المقالات

13 مارس 2023

أضواء من الإنجيل : ٧- كيف نحب الله ؟

تكلمنا عن أهمية احسانات الله لكى تنمو محبتنا له ... ونتابع كلمات المزمور « بارکی یا نفسي الرب ولا تنسى كل حديثنا حسناته » ( مز ۱۰۳ ) . 4 ـ الذي يكللك بالرحمة والرأفة : الإكليل هو ما يحيط بالرأس ومعنى أن الرب يكللنا بالرحمة أى أنه يضع حول رؤوسنا إكليلا من رحمته ... وكل من يرانا يبصر عمل رحمة إلهنا واضحاً في حياتنا ... لهذا قال القديس زكريا الكاهن حينما ولد يوحنا المعمدان « ليصنع رحمة مع آبائنا و يذكر عهده المقدس ... أن يعطينا أننا بلا خوف و منقذين من أيدى أعدائنا ، نعبده بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا ... باحشاء رحمة إلهنا التي بها أفتقدنا المشرق من العلاء » ( لوا : ۷۲ ، ٧٤، ٧٥ ، ۷۸ ) . نطق زكريا الكاهن بالروح القدس بهذه الكلمات ، معبراً عن الرحمة الإلهية التي بسببها سوف يمكن للبشر الذين يقبلون خلاص الله أن يتخلصوا من سلطان الشيطان ، وأن يعبدوا الرب بقداسة وبر كل أيام حياتهم ... إنه يعبر عن إكليل الرحمة الذي وضع على رأس البشرية بأحشاء رحمة إلهنا التي بها أفتقدنا المشرق من العلاء » ( لوا : ۷۸ ) . الإنسان الذي يتكلل برحمة إلهنا يذكر دائماً أن كل ما في حياته من أمور مقدسة ، إنما هو ثمرة الرحمة الغنية التي أحاطته و يبقى مديوناً لها إلى الأبد . إن قيام حياتنا وإكليلها هو الرب يسوع المسيح ، لهذا قال الكتاب « البسوا الرب يسوع » وحينما نتكلل بالرب يسوع ، فإننا نتكلل بعنوان الرحمة . لأننا في المسيح قد نلنا الرحمة الموعود بها « ليصنع رحمة مع آبائنا و يذكر عهده المقدس » ( لوا : ۷۲ ) . إن أفضال الرب تطوق أعناقنا ، وتحيط برؤوسنا وتغطيها ، حتى أننا نليس إكليلا من رحمة . لهذا يقول المزمور « مثل إرتفاع السموات فوق الأرض ، قويت رحمته على خالقیه » ( مز ١٠٣ : ۱۲ ) أما عن الرأفة فإن الرب كثيراً ما يتراءف علينا ، ويعاملنا برفق ، و يرثى لضعفنا . لأن « الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة ، لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر . لم يصنع معنا حسب خطايانا ، ولم يجازنا حسب آثامنا » ( مز ۱۰۳ : ۸ . ۱۰).وأجمل لقب يحب الرب أن ندعوه به هو لقب الأبوة كما يحلو له أن يشبه نفسه في علاقته معنا ، بعلاقة الأب بابنائه مثلما يقول : « كما يتراءف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه . لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن » ( مز ١٠٣ : ١٣، ١٤ ) . وما أروع هذا الإحساس في داخلنا ، حينما نشعر بترفق الرب بنا ، وبأنه يعاملنا برأفة كثيرة . فتتهلل أنفسنا وتقول « الذي يكللك بالرحمة والرأفة » ( مز ١٠٣ : ٥ ) . لقد اقتبس القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات هذه الآية في قداسه الغريغوري فقال « مكللنا بالمراحم والرأفات » . وفي ختام صلوات الكنيسة تردد قول المزمور « ليتراف الله علينا ويباركنا ، ويظهر وجهه علينا ويرحمنا » ( مز ٦٧ ( 66 ) .ه ـ الذي يشبع بالخير فيتجدد مثل النسر شبابك : الجميل في ذلك أن الله لا يكتفي بكل ما سبق من إحسانات ، بل إنه يشبعنا من خيراته ونعمه ... « يفتح يديه و يشبع كل حى غنى من رضاه » ... يملأ حياتنا فرحاً ونعيماً وشبعاً وحلاوة ... بل يدعونا أن نفتح أفواهنا لكي تمتلىء من حلاوة محبته . أولاً : في سر الإفخارستيا : أعطانا الرب خبز الحياة الأبدية ، ودعانا إلى الثبات فيه بالتناول من جسده ودمها « أنا الخبر الحي الذي نزل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد . والخبر الذي أنا أعطى هو جسدي الذي أبذله من أجل حيوة العالم » ( يو ٦ : ٥١) « من يأكل جسدى و يشرب دمى قله حيوه أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير . لأن جسدى ودمى مشرب حق . من يأكل جسدى و يشرب دمى يثبت في وأنا فيه » ( يو ٦: ٥٤ - ٥٦ ) . لا توجد كلمات بشرية تستطيع أن تعبر عن عظمة هذا السر ، ومقدار فاعليته في حياتنا ، وتأثيره في تجديد شبابنا الروحي .... إنه يعطى لمغفرة الخطايا ، وحياة أبدية لمن يتناول منه بإيمان . ثانياً : فعل الروح القدس الذي نلناه في سر المسحة المقدسة الروح القدس يشبع بالخير عمرنا ... يعلن أسرار الله لنا ... يدخلنا إلى شركة الحياة الروحية مع الله ... يرفع عقولنا نحو السماء ... يضرم محبة الله في داخلنا ... يشفع فينا في الصلاة بآنات لا ينطق بها ، و يشبعنا من الخيرات الروحية « بإسمك أرفع يدى ، فتشبع نفسى كأنها من شحم ودسم » ( مز ٦٣ : ٤ ، ٥ ) ... يرافق كلمات الكتاب المقدس حتى يستعلن المسيح لنا ، ويحول الكلام إلى حياة في داخلنا ... يمنحنا ثماراً روحية مثل الفرح والسلام ، ويجتذبنا إلى كل ما هو سمائي ، وكل ما هو صالح وكل ما هو جليل ... ألم يقل السيد المسيح « من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي » (يو ٣٨:٧ ) . ( وللحديث بقية ) نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثانى عام ١٩٨٩
المزيد
06 مارس 2023

أضواء من الإنجيل : ٦- كيف نحب الله ؟

تكلمنا عن أهمية تذكرنا لإحسانات الله إلينا ، وذلك لكي تنمو محبتنا له بإستمرار . وقلنا إن محبتنا لله سوف تقودنا إلى حب الآخرين . واتخذنا من مزمور « بارکی یا نفسی الرب ولا تنسى كل حسناته » منهجاً نتذكر بواسطته إحسانات الله العجيبة . ٣ - « الذي يفدي من الحفرة حياتك » ( مز ۱۰۲ : ٤) الحفرة تشير إلى الفخ الذي يقع فيه الإنسان ، كما تشير إلى الهاوية التي يهوى إليها . وتشير إلى الجب كقول المرنم « لا تحجب وجهك عنى فأشابه الهابطين في الجب » ( مز ١٤٢ : ٧ ) . معنی ان الرب يفدى من الحفرة حياتنا هو أنه أنقذنا من الهلاك الأبدي في الهاوية بالفداء الذي صنعه لأجلنا حتى أنه وعد بلسان النبي قائلاً : « من يد الهاوية أفديهم . من الموت أخلصهم » ( هو ١٣ : ١٤ ) . ومعناه أيضاً أن الرب ينقذنا من الفخاخ الشيطانية التي ينصبها لنا الشيطان ليقتنصنا لإرادته ، و يأخذنا معه إلى هاوية الهلاك الأبدى . كم من مرة أنقذنا فيها الرب من فخاخ الشيطان ، ونبهنا إلى خطورتها وأعاننا بنعمته لتنجو منها ونتجنبها . ربما يرسل الرب لنا من يحذرنا قبل أن نقع . ربما بتحذير من مرشد أو أب أو صديق روحي . وربما عن طريق عظة روحية سمعناها ، أو عن طريق كتاب روحی قرأناه . ربما يحذرنا الرب عن طريق أحداث معينة ، نفهم منها مشيئته وتسمع صوته يجتذبنا إليه . وفى كل ذلك نتغنى ونقول المرنم « عینای تنظران إلى الرب في كل حين ، لأنه يجتذب من الفخ رجلی » ( مز ٢٤ : ١٥ ) . كم من مرة حملتنا يد القدير لكي لا تهوى إلى عمق الفخاخ الشيطانية فحتى لو عثرنا في الفخ ، فإنه يحملنا على ذراعيه منقذاً إيانا .كم من مرة أخرجنا الرب من داخل الفخ . حتى لو سقطنا فإن الرب يقيمنا ، ويخرجنا إلى الرحب والسعة « أيها الرب إلهى صرخت فشفيتنى . يارب أصعدت من الجحيم نفسى ، وخلصتنى من الهابطين في الجب » ( مز ۲۹ : ۲ ، ۳ ) . وحقاً كان هذا هو لسان حال البشرية التي إنتظرت مجيء المخلص ، ولكنه أيضاً إختبار كل إنسان خلصه الرب من خطاياه بالتوبة والإعتراف وفى كل ذلك تتغنى ونقول « لولا أن الرب كان معنا .. عندما قام الناس علينا لإبتلعونا ونحن أحياء .. مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم . نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين . الفخ إنكسر ونحن نجونا . عوننا باسم الرب » ( مز ۱۲۳ : ۱- ۸ ) . لولا عمل الله في حياتنا لضاعت أنفسنا ، ولضاعت أبديتنا . إنه يهتم بأمر خلاصنا ويحيطنا بمراحمه ، ويحارب كجبار بأس لحمايتنا . ونحن ينبغي ـ بعد عمادنا ـ أن نشترك معه في الحرب الروحية ، ولكننا نغلب بقوته التي توازر ضعفنا إن فخاخ الشيطان كثيرة ومتنوعة ومحكمة الإتقان ، إذ أنها تحمل خبرة طويلة في الحرب ضد جنس البشر . لهذا تساءل القديس أنطونيوس منزعجاً ، حينما أبصر في البرية فخاخ الشيطان الكثيرة المنصوبة لمحاربة الرهبان : « يارب من يفلت من كل هذه الفخاخ ؟ !! » . فأتاه صوت من السماء قائلاً : « المتواضعون يفلتون منها » ، لأن الرب « يعلم الودعاء طرقه » ( مز ٢٤ : ٩ ) « يرشد الذين يخطئون في الطريق ، يهدى الودعاء في الحكم » مز ٩:٢٤ ) وقد أصدر قداسة البابا مثلث الرحمات شنوده الثالث ـ كتاباً قيماً عن « حروب الشياطين » . من المفيد جدا قراءته لنفهم ، كيف حارب القديسون الشياطين ، ولتعرف أنواع الحروب الشيطانية ، وكيفية الإنتصار فيها ... إنه ينقل إلينا خبرات واسعة نضيفها إلى خبراتنا الروحية أجيالاً وأجيال . + أخيراً نقول إن معنى « الذي يفدى من الحفرة حياتك » ، أن الرب كثيراً ما أنقذنا من مصائب شعرنا بها ، وأخرى لم نشعر بها ولم نعلمها . ونحن نشكره على جميع إحساناته وهى بلا شك غير محصاة لكثرتها ... كم من مرة أنقذنا فيها الرب من موت محقق ، وشعرنا أننا مديونون للرب بحياتنا ـ ليس بحياتنا الأبدية فقط ، بل وبحياتنا على الأرض أيضاً .. لهذا فإننا نقول مع معلمنا بولس الرسول « إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت . فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن » ( رو ١٤ : ٨ ) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الاول عام ١٩٨٩
المزيد
27 فبراير 2023

أضواء من الإنجيل كيف نحب الله ؟ ( ٥ )

بارکی یا نفسى الرب ولا تنسى كل حسناته الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفى جميع أمراضك الذي يفدى من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرأفة الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك . ( مز ١٠٣: ٢-٥ ). تكلمنا سابقاً عن تأملنا في صفات الله الجميلة كوسيلة لنمو محبتنا له ويلزمنا أيضاً أن نتذكر إحسانات الله ومعاملاته الخصوصية معنا لكي تنمو هذه المحبة . ليتنا ندون في مذكرة خاصة كل المواقف التي نشعر فيها بعمل الله معنا ولأجلنا وما أكـثـر هـذه المـواقـف في كـل يـوم مـن أيـام حياتنا إننا نستطيع أن نختبر عمل الله معنا جـديـداً في كل يوم ، ونختبر حب الله متدفقاً باستمرار حتى نـقـول مـع الـقـديـس أوغسطينوس « تأخرت كثيراً في حبك أيها الجمال الفائق في القدم ، والدائم جديداً إلى الأبد » - ليتنا لا ننسى أفضال الله علينا التي تكاد لا تحصى ... وبمـقـدار تـذكـرنـا لهـذه الأفضال ، مقدار إزدياد إحسانات الله علينا لأنه « لـيـس عـطـيـة بلا زيادة إلا التي بلا شكر » كما قال الآباء : إن تـذكـرنا هذه الإحسانات هو نوع من الوفاء والعرفان بالجميل ، بل هو أقل ما يمكن عمله لكي نكافىء الرب عن كل ما يحسن به إلـيـنـا ... أما تجاهل هذه المحبة الإلهية ، فهو نـوع مـن الجحود ، وقساوة الـقـلب ، وعدم الوفاء . ولعلنا لا نقبل على أنفسنا أن نصل إلى هذا المستوى . والآن ما هي الأمـور الـتـي يمـكـنـنا أن نتذكرها من إحسانات الله ؟ ... لعلنا نتأمل في كلمات المزمور ( ١٠٣ : ٢ - ٥ ) « بارکی یا نفسی الرب ، ولا تنسى كل حسناته » . ١ ـ الذي يغفر جميع ذنوبك : إذا استرجعنا شريط حياتنا ، سوف نرى كـم مـن مـرة غـفـر الـرب لـنـا مـن الذنوب والخطايا ما يصعب حصره واحصاؤه ... إنه قـلـب غـافـر محب مستعد أن يقبل توبتنا ورجوعنا إليه باستمرار . والعجيب أن يغفر « جميع » الذنوب إذا لا توجد خطية مع التوبة ـ مهما عظمت ـ لا يغفرها الله . ماذا كان ممكناً أن يحدث ، لو أن الرب حاسبنـا وعـاقـبـنـا حسبما تستوجب جميع خطايانا ؟ ! إن الخطية خاطئة جداً ، وهي تحزن قلب الله القدوس الرافض للشر وللخطية بصفة مطلقة ، ولكنه مع هذا أرسل إبنه الوحيد كـفـارة لخطايانا لأنه أحبنا . أي إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم ... لأنه جعل الذي لم يعرف خطيـة خـطـيـة لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه » ( ٢ کوه : ۱۹ - ۲۱ ) . كان دم المسيح المـسـفـوك هـو الثمن الفادح للـغـفـران ... فأى شكر وأى عرفان نقدمه في مقابل ذلك الدم الثمين . إن كلمة « الذي يغفر جميع ذنوبك » تـذكـرنـا بمـديـونيتنا غير المحدودة لله ... حتى نقف مبهورين - مشدوهين ومشدودين إلى ذلك الحب الفائق العجيب ... !! ٢ـ الذي يشفي كل أمراضك : الرب هو الطبيب الحقيقى لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنـا . إنه لا يغفر الخطية فقط ، بل يـشـفـى جراح خطايانا كما قال اشعياء النبي « بـجـراحـاتـه شـفـيـنا » ( اش ٥٣ : ٥ ) . الخطية مرض ويلزم الشفاء من هذا المرض ، أي ينتقل الإنسان من ظلمة الخطية وآثارها المريعة المدمرة لكيانه إلى طريق القداسة المنير ، أن يتحرر الإنسان من مشاعر الخطية ومحبتها وذكرياتها الملبسة للموت ، أن يبدأ في كراهية الخطية ، أن يمتلىء قلبه من حب حتى يصل إلى نقاوة القلب الحقيقية . إن روح المسيح يعمل في الإنسان الـتـائـب ، حتى يبرأ من كل مرض أعتراه . الروح القدس النارى يطهر قلب من الخطية ويسكب فيه محبة الله . ومن جانب آخر كم من مرة شفانا الرب أيضاً من أمراضنا الجسدية ، وأنقذ حياتنا من الموت ، وأعطانا فرصاً جديدة للحياة ؟ إن المرض قد دخل إلى العالم بعد سقوط الإنسان ، وهو سلاح قد يستخدمه الشيطان أحـيـانـاً للقضاء على البشر ، ولكن الرب الـشـافي كـثـيـرا مـا تحـتـن على الجـمـوع « والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم » ( لو٩ : ١١ ) . كان الشفاء الذي صنعه السيد المسيح هو إيذانا ببداية عهد الشفاء للبشرية مـن كـل نتائج الخطية حتى أنها ترنمت قائلة : مع المـرنم « الذي يشفي كل أمراضك » ( مز ۱۰۳ : ۳ ) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السابع عشر عام ١٩٨٨
المزيد
20 فبراير 2023

أضـواء من الإنجيـل كيف نحب الآخرين ( 4 )

لكي نستطيع أن نحب الآخرين يلزمنا أن نرى فيهم شيئاً أو أشياء جميلة تجتذب مشاعرنا نحوهم وتحبب إلينا التأمل في صفاتهم الجميلة ... كما أنه من المفيد أن نتذكر إحسانات الآخرين إلينا ، ونجتذب إلى ذاكرتنا باستمرار كل أفعال المحبة الحسنة التي عاملونا بها ... إنه نوع من الوفاء والإخلاص أن لا تنسى شيئا من تعب المحبة . أولا : محبتنا الله : الكائن غير المحدود الذي ينبغي أن نتجه محبتنا إليه هو الله الذي أحبنا أولاً ، وأحبنا فضلاً . وحينما تحب الله فسوف يمكننا أن نحب إخوتنا أيضاً ... حينما نحب الخالق فسوف نحب الخليقة في إطار محبتنا له . من الأمور التي تجعلنا تتزايد في محبتنالله ، أن نتأمل في صفات الله الجميلة ، تلك الصفات التي تفوق كل تصور الخليقة العاقلة . ومن هذه الصفات نذكر ما يلى : الصفاء والبساطة وعدم التعقيد ، وعدم الحقد ، وسهولة الصداقة التي لا تتخلى أبدأ « إن كنا غير أمناء فهو يبقى أميناً لا يقدر أن ينكر نفسه » . الأبوة التي لا تتخلى ، بل تتقدم لكي تبذل وتضحى إلى أقصى الحدود . الحنو النادر الذي لا ينسى تعب المحبة ، ومشاعر الحب القديمة مثلما قال : ذكرت لك غيرة صباك ، محبة خطبتك ، ذهابك ورائى في البرية » ( أر ٢ : ٢ ) . الذكاء والحكمة والفطنة الكاملة : وأبرز ما يمكننا التأمل فيه في هذا المجال هو الفطنة العجيبة التي دبر بها الرب عملية الخلاص والفداء سواء في إعداده للبشرية على مدى آلاف السنين قبل مجيء المخلص ، أو في تتابع الأحداث التي وقعت منذ أن تجسد الكلمة الأزلى في بطن العذراء مريم إلى أن صعد إلى السماوات بعد موته وقبره وقيامته متمماً كل ما سبق فانبأ الأنبياء عن الخلاص الذي كان الرب قد وعد به ، وكان مزمعاً أن يتممه . من أحداث تشابكت ، واشترك فيها من الأصدقاء والأعداء ما لا يمكن أن يحدث إتفاقاً فيما بينهم . بل يعلم الله السابق ومشورته المحتومة تم كل شيء ، وأكملت النبوات بحكمة وفطنة عجيبين !! وهكذا ما عبر عنه معلمنا بولس الرسول في سالته إلى أهل أفسس فقال : « مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح ..و الذي منه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة . إذ عرفنا بسر مشيئته ، حسب مسرته التي قصدها في نفسه ، لتدبير ملء الأزمنة ، ليجمع كل شيء في المسيح ، ما في السماوات وما على الأرض » ( أف 1 : ۳- ۱۰ ) . المعرفة غير المحدودة الممتلئة من الجمال الفائق الأخاذ : الله هو نور وساكن في النور وملائكة نور تخدمه . والنور يشير إلى الإنارة التي تمنح الإستنارة أي المعرفة المضيئة . لها فالكاروبيم وهم من أعلى طغمات الملائكة وهم ممتلئون أعيناً ، أي ممتلئون من الفهم والمعرفة . أليس هذا ما تعبر به أحياناً حينما تقول لشخص « إنت كلك نظر ... إنت كلك عيون » ونقصد بذلك أنه ممتلىء فهماً حسناً .. ما إن التأمل في الله يملأ عقولنا من المعرفة الروحانية ، ويرفع عقولنا نحو أمجاد السماء وهذا نوع من سعادة أبدية ، إذ أننا كلما ازددنا معرفة الله ، كلما زاد فرحنا ... وهذا يقودنا إلى المزيد من محبتنا له ، بشرط أن لا ترتفع قلوبنا بسبب إزدياد معرفتنا . الصلاح الكلى والكراهية المطلقة للخطيئة ، تلك الخطيئة التي تشوه جمال الكائنات العاقلة ، مثلما حدث للشيطان الذي قال الله عنه في سفر حزقيال : « أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال ... أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم ... فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل ... قد ارتفع قلبك لبهجتك . أفسدت حكمتك لأجل بهائك .. قد نجست مقادسك بكثرة آثامك يظلم تجارتك » ( حز ۲۸ : ۱۲ ، ١٥ -١٨) . المحبة الكائنة في الله منذ الأزل ، أي المحبة بين الأقانيم ، والتي يريد السيد المسيح أن يسكبها فينا بروحه القدوس ، « ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم » ( يو٢٦:١٧) . حينما تتأمل الحب الكائن في الله نتعلم المحبة ، ونتحرر من الأنانية أي الإنحصار حول الأنا ... كما أننا أن نتعلم من الله كيف نكون واحداً في المسيح « ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد » ( یو ۱۷ : ۲۱ ، ۲۲ ) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الخامس عشر عام ١٩٧٨
المزيد
13 فبراير 2023

كيف نحب الاخرين ج٣

تكلمنا في المقالات السابقة عن المحبة الحقيقية وكيف أنها تختبر بالألم وأنها إذا أختبرت ولم تتراجع فإنها تتزكى ... وأن محبتنا للآخرين يجب أن تكون هادفة وأن الهدف الأول من محبتنا هو خلاص من نحبهم قبل أي شيء آخر . وأنه من المفروض أن نحب الآخرين بطريقة تفيدهم ولا تضرهم ... ثم تكلمنا عن ثلاث أنواع من المحبة الضارة ، ونستكمل عن أنواع أخرى من هذه المحبة الضارة : 4 ـ المحبة التي تسحوذ على الآخرين : هناك أناس يعتبرون المحبة نوعاً من الإحتواء الحية تسعى نحو إلغاء شخصية الآخرين ، وحرية وقدرته على التعبير واتخاذ القرارات ... ومثل هذه مثل الأب الذي يحب أولاده بطريقة تجعله يتخذ كل ما يخص حياته من قرارات . ولا يتصور أنه من الممكن ـ بعد كبرهم ـ أن تكون لهم شخصيتهم المميزة ، وإرادته المدركة الواعية ، وقدرتهم على الإختيار لأنفسهم دون أن يكون في ذلك تمرد وعصيان وخروج على طاعة الوالدين - كذلك ترى بعض الآباء والأمهات يعتقدون أن محبتهم لأولادهم تستلزم أن يختاروا لهم ملابسهم ، والكلية التي يلتحقون بها ، وطريق الرهبنة أو طريق الزواج ، وشريك الحياة الذي سوف يرتبطون به مدى الحياة . وهكذا . الوضع السليم هو أن يقوم الوالدان بالتوحيه ، والإرشاد والقيادة ، والتدرج في تنمية شخصية الأولاد حتى يبلغوا إلى حد القامة في الجسد والنفس والروح . يفرحون بتكامل شخصیته ونموها نمواً صحيحاً مدركاً . وينسحب الوالدان بالتدرج ليتركا لهذه الشخصية أن تتحمل مسئولياتها وتصبح قادرة على إتخاذ قرارات إن المحبة السليمة أو السوية تحول شخصية الإبن إلى صديق يستند على ذراع أبيه ، يستلهم منه الخبرة ، ويعتر بنصائحه وارشاداته ، ويعتبر البعض منها دستوراً لحياته . إنه لا يتبرم بنصائح أبيه لأنه ينتفع منها دون أن يشعر أ يكبل حريته . وما أجمل المثال الذي قدمه السيد المسيح في علاقته مع تلاميذه حينما قال لهم « لا أعود أسميكم عبيداً بل أحباء لأنى أعلمتكم يكل ما سمعته من أبي » إن الله نفسه يمنح لعبيده الحرية ليحبوه ويخدموه بإرادتهم . ولاشك أن امتلاك قلوب الآخرين عن طريق محبتنا المضحية الباذلة الحانية لهو انجح بكثير من امتلاك قلوبهم عن طريق أسعباد إرادتهم بدعوى حرصنا على مصلحتهم ورغبتنا في اسعادهم . لأن سعادة المرء الحقيقية هي في أن يصنع الخير بإرادته وبمسرة قلبه . ألم يصنع السيد المسيح هكذا حينما نقلنا من ناموس العبودية إلى ناموس روح الحياة ؟ إن المحبة تحسب محبة بمقدار ما فيها من بذل وعطاء وتحرير لمشيئة الآخرين ... ولهذا الحديث عودة أخرى . ٥- المحبة التي يشوبها الرياء : هذا النوع من المحبة يعنى أننا تتودد إلى من نحب ونظهر محبتنا له ، ولكنها محبة تسعى لكسب المودة وإثبات الوجود بطريقة ذاتية صعبة ، دون أن تحمل جوهر المحبة الحقيقية واحرص على خير من تحب . إنها محبة بلسانين لسان يتودد في الحضرة ، ولسان ينتقد في الغيبة . إنها لا تصارح من تحب بكل ما تراه خطأ ، أو عيباً ، أو تقصيراً ، بل على العكس قد تمدح العيوب والأخطاء يقصد التودد في الحضرة دون مبالاة بما يمكن أن ينجم عن ذلك من عواقب وآثار وخيمة . وتعود هي نفسها لتنتقد هذه العيوب أو ما تراه هي عيوباً دون أن تعطى فرصة لمن تحب للدفاع عن النفس أو لإصلاح الخطأ إن وجد . لهذا قال الكتاب « المحبة فلتكن بلا رياء » ( رو ۱۲ : ۱۰ ) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثالث عشر عام ١٩٨٨
المزيد
30 يناير 2023

أضـواء من الإنجيـل كيف نحب الآخرين [ ٢ ]

أنواع من المحبة الضارة : ١ ـ المحبة التي تسعى لإسعاد الجسد على حساب الروح : كمن يدفع الآخرين دائماً نحو راحة أجسادهم دون أن يشجعهم على التعب والجهاد والسهر الروحي ، فيمنعهم من الصوم ، أو من السهر في الصلاة ، أو تعب الخدمة المضني في خلاص الآخرين ... وهكذا . ٢ - المحبة التي تضع مفهوما للوصية حسب رغبة السامعين : الوصية الإلهية قد وضعت لخير الإنسان وأي إنحراف بالوصية عن مفهومها الحقيقي لحساب اسعاد الآخرين وقتيا هو تدمير لحياة هؤلاء الآخرين واضاعة لأ بديتهم . الله لم يضع الوصية قيداً على الإنسان . بل هي لحمايتة من الخراب والدمار مهما بدت صعبة أو مغايرة لرغباته الزمنية . لأنه هو يعلم احتياجات طبيعتنا . الله في ذلك هو مثل متعهد السيارات الذي يبيعك سيارة و يوصيك أن تستخدمها بسرعة بطيئة في الآلاف الأولى من الكيلومترات من عمرها ، وأن تقوم بتغيير الزيت لها بصفة منتظمة ويحذرك من خراب محرك السيارة إن لم تلتزم بهذه الإرشادات والتوصيات . ومتعهد السيارات في ذلك لا يقصد تغيير الإنسان مشترى السيارة بل أن يحفظ له سيارته سالمة لتخدمه طوال عمره . لهذا فمن الضار جداً أن يأتي من - يشجع مالك السيارة على عدم الإلتزام بتوصيات المتعهد . كأن يقول له أن يقود السيارة بسرعة في فترة « التليين » بدعوى أنها قوية ولن يصيبها ضرر . أو أن المصانع تقوم « بتليين » السيارة قبل خروجها من المصنع . إن من يحب إنسانه عليه أن يحفظ له سلامته وسلامة أبديته ... ما أخطر رسالة الكهنة والرعاة والمعلمين وهم يشرحون الوصية الإلهية للناس ، وأيضاً حينما يتعرضون للضغوط الخارجية من بعض الراغبين في تفسير الوصية حسب هواهم ولتحقيق رغباتهم الخاصة . ۳ - المحبة المغرضة أي التي لها غرض أو مصلحة شخصية : ومن أمثلتها المحبة التي تقود إلى التحزب والشللية ، والمحبة التي تطلب العوض لهذا قال السيد المسيح « إن أحببتم الذين يحبونكم فقط فأي أجر لكم » . للحديث بقية نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثانى عشر عام ١٩٨٨
المزيد
23 يناير 2023

أضـواء من الإنجيـل كيف نحب الآخرين [ ۱ ]

عادة تختبر المحبة بالألم ... أي أن المحبة الحقيقية تمتحن بالآلام . فمن السهل أن نتكلم عن المحبة ، ومن السهل أن نمارس المحبة في إطار الظروف العادية . ولكن المحبة الحقيقية هي تلك التي تتعرض للأشواك فلا تتراجع ، وللصليب فلا تنهار ، بل تظل صامدة حتى تتكلل .. هو مشكلتنا أحياناً أننا لا نفهم معنى التألم في المحبة . أو أننا نرغب في المحبة غير المختومة بخاتم الصليب ... مع أن الصليب ، علامة المحبة الحقيقية التي ظلت صامدة إلى المنتهى . حينما تبدأ بوادر الألم ، فإن البعض يتراجعون عن محبتهم ، ربما بحجة أن هذه الآلام قد أصابتهم من قبل ممن يحبون . ولكن محبتنا للآخرين تكتسب قيمتها من الآلام التي تثبت أنها محبة غير زائفة . *** المحبة الزائفة هي تلك التي تطلب سعادتها الخاصة فقط فإن اصطدمت مثل هذه المحبة غير الحقيقية بآلام الصليب ، فإنها لا يمكنها أن تستمر ، بل تظهر حقيقتها ، ويظهر ما فيها من أنانية ورغبة في إسعاد الذات ... إنها لا تحتمل كل شيء كما قال الكتاب . لهذا يلزمنا أن نفرح بتلك الفرص المباركة التي تختبر فيها محبتنا . لأن المحبة إذا أختبرت ولم تتراجع تتزكى وهذا هو طريق المجد . المفروض أن نحب الآخرين بطريقة تفيدهم ولا تضرهم . أي أن يضع لمحبتنا هدفاً تصل إليه . المحبة التي لا هدف لها تتخيط باستمرار ، وإذ لا جوهر لها ، فمن الممكن أن تتحول إلى بغضة مستترة تحت ستار الحب الهدف الأول الذي ينبغي أن نضعه أمامنا هو مصير من نحبهم . أي مصيرهم النهائي وأبديتهم . لهذا ينبغي أن نهتم بخلاص الآخرين قبل أي شيء آخر . وفى إهتمامنا بخلاصهم ندرك قيمة أبديتهم التي دفع السيد المسيح دمه ثمنا لها ... ولكن محبتنا لخلاص الآخرين ينبغي أن تتواكب وتقترن بأعمال المحبة المنظورة التي تساعد في خلاصهم . لئلا تظهر محبتنا لهم وكأنها لون من الكراهية والبغضة والجفاء . لهذا قال الكتاب « شددوا الأيدى المسترخية والركب المخلعة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحرى يشفى » . وحيثما تقدم دواء مريراً لغيرنا سعياً لخلاصهم ، فليقترن هذا الدواء بمشاعر التعاطف وروح المودة واللطف التي تساعدهم على تجرع الدواء مهما كانت مرارته ... المحبة فردوس متسع تتنوع فيه ألوان التعامل مع الآخرين . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الحادى عشر عام ١٩٨٨
المزيد
18 يناير 2023

إبيفانيا

الكلمة “إبيفانيا” تقال عن عيد الظهور الإلهى عند عماد السيد المسيح فى نهر الأردن وحلول الروح القدس عليه “بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ” (لو 3: 22) وإنفتاح السماء وصوت الآب يقول على مسمع من يوحنا المعمدان والسيد المسيح بالطبع “هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ” (مت 3: 17). لكن الكلمة نفسها هى كلمة يونانية مركبة من مقطعين إبى (Epi) وفانيا (phania) ومعنى مقطع “إبى” أى “فوق” أما معنى كلمة “فانيا” فهى من الفعل “فينو” (phaino) أى يضئ أو يظهر وبذلك تكون كلمة “إبيفانيا” معناها “يظهر من فوق” ولذلك تُطلق على “الظهور الإلهى” فى وقت عماد السيد المسيح، وعلى عيد الغطاس. وقد وردت كلمة “إبيفانيا” فى (2تس 2: 8) “بِظُهُورِ مَجِيئِهِ” وهى عن ظهور السيد المسيح فى مجيئه الثانى. كما وردت فى (2تى 1: 9، 10) “بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَ النِّعْمَةِ الَّتِي اعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، إِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ”. وقد وردت فى هذا النص كلمة “بظهور” نطقها “إبيفانياس” نتيجة التصريف اللغوى. وهذه عن مجئ السيد المسيح الأول وإتمامه الفداء. إن أهمية عيد الظهور الإلهى هو أن الثالوث القدوس قد صار ظاهراً حيث أن الابن الوحيد الجنس الذى تجسد من أجل خلاص البشر كان صاعداً من مياه الأردن، واقترن ذلك بالعلامة التى أعطيت ليوحنا المعمدان وهو حلول الروح القدس على ابن الله المتجسد بهيئة جسمية مثل حمامة، وأيضاً إنفتاح السماء فى نفس ذلك الحدث ومجيئ صوت الآب السماوى يشهد لألوهية الابن الذى هو موضوع سرور الآب قبل الأزمنة الأزلية، وأيضاً فى تجسده وطاعته الكاملة للآب فى كل شئ بحسب إنسانيته. وبهذا يكون الثالوث قد أعلن فى ذلك الحدث بشهادة يوحنا المعمدان. وقد تحقق قول إشعياء النبى فى نبوته عن هذا الحدث حينما كتب بفم السيد المسيح “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ. وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ” (اش 61: 1، 2، لو 4: 18، 19) لقد مسح الآب بالروح القدس ابنه الوحيد المتجسد، ولذلك دعى “المسيح” بأداة التعريف؛ فهو ليس مجرد مسيح للرب لكنه هو المسيح أو “المسيا” المنتظر. أما عن مسحه بالروح القدس؛ فإن ذلك كان من ناحية إنسانيته وليس من حيث لاهوته لأن له نفس الجوهر الإلهى مع الروح القدس والآب. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
05 يناير 2023

كيف نستقبل العيد

نستقبله بالفرح : ينبغي أن نفرح بميلاد المخلص ، فلا ندع شيئاً من الحزن يعطل فرحنا بمجيء الرب ليفتقدنا بمحبته العجيبة « المشرق من العلا ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدی في طريق السلام » ( لو ۱ : ۷۹ ) . الفرح الروحي بالعيد هو علامة تقدير وإعجاب بعمل الرب في مجيئه وميلاده لأجلنا . لهذا فعندما بشر الملاك الرعاة الساهرين بميلاد السيد المسيح قال لهم « ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب » ( لو ۲ : ۱۰ ) . إن البشرية لم تعرف فرحاً يفوق هذا الفرح ... إنه الفرح بخلاصها من الهلاك الأبدي ... والفرح بمصالحتها مع الله المحبوب ... والفرح بامكانية الحياة إلى الأبد في أحضان الله المحب ... والفرح بحياة القداسة التي تفوق كل عقل وكل وصف ، ويعجز عن التعبير عن مجد بهائها كل لسان . إن ملايين التسابيح لا تكفى لوصف امجاد هذا الخلاص الإلهى العجيب . وملايين الكتب والأناشيد لا تكفى للتعبير عن محبة الله التي ظهرت في تجسد الكلمة إبن الله الأزلى . لم تكتم جماهير الجند السمائي فرحتها فخرجت تهتف في ليلة مولده بهتاف التمجيد والفرح والسلام والمسرة ... ألوف ألوف وربوات ربوات السمائيين إحتفلت في تلك الليلة التي هي ملء الزمان ، وصارت السماء تموج بالفرح والتسبيح وشاهد الرعاة الساهرين لمحة من هذا الموكب العظيم في لحظات من التجلي والإنبهار والإعلان السمائي ... جميع القديسين في كل الأجيال طوبوا العذراء القديسة والدة الإله « كلمة الله المتجسد » . ومدحوا تلك المطوبة وحركوا قيثاراتهم الروحية عازفين أعذب الأنغام عليها ، يتغنون بأسرار مجيدة عظيمة عجيبة إحتارت فيها ألباب العلماء وذاقت من حلاوتها قلوب البسطاء والفهماء . نستقبله بالتأمل : في النبوات والرموز التي تحققت بمجيء المخلص . هذا العمل الإلهى العجيب الفائق للعقول ، سبقته الآلاف من الرموز والنبوات التي تحققت جميعها بمجيء المخلص ... كان الرب يعلم مقدار عظمة هذا الخلاص لهذا سبق فأعد له لكي تقبله بكل بساطة عقول البسطاء المحبين للحق « كل من هو من أحق يسمع صوتی » ( یو ۱۸ : ۳۷ ) . ميلاد الرب في بيت لحم : « أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل » ( میخاه : ۲ ) . فلكي تتحقق هذه النبوة رتب الرب أن يصدر أمر من أوغسطس قيصر لكي يكتتب كل المسكونة « فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد إلى مدينته . فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود . وعشيرته . ليكتتب إمرأته المخطوبة وهي حبلى . وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد » ( لو ۲ : ۱- 6) . ولد المسيح الملك إبن داود في مدينة داود ، وتسجلت هذه الواقعة في الاكتتاب الأول الذي جرى إذ كان كيرنيوس والى سورية ( لو ٢ : ١ ) . وحفظ تاريخ الإمبراطورية الرومانية واقعة مولد السيد المسيح في بيت لحم حتى لا تمحوها حادثة مذبحة الأطفال بعد ذلك هناك ، ما أعجب الله في تدابيره التي تتم بكل حكمة وإتقان في ملء الزمان . ميلاده من عذراء : « ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمانوئيل » ( أش 7 : 14 ) . لم يكن مفهوماً كيف تحبل عذراء !! واستمر هذا السر مغلقاً حتى بشر الملاك العذراء الطاهرة القديسة مريم بميلاد الكلمة الأزلى متجسداً من الروح القدس ومنها ... وظهر ملاك الرب أيضاً ليوسف خطيب مريم في حلم مؤكداً له إتمام ذلك بالفعل حسب نبوة اشعياء النبي « وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل : « هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعون إسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا » ( مت ۱ : ۲۲ ، ۲۳ ) . لقد سبق الرب فاعلن بفم أنبيائه القديسين هذا العجب العجاب الذي تم في ملء الزمان لكي لا يتعجب ذوى الألباب . ميلاده في المزود : « فولدت إبنها البكر وقمطته وأضجعته في المزود . إن لم يكن لهما موضع في المنزل » ( لو ۲ : ۷ ) لقد أمر الرب في القديم بتقديم ألوف الملايين من الذبائح الحيوانية تكفيراً عن خطايا شعبه حتى جاء الذبيح الحقيقي « حمل الله الذي يحمل خطية العالم » ( يو 1 : ۲۹ ) . لهذا ولد الرب بين الذبائح من الحيوانات في المزود ليعلن أنه هو ذبيحة الخلاص الوحيدة عن جنس البشر . لستقيله ببساطة القلب فإن جميع أحداث الميلاد أحاطتها البساطة بعيداً عن مظاهر العالم . وحتى تقدمة المجوس لم تأخذ مظهر العظمة العالمية بقدر ما كانت تحمل رموزاً قوية إلى معان روحية سامية . مثل ملك السيد المسيح وكهنوته وآلامه ( ذهبا ولباناً ومراً ) ... سجدوا وإنصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم . مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثانى عام 1990
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل