المقالات
28 يوليو 2020
كتاب كيف أتخذ قرارًا؟ ج3
ضوابط اتخاذ القرار: الروح القدس، الأب الروحي، الحوار
أن أي قرار نتخذه في حياتنا له -بالضرورة- الأثر البعيد، إما إيجابيا أو سلبيا. لذلك كان لابد من ضوابط تساعدنا على الوصول إلى القرار الصحيح، خصوصًا إذا تذكرنا محدودية الإنسان: عقله، وقدراته، ورؤيته، وعدم قدرته على معرفة ما يحمله المستقبل من مفاجآت، والمصادمات اليومية في الحياة مع النفس، ومع الآخرين، الأكبر والأصغر منا...
وكما أن الإنسان يحتاج نفسيا إلى "الحرية"، ولا ينمو بدونها، إلا انه محتاج أيضًا إلى "الضبط"، ويستحيل أن ينمو بدونه. هنا يكون الاتزان والتوازن، وهذه شريعة الحياة. فلو أننا أسرفنا في إعطاء أنفسنا الحرية، انفلتنا إلى نوع من الفوضى أو التفكك أو الإحساس بالضياع. ولو أننا أسرفنا في جرعة الضبط المطلوبة، سقطنا في الإحباط والقنوط وحتى اليأس.
من هنا تحتاج الطبيعة الإنسانية إلى مزيج بناء من الحرية والضبط، بحيث لا نتطرف يمينا نحو انفلات مدمر، أن يسارًا نحو إحباط يحطمنا. ولهذا السبب بالضبط خلقنا الله أحرارًا، وتركنا نختار طريقنا وطريقتنا في الحياة كما نريد، لأنه لا يحب أن يرانا دمى تافهة أو قطع شطرنج في جنته السعيدة، بل يريدنا أن نختار الحياة معه وله، عن قناعة وفرح ورضى. كما انه وضع في أعماقنا الضمير أو الشريعة الأدبية أو الناموس الطبيعي، حتى يساعدنا بأنواره الكاشفة وأصواته البناءة في تحديد المسار في حرية وفرح، بعد أن نختبر متاعب الانحراف والمعاندة، وبركات الحياة مع آلهة في طريق الخير.
فما هي يا ترى الضوابط الذي تساعدنا على التحقق من صحة اختيارنا وسلامة قراراتنا؟
1- الروح القدس:
العامل في الضمير، ذلك الصوت الإلهي، الذي يأتينا من عند الله، والذي يزداد إرهافًا وحساسية بسكنى روح الله فينا. فالروح القدس غير الضمير، وغير الروح الإنسانية. انه الأقنوم الثالث في إلهنا الواحد، الأقنوم الذي يفعل فينا، وينقل إلينا بركات الفداء، ويضيء لنا الطريق: يبكتنا كلما أخطأنا، ويشجعنا كلما أصبنا، ويسكب النور في قلوبنا فنميز الأمور المتخالفة، كما يغرس طريقنا بالنور فنعرف كيف نسير وفي أي طريق نتجه. وهكذا فالذين " ينقادون بروح الله، أولئك هم أبناء الله " (رو8: 14) والإنسان الذي يحب أن يضبط مساره، ويتأكد من صحة قراره، عليه أن يصلى في إلحاح، وبروح كلها إخلاص في طلب معرفة مشيئة الله، وفي تسليم صادق لإرادته وتفكيره لإرادة الله وتفكيره... وهكذا... إذ يشعر براحة ضمير، واستقرار وسلام نفسي، دون انفعال أو تشنج، يحس أن روح الله مستريح فيه لهذا القرار متفقا مع معطيات، الإنجيل وطريق القداسة.
هذه قوة ضابطة هامة، عودتنا الكنيسة أن نطلبها باستمرار في صلاة الساعة الثالثة، ونكررها في صلوات نصف الليل: "أيها المعلم السمائي المعزي روح الحق، الحاضر في كل مكان والمالئ الكل كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا". وما تطهير القلب من تلوث الخطية وانحراف الغرض والمشيئة الذاتية الأنانية، سوى خير ضمان لسلامة المسيرة وصحة القرار. ألم يقل لنا الرب عن الروح القدس: " متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13)؟
علينا إذن أن نصلى باستمرار كلما تحيرنا، طالبين من الرب أن يكشف لنا مشيئته، وسوف نستريح إلى اتجاه معين، يشهد الكتاب المقدس على صحته وسلامته، فنتحرك في هذا الاتجاه في روح الصلاة والتسليم، تاركين للرب أن يكمل الطريق أو يلغيه، كاشفا لنا مشيئته التي سنتقبلها بكل فرح.
وليكن شعارنا قول المرنم: "تمسكت خطواتي بآثارك، فما ذلت قدماي" (مز17: 5). ولنسمع في كل حين وعد الرب: "أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها، أنصحك عيني عليك " (مز32: 8).
2- الأب الروحي:
وهذا ضابط آخر غاية في الأهمية، ذلك عملا بقول القديسين: الذين بلا مرشد هم كأوراق الخريف، سريعا يسقطون. وتنبع أهمية أب الاعتراف في القرارات المصيرية من عدة
منطلقات:
أ) الآب الحاني المحب، الذي يهمه أمري، ويحب أن يطمئن إلى كل خطوات مساري.
ب) وهو وكيل السر، الذي يصلى معي إثناء الاعتراف طالبًا من الرب أن يرشده ويرشدني لما فيه خير حياتي...
ج) هو الأكثر خبرة، بسبب المواقف الكثيرة التي عاشها شخصيا، أو من خلال الخدمة...
د) وهو الأنضج سنا، بحيث يرفعني من انفعالات واندفاعات الشباب المبكر، وينبهني إلى خطورتها...
هـ) وهو الصوت الروحي والصوت العاقل، الذي يمكن أن يخرجني من "الحصر النفسي" الذي أحياه حينما ادرس مشكلتي بمفردي داخل "خزانتي النفسية". إن مجرد "فرد" النفس وكشفها أمام أب روحي، كفيل بأن أعيد تقييم الأمور، إذ افرغ شحنتي الانفعالات فلا تتحكم نفسي في، ولا عواطفي، ولا انفعالاتي، بل يتحكم روح الله، والعقل المستنير بالروح والإنجيل، في مسار حياتي.
وهكذا يكون دور أب الاعتراف غاية في الأهمية في ضبط المسار، واتخاذ القرار، وبالذات في الأمور المصيرية. خصوصًا إذا أضفنا إلى ذلك عنصر إخلاص الأب لابنه الروحي، وصلواته من اجله، وكتمانه لأسرار حياته.
لذلك ليتك تعرض أفكارك يا أخي الحبيب على أبيك الروحي، ويجب أن يكون واحدًا ثابتًا، لا يتغير ما لم تكن هنالك ضرورة قصوى، حتى يكون شاعرًا بمسار حياتك من مرحلة إلى مرحلة، وبظروفك الفردية والعائلية والعامة، ومن هنا يقدم لك المشورة المناسبة مسترشدًا بروح الله القدوس.
3- الحوار:
وهذا هو الضابط الثالث في الحياة، فما اخطر أن يعتمد الإنسان على فكره الخاص، ويرفض أن يتحاور مع غيره حتى في أموره الخاصة. إن فكرك الخاص هو بالقطع فكر محدد، معرض للصواب والخطأ. كما أن تفكيرك بمفردك يسقط في "شرك نفسي"، هو التفكير الانفعالي المقود بالعاطفة، وأحيانًا بالغريزة. كما انك بمفردك ستركز على زاوية في الموضوع ناسيا أو متناسيا زوايا أخرى هامة. أما خروجك من هذه القوقعة الذاتية إلى شركة المحبة، مع الأسرة، أو الأصدقاء البنائين، أو خادمك في الكنيسة، أو أبيك في الاعتراف... هذا كله يغمر موضوعك بالضوء، ويساعدك على اكتشاف نفسك، ودوافعك، وزوايا الخطأ والصواب في الأمر، والمسار المطلوب والبناء، وطريقة الوصول إليه وتنفيذه... وهكذا. أما "الانحصار في الذات"، والحياة داخل قوقعة ذاتية محضة، فأمر أشيه بالحياة داخل حجرة تسرب فيها الغاز، وأضحت محفوفة بالمخاطر الخانقة أو الحارقة.
إذن، فلنخرج من ذواتنا، ونناقش في روح هادئة، قابلة للنقد، والتعلم، معترفة بإمكان الخطأ وبحقيقة أن الإنسان ضعيف ومحدود... وهكذا بالحوار الوديع، بقلب مفتوح، وعقل واع، نصل إلى القرار الحسن.
ولكن هذا لا يعنى أن أحاور أي إنسان أو كل إنسان في أموري، فقديما قال الآباء: "لا تكشف نفسك إلا أمام ما يمكنه أن يساعدك لخلاص نفسك". فالكلام ينطبق هنا على الأسرة والأصدقاء البنائين والخادم الكنسي وأب الاعتراف... ولكنه بالقطع لا ينسحب إلى "الشلة"، أو الأصدقاء المنحرفين، الذين هم في حاجة إلى من يرشدهم. فلا تكن مثل رحبعام بن سليمان الملك، الذي ترك مشورة الشيوخ بأن يخفف على شعبه ويعاملهم بحب واتضاع، وانساق إلى مشورة الشبان الذين نصحوه بأن يقسو على الشعب، فتمزقت المملكة، واستمرت هكذا لمئات السنين. ولنذكر كلمات الحكيم: "المساير الحكماء يصير حكيما، ورفيق الجهال يضر " (أم13: 20).
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف عام الشباب
المزيد
21 يوليو 2020
كتاب كيف أتخذ قرارًا؟ ج2
كيف أميز مشيئة الله؟ العلامات، القرعة الهيكلية
والآن وبعد أن أدركنا:
1- ضعفنا البشرى ومحدودية معرفتنا بالحاضر وجهلنا بما يخبؤه المستقبل.
2- ضرورة توافق مشيئتنا مع مشيئة الله المحب، القادر على كل شيء، صانع الخيرات... مع قناعة كاملة وثقة في حنان الله وحكمته.
3- ضرورة الاحتماء بمظلة الصلاة وروح التسليم طوال مسيرتنا ونحن نناقش موضوعا معينا، لنستطيع أن نضمن التدخل الإلهي بالصورة المناسبة وفي اللحظة المناسبة.
4- ضرورة أن تتاغم كل قوى النفس، وتعمل معا، بقيادة روح الله القدوس، فيأخذ كل من: الضمير والعقل والنفس والجسم والمجتمع، الدور المناسب، بالحجم المناسب.
5- أهمية سؤال الله باستمرار، والتشاور مع أب الاعتراف، والدخول في حوار هادئ وهادف، دون تشبث أو عناد، بل في إحساس بالضعف والقصور، والحاجة إلى مشورة بناءة.
بعد كل ذلك... كيف أميز مشيئة الله؟ هل هناك علامات معينة استطيع بها أن أتأكد أن ما استقر عليه الرأي هو مشيئة الله؟
العلامات:
يتصور البعض ضرورة أن يعطينا الرب علامات معجزية أو محددة، نتعرف بها على مشيئة الله، كأن نحلم بشيء، أو يحدث شيء محدد، أو نسمع كلمة معينة من شخص ما... الخ. ولكن هذا الأسلوب غير سليم لأسباب:
1- إن الله أعطانا روحه القدوس ليرشدنا إلى جميع الحق، فلا يصح أن نتعامل مع الله من باب الخرافات والتخمين والرؤى والأحلام، لأنه حاضر معنا، وعامل فينا وقادر على إرشادنا...
2- سهولة تدخل عدو الخير في هذه الأمور، إذ يعرف إلحاحنا عليها واهتمامنا بها، وهكذا يصور لنا هذه العلامة أو تلك ليسقطنا في حفرة...
3- احتمالات الخداع النفساني، فلا شك أن الأحلام مرآة لشهوات واهتمامات النفس، فإذا اشتهيت أمرًا ما -حتى إذا كان سلبيًا- فمن الممكن أن يدخل في أحلامي، ويحدث الارتباك... وحتى الانحراف.!
وهكذا فالإنسان المؤمن لا يعلق نفسه بأمور غريبة، فكم أضاعت الرؤى والأحلام قديسين فقدوا الإفراز أو الاتضاع، وانساقوا وراء إيحاءات عدو الخير. وهناك باب في بستان الرهبان مخصص لهذا الخطر. كما أن القديس انطونيوس الكبير يعتبر فضيلة الإفراز أهم الفضائل، وبدونها تتحول الفضائل إلى رذائل. فهذا يصلى دون إفراز لدوافعه، فيطيل في صلاته طالبًا مديح الناس، فَتُحْسَب صلاته عليه ولا تبني حياته إطلاقًا، بل بالحري تضخم من ذاته فيسقط في الكبرياء... وهكذا.
لذلك لا يصح أن ننتظر علامات غريبة لنعرف مشيئة الله في أمر ما، بل هناك روح الله القدوس، وهناك التفكير الإنساني، وأب الاعتراف، والأسرة والأحباء المشيرين... الخ.
القرعة الهيكلية:
يلجأ البعض إلى هذا الأسلوب لكي يتعرف على مشيئة الله، ولكن هذا الأسلوب غالبًا ما لا يكون مناسبًا... والحالة الوحيدة التي يكون فيها مناسبا تستلزم شروطًا صعبة التنفيذ وهي:
1- إن يكون الإنسان مخلصا تماما في التعرف على مشيئة الله، وتاركا النتيجة بصفة نهائية وحاسمة لله.
2- إن يكون الاختيار بين أمرين متساويًا تمامًا بحيث استحال على الإنسان أن يختار هذا ويترك ذاك.
3- ألا يتردد الإنسان بعد خروج النتيجة بل يعتبرها نهائية.
وعموما، هذه الأمور صعبة التواجد في الحياة اليومية، إذ لابد أن يجد الإنسان -بروح الله، وبالتفكير، وبالمشورة- ما يجعله يرجح كفة على الأخرى. وما نلاحظه عمومًا أن الإنسان بعد خروج النتيجة يتضح انه:
1- إما كان يشتاق إليها فيستريح، وقد يكون اشتياقه على أساس خاطئ.
2- وإما انه كان ينتظر الرفض مثلا فتأتى النتيجة بالإيجاب (أو العكس)، فيطلب تكرار القرعة.
3- وإما انه أقتنع فيما بعد باختيار لم تفرزه القرعة فيتشكك... انه خالف المذبح.
لهذا فيستحسن عدم اللجوء إلى القرعة الهيكلية عموما، ما لم تتوافر الشروط التي ذكرناها قبلا. وإذا ما تحير الإنسان فعليه أن يلجأ إلى المزيد من الصلاة والتفكير والتشاور والرب سيحسم الأمر لأولاده سلبًا أو إيجابًا بآلاف الوسائل.
إن الآباء الرسل لم يلجأوا إلى القرعة إلا:
1- قبل حلول الروح القدس...
2- في حالة تساوى الاختيارات، فالشروط توافرت بالتساوي بين متياس ويوسف (أع1: 21-26).
3- فلنصلى من عمق القلب طالبين تدخل الرب، وإرشاده، وحسمه للأمور، وقطعا سيتدخل، ويوضح كل شيء!
إذن كيف أعرف مشيئة الله
إن مشيئة الله، حينما تتضح لنا من خلال الصلاة المتوترة التي تلح على روح الله، والتسليم الصادق لمشيئة الله عن ثقة واقتناع، والتفكير الهادئ الرزين، والحوار البناء مع آخرين... تحمل معها علامات معينة:
1- السلام الداخلى:
إذ يحس الإنسان بصفاء نفسي وسلام داخلي نحو القرار الذي اتخذه، مع ضمير مستريح انه ترك للرب أن يحدد ما يختاره بحكم عمله الواسع وحنانه الدافق وقدرته اللانهائية.
2- موافقة الكتاب المقدس:
إذ يستحيل أن يتعارض الاختيار الإلهي مع وصايا الكتاب، فما كان العمل المعثر والذي يسبب نكوصا على الإعقاب ليس من الله، وشريكة الحياة البعيدة عن المسيح ليست من الله، والقرار المادي الذي تفوح منه رائحة الطمع أو استخدام وسائل غير مشروعة ليس من الله... وهكذا.
3- سير الظروف:
إذ يتحرك الإنسان تحت حمى مظلة الصلاة، تاركا للرب أن يتدخل بالصورة التي يراها، بحيث تسود مشيئته كل مشيئة. حينئذ سوف يتدخل الله قطعا، إما إيجابًا أو سلبًا أو تأجيلًا... وسوف يكون الإنسان في قمة الراحة لأي اختيار الهي من هذه الثلاثة، "لان شهوة قلبه مختارة أفضل من الذهب والحجر الكثير الثمن، وأحلى من العسل والشهد. عبدك يحفظها، وفي حفظها ثواب عظيم" (مز19: 10).
وهكذا يتحرك الإنسان في الطريق دون توتر، ودون شهوة ذاتية أو مشيئة خاصة، وصرخة قلبه المستمرة: "لتكن مشيئتك" (مت6: 10).
من حقه أن يطلب، حسب وصية الرب: "اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا" (مت7: 7) "لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله" (في4: 6)، ولكنه يسلم كل شيء لله، تاركا له تحديد المسار، والنتيجة النهائية: "لتكن لا إرادتي بل إرادتي" (مت22: 42).
وقديما قال الآباء: "سوف يأتي وقت فيه نشكر الله على الصلوات غير المستجابة أكثر من الصلوات المستجابة".
ونحن كثيرا ما نطلب دون أن نأخذ لأننا حسب تعبير الرسول "نطلب رديًا لكي نتفق في لذاتنا" (يع4: 3). فلنطلب أولًا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لنا "(مت6: 33).
فليعطنا الرب القلب المرتبط به، والحياة السالكة فيه، والأذن الواعية لصوته، لنتعرف على مشيئته المقدسة، ونصنعها بفرح قائلين: "طعامي أن اعمل مشيئة الذي أرسلني واتمم عمله" (يو4: 34). ولا شك أن مشيئته "صالحة ومرضية وكاملة" (رو12: 2).
والآن أتركك يا أخي الشاب لتراجع ما قلناه، وإذ تقف متحيرًا: ماذا افعل؟ تسمع الصوت الإلهي: "سر أمامي وكن كاملًا، أجرك كثير جدًا" (تك15: 1)، (تك17: 1) الرب مع روحك..
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف عام الشباب
المزيد
14 يوليو 2020
كتاب كيف أتخذ قرارًا؟
سمات الحكمة الإلهية
يحدد لنا معلمنا يعقوب سمات الحكمة الإلهية فيقول "أما الحكمة التي من فوق فهي أولًا طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، عديمة الريب والرياء " (يع3: 17). إذن، فالحكمة الإلهية تتسم بما يلي:-
1- طاهرة: أي نقية من كل خطية، بعكس الحكمة البشرية الملوثة بالضعف البشرى والطمع والأغراض الشخصية...
2- مسالمة: أي فيها روح الوداعة والهدوء والسلام، بينما الاتكال على الفكر البشرى المجرد، يعنى العجرفة والكبرياء، ويقود إلى الغضب والانفعال، ثم إلى المخاصمات والمهاترات...
3- مترفقة: أي أنها طويلة الأناة، طويلة البال، تجعلك تحاور في هدوء وصبر حتى تريح الآخرين وتريح نفسك، دون تسرع أو تطير أو تعسف أو ثورة.
4- مذعنة: أي تجعلك قابلا لتصحيح موقفك، فاتحا صدرك للرأي الآخر مهما بدًا مضايقًا أو مناقضًا لك، فهي تعلمك أن تذعن للحق، والحق هو الله، وكتلميذ للرب تتفاهم في هدوء عارضًا رأيك في وداعة، منتظرًا آراء الآخرين ونقدهم، مستعدا للتنازل عنه حين يبدو لك ضعف الرأي أو خطأه.
5- مملوء رحمة: أي أنها حانية رقيقة غير متكبرة على الآخرين، بل تحس بأحاسيسهم، وتحترم مشاعرهم، وتحنو عليهم حتى في أخطائهم أو ضعفاتهم كي تقودهم إلى فكر المسيح.
6- وأثمارًا صالحة: وما هي أثمار الحكمة الإلهية إلا ثمر الروح من محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف (غلا5: 22، 23)؟
7- عديمة الريب والرياء: أي خالية من التشكك والوسوسة، إذ يكون الإنسان واثقا من فكر الله، وقادرا على تمييز مشيئته "كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته، مستنيرة عيون أذهانهم" (اف1: 17، 18) " من اجل ذلك لا تكونوا أغبياء، بل فاهمين ما هي مشيئة الرب" (اف5: 17). "وهذا أصليه: أن تزداد محبتكم أيضًا، أكثر فأكثر، في المعرفة، وفي كل فهم، حتى تميزوا الأمور المتخالفة، لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح" (في1: 9، 10).
وهي أيضًا حكمة عديمة الرياء، ليس فيها غش ن ولا كذب ولا التواء، ولا يظهر الإنسان فيها ما لا يبطن، بل بالحري يكون واضحا ومستقيما ونقيا، أمام الله والناس، في السر والعلانية.
هذه هي سمات الحكمة الإلهية، وهي عكس الحكمة البشرية، التي لوثتها الخطية فصارت سبب غيرة مرة، وتخرب وتشويش، وكل أمر رديء... ذلك لأنها أرضية (أي نابعة من العقل الترابي المهتم بالترابيات)، نفسانية (أي نابعة من الانفعالات والغرائز والعواطف والعادات والاتجاهات الخاطئة التي تموج بها النفس)، وشيطانية (أي مقودة بروح إبليس، العامل في أبناء المعصية)... (اقرأ يعقوب 3: 13-18).
خطورة الحكمة البشرية:-
من هنا كان لابد للإنسان من أن يتخذ قراراته في الحياة اليومية حسب مشيئة الله وفكر المسيح، ومن خلال قنوات محدودة نستعرضها في الفصول التالية. وهذا أمر في غاية الأهمية، فلا شك أن استسلام الإنسان لفكره أو شهواته أو حكمته المحدودة، أمر خطير يورد الإنسان موارد التهلكة، لأنه " توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت " (ام16: 25)، فلا تكن إذن " حكيما في عيني نفسك " (ام3: 7)، وذلك:-
1- لأنك محدود في إمكانياتك الفكرية...
2- ومحدود في قدراتك التنفيذية، فقد تقتنع بشيء ما، ولكنك لا تستطيع الوصول إليه.
3- ومحدود في معرفة ما هو لصالحك، فالحياة مليئة بالمنعطفات والمتاهات.
4- ومحدود في معرفة المستقبل والغيب، فقد تختار ما هو صالحًا الآن، ثم يثبت انه غير صالح في المستقبل، مثالا لذلك قد تختار شريكة حياة معينة وتتشبث بها، ولا تعرف ماذا قد يصيبها في المستقبل...
5- لهذا فالأفضل أن تعترف بضعفك ومحدوديتك، وتتفاهم مع الله طالِبًا منه أن يقود سفينة حياتك فهو:
1) الآب الحنون الذي يحبك، صانع الخيرات...
2) وهو القادر على كل شيء، ضابط الكل...
3) وهو العالم بمسار حياتك، وحياة غيرك، حتى النفس الأخير، بل حتى الأبدية.
ومن هذا المنطلق الثلاثي: الحنان، والاقتدار، والعلم، يسلم الإنسان نفسه في ثقة ورضى واقتناع، ليختبر كل يوم عجبًا من فيض حنان الرب!
يمكنك يا أخي الشاب أن تعاند مشيئة الله وتتمسك بفكرك الخاص، لكن ثق أن هذا الطريق مهلك، وفاشل.
ويمكنك أن تستطلع مشيئة الله في كل أمر، فتسير في نور المسيح، ومساندة النعمة، وحراسة الإله، فتثمر وتنجح وتعود فرحا.
لقد أراد الرسول بولس أن يبشر في آسيا، فمنعه الروح. قصد أن يذهب إلى بيثينية، فرفض الروح أيضًا. فنام في هدوء في ترواس منتظرا إعلانات الله، ولما رأى الرجل المكدوني يناديه قائلًا "اعبر إلى مكدونية وأعنا" (اع16: 9) ذهب إلى اليونان، ونجح هناك مؤسسا خمسة كنائس مباركة.
"العناد كالوثن" (1صم15: 23)، لأنه عبادة للذات، أما "الانقياد بالروح" (رو8: 14) فهو كفيل بان يجعلنا أولاد الله، وما أعظمه من مركز!
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
07 يوليو 2020
القوة الروحية فى حياة الخادم
الخادم الروحى لابد أن يكون قويا روحيا، حيث يستمد قوته الروحية من الله مباشرة، هو إنسان قوى، لأنه صورة الله ومثاله (تك 1: 27)، والله قوى. وهو كابن لله، من المفروض أن يكون قويا في الروح.. والإنسان الروحي هو هيكل للروح القدس (1كو 6: 19). والروح القدس ساكن فيه (1كو 3: 16). وهكذا ينال قوة من الروح الذي يعمل فيه بقوة.. ويتحقق فيه وعد السيد المسيح الذي قال: “ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم” (أع 1: 8).وقد قال عنها إنها قوة من الأعالي” (لو 24: 49). وظهرت هذه القوة في كرازة الآباء الرسل. وهكذا ورد في سفر أعمال الرسل “وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم” (أع 4: 33). فما هى مظاهر هذه القوة، وماهى مظاهرها فى حياة الخادم.لاشك أن مصدر القوة الروحية، هو الله نفسه ولذلك يقول المرتل في المزمور “أحبك يا الله يا قوتى” (مز 18: 1) ويقول “قوتى وتسبحتى هو الرب” (مز 118: 14). ويقول أيضًا “الله ملجأ لنا وقوة (مز 46: 1). وكما يقول القديس بطرس الرسول عن القوة في الخدمة “إن كان أحد يخدم، فكأنه من قوة يمنحها الله، لكي يتمجد الله في كل شئ” (1بط 4: 11). ويترنم داود بقوة الله العاملة فيه فيقول “الله الذي يمنطقنى بالقوة.. الذي يعلم يدى القتال” (مز 18: 32، 34).لذلك فإن كل قوة، ليس الله مصدرها، هي قوة باطلة، ومصيرها إلى الزوال.كقوة فرعون مثلا، وكقوة الشيطان.. وقوة آخاب الذي قتل نابوت اليزرعيلى.. وقوة مشورة أخيتوفل..! ومثل قوة جليات.. وكل الأقوياء بدهائهم أو بكبريائهم. أما الإنسان الروحي ففوته من الله العامل فيه. وعن هذا يقول القديس بولس الرسول: الأمر الذي لأجله أتعب أنا أيضًا مجاهدًا، بحسب عمله الذي يعمل في بقوة” (كو 1: 29) “بحسب القوة التي تعمل فينا” (أف 3: 20).. إنها قوة الروح القدس.
الصلاة :-
مادامت القوة من الله، فنحن نطلبها بالصلاة، وننالها بالإيمان ونعمة الله.الإنسان الروحي يقف أمام الله ضعيفا، يلتمس منه القوة يصلى قائلا “أعطنى يا الله قوتك”، “فأنا بدونك لا أستطيع شيئًا” (يو 15: 5). وبالصلاة يمنحه الله قوة مثل آخر صلاة صلاها شمشون، واستجاب الرب له (قض 16: 28، 30).والإيمان يمنح الخادم قوة، لأن كل شيء مستطاع للمؤمن (مر 9: 23).حتى إن أدركه ضعف في وقت ما، فإن الإيمان يعيد غليه قوته. ألم يقل الرب “لو كان لكم إيمان مثل حبه خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل” (مت 17: 20).. وإن شعر الإنسان الروحي أن إيمانه قد ضعف، يصرخ إلى الرب قائلا أؤمن يا رب: فأعن ضعف إيمانى.. (مر9: 24). وهكذا نجد أن الإيمان والصلاة يعملان معا في جلب القوة للإنسان. وبالصلاة يصارع الله مع الإنسان، ولا يتركه حتى ينال منه القوة. يصلى وهو مؤمن أن القوة ستأتيه..
عمل الروح القدس :-
الخادم ينال القوة بعمل الروح القدس فيه وهكذا فإن الذي يشترك مع الروح القدس في العمل، لابد أن يكون قويا.. فإن وجدت نفسك ضعيفا في وقت ما، راجع شركتك مع الروح القدس.. إن سبب فقد شمشون لقوته، هو أن روح الرب فارقه (قض 16: 20). تمسك إذن إلى أبعد حد بعمل الروح فيك. وهيئ نفسك بالنقاوة والقداسة، حتى يكون هيكلك مستحقًا لسكنى روح الله فيك.. فتستمر قويا.
كلمة الله الخادم يحتفظ بقوته الروحية بثبات كلمة الله فيه طالما تضع وصية الله أمامك، وتحب كلمة الله وتخبئها في قلبك، وترددها بلسانك، ستجد أن كلمة الله ستمنحك قوة، تمنحك استحياء من الخطية، لأن “كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين” (عب 4: 12)، وما أجمل قول القديس يوحنا الرسول للشباب “كتبت إليكم أيها الأحداث، لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير” (1يو 2: 14).
الإتضاع:-
لأن “الرب يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيمنحهم نعمة” (يع 4: 6). المتكبر يطن أنه بقوته البشرية سينتصر، فيعتمد على قوته فيفشل. أما المتواضع، فإن يشعر بضعفه، يعتمد على قوة الله، فيمنحه الله هذه القوة “ليكون فخر القوة لله، لا منا” (2كو 4: 7) أنظروا كيف قال الشياطين للقديس مقاريوس الكبير “بتواضعك وحده تغلبنا”. وكيف قال القديس الأنبا أنطونيوس: أبصرت فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض كلها. فقلت يا رب من يفلت منها؟ فقال: المتواضعون يفلتون منهاإن المتواضعين الذين يقفون أمام الله كضعفاء، هم الذين قال عنهم الوحى الإلهي “اختار الله ضعفاء العالم، ليخزى بهم الأقوياء” (1كو1: 27) “لكى لا يفتخر كل ذى جسد أمامه”..
المتواضع لا يخاف، لأن الله معه. ولكن متى يخاف الإنسان بحق؟ يخاف عندما يتعجرف قلبه، ويظن أنه قوى، وأنه قد ارتفع إلى السماء، وجلس على عرش الله، وأصبح الشيطان تحت قدميه.
انظروا إلى قول القديس العظيم بولس الرسول “لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوى” (2كو 12: 10).
نقاوة القلب :-
فالقلب النقى هو حصن لا ينال، ومنه مخارج الحياة” (أم 4: 23). والقلب النقي هو الذي ارتفع عن شهوات العالم. وفى هذا المجال، ما أجمل قول القديس أوغسطينوس “جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أنى لا اشتهى شيئا ولا أخاف شيئا”.. حقا إن القلب الزاهد هو قلب قوى، لا توجد شهوة تغلبه، ولا يوجد شيء يخيفه.
الزهد وعدم الخوف:-
تعرض الشهداء لكل الإغراءات والتهديدات، ولكل ألوان التعذيب، وبقوا صامدين في قوة عجيبة، لأنه لم تكن هناك أية شهوة في قلوبهم تستجيب للإغراءات، ولا أي خوف تزعجه التهديدات، ولم يكن فيهم خوف الموت أيضًا. فاحتفظوا بقوتهم أمام كل الملوك والولاة والقضاة. كانوا أقوى من مضطهديهم.
كذلك الرهبان، لأنهم تجردوا من الشهوات، أمكنهم أن ينتصروا على العالم، وكانوا أقوياء في احتمال الوحدة وسكنى الجبال والبرارى، بل وسكنى المقابر أيضًا وكانوا أقوياء في حروب الشياطين. كانوا أقوياء أيضًا في تأثيرهم الروحي على الآخرين. أمراء صاروا رهبانا، لأنهم كانوا أقوى من شهوة الملك. القديس الأنبا أنطونيوس حاول الشياطين أن يخيفوه بكل المناظر المفزعة، ولكنه كان أقوى منهم. وأمكنه أن يغلبهم باتضاعه وبإيمانه. والقديس مقاريوس لم يخف، حينما بات في مقبرة وقد أسند رأسه على جمجمة، وتحدث الشياطين معها. ولكن قلبه كان قويا بالإيمان لا يخاف.
عزيزى الخادم المبارك تحدثنا فى النقطة السابقة عن مصادر القوة الروحية فى حياة الخادم ، و ولكن ماذا عن المظاهر الروحية للقوة فى حياة الخدام؟
المظاهر الروحية للقوة فى حياة الخدام؟
1 – قوة الحب والبذل:-
تحدث سفر النشيد عن قوة الحب فقال “المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها” (نش 8: 6، 7). وقال القديس بولس الرسول “المحبة لا تسقط أبدًا” (1كو 13: 8).هذه هي المحبة الحقيقية، التي ليست بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق (1يو 3: 18). ولعل من أعمقها محبة الأم لرضيعها، ومحبة داود ليوناثان (2صم 1: 26). بل محبته لابنه أبشالوم الذي خانة، وكيف بكى عليه بمرارة لما سمع بموته (2صم 18: 33).وتظهر قوة المحبة في البذل. وأقوى بذل هو بذل الذات.ظهر هذا الأمر واضحا في سيرة الشهداء، وكيف بذلوا كل شيء حتى الحياة، من أجل محبتهم لله. وكذلك ظهرت قوة هذه المحبة في حياة الآباء الرهبان والسواح، الذين تركوا العالم وكل ما فيه. “وسكنوا الجبال والبراري من أجل عظم محبتهم للملك المسيح”. كذلك محبة الآباء الرسل الذين من أجل محبتهم للرب وملكوته، احتملوا الجلد والسجن والرجم والتشريد والموت أيضًا.. وقالوا للرب أيضًا “تركنا كل شيء وتبعناك” (مت 19: 27). وفي ذلك يقول بولس الرسول أيضًا “خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح” (فى 3: 8).وقوة المحبة تظهر إن كانت من كل القلب.وفى ذلك قال الكتاب “تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك”. (تث 6: 5) (مت 22: 37). وعبارة “كل “تعنى أنه لا توجد محبة أخرى تنافس محبة الله في قلبك. وفي ذلك قال السيد الرب “من أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقنى. ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر منى فلا يستحقنى” (مت 10: 37). بل من أحب حياته أكثر من الرب، لا يستحقه. وفي ذلك قال “من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته لأجلى يجدها” (مت 10: 39).
المحبة تقود إلى البذل، وقوة البذل لها أسباب.
يوجد بذل سببه الحب كما قيل “هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد” (يو 3: 16). وكما بذل الشهداء لأجل محبتهم للرب. وهناك قوة في البذل سببها الطاعة، كما رفع أبونا ابراهيم السكين ليبذل ابنه وحيده ذبيحة للرب. توجد قوة في البذل سببها الزهد، كآبائنا الرهبان.
2- قوة الإيمان:-
قوة الإيمان تظهر في أنه يصدق كل شيء. يؤمن أن الرب يمكن أن يشق طريقا في البحر، وأن يفجر من الصخرة ماء، وأن يصنع المعجزات والعجائب.. الإيمان الذي جعل بطرس يمشى على الماء (مت 14: 29). الإيمان بأن الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خر 14: 14).. الإيمان الذي يجعلك تقدم الحياة لأجل الرب، وتقدم عشورك وأنت تدفع من أعوازك.. الإيمان الذي يقول “إن سرت في وداى ظل الموت، لا أخاف شرأ لأنك أنت معى” (مز 23).. الإيمان بأن كل لأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الرب” (رو 8: 28).. الإيمان القوى بالأبدية الذي يجعل الإنسان يستعد لها بكل قوته.
3- النصرة على المحاربات الروحية :-
كما ظهرت قوة يوسف الصديق في انتصاره العجيب على اغراءات زوجة فوطيفار (تك 39: 9) قوله في حزم عملى “كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!”الإنسان الروحي لا تظهر قوته في انتصاره على غيره، إنما في انتصاره على الخطية، مهما كانت الحروب شديدة، سواء من الشيطان، أو من الناس الأشرار، أو من أخوة كذبة (2كو 11: 26) أما الذي يضعف ويسقط فينطبق عليه قول الكتاب “وزنت بالموازين، فوجدت ناقصًا” (دا 5: 27).
4 – الخادم القوى إذا أخطأ، له القوة على الاعتراف بخطئه:-
القوة فى حياة الخادم تظهر أيضا في انتصاره على المحاربات الروحية وعلى الإغراءات.
كثيرون يجدون صعوبة بالغة في الاعتراف بأخطائهم.. أما القديس أو غسطينوس، فقد نشر اعترافاته في كتاب قرأه كل أهل جيله. وما تلته من أجيال.. والإنسان الروحي ايضًا، إذا أحس أنه آساء إلى أحد، تكون له القوة على الاعتذار إليه والاعتراف بإساءته، دون محاولة للتبرير أو المجادلة..
وإذا أحس أن رأيه مخطئ، يكون قادرا بسهولة أن يتنازل عن راية، بغير عناد كما يفعل البعض.
5 – القوة في ضبط النفس:-
الإنسان الروحي قوى من الداخل. يستطيع أن يضبط نفسه، كما قال الكتاب “مالك نفسه خير ممن يملك مدينة” (أم 16: 22). فهو يضبط أفكاره فلا تسرح فيما لا يليق، متبعا قول الرسول “مستأثرين كل فكر إلى طاعة المسيح” (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 10: 5). يضبط أيضًا حواسه، فلا يخطئ بالنظر ولا بالسمع ولا باللمس. كذلك يضبط مشاعر قلبه وعواطفه. ويضبط لسانه أيضًا، فلا تخرج من فمه كلمة خاطئة، ولا كلمة زائدة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي ذلك قال القديس يعقوب الرسول “إن كان أحد لا يعثر في الكلام، فذاك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضًا” (يع 3: 2) هنا القوة الداخلية في ضبط النفس، وضبط الفكر والحواس والمشاعر، وضبط اللسان ايضًا.
6- الإنسان الروحي يضبط أيضًا غرائزه وانفعالاته، ويرفع فوق مستوى الإثارة:-
الإثارة الخارجية لا تثيره من الداخل، بل يكون أقوى منها. لا ينفعل مثلا إذا تعرض لإساءة ما، ولا يقاوم الشر بالشر (رو 12: 17). ولا يرد على الكلمة الخاطئة بمثلها. لا يغلبه الشر، بل يغلب الشر بالخير (رو 12: 21). ويستطيع أن يسيطر على الغضب. ويكون قويا في أعصابه، لا تفلت منه.
7- قوة الشخصية والتأثير:-
الخادم إنسان قوى في عقله، فهمه، في قدرته على الاستيعاب وعلى الاستنتاج، قوى في ذاكرته، في سرعة بديهته، في حكمته وحسن تصرفه. هو أيضًا قوى الإرادة، قوى العزيمة، قوى في حكمة تصرفه، حسن إراداته للأمور. وقوى أيضًا في أنه لا يهتز أمام أي تهديد أو تخويف. ينطبق عليه قول الكتاب “من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلا” (زك 4: 7).تظهر قوته أيضًا في كل عمل يعمله، وكل مسئولية يحملها.هو إنسان قادر على تحمل المسئوليات، مهما بدت كبيرة أو خطيرة، ويقوم بعمله بكل جدية، وبكل أمانة ودقة والتزام، ويأتى بالنتائج المرجوة في انجاز سليم. وهو أيضًا حازم، ولا يتردد. ومهما حدثت من عوائق، ولا يلق ولا يضطرب ولا يخاف.. بل يقف كالجبل الراسخ، واثقًا بأن كل مشكلة لها حل. وواثقا بالله يعمل معه ويعمل به له تأثير المجتمع الذي يعيش فيه، ربما يمتد إلى أجيال إن الروحيين الأقوياء لا يتأثرون باخطاء البيئة التي يعيشون فيها “ولا يشاكلون أهل هذا الدهر” (رو 12: 2). بل لهم القدرة التأثير في المجتمع، في فكره. واتجاهه وروحياته، كما فعل الآباء الأول، حتى ليقال: عصر أثناسيوس، عصر أنطونيوس.. يؤثرون بقدوتهم، أو بكتاباتهم التي يمتد تأثيرها إلى أجيال وأجيال.. ننتقل إلى نقطة أخرى وهى:
8- القوة في الكلمة والخدمة:-
الخادم الروحي الحقيقى، كل كلمة تخرج منى فمه تكون قوية وفعالة، ولا ترجع فارغة، بل تعمل عمل الرب (أش 55: 11). كلماته قوية في تأثيرها على الآخرين، وخدمته ملتهبة ومثمرة. بولس الرسول، وهو أسير في سلاسل أمام فيلكس الوالى، حينما تحدث عن البر والدينونة والتعفف، ارتعب فيلكس (أع 24: 25). ولما تحدث أمام أغريباس “بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا” (أع 26: 28). ويعوزنا الوقت أن تحدثنا عن خدمة القديس بولس فو قوتها وانتشارها. وكذلك قوة الخدمة في ايام الآباء الرسل..
في قوة خدمة الآباء، وقفت المسيحية العزلاء أمام الإمبراطورية الرومانية بكل سلطتها وقسوتها.
وأمام اليهود بكل دسائسهم ومؤامرتهم. ووقفت أمام فلسفات العصر. وبعظة واحدة من القديس بطرس إنضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف، نالوا نعمة العماد في نفس اليوم (أع 2: 41). وإنها قوة الروح القدس العاملة في الكلمة.وبقوة (كو1: 29). إنه قوى في شهادته للرب، يقول مع داود النبي “تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز” (مز 119).
9- يختفى ليظهر المسيح :-
ذهبا اثنين لاصطياد سمك من احدى الترع وكان احدهما ولد صغير والاخر رجل كبير,اصطاد الولد الصغير سمكا كثيرا واما الرجل فلم يصطاد شيئا !فذهب الرجل الى الولد ليسأله عن سبب ذلك رغما من استعدادات الرجل من حيث طعم السمك والسنارة وغيرها ..واكثر من ذلك ان تيار المياه كان يمر على الرجل قبل وصوله للفتى فقال له الولد : (( انك تصطاد وانت واقف على شاطىء الترعه فتلقى بظلك على المياة فيراك السمك ويهرب منك اما انا فمختبأ وراء الحشائش فلا يرانى السمك فأصطاد سمكا كثيرا))
صديقى الخادم هل علمت السر وراء الصيد الوفير؟لابد من صياد الناس ان يختفى ويظهر المسيح لكى يحصل على الصيد الوفير من اجل هذا قال المسيح له كل المجد لبطرس : من الان تكون تصطاد الناس ((لو5:10))ولقد استطاع بطرس ان يصطاد بشبكه واحدة (عظة) ثلاثه آلاف نفس من الناس لانه اختفى ليظهر المسيح.ليكن فى قلبك وفكرك دائما أن تختفى أنت ليظهر المسيح مهما كانت قوتك ومهاراتك وأمكانياتك فلتكن أنت حضرة شفافة يظهر المسيح دائما من خلالها ويجتذب هو بقوته الإلهية كل نفس اليه له المجد الدائم
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
30 يونيو 2020
الدخول إلى شعب الله
إن توبتك يا أخى الشاب، سوف تدخل بك إلى زمرة شعب الله، لتصير من «أَهْلِ بَيْتِ اللهِ» (أفسس2: 19)، أيّ امتياز أعظم من هذا ؟! أن يصير المسيح أبًا لك! وأن تصير الكنيسة أمًا لك! وأن يصير القديسون والمؤمنون إخوة لك!
أن تصير نفسك «عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (كورنثوس الثانية11: 12).
أن ينتزعك الرب من الزيتونة البرّية، لتصير غصنًا حيًا في الكرمة الحقيقية!!
بالمعمودية... اُنتُزِعت !! وبالميرون... ثُبِّت!! وبالتناول... اتّحدت!!
وفي سفر حزقيال النبي، نجد أنشودة جميلة، توضّح كيف نصير نحن البعيدين قريبين، ونحن الموتى أحياء، وورثة للملكوت!
يحكي حزقيال النبي عن "طفلة مولودة حديثًا، أَبُوها أَمُورِيٌّ وَأُمُّها حِثِّيَّةٌ. لَمْ تُقْطَعْ سُرَّتُها يوم الولادة، وَلَمْ يغْسَلِها أحد بِالْمَاءِ، ولم يغسلها أحد بالماء، ولا قام أحد بتنظيفها، ولم يقمطها أحد ولو بخرق بالية، لم تشفق عليها عين، ولم يهتم بها أحد، بل طُرِحت هكذا في الحقل مكروهة، تنتظر الموت" (راجع حزقيال16: 3-5)إنها أنا وأنت!! فنحن كُنّا متغرِّبين عن شعب الله!! ووُلِدنا محكوم علينا بالموت!! وطُرِحنا في العالم المتدنّس ننتظر نهايتنا المحتومة !! دمنا ينزف... مع كل خطيئة!! وحياتنا تتسرّب مِنّا مع طلعة كل يوم جديد!! ولم يكن لنا من يهتم بنا أو ينقذنا!!
ولكن.. «مررتُ بكِ وإذا زمنكِ زمن الحب» ... مرًّ بنا يسوع، ورآنا مدوسين بدمائنا فقال لكل منا: "بدمكِ عيشي، بدمك عيشي" ... «جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ, فَرَبَوْتِ وَكَبِرْتِ وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ... كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ... وَحَلَفْتُ لَكِ وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ... فَصِرْتِ لِي» (حزقيال16: 6-8).
إنه عهد التوبة والحياة يا أخى الشاب!!
فهل دخلت مع الرب في هذا العهد؟!
هل دخلت أخي الشاب في هذا العهد؟ عهد التوبة! عهد الحب!
وهل تحس الآن أنه يمر بك، وأن زمنك زمن الحب؟! إن يسوع مستعد أن يستر كل عيوبك، وخطاياك، فهذا معنى "الكفارة" (Copher بالعبرية = Cover= يغطّي).
يسوع مستعد أن يسامحك عن كل ما فعلت! وأن يغطي نفسك بدمه الطاهر، فلا تقع تحت طائلة القانون الإلهي: «أجرة الخطية هي موت، والنفس التي تخطئ تموت».
حسنًا يارب!! كنا أمواتًا فمررتَ بنا وافتقدتنا بحبك!! ودخلتَ معنا في عهد!! فماذا بعد؟
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
23 يونيو 2020
الشبــاب والرســل
ربما يتصور الشباب أن الآباء الرسل عمالقة روحيين، وهم بالفعل كذلك، ولكنهم مجرد بشر امتلأوا بالروح القدس. إن أمتلاءهم بالروح القدس، وعمل روح الله فيهم من البداية وحتى الأستشهاد أو الموت، هو سر نجاحهم الروحي، والكرازي، والتعليمي...
1- النجاج الروحي:
الروح القدس هو الذى عمل في قلوب آبائنا الرسل الأطهار، فاستطاع أن يغيرهم بطريقة جذرية حتى النخاع... فلما امتلأ بطرس من الروح القدس، كسب للمسيح 3000 نفس في عظة واحدة. ولما امتلأوا جميعًا من روح الله، بدأوا يتكلمون بألسنة، جعلتهم يكرزون لـ15 جنسية اجتمعت يوم الخمسين: فرتيون-ماديون-عيلاميون-ساكنون ما بين النهرين (أي عراقيون)-اليهودية-كبدوكية-كريتيون-وعرب... فلما وصلت الرسالة إلى السامعين قبلوا البشارة، وآمنوا بالمسيح والإنجيل، واعتمدوا... ثلاثة آلاف في يوم واحد.
ولاشك أن قبول البشارة معناه رفض المعتقدات والسلوكيات القديمة، والحياة في المسيح بقداسة ونقاوة. كانت الخطيئة تُمارَس كعبادة للأصنام، ولكنهم بالمسيحية بدأوا حياة الروح والعفة.
لهذا نحتاج كشباب إلى عمل روح الله في حياتنا، فهو الذي:
- يبكتنا على الخطية ويحثنا على التوبة.
- ثم يطهرنا من آثامنا، ويخلصنا منها.
- وبعدها يقدسنا.
- ثم يرسلنا لنكرز باسمه: بالقدوة، والكلمة، وأعمال المحبة..
2- النجاح الكرازي:
الروح القدس حدّد للرسل مناطق خدمتهم وأعطاهم ألسنة جديدة، ورافقهم في خدمتهم كما رافق مارمرقس الذى جاء إلى الأسكندرية وحيدًا لا يعرف أحدًا، ولما تمزّق حذاؤه تعرّف على حنانيا الإسكافى، وإذ شكّه المخراز في أصبعه صاح قائلاً: إيّو ثيؤ (أي يا لله الواحد).. فشفى له مارمرقس أصبعه، وبدأ من هذه الكلمة، وبشره بالمسيح، ثم اختاره مع آخرين لنشر المسيحية في مصر، وانتشرت فعلاً بقوة عجيبة، وبسرعة خارقة، لأنها كانت مؤيَّدة بعمل الروح وفعل المعجزات. واستطاعت المسيحية- الديانة الناشئة - أن تهزم وتلغي عبادة الأصنام، التي كانت ترسخت في العالم، فى ذلك الزمان.
3- النجاح التعليمي:
هكذا وعدهم الرب: «تكونون لي شهودًا في...» (أعمال8:1)، وبالفعل انتشر التعليم المسيحي، وكتب الآباء الرسل أناجيلهم ورسائلهم وسفر الرؤيا...
«وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات» (أعمال42:2)، وهي الركائز الأربعة التي نحياها حاليًا:
1- تعليم الرسل: حيث تُقرَأ علينا فصول من الأناجيل والرسائل والأعمال في كل قداس، وبترتيب كنسي مذهل، يشرح لنا – بفصول مختارة – مفردات الإيمان المسيحي على مدار السنة الكنسية.
2- الشركة: ويقصد بها "الكينونيا" أي جلسات الأغابي بعد العشية وبعد القداس، وقد شرحها الرسول بالتفصيل في كورنثوس الأولى (17:11-30)، متحدثًا عن: الأغابي والإفخارستيا وارتباطهما معًا.
3- كسر الخبز: أي سر الإفخارستيا، إذ كان الرسل «يكسرون الخبز في البيوت (التناول)، وكانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب (الأغابي)» (أعمال46:2).. مسبحين الله!
4- الصلوات: فقد كان الرسل يهزّون أعتاب السماء بصلواتهم، مكتوب: «لما صلوا تزعزع المكان» (أعمال31:4)، «كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع» (أعمال14:1). فليعطنا الرب من روح آبائنا الرسل، لنكون تلاميذ مخلصين للسيد المسيح.
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
16 يونيو 2020
«هَأنَذَا أَرْسِلْنِي» (إش6: 8)
«لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أع1: 8)،«فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لو24: 49).- بعد صعود الرب إلى السماء، رجع التلاميذ إلى أورشليم.. ومكثوا يصلون في علية مارمرقس.. التلاميذ ومعهم السيدة العذراء مريم، والنسوة، ومن معهم.. إلى أن حلّ عليهم الروح القدس المعزي.ويأتي "عيد العنصرة" في اليوم الخمسين من يوم عيد القيامة، وبعد عشرة أيام من عيد الصعود، ويُسمّى الـ Penticost "البنطيقستي" حيث كلمة بنتا تعني خمسة، ويسمى أيضًا "عيد حلول الروح القدس". ويليه صوم الآباء الرسل الأطهار؛ وكان من أهم أعياد اليهود..- و"العنصرة": هي كلمة عبرية معناها "الجمع" أو "الاجتماع" أو "المحفل المقدس"، وفيه كانوا يجتمعون ويعيّدون.. وجاءت المسيحية فدعت عيد حلول الروح القدس باسم "عيد العنصرة" لأن الروح القدس حل فيه على جماعة التلاميذ وهم مجتمعون في العلية، حيث أعطى قوة للتلاميذ، في الكرازة، وصنع المعجزات، فأقاموا الموتى، وشفوا الأمراض المستعصية، وأخضعوا الشياطين وصنعوا المعجزات (مر16: 17-18).- فالعنصرة إذًا تتويج للفصح، لأن السيد المسيح بعد أن أتمّ الفداء والقيامة على الأرض، صعد إلى السماوات، ثم أرسل لنا الروح القدس المعزي، لكي ينير أذهاننا، فنفهم الكتب، وندرك عمق أقواله التي وردت في الكتاب المقدس.- أرسلهم ليكرزوا: كانت إرسالية الرب للتلاميذ، الذين سرعان ما فتنوا المسكونة، وغيّروا وجه التاريخ، ونشروا اسم المسيح في كل مكان، حتى دانت لهم إمبراطورية الأوثان، وملك الرومان، وصارت هياكل الأصنام مذابح للرب.. وهكذا سلكوا:- في بذل.. حتى إلى الموت..- وفي إخلاء.. حتى إلى وضع العبيد..- وفي ألم.. حتى الاستشهاد..- وفي طاعة.. مهما كانت التضحيات..- وفي أمانة.. حتى النفس الأخير..- قدموا من أجل المسيح:1- خدمة الصلاة من أجل المخدومين.2- وخدمة المحبة لكل الناس.3- وخدمة النموذج الشاهد للمخلص.4- وخدمة الكلمة الحية الفعالة..لذلك يعظنا الكتاب المقدس «امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ» (أف5: 18). «وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ» (أف4: 30). «لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ» (1تس5: 19)، بل «حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ» (رو11: 12).. فالروح القدس هو الذي يعطينا التجديد الروحي وإرسالية الخدمة، وإمكانية الكرازة!! وهكذا انطلق الآباء الرسل يخدمون ويبشرون، حتى نشروا المسيحية وصاروا شهودًا للرب في كل مكان، في أنحاء العالم المعروف آنذاك، وذلك: بقوة الروح، وعمق الصلاة، ويقين الإيمان، وفاعلية الكلمة.- لقد تغيرت حياة التلاميذ بعد حلول الروح القدس عليهم.. لهذا يجب أن نسلم حياتنا لقيادة الروح القدس لكي يغيرنا «لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ» (رو8: 14).فليعطنا الرب أن نخدم كما خدموا.. لنذوق فرحة الخدمة والإرسالية، مع فرحة القيامة المجيدة.. ولنقل في تواضع إشعياء النبي وانسحاقه: «هَأنَذَا أَرْسِلْنِي» (إش6: 8).
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
09 يونيو 2020
إرسالية الخدمة
لما قام الرب من الأموات قضى أربعين يوماً يظهر لتلاميذه، ثم صعد إلى السموات وأمر الرسل بأن يمكثوا فى أورشليم للصلاة، طلباً للإمتلاء بالروح القدس وفى اليوم الخمسين حلّ عليهم مثل ريح عاصفة وألسنة نار، وبدأ الرسل يتكلمون بلغات جديدة لم يتعلموها قبلاً، البعض يتكلم والبعض يترجم، دون معرفة سابقة بهذه اللغات. وهذه طبعا معجزة سمح بها الرب، ليعرف المجتمعون فى أورشليم، والذين جاءوا إلى أحد الأعياد اليهودية، أن الله بالحقيقة فى هؤلاء الناس، وأن دينهم دين سماوى وحقيقى كانت هناك جنسيات عديدة فى القدس، عرب، ومصريون، وكريتيون، ورومانيون، وقادمون من العراق وآسيا الخ. وكان رسول يتلكم بإحدى هذه اللغات إلى القادمين من أبناء هذه اللغة، أو من اليهود المشتتين فى كل مكان، يتعلمون - بجوار العبرية - لغة البلد الذى يعيشون فيه كانت معجزة ضخمة، أثبتت للعالم أن يسوع المسيح هو الله المتجسد، وأن روحه القدوس هو العامل فى البشر، من أجل خلاصهم
إلى الخدمة إلى الكرازة
بعد أن حلّ الروح القدس على التلاميذ فى هذه الصور الثلاثة: الريح وألسنة النار، واللغات العجيبة، وقف بطرس يتحدث بالعبرية، وهى اللغة التى كان يعرفها الكل فالكل كانوا إما يهوداً من أبناء البلد أو يهوداً يعيشون فى الشتات أى البلاد الأخرى مثل مصر وانطاكية وآسيا الخ أو أممين من بلاد العالم المختلفة، لهم جنسياتهم ولغاتهم، ولكنهم آمنوا بالديانة اليهودية وتعلموا العبرية، وجاءوا لحضور الأعياد تحدث معلمنا بطرس عن السيد المسيح، وكيف أنه الإله الذى تجسد، وفدانا على الصليب، وقام من الأموات، وصعد إلى السموات، وأرسل لنا الباراكليت (أى المعزى) ثم نادى على الناس أن يتوبوا، وؤمنوا بالمسيح الفادى، ليقبلوا عطية الروح القدس. فلما فعل الناس ذلك، وكان عددهم نحو 3000 نفس، عمَّدهم التلاميذ بالتغطيس فى النهر، وقبلوا الروح القدس، وصاروا هيكلاً مقدساً له وهكذا بدأت "الكنيسة" (اكليسيا)، أى جماعة المؤمنين، المقودة بالاكليروس، والمجتمعين معاً حول جسد الرب ودمه فى الافخارستيا، بحضور الملائكة والقديسين لذلك يسمى البعض عيد حلول الروح القدس أنه "عيد ميلاد الكنيسة" وهذا تعبير مجازى، فالكنيسة تشمل كل مؤمنى العهد القديم، الذين نقلهم الرب بموته من الجحيم إلى الفردوس. الكنيسة هى الجسد، والمسيح هو الرأس!! الكنيسة هى العروس، والمسيح هو العريس!
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
20 يناير 2020
تأملات فى عيد الظهور الإلهي
تقابل السيد المسيح أثناء كرازته مع إنسان ولد أعمى، ولم يستطع هذا الإنسان أن يتمتع بنعمة البصر إلا بعد أن قابله السيد وطلى بالطين عينيه، وأمره بالإغتسال فى بركة سلوام، مثالاً لكل البشر، الذين فقدوا بصيرتهم الروحية وإستنارتهم السماوية، وكيف أنهم سينالون الإستنارة من خلال المعمودية.
إن الله لم يترك نفسه بلا شاهد (أع 17:14) بل أعلن لنا نفسه فى القديم بواسطة رموز وصور متعددة مثل:
1- ملكى صادق (تك 14) :
ملك شاليم، الذى أضاء فى وسط العهد القديم، بلمحة من ضياء كهنوت المسيح. وظهر بعد ذلك الكهنوت اللاوى، حتى جاء المسيح كاهناً على رتبة ملكى صادق (مز 4:11)، ذلك الذى كان مجرد رمز للسيد المسيح، ملك السلام، والبر، وقابل العشور، وذبيحة الخبز والخمر.. الخ.
2- سلم يعقوب (تك 28) :
الذى رآه فى هروبه من وجه أخيه وكان رمزاً للسيدة العذراء حاملة المسيح (يو 51:1).
3- ظهور النور (الشاكيناه) :
ظهر على غطاء تابوت العهد بين الكاروبين ليعلن عن حضور الله وعن مشيئته، فالله هو النور، وساكن فى النور، وتسبحه ملائكة نور..
4- أخيراً جاء يوحنا المعمدان :
جاء كملاك يعد الطريق (مت 1:3).. ودعى السابق الصابغ والشهيد.
وفى ملء الزمان كشف الله عن ذاته بطريقة باهرة، إذ انشقت السماء، وأعلن الآب عن ذاته، منادياً الابن، وظهر الروح القدس فى شكل حمامة.
1- الإعلان الكامل :
أخيراً أعلن الله ظهوره النورانى الكامل الذى مهدت له ومضات العهد القديم. وازداد لمعان ذلك الظهور أثناء كرازة الرب العامة (يو 3:17)، وفى حادثة التجلى (مر 19:12-26).
2- السماء المنشقة :
أ- انشقت السماء يوم عيد الظهور الإلهى، إيذانا بانتهاء عهد الظلال والرموز والظلام، وحلول وبدء عهد النور المكشوف
الواضح.
ب- لم تنغلق السماء منذ أن انشقت، بل ظلت مفتوحة للمؤمنين (أع 26:7)، (أع 11:10)، (2كو 12) فى رؤى للقديسين
بطرس وبولس.
ج- وإذ انشقت السماء نزل منها الروح القدس، ليحل على بنى البشر مصدراً للحياة، وأساساً للتعزية، يصاحب المؤمن طوال
غربته.
3- الشهادة السماوية :
أ- هذا هو إبنى الحبيب: هى شهادة البنوة التى أعلن بها الآب أبوته لإبنه الوحيد، ذاك الذى صار لنا به التبنى المواعيد (أف 5:1).
ب- الذى به سررت: بهذا أعلن الآب كمال مسرته بإبنه، أنه قد أصبح لله مسرة فى حياة أولاده المؤمنين به، "لذتى فى بنى آدم"
(أم 31:8).
وهنا نتساءل: هل استنرت أنت يا أخى الشاب شخصياً فى حياتك؟ بل هل أضأت مصابيح قلبك بزيت البهجة؟ كيف؟؟! هناك وسائل هامة للإستنارة مثل:
1- إستنارة المعمودية :
بدون المعمودية لا يمكن أن يستضئ قلب المؤمن، وبولس الرسول يقول عنها أنها الإستنارة (عب 4:6) التى لا تعاد. وهى حق لكل مؤمن.
2- إمتداد الإستنارة :
وما أن ينال المؤمن قوة المعمودية، حتى ينطلق لممارسة كافة الأسرار الكنسية المقدسة، كالميرون والإعتراف والتناول، بل أنه يواظب على وسائط النعمة لزيادة إمتداد الإستنارة، بالإضافة إلى دراسته لكلمة الله وقراءاته الروحية، وحضوره الإجتماعات الكنيسة.. هذه كلها وسائل إستنارة.
ملاحظات:
ويمكن للخادم أن يناقش بعض الموضوعات الأخرى مثل:
1- عمل الثالوث القدوس فى خلاصنا.
2- اتضاع المسيح وخضوعه للناموس سواء فى الختان أو المعمودية ليكمل كل بر.
3- أهمية المعمودية والقيم الروحية التى ننالها من ممارسة هذا السر، كما أنه يمكن أن يقرأ مع المخدومين بعض مقتطفات من
كتاب الخدمات الكنسية عن المعمودية.
4- يحسن أن ينبه الخادم إلى أن الميلاد الثانى بالمعمودية ليس هو التوبة وتغيير الفكر، كما تدعى بعض الطوائف، وإنما التوبة هى
إمتداد عمل المعمودية فينا، ولكن الولادة الثانية هى بالماء والروح.
فلنتأمل معاً فى بركات المعمودية التى نالها كل منا، ويمكنا أن نجمع مواقف وآيات من الكتاب المقدس عن مواضع إعلان الله لذاته فى العهدين، وأن طقوس المعمودية وعلاقتها بالنور مثل الملابس البيضاء، وإضاءة الشموع حول المعمد فى الزفة التى تعمل بعد العماد.
بعض أقوال الآباء القديسين :
كيرلس الكبير: "تستنير نفوس المعتمدين بتسليم معرفة الله".
يوستينوس الشهيد: "وهذا الإغتسال يسمى تنويراً لأن الذين يتعلمون هذه الأمور يستنيرون فى أفهامهم".
نيافة الحبرالجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد