المقالات
17 مايو 2024
صلاًحا للأغنياء
ما هو الغنى؟
في معجزة إشباع الجموع قدَّم طفل صغیر خمس خبزات وسمكتین باركھا السید المسیح فتم توزیعھاعلى خمسة آلاف، وأكل الجمیع وشبعوا بل وفضل عنھم ۱۲ قفة من الكسر (مت ۱٤) والمقصود بالغنى أساسًا ھو البركة، فھذا الطفل یعتبر غنیًا، بالرغم من أن ما بیده كان قلیلاً،والمرأة صاحبة الفلسین كانت لدیھا عملة بسیطة جدًا، قدمتھا من أعوازھا، لكن قال السید المسیح "إِنَّ ھذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِیرَةَ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمِیعِ"(لو ۲۱: 3 ,4) إن الغنى لیس ھو غنى المال فقط.
أنواع من الغنى
۱- الغني بالحب: عنده طاقة حب: "إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَیْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا یَطِنُّ أَوْ صَنْجًا یَرِنُّ" ( ۱كو ۱۳ :1)
۲- الغني بالعطاء: عنده روح العطاء فیعطي من الأعواز: "الْجَمِیعَ مِنْ فَضْلَتِھِمْ أَلْقَوْا وَأَمَّا ھذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِھَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَھَا، كُلَّ مَعِیشَتِھَا"(مر ۱۲ :43 ,44)
۳- الغني بالإیمان: إیمانه قوي "أَمَا اخْتَارَ للهُ فُقَرَاءَ ھذَا الْعَالَمِ أَغْنِیَاءَ فِي الإِیمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ" (یع ۲: 5) مثل الشھداء
٤- الغني بكلمة ربنا: تكون الوصیة في لسانه وفي حیاته، ویعیش الوصیة.
٥- الغني بالستر: القدیس الأنبا أبرآم كان یقول "لا حُزنا ولا عُزنا".
في التاریخ الكتابي ھناك أغنیاء كثیرون كانوا قدیسین مثل: إبراھیم أبو الآباء، وإسحاق،ویعقوب، ویوسف الصدیق، وأیوب، ودانیال النبي، وداود الملك، وسلیمان، ومتى العشار،وأكیلا وبریسكلا، ویوسف الرامي، وغیرھم.
وفي التاریخ المسیحي: الأنبا أنطونیوس، والأنباأرسانیوس معلم أولاد الملوك، ومكسیموس ودومادیوس،
والملكة أناسیمون السائحة، والملكة ھیلانة، والملك زینون، والمعلم إبراھیم الجوھري وغیرھم.
یقول القدیس أغسطینوس: "لیس الشر في أن یكون لدیك ممتلكات بل في أن الممتلكات تمتلكك".
الصلاح
الصلاح صفة من صفات الله. حینما قال الشاب الغني للمسیح "أَیُّھَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ
لأَرِثَ الْحَیَاةَ الأَبَدِیَّةَ؟ فَقَالَ لَه یَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَیْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَھُوَ اللهُ" (مر ۱۰ : 17, 18)وكلمة "صلاح" نسمیھا باللغة الحدیثة "التدبیرالحسن". لذلك یجب أن نعرف المبدأ الذي قدَّمه
الكتاب المقدس: "أَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِالَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِیمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعِ كَثِيرَةٍ" (اتي6: ١٠). فليس "المال" إنما محبَّة المال أَصْلِّ لِكُلِّ الشَّرُورِ" لأن المال من نعم الله.
معنى كلمة صلاح من أحرفها
"ص" = صدق: "السالِكُ بِالْكَمَالِ يَخْلُصُ، وَالْمُلْتَوِي في طَرِيقَيْنِ يَسْقُطُ فِي إِحْدَاهُمَا" (أم ۲۸:۱۸) الصادق هو إنسان مستقيم، لا يكسب ماله بطرق ملتوية.
"ل" = لين: ألا يكون صاحب قلب قاسي. ولا تنسوا أن الله قال: "لا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ" (مت ٦ : ٢٤) هنا المال وضع في مكانة كأنه إله، وهو بالحقيقة صنم. القلب الرحيم لا يعرف الغلظة، بل هو قلب ممتلئ رحمة وحنانا قدم لنا السيد المسيح مثل الغني ولعازر كان الغني يسكن قصرًا، وكان لعازر الفقير يستعطي على بابه، تلحس الكلاب قروحه لكن تبدل الحال لما انتقلوا، فصار الغني يشتهي أن يأتي هذا الفقير الذي أهمله ليبرد لسانه بطرف أصبعه احترزوا فإن أحد أعراض المال إنه يقسى القلب لذلك قيل" مَحَبَّةُ الْمَالِ أَصَلِّ لِكُلِّ الشَّرُورِ " ( ١ تي ٦ :١٠).
"أ" = اكتفاء: أن يكون الإنسان مكتفيا من الداخل وليس عنده جشع ولا أنانية ولا انفرادية ولا ذاتية. "في يَوْمٍ مُعَيَّنِ لَبِسَ هِيرُودُسُ الْحُلَةَ الْمُلُوكِيَّةَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِي الْمُلْكِ وَجَعَلَ يُخَاطِبُهُم فَصَرَخَ الشَّعْبُ: هَذَا صَوْتُ إِلَهِ لَا صَوْتُ إِنْسَانٍ فَفِي الْحالِ ضَرَبَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ للَّهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدودُ وَمَاتَ"( اع ۱۲ : ۲3-۲1).
"ح" = حكمة: يقول يوحنا ذهبي الفم: "ليس هناك أية خطيئة في كونك غنيًا ولكن الخطيئة أن تكون غنيا بدون عقل". مثل الغني الغبي الذي أعطاه الله ثروات كثيرة فقال: "أعمل هذا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي اعظم، وَاجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غلاتي وَخَيْرَاتِي وَأَقُولُ لِنَفْسي يَا نَفْسٌ لَكِ خَيْرَاتٌ كثيرة، موضوعة لسنين كَثِيرَةٍ. اسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهَذِهِ الَّتِي
أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ" (لو ۱۲: ۱۸-20)، أي كانت النتيجة أنه أخذ لعنة. أما الطفل الذي قدم الخمس خبزات والسمكتين الطعام الذي يكفيه لكنه فكر في الجموع فكانت النتيجة أنه أخذ بركة.
قال القديس غريغوريوس النزينزي: "الثروة لیست شرا، ولكن هي شر إذا استخدمت بشكل
طمعي وجشعي".هذه كلها نقاط مهمة في معنى عبارة "صلاحا للأغنياء".
خطة بولس الرسول (٢-٤-٢) تحت عنوان صلاحا للأغنياء":
أولاً: ينهي الأغنياء عن أمرين
"أَوْصِ الْأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لَا يَسْتَكْبِرُوا ، وَلَا يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنى للتَّمَتَّع " ( ١ تي ٦ : ١٧).
١- "لا يَسْتَكْبِرُوا": لأن قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ،وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُحُ الرُّوح" (أم ١٦: ١٨).
٢- " لَا يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى : اجعل رجاءك على الله، لا تظن أن غناك يسندك يمكن أن يضيع في لحظة. يقول سفر الجامعة: "من يُحِبُّ الْفِضَّةَ لَا يَشْبَعُ . مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لا يَشْبَعُ مِنْ دَخل هذا أَيْضًا بَاطِلٌ" (جاه: ۱۰) وقال السيد المسيح: "لأنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ لَو ربح العالم كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ" (مت ١٦: ٢٦).
ثانيا: ينصح الأغنياء بأربعة أمور وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلَاحًا، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالَ صَالِحَةِ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِي التوزيع" (اتي ٦: ١٧-١٨).
١- أَنْ يَصْنَعُوا صَلَاحًا": اصنع بمالك أعمالاً صالحة، وإياك أن تستخدمه في أمر غير صالح.
٢- أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَال صَالِحَة : تُقدِّم لأخوة الرب الأصاغر لمشروعات الكنيسة لمدارس الأحد، للإكليريكيات والمعاهد اللاهوتية لنشر الكتب والأبحاث، لمشروع "بنت الملك"، ولا بد أن يتسع ذهنك لاحتياجات أخرى كثيرة في الكنيسة.
٣-أَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ": عندما تكون سخيا في عطائك سيكون الله سخيا معك،ويعود عليك بنعم في أشياء كثيرة. ٤- "كُرَمَاءَ في التوزيع": كن كريما في التوزيع، وحتى إن لم يكن لديك لا تمتنع.
ثالثا: يضع أمام الأغنياء هدفين مهمين
مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَلِ لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّة" ( ١ تي٦: ١٩).
۱ - مُدَّخِرِينَ لأَنفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَلِ"، يكون الإنسان مدبرًا صالحًا لما في يده ويضع أساسا صالحًا للمستقبل.
٢- لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ"، "طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمِسْكِينِ (بكل الأشكال) فِي يَوْمِ الشَّرِّ يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" (مز ١:٤١) قال يوحنا ذهبي الفم: "إن الفقراء حراس - الملكوت" أنت أيها الغني لكي ما يكون عملك صالحًا انظر دائما إلى الحياة الأبدية وأمسك بها، اجعل أمامك نصيبك الذي في السماء، واجعل نظرك إلى الله يقول سفر الأمثال: "الرَّجُلُ الْأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُسْتَعْجِلُ إِلَى الْغِنَى لَا يُبْرَأ" (ام ۲۸: ۲۰) فإن أعطاك الله نعما، فكن مدبرًا حسنا فيما أعطاك واخدم به وفرح به آخرین. فالفرح يأتي عندما تعطي وليس عندما تأخذ.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
10 مايو 2024
قيامة المسيح
عيد القيامة هو العيد الأول في مسيحيتنا فلولا القيامة ما كانت المسيحية ولا كانت كنيسة ولا كان كتاب مقدس ولا كانت صلوات ولا كان أي شيء في الغرب يسمون عيد القيامة Easter والكلمة مشتقة من East وتعني الشرق فهو عيد مشرقي، يشرق على البشرية جميعًا ونحتفل به كما حدث في التاريخ يوم الأحد، ويوم الأحد كما نعرفSunday هو يوم النور وهذا العيد لا نحتفل به يوما واحدا، ولكن حسب الطقس الكنسي تحتفل به لمدة خمسين يوما ونعتبر أن هذه الخمسين يوما يوم أحد طويل الكنيسة تصلي فيها بنغمة الفرح، حتى صلوات الجنازات نصلي بها بنغمات الفرح القيامة في معناها المختصر هي عبور ، عبور من حالة الموت إلى حالة الحياة وهي عبور أيضًا من حالة الخطية إلى حالة البر يا إخوتي الأحباء إن كنا نحتفل بعيد القيامة من الموت فيوجد أموات في الفكر، وأموات في الروح، وأموات في الرجاء بعض الناس هم أموات في الفكر، والفكر الميت هو الفكر الحرفي أو الفكر الناموسي، وهو الفكر الذي لا يفكر، هو إنسان لكن لا يفكر ! ربما أقرب مثال إلينا في الكتاب المقدس هو شاول الطرسوسي كان إنسانا يهوديًا فريسيا متعصبا ، وكان متعلما تعليمًا راقيًا، وكان يفتخر أنه تعلم عند قدمي غمالائيل أشهر معملي اليهود في زمانه، لكن للأسف كان فكره مينا ، فكان يضطهد كنيسة الله بإفراط ولكن الله لم يشأ أن يتركه، ففي الوقت المناسب ظهر له السيد المسيح وهو مسافر على طريق دمشق وتبدل الحال تماما ، وقام من هذا الفكر الميت، وصار شاول الطرسوسي هو القديس العظيم بولس الرسول وصارت له قامة روحية عالية لأنه قام من موت الفكر الإنسان الميت في الروح هو الذي يعيش في الترابيات والأرض ولا يرفع نظره للسماء أبدا هذا الإنسان الميت في الروح ينطبق عليه قول الكتاب: «أنا عارف أعمالك ، أن لك اسمًا أنَّكَ حَيَّ وأَنتَ مَيت» (رؤيا 3: ۱)، بين الناس لك اسم أنك حتي ولكن الله يقول لك إنك في نظري ميت أحد الأمثلة في الكتاب المقدس لذلك هو زكا العشار كان إنسانا يهوديا يعمل عشارًا أي جابيًا للضرائب وكان كل عالمه في المال، وبسبب هذا المال ظلم الكثيرين، وكان جشعًا وعدوانيًا لأنه كان يسلم الذين يرفضون دفع الضرائب للسلطات الرومانية وعندما يتقابل زكا مع السيد المسيح يتبدل الحال، ويتحوّل زكا الذي كان ممسكًا بماله أو بمعنى أدق المال هو الذي كان يمسكه ويقيده، ويعلن أمام السيد المسيح أن نصف أمواله للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد له أربعه أضعاف ويتخلى عن المال ويتحوّل إلى إنسان قديس وبار، أو على الأقل إنسان قائم من موت الروح نوع آخر من الأموات هم الأموات في الرجاء وهؤلاء البشر الذين ليس لهم رجاء لا أدري كيف يحيون ؟! وهؤلاء تمثلهم في قصة القيامة رجاء، عالمها هو عالم الخطية؛ ولكن عندما تقابلت مع السيد المسيح وأخرج منها شياطين الخطية ثابت وقامت وصار لها رجاء، وأعطاها المسيح أن تكون أول مبشرة بقيامته، فهي التي نقلت خبر القيامة إلى سائر التلاميذ.
كان الإنسان قبل القيامة عندما يموت، يموت في الأرض وتنتهي سيرته ليس أمامه فردوس، فالفردوس مغلق أمامه منذ سقطة آدم الأولى أما بالقيامة فقد انفتح الباب ، وصار الإنسان لا يعرف المستحيل، وغير المتسطاع عند الناس مستطاع عند الله الذي لا يعسر عليه شيء فالقيامة تعطي للإنسان أن مستقبله فيه باب مفتوح أحيانا يعيش الإنسان ويشعر أن المستقبل مغلق، ولكن الإحساس والشعور بالقيامة يعطي أملاً ويعطي الباب المفتوح أمام الإنسان القيامة أيضًا تمنح الإنسان فرحا بعد الحزن كان التلاميذ يعيشون في حزن فقد طلب السيد المسيح معلمهم أمامهم، ولكن عندما قام السيد المسيح في يوم الأحد لم يترك تلاميذه حزاني بل أعطاهم فرحا لذلك فكل يوم جمعة الذي هو تذكار الصليب له يوم أحد(تذكار القيامة)لا تعلمنا القيامة فقط أنه لا مستحيل، وتعطينا بعد الفرح في حياتنا بل هي تعطينا أيضا نوعا من الرجاء ضد اليأس.يُصاب الإنسان أحيانًا في حياته اليومية بالإحباط أو اليأس، ولكن في القيامة ينفتح باب الرجاء والنصرة أمام الإنسان، فالله ضابط الكل هو الذي يقود هذا العالم، وكل الخليقة ممسوكة في يد الله، ولذلك على الدوام يوجد الرجاء ويوجد الأمل الله لا يترك خليقته أبدا، فهو يعتني بالإنسان أينما كان ، الأمر الوحيد الذي لا يريده الله في الإنسان هو الخطية، لذلك إن قام الإنسان من خطيته سيجد يد الله الحانية تنظر إليه وتعينه القيامة فرح نعبر عليه في حياتنا في صلواتنا الصباحية ونعبر عليه في كل أسبوع في يوم الأحد ونعبر عليه أيضًا في الشهور القبطية في يوم ۲۹ من الشهر القبطي حيث نحتفل بالقيامة ونعبر عنه سنويا في فترة الخماسين التي تمتد الي خمسين يوما بعد عيد القيامة هذه القيامة التي نحتفل بها في هذه الليلة المباركة نفرح وتمتلئ قلوبنا بالفرح ويزداد فرحنا بحضور كل الأحباء ومشاركتهم معنا المشاركات التي تجمعنا سويًا في مناسباتنا الدينية والاجتماعية والقومية وهذه المشاركة التي يمكن أن نسميها المشاركة المصرية الدافئة هي التي تجمعنا جميعا في كل هذه المناسبات .لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 مايو 2024
المسيح قام بالحقيقة قد قام
اهنئكم جميعا بعيد القيامة المجيد نحتفل بالقيامة المجيدة بعد هذا الصوم الطويل، الصوم المقدس والذى امتد الى 55 يوما نحتفل بالقيامة كما فى كل عام وكما تعلمون أن احتفال القيامة هو احتفال بأساس إيماننا وهذا الاحتفال بالقيامة هو احتفال بالمسيحية، والاحتفال بالإيمان بالمسيح ولذلك نحتفل بالقيامة فى كل يوم فى صلاة باكر بالاجبية، ونحتفل بها فى كل أسبوع فى يوم الأحد لأنه يوم القيامة ويوم النور، ونحتفل بها أيضا فى كل شهر فى تاريخ 29 من الشهر القبطى، وهو تذكارات للبشارة وللميلاد وللقيامة وتحتفل بها كل عام فى عيد القيامة المجيد ويمتد احتفالنا إلى 50 يوما تسميها الخماسين المقدسة والحقيقة إن عطايا القيامة عطايا كثيرة جدا فى حياة الإنسان وأود أن أتحدث معكم عن عطية من العطايا الغنية التى فى قيامة رب المجد هذه العطية هى عطية العين الإيجابية للحياة، الإنسان خلق له الله العين كعضو للنظر، خلق له عينان فى وجهه لكى ينظر الى الحاضر وينظر الى المستقبل ولم يخلق له عينا فى الخلف حتى لا ينظر إلى الماضى جعله ينظر إلى الأمام دائما وهذه العين على الرغم أننا نشترك جميعا فى تركيبها، التركيب الفسيولوجى والتركيب التشريحى، ولكن نظرة العين تختلف من واحد إلى آخر لنفس الشىء، لذلك العين الإيجابية للحياة تتميز بثلاث ميزات، الميزة الأولى أنها عين واقعية تنظر للأمر فى واقعيته وفى حدوده وفى شكله وليس فى الخيال وتنظر للأمر فى واقعيته أنه أمر واضح أمام الإنسان ولا يحتمل أى تأويل الجانب الآخر للنظرة الإيجابية للحياة، أنها نظرة إنسانية يعنى يجب أن تشتمل نظرة الإنسان للأمور على عمل الرحمة لأن عكس الرحمة توجد القساوة والقساوة امتلأت بها قلوب كثيرة فى العالم، ولذلك نظرتها ليست نظرة إنسانية الجانب الآخر للعين يجب أن تكون النظرة متكاملة وليست نظرة متناقصة كما تدرون جميعا أننا نقول الكوب الذى فيه جزء من الماء، هذا الكوب ممتلئ أم ناقص؟ البعض يراء كوبا ممثلا من الماء، هذه نظرة إيجابية ونظرة متكاملة والبعض يراه كوبا ناقصا، وبالتالى هذه نظرة سلبية هذه الأمور، النظرة الواقعية والنظرة الإنسانية والنظرة المتكاملة تشكل جميعها العين الإيجابية للحياة، وسأعطيكم بعض الأمثلة من أحداث الصليب والقيامة كانا يوحنا الحبيب، ويهوذا الاسخريوطى، تلميذين من الاثنى عشر، اختار هما السيد المسيح، ورأيا تعاليم السيد المسيح ومعجزاته وكانا معه، وبالتأكيد كان هناك حوارات بينهما وبين السيد المسيح يوحنا الحبيب كان له النظرة والعين الإيجابية للحياة نراه يرتبط بالسيد المسيح، يصل معه حتى الى الصليب والى المحاكمات ونراه يجد المتعة الكبيرة فى أنه يتكى برأسه على صدر السيد المسيح وهو أطلق على نفسه التلميذ "الذى كان المسيح يحبه" "يوحنا 26:19" فى المقابل، يهوذا الاسخريوطى كانت نظرته مادية، وكانت نظرته سلبية، ولم ير فى المسيح أنه المخلص الفادى الذى جاء لأجل خلاص العالم، ولأنه لم يجد فيه تحقيق الطماعة المادية أو الأرضية ولذلك باع سيده بثلاثين من القضة وفى النهاية ذهب وشنق نفسه ومات وخسر نصيبه الأبدى الاثنان لهما نفس الموقف واحد له العين الإيجابية والآخر له العين السلبية مثال آخر نراه فى أحداث الصليب عندما تنظر إلى اللصين وهما اللص الذى كان عن شمال المسيح والآخر عن يمين المسيح، صلبوا الصين مع السيد المسيح إمعانا أنه اللص الشمال كان له حديث كبير إذا كنت أنت المسيح، "فخلص نفسك وايانا" "لوقا 23: 39"، وارفع عنا الألم الذى نحن فيه ألم الصليب اللص اليمين كان له نظرة فى نفس الموقف وفى نفس التوقيت ونفس الشواهد اللص اليمين ينظر نظرة إيجابية، ويقطن إلى رؤية مغايرة اما نحن فبعدل "لأننا ننال استحقاق ما فعلنا" "لوقا 23 "41" ونظر إلى المسيح وقال: "اذكرنى يا رب متى جنت فى ملكوتك" "لوقا 23 "42" كانت هذه العبارة، عبارة صلاة عبارة توبة، عبارة نداء عبارة رجاء وقبلها السيد المسيح فى آخر ساعات حياة اللص اليمين وقال له: "الحق أقول لك: أنك اليوم تكون معى فى الفردوس" "لوقا 23: 43 هذه الصورة تنطبق فى نماذج كثيرة جدا للعين الإيجابية للحياة، ولذلك أيها الأحياء، تمسك أن تكون لك عين إيجابية تنظر للأمور فى إيجابيتها لكل أحداث حياتك اليومية، أحداث العمل والخدمة والأسرة كل هذه الأحداث يجب أن تكون لك فيها النظرة الإيجابية هذا هو فعل القيامة المجيدة فى حياة الإنسان واجعل قلبك دائما مرفوعا وتقول: يا رب أعطنى العين الإيجابية التى ترى الأمور فى حقيقتها وفى جمالها وفى إيجابيتها، ابعدنى عن النظرة السلبية أو النظرة الضيقة أو النظرة التى لا ترى إلا ما هو سيىء الحياة فيها جمال ممتد فى كل عمل صالح أنا سعيد أن أرسل لكم هذه الرسالة أقدم التهنئة القلبية باسم الكنيسة القبطية وباسم المجمع المقدس، وأقدمها من هنا من مصر إلى كل الإيبارشيات وإلى كل الكنائس والأديرة فى ربوع العالم كله أهنئ أخوتى الأحباء الأباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان والأمهات الراهبات ومجالس الكنائس وكل الشباب وكل الخدام وكل الشمامسة وكل الشعب وأيضا إلى كل الأطفال أهنتكم جميعا أينما كنتم فى أوربا، إفريقيا آسيا أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، أو فى قارة أستراليا أهنئكم جميعا، وهذه التهنئة أحملها إليكم إلى كل فرد طالبا من ربنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يفرحكم على الدوام وأن يعطيكم العين الإيجابية لكل عمل ولكل حدث فى حياة الإنسان لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
04 مايو 2024
في انتظار القيامة
في ليلة سبت الفرح تصعد الكنيسة بنا الى السماء بكل ما فيها من جمال وكأننا في حلم جميل، فهذه الليلة هي العبور من الموت إلى الحياة الألحان تنتقل من النغمة الحزايني إلى الفرايحي، فيقال اللحن نصفه بالنغمة الحزايني والنصف الآخر بالفرايحي كذلك نجد القراءات عبر هذه الليلة تنتقل من الموت إلى الحياة : تسبحة موسي - صلاة حبقوق النبي - صلاة يونان في بطن الحوت صلاة حزقيا الملك - تسبحة الثلاثة فتية في أتون النار - قصة سوسنة العفيفة. وتنتقل بنا الكنيسة إلى فرح القيامة حينما تختم الليلة في فجر السبت مع «أبو غالمسيس» وهي كلمة يونانية أصلها أبو كاليسيس أي رؤيا، وفيها نقرأ سفر الرؤيا بأكلمه وبذلك نقضي فجر السبت مع هذا السفر العميق لتنفتح أعيننا، ليس على أسرار القيامة فحسب، بل على أسرار ما بعد القيامة أيضا والكلام عن هذه الليلة يطول جدا ، ولكن أجملها هو الحديث عن القيامة:
ما هي القيامة؟
القيامة كلمة جديدة ظهرت في العهد الجديد عندما قال السيد المسيح لمريم ومرثا أمام قبر لعازر : «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا ٢٥:١١) إذا القيامة قوة، ومعجزة المعجزات، فالسيد المسيح ذهب للصليب بإرادته وقام بسلطان لاهوته.
أنواع القيامة:
القيامة نوعان:
قيامة أولى، أي ترك الخطية وحمل الصليب والجهاد ضد الشيطان، حتى توضع الأكاليل في القيامة الثانية تأتي ساعة فيها يسمع الذين في القبور (قبور الخطية) صوته والسامعون يحيون، وتأتي ساعة (في المجيء الثاني) يسمع الذين في القبور صوته فيخرج الذين صنعوا الصالحات إلي قيامة الحياة قيامة السيد المسيح فتحت أمام البشرية باب الحياة بالإيمان بدمه لغفران الخطايا، وبالجهاد حتى النفس الأخير لكي نحيا معه كل حين . فالقيامة أعطت البشرية بابا مفتوحا لحياة السماء بلا موت بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية (تسبحه القيامة) فالموت لا يكون فيما بعد بل من أمن بالرب يسوع ولو مات فسيحيا سعيد ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى، إن هؤلاء لا يكون للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنة لله والمسيح (رؤيا٢٠: ٦).
القيامة مع المسيح
إن الإنسان لا يستفيد من القيامة إلا إذا استيقظ من نومه وقام من رقاده، أي يقوم من بين الأموات، وكل أنظارنا متجهه نحو ملكوت السموات: « فإن كنتم قَدْ قَمْتُمْ مَعَ المسيح فَاطَّلَبُوا مَا فَوْقَ ، حَيْثُ المَسِيحُ جَالس»(كولوسي ۳ : ۱) فما أجمل أن تكون سمائيين بالفكر والمشاعر والاتجاهات لا تكن مثل هيرودس وحنانيا وقيافا الذين لم يستفيدوا من قيامة المسيح بل أنكروها، ولا تكن مثل الحراس الذين شاهدوا القيامة وأنكروها نظير رشوة مال، بل كن مثل التلاميذ الذين بشروا مجاهدين بقيامة المسيح واحتملوا في سبيل ذلك الآلام والعذاب ، كل ذلك من أجل محبتهم في المسيح وإيمانهم القوي بالقيامة، لأنهم أيقنوا أنه لا قيامة بدون صليب ولا صليب بدون قيامة عش هذه الأيام بالرجاء والفرح فكل صليب بعده قيامة وكل مشكلة بعدها حل،وكما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث «ربنا موجود، كله للخير، مسيرها تنتهي.وكل عام وأنتم بخير .
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
19 أبريل 2024
رحمة للتائبين
استكمالاً ﻟﺘأملاتنا ﻓﻲ سلسلة الصلوات القصيرة من القداس الغريغورى نصل إﻟﻰ عبارة "رﺣﻤة للتائبين وما أجمل قطاع التائبین في كنیستنا فالكنیسة لیس لھا عمل سوى الاھتمام بتوبة كل إنسان ھذا ھو عملھا الرئیسي كل الأنشطة والصلوات والمناسبات والنھضات والقداسات العشیات إلخ ھي من أجل أن تتوب النفوس، لأن التوبة أحیانًا تكون بعیدة عن الإنسان.
مثل الفریسي والعشار (لو ۱۸: 9-14)
طائفة الفریسیین كانت من الطوائف الیھودیة والفریسي ھو الشخص الناموسي الحرفي الذي یظن أن عنده كل المعرفة أما العشار فھو جابي الضرائب، وھي فئة لم تكن محبوبة في المجتمع الیھودي، لأنه كان یجمع الضرائب لیسلمھا للسلطة الرومانیة التي كانت تحكم البلاد ھذا المثل قاله السید المسیح كنموذج، فكل منا إما في جانب الفریسي أو العشار سل نفسك وأحكم ھل أنا في جانب الفریسي أم العشار؟
وقد قال المسیح ھذا المثل لأنه یوجد "قَوْم وَاثِقِینَ بِأَنْفُسِھِمْ أَنَّھُمْ أَبْرَارٌ، وَیَحْتَقِرُونَ لآخَرِینَ" (لو ۱۸:۹)، إحساسھم الداخلي أنھم أبرار، وھذه لیست الحقیقة، ومن لا یكتشف مرضھ یضیِّع على نفسه
فرصة الشفاء. والأخطر ھو أن یحتقر الآخرین صعد الفریسي والعشار إلى الھیكل لیصلیا.فتقدَّم الفریسي الصفوف ووقف رافعًا یدیه وعینیه،كنوع من لفت النظر، وھو یقول: "اَللّھُم أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِینَ الظَّالِمِینَ الزُّنَاةِ" (لو ۱۸: 11) یفتتح صلاته ﻟﻠﮫ بأنه أفضل من كل الناس، ویشكر الله على ذلك وفي نظره الناس ثلاثة أنواع: خَاطِفِینَ ظَّالِمِینَ زُّنَاةِ لا یرى أحدًا صالحًا إلا نفسه. ثم نظر للخلف حیث العشار وحدد "وَلاَ مِثْلَ ھذَا الْعَشَّارِ"، وأضاف "أَصُوم مَرَّتَیْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِیه" (لو18: 12) كأنه یقول ﻟﻠﮫ لن تجد مثلي. إیاك أن تكون مثل الفریسي الذي مدح نفسه واحتقر غیره فكانت النتیجة أن "ھذَا (العشار) نَزَلَ إِلَى بَیْتِه مُبَرَّرًا (أخذ حكم براءة) دُونَ ذَاكَ (الفریسي)" (یو ۱۸: 14)
رﺣﻤة للتائبين
ربنا یسوع المسیح بدأ خدمته بقوله "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ للهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِیلِ" (مر ۱: ۱٥ )، "تُوبُوا، لأَنَّه قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ" (مت ۳ :2) )، "لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (لو ٥: 32) فھو قد جاء لكي تتوب كل نفس وتتغیر وتستیقظ ویقول معلمنا بولس الرسول "صَادِقَة ھِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول أَنَّ الْمَسِیحَ یَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِیُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِینَ أَوَّلُھُمْ أَنَا" ( ۱تي1: 15) وھو ھنا لا یقول إنه خاطئ بل إنه أول الخطاة الذین تجسد المسیح لیخلصھم من الخطیة.
حوار الرﺣﻤة
أرید أن أكلمكم عن حوار الرحمة (حدیث بین اثنین) في أربع خطوات:
۱- نداء من الله: تبدأ التوبة بنداء یتردد ویتكررموجه للجمیع من الله "تُوبُوا" حینما أخطأ داود الملك والنبي العظیم ولم ینتبه لخطیته، جاءه ناثان وقال له "لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَیْنَیْه؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِیَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّیْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَه لَكَ امْرَأَةً، وَإِیَّاهُ قَتَلْتَ بِسَیْفِ بَنِي عَمُّونَ"( ۲صم ۱۲: 7-9) فبدأ داود یسكب الدموع وقال مزمور التوبة ببكاء وندم وحسرة مقدمًا لنا قطعة من أروع قطع الصلاة الفردیة: "اِرْحَمْنِي یَا لَلهُ كَعَظِیم رَحْمَتِكَ" (مز ٥۱: 1) "إِلَیْك وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَیْنَیْكَ صَنَعْتُ" (مز٥۱: 4) مثال آخر، ھو بطرس الرسول الذي كان أحد تلامیذ السید المسیح المتقدمین، لكنه أنكر المسیح أمام جاریة، ثم ظن أن لیس له رجاء فعاد إلى صید السمك، فأتاه المسیح وھو یصطاد وناداه ثلاث
مرات: "یَا سِمْعَان بْنَ یُونَا، أَتُحِبُّنِي.. ارْع خِرَافِي"(یو ۲۱: 15) فعاد إلى مكانته ورسولیته وإلى
الكرازة والخدمة حتى صلب منكس الرأس إن الإنجیل ھو نداء المسیح، وكل مرة تقرأ الإنجیل أنت تستمع إلى نداء التوبة والمسیح صباحًا ومساءً ینادي ویقول"تُوبُوا" بصیغة الجماعة (أنا أتوب وأساعد الآخرین على التوبة).
۲- استجابة من الإنسان: إن سمعت نداء المسیح "تُوبُوا"، علیك أن تستجیب، والاستجابة یجب أن تكون یومیة، لأن لنا خطایا وضعفات یومیة ذھب النبي یونان لأھل نینوى وقال "بَعْد أَرْبَعِینَ یَوْمًا تَنْقَلِبُ نِینَوَى" (یون ۳: 4) فاستجابت المدینة وتاب أھلھا كلھم من الملك مثال آخر قال بولس لسجان فیلیبي "آمِن بِالرَّبِّ یَسُوعَ الْمَسِیحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَھْلُ بَیْتِكَ" (أع ۱٦: 31 ) فاستجاب وآمن أما الابن الضال فاستجاب للنداء الداخلي فقط وقال "أَقُومُ وَأَذْھَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَه یَا أَبِي، أَخْطَأْتُ" (لو ۱٥: 17-18)ونسمع عن زكا العشار إنه صعد على الشجرة لیرى المسیح فقال له المسیح: "یا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّه یَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْیَوْمَ فِي بیْتِكَ" (لو19 : 5) فتغیرت حیاتھ تمامًا وصار قدیسًا. وفي المقابل ھناك أناس لا یستجیبون، مثال: یھوذا الإسخریوطي وعخان ابن كرمي وحنانیا وسفیرة.
۳- فتح الباب من لله: إذا استجبت لنداء لله یفتح أمامك باب الرجاء، لأن التوبة تحمي الإنسان من الیأس والقلق والمتاعب النفسیة، ویقول الكتاب "ھكذاَ یَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاء بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ یَتُوبُ أكَثَرَ مِنْ تسِعَة وَتسِعِینَ بَارًّا لا یَحْتَاجُونَ إلِىَ تَوْبَة"ٍ (لو۱٥: 7) أتوا بالمرأة التي أمسكت في ذات الفعل لیرجموھا لكن السید المسیح تعامل مع الموقف بطریقة كلھا حكمة ورحمة، وفتح لھا باب الرجاء قائلاً: "أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟... وَلاَ أَنَا أَدِینُكِ اذْھَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَیْضًا" (یو ۸ : ۱۱-۱۰) والابن الضال أثناء عودته كان یفكر أفكارًا كثیرة
لكنه فوجئ أن الأب "تَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِه وَقَبَّلَه" (لو ۱٥: ۲۰ ) وأعطاه الحُلة الأولى والخاتم والحذاء وذبح العجل المسمن إنه الرجاء.
٤- نوال الجائزة: الجائزة ھي كمال الرحمة أوحالة الفرح التي یصل إلیھا الإنسان التائب، لأن الخطیة ثقل، لذلك قال السید المسیح "تَعَالَوْا إِلَيَّ یَا جَمِیعَ الْمُتْعَبِینَ وَالثَّقِیلِي الأَحْمَالِ،وَأَنَا أُرِیحُكُمْ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت ۱۱: ۲۸، ۲۹) ،تجدوا راحة البال وراحة القلب والسعادة والعجیب إن أكثر كلمة تكررت في مثل الدرھم المفقود، والخروف الضال، والابن الضال (لو15 ) التي تتكلم عن التوبة ھي كلمة فرح (وردت
10-11 مرة) بینما لا نجد كلمة توبة ولا مرة(انظر لو ۱٥: 5, 6, 9, 23, 24, 32).
اﻟﺨلاصة
حینما نقول "رحمة للتائبین" كأننا نقول أرجع لھم الفرح. في كل مرة یقدِّم الإنسان توبة یحصل على كنز ھو الفرح وھذا الكنز یدوم ویبقى. إن أردت أن تشعر بالفرح وراحة البال والسلام في وسط العالم المتوتر والھائج بأزماته وضعفاته وأخباره فكن من التائبین في الكنائس قدیمًا كان یوجد خورس للباكین أو التائبین، وما أشھى أن یقف الإنسان في مخدعه ویقدم دموعه التي تغسل خطایاه إذا حدث أن قابلت المسیح ماذا ستطلب منه سوى الرحمة ارحمني كعظیم رحمتك ليعطينا اﻟﻤسيح أن تكون حياتنا تائبة،ونشتهى الرحمة التى يسكبها الله علينا ﺟﻤيعًا،ونسمع نداءه " توبوا ، لأنه قد أقترب ملكوت السماوات" ( مت 3: 2).
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
12 أبريل 2024
حياة صالحة للذين في الزيجة
البولس في صلاة الإكلیل (أف٥ :22-33) استكمالاً ﻟﺘأملاتنا ﻓﻲ الصلوات القصيرة من القداس الغريغورى نصل إﻟﻰ"حياة صاﻟﺤة للذين فى الزيجة".
الصلاح
ھي كلمة كبیرة من الكلمات المشھورة في الحیاة الكنسیة، والصلاح ھو ثمرة من ثمار الروح القدس، (غل ٥ : ۲۲ ،23)
ثلاثة أمور هامة ﻓﻲ تكوين الأﺳﺮة
۱- الزواج ھو قمة العلاقات الإنسانیة الرسمیة في العالم كله، لذلك فإن الأفراح والأكالیل أمور ھامة جدًا بالنسبة للأفراد، وبالنسبة للدول أیضًا،لأن كل زیجة توثق في عقد ككیان وعلاقة رسمیة داخل البلد. وتنتج عن الزیجة مسئولیات.
۲- الزواج ھو رابطة ثلاثیة من خلال سر كنسي مقدس، یعمل فیه روح لله من أجل وحدة ھذا الكیان الجدید أي الأسرة. یدخل الاثنان إلى الكنیسة وتتم صلوات الإكلیل من خلال كاھن شرعي أمام الھیكل، ثم یخرجان كزوج وزوجة ومعھما المسیح، مكونین ما نسمیه رابطة ثلاثیة Triple Bond ھذا ما قال عنه الكتاب: "الْخَیْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ یَنْقَطِعُ سَرِیعًا" (جا ٤ : 12)،ھذه ھي الزیجة المسیحیة، فاحترس لأن حولنا أمورًا لیست في معنى الزواج المسیحي، فلا تقلد ما تراه.
۳- كیان الأسرة ھو أیقونة الكنیسة، كما قال القدیس یوحنا ذھبي الفم وكلمة أیقونة ھنا معناھا الجمال المقدس ومجموع الأسر ھو الجمال المقدس في الكنیسة لذلك فإن كیان الأسرة ھو كیان خطیر لذلك
نطلب أن كل أسرة تعیش حیاة صالحة.
كيف تعيش الأﺳﺮة حياة صاﻟﺤة؟
الأسرة یكون فیھا المسیح: المسیح الذي أخذناه من أمام الھیكل ودخلنا به إلى البیت، وظیفته في كل أسرة أن یحفظ لھا دوام المحبة. لأن الزوجة/الزوج ھو ھدیة المسیح التي اختارھا للطرف الآخر، وبما أنھا ھدیة من ید المسیح إذن ھي ثمینة جدًا وتوضع على الرأس. وعلى ھذا الأساس یكون المسیح ھو صاحب ھذا البیت، والشاطر ھو من یشعر بوجوده، بوجود علاقات المحبة وكلمات المحبة إذا اھتممتم بالمسیح داخل البیت، بالصلوات الدائمة والإنجیل الدائم، تزداد المحبة بینكما ویصیر البیت أكثر من رائع. لینظر كل طرف إلى الطرف الآخر على أنھ عطیة المسیح وعطیة المسیح لا تتقادم، لذلك یقول "لِكَيْ یُحْضِرَھَا لِنَفْسِه كَنِیسَةً مَجِیدَةً، لَا دَنَسَ فِیھَا وَلَا غَضْنَ أوَ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلكِ، بَلْ تَكُونُ مُقدَّسَةً وَبلِاَ عَیْبٍ" (أف5 :27) وتظل ھكذا. أما إن كان البیت خالیًا من المسیح، یحیا حیاة العالم بكل صورھا،ستكون النتیجة أن المسیح ینزوي ویحزن لا تحزنا مسیحكما وإن حدث أي خلاف -وھو أمر وارد- فلن یحله سوى المسیح، لأن الصلوات والإنجیل یجعلان الطرفین یفھما بعضھما بعضًا جیدًا، أما إھمال وجود المسیح فنتیجته خطیرة. إن المسیح ھو صمام الأمان داخل الأسرة، لذلك نضع صلیب داخل باب المنزل لأنه علامة أمان وأیضًا
علامة حضور المسیح، فیكون أول من تودعه وأنت تغادر وأول من تراه عند دخولك.
۲- الأسرة كنیسة: "كنیسة" تعني ھیكلًا ومذبحًا، أي لابد أن یكون القلب مرفوعًا ﻟﻠﮫ على الدوام من خلال الصلوات. یكون البیت ممتلئًا من روح الصلاة التي تلد قدیسین، لأن كل أسرة ھي مصنع للقدیسین. یقول الكتاب عن زكریا وألیصابات والدي یوحنا المعمدان "وَكَانَا كِلاَھُمَا بَارَّیْنِ أَمَامَ للهِ" (لو1 : 6) وكانت النتیجة یوحنا المعمدان السابق والصابغ والشھید أعظم موالید النساء، الذي نحتفل به إلى الیوم والحقیقة إن الحیاة القاسیة التي نعیشھا في الأزمات الحاضرة من الناحیة الاجتماعیة والاقتصادیة ھذه لا یسندھا
إلا روح الصلاة إن روح الصلاة تعلمك، وتستر على بیتك، وعلى كل أفراده، وتبارك ما فیه، وتعطي روح الرضى الداخلي مھما كانت الأحوال.
۳- الأسرة كتاب مقدس: كل أسرة تتكون ھي إنجیل مفتوح، مقروء من جمیع الناس، لأن الزوجین یأخذان الوصیة ویعیشا بھا ویلقناھا لأولادھما، فیتربى الأولاد بالنعمة بالمعرفة الكتابیة. یجب أن تكون التعاملات داخل الأسرة بالمبادئ الكتابیة وأحد أھم المبادئ ھو مبدأ الاحترام أرجوكم أن تتجنبوا أي موقف بأي
صورة من الصور یكسر أو یجرح ھذا الاحترام،لأن كسر الاحترام للأسف لا ینجبر ولا یُمحى، وھذا یؤثر على سلامة بیوتنا والحیاة الصالحة فیھا.
٤- الأسرة منارة: تتكون داخل الأسرة الجدیدة منارة. والمنارة معناھا الاستقامة، مثلما نقول: "قلبًا
نقیًا اخلق فِيّ یا لله، وروحًا مستقیمًا جدّد في أحشائي" (مز ٥۱ : 10) الأسرة التي ترید أن تعیش في الصلاح لا یصح أن تعیش متقلقلة وبعیدة وتائھة، بل لا بد أن تعیش حیاة الاستقامة وفي اللغة العربیة یقولون عن الاستقامة كان حرف الألف حرفًا مثل كل الحروف، ولكنه عندما استقام جعلوه أول الحروف. المنارة تعبیر عن استقامة ھذا البیت. لذلك قال السید المسیح عن عروس النشید (كل أسرة): "كُلُّكِ جَمِیلٌ یَا حَبِیبَتِي لَیْسَ فِیكِ عَیْبَةٌ" (نش ٤ :7) والاستقامة ھي: الصدق والوضوح والطھارة، وھي عدم اللف والدوران،وعدم الكذب، عدم وجود أمر مخفي، عدم وجود سلوك منحرف، عدم وجود علاقات ردیئة. إن
وجود مثل ھذه الأمور یكسر البیوت. إننا نقول في الصلوات "بیوت صلاة، بیوت طھارة، بیوت بركة"، فالصلاة والسلوك بطھارة یجلبان البركة وحیاة الصلاح في الأسرة ھي الاستقامة في كل شيء والاستقامة تشمل في داخلھا حیاة الطھارة والنقاوة.
٥- الأسرة أسرار: الكنیسة محل الأسرار السبعة، وكل أسرة ھي موضع للأسرار، أي موضع للخصوصیة. كلمة "سر" تعني نعمة غیر منظورة ننالھا من خلال طقس منظور بفعل الروح القدس ومن الدعوات الشعبیة الجمیلة التي تقال للعروسین ربنا یھدي سركم حیاة الصلاح في البیت المسیحي یقصد بھا الخصوصیة في البیت،أي ألا یتكلم الطرفان عن خصوصیاتھما مع أي إنسان مھما كان إیاك أن تجرح ھذه الخصوصیة لأن ھذا سر علیك أن تحفظه الوحید الذي تستطیع أن تكلمه عن ھذه الخصوصیات ھو الله. أتجاسر وأقول إنه أحیانًا تكون ھناك مشكلة صعبة داخل بیت، وربما لو أشركنا أولادنا فیھا یتعبون، لذلك
یجب أن تظل بین الزوجین فقط، یصلیان من أجلھا وأضیف أن أكثر ما یحفظ الخصوصیة ھو حیاة الرضى. یا لسعادة البیت العمران بالرضى الداخلي، فھذا یجعل من یعیش في مكان بسیط أكثر سعادة ممن یعیش في قصر.
اﻟﺨلاصة
عبارة "طھارة للذین في البتولیة" ھي لكل شاب وشابة إلى أن تأتي مرحلة الزواج، ثم نقول: "حیاة
صالحة للذین في الزیجة". والحیاة الصالحة ھي
في خمس نقاط:-
۱- المسیح صمام الأمان ومعطي المحبة في الأسرة،
۲- الكنیسة ھي موضع الصلاة لنحب بعضنا أكثر،
۳- البیت كتاب مقدس وحیاة وصیة نعیش فیھا لنفھم ما یریده المسیح منا،
٤- حیاة الصلاح تشبھ المنارة المستقیمة من حیث الحیاة والسلوك والنقاوة،
٥- حیاة الأسرار ھي خصوصیة الحیاة. كان البابا كیرلس دائمًا یقول: "داري على شمعتك تقید".
ﻟﻴحفظكم الرب ويبارك أسركم ويعطيكم دائماً الحياة الصالحة.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 أبريل 2024
طهارة للذين في البتولية
كتب معلمنا بطرس الرسول "بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة لانه مكتوب كونوا قديسين لاني انا قدوس وان كنتم تدعون ابا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف عالمين انكم افتديتم لا باشياء تفنى بفضة او ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الاباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب و لا دنس دم المسيح.( 1بط 15:1-19)
طھارةً للذین في البتولیة
ھي الطلبة الثالثة من الطلبات المتخصصة،والطلبة التاسعة ضمن الطلبات القصیرة التي تقال في القداس.
ھذه الطلبة تختص بالشباب والشابات، والدلیل على ذلك ھو إن الطلبة التي تلیھا ھي: "حیاةً صالحة للذین في الزیجة". فھما طلبتان متتالیتان:
الأولى تخص ما قبل الزواج والثانیة ما بعد الزواج.
وتقابلھا في العھد الجدید الوصیة التي قالھا القدیس بولس الرسول لتلمیذه تیموثاوس الشاب:
"اِحْفَظ نَفْسَكَ طَاھِرًا" ( ۱تي ٥ :22) وھي تذكرنا بعبارة وردت في العھد القدیم في سفر الجامعة:
"اذْكُر خَالِقَكَ فِي أَیَّامِ شَبَابِكَ" (جا ۱۲: 1) وحیاة الطھارة لا تخص الجسد فقط لكنھا حیاة شاملة. والمقصود بالبتولیة لیس بتولیة الجسد فقط لكن المقصود بتولیة الفكر والنفس والضمیروالقلب والجسد.
أھمیة حیاة الطھارة الشاملة
فترة الشباب ھي فترة لا تعوض، تبدأ بسن المراھقة، الذي فیه یعطي الله كل منا طاقة وعاطفة تظل مخزونة في قلبه، فیبدأ القلب بالانفتاح على الجنس الآخر. وأغلى ھدیة یقدمھا الإنسان للطرف الآخر عند الزواج ھو ھذا المخزون من العاطفة.إن السبب الحقیقي لرغبة البعض في الانفصال بعد الزواج ھو أن مخزون العاطفة القلبیة كان قلیلاً فانتھى سریعًا. في حین أن الشاب/الشابة الذي یحتفظ بنعمة ربنا التي تسمى العاطفة emotion ولا یبذِّرھا، فإنه یوم یأخذ قرار الزواج یكون قراره صحیحًا، وزواجه یدوم ویفرح بالسنین كلھا.أما من یبذِّر العاطفة القلبیة ولا یقدِّر قیمتھا بعلاقات وتلیفونات ومقابلات وكلمات، عامًا بعد عام،وقصة بعد قصة،ھذا حینما یرید أن یكوِّن أسرة لا یجد ما یملأ ھذا الكیان الجدید لأن عاطفته
تكاد تنتھي.
كیف نبدأ؟
أیھا الشاب/الشابة أعطِ قوتك الشبابیة ﻟﻠﮫ.لا تقل أرید أن أفرح، وأعمل مثل باقي الشباب،وأذھب أي مكان، وأرى كل شيء، وأصادق أي شخص انتبه إن الحیاة بنك تسترد منه ما سبق أن أودعته فیه. إن وضعت قلیلاً ستجد قلیلاً. عندما تعطي قدرتك الشبابیة ﻟﻠﮫ الآن، یردھا لك في الكبرلأنك حافظت على نفسك.لیست حیاة الشباب فرصة أن تجرب أي شيء (إدمان المخدرات، والعلاقات الخاطئة،والصداقات الردیئة وھكذا). احترس لأن الحیاة مع الله دائمًا فیھا حلاوة وطمأنینة وفرح داخلي ورجاء وأمل ونجاح، أما إن جربت أمور العالم فستبعد عن الله، وعندما یبعد الإنسان عن الهل سیجد الحیاة فیھا مرارة،وغربة،ویأس وتؤول إلى الفشل،وربما یصل إلى الانتحارعالم الیوم مختلف تمامًا، فھو عالم فیه سرعة في كل شيء،وعنف شدید في الصغار والكبار،وإباحیات بكل الأشكال حتى صارت تجارة،وقلق یملأ القلوب، وھو عالم مليء بالفساد.تذكر إنك إن أعطیت قوتك الیوم ﻟﻠﮫ یردھا لك في الكبر وقت الشیخوخة، فیعطیك الله قوة وقدرة في
الناحیة الصحیة،وعقل حاضر،ومشاعر قلب.
التعامي عن الموت
إن الحروب المحیطة بالشباب الیوم ھي من كل نوع (الإباحیات،السرعة،الإدمان،العنف،الجریمة، الفساد) ولھا ھدف غریب جدًا ھو التعامي عن الموت أي أن ینسى الإنسان الموت، ثم فجأة یأتیه الموت.الموسیقى الیوم عالیة جدًا وشدیدة، حتى إن من یعزفونھا یسدون آذانھم لحمایتھا من الذبذبات العالیة، لماذا؟ یقولون: لكي تنسي الإنسان الموت كیف ننسى الموت ونحن كل یوم نودع حبیبًا؟ ویقول الشعراء: "الموت كأس لكل البشر" كما إن قنوات التلفزیون تعمل ۲٤ ساعة، وشبكة النت، والموبایل، ومواقع التواصل الاجتماعي، كل ھذا یجعلك مشغولاً في كل وقت لتنسى حقیقة وحیدة أساسیة في الحیاة وھي أنك یومًا ما، لایعلمه أحد، سوف تغادر ھذه الحیاة.أرجوكم انتبھوا یا شباب..
حیاة الطھارة صعبة فقط في الحالات التالیة:
۱- من لا یرید الحیاة النقیة: ویعیش في تلاھي،ولا یسمع لمن ینصحه (الإنجیل، صلوات الكنیسة،الوالدان، الكاھن، الخدام)، لأنه لیست لدیه رغبة فتصبح الطھارة صعبة بالنسبة له. ھذا النوع في لسانھم عبارة: "مافیش فایدة".
۲- من یعتمد على إمكانیاته المحدودة: یظن في نفسه أنه قلیل وغیر قادر، وأن كل الناس تقول كذا أو تعمل كذا اعرف إن المسیح قال لنا: "بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَیْئًا" (یو ۱٥: 5) كلنا إمكانیاتنا قلیلة وضعیفة لكن القلیل في ید المسیح یصیر كثیرًا. تذكر معجزة إشباع الخمسة آلاف رجل ماعدا النساء والأطفال بخمسة أرغفة وسمكتین، وفضل عنھم ۱۲ قفة مملوءة من الكسر.واعرف أن الله الساكن فیك یقدر أن یعطیك نعمة،فاطلب وربنا یقویك ویسندك. اطلب النعمة وجد في صلواتك وإنجیلك واعترافاتك وممارسة الأسرار والتناول. تذكر عبارة یوسف الصدیق: "كَیْفَ أَصْنَعُ ھذَا الشَّرَّ الْعَظِیمَ وَأُخْطِئُ إِلَى للهِ" (تك ۳۹: 9) التي قالھا في وقت لم توجد فیه وصیة مكتوبة.
۳- من یعیش حیاة فارغة: فالحیاة الفارغة مرتع للنجاسة. والحیاة الفارغة ھي الحیاة التي بلا رسالة، بلا مسئولیات، بلا خدمة. یقول الكتاب "مَحَبَّة الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ﻟﻠﮫِ" (یع ٤:4) لا تدخل أمورالعالم إلى قلبك وإلا یصیر قلبك فارغًا بلا معنى،وتكون إنسانًا بلا منفعة وبلا طائل في حیاتك. لوأردت أن تعیش في الطھارة اھتم واملأ قلبك بالدراسة، بالمھنة، بالھوایة، بالشغل، بالقراءة،بالثقافة، بالخدمة بأي شكل من أشكالھا.
٤- من یندمج في مجتمع معثر: الصدیق الصالح یرفعك أما "الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِیَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَیِّدَةَ" ( ۱كو ۱٥: 33) المناخ العام والمجتمع غیر نقي وفیه أمور كثیرة معثرة تذكر أن جسدك مقدس وله كرامة لأنك رشمت بالمیرون. من فضلك انتبه واحمِ نفسك من عثرات المجتمع الذي حولك ولا تنسى قصة یوسف الصدیق قال القدیس أثناسیوس الرسولي: "قد یقول أحدكم: أین ھو زمان الاضطھاد لكي أصیر شھیدًا؟
الآن یمكنك أن تكون شھیدًا إذا أردت: أمت الخطیة،احفظ نفسك طاھرًا،فتصیر شھیدًا باختیارك".
قال القدیس یوحنا ذھبي الفم: "الوجه الذي تقدس بعلامة الصلیب لا یمكن أن ینحني للشیطان" لأن
أول رشمة بالمیرون كانت بعلامة الصلیب على جبھتك.
الخلاصة :
"طھارة للذین في البتولیة": ھي نداء لكل شاب/شابة لكي یحفظ حیاته طاھرًا، فكرًا وقلبًا،ویحفظ الطھارة لعینیه ویده ولسانه ونفسه وضمیره.إن عاش الإنسان في النقاوة سیصیر شبابه صحیحًا ومستقبله صحیحًا، ولله ینظر إلیه لأنه سمع الوصیة "اذْكُر خَالِقَكَ فِي أَیَّامِ شَبَابِكَ" (جا 12: 1) فمتى أراد أن یكوِّن أسرة، تكون أسرته قویة وصالحة ومباركة ومفرحة. ﻟﻴحفظ الله ﻛﻞ أولادنا وبناتنا وشبابنا وشاباتنا.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
29 مارس 2024
نسكاُ للرهبان والراهبات
قال الله: "قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَیَاةَ وَالمَوْتَ البَرَكَةَ وَاللعْنَةَ فَاخْتَرِ الحَیَاةَ لِتَحْیَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إلِھَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِه وَتَلتَصِقُ بِه لأَنَّهُ ھُوَ حَیَاتُكَ وَالذِي یُطِیلُ أَیَّامَكَ لِتَسْكُنَ عَلى الأَرْضِ التِي حَلفَ الرَّبُّ لآِبَائِكَ إِبْرَاھِیمَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ أَنْ یُعْطِیَھُمْ إِیَّاھَا" (تث ۳۰: 19-20)
" نسكاُ للرهبان والراهبات"
نتابع تأملنا في مجموعة الصلوات القصیرة ونصل الیوم إلى ھذه الطلبة المتخصصة الثانیة.موضوع النسك ینطبق على الرھبان والراھبات وعلى المكرسین والمكرسات أیضًا، وكل من ھو في باب التكریس. والرھبنة غیر مرتبطة بالكھنوت، وھي لأي إنسان یعیش في دیر أو مكرس بأي صورة.كلمة "نسك" ھي كلمة قلیلة الاستخدام في اللغة العربیة، ولكنھا عمیقة المعنى جدًا.
ما الفرق بین الفقیر والناسك؟
ھناك فرق كبیر بین الناسك والفقیر. فالفقیریرغب في الغنى ولكنه لا یستطیع أن یحقق أمنیته،أما الناسك فھو یتعفف ویضبط نفسه في كل شيء بإرادته والنسك المسیحي الأصیل ھو ضبط للجسد بمیزان حساس، لأن النسك بدون إفراز وتمییز وتدبیر حسن ھو سلاح قاتل للنفس. ونحن في أصوامنا نقول: لقد تعلمنا أن نضبط أجسادنا ونفوسنا ورغباتنا لا أن نقتل أجسادنا. والرھبنة القبطیة ھي رھبنة معتدلة.
تأمل في كلمة "نسك"
كلمة "نسك" تشمل الأعمدة الثلاثة للحیاة النسكیة: النقاوة، والسھر، والكتاب المقدس.
ن: نقاوة، نقاوة الإنسان نفسًا، جسدًا، فكرًا،عاطفةً، وشعورًا: "قَلْبًا نَقِیًّا اخْلُقْ فِيَّ یَا اللهُ وَرُوحًا مُسْتَقِیمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مز ٥۱: 10) والنقاوة لابد أن تكون داخلیة وخارجیة.
س: سھر، السھر الروحي بكل أشكاله ھوالعلامة الممیزة لحیاة النساك. والسھر معناه الاستعداد في انتظار ملكوت السموات.
ك: كتاب مقدس، "اَلْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِه ھُوَرُوحٌ وَحَیَاةٌ" (یو ٦: 63) وحیاة النساك ھي قراءة الكتاب وحفظه والتعلم منه والحیاة بالوصیة.
بعض العلامات المھمة للنسك
۱- الشركة: الناسك لا یستطیع أن یسیر في طریقه إلا بمشورة أب روحي، وتنشأ شركة بین الأب وابنه الروحي، ویبدأ الابن یتعلم النسك الخالي من التطرف بالتدریج. أما من یسلك بدون مشورة فیقع.
۲- التوبة: النسك ھو وسیلة تساعد على التوبة وقد بدأ ربنا خدمته بقوله: "تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ" (مت4: 17)
۳- التوازن: النسك ھو وسیلة توازن لأنه یقلل الارتباط بالأرض ویزید الاشتیاق للسماء یقول الشیخ الروحاني "طوبى للنفس التي جمعتْ ذاتھا من شرود الذھن ودخلتْ داخل نفسھا وأغلقتْ أبوابھا علیھا"، وقیل في العظة على الجبل "ادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ" (مت ٦:6).
٤- العلاج: النسك ھو وسیلة علاج من النھم في الطعام، والتواجد وسط الناس، إلخ وھو یحرر الإنسان من الرباطات الأرضیة، ویساعد على السھر على خلاص النفس، ویضع حرّاسًا للفكر والعینین والفم والقلب وكل الحواس أما الذي امتلأت بطنه فلا یقدر أن یفرغ عقله لمتطلبات ملكوت السموات یقول معلمنا بولس الرسول "لَكِنِّي أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي یُحَارِبُ نَامُوسَ ذِھْنِي وَیَسْبِینِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِیَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي وَیْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ یُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ ھَذَا الْمَوْتِ؟" (رو ۷: 22-24)،ویقول أیضًا "وَكُلُّ مَنْ یُجَاھِدُ یَضْبِطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ"(۱كو ۹ :25)
٥- النمو: النسك وسیلة قویة لنمو القامة الروحیة. قال أحد الآباء: "لا ینمو الراھب إلا على الصلیب من یصلب نفسه یضع نفسه ویصنع علامة الحب" فالنسك یجعل الإنسان ینحصر في الصلیب فیعرف العلاقة بین محبة الله ومحبة الإنسان فالإنسان الذي یعیش في النسك ویتخلى عن الخیوط الرفیعة والغلیظة التي تربطه بالأرض، ینفتح على السماء فیكون له نصیب فیھا.
عبارات آبائیة:
"طوبى للراھب الذي یرى بفرح وابتھاج خلاصه وخلاص الآخرین" (إفاجریوس البنطي).
"سأل أخ الأب دروثیئوس: كیف أحفظ قلبي؟ فأجاب: إنك لا یمكنك أن تحفظ قلبك مادام فمك وبطنك مفتوحین".
"نسك النفس ھو بغض التنعم، ونسك الجسد ھوالعوز" (القوي القدیس موسى الأسود).
"السماء بكل نجومھا لیست في جمال بریة مصر بكل نساكھا" (یوحنا ذھبي الفم).
طبیعة النسك أو مجالاته
تُصلى على الراھب صلاة الراقدین باعتباره مات عن العالم، فالراھب لا یملك شیئًا ولا یسعى لشيء ولا یفكر في شيء على الأرض ویعتبركالمیت.
۱- الملبس: ملابس الراھب تتمیز بالبساطة الشدیدة، واللون الأسود رمز للموت عن العالم والجسد والشھوات. والصلیب الذي یلبسه یكون من جلد حیوان میت. ویلبس قلنسوة علیھا صلبان. قیل عن الأنبا أرسانیوس أنه حین كان في العالم كان رداؤه أنعم من أي إنسان آخر، وحین كان في الإسقیط كان رداؤه أحقر من الجمیع.
۲- المسكن: قلایة الراھب یجب أن تكون بسیطة لتجعل الراھب یشعر برھبنته وأنه یقترب إلى السماء.
۳- الأكل والشرب: لو عاش الإنسان في الشره یفقد الراحة ووجود أنواع متعددة ومعینة من الطعام یثیر داخل الإنسان الشھوات لابد أن تظھرعلى الراھب الحیاة الناسكة.
"البطنة" ھي محبة الامتلاء، و"الحنجرة" ھي محبة الأنواع، وكلاھما أعداء للنسك ویقول بولس الرسول "فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ فَلْنَكْتَفِ بِھِمَا"(۱تي ٦: 8 ) قال مار فیلوكسینوس "احذر من امتلاء البطن لأن امتلاء البطن لا یلد عقلاً روحانیًا".
٤- الصمت: عندما سُئِل الأنبا یوسف: أیھما أفضل الصمت أم الكلام؟ قال "إذا كان الكلام من أجل الله فھو جید، وإذا كان الصمت من أجل الله فھو جید" وعندما ذھب للقدیس الأنبا أنطونیوس
مع آخرین كانوا یسألون القدیس ظل ھو صامتًا،وقال: "یكفیني النظر إلى وجھك یا أبي" كان آباء الرھبنة یحرصون على الھدوء فیستخدمون أشیاءً لا تصدر صوتًا حتى لا یزعجوا غیرھم ولا یجرحوا سكون البریة، فعالم البریة ھوعالم الصمت وھناك تدریب رھباني یقول "الخلطة تجیب الغلطة" لابد أن یجِّد الراھب في حیاة النسك طلبًا لملكوت السموات.
أقوال آباء عن الصمت:
"ما الفائدة من النسك الذي أنت عملته بصوم الفم لكنك لم تدرب نفسك على صوم اللسان؟"
"الساكن (الھادئ) مكانه عند الله في زمرة الملائكة" (الأنبا أنطونیوس).
"إن أردت أن تعرف رجل الله فاستدل علیه من دوام سكوته" (مار إسحق).
"الصمت ھو بدایة تطھیر النفس" (القدیس باسیلیوس الكبیر).
مرة زار الأنبا أنطونیوس مجموعة من الأخوة تكلموا كثیرًا، فلما انصرفوا قال: "ھم ممتازون ولكن منزلھم بلا باب".
٥- المال: الرھبنة ھي حیاة فقر اختیاري،فالراھب نذر نفسه للفقر إن دخول الأموال في الحیاة الرھبانیة أمر محفوف بمخاطر شدیدة جدًا.
أقول لكل راھب: احترس من ھذا العدو الراھب الذي یمتلك مالاً یجرح رھبنته وسیرته، والذین سقطوا في محبة المال صنعوا شرورًا أكثر،وضاعت رھبنتھم وفشلوا "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُور" ( ۱تي ٦: 10).
الخلاصة:
النسك (النقاوة والسھر والإنجیل) ھو عمادالحیاة الرھبانیة السلیمة الرھبنة ھي خزانة الحیاة الروحیة فاختبارات الحیاة الروحیة ھي اختبارات آباء البریة صلِ ھذه الطلبة "نسكًا للرھبان والراھبات"،لأنه كلما ازداد الراھب في نسكه كلما ازداد لمعانًا وجمالاً وجاذبیة في حیاته.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
22 مارس 2024
أعطى بهاء للإكليروس
قال السید المسیح لتلامیذه: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهٌ عَلَى الأَرْضِ یَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَه ٌعَلَى الأَرْضِ یَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ"(مت ۱۸:18) المسیح ھنا یسلِّم سر الكھنوت لتلامیذه وھو الذي امتد بعد ذلك عبر الأجیال.
نصل في سلسلة الطلبات التي تبدأ بعبارة "نعم نسألك أیھا المسیح إلھنا ثبت أساس الكنیسة" إلى
بدایة الطلبات المتخصصة،وسنأخذ كل مرة شریحة أو قطاعًا في الكیان الكنسي. نبدأ بالإكلیروس: "أعط بھاءً للإكلیروس".
إﻛﻠﻴﺮوس
كلمة "إكلیروس" من أصل یوناني وتعني: "نصیب الرب"، فھم من اختاروا الله نصیبًا لھم، وخصصوا كل وقتھم لخدمة لله، ولا یعملون عملاً آخر.
كلمة "إكلیروس" تجمع كل من یقوم بعمل الكھنوت وإقامة الأسرار (الكھنة یقومون بإقامة الأسرار ماعدا التدشین والسیامات، لكن الأسقف یقوم بالتدشین وبسیامة الكھنة والشمامسة).
وعنصر الكھنوت مستمد من الكتاب المقدس بتفاصیل كثیرة،وھو للرجال فقط. فقد اختار السید
المسیح كل تلامیذه من الرجال (ال ۱۲ وال ۷۰ ). لكنه كرَّم أمنا العذراء التي تمثِّل كل جنس المرأة،واختارھا كنموذج جمیل لذلك نسمیھا فخر جنسنا،أما الرجال فھم الذین یخدمون الخدمة الشاقة.
الإﻛﻠﻴﺮوس ﻓﻲ كنيستنا ثلاث رتب:
1- رتبة الشماسیة
كلمة "شماس" من كلمة قبطیة قدیمة ھي "شمشي" بمعنى "خادم". ھذه الرتبة مكونة من درجات متدرجة ومرتبة وكل درجة لھا وظیفة. تبدأ من درجة "إبصالتس" وتعني مرتل، ثم "أغنسطس" وتعني قارئ، ثم "إبیدیاكون" أي مساعد شماس،و"دیاكون" أي شماس كامل، و"أرشي دیاكون" أي رئیس شمامسة.درجة الدیاكون والأرشي دیاكون للمتقدمین في العمر وینطبق علیھما قوانین الكھنوت.من ھم في رتبة الشموسیة یكونون إما متزوجین أومتبتلین.
شمامسة ذكروا في الإنجیل:
الشمامسة السبعة الذین اختارھم الآباء الرسل (انظر أع ٦: 1-5)،وكانوا یقومون بالخدمة
ویبشرون ومنھم إستفانوس وفیلبس (انظر أع 6-8)
۲) رتبة القسیسیة
القسیسیة درجتان:
۱- قس (بریسفیتیروس): ومعناھا "مصلي" أو"شفیع"وفي كنیستنا نستخدم له اللقب الجمیل "أبونا". كلمة "القسیسیة" أحیانًا تترجم في الكتاب المقدس بكلمة "شیوخ"، لكن المقصود بھا القسیسیة كرتبة كھنوتیة.
۲- قمص: تعني "المدبر"، وھي درجة أعلى،ویقام للتدبیر أي الإدارة Administration من مر علیه سنوات في خدمة القسیسیة یترقى للقمصیة بصلوات كثیرة. والترقیة في مفھوم الكنیسة
تختلف عن مفھوم العالم، فمن یترقى في الكنیسة ینزل أي یتضع أكثر، وأكبر ترقیة ھي رتبة غسل الأرجل التي عملھا المسیح مع تلامیذه قبل الصلب وفي عرف الكنیسة من ھم في رتبة القسیسیة والقمصیة یكونون كلھم متزوجین ما عدا الرھبان منھم.
۳- رتبة الأسقفیة (الأسقف، المطران، البطریرك) أي رئاسة الكھنوت في الكنیسة ھم غیر متزوجین لكي یكونوا متفرغین، ویكون كل وقتھم مخصصًا للرعیة.
درجة الأسقف: كلمة "أسقف" تعني "الناظر من فوق"، فھو مثل المایسترو الذي یقف على قاعدة
مرتفعة لكي یرى كل العازفین في فریق موسیقي كبیر.
درجة المطران: الأسقف بعد سنوات طویلة(30/40 سنة) یترقى لدرجة مطران والمطران ھو من یكون مسئولاً عن المدینة الكبیرة، ویمكن أن یكون معه بعض الأساقفة المساعدین.
درجة البطریرك: كلمة "بطریرك" تعني "أب الآباء". وفي كنیستنا القبطیة بدأ لفظ "بابا" أي "الأب الكبیر" منذ زمن مبكر، ثم أخذت روما اللقب بعد ذلك.
ما الفرق بين اﻟﺒابا واﻟﺒطريرك؟
البابا شخص عنده إمكانیة رسامة بطاركة، أما البطریرك فیرسم أساقفة. وبابا الإسكندریة لقبه
"صاحب القداسة (لأنه بابا الإسكندریة) والغبطة (لأنه بطریرك الكرازة المرقسیة)".
ما ﻫﻲ وظيفة الإﻛﻠﻴﺮوس؟
۱- الأبوة: وھي عنصر رئیسي. وكلمة "أبونا" (للكاھن أو الأسقف) ھي سبب بقاء المسیحیة في
مصرنا وامتدادھا للخارج. الأب ھو الذي یبدأ تكوین الأسرة، وأبونا الذي سیقوم بالخدمة ھو بدایة تكوین كنیسة إن وظیفة الإكلیروس (الكاھن، الأسقف،الشماس) ھي الأبوة والرعایة بالحب.
۲- الأمانة المطلقة: وشعارھم "كُن أَمِینًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِیكَ إِكْلِیلَ الْحَیَاةِ" (رؤ۲: 10) الإكلیروس یكونون أمناء على النفوس، والتعلیم،والإیمان، وحتى على تدبیر مال الكنیسة، وإن بَعُدَأحدھم یومًا عن الأمانة تصبح خدمته غیر سلیمةوغیر صحیحة.
۳- الشفاعة: فھو مصلي وشفیع. لا تستھینوابالأوراق التي یقدمھا لكم الشعب للصلاة من أجلھم،
لا تستھینوا بكلمة "ربنا معك".
٤- المعرفة: لا بد أن یكون على قدر من المعرفة،وتكون له قراءات، ویؤھل نفسه، فرجل الإكلیروس ھو مُعلِّم.
٥- الإدارة بالحب: یجب أن تكون إدارة الكنیسة صحیحة، والكل یعرف دوره بالتحدید. وھناك علوم إدارة تساعد في ذلك.
بهاء
كلمة "بھاء" ھي إحدى كلمات اللغة العربیة القویة،والكلمة تضم معنیین: ۱- النقاوة الداخلیة، ۲- اللمعان الخارجي وھي تقال في أدبیات اللغة العربیة على الماس.
صفات الماس التى تنطبق ﻋﻠﻰ الإﻛﻠﻴﺮوس
۱- نادر: "الْحَصَاد كَثِیرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِیلُونَ"(مت۹: 37) "فَمَن ھُوَ الْوَكِیلُ الأَمِینُ الْحَكِیمُ الَّذِي یُقِیمُهٌ سَیِّدُهُ عَلَى خَدَمِه لِیُعْطِیَھُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِینِھَا" (لو12: 42) كلمة "بھاء" تعني الندرة وھذا
ھو سبب ارتباطنا كشعب بمن یقوم بخدمتنا.
۲- لامع: في صلوات سیامة الكاھن نقول: "أرسل من السماء نعمتك على عبدك ھذا لكي یستحق من قبلك أن یكمل كھنوتك بغیر اعوجاج لیفوز بمراحمك مع الذین أرضوك منذ البدء". یكون له ھذا اللمعان لأنه یأخذ من المسیح.
۳- بسیط: البساطة ھي من تعابیر الكتاب عن النقاوة. والماس ھو كربون یتجمع بروابط كیمیائیة
معینة مع ضغط عالٍ لزمن طویل "الرب الإله رأس الرئاسات، وأساس السیادات، واھب الكرامات،
مرتب درجات الكھنوت على الأرض كما ھي في السماوات، یعینك ویعضدك ویساعدك ویؤیدك بقوته على القیام بفرائض خدمتك".
٤- یعكس النور: الإكلیروس أشخاص یعكسون نور المسیح، یأخذونه عن طریق الصلوات (بكل
أشكالھا) والقراءات (وفي قمتھا الكتاب المقدس) ثم یقدمونه للآخرین.
٥- من الأرض: الأرض ھي تعبیر رمزي عن السجود والمیطانیات، والكاھن مرتبط بالسجود. لذلك فإن الكاھن في بدایة القداس یقول سرًا: "أنت یا سید تعلم إني غیر مستحق ولا مستعد ولا مستوجب لھذه الخدمة لیس لي وجه أن أقترب وأفتح فمي أمام مجدك المقدس، بل ككثرة رأفاتك لي أنا الخاطئ امنحني أن أجد نعمة ورحمة في ھذه الساعة لكي أبدأ وأھیئ وأكمل كما یرضیك" ویقول أیضًا: "اذكر ضعفي أنا الخاطئ واغفر لي خطایاي الكثیرة، وحیث كثر الإثم فلتكثر ھناك نعمتك، من أجل خطایاي خاصة ونجاسات قلبي لا تمنع شعبك من نعمة روحك القدوس."
الخلاصة
الإكلیروس ھو نصیب لله والبھاء ھو:
۱-النقاء الداخلي (الأفكار الصالحة والمشاعرالحیة الروحیة من الداخل مع كل خدمة یقوم بھا).
۲-اللمعان الخارجي (السیرة العطرة، وملاحظة الحیاة، وأن یعیش في مخافة لله على الدوام).فھو یخدم ویحمل مسئولیة شدیدة وخطیرة أمام الله على الأرض وفي السماء، وعلیه دائمًا أن یحافظ
علیھا.في صلاتك الخاصة قل "أعط بھاءً للإكلیروس"،أعطھم نعمة یقدرون بھا أن یكملوا خدماتھم.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد