المقالات

17 أبريل 2023

تثير التشكيك في قصة القيامة

سؤال: كيف يثبت القبر الفارغ بأن يسوع قد صلب؟ أليس الله بقادر على رفع رجل آخر من القبر وبعثه أيضاً؟ الإجابة: هذا السؤال لا يقدم تشكيكاً لكنه يرد على إثبات. فمن ضمن الدفاعات التي تثبت قيامة السيد المسيح أنه لو لم يكن المسيح قد قام لما وجد القبر فارغاً. إن قضية القبر الفارغ لا ينكرها أحد كدليل على قيامة السيد المسيح. إن القصة التي طلب من الحراس أن يقولوها يوم الأحد صباحاً وهي أن التلاميذ أتوا ليلاً وسرقوا جسد الرب بعدما دحرج الحجر من على فم القبر، تجعلنا نطرح السؤال التالي: هل لم يكن لليهود القدرة في ذلك الحين على ملاحقة سارقو الجسد؟ لقد قام السيد المسيح في فجر الأحد بدليل أن الحراس لم يدخلوا المدينة سوى يوم الأحد صباحاً، ولم يدحرج الحجر من على فم القبر سوى يوم الأحد صباحاً، فهل لم يكن لليهود القدرة على ملاحقة الجسد بتمشيط المنطقة كلها بحثاً عن جسد يسوع في ذلك الوقت. إن عملية إخفاء جسد -إذا افترضنا جدلاً أن هذا الجسد لم يقم من الأموات أو لم يفسد- هي عملية صعبة جداً وتحتاج إلى مجهود كبير. كان من الممكن أن يطلب اليهود من الحاكم الروماني أن يخصص لهم فرقاً من فرسان الجيش الروماني لملاحقة من أخذ تلك الغنيمة. لكن سكوت اليهود عن ملاحقة الجثمان هو دليل على معرفتهم بقيامة السيد المسيح.لم يحدث إطلاقاً أن طلب شخص من الوالي الروماني أن يأمر بخروج قوة من الجيش لملاحقة هذه السرقة التي يدعونها. مع العلم بأن القانون الروماني يحكم بإعدام الجندي الذي يسرق شئ موضوع تحت حراسته. وقد ذكر هذا الأمر في قصة بطرس الرسول عندما أخرجه الملاك من السجن فأمر هيرودس الملك بإعدام جميع الحراس وعددهم ستة عشر (أربعة أرابع يتناوبون أربع ورديات الليل لكل نوبة أربعة حراس). "وأما هيرودس فلما طلبه ولم يجده فحص الحراس وأمر أن ينقادوا إلى القتل" (أع١٢ : ١٩). وأيضاً في سجن فيلبي عندما فتح الملاك باب السجن فأضاء السجن وسقطت السلاسل، هم مأمور السجن بقتل نفسه، لأنه يعلم أن القانون الروماني يحكم بإعدام الحارس الذي يفقد حراسته "ولما استيقظ حافظ السجن ورأى أبواب السجن مفتوحة استل سيفه وكان مزمعاً أن يقتل نفسه ظاناً أن المسجونين قد هربوا" (أع١٦: ٢٧).عند قيامة السيد المسيح واكتشاف القبر الفارغ قال رؤساء الكهنة للجنود "إذا سمع ذلك عند الوالي فنحنُ نستعطفه ونجعلكم مطمئنين" (مت ٢٨: ١٤) وهذا يعنى أنهم تنازلوا عن قضية الحراسة. ولأنهم أصحاب الحق في حراسة القبر، كان يحق لهم استبدال الحراسة بملاحقة السارقين. لكن هذا لم يحدث.. كما أن القانون الروماني يحتم أن عملية ختم القبر بأختام الدولة الرومانية لابد أن يعمل بها محضر ختم يسجل في سجلات الدولة الرومانية. عندما كتب القديس متى إنجيله في الفترة ما بين عام ٦٠-٧٠ ميلادية، كان من الممكن جداً أن يعترض عليه اليهود ويقولوا كل الأمور التي لا تتفق مع الرواية التي أوردها في إنجيله بما في ذلك ختم القبر، وكان من الممكن أن يعترض على روايته المعترضون من المعاصرين للأحداث. لكن كل هذا لم يحدث.. فالسجلات موجودة ولا يوجد بها إصدار أمر بخروج جماعة من الحراس لتعقب السارقين والبحث عنهم.القبر الفارغ هو، في حقيقة الأمر، دليل قوى.. ولذلك يحاول المشككون طمس هذا الدليل بقولهم إن القبر الفارغ ليس دليلاً على القيامة.. إن صلب السيد المسيح وقبره هو حقيقة مؤكدة. فقد صلب اليهود السيد المسيح لكي تثبت عليه عبارة أن "المعلق ملعون من الله" كما ورد في سفر التثنية (تث ٢١: ٢٣) وفي رسائل بولس الرسول (انظر غل٣: ١٣). لكن حيث إنه قام من الأموات، فاللعنة الخاصة بالصليب قد محيت لأنه حمل لعنة خطيتنا. وبموته تصور اليهود أنهم قد تخلصوا من حياته لكنه قام حياً من بين الأموات.. وقد أصر اليهود على صلب السيد المسيح، وليس قتله بأية وسيلة أخرى، لأنهم وجدوا أن له شعبية كبيرة جداً فأرادوا أن يثبتوا من التوراة أنه ملعون من الله. لأن سفر التثنية يقول: "فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً" (تث٢١: ٢٣). هذه هي الأوامر التي وردت في التوراة. لذلك قال اليهود لبيلاطس "اصلبه اصلبه!" (لو٢٣: ٢٢) لأنهم غير متنازلين عن أن يموت مصلوباً. "قال لهم بيلاطس خذوه أنتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علة" (يو ١٩: ٦). "خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم. فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً" (يو٣١:١٨) لقد رفض اليهود أن يحكموا عليه حسب الشريعة لأن حكم الشريعة اليهودية على المجدف -وهي التهمة التي اتهموا بها السيد المسيح- هي الرجم، وهم لا يريدون أن يرجموه لأنهم أرادوا أن تلحق به اللعنة بالصلب. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب القيامة والرد علي الشكوك
المزيد
03 أبريل 2023

أضواء من الإنجيل : ۱۰ ـ كيف نحب الآخرين ؟

على قياس الصورة التي رأيناها في حديثنا عن محبتنا الله وكيف تعمل من أجل إزديادها ، يلزمنا أن نبحث في إخوتنا عن صفات جميلة نراها ونعجب بها ، فتزداد محبتنا لهم . ونضيف إلى جوار ذلك ، من جانب آخر، أنه يلزمنا أن نتغاضى عما يمكن أن نراه في إخوتنا من نقائص وضعفات . لهذا قال الآباء أن «الحكيم ينظر إلى فضائل غيره ليقتنصها ، أما الجاهل فينظر إلى نقائص غيره ليدينه عليها » . مثل النحلة في حكمتها الطبيعية نجدها تطوف بين الأزهار تجمع الرحيق المملوء نفعاً وغذاءاً وحلاوة ، متفادية أي مصدر ضار أو غير نافع بين النباتات ... وبهذا فهي دائماً سبب خير لنفسها ولغيرها أيضاً . فليتنا نتشبه بها في تأملنا نحو الآخرين .ما الذي ينتفع به الإنسان من تأمله في نقائص غيره أو في تذكره لها ؟! ... هل هذا سيقوده إلى حياة الفضيلة ؟ ... أم أن تأمله في فضائل الآخرين هو الذي يملأ قلبه حماساً ليتعب مجاهداً من أجل إقتناء الفضائل ... لهذا فالإنسان الحكيم ينظر إلى سير الشهداء والقديسين والأبرار لكي يمتلىء قلبه بالغيرة الروحية ، ولا ينظر إلى ضعفات أو نقائص الغير لئلا تفتر همته إذ يشعر أنه أفضل من غيره ، وأنه ـ والحال هكذا. لا داعي للجهاد والتعب من أجل الفضيلة .من الأمور التي تتعارض مع مشاعر الحب نحو الآخرين إدانتنا لهم بطريقة غير بناءة. لهذا قال الكتاب «لا يئن بعضكم على بعض أيها الإخوة لئلا تدانوا » (يع ٥ : ٩ ) .ومن الأمور الجميلة أن نلتمس للآخرين أعذاراً فيما يرتكبون من سهوات وضعفات ، بنفس الصورة التي نريد بها نحن أيضاً أن يعثرنا غيرنا فيما يصدر عنا من ضعفات أو تقصيرات . فالمحبة تدعونا دائماً أن نعامل إخوتنا بما نحب نحن أن يعاملونا به . أي أن كأنفسنا . « إن كنتم تكملون الناموس الملوكي حسب الكتاب .. تحب قريبك كنفسك . فحسناً تفعلون » (يع ٢ : ۸). وفي كل ذلك نتذكر قول معلمنا بولس الرسول أن « المحبة تتأنى وترفق ... ولا تقبح ... ولا تحتد ... وتحتمل كل شيء... وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء» (١کو١٣ : ٤ ، ٥ ، ٧ ) . إن تحررنا من الأنانية هو الذي يجعلنا نضع أنفسنا فى موضع الآخرين ولا نتحيز لأنفسنا حينما نحكم على أي موقف تعاملنا فيه معهم ... بل أجمل من ذلك أن يحاول الإنسان أن يلقى بالملامة على نفسه ،لكي لا يتحرك فيه الغضب من نحو غيره إذا أخطأ ... وبهذا ترى أن المحبة تدعونا إلى الاتضاع ... والإتضاع يصون المحبة ويحميها . تذكرنا لأفضال الغير : كما يلزمنا أن نتأمل صفات إخوتنا الجميلة ، هكذا أيضاً يلزمنا أن نتذكر أفضال غيرنا .إنه نوع من الوفاء والعرفان بالجميل أن لا ننسى إحسانات الآخرين إلينا . والإنسان الذي يتحلى بالوفاء في علاقته مع الله لا يمكنه أن ينسى محبة الآخرين وأفضالهم عليه . الوفاء صفة جميلة يحبها الله جداً، ولا يمكن أن نحيا مع الله بدونها ... بل إن الحياة تفقد معناها بدون الوفاء . أليست الخيانة نوعاً من عدم الوفاء. وبسبب هذه الخيانة قيل عن يهوذا الاسخريوطي « كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد » . إخلاصنا لله يجب أن يتقدم كل إخلاص آخر ثم يأتي بعد ذلك إخلاصنا للآخرين ، وأول وصية بوعد هي وصية إكرام الوالدين (أف ٦: ۲، ۳). لأن في إكرامهم نوعاً من الوفاء والإعتراف بالفضل وبكل ما تعبوا به من أجل أبنائهم . إن سعادة الآباء لا تقدر حينما يشعرون بعرفان أبنائهم بالجميل وبتقديرهم لما قدموه من تعب .كذلك الآباء الروحيون لهم مكانتهم الكبيرة وعلينا أن نحتفظ لهم بفضلهم علينا » ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم و يديرونكم في الرب و ينذرونكم، أن تعتبروهم كثيراً جداً في المحبة من أجل عملهم » ( اتس ٥ : ۱۲ ، ۱۳ ) . لنفس هذه الأسباب نحن نكرم أيضاً القديسين الذين انتقلوا من هذا العالم خاصة الذين شملتنا بركتهم ، أو إقتطفنا من ثمار تعبهم وجهادهم ... نكرم الآباء الرسل الذين كرزوا بالإيمان ... نكرم كاروزنا القديس مارمرقس الإنجيل ... نكرم الشهداء الأبرار الذين دافعوا عن الإيمان وشهدوا للمسيح ... نكرم الرهبان الأبرار الذين سكنوا في القفار والمغاير وشقوق الأرض من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح ... نكرم الآباء البطاركة والأساقفة الذين حملوا الأمانة الرسولية ودافعوا عن الإيمان والعقيدة الأرثوذكسية ، وعلموا المسكونة بتعاليمهم اللاهوتية الثمينة حتى حسب البعض منهم كرسل المسيح الأوائل ( مثل القديس أثناسيوس الرسول بابا الأسكندرية ) ... نكرم كل الكهنة والشمامسة الأبرار الذين حفظوا درجتهم وأكملوا خدمتهم بطهر ونقاوة ... نكرم كل الأبرار الذين كانوا نوراً في هذا العالم ، ومنهم من لم يحملوا درجة كهنوتية . ولكن الله زينهم بالفضائل الروحية وبثمار الروح القدس ، وربما بمواهبه أيضاً لبنيان الكنيسة . وفي عرفاننا بأفضال الآخرين، نحاول ألا ننسى كل ما يصادف حياتنا من إحسانات قدمها لنا الغير، لأننا كثيراً ما ننسى الإحسان ونتذكر الإساءة . ولو لزم الأمر فيمكننا أن نسجل أفضال غيرنا في مذكراتنا الخاصة، ونطالعها من حين لآخر لكي لا ننسى.كان الملوك يفعلون ذلك : يقرأون أخبار ممالكهم في سفر أخبار الأيام. وفى إحدى اليالى استمع احشويرش الملك، إلى فصل من سفر تذكار أخبار الأيام ، وتذكر مردخاى وفضله في إنقاذ حياته ، وأراد أن يكافئه فأنقذ الرب مردخاي وكل شعبه بهذه الوسيلة( أنظر سفر أستير٦ : ١-٣). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الخامس عام ١٩٨٩
المزيد
27 مارس 2023

أضواء من الإنجيل : 9 ـ كيف نحب الله ؟ وكيف نحب الآخرين ؟

تحدثنا عن بعض وسائل تعميق محبتنا لله ، مثل تأملنا في صفات الله الجميلة ، وتذكرنا لإحساناته إلينا . وحينما تنمو محبة الله في قلوبنا ، تظهر ثمار هذه المحبة في حياتنا ... نتائج محبتنا لله :- 1 ـ حينما نحب الله ، فإننا نحب مجده وملكوته وملائكته وقديسيه . كما أننا نحب بيته (كنيسته ) وخدامه ومحبيه « فرحت بالقائلين لى إلى بيت الرب نذهب » (مز ۲۲ : ۱). ۲ - نحب كلمته المدونة في الكتب المقدسة، ونتعلم منها الكثير عن الله ، ومعاملاته مع البشر ومع الملائكة ومع الخليقة كلها ، وتلهج في كلمته نهاراً وليلاً ، ونحب وصاياه ونجد فيها كمالاً يملأنا بالرضى ، وحلاوة وشبعاً لأنفسنا ... ونفرح بتنفيذها . وكل ذلك نتغنى به مع المرنم الذي يقول « لهجت بوصاياك التي أحببتها جداً، ورفعت يدى إلى وصاياك التي وددتها جداً ، وتأملت فرائضك » (مز۱۱۸ (۱۱۹): ٤٧، ٤٨ ). « أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة ... حفظت نفسى شهاداتك وأحببتها جداً» (مز۱۱۸ (۱۱۹): ١٦٢، ١٦٩). «بشفتی اظهرت كل أحكام فمك ، وفرحت بطريق شهادتك » ( مز۱۱۸ (۱۱۹) : ١٣، ١٤). لهذا قال السيد المسيح «الذي عنده وصایای ويحفظها فهو الذي يحبني . والذي يحبني يحبه أبي وأنا. أحبه وأظهر له ذاتي » (يو١٤ : ٢١). وقال أيضاً « إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه تأتى وعنده نصنع منزلاً » (يو١٤ : ٢٣).ما أسعد الإنسان الذي يجد مسرته في حفظ وصايا السيد المسيح لأنه يلتقى بالله من خلال حفظه للوصية . فلنسرع يا أحبائي إلى حفظ وصايا الرب حتى نتغنى مع عروس النشيد قائلين «تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل ، ولنبت في القرى . لنبكرن إلى الكروم، لننظر هل أزهر الكرم، هل تفتح الفعال، هل نور الرمان ، هنالك أعطيك حبى . اللفاح يفوح رائحته . وعند أبوابنا كل النفائس من جديدة وقديمة، ذخرتها لك يا حبيبي » (نش ۷ : ۱۱- ۱۳ ) . ففي حقل تنفيذ الوصية تجد النفس فرصتها للتعبير عن محبتها ، لأن المحبة ليست بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق. في الحقل هناك العمل وهناك الفرس والسهر وهناك الثمار الحلوة وهناك الخبرة الروحية مع الله في تنفيذ الوصية . . وهذه نفائس جديدة وقديمة، تذخرها النفس و يفرح بها قلب الله المحب ، «كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يشبه رجلاً رب بيت يخرج من كنزه جدداً وعتقاء » (مت ١٣ : ٥٢ ) . ٣- تحب تسبيح الله وتمجيده ، والحديث معه ، والوجود في حضرته ، والتأمل في صفاته الجميلة . 4 - نحب أن نتشبه به ونكون مثله في كل شيء «نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة »(١بط١٥:١) . ٥ ـ نتحرر من الأنانية والانحصار حول الذات ، فتكون لذلك محفوظين في محبتنا له من الضياع لأنه هو « الذي به نحيا ونتحرك ونوجد » ( أع ١٧ : ٢٨). وفى اتحادنا معه نجد أنفسنا فيه . أما في ابتعادنا عنه ـ منحصرين حول ذواتنا . فإننا نضيع أنفسنا ، لأنها بدونه تؤول إلى ضياع وهلاك ، وما هو أسوأ من العدم « كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد » (مت ٢٦ : ٢٤ ) . ٦ـ في محبتنا لله نحب الآخرين ، لأننا نتعلم منه المحبة ، كما أننا نكون قد تحررنا من محبة الذات التي تعطل محبتنا للغير « ننتقل من الأنانية إلى الغيرية ) ... لهذا يوصينا الكتاب «طهروا نفوسكم في طاعة الحق، بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرياء . فأحبوابعضكم بعضاً من قلب طاهر بشدة » (١بط ۱: ۲۲). وحينما نتعلم من الله أن نحب غيرنا ، فإننا نحبهم بنفس أسلوب المحبة الإلهية : المحبة الغافرة التي لا حدود لمغفرتها (بشرط التوبة ) المحبة المترفقة الممثلثة من طول الأناة المحبة التي تحتمل كل شيء وتصبر على كل شيء وترجو كل شيء المحبة التي لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق المحبة التي تبذل بلا حدود من أجل خير الآخرين . وهكذا .والعجيب أن محبتنا لإخوتنا قد صارت دليلاً ومقياساً عملياً لمحبتنا لله. « نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا تحب الإخوة » ( ١يو٣: ١٤). « إن قال أحد إنى أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب . لأن من لايحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الذي لم يبصره ؟!! » ( ١يو٤ : ٢٠). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الرابع عام ١٩٨٩
المزيد
20 مارس 2023

أضـواء من الإنجيل ٨ـ كيف نحب الله ؟

بتأملنا في صفات الله الجميلة وفى إحساناته إلينا تزداد محبته في قلوبنا باستمرار . والآن نأتي إلى ختام حديثنا عن إحسانات الله المذكورة في المزمور ( ۱۰۳ ) « بارکی یا نفسی الرب ولا تنسى كل إحساناته » . ٥ ـ الذي يشبع بالخبر عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك ( تكملة ) : تكلمنا عن الشبع الروحي الذي نناله في سر الإفخارستيا بالتناول من جسد الرب ودمه في ذبيحة القداس الإلهي ، والذي نناله أيضاً بعمل الروح القدس فينا الذي مسحنا به في الميرون . وكل هذا الخير والشبع الروحي يأتينا لسبب عضويتنا في الكنيسة ، باعتبارها جسد السيد المسيح . وبهذه العضوية يمنحنا الرب كل خيرات بيته في أسرار الكنيسة وكل ما يحيط بها من ممارسات روحية حسبما يناسب احتياجنا . ولعل المرنم قد رأى ما يمنحه لنا الرب من خيرات ، فتغنى قائلاً : « يروون من دسم بيتك ، ومن نهر نعمتك ، تسقيهم لأن عندك ينبوع الحياة » ( مز ٣٦: ۸ ، ۹ ) . في سر التوبة والإعتراف تنحل عنا رباطات الخطية بصلاة الأب الكاهن ، ونؤهل للتناول من جسد الرب ودمه فترى فينا الحياة من جديد . وفى سر مسحة المرضى ننال مغفرة لخطايانا وشفاء لأمراضنا ، وتتجدد قوانا الروحية والجسدية . وفى بيت الرب نستمع إلى كلمته المحيية ونصير أنقياء ، وتتجدد قوانا الروحية كما ننال معونة من ملائكته وقديسيه ... نحن لا ننسى أن الرب قد أشبعنا من خيرات بيته ، ومن حلاوة العشرة معه ، ومن فيض نعمته التي يسكنها فينا بروحه القدوس ... لهذا نتغنى مع المرنم معترفين للرب بفضله « تعهدت الأرض وجعلتها تفيض . تغنيها جدا . سواقي الله ملانة ماء » ( مز٩:٦٥) والجميل في عمل الرب معنا أنه لا يشبعنا ويروينا فقط ، بل يجدد مثل النسر شبابنا . وقد استخدم المزمور تشبيه الشر لأنه يشتهر بالقوة بين الطيور ، وبأنه أكثرها قدرة على التحليق في السماء . فهو يرمز إلى القوة الروحية « وأما منتظرو الرب فيجددون قوة . يرفعون أجنحة كالنسور ، يركضون ولا يتعبون ، يمشون ولا يعيون » ( اش ٤٠ : ٣١ ) . وقد استخدم النسر في الكتاب المقدس للإشارة إلى انجيل يوحنا اللاهوتى الذي تكلم كثيراً عن ألوهية السيد المسيح ، كما أنه يرمز إلى صعود السيد المسيح إلى السماء . لهذا رأى حزقيال النبي في رؤياه للمركبة الشاروبيمية وجهاً رابعاً مثل النسر ، رأى القديس يوحنا الإنجيل في رؤياء الحيوان الرابع من الأربعة حيوانات غير المتجسدين المحيطين بعرش الله ـ له وجه شبه النسر . والقوة الروحية نوعان : 1 - قوة في محاربة الشياطين : « فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم ، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم ، على ظلمة هذا الدهر ، مع أجناد الشر الروحية في السماويات » ( أف ٦ : ۱۲ ) . وهذه القوة هي مثل قوة النسر في معاركه الطيور الكاسرة . ۲ - قوة في التحليق نحو السماويات : أي قوة التطلع نحو الأمور السمائية ... قوة الإرتفاع عن الأرضيات ... قوة حياة الشركة مع الله . كل هذه القوة هي منحة وعطية من الله ، للذين يترجون معونته ورضاء « بإسمك يبتهجون اليوم كله ، وبعدلك يرتفعون . لأنك أنت فخر قوتهم ، و برضاك ينتصب قرننا » ( مز ۸۹ : ١٦ ، ۱۷ ) . تجديد الشباب مثل النسر ، يعني أن النفس لا تشيخ أبدأ في حياتها مع الله . تتجدد قواها بإستمرار ، وتكون مثمرة على الدوام « مغروسين في بيت الرب في ديار إلهنا يزهرون . أيضاً « يثمرون في الشيبة » . يكونون دساماً وخضراً » ( مز ۹۲ : ١٣ ، ١٤ ) ۔ الذين يحيون في شركة روحية مع الله ، يخشون من الشيبة ، لأن نفوسهم تكون في شباب دائم ، وفى قوة روحية متجددة . والحياة الروحية بمعونة الروح القدس تتخطى كل اعتبارات القدرة الذهنية والجسدية . تلك التي إذا فنيت بالشيخوخة أو الموت ، فإنها لا تسلب الروح قوتها وشبابها ... كل هذا الذي ذكرناه من إحسانات الله وكثير غيره قد أحاط بنا وسوف يغمر حياتنا ... إنه ذلك الإله المحب الذي في خيريته وصلاحه ، أعطانا نعمة الوجود ، ودعانا لمشاركة مجده . لهذا فسوف نظل نتغنى بمحبته ذاکرین : كم من مواقف أنقذنا فيها الله وأنقذ حياتنا ... وكم من مواقف أرشدنا فيها الله وأنار طريقنا . وكم من مواقف عزانا فيها الله وطيب قلوبنا ... وكم من مواقف اعتنى بنا فيها الله ودبر احتياجنا وكم من عواقف خلصنا فيها الله وغفر ذنوبنا .. وكم من مواقف دفعنا فيها الله وكرم إتضاعنا . فلنثق في محبته على الدوام نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثالث عام ١٩٨٩
المزيد
13 مارس 2023

أضواء من الإنجيل : ٧- كيف نحب الله ؟

تكلمنا عن أهمية احسانات الله لكى تنمو محبتنا له ... ونتابع كلمات المزمور « بارکی یا نفسي الرب ولا تنسى كل حديثنا حسناته » ( مز ۱۰۳ ) . 4 ـ الذي يكللك بالرحمة والرأفة : الإكليل هو ما يحيط بالرأس ومعنى أن الرب يكللنا بالرحمة أى أنه يضع حول رؤوسنا إكليلا من رحمته ... وكل من يرانا يبصر عمل رحمة إلهنا واضحاً في حياتنا ... لهذا قال القديس زكريا الكاهن حينما ولد يوحنا المعمدان « ليصنع رحمة مع آبائنا و يذكر عهده المقدس ... أن يعطينا أننا بلا خوف و منقذين من أيدى أعدائنا ، نعبده بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا ... باحشاء رحمة إلهنا التي بها أفتقدنا المشرق من العلاء » ( لوا : ۷۲ ، ٧٤، ٧٥ ، ۷۸ ) . نطق زكريا الكاهن بالروح القدس بهذه الكلمات ، معبراً عن الرحمة الإلهية التي بسببها سوف يمكن للبشر الذين يقبلون خلاص الله أن يتخلصوا من سلطان الشيطان ، وأن يعبدوا الرب بقداسة وبر كل أيام حياتهم ... إنه يعبر عن إكليل الرحمة الذي وضع على رأس البشرية بأحشاء رحمة إلهنا التي بها أفتقدنا المشرق من العلاء » ( لوا : ۷۸ ) . الإنسان الذي يتكلل برحمة إلهنا يذكر دائماً أن كل ما في حياته من أمور مقدسة ، إنما هو ثمرة الرحمة الغنية التي أحاطته و يبقى مديوناً لها إلى الأبد . إن قيام حياتنا وإكليلها هو الرب يسوع المسيح ، لهذا قال الكتاب « البسوا الرب يسوع » وحينما نتكلل بالرب يسوع ، فإننا نتكلل بعنوان الرحمة . لأننا في المسيح قد نلنا الرحمة الموعود بها « ليصنع رحمة مع آبائنا و يذكر عهده المقدس » ( لوا : ۷۲ ) . إن أفضال الرب تطوق أعناقنا ، وتحيط برؤوسنا وتغطيها ، حتى أننا نليس إكليلا من رحمة . لهذا يقول المزمور « مثل إرتفاع السموات فوق الأرض ، قويت رحمته على خالقیه » ( مز ١٠٣ : ۱۲ ) أما عن الرأفة فإن الرب كثيراً ما يتراءف علينا ، ويعاملنا برفق ، و يرثى لضعفنا . لأن « الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة ، لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر . لم يصنع معنا حسب خطايانا ، ولم يجازنا حسب آثامنا » ( مز ۱۰۳ : ۸ . ۱۰).وأجمل لقب يحب الرب أن ندعوه به هو لقب الأبوة كما يحلو له أن يشبه نفسه في علاقته معنا ، بعلاقة الأب بابنائه مثلما يقول : « كما يتراءف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه . لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن » ( مز ١٠٣ : ١٣، ١٤ ) . وما أروع هذا الإحساس في داخلنا ، حينما نشعر بترفق الرب بنا ، وبأنه يعاملنا برأفة كثيرة . فتتهلل أنفسنا وتقول « الذي يكللك بالرحمة والرأفة » ( مز ١٠٣ : ٥ ) . لقد اقتبس القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات هذه الآية في قداسه الغريغوري فقال « مكللنا بالمراحم والرأفات » . وفي ختام صلوات الكنيسة تردد قول المزمور « ليتراف الله علينا ويباركنا ، ويظهر وجهه علينا ويرحمنا » ( مز ٦٧ ( 66 ) .ه ـ الذي يشبع بالخير فيتجدد مثل النسر شبابك : الجميل في ذلك أن الله لا يكتفي بكل ما سبق من إحسانات ، بل إنه يشبعنا من خيراته ونعمه ... « يفتح يديه و يشبع كل حى غنى من رضاه » ... يملأ حياتنا فرحاً ونعيماً وشبعاً وحلاوة ... بل يدعونا أن نفتح أفواهنا لكي تمتلىء من حلاوة محبته . أولاً : في سر الإفخارستيا : أعطانا الرب خبز الحياة الأبدية ، ودعانا إلى الثبات فيه بالتناول من جسده ودمها « أنا الخبر الحي الذي نزل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد . والخبر الذي أنا أعطى هو جسدي الذي أبذله من أجل حيوة العالم » ( يو ٦ : ٥١) « من يأكل جسدى و يشرب دمى قله حيوه أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير . لأن جسدى ودمى مشرب حق . من يأكل جسدى و يشرب دمى يثبت في وأنا فيه » ( يو ٦: ٥٤ - ٥٦ ) . لا توجد كلمات بشرية تستطيع أن تعبر عن عظمة هذا السر ، ومقدار فاعليته في حياتنا ، وتأثيره في تجديد شبابنا الروحي .... إنه يعطى لمغفرة الخطايا ، وحياة أبدية لمن يتناول منه بإيمان . ثانياً : فعل الروح القدس الذي نلناه في سر المسحة المقدسة الروح القدس يشبع بالخير عمرنا ... يعلن أسرار الله لنا ... يدخلنا إلى شركة الحياة الروحية مع الله ... يرفع عقولنا نحو السماء ... يضرم محبة الله في داخلنا ... يشفع فينا في الصلاة بآنات لا ينطق بها ، و يشبعنا من الخيرات الروحية « بإسمك أرفع يدى ، فتشبع نفسى كأنها من شحم ودسم » ( مز ٦٣ : ٤ ، ٥ ) ... يرافق كلمات الكتاب المقدس حتى يستعلن المسيح لنا ، ويحول الكلام إلى حياة في داخلنا ... يمنحنا ثماراً روحية مثل الفرح والسلام ، ويجتذبنا إلى كل ما هو سمائي ، وكل ما هو صالح وكل ما هو جليل ... ألم يقل السيد المسيح « من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي » (يو ٣٨:٧ ) . ( وللحديث بقية ) نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثانى عام ١٩٨٩
المزيد
06 مارس 2023

أضواء من الإنجيل : ٦- كيف نحب الله ؟

تكلمنا عن أهمية تذكرنا لإحسانات الله إلينا ، وذلك لكي تنمو محبتنا له بإستمرار . وقلنا إن محبتنا لله سوف تقودنا إلى حب الآخرين . واتخذنا من مزمور « بارکی یا نفسی الرب ولا تنسى كل حسناته » منهجاً نتذكر بواسطته إحسانات الله العجيبة . ٣ - « الذي يفدي من الحفرة حياتك » ( مز ۱۰۲ : ٤) الحفرة تشير إلى الفخ الذي يقع فيه الإنسان ، كما تشير إلى الهاوية التي يهوى إليها . وتشير إلى الجب كقول المرنم « لا تحجب وجهك عنى فأشابه الهابطين في الجب » ( مز ١٤٢ : ٧ ) . معنی ان الرب يفدى من الحفرة حياتنا هو أنه أنقذنا من الهلاك الأبدي في الهاوية بالفداء الذي صنعه لأجلنا حتى أنه وعد بلسان النبي قائلاً : « من يد الهاوية أفديهم . من الموت أخلصهم » ( هو ١٣ : ١٤ ) . ومعناه أيضاً أن الرب ينقذنا من الفخاخ الشيطانية التي ينصبها لنا الشيطان ليقتنصنا لإرادته ، و يأخذنا معه إلى هاوية الهلاك الأبدى . كم من مرة أنقذنا فيها الرب من فخاخ الشيطان ، ونبهنا إلى خطورتها وأعاننا بنعمته لتنجو منها ونتجنبها . ربما يرسل الرب لنا من يحذرنا قبل أن نقع . ربما بتحذير من مرشد أو أب أو صديق روحي . وربما عن طريق عظة روحية سمعناها ، أو عن طريق كتاب روحی قرأناه . ربما يحذرنا الرب عن طريق أحداث معينة ، نفهم منها مشيئته وتسمع صوته يجتذبنا إليه . وفى كل ذلك نتغنى ونقول المرنم « عینای تنظران إلى الرب في كل حين ، لأنه يجتذب من الفخ رجلی » ( مز ٢٤ : ١٥ ) . كم من مرة حملتنا يد القدير لكي لا تهوى إلى عمق الفخاخ الشيطانية فحتى لو عثرنا في الفخ ، فإنه يحملنا على ذراعيه منقذاً إيانا .كم من مرة أخرجنا الرب من داخل الفخ . حتى لو سقطنا فإن الرب يقيمنا ، ويخرجنا إلى الرحب والسعة « أيها الرب إلهى صرخت فشفيتنى . يارب أصعدت من الجحيم نفسى ، وخلصتنى من الهابطين في الجب » ( مز ۲۹ : ۲ ، ۳ ) . وحقاً كان هذا هو لسان حال البشرية التي إنتظرت مجيء المخلص ، ولكنه أيضاً إختبار كل إنسان خلصه الرب من خطاياه بالتوبة والإعتراف وفى كل ذلك تتغنى ونقول « لولا أن الرب كان معنا .. عندما قام الناس علينا لإبتلعونا ونحن أحياء .. مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم . نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين . الفخ إنكسر ونحن نجونا . عوننا باسم الرب » ( مز ۱۲۳ : ۱- ۸ ) . لولا عمل الله في حياتنا لضاعت أنفسنا ، ولضاعت أبديتنا . إنه يهتم بأمر خلاصنا ويحيطنا بمراحمه ، ويحارب كجبار بأس لحمايتنا . ونحن ينبغي ـ بعد عمادنا ـ أن نشترك معه في الحرب الروحية ، ولكننا نغلب بقوته التي توازر ضعفنا إن فخاخ الشيطان كثيرة ومتنوعة ومحكمة الإتقان ، إذ أنها تحمل خبرة طويلة في الحرب ضد جنس البشر . لهذا تساءل القديس أنطونيوس منزعجاً ، حينما أبصر في البرية فخاخ الشيطان الكثيرة المنصوبة لمحاربة الرهبان : « يارب من يفلت من كل هذه الفخاخ ؟ !! » . فأتاه صوت من السماء قائلاً : « المتواضعون يفلتون منها » ، لأن الرب « يعلم الودعاء طرقه » ( مز ٢٤ : ٩ ) « يرشد الذين يخطئون في الطريق ، يهدى الودعاء في الحكم » مز ٩:٢٤ ) وقد أصدر قداسة البابا مثلث الرحمات شنوده الثالث ـ كتاباً قيماً عن « حروب الشياطين » . من المفيد جدا قراءته لنفهم ، كيف حارب القديسون الشياطين ، ولتعرف أنواع الحروب الشيطانية ، وكيفية الإنتصار فيها ... إنه ينقل إلينا خبرات واسعة نضيفها إلى خبراتنا الروحية أجيالاً وأجيال . + أخيراً نقول إن معنى « الذي يفدى من الحفرة حياتك » ، أن الرب كثيراً ما أنقذنا من مصائب شعرنا بها ، وأخرى لم نشعر بها ولم نعلمها . ونحن نشكره على جميع إحساناته وهى بلا شك غير محصاة لكثرتها ... كم من مرة أنقذنا فيها الرب من موت محقق ، وشعرنا أننا مديونون للرب بحياتنا ـ ليس بحياتنا الأبدية فقط ، بل وبحياتنا على الأرض أيضاً .. لهذا فإننا نقول مع معلمنا بولس الرسول « إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت . فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن » ( رو ١٤ : ٨ ) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الاول عام ١٩٨٩
المزيد
27 فبراير 2023

أضواء من الإنجيل كيف نحب الله ؟ ( ٥ )

بارکی یا نفسى الرب ولا تنسى كل حسناته الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفى جميع أمراضك الذي يفدى من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرأفة الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك . ( مز ١٠٣: ٢-٥ ). تكلمنا سابقاً عن تأملنا في صفات الله الجميلة كوسيلة لنمو محبتنا له ويلزمنا أيضاً أن نتذكر إحسانات الله ومعاملاته الخصوصية معنا لكي تنمو هذه المحبة . ليتنا ندون في مذكرة خاصة كل المواقف التي نشعر فيها بعمل الله معنا ولأجلنا وما أكـثـر هـذه المـواقـف في كـل يـوم مـن أيـام حياتنا إننا نستطيع أن نختبر عمل الله معنا جـديـداً في كل يوم ، ونختبر حب الله متدفقاً باستمرار حتى نـقـول مـع الـقـديـس أوغسطينوس « تأخرت كثيراً في حبك أيها الجمال الفائق في القدم ، والدائم جديداً إلى الأبد » - ليتنا لا ننسى أفضال الله علينا التي تكاد لا تحصى ... وبمـقـدار تـذكـرنـا لهـذه الأفضال ، مقدار إزدياد إحسانات الله علينا لأنه « لـيـس عـطـيـة بلا زيادة إلا التي بلا شكر » كما قال الآباء : إن تـذكـرنا هذه الإحسانات هو نوع من الوفاء والعرفان بالجميل ، بل هو أقل ما يمكن عمله لكي نكافىء الرب عن كل ما يحسن به إلـيـنـا ... أما تجاهل هذه المحبة الإلهية ، فهو نـوع مـن الجحود ، وقساوة الـقـلب ، وعدم الوفاء . ولعلنا لا نقبل على أنفسنا أن نصل إلى هذا المستوى . والآن ما هي الأمـور الـتـي يمـكـنـنا أن نتذكرها من إحسانات الله ؟ ... لعلنا نتأمل في كلمات المزمور ( ١٠٣ : ٢ - ٥ ) « بارکی یا نفسی الرب ، ولا تنسى كل حسناته » . ١ ـ الذي يغفر جميع ذنوبك : إذا استرجعنا شريط حياتنا ، سوف نرى كـم مـن مـرة غـفـر الـرب لـنـا مـن الذنوب والخطايا ما يصعب حصره واحصاؤه ... إنه قـلـب غـافـر محب مستعد أن يقبل توبتنا ورجوعنا إليه باستمرار . والعجيب أن يغفر « جميع » الذنوب إذا لا توجد خطية مع التوبة ـ مهما عظمت ـ لا يغفرها الله . ماذا كان ممكناً أن يحدث ، لو أن الرب حاسبنـا وعـاقـبـنـا حسبما تستوجب جميع خطايانا ؟ ! إن الخطية خاطئة جداً ، وهي تحزن قلب الله القدوس الرافض للشر وللخطية بصفة مطلقة ، ولكنه مع هذا أرسل إبنه الوحيد كـفـارة لخطايانا لأنه أحبنا . أي إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم ... لأنه جعل الذي لم يعرف خطيـة خـطـيـة لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه » ( ٢ کوه : ۱۹ - ۲۱ ) . كان دم المسيح المـسـفـوك هـو الثمن الفادح للـغـفـران ... فأى شكر وأى عرفان نقدمه في مقابل ذلك الدم الثمين . إن كلمة « الذي يغفر جميع ذنوبك » تـذكـرنـا بمـديـونيتنا غير المحدودة لله ... حتى نقف مبهورين - مشدوهين ومشدودين إلى ذلك الحب الفائق العجيب ... !! ٢ـ الذي يشفي كل أمراضك : الرب هو الطبيب الحقيقى لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنـا . إنه لا يغفر الخطية فقط ، بل يـشـفـى جراح خطايانا كما قال اشعياء النبي « بـجـراحـاتـه شـفـيـنا » ( اش ٥٣ : ٥ ) . الخطية مرض ويلزم الشفاء من هذا المرض ، أي ينتقل الإنسان من ظلمة الخطية وآثارها المريعة المدمرة لكيانه إلى طريق القداسة المنير ، أن يتحرر الإنسان من مشاعر الخطية ومحبتها وذكرياتها الملبسة للموت ، أن يبدأ في كراهية الخطية ، أن يمتلىء قلبه من حب حتى يصل إلى نقاوة القلب الحقيقية . إن روح المسيح يعمل في الإنسان الـتـائـب ، حتى يبرأ من كل مرض أعتراه . الروح القدس النارى يطهر قلب من الخطية ويسكب فيه محبة الله . ومن جانب آخر كم من مرة شفانا الرب أيضاً من أمراضنا الجسدية ، وأنقذ حياتنا من الموت ، وأعطانا فرصاً جديدة للحياة ؟ إن المرض قد دخل إلى العالم بعد سقوط الإنسان ، وهو سلاح قد يستخدمه الشيطان أحـيـانـاً للقضاء على البشر ، ولكن الرب الـشـافي كـثـيـرا مـا تحـتـن على الجـمـوع « والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم » ( لو٩ : ١١ ) . كان الشفاء الذي صنعه السيد المسيح هو إيذانا ببداية عهد الشفاء للبشرية مـن كـل نتائج الخطية حتى أنها ترنمت قائلة : مع المـرنم « الذي يشفي كل أمراضك » ( مز ۱۰۳ : ۳ ) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السابع عشر عام ١٩٨٨
المزيد
20 فبراير 2023

أضـواء من الإنجيـل كيف نحب الآخرين ( 4 )

لكي نستطيع أن نحب الآخرين يلزمنا أن نرى فيهم شيئاً أو أشياء جميلة تجتذب مشاعرنا نحوهم وتحبب إلينا التأمل في صفاتهم الجميلة ... كما أنه من المفيد أن نتذكر إحسانات الآخرين إلينا ، ونجتذب إلى ذاكرتنا باستمرار كل أفعال المحبة الحسنة التي عاملونا بها ... إنه نوع من الوفاء والإخلاص أن لا تنسى شيئا من تعب المحبة . أولا : محبتنا الله : الكائن غير المحدود الذي ينبغي أن نتجه محبتنا إليه هو الله الذي أحبنا أولاً ، وأحبنا فضلاً . وحينما تحب الله فسوف يمكننا أن نحب إخوتنا أيضاً ... حينما نحب الخالق فسوف نحب الخليقة في إطار محبتنا له . من الأمور التي تجعلنا تتزايد في محبتنالله ، أن نتأمل في صفات الله الجميلة ، تلك الصفات التي تفوق كل تصور الخليقة العاقلة . ومن هذه الصفات نذكر ما يلى : الصفاء والبساطة وعدم التعقيد ، وعدم الحقد ، وسهولة الصداقة التي لا تتخلى أبدأ « إن كنا غير أمناء فهو يبقى أميناً لا يقدر أن ينكر نفسه » . الأبوة التي لا تتخلى ، بل تتقدم لكي تبذل وتضحى إلى أقصى الحدود . الحنو النادر الذي لا ينسى تعب المحبة ، ومشاعر الحب القديمة مثلما قال : ذكرت لك غيرة صباك ، محبة خطبتك ، ذهابك ورائى في البرية » ( أر ٢ : ٢ ) . الذكاء والحكمة والفطنة الكاملة : وأبرز ما يمكننا التأمل فيه في هذا المجال هو الفطنة العجيبة التي دبر بها الرب عملية الخلاص والفداء سواء في إعداده للبشرية على مدى آلاف السنين قبل مجيء المخلص ، أو في تتابع الأحداث التي وقعت منذ أن تجسد الكلمة الأزلى في بطن العذراء مريم إلى أن صعد إلى السماوات بعد موته وقبره وقيامته متمماً كل ما سبق فانبأ الأنبياء عن الخلاص الذي كان الرب قد وعد به ، وكان مزمعاً أن يتممه . من أحداث تشابكت ، واشترك فيها من الأصدقاء والأعداء ما لا يمكن أن يحدث إتفاقاً فيما بينهم . بل يعلم الله السابق ومشورته المحتومة تم كل شيء ، وأكملت النبوات بحكمة وفطنة عجيبين !! وهكذا ما عبر عنه معلمنا بولس الرسول في سالته إلى أهل أفسس فقال : « مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح ..و الذي منه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة . إذ عرفنا بسر مشيئته ، حسب مسرته التي قصدها في نفسه ، لتدبير ملء الأزمنة ، ليجمع كل شيء في المسيح ، ما في السماوات وما على الأرض » ( أف 1 : ۳- ۱۰ ) . المعرفة غير المحدودة الممتلئة من الجمال الفائق الأخاذ : الله هو نور وساكن في النور وملائكة نور تخدمه . والنور يشير إلى الإنارة التي تمنح الإستنارة أي المعرفة المضيئة . لها فالكاروبيم وهم من أعلى طغمات الملائكة وهم ممتلئون أعيناً ، أي ممتلئون من الفهم والمعرفة . أليس هذا ما تعبر به أحياناً حينما تقول لشخص « إنت كلك نظر ... إنت كلك عيون » ونقصد بذلك أنه ممتلىء فهماً حسناً .. ما إن التأمل في الله يملأ عقولنا من المعرفة الروحانية ، ويرفع عقولنا نحو أمجاد السماء وهذا نوع من سعادة أبدية ، إذ أننا كلما ازددنا معرفة الله ، كلما زاد فرحنا ... وهذا يقودنا إلى المزيد من محبتنا له ، بشرط أن لا ترتفع قلوبنا بسبب إزدياد معرفتنا . الصلاح الكلى والكراهية المطلقة للخطيئة ، تلك الخطيئة التي تشوه جمال الكائنات العاقلة ، مثلما حدث للشيطان الذي قال الله عنه في سفر حزقيال : « أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال ... أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم ... فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل ... قد ارتفع قلبك لبهجتك . أفسدت حكمتك لأجل بهائك .. قد نجست مقادسك بكثرة آثامك يظلم تجارتك » ( حز ۲۸ : ۱۲ ، ١٥ -١٨) . المحبة الكائنة في الله منذ الأزل ، أي المحبة بين الأقانيم ، والتي يريد السيد المسيح أن يسكبها فينا بروحه القدوس ، « ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم » ( يو٢٦:١٧) . حينما تتأمل الحب الكائن في الله نتعلم المحبة ، ونتحرر من الأنانية أي الإنحصار حول الأنا ... كما أننا أن نتعلم من الله كيف نكون واحداً في المسيح « ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد » ( یو ۱۷ : ۲۱ ، ۲۲ ) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الخامس عشر عام ١٩٧٨
المزيد
13 فبراير 2023

كيف نحب الاخرين ج٣

تكلمنا في المقالات السابقة عن المحبة الحقيقية وكيف أنها تختبر بالألم وأنها إذا أختبرت ولم تتراجع فإنها تتزكى ... وأن محبتنا للآخرين يجب أن تكون هادفة وأن الهدف الأول من محبتنا هو خلاص من نحبهم قبل أي شيء آخر . وأنه من المفروض أن نحب الآخرين بطريقة تفيدهم ولا تضرهم ... ثم تكلمنا عن ثلاث أنواع من المحبة الضارة ، ونستكمل عن أنواع أخرى من هذه المحبة الضارة : 4 ـ المحبة التي تسحوذ على الآخرين : هناك أناس يعتبرون المحبة نوعاً من الإحتواء الحية تسعى نحو إلغاء شخصية الآخرين ، وحرية وقدرته على التعبير واتخاذ القرارات ... ومثل هذه مثل الأب الذي يحب أولاده بطريقة تجعله يتخذ كل ما يخص حياته من قرارات . ولا يتصور أنه من الممكن ـ بعد كبرهم ـ أن تكون لهم شخصيتهم المميزة ، وإرادته المدركة الواعية ، وقدرتهم على الإختيار لأنفسهم دون أن يكون في ذلك تمرد وعصيان وخروج على طاعة الوالدين - كذلك ترى بعض الآباء والأمهات يعتقدون أن محبتهم لأولادهم تستلزم أن يختاروا لهم ملابسهم ، والكلية التي يلتحقون بها ، وطريق الرهبنة أو طريق الزواج ، وشريك الحياة الذي سوف يرتبطون به مدى الحياة . وهكذا . الوضع السليم هو أن يقوم الوالدان بالتوحيه ، والإرشاد والقيادة ، والتدرج في تنمية شخصية الأولاد حتى يبلغوا إلى حد القامة في الجسد والنفس والروح . يفرحون بتكامل شخصیته ونموها نمواً صحيحاً مدركاً . وينسحب الوالدان بالتدرج ليتركا لهذه الشخصية أن تتحمل مسئولياتها وتصبح قادرة على إتخاذ قرارات إن المحبة السليمة أو السوية تحول شخصية الإبن إلى صديق يستند على ذراع أبيه ، يستلهم منه الخبرة ، ويعتر بنصائحه وارشاداته ، ويعتبر البعض منها دستوراً لحياته . إنه لا يتبرم بنصائح أبيه لأنه ينتفع منها دون أن يشعر أ يكبل حريته . وما أجمل المثال الذي قدمه السيد المسيح في علاقته مع تلاميذه حينما قال لهم « لا أعود أسميكم عبيداً بل أحباء لأنى أعلمتكم يكل ما سمعته من أبي » إن الله نفسه يمنح لعبيده الحرية ليحبوه ويخدموه بإرادتهم . ولاشك أن امتلاك قلوب الآخرين عن طريق محبتنا المضحية الباذلة الحانية لهو انجح بكثير من امتلاك قلوبهم عن طريق أسعباد إرادتهم بدعوى حرصنا على مصلحتهم ورغبتنا في اسعادهم . لأن سعادة المرء الحقيقية هي في أن يصنع الخير بإرادته وبمسرة قلبه . ألم يصنع السيد المسيح هكذا حينما نقلنا من ناموس العبودية إلى ناموس روح الحياة ؟ إن المحبة تحسب محبة بمقدار ما فيها من بذل وعطاء وتحرير لمشيئة الآخرين ... ولهذا الحديث عودة أخرى . ٥- المحبة التي يشوبها الرياء : هذا النوع من المحبة يعنى أننا تتودد إلى من نحب ونظهر محبتنا له ، ولكنها محبة تسعى لكسب المودة وإثبات الوجود بطريقة ذاتية صعبة ، دون أن تحمل جوهر المحبة الحقيقية واحرص على خير من تحب . إنها محبة بلسانين لسان يتودد في الحضرة ، ولسان ينتقد في الغيبة . إنها لا تصارح من تحب بكل ما تراه خطأ ، أو عيباً ، أو تقصيراً ، بل على العكس قد تمدح العيوب والأخطاء يقصد التودد في الحضرة دون مبالاة بما يمكن أن ينجم عن ذلك من عواقب وآثار وخيمة . وتعود هي نفسها لتنتقد هذه العيوب أو ما تراه هي عيوباً دون أن تعطى فرصة لمن تحب للدفاع عن النفس أو لإصلاح الخطأ إن وجد . لهذا قال الكتاب « المحبة فلتكن بلا رياء » ( رو ۱۲ : ۱۰ ) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثالث عشر عام ١٩٨٨
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل