأنه يوجد داله أمومة . 2- الاتضاع :- وهي من ضمن الفضائل الأساسية التي جعلت الرب ينظر إليها أنها كانت وديعة وظهر ذلك أثناء بشارة الملاك جبرائيل لها ( سلام لك أيتها المنعم عليها الرب معك مباركة أنت في النساء ، فلما رأته اضطربت من كلامه و فكرت ما عسى أن تكون هذه التحية فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله و ها أنت ستحبلين و تلدين ابنا و تسمينه يسوع هذا يكون عظيماً و ابن العلي يدعى و يعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه و يملك على بيت يعقوب إلى الأبد و لا يكون لملكه نهاية . فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا و انا لست اعرف رجلاً . فأجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله و هوذا اليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها و هذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله . فقالت مريم هوذا انا امة الرب ليكن لي كقولك فمضى من عندها الملاك )( لو 1 : 28 -38 ) .فالسيدة العذراء ممتلئة نعمة ولا يوجد من بين النساء من يشبهها وبعد هذه البشارة أظهرت السيدة العذراء تواضعها الشديد إذ قالت ( لأنه نظر إلى اتضاع أمته )( لو 1 : 48 ) . وليس لفضل فيها ولا أحد خرج البشرية من الفردوس غير الكبرياء فالكبرياء أم الرزايل كما أن الاتضاع أم الفضائل كما أن المسيحية في جوهرها تبدأ بالتواضع وإنكار الذات .الاتضاع في مظهره هدوء ولكن في داخله أفعال . أولها الطاعة ومن هذه النقطة ننتقل إلي النقطة الثالثة . 3- الطاعة :- كانت السيدة العذراء مريم مطيعة في كل شئ فالإنسان المتضع من السهل جدا أن يسمع ويطيع لأن الاتضاع يولد الطاعة وهي ارتضت وقبلت أن تخدم في الهيكل وهي لا تزال طفلة صغيرة عمرها 3 سنوات حتى بلغت 12 سنة من عمرها , وكان أبواها قد ماتا وعندما بلغت سن الزواج تشاور الكهنة معًا على زواجها فاختار زكريا الكاهن من شيوخ وشبان يهوذا واخذ عصيهم وكتب عل كل واحدة اسم صاحبها ووضعهم داخل الهيكل فصعدت حمامة فوق العصا التي كانت ليوسف النجار ثم استقرت على رأسه فعقد الكهنة خطبتها على يوسف وعاشت في بيته الذي في الناصرة ووسط كل هذه الأحداث لم تعترض أو تفرض رائياً بل كانت مطيعة إلي أبعد حد . وأيضاً أطاعت وقبلت بشارة الملاك بأن تحوى بداخلها الغير المحوى فلقد تجملت بالفضائل الكثيرة التي أهلتها لذلك . نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات الأنبا أثناسيوس أسقف بني مزار والبهنسا وللحديث بقية
المزيد
13 أغسطس 2022

عذراء العهدين

" السلام للسماء الجديدة التي صنعها الآب وجعلهـا موضع راحة لابنه الحبيب " ( ذكصولوجية باكر ) رموز وحقائق : لـقـد كـان سر التجسّد الإلهى مخفياً في طقوس وعبادات وشرائع العهـد القـديـم ، كـان حكمة مكتومة منذ الدهور وأعلنها لنا الله في ملء الزمان ( أف ٣: ٩ ، ١٠) وهكـذا مـا كان مخفياً ومرموزاً إليه في العـهـد القـديـم صـار مستعلناً وجلياً في العهد الجديد . ولأن العذراء القديسة قد ارتبطت بمقدار هكذا عظيم بسر التجسّد ، فنجدها قد أحاطتها الرموز في العهـد القـديـم وهذا ما تسبح به في ثيؤتوكية يوم الأحـد مـن كـل أسبوع ، فبسبب قلبها المتضع وحياتها النقية صارت هي الموضع الذي ارتاح فيه ضابط الكل ووجد موضعاً لسكناه بين الناس . كانت هي " القبة الثانية " موضع قدس الأقداس موضع حلول الله وسكناه وسط شعبه إنها المدينة المقدسة ، مدينة الله التي سكن فيها ومن أجلها تنبأ كثيرون " أعمال مجيدة قد قيلت لأجلك يا مدينة الله " ( مز ۸۷ : ۳ ) . لقد أتى الله إلى مدينته وصار إنساناً مثلنا ، هو الله القدوس الذي خلقهـا وهـيا مـن جسدها مسكناً له وصار انساناً منها " الأم صهيون تقول إن إنساناً وإنساناً حـل فيها وهو العلى الذي أسسها إلى الأبد " ( مز ٣:٨٧ ) ، إنها العـذراء التي امتلأت بالمجد الإلهي والتحفت به بحلول ابن الله القدوس فيها ، كانت نقاوة حياتها مقدمة لأن تحل عليها نعمة الله ، ليسكن فيها القدوس وتصير عرشاً له ، حقاً قال فيها المزمور " كلهـا مجـد ابـنة الملـك مـن داخـل " ( مز ٤٥ : ١٣ ) ، صارت عرشـا الهـياً تخدمه الشاروبيم " السلام للعرش الملوكى المحمول على الشاروبيم " ( ذكصولوجية باكر ) . هي " تابوت العهـد " المصنوع من خشب السنط ، ولكـنـه قـد اكتسى بالذهب النقـى مـن داخـل ومـن خـارج ، کما التحفت هي بمجـد لاهوت ابن الله الكلمة ، لقد كان التابوت علامة عهد بين الله وشعبه ، عهـد محبة وخلاص ، علامة أنه حاضر فيهم ويسير بينهم ، وهكـذا صـارت هـي تابوتاً عقلياً حملت لنا عهداً جديداً بحلول الله في طبيعتنا إلى الأبد ، وفى أحشائها قد تزينت طبيعتنا واكتست بمجد الألوهة ! كـان الكاروبـان يظلـلان عـلى غطـاء التابوت حراسـة ومجـداً وتكـريمـاً وصـار الـسيرافيم والشيروبيم يسبحون خالقهم وهـو في بطنها ويرفرفون عليها كل حين . هي " القسط الذهبي " الموضوع فيه المن السماوي الذي يقتات به شعب الله في برية الغربة ، فمن أحشائها صار لنا قوت الحياة الأبدية ينبوع الخلود وترياق عدم الموت ، الذي نزل من السماء وأعطى الحياة للعـالم " خبـز الحـيـاة الـنـازل مـن الـسـماء الـواهـب حـيـاة للعـالم . أنـت أيـضـاً يـا مـريـم حملت في بطنك المن العقلي الذي أتى من الآب " ( لحن بي أويك - للتوزيع ) . لم يكـن ينير خيمة الإجتماع سوى " المنارة الذهبية " تحمل المصباح المتقد كـل حين ، وصارت العذراء منارة جديدة وسط ظلمة فساد الطبيعة البشرية ، تحمل مصباحاً لا ينطفىء نوره أبداً ، لقد أنار بنوره طبيعتنا البشرية ، بـل الخليقة كلها ، لقـد حملت لبـن الله الذي صار إنساناً " كان هو النور الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم " ( يو ٩ : ۱ ) . كانت العذراء هي " المجمرة الذهب " التي يحملها هارون يفوح منها بخـور عـطـر ، يدخل به إلى قـدس الأقداس موضع حلول الله ، هي المجمرة الذهب الجديدة التي يفوح منها بخـور عطر ، أعطى العالم كله رائحة جديدة وجعل البشرية تفوح منها رائحة عطرة رائعة أمام الله الآب ، بعد أن كانت قد فاحت منها رائحة نتانة الخطية والشر ، فتنسم الله رائحة جديدة منا في شخص ابنه الحبيب ، الذي أخذ طبيعتنا من أحشاء العذراء رائحة رضى وسرور ! " هـذا الـذي أصـعـد ذاتـه ذبيحة مقبولة عـلى الـصليب عـن خـلاص جنـسنا فتنـسمها أبـوه الصالح وقـت المـسـاء عـلى الجلجثة " ( لحن الصليب ) . هكذا إلتقى العهـدان في مـريـم العذراء ! العهد القديم برموزه واشاراته ، والعهـد الجديد الذي تحققت فيه كل الرموز والإشارات الخاصة بسر تجسّد ابن الله واتحاده بنا ، وأمام السيدة العذراء ليس لنا سـوى التأمل الهادئ الوقور ، والتسبيح القلبي المفعم بالفرح إذ أننا أمام السر الإلهي كله ، وسر محبة الله للبشر . " لأنه إذا ما تأملك أحد أيتها العذراء القديسة والدة الإله والسر العجيب الذي صار فيك لأجل خلاصنا فإنه يسكت من أجل ما لا ينطق به ويقيمنا إلى التسبيح " ( ثيؤتوكية الثلاثاء ) أمام العذراء ليس لنا إلا أن نسبح ونشكر ونمجد ، نسبح تدبير الله لخلاصنا ونشكر عميق محبته لنا ، ونمجد عظم الأعجوبة التي صارت لنا بتجسّده من البتول القديسة . تأمـل اتـضاع وتسليم العذراء مـريـم وقـد قبلت البشارة بالحبل الإلهى : باتضاع كامل وتسليم طفولى وعذراوية مطلقة ! من منا لا يعجب لإتضاعك يا أم النور ؟! من منا لا ينذهل لتسليمك المطلق لمشيئة الله ؟ ! من منا لا يندهش لحسن جمال بتوليتك ؟ ! لقد قدمت العذراء لنا الطريق لظهور ابن الله في حياتنا . يسوع ما زال يبحث عن عذراء ! نفوس عذراء ! نفوس انقطعت عن الارتباط بالعالم والأرضيات . عذراء تقدست وتطهرت من الخطية والشهوة والجسدانيات . نفـس عـذراء تُسلم حياتها بجهاد أمين ورؤية ثابتة نحو السماء ، نفس لا تجادل أو تناقش أو تضع منطق العقل وقواعد الحساب بينها وبين الله . يسوع يبحث عن عذراء تثق في وعوده رغم تعارضها مع منطق الناس . نفس تتضع مع كل بركة تحصل عليها وكل تدبير الله في حياتها قائلة " هـوذا أنـا أمـة الـرب " الـرب مـا زال يبحث عن هذه النفس العذراء كي " يولد " فيها ويظهر ذاته للعالم كله . نفسي لا يمكن أن تكـون ( حاملة ) للمسيح ما لم تتكرس لـه وحده في عذراوية مطلقة واقتران كامل . المتجسّد يريد أن تظل كنيسته عذراء ، دائمة البتولية ، على المسيح مثال مريم ، حتى ما يمكنه أن يظهر منها للعالم كله كل حين ، العذراء وهي حاملة للسر الإلهي داخل أحشائها ، انطلقت تخدم بلا عائق وذهبت إلى بيت زكـريـا تخـدم اليصابات ، لتبرهن مـن جـديـد عـلى استحقاقها لهذا السر واحتفاظها بعذراويتها واقترانها بيسوع ، وهكذا رسمت لنا وللكنيسة كلها طريق الكرامة والمجد الحقيقي ، أنه طريق الإتضاع والخدمة ! " إنـه طـريق الكاملين المخصصين ليسوع ، الذين تحـرروا مـن سـلطان الـذات ومشيئات الـنـاس ورغـبـات العـالم ، للإقـتران بيسوع وحـده في عذراويـة كاملـة منطلقـين بـلا عـائـق في طـريق المحبة والخدمة ! يا نفسى المسكينة .. تلهثين خلف الكرامة والإنتماء والاتساع ولـكـن يـسـوع يريد عذراء جديدة يظهر منها للعالم ، يحل بمجده فيها لتصير سماء جديدة تفوح منها رائحة القداسة تعطر العالم وتنير ظلمته بالحياة الجديدة . أعطني يا رب أن أتعلم منك كيف أتضع مثلما فعلت أمك . أن أسلم لك وأخضع لمشيئتك . أن أحتفظ بعذراوية نفس بلا ربط تقيدني بعيداً عنك . القمص بنيامين مرجان باسيلى كاهن كنيسة مارمرقس الجيزة عن كتاب والدة الإله مريم العذراء فى فكر الأباء
المزيد
12 أغسطس 2022

أما أنا فصلاة

" الصلاة سلاح عظيم ، وكنز لا يفرغ ، وغنـى لا يسقط أبداً ... ميناء هادئ وسكون ليس فيه اضطراب " . ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) " وقال لهـم أيضـاً مـثلاً في أنه ينبغي أن يصـلى كـل حـين ولا يمـل ، قائلاً : كـان في مدينـة قـاض لا يخـاف اللـه ولا يهـاب إنساناً . وكـان في تلك المدينـة أرملة . وكانـت تـأتى إليـه قائلة : أنصـفنـي مـن خـصـمي ! وكـان لا يشاء إلى زمـان . ولـكـن بعـد ذلـك قـال في نفسـه : وإن كنـت لا أخـاف اللـه ولا أهـاب إنسـاناً فإني لأجـل أن هـذه الأرملـة ثـزعجني ، أنصـفها ، لــلا تـأتي دائمـاً فتقمعنـي ! وقـال الـرب : اسمعـوا مـا يقـول قاضـي الظلـم . أفـلا ينصـف اللـه مختاريـه الصارخين إليـه نـهـاراً وليلاً ، وهـو متمهل عليهم ؟ أقـول لـكـم : إنـه ينصفهم سريعاً ! ولكن متى جاء ابن الإنسان ، ألعله يجد الإيمان على الأرض ؟ " ( لو ۱۸ : ۱- ۸ ) . الصلاة يا عزيزي هي الخطوة الثانيـة التـي سـنخطوها سوياً ... فالصـوم والصلاة يخذلان الشيطان ، والزهـد يـهـزم طغيانـه ... لذا فقـد سـلط الكتـاب المقدس الضوء على مبدأ ، أنه ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل من خلال قصة قاضي الظلم . فـإذا كـان قاضـى الظلـم الـذي ظلـم الأرملـة قـد أنصـفها في النهايـة لأجل لجاجتها ، فما بالك بقاضي القضاة الكلي العـدل ألا ينصـف مختاريـه ؟! . وهنا يأتي السؤال : كيف أصلي كيف أتمتع بصلاة حقيقية ؟ وللإجابة على هذا السؤال دعنا نتأمل قليلاً لقـد وهـب اللـه الإنسان نعمتي العقل وحرية العمل ؛ ليصنع بهما العجائب ، ثـم منحـه البعـد الثالث القلب ليكون موضع الالتقاء بالله ، فصار الإنسان عابـداً ، وتولدت داخـل الإنسان الرغبة في الله ، وصارت الصلاة هي التعبير عن رغبة الإنسان في اللـه بل صار في داخل الإنسان عطش وحنين للأبدية . دعنا نًرسي معـا مبـادئ هامة عن كيفية الصلاة :- 1 - عندما تصلي ضع في ذهنك أنك أمام الحضـرة الإلهية كل التقدير . كل الخشوع . كل الرهبة .كل الاحترام . وكأنك تطرح العالم إلى خارج . ٢ - عندما تدخل إلى جو الصلاة اكشف عن خطاياك الصلاة الحقيقية تحتـاج مـن الإنسان أن تكون بالحقيقة خطايـاه واضحة أمامه ... ضع أمامك قول داود النبي : " لك وحدك أخطأت ، والشر قدامك صنعت " ( مز 50 : 4 ) . " طوبى لمن يبصر خطاياه أفضل ممن يرى ملائكة " ( أحد الآباء ) . 3 - عندما تدخل إلى جو الصلاة املأ قلبك بروح الشكر . أعمال الله وعطاياه العظيمة في حياة كل منا لا تنتهي . نعمة الصحة . نعمة الحركة . نعمة السلام . نعم لا تُحصى . احرص دائماً أن تشكر الله على عطاياه العظيمة ونعمه في حياتك . ٤ ـ تذكر مجتمعك الذي تحيا فيـه : أسـرتك ... كنيستك . خدمتك اذكر مخدوميك وأفراد أسرتك بأسمائهم ، وأخيـراً اذكـر نفسك . وضع أمامك دائماً أن تمزج صلاتك باللجاجة . ه ـ احرص أن تمارس الصلاة بشكل يومي ... خصص وقتاً كل يوم تجلس فيه ولا تفكر سوى في الله . ابدأ يومك بالصلاة صباحاً عقب الاستيقاظ ، وكذلك مساء عند النوم . ولیکن نظامك فيها هو :- تهيئـة الجـو الـعـام للصـلاة : مكـان واحـد للـصـلاة ـ بـه أيقونـة الصلب أو صليب في الشرقية مع بعض صور أخرى . الإعداد للصلاة : يلزم أن تعـد أنفسنا قبـل وقـت الصلاة ، فـلا يـليـق أن ننتقـل مـن الأشياء التـي كنـا منهمكين فيها إلى الصلاة مباشـرة لأنك إن فعلت ذلك لن تتلذذ بالصلاة . ليكن لك : قراءة روحيـة ... ترنيمة أو لحـن ... الجلوس في صمت التأمل في صورة الصلب ... قبل البدء في الصلاة . ابدأ الصلاة بالسجود 3 مرات إلى الأرض . امسك صليب وقت الصلاة في يدك . ارفع يديك وعينيك نحو السماء . تحـدث مع اللـه لـيس بألفاظ عامـة ( مثـل ضابط الكـل ) ، بـل بألفاظ حيـة مثـل : " يا بهجتي ، يا فرحي ، أحبك يارب يا قوتي " . لتكن صلواتك من القلب ، فاللـه لـن يسـألك كـم مـرة صـليت ؟ أو كـم ساعة وقفت ؟ ولكن سيسألك " كيف صليت ؟ " . كـن صـريحاً في حـديثك وافتح قلبـك للـه وصـل قـائلاً : أعطنـي يارب أن أحبك ... عرفني يارب من أنا .. ه بعد الصلاة استرح قليلاً واشكر الله بالصمت . أما عن الصلاة كحياة ، فهناك خطوات أعمق : اقرأ عن رجال الصلاة القديسين ... أمثال داود النبي . اقرأ عن فضيلة الصلاة ، وماذا قال الآباء عنها . استمتع بالصلوات المذكورة في الكتاب المقدس وتعلم منهـا كيـف كـان هؤلاء القديسون يصلون بها . درب نفسك على الصلاة كل حيـن : اختر صلاة تشعر بمذاقها في نفسك . رددهـا أثنـاء وقـت فراغـك وأثنـاء وجـودك بيـن الآخـرين دون أن يشعر أحد . كررهـا وأنـت عـلى فراشـك قبـل أن تنـام ، وكذلك عندما تستيقظ ، فيكون الله أول من تخاطبه . إليك هذا المثال العملي : عند الاستيقاظ قل : " هذا هو اليـوم الـذي صنعه الرب ، فلنفرح ونبتهج فيه " ... ضع في فكرك : هذا اليوم هو ملك للـه ـ وأنـت أيضـاً مـلـك للـه . اطلب بركة الرب " باركني يارب ، كن معي " . اخرج من منزلك حاملاً رسالة اللـه الـمـفـرحـة للجميع " أنت سفيـر المسيح على الأرض " ثق أن كل ما تمر به هو من يد الله صانع الخيـرات محب البشـر كل شخص تقابله هو هبة من الله .كل ظـرف تجـوزه مهـما كـان هـو هدية الله لك . كل ما تراه من أشجار ومبان هو عطايا الله . " لقد وهب لنا أن نكـون شـفراء المسيح على الأرض ، أحياناً منتصـرين وأحياناً مصلوبين ، المهم أن نكون دائـمـاً مستعدين فـلا نـهـرب أبـداً " . ( أحد الآباء ) بهـذا البــرنامج تكـون الصـلاة والحيـاة وجهين لعملة واحـدة " صلوا بلا انقطاع " ( اتس ٥ : ١٧ ) . هناك خطوة هامـة وهـي أن تقـيـم نـفـسـك بمقاييس نجاح الصلاة : ماذا يدفعك إلى الصلاة ؟ هل هو الحب ؟ هل الخوف ؟ هـل الواجـب ؟ هـل إرضاء ذاتك ؟ عندما تنتهي من الصلاة ما هو شعورك ؟ هل تفرح وتسـر ؟ هـل تـود لو استمرت ؟ وأنت واقف للصـلاة بمـاذا تشعر : هـل سـعادتك فـوق كـل سـعادة ؟ هـل فكـرك يذهب بعيـداً ؟ هـل يـراودك هـذا الإحسـاس " إن لم أصـل فقـد يسحب الله عنايته بي " . إن البعيد عن حياة الصلاة مصيره مؤلم ، وقد عبر عنه أحد الآباء بقوله : " إن لم تكن قد رأيته على الأرض فلن تراه في السماء " . والآن دعنا نتأمل سوياً في نوعيات الصلاة : الصلاة الحقيقية هي : رغبة واشتياق وحـب قبـل أن تكـون فـرض أو أمـر أو مجرد وصية أو مجـرد عبـادة أو مجرد طلـب . ونوعيات الصـلاة حـددها بولس الرسـول حـيـن قـال : " أطلب أول كل شيء ، أن ثقـام طلبـات وصـلوات وابتهالات وتشكرات " ( اتي ٢ : ١ ). الطلبـات : هـي الـتماس بخصـوص خطايانا ؛ لطلـب الصـفح والنمـو في الفضيلة وهي تنبع من الحزن على الخطية . الصلوات : تمثل الصلة الحقيقة والحديث الشخصي بين الإنسان والله . الابتهالات : هـي صـلوات مـن أجـل الآخـرين ( كـل العـالم ) تـأتي مـن حرارة القلب والشعور بمدى المسئولية عن جميع الناس . التشـكرات : هـي تـأملات في أعـمال اللـه في حياتنـا وبركاتـه لنـا وهي تسبيح وتمجيد يتولد من التعمق والتأمل في صلاح الله . وبصفة عامة فإن الروح القدس هـو الـذي يحيـي داخلنـا مشـاعر الصـلاة أي يترجمها أمام الله " الروح أيضاً يعيـن ضعفـاتنـا ، لأننا لسنا نعلم ما تصلي لأجلـه كما ينبغي ... " ( رو ٨ : ٢٦ ) . • والآن دعنا نتساءل : ما هي معوقات حياة الصلاة ؟ 1 - قلة الوقت : تعتبر الشكوى من قلة الوقـت الـمخصص للصـلاة أمـراً واهيـاً ، وتبـريراً كاذباً للنفس في إهمالها وتوانيها وتهربها من الوقوف أمام الله . ولكن بقدر اشتياق الإنسان للصلاة يعطيـه الـروح القدس فرصاً عظيمـة للتنعم والامتلاء من الله ... اسأل نفسك : كم دقيقة في حياتك تضيع هباء ؟ .. بلا شك كثيـر .. هل تستطيع أن تجمع " الفتات الضائع " وتقدم فيه صلاة تكون لله ولك أيضاً ؟! ... " تدرب على أن تتحكم في وقتك وليس العكس " . ۲ - تعب الجسد : الجسد يدعي أموراً للهروب من الصلاة ، كإدعاء التثاؤب والمرض والضعف. وآلام الـرأس والظـهـر وشـدة الحاجة إلى النـوم ... أو اختصـار الصـلاة . أو السرعة ... الخ . هذه كلها أسباب يمكنك بالتدريب المتأني الانتصار عليها ، ولكن الخطأ يكمن في السلوكيات التي تتعارض مع حياة الصلاة ... فمثلاً يصـلي الإنسان في وقت استهلك فيه جسدياً ... ولذا حذرنا الآباء : " إن كنت تريد أن تصلي كـما ينبغي لا تفعل شيئاً ضد الصلاة ، لكي يقترب منك الله " . وكما أن الذهن في الصلاة يتشكل حسب الحالة التـي يـكـون عليهـا قبـل الصـلاة ، فـمـا يـحـدث في الفتـرة الـتـي تسـبق الصـلاة مـن ضـحك وأحاديث أو قلق أو تفكيـر يشغل مخيلتنا أثناء الصلاة ... لذلك يجدر بنا أن نهتم بهذه الفترة عن طريق الألحان أو القراءة . 3 ـ تأخر الاستجابة : لا بد أن يكون دافع الصلاة هو الحب وليس الطلب . وهذا الحب نقدمه في ثقة تامة ، بأننا ننال ما نسأل ولا نشك في أن الله مهتم بنـا ، وقادر أن يعطينا طلبنا " كل ما تطلبونه حينما تصلون ، فآمنوا أن تئالوه ، فيكون لكم " ( مر ١١ : ٢٤ ) لنا ذهبي الفم قائلاً : " إن الله حينما يعطي أو لا يعطي إنما يفعل ذلك ويوضح لخيـرك " . وهناك أسباب لتأخر الاستجابة :- الله يؤخر الطلب لحكمة يراها ، فلا يمكنك إدراك حكمة الله . لأن ما نناله سريعاً لا نشعر بقيمته . لأنه قد تكون طلباتنا في غير صالحنا. • قد يتأخر الـرب حتى نلتجئ إليـه أكثـر ونـدنـو مـنـه أكثـر ، ولكـن عليك أن تثق دائماً أن ما يفعله الله إنما يفعله لنفعك الروحي . قصة قصيرة روى المتنيح " القمص إبراهيم عطيه " بالقاهرة هذه القصة : انتقل لإحدى الأرامل ابنها الوحيد ، وإذ أدرك مدى تعلقها به لم أعرف ماذا أفعل ؟ ذهبت إلى منزلها ، ففتحت الخادمة الباب . سألتها عن السيدة ، فأجابت : " إنها في حجرتها الخاصة ... لقد أغلقت الباب ، وطلبت منى ألا أطـرق البـاب مهما تكن الظروف ... أنا آسفة يا أبي ، لا أستطيع أن أخبـرها بحضورك " . طال انتظاري ، وأخيراً فتحت الباب ، وكانت ملامح وجههـا تكشـف عـن سلام عميق يملأ أعماقها . قـالـت : " أنـا آسـفـة يـا أبي لأني تأخرت في خروجي لمقابلتك ... أريد أن أطمئن قلبك ... ما كنـت تـود أن تقدمـه ، قدمـه لي الـرب بفيض ... لي الآن ساعتان راكعة أمام إلهي . وصممت ألا أتركه حتى يفيض على بتعزياته السماوية ... الآن أنا في سلام ... صل يا أبي ليكمل الله عمله معي " . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
11 أغسطس 2022

شخصيات الكتاب المقدس قايين

قايين "وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة" تك 4: 7 مقدمة إن مأساة قايين الكبرى أن كلمة "خطية" وردت لأول مرة في الكتاب المقدس في سياق الحديث عن قصته المفجعة الدامية!! وفي الواقع أن كلمة "خطية" وكلمة "قايين" كلمتان متقابلتان متلازمتان حتى ليسهل أن نضع أحدهما موضع الأخرى ونحن في أمن من الزلل والخطأ والتجني!! أليس قايين هو أول بشري يمكنه أن يقول: "ها أنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" بل أليس قايين هو الأحرى بالقول: "وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية.. فإني أعلم أنه ليس ساكن في (أي جسدي) شيء صالح لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد.. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت".. ولئن كان داود وبولس قد وجدا من ينقذهما من جسد هذا الموت، ومن الخطية الموروثة والفعلية، فإن قايين لم يجد إلى الخلاص سبيلاً، لأنه رفضه، عندما عرض عليه، بغباوة وعناد وحماقة وشر!! في اجتماع ديني وقف ثلاثة: طبيب، ومحام، ومهندس، ليتحدث كل منهم، ويضع تعريفاً للخطية، مستمداً من طبيعة مهنته وعمله، فقال الطبيب "أن الخطية مرض" وقال المحامي: "إنها التعدي" وقال المهندس: "إنها الهدم والتدمير"، وقد كانت الخطية عند قايين هي الثلاثة معاً، إذ كانت المرض، والتعدي، والهدم والتدمير، بل وأكثر من ذلك، إذ لاحقته بأقسى جزاء يلحق بإنسان في هذه الأرض، ألا وهو العذاب والطرد والتشريد وعدم الاستقرار حيثما تجه وأني ساد.. وإذا كان العالم الإنجليزي هكسلي قد دحض نظرية التطور النفسي، ووصف الإنسان الخاطيء بالقول: "أعلم أن هناك دراسة انتهت إلى نتيجة محزنة للنفس كدراسة تطور الإنسانية، فمن وراء ظلام التاريخ إلى اليوم، بين الإنسان أنه خاضع لعنصر وضيع فيه، مسيطر عليه بقوة هائلة!! إنه وحش ولكنه وحش أذكى فقط من الوحوش الأخرى، إنه فريسة واهنة عمياء لدوافع تقوده إلى الخراب، وضحية لأوهام لا نهائية، جعلت كيانه العقلي هما وحملا، وأضنت جسده بالهموم والمتاعب والصراع، لقد بلغ شيئاً من الراحة، وانتهى إلى نظام عملي في الحياة على ضفاف النيل أو ما بين النهرين، ولكنه هو هو لآلاف السنين ما يزال يصارع بحظوظ مختلفة، مصغياً إلى دوافع لا نهائية من الشر والدم والبؤس ليشق طريقه بنفسه بين جشع الآخرين وطمعهم!! لقد قاتل واضطهد الذين حاولوا دفعه وتحريكه عما هو عليه، ولكنه لما تحرك خطوة عاد باكياً ضحاياه بانياً قبورهم".. إذا كان هذا العالم قد وصف الإنسان الخاطيء بهذه الصورة فإنه أعطانا، وهو لا يدري، صورة دقيقة رهيبة لأول قاتل وسافك دم على هذه الأرض!! دعونا إذاَ نتأمل للعظة والعبرة شخصية قايين من هو وما طباعه وأخلاقه؟؟ وما الخطايا المميتة التي ارتكبها؟؟ والعقاب المريع الذي أصابه نتيجة خطاياه؟؟ قايين من هو وما طباعه؟!! لا يحتاج المرء إلى عناء كبير، وهو يتأمل قصة قايين كما وردت في سفر التكوين. مضافاً إليها ثلاث عبارات أخرى قصيرة حاسمة وردت في العهد الجديد في الرسالة إلى العبرانيين، ورسالة يوحنا الأولى، ورسالة يهوذا –في أن الخطية صنعت من هذا الإنسان مخلوقاً بشعاً مريعاً يقف على رأس المجرمين العتاة في كل التاريخ، ولعل الرسول يوحنا لم يجد لهذا السبب، وصفاً يصف به قايين أدق من القول: "كان قايين من الشرير" أي أنه كان من الشيطان، كما أن الفرع جاء من الأصل، وكما أن الغصن جزء من الشجرة، وكما أن الماء العكر جزء من الينبوع الموحل!! فهو ابن الشيطان وتابعه وربيبه، ومن ثم فكل صفاته وطبائعه أثمة شريرة شيطانية، وإذا كان من المتعذر الإحاطة بها جميعاً، في هذا المقام، فليس أقل من أن نشير في كلمات إلى أهمها وأظهرها، ولعلها: الضراوة والوحشية.. يعتقد بعض الشراح أن قايين كان -من الناحية البدنية- أقوى وأصح من أخيه هابيل، ويرجع هذا في نظرهم لا لأنه استطاع أن يقضي على أخيه ويقتله فحسب، بل لأن حواء إذ لاحظت ضعف هابيل الجسدي، من مولده، إذا قورن بأخيه، أطلقت عليه الاسم هابيل، الذي يعني "الضعف" أو "البطل" بينما يرجح آخرون أن حواء أطلقت هذا الاسم على ابنها الثاني تعبيراً عن ألمها ويأسها ومرارتها وخيبة أملها من الحياة كلها، ومن ابنها قايين، الذي بدا على غير ما كانت تحلم وتتمنى؟ وسواء صح هذا الرأي أو ذاك، فمما لا شك فيه أن قايين يقف على رأس تلك السلسلة الطويلة من الأبناء الذين ولدوا حسب الجسد، بينما يقف هابيل على رأس الصف المقابل من أبناء الموعد والروح!! وكما كان أبناء الجسد يبدون على الدوام في عنف وضراوة ووحشية، وفي مواجهة أبناء الروح، كما بدا اسمعيل في مواجهة اسحق، وعيسو في مواجهة يعقوب، هكذا نرى من اللحظة الأولى في التاريخ البشري كيف يبدو قايين أولهم وأبوهم في ضراوته ووحشيته وعنفه إزاء أخيه الطيب الوادع الآمن هابيل!! الكبرياء والاعتداد بالذات.. وما من شك بأن قايين كان متكبراً، صلفاً، شديد الاعتداد بالنفس، والذات، ويبدو هذا بوضوح من الطريقة التي تخيرها، وهو يقدم تقدمته لله، إذ أنه لم يقدم التقدمة التي أمر بها الله، قدم التقدمة التي ظن هو أنها أفضل وأعظم بحسب تفكيره وعقله، بل أن سقوط وجهه بعد التقدمة يدل إلى حد كبير على أنه كان في الأصل ذا طبيعة متعالية شامخة!! والكبرياء من أشر الرذائل التي تصيب الإنسان، وهي دليل بالغ على الحماقة والغباوة والجهل!! إذ ليس في أي بشري ما يدعوه إلى التسامي والتعالي والتشامخ، إذ يكفي أن ندرك مركزنا إزاء الله والكون والأبدية والحياة والواجب حتى نتضع ونصغر ونتلاشى!! كان الذهبي الفم يقول: إن أساس فلسفتنا التواضع، وكان كلفن يقول: لو أنك سألتني عن النعمة الأولى والثانية والثالثة التي ينبغي أن نتحلى بها في الحياة المسيحية، لأجبتك أنها أولاً وثانياً وثالثاً، وإلى الأبد.. التواضع.. كان جورج واشنطون كرافر من العلماء المبرزين، وقد سأل الله ذات يوم قائلاً: يا رب ما هو الكون؟!! فأجابه الله: يا جورج إن الكون أوسع وأكبر من أن تدركه أنت!! ولعلك تطالبني فيما بعد بالاهتمام به؟!! وإذ أحس العالم المتواضع مركزه من الله والحقيقة سأل إلهه: يا رب ما هو الفول السوداني؟!! فأجابه الله: الآن تسأل سؤالاً يتناسب مع حجمك؟!! اذهب وسأعينك على فهمه!! وقضى جورج المتواضع بقية حياته يجري بمعونة الله تجاربه العديدة على هذا النبات حتى انتهى إلى نتائج مذهلة عجيبة!! الحسد.. والحسد هو الرذيلة النكراء التي تملكت قايين وأسقطت وجهه، عندما رفض الله تقدمته وقبل تقدمة أخيه، وهي الرذيلة الوحيدة التي يقول عنها الكسندر هوايت أنها تولد وتنمو وتثمر في الحال، إذ يكفي أن ترى غيرك يفضل عليك، حتى تشعر في التو واللحظة أن نيران الجحيم بأكملها قد استعرت فيك؟!! ومن القديسين من نجح في مكافحة كثير من الرذائل ولكنه سقط في رذيلة الحسد!! ولقد قيل إن الشياطين عجزت ذات مرة عن إسقاط أحد الرهبان!! مع أنهم جربوه بأنواع مختلفة من التجارب، وإذ اشتكوه إلى رئيسهم قال: دعوه لي، ثم ذهب إليه وقال له: هل علمت أن زميلك اختير أسقفاً على الإسكندرية، وكان هذا كافياً لإسقاطه!!.. ما أحوجنا جميعاً إلى روح وصلاة توماس شبرد مؤسس جامعة هارفورد، ذلك الرجل الذي جرب ذات مرة بأن يحسد زميلاً شاباً من الخدام، لأن مواعظه أخذت المكان الأول على صفحات الصحف، بينما أخذت مواعظه هو مكاناً منزوياً خفياً، وذات يوم ظهرت عظة للشاب قرأها الجميع، وكانت موضع الحديث والتقدير والإعجاب!! وما أن سمع شبرد الناس يتحدثون عنها حتى استعرت نيران ملتهبة في أعماق نفسه، فدخل إلى مكتبه، وهناك اجتاز في تلك الليلة جثسيماني، وفي منتصف الليل انبطح على وجهه في أرض الغرفة، وهو يصارع بعرق ودموع العاطفة البغيضة التي استولت عليه، وقبيل الفجر، كان قد انتصر تماماً، إذ أخذ يصلي بنفس هادئة، ومحبة عميقة، ليبارك الله أخاه وزميله الواعظ، لكي ينجح ويتقدم أكثر فأكثر.. وكانت هذه بمثابة نقطة التحول في حياة الواعظ البيورتاني العظيم!!. وسمع التاريخ عنه، أما زميله الواعظ فلا نكاد نعرف حتى مجرد اسمه!! الأنانية وحب الذات.. وهل هناك من شك في أن قايين كان أنانياً، بل كان غارقاً في الأنانية وحب الذات؟!! ألم ير الدنيا وكأنما هي أضيق من أن تتسع له ولأخيه، وكأنما لا تستطيع أن تحملهما معاً متعاونين متحابين متساندين؟!! بل ألا تبدو هذه الأنانية في قوله لله: "أحارس أنا لأخي" وهي عبارة إن دلت على شيء، فإنما تدل على الإثرة والذاتية وعدم الاهتمام بالآخرين؟!! ومن له في الدنيا أفضل من هابيل، ومن رعايته وحراسته والحدب عليه؟!! ولكنها هي الأنانية التي لا تفكر في الواجب، بل ترى فيه، وفي الاهتمام بالغير، ثقلاً وعبئاً ونكراً، حتى ولو كان هذا الغير هو أعز وأقرب الناس إلينا، أو في لغة أخرى، هو أخونا ابن أمنا وأبينا!!.. لم يقل قايين قولة لويس الخامس عشر المنكرة: أنا وبعدي الطوفان!! لأن الطوفان لم يكن قد جاء بعد ليغرق الدنيا بأكملها، ولكنه أثبت بما قال وفعل أنه أبو لويس وأبو الأنانيين جميعاً على اختلاف أجناسهم ولو أنهم في كل العصور والحقب والأجيال!! هناك صورة مشهورة لمصور بريطاني عنوانها: "أحارس أنا لأخي" وهي عبارة عن مقعد حجري على نهر التيمز، وقد جلس عليه ستة أو سبعة من التعساء البؤساء المشردين، ممن لم يكن لهم مكان في المدينة، فأتوا إلى ذلك المكان ليقضوا فيه ليلتهم، وتراهم في الصورة وقد ناموا وهم جلوس على المقعد، وكان ثلاثة منهم من العمال العاطلين، ورابع من الجنود المسرحين، وإلى جواره امرأة تحتضن طفلها وتميل برأسها على زوجها الجالس إلى جانبها، والجميع مستغرقون في النوم، وعلى مقربة من المكان فندق عظيم، يتلألأ بأنواره الفخمة التي يسكبها هنا وهناك!!.. والمعنى الذي يقصده المصور من صورته هذه، واضح وظاهر، إذ أن هؤلاء البؤساء ليس لهم مكان بين أخوتهم من رواد الفندق الفخم القريب!! الخداع والمكر.. والخداع والمكر من الصفات البارزة في قايين والتي دعته إلى أن يخفي في نفسه أمر مؤامرته وغدره، ثم يدعو أخاه إلى الحقل دون أن يستبين هذا من الأمر شيئاً، وقد قيل في بعض التقاليد أنه تحدث إلى أخيه مهنئاً إياه على الذبيحة التي قبلها الله، وقيل في تقاليد أخرى، أنه دعا أخاه ليذهب وإياه إلى الحقل للتريض والنزهة!! وسواء صح هذا الرأي أو ذاك أو لم يصح فمن المؤكد أن شيئاً خبيثاً شريراً كان يلمع في عيني قايين، وأن هابيل الوادع الآمن لم يستطع تبينه ومن ثم ذهب ضحية ثقته بأخيه الذي لم يكن أهلاً لهذه الثقة!! الكذب.. وكذلك قايين واضح في الجواب الذي رد به على الله عندما سأله قائلاً: "أين هابيل أخوك" إذ قال: "لا أعلم"، وليس عجباً أن يكذب قايين، بل العجب ألا يكذب وهو من الشرير، أي من ذاك الذي قال عنه المسيح "متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 44) والكذب من الصفات الأصيلة في الأشرار والشياطين، إذ هم بطبيعتهم منحرفون عن الحق، وكارهون له!! ومن ثم فالشيء من معدنه لا يستغرب، وكل إناء ينضح بما فيه كما تذهب وتقول الأمثال!! العالمية.. ونقصد بالعالمية ههنا ما ذهب إليه أوغسطينس عندما تحدث عن الفرق بين قايين وهابيل في كتابه العظيم: مدينة الله إذ قال: "إن قايين، مؤسس مدينة العالم، ولد أولاً، ودعى قايين أي اقتناء، لأنه بنى مدينة، وبذلك انصرف انصرافاً كلياً للاهتمام بأمجاد العالم وهمومه، ولقد اضطهد ذاك الذي اختير من العالم، أما هابيل فهو أول سكان مدينة لله، وقد ولد ثانياً، وقد أطلقه عليه الاسم هابيل أي البطل، لأنه أبصر بطل العالم، وقد خرج من العالم بموت غير عادي، وهكذا جاء الاستشهاد على الأرض مبكراً، ومن أسف أن الرجل الأول الذي مات من البشر مات من أجل الدين". وإن كنا لا نتفق مع أوغسطينس في الربط بين معنى الاسم قايين والمدينة التي بناها ذلك الرجل القديم، إلا أننا نؤيده تماماً في أن قايين خرج من لدن الرب، ليسكن في أرض "نود" أو أرض "البعد" حيث وضع هناك أساس المدينة المستقلة المنعزلة المتباعدة عن الله!! ولقد ضرب بنوه في هذه المدينة بسهم وافر من الحضارة إذ كان منهم يوبال الذي كان أباً لكل ضارب بالعود والمزمار، وتوبال قايين الضارب كل آلة من نحاس وحديد، ولكنها -أي المدينة- مع ذلك عجزت عن أن تتحقق لهم الراحة والسعادة والبهجة والسلام، إذ ولدت بعيدة عن الله، وفي أحضان الشر والشهوانية والفساد والإثم!! قايين والخطايا المميتة التي ارتكبها رغم تحذير الله.. أما وقد أدركنا طبيعة قايين الشريرة فلنتحول قليلاً لنتأمل الخطايا المميتة التي ارتكبها هذا الرجل، وتزداد هذه الخطايا بشاعة ورهبة وشناعة إذا لاحظنا أن الله لم يتركه ليقدم عليها أو يندفع فيها دون تنبيه أو تحذير!! وهذه الخطايا هي: خطية عدم الإيمان.. وهي أول خطية يبرزها ويحددها الكتاب لنا، وتتمثل في القربان الذي قدمه قايين إلى الرب من ثمار الأرض، على العكس من أخيه الذي قدم ذبيحة لله من أبكار غنمه ومن سمانها!! ولا أحسب أن هناك كلمات أفخم وأدق وأروع من كلمات دكتور أ.ب. سمبسون عندما وصف الاثنين بالقول: "إن الرجلين اللذين وقفا على أبواب عدن ليعبدا الله يمثلان الجنس البشري في انقسامه إلى مؤمنين وغير مؤمنين!!. أما الرجل الأرضي فيبدو في ديانته كما لو أنه أكثر طرافة وكياسة وجمالاً، إذ يقدم من أثمار تعبه ومن أولها وأحسنها!! أو في لغة أخرى، أنه يقدم زهور الربيع العطرة النقية، وثمار الصيف الناضجة الغنية، وربما بدا مذبحه أكثر بهاءً وجمالاً إذا قورن بالمذبح الخشن غير المصقول الذي قدم هابيل عليه الذبيحة العاصية والتي تبدو في صفرة الموت لحمل دام محتضر ملتهب!! غير أن تقدمة قايين في جملتها ليس إلا نكراناً تاماً شاملاً لكل ما قال الله عن لعنته للأرض وأثمارها، وعن حقيقة الخطية والحاجة إلى مخلص مكفر، الأمر الذي أوضحه الله لآدم وحواء عندما صنع لهما أقمصة من جلده، والذي لا شك أنه أكده أكثر من مرة في تعاليمه ووصاياه لكليهما!! ولم تكن ذبيحة هابيل صوى اعتراف وديع متضع بكل هذه، وقبول صريح واضح لطريقة الله في الغفران والقبول".والواقع أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يتحدث بكيفية جازمة عن هذه الحقيقة بالقول: "بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين"، وهل يمكن أن يكون هناك إيمان ما لم يكن هناك إعلان سابق يثق به هذا الإيمان ويرجوه ويعتمد عليه؟!! أجل فهابيل لم يقدم ذبيحته لمجرد التصور أو الاستحسان البشري بل لابد أن الله أعلن من البدء للبشر بوضوح وجلاء أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة"!! والعمل الأول للإيمان هو أن نثق بما يقول الله عن الخطية!! ولا عبرة بعد ذلك بما يمكن أن يقوله الفكر أو الشعور عنها، فإذا حلا لبعض الفلاسفة والملحدين تجاهلها. فلن يفيد هذا التجاهل شيئاً، وستبقى الخطية رغم ذلك أرهب حقيقة عرفها التاريخ البشري، وإذا زعم غيرهم أن الخطية ضرورة من ضرورات الاجتماع، فزعمهم كاذب وليس الحق فيه، وستبقى الخطية كما قال عنها الآباء الأولون: إنها إرادة الإنسان الفاسدة تعاكس إرادة الله المقدسة، أو كما قال عنها اليهود: إنها العجز عن بلوغ الهدف، أو كما قالوا عنها أيضاً: إنها خضوع الإنسان لرغبات الجسد التي تقاوم إرادة الله، أو كما وصفها الكتاب في تعبير دقيق جامع مانع بالقول: "والخطية هي التعدي" (1يو 3: 4) وأياً كان نوع هذا التعدي ووجهته، وسواء كان موجهاً ضد النفس، أو ضد الآخرين، أو ضد الله مباشرة، فهو على أي حال التعدي الذي يستجلب غضب الله ودينونته ونقمته. وما يصح في القول عن الفكر يصح في القول عن الشعور أيضاً، إذ لا ينبغي أن نزن الخطية أو نقيسها بميزان أو مقياس الشعور، إذ يكفي أن نؤمن بأننا خطاة لأن الله قال هكذا!! وهذا ما فعله هابيل إذ أخذ مكانه كخاطيء فوجد في الحال سبيله إلى الخلاص من خطيته!! على العكس من أخيه الذي كان الشعور هو المضلل الأكبر له، إذ لم يشعر في البداءة بخطيته، أو بحاجته إلى الخلاص!! وعندما شعر بالخطية في النهاية، كان شعوره أفدح وأثقل من اللازم، وأدعى إلى اليأس والقنوط، الأمر الذي دعاه يصرخ صرخته المرة: "ذنبي أعظم من أن يحتمل". على أنه لا يكفي أن يثق الإنسان بما يقوله الله عن الخطية، بل ينبغي أن يثق بما يقوله أيضاً عن الخلاص، وقد قال الله في كلمته في هذا الشأن، فأبى قايين أن يصدقها، وقبلها أخوه بإيمان وخضوع وتسليم، والجنس البشري كله لا يخرج في جميع العصور والأجيال عن واحد من اثنين إما منكر لهذه الكلمة أو مصدق لها، كيف لا والصليب هو الحقيقة الكبرى التي كانت ترمز إليها جميع الذبائح في العهد القديم و"كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله.. لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة. ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة وأما للمدعويين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس" (1كو 1: 18، 22-24).كان الاسكتلندي العجوز يركب عربته ذات يوم، وإذا به يسقط تحت ثقل خطاياه، وتبادره نفسه بهذا السؤال الملح: "ماذا تقدم لله لكي يرضى عليك؟!" وفكر في أن يقدم دموعه وخدماته وعهوده وإصلاحاته ولكن هذه جميعها لم تعطه الراحة والأمن والسلام!! وإذا به يسمع صوتاً هامساً من الأعماق يقول له: قدم المسيح!! وإذ قدمه امتلأت حياته كلها بالفرح والبهجة والسلام والسعادة!! ومن الملاحظ أن الله لم يهمل في أن ينبه قايين، بعد أن رفض تقدمته، إلى أنه يحسن أو لا يحسن بالقدر الذي يرفع الذبيحة أو لا يرفعهاوهكذا تكشف لنا هذه القصة القديمة إلى أي حد يهتم الله بإعلان سياسته الثابتة الأبدية في الخلاص!! خطية قتل هابيل.. وهي الخطية الثانية الرهيبة التي ارتكبها قايين، وقد ارتكبها مع سبق الإصرار دون أن ينتفع بتحذير الله وإنذاره، وقد اتسمت هذه الخطية على الأقل بثلاث سمات، إذ كانت أولاً الخطية القريبة من الباب، ولعلنا نستطيع أن نفهم اقترابها من قايين إذا أدركنا معنى القول: "إن أحسنت أفلا رفع وإن لم تسحن فعند الباب خطية رابضة". والشراح في ذلك يذهبون ثلاثة أو أربعة مذاهب، فمنهم من يفسرها بهذا المعنى: إن أحسنت أفلا رفع لوجهك، وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة، وهؤلاء يعتقدون أن الرفع هنا مقصود به الوجه الذي سقط وامتلأ خزياً، وعلى رأس هؤلاء يقف كايل وديلتش وجيزينيس، بينما وجد غيرهم ممن توسع في فهمه لمضمونها فقال إن المقصود هو إن أحسنت أفلا رفع لمركزك على اعتبار أنه البكر، وعلى رأس هؤلاء يقف بشن.. ووجد آخرون ممن فسروها على هذا المعنى: إن أحسنت أفلا رفع لذبيحة، وهؤلاء يذهبون إلى أن مركز قايين بجملته يتحدد على أساس الذبيحة التي يقدمها أو يرفضها، فإذا قدمها فإنه يحسن صنعاً ويسلك السبيل السوي الذي عينه الله وإن لم يحسن إذ ظل على كبريائه وعناده ورفضه فهناك سوء وخطر ينتظرانه عند الباب ولعل لوثر وكلفن في مقدمة الآخذين بهذا الرأي وإن كان لوثر يذهب إلى أن المقصود بالرفع هو رفع حمل الخطية نتيجة الذبيحة بينما يتجه كلفن إلى أن المقصود بالرفع هو القبول الإلهي للذبيحة والمعنيان على أي حال مقتربان ومتفاعلان!! على أن هناك مذهباً آخر طريفاً يقول إن قايين حمل تقدمته المرفوضة التي لم ينظر إليها الرب وألقى بها عند الباب وكان يراها في دخوله وخروجه فتشعل نفسه غضباً وغيظاً ورأى الله أن تجربته هناك فطلب إليه أن يرفعها بالقول: إن أحسنت أفلا رفع للتجربة- حتى لا تتحول إلى وحش كاسر يوشك أن ينقض عليك!! وسواء صح هذا الرأي أو ذاك أو غيره، فمن الواضح أن التجربة كانت قريبة جداً من قايين، وأنها تربض على بابه، فإذا لم يفزع منها ويهرب، فإنها لا تلبث أن تنقض عليه وتفتك إذا حبلت لأن: "كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتاً" (يع 1: 14 و15). إن الخطية تبدأ أولاً بخيوط أو هي أدق من خيوط العنكبوت تلف بالخاطيء، ثم لا تلبث أن تتحول هذه الخيوط إلى قيود وأغلال دونها القيود والأغلال الفولاذية!! سار فاوست في طريقه مع الشيطان وقد اتفقا على أنه إذا نجح الشيطان في إشباع رغبات فاوست يضحى له عبداً، أما إذا لم يشبعها فإن له الحق أن يتحلل من سيطرته وسيادته، وقبل الشيطان ذلك، وأخذ ينتقل بفاوست من شر إلى شر، ومن متعة إلى متعة، وفي كل مرة يسأله: هل شبع؟! وإذ بالجواب يأتيه على الدوام كلا، واستنفذ الشيطان كل المتع والشهوات والشرور وأعلن ذلك لفاوست!! فقال له هذا: إذاً فأنا حر!! وأجابه الشيطان: أنت حر، وحاول فاوست أن يرجع، ولكنه أدرك أن الخطية قيدته وهو لا يدري بقيود من حديد!!. والسمة الثانية في الخطية التي ارتكبها قايين وحشيتها وقسوتها إذ أنها: رابضة عند الباب" والمعنى في الأصل يشير إلى أن الخطية وحش كاسر يجسم على مقربة من قايين، ويوشك أن يمزقه تمزيقاً، وفي الواقع أن الخطية التي ارتكبها قايين كانت بالغة الفظاعة والوحشية!! كيف لا والصريع أخوه ابن أمه وأبيه، أخوه الحلو البريء الوادع الآمن؟!! أخوه الذي كانت تحلو معه العشرة، وكان يتقاسم وإياه الحياة في ألوانها المتعددة المختلفة!! تخيل أحد الكتاب هابيل وكأنما يصيح في اللحظة الأخيرة لأخيه الغادر المتوحش: أي أخي ابن أمي وأبي ماذا ستفعل؟!! إنك إذ تقتلني ستقتل أبهج ذكريات الحياة عندما كنا نسير هنا وهناك على مقربة من عدن، نلعب ونتحادث ونكافح ونضحك!! بل إنك إذ تقتلني ستقتل أثمن ما فينا على الأرض إذ ستقتل الثقة والصدق والمحبة والشرف والإيثار والأخوة!! ويحك يا أخي لا تفعل هكذا!! ولكن قايين فعل خطيته الشنعاء على أقسى وأرهب وأحط ما يمكن أن يكون الفعل الشنيع. والسمة الثالثة والأخيرة في هذه الخطية: إنه كان من الممكن لقايين أن ينتصر عليها لو أراد، إذ لوح له الله بهذا في القول: "وأنت تسود عليها" أجل فلئن كانت الخطية مقتربة دانية من قايين، ولئن كانت أكثر من ذلك، تتوق وتشتاق إلى الوثوب عليه، إلا أن قايين كان يمكنه أن يتغلب عليها، لو أنه اتجه إلى الله وتمشى وراء إرادته الصالحة!! والله على استعداد أن يساعد كل إنسان مجرب، بل على استعداد أن يهيء له من الأواضع والظروف والمساعدات ما يمكنه من التغلب على تجاربه مهما تبد هذه التجارب مخيفة رهيبة قاسية!! وإذا كانت الطبيعة كلها، كما يقولون، تقف بكل قواتها إلى جوار الإنسان الذي يريد أن يعيش مستقيماً!! فإن الله على استعداد أن يقف بكل سلطانه وقوته إلى جانب الإنسان المجرب الذي يطلبه!! خطية عدم التوبة.. وهي الخطية الثالثة التي يذكرها الكتاب لقايين، ويبدو أن كل خطية ارتكبها كانت تمهد وتعد للخطية التي تأتي بعدها!! فخطية عدم الإيمان بالذبيحة ورفضها، مهدت وأعدت لخطية قتل هابيل، وخطية القتل هذه انتهت به إلى الخطية الثالثة: ونعني بها خطية الإصرار وعدم التوبة!! قال له الله بعد أن ارتكب جريمته: "أين هابيل أخوك" ولم يكن يقصد الله من قوله هذا أن يريه قايين أين يوجد هابيل أخوه؟! فالله يعلم أين يثوي هابيل ويضطجع! ولكن الله قصد أن يثير قايين ويدعوه إلى الاعتراف والتوبة؟! ومن الملاحظ أن الله لم يقل له أين هابيل وحسب بل قال له أين هابيل أخوك، ولعله قصد بذلك أن ينبهه إلى عظم الجرم الذي ارتكبه ضد أخيه!! إن القتل في حد ذاته، بشع رهيب، ولكنه أبشع وأرهب إذا ارتكبه ضد الأخ المحب العزيز.. ولعل هذا القول يعزز إلى حد كبير ذلك التقليد القديم الذي يقول إن قايين بعد أن قتل أخيه حار في أين يخفي جثته!! وإذا به يرى غرابين يتقابلان، ويقتل أحدهما الآخر، وإذا بالغراب القاتل يحفر بمنقاره وقدميه حفرة يدفن فيها الآخر، وإذ رأى قايين هذا المنظر قال: الآن علمت ماذا أفعل بهابيل ثم حفر حفرة ووضعه فيها، ووراه تحت التراب!! وعلى أي حال لقد حاول قايين أن يتخلص من الخطية بالإصرار عليها ودفنها!! ولكن هل يستطيع حقاً أن يدفن الخطية ويغطيها بعيداً عن عيني الله؟!! كلا وألف كلا!! وما عمله إلا الحماقة الكبرى التي كان عليه أن يتحاشاها بالاعتراف الصريح!! كان من الممكن أن يأتي إلى الله ويقول: أنا أعلم أين أخي!! لقد قتلته بحماقتي وشري، وليس لي من عذر أتقدم به إليك سوى أن ألوذ برحمتك التي وسعت كل شيء وتتسع للمجرم والخاطيء والأحمق والشرير: "ارحمني يا الله حسب رحمتك حسب كثرة رأفتك أمح معاصي اغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيتي طهرني لأني عارف بمعاصي وخطيتي أمامي دائماً إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت لكي تتبر في أقوالك وتزكوا في قضائك" ولو قال قايين هذا أو شيئاً من مثل هذا لغفر له الله خطيته الشنيعة..كان أحد ملوك فرنسا يسير في رفقة ملك أجنبي في سجون طولون، وقال الملك الفرنسي للملك الضيف أنه مستعد أن يفرج في الحال عن أي سجين يقع اختياره عليه، وأخذ الملك الضيف يسأل المسجونين واحداً بعد الآخر عن السبب الذي من أجله جاءوا إلى السجن، وإذا بهم جميعاً يدعون أنهم دخلوا السجن ظلماً وعدواناً، إلا واحد لاحت عليه الذلة والانكسار، وإذ سأله الملك عن سبب دخوله السجن أجاب: لقد ارتكبت إثماً كبيراً، ولا أعلم لماذا خففوا الحكم على هكذا مع أني كنت أستحق حكماً أقسى وأشد! وعندئذ وقع اختيار الملك عليه، وقال: أنت هو الشخص الوحيد الذي أجد فيه شيئاً يحتاج إلى الغفران على العكس من جميع هؤلاء الأبرياء المظلومين!.. أجل لأنه "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم. إن قلنا أننا لم نخطيء نجعله كاذباً وكلمته ليست فينا". قايين والعقاب المريع الذي أصابه نتيجة خطاياه.. بعد أن تحدثنا عن قايين وطبيعته الشريرة، والخطايا المميتة التي ارتكبها، يجدر بنا أن ننتهي بالحديث عن العقاب المريع الذي أصابه نتيجة خطاياه، وهذا العقاب إن تحدث عن شيء، فإنما يتحدث قبل كل شيء عن عدالة الله الساهرة الحية التي لا تموت، وقد بدت هذه العدالة في قصة قايين في أكثر من مظهر إذ كانت أولاً العدالة الكاشفة، أو العدالة التي لا يمكن أن يخفي عليها شيء، أو تبهم لديها الأمور، بل هي العدالة التي تزن الظاهر والخفي بميزان دقيق وهي أيضاً العدالة الساهرة التي لا تغفل أو تنام، بل ترقب وتلاحظ كل ما يجري على الأرض، وترى من حقها التدخل بين الإنسان وأخيه، إذ أن حقها في الواقع أسبق على كل حق، بل أساس كل حق، ومصدر كل حق.. وقد يتصور قايين أنه ليس لأحد حق محاسبته أو محاكمته على ما فعل، ولكنه سرعان ما يتبين أنه واهم، وأن ديان كل الأرض، قد أوقفه أمام كرسيه ليعطي حساباً عما فعل ضد أخيه.. وهي إلى جانب ذلك العدالة الطيبة التي تفزع لموت هابيل، وتستمتع إلى صرخات دمه المرتفعة من الأرض، لتقتص له من قاتله، محققة ما قاله المرنم: "عزيز في عيني الرب موت أتقيائه".. وعلى أي حال فإن عقاب قايين كان عقاباً شاملاً تناوله من كل جانب من جوانب الحياة، وقد ظهر بوضوح على الأقل في أربعة مظاهر: الفشل الروحي وقصة قايين بجملتها ليست إلا قصة الفشل الروحي العميق، على أوسع ما تشمل عليه كلمة الفشل من معنى، لقد دعته أمه قايين أي "اقتناء" إذ قالت: اقتنيت رجلاً من عند الرب" والرأي الراجع أنها دعته بهذا الاسم وهي تعتقد أنه النسل الموعود الذي سيسحق رأس الحية، والذي سيثأر لها من عدوها المكروه البغيض، الذي أخرجها وزوجها ونسلها من جنة عدن بالتجربة والكذب والخداع، ولعل كلمات الكسندر هوايت هي خير ما يمكن أن يقال هنا على وجه الإطلاق!! قال هوايت: "لقد أخطأت حواء في فهمها لقايين إذ ظنته يسوع المسيح!! وعندما رأته يوم مولده لم تعد تذكر حزنها، إذ كانت المرأة المبتهجة السعيدة!!.. بل إن جنة عدن بكل ما فيها من أزهار وثمار لم تعد تصبح بعد موضع الاهتمام أو التفكير من اليوم الذي تدانت فيه السماء من الأرض، واقتنت حواء ابنها البكر من عند الرب!! وليس عجباً أن تخطيء حواء في فهم قايين إذ يكفي أن تضع نفسك موضعها!! لقد جلبت هذه المرأة على نفسها وعلى زوجها الطرد إذ أصغت لأبي الكذاب!! ولكن الله جاءها في محنتها ويأسها، وفتح لها كتاب وعوده بأفضل وعده إذ وعدها بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية، وبذلك يفتديها من كل الشر الذي جلبته على نفسها، وعلى زوجها.. والآن تبارك الرب هوذا نسلها بين يديها، وها هو يأتيها في صورة حلوة مبهجة للقلب، سماوية، في صورة رجل من عند الرب!! فهل تكون حواء بعد ذلك جاحدة القلب ملحدة المشاعر وهي تنظر إلى ابنها على اعتبار أنه النسل الموعود؟؟ وهل تكون مخطئة إذا قالت هذا هو إلهنا الذي انتظرناه، الإله الذي جاء لنا برجل من عنده؟!! ومع كل هذا فنحن نعلم أن قايين لم يكن المسيح!! وأن ملاك البشارة الواقف في حضرة الله عبر عن حواء وسارة وراحيل وحنة وأليصابات وسائر النساء الأخريات في إسرائيل، وجاء إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف، وقال لها: "سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت في النساء" "فقالت مريم تعظم نفسي الرب".. أجل لم يكن قايين هو النسل الموعود، أو على الأقل، الأمل الباسم، والأغنية الطروب، واللحن الشادي، في أرض متعبة!! بل كان الإنسان الذي تمثلت فيه المأساة والفشل وخيبة الأمل، على أوسع صورها وأرهب معانيها!! لقد كان عند أبويه في بدء حياته حلماً جميلاً، ولكن سرعان ما تحول إلى كابوس مريع ليس لأبويه فحسب بل لنفسه وأخيه وجميع المتصلين به أو الآتين من نسله!! أجل فليس هناك شيء يبدد الأحلام، ويضيع الأمل كما تفعل الخطية!! العوز المادي لم نعلم كم عاش قايين من السنين، وكم طال به العمر، لكننا مع ذلك نعلم أنه عاش طوال حياته في عوز مادي، وفي احتياج دائم، إذ لعنه الله بضيق ذات اليد، في القول: "فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك. متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها" أو في لغة أخرى، إنه وجد الشوك في موضع الزهور، ووجد الحسك في موضع البقول، ووجدت اللعنة الدائمة تصاحب ما يزرع ويستنبت، اللعنة التي ذكرها الكتاب عن جماعة تمشت في طريقه عندما قال: "زرعتم كثيراً ودخلتم قليلاً. تأكلون وليس إلى الشبع. تشربون ولا تروون، تكتسون ولا تدفأون، والآخذ أجره يأخذ أجره لكيس منقوب.. انتظرتم كثيراً وإذا هو قليل ولما أدخلتموه نفخت عليه.. لذلك منعت السموات من فوقكم الندى ومنعت الأرض غلتها ودعوت بالجر على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار وعلى الزيت وعلى ما تنبته الأرض وعلى الناس وعلى البهائم وعلى كل أتعاب اليدين" أجل فلقد لحقت اللعنة قايين في كل هذه، فكان في عداء دائم مع المحصول الوفير. واللقمة الهانئة، والعيش الرغيد، والحظ الحسن -إن جاز أن نستعمل هذا التعبير- وهكذا أدرك أن الخير المادي كالروحي سواء بسواء يرجع إلى أمر الله ومشيئته وإرادته دون أن يرجع في قليل أو كثير إلى حكمة الإنسان أو يقظته أو تعبه أو مجهوده أو عمله أو ما أشبه مما يظن الناس أنها تحدد المعايش والأرزاق على هذه الأرض!! التعب الجسدي لم تكن لعنة قايين في ذلك العوز المادي الذي سيصاحبه طوال الحياة فحسب بل كانت في التعب الدائم الذي يحرم عليه الاستقرار في بقعة واحدة من الأرض، لقد كان عليه أن ينتقل من مكان إلى مكان سعياً وراء الرزق بما يصاحب هذا الانتقال من تعب وضيق ومشقة، لقد عاقبه الله بالقول: "تائهاً وهارباً تكون في الأرض" والكلمة العبرانية المترجمة "تائهاً" تشير في الأصل إلى حالة التردد والاضطراب والتيه التي تصاحب الإنسان الحائر الذي لا يعرف أين يتجه، أو المعيي الذي يسقط من الجوع، فإذا أضيفت إليها حالة الهروب أو الحالة التي تنشأ من الفزع والخوف وعدم الاطمئنان، أدركنا إلى أي حد كان قايين أشبه بالرحالة المكدود الذي يسعى في البيداء المقفرة أو الجواد التعب الذي يقطع الفيافي من غير هدف!! وهكذا يؤكد الكتاب لنا أن الله لا يمنح أو يمنع اللقمة النهائية فحسب بل يمنح السكن المريح أو الوسادة اللينة!! العذاب النفسي وهو العذاب الذي سجله قايين في القول: "ذنبي أعظم من أن يحتمل إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض ومن وجهك أختفي وأكون تائهاً وهارباً في الأرض فيكون كل من وجدني يقتلني" والشراح مجمعون على أن هذه اللغة ليست بحال ما لغة الاعتراف والتوبة، بل هي لغة اليأس والقنوط لمجرم هاله الحكم القاسي الذي صدر ضده، ومما يشجع على هذا الاعتقاد أن الكلمة "ذنبي" يمكن أن تترجم "عقابي"، والواقع أن قايين كان مأخوذاً بالعقاب أكثر من إحساسه بالجرم!! وكان مدفوعاً بالخوف، أكثر من اندفاعه بالتوبة، ولعل هذا يبرز بوضوح في القول: "كل من وجدني يقتلني" وأين يوجد هذا القاتل والأرض لم تعمر بعد؟!! أهو الخوف من الوحوش كما يزعم بعض المفسرين ممن يقولون أن الكلمة "من" يمكن ترجمتها "ما" وبذلك ينصرف المعنى إلى وحوش الفلاة والبرية؟!! أو هو الخوف من المستقبل حين تأتي ذراري أخرى من آدم تثأر منه للمقتول، كما يذهب آخرون؟!! لا ندري وكل ما ندريه أن صيحته هنا على أي حال ليست إلا صيحة الضمير في قصيدة رائعة، يرينا فيها قايين الرحالة المتعب، وهو يفزع من نجوم الليل، وهمهمة الرياح وخشخشة الأوراق، وصوت العصافير، ويتوهم أنها ضواري كواسر توشك أن تنقض عليه، وتفتك به!! بل رأينا إياه صريع الأرق والضيق والوسوسة والمخاوف! أجل ليس هناك أرهب من صوت الضمير إذا تيقظ، وأقصى من عذاباته إذا حاسب ودان!! والفنان المشهور فيرناند كوكمون يرنا قايين في أخريات حياته، وحوله من تبقى من نسله، وما يزال هو الإنسان المتعب التائه الزائغ البصر الذي يندفع في طريقه دون أن يلوى على شيء أو يستقر على قرار إذ هو أشبه الكل باليهودي التائه الذي حقت عليه لعنة الله بعد أن صلب المسيح!! على أننا لا يمكن أن ننتهي من الحديث عن قايين دون أن نذكر تلك العلامة التي أعطاها له الله لكي لا يقتله كل من وجده، ونحن لا نعلم ما هي؟!! أهي تحول غريب في وجهه كما تزعم بعد التقاليد اليهودية؟!! أم تغير تام في لون جلده؟!! أم هي نوع من الملابس كان عليه أن يرتديه؟!! أم شيء يشبه القرن نبت في رأسه؟!! أم علامة على جبينه؟!! أم غير ذلك من العلامات؟!! لا نعلم، ومن العسير على أحد أن يجزم بنوع هذه العلامة وهيئتها؟!! ولكنها إن تحدثت وأكدت شيئاً فإنها تتحدث وتؤكد أن الله لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر، وإنه في وسط الغضب يذكر الرحمة، وأنه حتى قايين الآثم الشرير الذي لم يرحم أخاه يمكن أن يجد رحمة عند الله.ليت إيمان قايين كان قد اتسع لرحمة أشمل وأعم عند الله، ولم يخف فقط من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خاف بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم، إذاً لشملته رحمة الله، ولالتقى هو وأخوه في السماء في ظلال ذلك الذي هو وسيط عهد جديد، ودمه الذي هو دم رش يتكلم أفضل من هابيل.
المزيد
10 أغسطس 2022

النعمة

بمناسبة صوم القديسة العذراء مريم نتذكر أن الملاك خاطبها بقوله: "السلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة"، العذراء كانت ممتلئة نعمة. ما هي النعمة؟ النعمة هي ما أنعم الله به على الإنسان. فكل شيء يأتي بركة للإنسان يكون نعمة من الله ونحن من اهتمامنا بهذه النعمة، نختم كل اجتماع روحي بكلمة "محبة الله الآب، ونعمة ابنه الوحيد، وشركة وموهبة الروح القدس، تكون مع جميعكم" وفي الحقيقة كل حياتنا سببها النعمة، أي مجرد أننا موجودين نعمة من الله فالوجود نعمة من الله، بل الخليقة كلها هي نتاج نعمة الله. يشرق شمسه على الأبرار والأشرار:- ونعمة الله للكل. ليست للأبرار فقط، بل حتى للأشرار أيضًا أي لولا النعمة التي يعطيها الله للإنسان الشرير، ما كان يتوب ولولا نعمة الله مع غير المؤمن، ما كان يؤمن فالشرير بنعمة الله يستطيع أن يتوب "تَوِّبْنِي يا رب فَأَتُوبَ" (سفر إرميا 31: 18). وغير المؤمن بنعمة من الله يصبح مؤمنًا. النعمة تعمل مع الكل:- النعمة عملت مع لونجينوس قائد المئة عندما ضرب المسيح بالحربة في جنبه. جاءت له نعمة من الله فقال: "حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ" (إنجيل مرقس 15: 39) النعمة عملت مع شاول الطرسوسي: فجعلته بعد أن كان مضطهد للكنيسة أصبح أكبر رسول يدافع عن الإيمان، وفي الحقيقة شاول الطرسوسي هذا الله أعطاه هذه النعمة قبل أن يولد. لذلك قال في الرسالة إلى غلاطية "لما سر الله الذي أفرزني بنعمته ودعاني للكرازة باسم ابنه الوحيد....إلخ"، ونص الآية هو: "وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ.." (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 1: 15، 16) كان هذا نعمة من ربنا له. بل بنعمة ربنا قابله السيد المسيح نفسه في الطريق ودعاه. فالله يعمل بنعمته حتى مع الخطاة. النعمة عملت مع اللص اليمين:- نعمة ربنا كانت مع اللص اليمين المصلوب بجانبه فآمن بالرب وهو على خشبة الصليب وقال له "اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (إنجيل لوقا 23: 42). النعمة عملت مع ذكا العشار:- نعمة ربنا افتقدت زكا العشار الذي كان رئيس العشارين وقبل المسيح وقال له الرب: "اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت"، ونص الآية هو: "الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ" (إنجيل لوقا 19: 9). النعمة عملت مع عبدة الأوثان:- النعمة أيضًا كانت مع الأمم الذين كانوا يعبدون الأصنام فآمنوا. النعمة عملت مع الشيوعيين: نعمة ربنا كانت مع الشيوعيين بعد 70 سنة إنكار لوجود الله فآمنوا. وبعد أن كان لا يوجد من يفرح الله بإيمانه في روسيا الشيوعية، أصبح فيها الآن أكثر من 120 مليون يؤمنون بالمسيح افتقدهم ربنا وهم خطاه بنعمته. النعمة عملت حتى مع الشيطان:- بل أستطيع أن أقول أكثر من هذا. نعمة ربنا لم تترك الشيطان. كيف؟ كان من الممكن أن الله يفنيه من أول سقوطه ولكن نعمة الله أعطته البقاء والوجود وليس فقط بل أعطته قوة. لم تفارقه قوته. لذلك يقول الرسول: "إبليس الذي يضلكم يجول مثل أسد يزأر"، ونص الآية هو: "لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 5: 8). ربنا سمح حتى للشيطان بنعمته أن يبقى وتكون له حرية في العمل وسمح له أن يجرب أيوب الصديق. وسمح أن يكون له قوة وأعطاه فرصة حتى آخر الزمان حيث يقول الكتاب "وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" آمين (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 20: 10). النعمة عملت مع يهوذا الإسخريوطي:- بل أقول أن نعمة ربنا كانت حتى مع يهوذا قبل أن يهلك. نعمة ربنا اختارته تلميذ، ونعمة ربنا سمحت أن يعمل معجزات وآيات مثل باقي التلاميذ. ونعمة ربنا جعلته تغسل رجليه بواسطة الرب مثل باقي التلاميذ وقال لهم "أَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ" (إنجيل يوحنا 13: 10) ونعمة ربنا أعطته إنذارات كثيرة كثيرة لعله يتوب. ولكنه هلك لأنه لم يستخدم نعمة الله. نعمة الله تعمل حتى مع الجماد:- بل أقول لكم أكثر أن نعمة ربنا حتى تعمل في الجماد الذي لا يعقل فكما تعلمون أن يوسف الصديق خزن القمح 7 سنوات ليستخدمه في السنوات العجاف. من يقول أن قمح يخزن 7 سنوات دون أن يأتيه سوس؟! لكن نعمة الله شملت حتى هذا القمح أن لا يأتيه السوس على مدى 7 سنين أو أكثر نعمة ربنا افتقدت كوز الزيت في بيت الأرملة فلم ينقص. وكذلك طبق الدقيق نعمة ربنا عملت في الأسود في الجب حتى لا يأكلوا دانيال.ونعمة الرب عملت في النار التي رمي فيها الثلاث فتية بحيث أنها أصبحت عاجزة عن حرق الفتية أو حتى ملابسهم.نعمة ربنا تعمل حتى في العصافير التي لا تزرع ولا تحصد وتقيتها.ونعمة ربنا أيضًا منذ العهد القديم يقول الكتاب: مباركة تكون ثمرة أرضك وثمرة بطنك. فنعمة ربنا تبارك ثمرة الأرض فتتكاثر. كما قال الله بارك غلة العام السادس أصبحت غلة العام السادس تكثر وتكفي أعوام.عجيبة نعمة الله التي تعمل في كل شيء حتى في الفراشات فتعطيها جمالًا ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. النعمة ضرورية لنا جدًا:- نعمة الله ضرورية لنا جدًا. لماذا؟ لأننا كبشر خلقنا على صورة الله ومثاله لكن عندما وقعنا في الخطية أصبحت طبيعتنا ضعيفة، يستطيع الشر أن يؤثر عليها أكثر.بدليل أن الكتاب يقول إن الخطية طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء.ما دام هؤلاء القتلى غير قادرين والشيطان يغلبهم ويهزم كثيرين منهم فربنا من أجل رحمته أعطانا النعمة لكي ننتصر. ما دام عدونا قوي ونحن ضعفاء فلا بد أن نأخذ نعمة. من عدل الله أعطانا نعمة.لا يجب أن يقول أحدكم أنا أقع وأخطئ. أنت تخطئ لأنك لا تستخدم النعمة التي فيك. كيف تفتقدنا النعمة؟ | افتقاد النعمة:- النعمة تأتيك بالصلاة بمباركة الوالدين.تأتيك النعمة ببركة القديسين وتأتيك النعمة حتى دون أنت تطلب. النعمة والأسرار السبعة:- بالمعمودية: هناك نعمة أخرى تحصل عليها من الأسرار المقدسة في المعمودية. ربنا يعطيك نعمة الميلاد الجديد وأن تكون ابن الله وابن الكنيسة وان الإنسان القديم يموت والإنسان الجديد يوجد على صورة الله. وفي سر الميرون: ربنا يعطيك نعمة الثبات في الروح القدس وأن تكون هيكل للروح القدس. وفي التوبة يعطيك نعمة المغفرة. وفي التناول يعطيك الثبات في الإبن.تأخذ نعم كثيرة جدًا في الأسرار. ولكن مع ذلك توجد نعم كثيرة أنت تأخذها دون أن تطلب. ربنا يقول "من أجل شقاء المساكين الآن أنا أقوم أصنع خلاصًا"، ونص الآية هو: "مِنِ اغْتِصَابِ الْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ الْبَائِسِينَ، الآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ فِي وُسْعٍ الَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ" (سفر المزامير 12: 5) دون أن تطلب تجد الله أعطاك.الله يقول : "أنا نظرت مذلة شعبي" لم يقولوا له يا رب احنا اتزلينا أو تعبنا من طغيان فرعون، بل قال الرب: "أنا نظرت إلى مذلة شعبي، أنزل لأخلصهم"، ونص الآية هو: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي.. فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ" (سفر الخروج 3: 7، 8). لا بد أن تقبل النعمة وتشترك معها في العمل: إذًا لا بد أن نعرف كيف نشترك مع النعمة في العمل؟ الله مستعد أن يعطيك نعمة ومواهب كثيرة ولكن لا بد أن تقبل النعمة وتشترك في العمل معها ربنا أعطى نعمة لإمرأة لوط أن الملاك يمسكها ويخرجها ولكنها لم تشترك مع النعمة ولم تقبل، ونظرت إلى الوراء فصارت عمود ملح فرعون مثلًا وهو رجل وثني كان الله يعطيه نعمة أن يمنع عنه الضربات. فعندما كانت تأتيه ضربة فيصرخ ويقول "أخطأت إلى الرب" فيرفع عنه الله الضربة لكن كان فرعون قلبه قاسي ولا يقبل نعمة الله ويعود ليخطئ مرة أخرى ولذلك ضيَّع نفسه.أما أنت فكن حريصًا عندما تزورك النعمة، أن تشترك مع النعمة في العمل. والقديس أوغسطينوس قال كلمة جميلة: "الله الذي خلقك بدونك، لا يشاء أن يخلصك بدونك". أي لكي تخلص لابد أن تعمل مع النعمة.النعمة تعطيك قوة، وتعطيك رغبة في التوبة، وتعطيك حرارة، وأنت تشترك مع النعمة.أي القوة التي تُعطى لك من النعمة لا تمنع نعمة الحرية التي لك. لا توجد نعمة تلغي نعمة أخرى. نعمة المعونة لا تلغي نعمة الحرية. النعمة ترشدك للخير ولكن لا ترغمك على عمل الخير. تعطيك محبة الخير وتتركك لإرادتك الحرة. هي مجرد مرشد. العذراء الممتلئة نعمة:- الملاك قال لها: السلام لك أيتها الممتلئة نعمة فبالنعمة قبلت أن تكون أم وهي بتول لا تعرف رجلًا. قبلت هذا ولم ترفض هذا الأمر أعطاها الرب نعمة أن تحتمل نظرة الناس إليها. وأن تختفي وراء اسم يوسف النجار.الرب أعطاها نعمة أن تحتمل التعب. وتحتمل الآلام وتحتمل أن تسير على الجبال لتزور أليصابات وتخدمها إلى أن تلد. أعطاها نعمة أن تحتمل التعب في أن تذهب إلى أرض مصر 3 سنين ونصف وكلما تذهب إلى بلد تطرد منها لأن الأصنام كانت تسقط بسبب وجود الرب. فتذهب بلد أخرى وتسقط الأصنام أيضًا وتطرد.أعطاها نعمة أن تحتمل الفقر واليتم. فمن سن 8 سنين ذهبت إلى الهيكل وهي يتيمة الأبوين وعاشت في فقر. أعطاها النعمة أن تحتمل أن تلد في مزود بقر وهو مكان لا يصلح البقاء فيه أبدًا من الرائحة والقذارة.وأعطاها نعمة أن تحتمل ولادة ابنها في الشتاء القارص.أعطاها نعمة أن تحتمل رؤية ابنها المحبوب الوحيد وهو مصلوب أمامها وترى الناس يهزأون به ويتحدوه.أعطاها نعمة أن تحتمل كل هذا. ولاحتمالها كل هذا ولغيره قيل عنها أنها ممتلئة نعمة. نرجو شفاعتها وبنعمتها نحصل على نعمة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
09 أغسطس 2022

تنوُّع منظر والدة الإله في الأيقونات

نظرًا لمكانة السيدة العذراء مريم والدة الإله المتجسد في العقيدة الأورثوذكسية، فقد حازت على مناظر متنوعة في الأيقونة المسيحية، والرسومات الحائطية. وترجع هذه المكانة الكبيرة، لما جاء عنها من نبؤات في العهد القديم، وما تحقق عنها في العهد الجديد. ويرجع التقليد المسيحي للقديس لوقا الإنجيلي الطبيب، أنه أول من رسم أيقونة والدة الإله المتجسد، وهي تحمل ابنها السيد المسيح. ثم رُسِمت صورتها على جدران أماكن الدياميس الموجودة تحت أرضية مدينة روما القديمة (الكتاكومبس)، ومن ثَمّ إنتشرت صورتها في جميع كنائس العالم بعد ذلك، خصوصًا بعد تحرُّر الفن المسيحي وانسحابه من الرمزية إلى الواقعية. وأيضًا بعد الحكم على نسطور بطريرك القسطنطينية في مجمع أفسس، والذي أنكر أن العذراء والدة الإله (ثيؤطوكوس)، واعتبرها والدة المسيح الإنسان (خريستوطوكوس)، لذا فإنه أنكر اتحاد اللاهوت بالناسوت من لحظة البشارة به. ولكن دعونا نحدّد مناظرها في الأيقونات والرسومات الحائطية، حيث أوضح الفنان أنها دائمة البتولية، والسماء الثانية، والملكة، ووالدة الإله، والأعلى من الشاروببيم والسارافيم؛ وما يوضع من رموز حولها كالعليقة، والشورية، وسلم يعقوب، وتابوت العهد. وقد دخلت الألوان في التعبير عن دلالات معينة. ويبدو أن الفنان قصد شيئًا من نظرة عينيها، وميل رأسها نحو ابنها، أو حمله على يدها اليسرى، أو رضاعته من ثديها الأيسر أو الأيمن، أو إذا كان مرسومًا في داخل دائرة أمام أحشائها. ومنظرها وهي جالسة، أو واقفة، وما رُسِم حولها من الملائكة، والقديسين، أو التلاميذ الأطهار. وبعض أيقوناتها التي حوت بعض الحكايات التقليدية المتواترة الخاصة بها. وأين توضع أيقونتها في الكنيسة أو تُرسَم، ومكانة السيدة العذراء في الحياة الرهبانية، وتقديس أيقونتها، سواء عند أديرة الرهبان أو الراهبات، كل ذلك سنتناوله بالتفصيل، لنعرف ماهي المقاصد الروحية واللاهوتية والعقائدية والتقليدية عند الفنان القبطي، بحصوص أيقونات السيدة العذراء مريم، وماتحمله من فكر الآباء، وتراث كنيستنا القبطية. نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد بالقاهرة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل