المقالات
09 فبراير 2025
انجيل قداس الأحد الأول من شهر أمشير
تتضمن الحث على الصدقة مرتبة على قوله بفصلى
انجيل اليوم "الحق الحق أقول لكم أنتم الآن تطلبوني ليس لأنكم رأيتم آيات بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم " ( يو ٦ : ٢٢ - ٣٩ )
يجب علينا أن نقدم الاهتمام بالأمور الروحانية على طلب الامور الجسدانية الضرورية وأن نلازم المسيح لا لنلتمس منه المحسوسات الأرضية كاليهود بل لنطلب منه نعيم الملكوت لأنه إذا كان قد قال لأولئك مبكتا لهم مع أن مواعيدهم كانت جسدانية انكم لا تطلبونني لنظركم الآيات بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم فماذا عساه أن يقول للمؤمنين؟
وإذا طان الطالبون للطعام البائد قد تركوا المدن والقرى والصنائع والمنازل وتبعوه في القفر فبأى مقدار يجب علينا نحن أن نبتعد عن الأمور الجسدانية لنحصل الباقيات ثم بعد ذلك نقدم الاهتمام للضروريات الوقتية فإن قلت إذا كان لانسان مال وقنايا كثيرة وحقول وزراعات وغير ذلك ولكن ليس له صناعة يتعيش منها أفما يدبر والحالة هذه أمور قناياه كما ينبغى؟ أقول لك أنه ينبغى أن يكون شبيهاً بأيوب الصديق الذى كان يستعمل أمواله ويصرفها في المفيد غير مغتبط بوجودها ولا مغموماً على فقدها وإذا كان المتيسر بالمال يعلم أن في العالم صنائع كثيرة وهو لا يحسن أن يكون صانعا للذهب ولا للفضة ولا للنحاس ولا للحديد ولا نساجاً ولا نجاراً ولا غير ذلك من أمثال هذه الصنائع فأنا الآن اقدم له صناعة أشرف من هذه الصنائع كلها فإن قال وما هـــــي الصناعة الجميلة الوصف؟ قلت أن يستعمل قناياه كما ينبغى وهو أن يعطى المقلين ويقرض المعسرين ويرحم البائسين ويتراءف على المساكين ويفعل جميع ما يجب عمله على المتيسرين فإنه بهذه يفوق سائر أرباب الصنائع لأن حوانيت أولئك في الأرض أما هو فحانوته في السماء أولئك يقتدون بالبشر في صنائعهم وهذا يقتدى بخالقه اولئك يحتاجون إلى آلات من نحاس وحديد وخشب وحجارة وغير ذلك لتدبير صنائعهم وهذا غنى عن جميع الآلات أولئك يحتاجون إلى وقت في تعليمهم وإلى جوائز للمعلمين وهذا يوجد بغير تعب وفى الوقت الحاضر ويأخذ الاجرة من المرشدين أولئك غاياتهم الفساد والهلاك اما هو فغايته التمتع بالخيرات السمائية وحصول النعم الروحانية والإختلاط بالزمر الملائكية والإستضاءة بالأنوار الإلهية والتصرف مع الختن في الأمجاد الابدية وإذا كان هذا علو شرف صاحب هذه الصناعة على الصنائع الضرورية في قوام الحياة فما قولك في الصنائع الاخرى المستعملة للمترفهين والمتنعمين والبذخين والمهملين لذواتهم كالذين يصنعون الحلل الملونة والثياب المنقوشة والذين يصورون الحيطان ويدهنون الخشب والذين يصنعون الاصناف المنقوشة بالحرير والذين يتناهون فى عمل أوانى الشراب وآلات اللهو والطرب وأمثال هذه التي لا ينبغى أن تسمى صنائع بل ينبغى أن تسمى اسبابا للفساد والبوار لأن المستعملين لها يحسبونها من الخطايا الصغار إلا أنها أسباب لكبائر كثيرة وإذا كان بولس الرسول يصرخ هكذا نحو النساء بأن تكون زينتهن لا بضفائر الشعر ولا بالجواهر ولا بحلى الفضة والذهب ولا بالثياب المرتفعة الثمن بل بخشية الله كما كانت النساء الطاهرات قديماً فماذا عساه يقول للرجال؟ وبماذا يقول لك أنت أيها اللابس الثياب المنقوشة المختلفة الألوان والاشكال المتحلى بخواتم الذهب والمتخذ الاخفاف المخروزة بالحرير والناظر إلى علو الاسرة ونقوش الفراش وتزيين الحيطان بصور الحيوانات والطيور المصنوعة من الخزف والشمع وغير ذلك وإذا كان الرجال لا يأنفون من التشبه بالنساء في اتخاذ الآلات المنقوشة فأولادهم ماذا عساهم أن يصنعوا ؟
وإذا كنت ياهذا إلى الان مغرما بألوان الازهار ونضارة الشجر ونقوش الحلل وزخرفة الثياب وسماع الملهين والمطربين فمتى تكون عاقلا؟ومتى تطلب زينة الباقيات؟ ومتى تشتاق إلى نعيم الملكوت؟
وإذا كانت قلوبنا معلقة بهذه الخسائس فكيف نضجر من عقاب ربنا إذا أيقظنا بالتأديبات اليسيرة كالامراض والمتاعب وتعذر المكاسب وقيام الظالمين وكيف لا نكون مستحقين للغلاء والوباء والتجارب والضيقات ونحن نبصر إخوة المسيح مطروحين في زوايا الشوارع جياعاً عراة عطاشى حزاني ونحن ننفق أموالنا فى الامور الضارة وننعم بها على الملهين والمضحكين ونحجبها عن المستحقين وإذا كنا إلى الآن نتعلق بالأمور الوضيعة فمتى ننظر إلى السموات؟ ومتى نتفرس في حسن صور المبدعات ؟
وإذا تعجبنا من أشكال الحيوانات المهندمة ومن الاحجار والخشب وغير ذلك فلم لا نتعجب من إبداع الخلائق وترتيب الافلاك وأشكال الكواكب ونظام الموجودات وإخراج الارض للمياه من العدم وإخراج جميع الحيوانات والنباتات من الأرض والماء ونسبح خالقها بلا فتور ؟
وإذا كنا إلى الآن نتخذ مثل هذه الثياب المنقوشة ونمدح اللابسين لها والمقتدرين عليها ونستنقص المقصرين والعاجزين عن إتخاذ نظائرها فكيف لا نحسب مع التائهين؟ لاننا بذلك نكون سبباً لان يبيع الاحداث والشابات من الرجال والنساء حسنهم وجمالهم لاقوام آخرين ليجودوا عليهم بما يقتنون به مثل هذه الثياب وهذه الآلات الفانية بل ويتطفلون عليهم ويصيرون عندهم بمنزلة العبيد والخدم وإذا كنا قد وجدنا هذه الامور سبباً لفساد المؤمنين هكذا فكم عقوبة يعدها لنا ربنا ؟
وإذا كان بعض الرجال يأخذون على نفوسهم تعليم الجيوانات وتأديبها كالذين يهذبون الوحوش والطيور وغير ذلك ويكلفون غير الناطقين التشبه بالناطقين فيعلمون الفيلة السجود لملوكهم والطيور تنطق باللغات، والقرود ترقص على ضروب مختلفة فلم لا نعتنى نحن بتعليم المؤمنين؟ وإذا كنا لا نعتنى بتهذيبهم فعلى الاقل لا نكون سبياً لهلاكهم وإذا كنا نعتنى بتنظيف ثيابنا واصلاح منازلنا فكيف نهمل نفوسنا ملطخة بهذه الأوحال مبتعدة عن مواطن الحياة وكيف لا نعلم أن النفوس المهملة من الفضائل هي كالاراضي المهملة من الزراعات المعدة لان الشوك ينبت فيها من هنا والحسك من هناك وتكون مكامناً للوحوش والافاعي ومرانعاً للشياطين
فسبيلنا إذن أن نبتعد عن الفانيات ونهرب من التنازل مع الشهوات ونتيقظ لعمل الصالحات. ونستعد للمواعيد السموية لنفوز بنعمة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى أبد الابدين أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
02 فبراير 2025
انجيل قداس الأحد الرابع من شهر طوبة
تتضمن البحث في العقاب الزمني للخطاة مرتبة على فصل إنجيل تفتيح عيني المولود من بطن أمه أعمى.
( يو ٩ : ١-٤١ )
بينما كان السيد مجتازا فى الطريق رأى انسانا مولودا من بطن أمه أعمى فسأله تلاميذه قائلين " يا معلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى فأجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا ابواه لكن لتظهر أعمال الله فيه " إن هذه المسألة عسرة الفهم جدا لأنه إذا كان هذا الإنسان قد ولد من بطن
أمه أعمى فأين ومتى أخطأ؟ أفى البطن وقبل أن يولد ؟إن في هذا عجبا لأنه قبل أن يولد لم يكن في الوجود حتى يقال إنه ولد أعمى قصاصا له على خطيته وبالتالي لم يكن ممكنا أن يخطئ وقول البشير أيضا " أم أبواه " لا يصح صدوره عن الرسل إن لم يكن هناك سبب آخر لأنهم يعرفون الكتاب المقدس القائل إن الله إن هذه المسألة عسرة الفهم جدا لأنه إذا كان هذا الإنسان قد ولد من بطن أمه أعمى فأين ومتى أخطأ ؟ أفى البطن وقبل أن يولد؟ إن في هذا عجباً لأنه قبلى أن يولد لم يكن في الوجود حتى يقال إنه ولد أعمى قصاصاً له على خطيته وبالتالي لم يكن ممكناً أن يخطئ وقول البشير أيضاً " أم أبواه " لا يصلح صدوره عن الرسل إن لم يكن هناك سبب آخر لأنهم يعرفون الكتاب المقدس القائل أن الله لا يعاقب الابن بخطأ أبيه كما يظهر من قول حزقيال النبي " النفس التي تخطئ هي تموت أيكون السبب إذن الذى جعل الرسل أن يلقوا هذا السؤال " من أخطأ هذا أم أبواه " ذلك المثل الدارج بين اليهود : " الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الابناء ضرست كلا ليس هذا هو السبب لأن الله قد أثبت بقسم أنهم لا يرون اتمامه بالفعل إذ قال بواسطة حزقيال النبي " حى أنا يقول السيد الرب لا يكون لكم من بعد أن تضربوا هذا المثل في اسرائيل " وإنما السبب في ذلك عقيدة التناسخ التي كانت سائدة بين اليهود في ذلك الحين فظن التلاميذ السائلون وهم من اليهود أن هذا الأعمى كان صحيح العينين عند ولادته الأولى وأخطأ في جسده الأول ولما ولد ثانية عوقب بالعمى ليتطهر من خطاياه السابقة وهذا الظن ألجأهم لأن يسألوا معلمهم قائلين " من أخطأ هذا أم أبواه " فأجابهم بقوله " لا هذا أخطأ ولا أبواه " فأبطل بهذا ظنهم الذى كان قد خامرهم وقوض أركان الرأى الخاطئ الذي كان سائداً بين اليهود وهو عقيدة التناسخ وقد ظهرت أعمال الله في هذا الأعمى بتحويل ظلام عينيه إلى نور بواسطة الطين والتفل وعلى ذكر هذا الإشكال الذى عرض للتلاميذ بخصوص المولود من بطن أمه أعمى نبحث في التجارب وأنواعها فنقول إنها تكون لتمجيد الله كما سمعتم بفصل انجيل هذا اليوم للقصاص المادى الزمني كما حدث للانسان الزاني الذي أمر بولس الرسول بتسليمه للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص النفس يوم الرب يسوع للخلاص من شر الكبرياء كما قال بولس الرســـــول عــــن نفسه أنه أعطى في جسده ملاك الشيطان ليلطمه فسأل الرب من أجله ليفارقه فقال له " تكفيك نعمتى لان قوتي في الضعف تكمل " للتجربة كما حدث لأيوب البار هذه أنواع التجارب ويعترض البعض على وجود أبرار معاقبين وخطاة يرقدون بسلام ونسى أو تناسى أن أحكام الله لجة عظيمة وانها بعيدة عن الفحص والاستقصاء لأن من يقدر أن يعرف أفكار الرب أو من صار له مشيراً نعم يوجد خطاة قد عوقبوا كقايين وفرعون و شاول و آخاب
ونبوخذ نصر وغيرهم كثيرون ويوجد خطاة آخرون عاشوا في سعة ورقدوا وعمرى وغيرهم كثيرون وذلك لأنه لو عاقب الله بسلام كرحبعام وأبيا جميع الخطاة في هذا العالم لصارت الفضيلة أمراً اضطرارياً وخوفاً من العقاب الحسى الزمني وليس حباً في الصلاح ولا لأجل الحظوى بالملكوت الأبدى إذ لا يكون ثواباً للفضيلة وحينئذاك يكون خضوع الإنسان للناموس كخضوع الفرس للجام وتكون الدينونة العامة غير لازمة فيبطل القول بخلود النفس ويعكف الاشرار على شرب كأس الخطية ولا شرب الماء وفى هذا إنكار لعناية الله تعالى وبما أننا نؤمن بعدل الله فمتى شاهدنا بعض الخطاة غير معاقبين في هذا العالم فأنه يجب علينا أن نتأكد بوجود حياة أخرى مستقبلة وأنه سيأتي يوم فيه يعاقب الله الخطاة الذين رقدوا بدون عقاب أما معاقبته للبعض في هذه الدنيا فإنما هو لكي يقمع ذوى الشر والفساد ويرهبهم ولكى يظهر اعتناءه بالبشر وبأعمالهم غير أن البعض ارتأى ان الله يعاقب في هذه الدنيا أولئك الذين قد بغضهم لكثرة خطاياهم ويترك أولئك الذين أخطأوا خطايا صغيرة وهذا الرأى غير صحيح، لأن الكتاب يقول من أجل الخطاة المعاقبين في هذه الدنيا أن " الذي يحبه " الرب يؤدبه وكأب بأبن يسر به " ويقول من أجل الخطاة غير المعاقبين في هذه الدنيا : " لا أعاقب بناتكم لانهن يزنين ولا كناتكم لأنهن يفسقن لأنهم يعتزلون مع الزانيات ويذبحون مع الناذرات الزني وشعب لا يعقل يصرع " فمن هذا ايها الاحباء نعلم أن الله يؤدب ذوى الخطايا الصغيرة لأنه يحبهم ولكي يجذبهم اليه بواسطة التوبة أما ذوى الخطايا الثقيلة فأنه يتركهم ويحفظهم ليوم السوء والأبرار أيضاً قد يطرأ عليهم ما يطرأ على الاشرار فإننا نرى في الكتاب ودانيال مشرفاً من من هو مشرف وموفق في هذه الدنيا ومنهم من هو محتقر ومضطهد ومضطهد. كيوسف مثلا نراه راكباً مركبة ملوكية وأيوب مطروحا على المزبلة وداود جالسا على كرسى الملك و وإرميا ملقى في جب الحمأة نبوخذ نصر وميخا مضروبا من صدقيا فإن قلت ولماذا هذا ؟ أجبتك بأن الله قد جعل بعض الأبرار مشرفين لكى يراهم الناس فيكرموا الفضيلة ويجتهدوا في اقتنائها وجعل البعض الآخر محتقراً ليمتحن شجاعتهم ولكي يضئ نور فضيلتهم في هذا العالم فيتعظم اسمه القدوس كان الله في العهد القديم يعاقب الخاطئ أثر ارتكابه الخطية ومن ذلك أن رجلا قطع حطبا في يوم السبت فأمر بقتله بالحجارة فقتل وكم من الناس لا يجمعون حطبا يوم السبت فقط، بل يصرفون في كل أيام الاعياد في محال الخمور والفجور ومع ذلك لا يرجمون ولا يقتلون إن مريم وهرون تكلما على موسى لاتخاذه أمراة حبشية قائلين " هل كلم الرب موسى وحده ألم يكلمنا نحن أيضاً وفى الحال صارت برصاء وكـــــم من الناس يسعون لضرر غيرهم بالوشاية والنميمة ومع ذلك لا يسهم البرص إن عزة مد يده إلى تابوت الرب فجرح ومات لدى التابوت وكـــــم مــــن المسيحين في هذه الايام يتجاسرون ويمدون أيديهم إلى الاسرار الالهية بدون استحقاق ومع ذلك لا يجرحون ولا يموتون إن كثيرين يحسدون ويطمعون ويكذبون ويفعلون شروراً متنوعة ومع كل ذلك لا يعاقبون كأولئك فلماذا هذا يا ترى ؟
الجواب إن الله جل وعز قد عاقب البشر بأنواع كثيرة على سبيل العبرة والمثال لكي يبين للناس أنه ينتقم من الخطية ويؤدب الخطاة كما يقول الرسول"كلى تعد ومعصية نال مجازاة عادلة " ولاجل هذا تراه في هذه الايام يطيل أناته فلا يؤدب الجميع أثر أرتكاب الخطية في هذه الحياة وذلك حتى تبقى إرادة الانسان حرة فيعمل الفضيلة بالرضاء والاختيار وإلا فالقصاص سوف ينتظره فسبيلنا أيها الأحباء أن نحزن ونذرف الدموع على خطايانا مقدمين فروض التوبة والندامة معترفين حتى بما نظنه صغيراً كالحقد والحسد والنميمة وما أشبه ذلك لنحظى بما وعدنا به ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذى له المجد إلى الابد أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
26 يناير 2025
انجيل قداس الأحد الثالث من شهر طوبة
تتضمن ذم رذيلة الحسد مرتبة على قول تلاميذ يوحنا المعمدان له بفصل انجيل اليوم "يا معلم هوذا الذى كان معك في معبر الأردن الذى أنت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون إليه فقال لهم أنتم أنفسكم تشهدون لى أنى قلت لست أنا المسيح بل اني مرسل امامه ينبغى أن ذلك يزيدةوأنى أنا أنقص " ( يو ٣ : ٢٢ - ٣٦ )
إن تلاميذ يوحنا لما رأوا أقبال الناس على المسيح لنوال معموديتة. تباحثوا مع بعض اليهود المتتلمذين للمسيح قائلين " هل معمودية المسيح أفضل من معمودية يوحنا أو بالعكس وأيهما أوفر قداسة وتطهيرا ؟ وذلك لخوفهم على مركز معلمهم ولحرصهم على شرفه وغيرة منهم جاءوا إليه وقالوا له " يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الأردن الذى أنت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون اليه " أملين أنه يمنعه من أن يعمد فأجابهم يوحنا مذللا عجرفتهم ومؤيدا ما كان قد قاله قبلا " لا يقدر انسان أن يأخذ شيئا إن لم يكن قد أعطى من السماء " أي أن يسوع قد أعطى ذلك من الله وأنا يكفيني أن الله أعطاني أن اكون سابقا له ومعدا طريقه وأني اسر واريد أن أحيا وأموت كذلك فلا تظنوا أنى أحسده ألا تعلمون هذا وأنتم أنفسكم تشهدون لى أني قلت لكم أنى لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه لأعـــــد الناس لسماع إنذاره وأعلمهم الاعتقاد به و" ينبغى أن ذلك يزيد وأني أنا انقص " أي يجب أن يعظم قدر المسيح بتقاطر الناس إليه وبشهرته وتعليمه وسلطته وكثرة عجائبه وعلو مجده ليعلم العالم أنه المسيح فيحبه ويتبعه ويعبده أما أنا فينبغي لــــي أن أنقص إذ يعرف العالم أنى خادم وسابق له كنجمة الصبح التي يأخذ ضوءها بالانتقاص كلما زاد بزوغ الشمس فإن قلت وما الذى دفع تلاميذ يوحنا لأن يقولوا له " هوذا الذي كان معك يعمد والجميع يأتون اليه " أجبتك إنما هو الغيرة أو هو الحسد إذن لا توجد خطية تفرق الإنسان من الله والناس مثل خطية الحسد لأن هذا المرض هو أشد خبثا من محبة الفضة لكون محب الفضة يفرح متى ربح شيئاً أما الحسود فيفرح متى خسر أحد شيئا أو ضاع تعبه سدى ويحسب عسر الغير وخسرانهم ربحا له فهل يوجد أشر من هذا؟
انظر كيف أن الحسود يهمل شروره وببحث عن شرور الآخرين ؟ولا يحصل له من ذلك غير التحرق والاضطراب ويحرم ذاته من ذاك التعيم الشهى في الفردوس و مالي أقول الفردوس فإنه في هذا العالم أيضاً لا يحصل له خير ولا نعيم وكما أن الأرضه تأكل الخشب والعث يفسد الصوف هكذا الحسد فإنه يذيب عظام الحسودين ونفوسهم ويفنيها معاً أولئك الذين هم أشر من الوحوش وأخبث من الأبالسة لأن غضب الوحوش يكون إما من احتياجهم للغذاء أو من اضطرابهم وقلقهم منا لكن الحسودين إن أحسن اليهم أحد يكون كأنه ظلمهم أما الأبالسة فإنهم يكونون أعداء ألداء شديدي الخضومة نحو أبناء البشر ولكنهم مع امثالهم وشركائهم لهم محبة مفرطة وذلك بخلاف الحسودين فإنهم يهربون من مكالمة أهل طبيعتهم وبالأكثر انهم لا يحبون خلاصهم فلهذا وغيره أقول لكم إنه ولو كان أحدنا يصنع الآيات والعجائب أو يكون حافظاً للبتولية أو كثير الصوم او يكون باسطاً كفيه بالرحمة، أو ينام على الحضيض أو غير ذلك مما يوصله إلى فضيلة الملائكة وكانت فيه ألام الحسد فهذا لا محالة يكون أشر جميع الخطاة لأننا إذا كنا نحب من يحبنا وليس لنا أجر أكثر من الأمم فكيف إذن يكون حال من يبغض الذى يحبه ويحسده؟ وأين يكون مستقره ؟. غير ممكن أن تتواتر الأخبار عن أحد يأنه شرير ما لم يسبب هو بذاته تلك الاسباب لأن كثيرين من هؤلاء يسقطون فى اليأس فنمتلئ نفوسهم اكتئابا وتمزقهم أسواط غيظهم وألمهم وكلما محسودهم زادت غصتهم ونسوا ماهم فيه من النعمة واسباب الهناء وتشاغلوا في ذكر ألاء محسودهم ثم عادوا يستكبرونها ويتألمون منها كانها نصال حادة تجرح فؤادهم فيبيتون والأرق مصاحبهم ويصبحون والأسى ملازمهم كل ذلك والحسود في دعة من العيش لا يشعر بشئ من هذه الألام فما أعدل الحسد لأنه يقتل الحسود قبل أن يصل إلى المحسود فاستيقظ أذن أيها الحسود من نومك وانتبه إلى ما صرت اليه فإن الحسد قد جعلك تسر بضرر أخيك بالطبيعة وتحزن لحصوله على الخير بهذا قد جردت نفسك من الانسانية وصرت شبيها بالخنافس التي تضرها رياح الورد وتنعشها روائح المزابل وإلا فقل لى إذا كنت قد ظلمت من أولئك فلماذا تظلم أنت نفسك أيضا! اما تعلم أن من جازى شرا بشر ففى ذاته يجوز السيف فإن أثرت انتفاع نفسك والإحسان إلى ذاتك فقل للذي ظلمك إنك وإن تكلمت على شرا فانا لا اعتقد أنك عدو لي ولا تتكلم على أحد بالردى أبدا لئلا تدنس ذاتك وتهلك نفسك إن الحسد أرسل هابيل سريعا من غير اختياره ليمثل بين يدي الله عندما
قتله قايين أخوه ما الذى أضر بيعقوب حينما حسده أخوه عيسو لقد كان يعقوب ممتلئا من الخيرات أما عيسو فقد كان مطرودا من وطنه يجول البلاد الغريبة ولم يصحبه سوى الحسد وما الذي استطاع أن يفعله أولاد يعقوب بيوسف المحسود منهم وقد وصلوا إلى سفك الدم أليس أنهم كادوا يموتون جوعا وقد أصابتهم كل مصيبة أما يوسف فقد صار ملكا متسلطا على مصر وكل تخومها؟ إلا تعلم أيها الحسود انك بمقدار ما تحسد أخاك الانسان تسبب له خيرات جزيلة وتعد لنفسك عقابا مؤلما مع الشيطان مدبرك لأن الله فاحص القلوب والكلى ينظر أفعالنا جميعا سواء كانت شريرة أم صالحة فإذا رأى المظلوم صابرا شاكرا ضاعف له الاحسان أكثر من الأخرين وعاقب الظالمين بزيادة وإذا كان عقابه يعم البخلاء والقساة فكم بالحرى يكون عقابة للحسودين؟
وإن كنت تحب من يحبك فأى فضل لك؟ إذ ان العشارين والخطاة يصنعون مثل ذلك وإن أبغضت من يحبك فأى عفو أو غفران يحصل لك؟ لا عفو ولا غفران لك لأنك تحزن لأجل الخير الواصل لأخيك وقد كان يجب عليك أن
تحزن على الذين يصيبهم شر لا على الذين يحصل لهم الخير فيا للعجب !!! لإن الزاني يتورط فى الخطا طمعا في لذة جزئية والسارق يستند على الحاجة والفقر فأى عذر لك تقدمه أيها الحسود؟ لا شئ بل إنما هو
مضرة وشر عظيم إن الشيطان لا يحسد الشيطان بل يحسد الناس فقط أمام الانسان فأنه يحسد الانسان فالحسد إذن خطية عظيمة وهو يؤول غالبا لخير المحسود ولنور لكم ما يثبت ذلك:- ١- خبر قتل قايين لهابيل أخيه الوارد ذكره في الاصحاح الرابع من سفر التكوين. ٢- خبر يوسف الذى كان أبوه يعقوب يحبه أكثر من جميع أخوته ولذلك حسدوه وأبغضوه حتى أنهم ما كانوا يكلمونه ولا بكلمة السلام ثم طرحوه في بئر لا ماء فيها فأخذته قافلة الاسماعيليين وباعته لخصى فرعون فنال حظوة فى عينى سيده وبالاجمال اتصل خبره بفرعون فجعله سيدا على كل أرض مصر وجاء أخوته وسجدوا له وهم لا يعرفون. ٣- خبر شاول الذى لما سمع بنات اسرائيل يغنين لداود لدى رجوعه من قتل جليات الجبار قائلا: " قتل شاول ألوفه وداود الربوات " غضب وأضمر له شرا من ذلك الحين ولكنه لم يصبه بشر لأن الله كان معه وأخيرا مات شاول وجلس داود على أريكة الملك عوضا عنه.وغير هذا كثير من الحوادث التي تنبئنا بأن الحسود لا يسود أبدا ولا ينال من حسده لغيره سوى الاضطراب الدائم والحزن الشديد ثم الموت مغبوطا عليه في الدنيا والآخرة فسبيلنا أيها الاحباء أن نقاتل هذه الرذيلة بالتواضع ومحبة القريب والابتهال اليه تعالى بتواتر أن يقلع جذور خطية الحسد من قلوبنا حتى تنجو نفوسنا من شرها له المجد إلى أخر الدهور كلها أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
12 يناير 2025
انجيل قداس الأحد الأول من شهر طوبة
تتضمن مدح أهل مصر ورهباتها مرتبة على قول الملاك ليوسف في الحلم بفصل اليوم قم وخذ الصبى وأمه وأهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ( مت ٢ : ۱۳-۲۳ )
يا أحبائي إن مصر لما قبلت سيدنا يسوع المسيح سائرا إليها أولا فقد أصبح ملك المسيح فيها مشرقا وتعليمه بها لامعا وذلك السحر الذي كان ثابتا فيها وصادرا عنها مبطلا وتهاونت بحكمائها الأولين وبكتبهم وطلاسمهم وسارت تتشرف بالخيمي والعشار والصيادين وتتلوا نهارا وليلا رسائلهم وبشائرهم ويصدروا في كل جهاتها صليب سيدهم وهذا لم يوجد في مدنها وقرأها فقط بل وفي براريها وجبالها بالأكثر فأنه قد صار براريها ربوات ملائكة في أشكال إنسانية وجيش مسيحي وقطيع ملكوتي ومذهب القوات العلوية وهذا موجود في بلاد مصر ليس من الرجال فقط بل من النساء أيضا فليست السماء بهية بنجومها وافلاكها مثل بهاء برية مصر برهبانها ومساكنهم فى جميع جهاتها وبهذا يعرف قوة الشريعة المسيحية كلا من كان قد عرف حال مصر قديما بل أن أثار كفرها وجنونها تدل على ما بطل منها من ذلك كما أن أجتهادهم الآن في عيشتهم الروحانية وفلسفتهم فى سيرتهم السمائية تدل على ايمانهم القوى واملهم العلوى لأنهم تجردوا من قناياهم كلها وصلبوا انفسهم عن العالم كله وكدوا في أعمال الجسد لتكون لهم كفاية للقيام بطعام المحتاجين وعندما صاموا نهارهم وسهروا ليلهم يطلبوا البطالة بل قطعوا لياليهم بالتسبيح وصرفوا كل ايامهم في الصلوات وفي عمل أيديهم متشبهين في ذلك ببولس الرسول أفما نخجل نحن يا أحبائى الموسرين منا والمفترين من كون أولئك الزاهدين لما لم يمتلكوا شيئا سوى أعضاء بدنهم أجتهدوا أن يجدوا من هى الجهة عونا للمحتاجين ونحن لا نسعف المتضايقين ولو بفضلة مما هو مخزون في منازلنا لقد كان اولئك المصريون أسرع مبادرة من غيرهم إلى غيظهم وأشد الناس كلهم مثابرة على لذة جسمهم وهذه لما أعتادها اليهود عندهم صاروا يتذكرونها ويطلبونها حين مفارقتهم وارتحالهم عنهم إلا انهم لم تسلموا نار المسيح باشارهم صاروا في الامور الروحانية كما كانوا في الأمور الجسدانية وانتقلوا من الأرض إلى السماء وتركوا السيرة البهيمية الشيطانية وتشبهوا بالسير الملائكية ومن ذهب إلى مصر يعرف بالمشاهدة صحة ما قلناه ومن لم يمضى فليتفطن في حال السعيد انطونيوس الذي فرعته مصر بعد الرسل الباقى إلى ألان في أفواه المؤمنين كلهم الذي لم يندر من كونه في البلد الذى كان فيه فرعون لكنه اصبح اهلا للمناظر الإلهية وأظهر المذهب الذى تقصده شريعة المسيح والكتاب المدونة فيه سيرته يوضح ذلك ويتضمن ما ينبئ به من المضرة الكائنة من سقم أريوس فهذا الفاضل ( القديس انطونيوس )وأمثاله برهبان يشهد لنا بفضل شريعتنا. إذ لا يوجد أحد من الخارجين عن ديننا بهذه الصفات وأنا اسالكم أن تتصفحوا كتاب هذا القديس لتتعلموا فلسفته وان تجتهدوا بأن تماثلوه في اجتهاده. فقد علمتم أنه لا جودة البلد ولا فضل الأباء ولا رداعته وخستهم يمنعنا إذا شئنا التفلسف أو يوجبه علينا فأبراهيم كان ابوه كافراً ولم ! ولم يوجب له هذا تجاوز الشريعة. والثلاثة فتية كانوا في بابل. وكان طعام ملكها بقدم لهم. ولم يمنعهم هذا من تمسكهم بفلسفتهم وأظهارهم لها. ويوسف كان في وسط مصر في زمن جنونها لكنه تكلل بعفته. وقد تربى موسى أيضاً فى مصر حين تمردها. وبولس ورسل ربنا بشروا المسكونة وما حصل لواحد منهم تأخير في سعي فضيلته فسبيلنا يا أحبائى أن ندافع المدافعات ونمارس المجاهدات لنتمتع بالنعم الدهرية بمعونة ربنا والهنا يسوع المسيح الذى له التسبيح والقدرة والجبروت والمجد دائماً أبدياً أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
05 يناير 2025
انجيل قداس الأحد الرابع من شهر كيهك
تتضمن ميلاد يوحنا المعمدان ثم نتأمل في رحمة الله مرتبة على قول البشير بفصل اليوم "وأما اليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابنا وسمع جيرانها واقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها ( لو ١ : ٤٧ - ٨٠ )أيها الأحباء يخبرنا البشير بفصل انجيل هذا اليوم عن ميلاد طفل عجيب لأنه ولد على طريقة خارقة العادة ليكون بشيرا أمام المسيح بمدينة يهوذا ونذيرا بقرب قدومه ونورا مضيئا فى الكنيسة وهذا الطفل هو يوحنا المعمدان الذي يقول عنه بعض الآباء أنه وإن لم يكن من تخوم بيت لحم حيث قتل الأطفال بأمر هيرودس الملك إلا أنه كان يخشى عليه بسبب شهرة ميلاده. ولذا قد هربت به أمه اليصابات الى البرية واختفيا في مغارة وبعد أربعين يوما ماتت أمه وكان يعوله ملاك الرب إلى يوم ظهوره لاسرائيل وقيل إن اختفاءه كان سببا لقتل أبيه زكريا بأمر هيرودس بين الهيكل والمذبح وقد سمعتم قول البشير عــن اليصابات " أن الله عظيم رحمته لها " وهو قول حق. إنه لولا مراحم الله لما بقيت سالمة إلى ساعة الولادة ولما أمكن لها أن تصير أما ليوحنا المعمدان الذي قال عنه سيد البرايا " أنه ليس بني أعظم منه بين المولودين من النساء " فالرب قد عظم رحمته لاليصابات بقصد اتمام نبوة ملاخى النبى القائل " هأنذا ذاك أرسل ملاكي فيهي الطريق أمامي فيهئ الطريق أمامي) ونبوة أشعياء القائل " صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب أن الله كثير الرحمة لكل الداعين إليه ومراحمه على كل أعماله فتأملوا في العالم تروا ذلك من تلك التأثيرات الظاهرة في كل مكان فتشوا الكتاب المقدس تجدوا في إحدى زوايا الفردوس آدم وحواء عريانين خائفين ورحمة الله متجلببة بشعائر المحبة وتدعوهما كأم حنون لتكسوهما وتطمنهما وأيضا يسمعون في البرية شرقي عدن صوت الرحمة الإلهية ينادى قايين القاتل لأخيه هابيل قائلا له " أين أخاك " تنبيها له لكى يتوب فيغفر له ويطمنه بقوله " كل من قتل قايين سبعة أضعاف ينتقم منه " تشجيعا لضعفه ليرجو الغفران وماذا نرى أيضا في الكتاب المقدس؟ نرى رحمة الله توعز إلى نوح البار أن ينذر الماس الاشرار ويصنع فلكا لخلاص من يريد النجاة من مياه الطوفان ونرى رحمة الله تفتش على عشرة أبرار فقط في تلك المدينة الفاسقة حتى لا تباد بالنار ونرى الرحمة في برية سيناء تناجى موسى من وسط عليقة في شبه نار لتبعث به إلى ارض جاسان لإنقاذ الاسرائيلين من عبودية فرعون ونرى رجلا واقعا بأيدى اللصوص في طريق أريحا ورحمة الله تضمد جراحه كطبيب ونرى ذلك الولد الشاذ الذي بدد أمواله في الخمور والشرور ورجع تائبا إلى بيت أبيه قد قبل وأقيمت له كل ولائم السرور فما أعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون إليه قال أرستوتالس الفيلسوف " إن سهولة الغضب تصدر من الضعف "نعم فإننا نرى الضعيف أسرع إلى الغضب من القوى والمرأة أسرع من الرجل كما أن الشيخ أسرع من الشاب والفقير أسرع من الغنى وهكذا وهاكم مثالا على ذلك ما قاله أدريانوس لمن كان قد أهانه قبل أن يصير ملكا وهو : " لقد نجوت يا أنسان لأني أنا الآن قد صرت ملكا " إن الهنا أقوى من أدريانوس قيصر يمقدار لا يقع تحت حصر وقدرته العظيمة دليل على رحمته الكثيرة فإذا عاقب أثيما فانما يكون ذلك لمصلحته لأنه كالجراح الذي لا يستعمل الكئ بالنار في جسم العليل إلا بعد تحققه من عدم نجاح الادوية البسيطة فيا لعظم رحمة إلهنا التي نراها كل يوم تهطل سحبها على قلوب الخطاة فترويها لتثمر ثمار التوبة وتشرق شموسها على بصائر الصالحين فتردهم إلى سبل الهدى إن الله يدعونا إيها الاحباء فهلم نعود إليه بالتوبة والاعتراف بالذنوب لأن هذا هو الزمان المقبول فلا تقسوا قلوبكم ولا تصموا آذانكم عن سماع صوت الرحمة لئلا يصيبكم ما أصاب ديوجانس من طيباريوس قيصر الذي طلب قبل أن يصير ملكا مقابلة ديوجانس فأجابه بأنه لا يمكنه مقابلته إلا بعد سبعة أيام وقبل انتهاء هذه المدة صار طيبارويس ملكا فخاف الفيلسوف وسعى لدى الوزراء بقصد مقابلة الملك فكان سعيه باطلا إذا جاءه الجواب ليس إلى سبعة ايام كجوابه للملك بل إلى سبع سنين فسبيلنا أيها الاحباء أن لا نؤخر الرجوع إلى الهنا بل نبادر بالاعتراف والندامة ومناولة الاسرار ولا نتباطاً من يوم إلى يوم فإن غضب الرب ينزل بغتة ويستأصل في يوم الانتقام مفتدين خطايانا بالصدقات منظفين قلوبنا بالدموع لننال الغفران فنحظى بملكوت ربنا الذى له المجد إلى آباد الدهور كلها أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
29 ديسمبر 2024
انجيل قداس الأحد الثالث من شهر كيهك
تتضمن ذو الكبرياء ومدح التواضع مرتبة على قول السيدة البتول بفصل اليوم:
"تعظم نفسى الرب لأنه نظر إلى اتضاع أمته صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين .( لو ١ : ٣٩-٥٦ )
اورد البشير بفعل الانجيل اليوم تسبحة البتول الطاهرة مرت مريم التي قالت في مطلعها " تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصي لأنه نظر إلى "بهذه التسبحة سبحت البتول الله عند ما علمت أنها ستكون اتضاع أمته أما لمخلص العالم.وهذه الأقول تصرح لنا على نوع ما بما شعرت به البتول من حاسيات الشكر الوافر الله تعالى على نعمته الجزيلة وبأن الله ينظر إلى اتضاع المتضعين ويرفعهم ويرذل كبرياء المستكبرين ويشتتهم فيجب علينا أولاً: ان نتشبه بها في تقديم الشكر لله كل حين على ما ينعم به علينا من النعم والخيرات الكثيرة والمتنوعة ثانياً: يجب علينا أن نتعلم منها الاتضاع لأنه فضيلة ضرورية للخلاص ولازمة كالأيمان وأى شئ الزم من هذه الفضيلة التي بدونها لا يمكن للأنسان ان يرضى الله وهذا ما أوجه التفاتكم إليه
يقوم التواضع أيها الأحباء بأحتقار الأنسان لنفسه واعتباره للقريب وقـــد أمر به السيد المسيح بقوله : " تعلموا منى لأني وضيع ومتواضع القلــــب وقال الرسول يعقوب: " أتضعوا قدام الرب فيرفعكم قال بطرس الرسول أيضاً: كونوا جميعاً خاضعين بعضكم لبعض وتسربلوا بالتواضع لأن الله يقـــاوم المستكبرين واما المتواضعون فيعطيهم نعمة فالله إذن يحب التواضع ولأجل هذا قد افتتح اعمال حياته الارضية بالتجسد ولهذا بعينه قد اختار البتول الطاهرة لتكون هيكلاً مقدساً يقدم فيه لأبيه الازلى أول أفعال السجود والتواضع العميق لان هذا الهيكل الإلهى مبنى على التواضع ومقدس به الله يحب التواضع وهاكم الامثلة على ذلك من الكتاب المقدس. إني أرى الرماد مقروناً بالمسموح ليكون دليلاً على التوبة وذلك لان تواضع القلب تصحبه الندامة وأرى عشاراً يطلب الرحمة والغفران بدون أن يرفع عينيه نحو السماء لان التواضع يستمد المغفرة التي يأملها الرجاء وأرى أمراة كنعانية تتبع المخلص وهو يظهر لها أنه يرذلها ويحتقرها فتعترف انها تستحق الاحتقار ولم تزل تستغيث بقدرته حتى أدركت مناها وأرى المجدلية تتبع المخلص لان التواضع كـــان وأرى الإله المتأنس أمام أقدام تلاميذه يقـــــدم يرشد المحبة المضطرمة في قلبها لهم في شخصية مثال التواضع بغسله أرجلهم. وقوله لهم: " فإن كنت وأنا السيد قــــد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض لاني أعطيتكم مثالا حتى كما صنعت بكم تصنعون أنتم أيضاً إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه " يسوع تواضع واطاع حتى الموت موت الصليب من أجلك أيها الانسان إلا تخجل من أن تكون متكبرا ؟ إلا تعلم أن الكبرياء هي مصدر للجحود وكل شر كيف لا وهي التي اسقطت الملائكة من السماء ثم اسقطت جدينا الأولين من قمة المجد والهناء إلى هذا الهوان والشقاء وهي بذاتها التي يغتر بها الناس لتبعدهم عن الله والكبرياء على أنواع:
الأول: هو ما يدعوا الانسان لان يدعى بأن كل ما يحصل عليه من الخير إنما هو بقوته وفرط ذكائه أو بحسبه وجاهة من دون مؤازرة الله له وهذا النوع بعينه هو الذي أسقط رئيس الملائكة القوى لأنه قال " أصعد فوق مرتفعات السحاب وأصير مثل العلى"
الثاني: أعجاب المرء بنفسه لماله وحسبه أو لحسن عمله وعلمه.
الثالث: أعجاب المرء بقوته وجماله وشجاعته وغير ذلك من أنواع . الكبرياء وهي على كل أنواعها مضرة." فتمقته من الله والناس وشأنها أرتكاب الأثم أمام الفريقين"نعم لأن الكبرياء هي أول الخطا ومن رسخت فيه فاض ارجاساً ولو قلبنا صفحات تاريخ الاقدمين لوجدناها مليئة بأخبار الويلات وأنواع البلاء التي صبت على رأس بنى الانسان بسبب الكبرياء فكم من ملك جاهل أو متسلط قاس رغبة منه في حفظ مجده وسطوته وأمتداد ايام مملكته قد أسعر نار الحروب في جميع البلاد فشكل الأمهات ويتم الأولاد. وكم من عميد أمه أو عائلة بسبب الكبرياء فقد سلامته وسلامة أمته أو عائلته بل وفي هذه الأيام نرى الكبرياء سبباً لكل نزاع وخصام، فهذا يسعى فى ضرر غيره بدعوى أنه أهانه بعدم أداء الواجب له من الاحترام وهذا يغتاب غيره لاستقامته وآدابه مفتريا عليه الملثم ليخفضه فيستقل هو برفعة الشأن وغير هذا كثير مما يثبت أن الكبرياء مصدر لجميع الشرور وسبب الأثام بأسرها وإلا فقل لى من أين يتاتى العصيان والعناد ؟ وما هي علة البدع والأرتقات والمنازعات بشأن الاعتقاد ؟ أو هل صدر شئ من ذلك عن غير الاستقلال بالرأى وحب الذات وطلب التكبر على العباد ؟ أو هل يخلو مجمعكم من أنسان يروى معائب الناس ويتحدث دواما بالتنديد على أشخاصهم وأعمالهم وأقوالهم؟ فإذا قيل أمامه إن فلانا عالم قال انه أجهل الجاهلين وأن ذكر غيره بالتقوى قال أنه من المرائين وإن ذكر أخر بأنه كاتب منشئ بليغ قال أنه سارق أو مقتبس من أقوال غيره من المتقدمين وبالأجمال لو تذكر له شئ من مأثر الآخرين إلا واجاب بلو كان وعظيم ولكن وغيرها من عبارات الطعن والتنديد المشين ومما يوجب الاسف والحزن الشديد أن الناس من أدنى الخلق حتى الفلاسفة ذاتهم يفتخرون ويرغبون في من يطنب في مديح صفاتهم وأعجب من ذلك أن الذين يكتبون ضد التكبر والافتخار يحبون لانفسهم الفخر بأنهم أجادوا في ما كتبوا ويكتبون فماذا يستفيد المستكبرون والمتفاخرون إذا كانوا لا يحصلون على غير ما يوقعهم في الذل والهوان؟ ويسيرهم محتقرين عند الله والناس فيعاندهم دهرهم فيما يشتهون أخيرا يكونون مظهرا لنقمة الله وإليكم أثبات ذلك فيما يلي :-
أن الكبرياء تقوم بحب التفرد بالمجد والعظمة والله الذى هو مصدر كل مجد وخير لا يريد أن يأخذ مجده الغير لأنه إله غيور ) فهو ذلك يقاوم المستكبرين ويذلهم كما أذل فرعون بالضربات وغرقه في البحر الأحمر مع كل رجاله ومركباته وكما سمح بقتل اليفانا بيد يهوديت وكما ضرب أنطيوخــس الذي صرخ من شدة الامه قائلا: " حق على الانسان أن يخضع له وان لا يحمله الكبر وهو فان إن يجعل نفسه معادلا لله واريوس أيضا الذي أدى به كبريائه أن ينقض تعاليم الكنيسة والأباء فضربه وهو سائر بين مشايعيه ليدخل الكنيسة الكبرى بالقسطنطينية فلم يكد يدنو منها حتى شعر بثقل فمال إلى مكان منفردا لقضاء حاجة طبيعية فساد تبطاؤه ومضوا ليروه فوجدوا ملقى على وجهه ولا حراك به ملطخا بدمائه وأمعائه كانت ملقاة بين الأقذار فما أتعس نهاية المتكبرين الأشرار وما أسوأ حالهم لأن أيمانهم باطل بدليلى توبيخ السيد لهم بقوله: " كيف تقدرون أن تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضـــــــم مــــن بعض والمجد الذى من الاله الواحد لستم تطلبونه" فسبيلنا إذن أيها الاحباء ان نتواضع لنرتفع وننجو من كل المتاعب ولكن افتخارنا بالرب فنجوز هذه الحياة آمنين ونحظى بالنعيم الذي لا يزول بتعطف وتحنن فادينا الذي له المجد إلى الأبد أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
22 ديسمبر 2024
تقرأ بعد انجيل الأحد الثاني من شهر كيهك
تتضمن محاكمة أدم والبشارة بالخلاص مرتبة على فصل إنجيل بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء ( لو ١ : ٢٦-٣٨ ) بميلاد المخلص لقد مرت السنون وكرت القرون والجنس البشرى يتألم متقلباً في المشقات والاحزان التي آلت اليه بطريق الميراث عن أبويه الأولين وفي تلك الأثناء كانت رحمة الله تنظر إلى خراب العالم مفكرة فى طريقة جديدة تكفر عن العصيان وتعيد العمران لأن الله قد وجه سهام سخطه إلى بنى الانسان نظير المخالفة والعصيان تارة بالطوفان وطوراً بالنار والكبريت واحياناً بافتتاح الارض فاهـــا وابتلاع المخالفين ثم بالحروب المتتابعة لبعضها وغير ذلك ، وبواسطة الرحمـــــة قد تقرر منذ الازل وصدرت المراسيم الالهية ، بأنه حيث أن الخراب قد حدث للعالم بواسطة ثلاثة هم : لوسيفورس وحواء وأدم فيجب أن يتجدد بواسطة ثلاثة آخرين هم : جبرائيل ومريم ويسوع وقد مضى ردح من الزمان والجنس البشرى ينتظر بفروغ صبر ذلك الوقت السعيد ، إلى أن جاء ملء الزمان وارسل جبرائيل الملاك من عند الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة ، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف ، واسم العذراء مريـــــم ، فدخــــل اليها الملاك وقال " سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك " وقد صور بعضهم هيئة المحاكمة والمداولة التي جرت بين عدل الله تعالى ورحمته بديوان المحكمة الإلهية بشأن آدم الانسان الأول هكذا: الاتهام: أن آدم الانسان الأول قد خالف وصية الله ، بأكله من الشجرة المنهى عنها ، وعقابه على ذلك ينطبق على الفقرة الثالثة من المادة الأولى وهذا نصها : " من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً ، وأما شجرة معرفة الخير والشـــــر فـــلا تأكل منها ، لأنك يوم تأكل. منها موتا تموت " قال العدل الالهى : إن أدم يستحق عقوبة الهلاك لمخالفته القوانين ، قالت الرحمة : إنه مخلوق للسماء ويجب أن يعفى عنه قال العدل: ولوسيفوس الملاك أيضاً كان مخلوقا للسماء ، ولما خالف هلك قالت الرحمة : يوجد فرق بين آدم ولوسيفورس الملاك ، فهذا روح نورانى قوى وآدم من تراب ضعيف ، فالملاك كان في السماء وآدم على الارض قال العدل : نعم إنه ضعيف وعلى الأرض ، ولكن كانت له وسائط تقويه وهي النعمة الفعالة ، وخضوع الجسد للروح قالت الرحمة : والملاك أيضاً كان له وسائط تقويه وهى سمو معرفته وقوة ارادته وقربه من الله قال العدل كان الواجب على آدم أن يتخذ له عبرة من قصاص الملاك فلا يخالف مثله قالت الرحمة : ما كان للملاك شيطان يجر به . ولا حواء تغويه . ولا ثمرة يشتهيها . قال العدل: على أى حال يجب قصاصه . لأنه لم يعتبر ربه ولا الملكوت . ولا خاف من هول جهنم . والخطية ليست بالأمر الهين ، ولا شرها بالشئ القليل حتى تعتذرى عنه ، فالمذنب يجازى بذنبه ولا محاباة . والحكم ذاته الذي توقع على الملاك وأتباعه الطالحين يجب أن يتوقع عليه. قالت الرحمة ان ذلك الحكم لم يشمل كل الملائكة ، بل بقى منهم القسم الاكثر يمجد الله في السماء. بخلاف الحكم على آدم فقد شمل كل ذريته قال العدل: فليكن كذلك لكل ذريته فيتمجد عدل الله فيهم. قالت الرحمة : عدل الله قد تمجد في قصاص الملائكة. وأنا متى أظهر بمجده. ومع من استعمل شفقتي ؟ في جهنم لا دخل لي ، وفي السماء لا احتياج إلى الرحمة قال العدل: وأنا لا يهمني سوى وصول حقى تماما قالت الرحمة: إذا وصلك حقك تماماً بدون هلاك أدم ألا ترضى؟. قال العدل: أرضى قالت الرحمة أيكفى لذلك أن يطرد آدم من الفردوس إلى ارض الشقاء والهوان حيث يبكى ويحتمل الأمراض والأحزان على شرط أنه ينجو من الهلاك الأبدى. قال العدل: لا. هذا لا يكفى. قالت الرحمة أيكفي أن يموت ويرجع إلى التراب ويصير طعاماً للحيات بحيث تنجو نفسه من جهنم. قال العدل: كلا. لا يكفي. بل يجب أن يموت عنه بار. فتشوا هل يوجد في الأرض بار؟. لا يوجد. ليس ولا بار واحد بل جميعهم زاغوا وتلطخوا بخطية آدم نعم وجد أبرار كثيرون مثل نوح ويوسف وموسى ويشوع بن نون وغيرهم. ولكن تسميتهم ابرارا محمولة على برارتهم من الخطية الفعلية لا من الخطية الأصلية . لأن نوحاً خلص ذاته وسبعة أشخاص فقط من الطوفان ، لا من الهلاك . ويوسف أنقذ أهل مصر وما حولها من الجوع لا من جهنم . وموسى أنقذ الإسرائيليين من عبودية فرعون ، لا من عبودية الشيطان ، ويشوع قد أدخلهم أرض الميعاد أى أورشليم الأرضية ، لا السمائية . إذن لا يوجد من يوفى عن آدم أم رافائيل؟ سكت جميعهم وما قبلوا الموت عن آدم. فقال الأب: ومع ذلك إن موت البشر أجمع. وملاشاة الملائكة بأسرهم. وابادة كل العالم. كل هذا غير كاف لايفاء عدلى حقه. لان كل ما ذكر هو متناه. أما دين آدم فهو غير متناه . عند ذلك بـرز الاقنوم الثاني وقام في الوسط قائلا لابيه الازلى هأنذا يا أبت فارسلني لأتخذ جسداً وأحتمل الآلام والموت لخلاص آدم ايفاء للعدل وتعظيماً للرحمة. ولأن الانسان أخطأ لرغبته فى أن يصير شبيهاً بالله. فأريد أن أصير بحالة إذا تشبه بي يخلص فقال الآب: يا ابنى يلزمك أن تولد في مغارة بين الحيوانات. فقال: لا يهمني. هأنذا فارسلني. قال الآب : يلزم أن تهرب إلى مصر وتكون مضطهدا مهانا ثم تموت
عريانا فقال: لا يهمني. ارسلني. لأن ماذا لى هنا وشعبى قد سبى مجاناً ؟ فقال المبشر لآدم: بشراك افرح. فقال آدم كيف أفرح وأنا جالس في الظلمة . قال المبشر : افرح. لأنه قد تقرر اليوم خلاصك إذا ارتضـــــي ابـــن الله أن يتجسد من بتول لأجلك فترج وتب.فبقی آدم ونسله من بعده ينتظرون تلك البتول المنتخبة ليتجسد منها ابن الله.فقد مرت سارة ولها عظمة الخلافة ولم تكن هي المختارة لأنها ولدت أسحق الذي هو رسم لمخلص العالم ومرت راحيل ولم تكن هي المنتخبة لأنها ولدت يوسف لا يسوع. ومرت بتشبع ولم تكن هي المنتظرة لأنها ولدت سليمان الحكيم لا حكمة الله ومرت دابورة بوظيفة قائدة للشعب ولم تكن هي المنتظرة. ومرت يهوديت مخلصة مدينة الرب وبيدها رأس أليفانا ولم تكن هـــي المنتظرة وهكذا استمر العالم سالكاً في الظلمة مدة أجيال عديدة وبينما كان الناس على هذا الحال إذ ظهرت نجمة الصبح السيدة المختارة مريم البتول التي هي وحدها انتظار العالم ورجاء الشعوب الموقوف عليها اجراء عمل الخلاص وعند بلوغها السنة الثالثة عشرة إذ كانت تصلى ملتمسة من الله أن يرسل سريعاً إلى العالم المخلص المنتظر وإذا بجبرائيل الملاك وقد وقف أمامها وقال لها :" سلام لك أيتها الممتلئة نعمة !! الرب معك " فلما سمعت كلامه اضطربت عجباً !!! إن مريم المختارة تخاف من ملاك سماوى !! وحواء لم تخف من شیطان جهنمی !! ولما قال الملاك للسيدة مريم : " ها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وابن العلى يدعى قالت له وكيف يكون هذا .؟ أما حواء فلما قال لها الشيطان : " يوم تأكلان من الثمر تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر لم تقل " كيف يكون هذا " فما أكثر الذين يسمعون وساوس الشيطان غير خائفين ولا يتوقفون قائلين : "كيف يكون هذا". وما أحسن وأحكم جواب الملاك لسيدتنا مريم. إذ ترددت اتضاعا وتهيبا من تجسد مخلصنا في حشائها الطاهر قائلة: " كيف يكون هذا فأجابها الملاك. "ليس شئ غير ممكن لدى الله" فأطمأن قلبها بهذا الجواب وأذعنت قائلة: " " هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي قولك وعند جوابها هذا حل الإله في حشائها وصار جسدا الإله صار انسانا وحل فينا والنور الذي كان قد حجب بظلمة الخطية ابتدأ يشرق على السالكين في الظلمة والجالسين في كورة الموت وظلاله تجسد الابن وعاش بيننا كأنسان نحو ثلاث وثلاثين سنة مسكيناً فقيراً تعباً أخذاً أمراضنا وحاملا أوجاعنا وفي آخر سنى حياته كان منذراً او معلماً ومخرجاً للشياطين ومفتحاً للعميان ومشفياً للمجانين وقد أنهى حياته الأرضية معلقا على صليب الآلام والإهانات بإرادته فسحق بذلك رأس الشيطان الحية القديمة إتماما للوعد بخلاص أدم وذريته فيا لمحبة الله غير المتناهية ويالعظمة رأفته بنا ! فإنه لم يكتف بخلقنا
وحفظنا وعنايته بنا كل ايام حياتنا وتسخيره لخدمتنا كل ما في السماء وما على الأرض بل ارسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا برنـــــا مجانا بنعمته بالفداء ليس عن استحقاق لنا وإنما حباً منه ورأفة بنا فهل من حب أعظم من هذا؟ يقول البشير : " ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع الانسان نفسه لاجل أحبائه " ولكن حب مخلصنا أعظم بكثير لأنه لم يضع نفسه عن أحبائه بل عن أعدائه بالخطية والفرق بين النوعين ظاهر كالفرق بين الصداقة والعداوة.
إن الله أحبنا حتى بذل ابنه الوحيد فهل أحببناه نحن لانه أحبنـــا اولا تأملوا هذه المسالة وأسمحوا لي أن أقول الحق بإخلاص وبدون مراعاة ولا محاباة إن الله أحبنا أولا فليتذكر كل منا خطاياه ويعلم أنه كافأ الله عن محبته له ولير سوء تصرفه وقبح نكرانه احسان من صلب ومات عنه وليخف ممن ليس من صفاته الرحمة والرأفة فقط بل العدل والانصاف أيضا ان الله أحبنا أولا فهل أحببناه؟. أن أعمالنا تدل على اننا لم نحبه لأن شرط محبة الله الحفظ والعمل بوصاياه فهل حفظنا الوصايا ؟ أظن لا لأننا نرى الكثيرين يضعون الإساءة بوضع الاحسان ويقابلون النعمة بالنكران ويؤثرون أقـــل الذى اسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا منفعة على محبة الله ولعل البعض يقول : أنى أحب الله واحب قريبي حسنا تقول ولكن ما فائدة القول إذا كان العمل يدل على أنك لا تحب الله ولا تحب أخاك وقريبك ؟ أو لم تسمع قول الرسول: " أن قال أحد أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره " فأن كنت يا هذا تحب الله وتحب قريبك فلماذا تبخل على الفقير الذي يسالك حاجة وتمنع عنه الخير ثم تهينه وتعيره بالبطالة والكسل؟ ولماذا تسعى في الانتقام من أخيك حينما يغيظك وتقول انك تريد تأديبه فقط؟ أو لم يسمع قوله تعالى: "لـــى الانتقام أنا أجازى يقول الرب إذا كنت تحب الله فلماذا لا تواظب على الكنيسة في أيام الأحد وفي الاعياد على الأقل؟ ولماذا لا تقف بأدب وخشوع فى بيت الله حتى لا تشوش على المصلين ؟ ولماذا لا تؤدى الواجبات الدينية المفروضة كالتوبة والندامة والاعتراف ثم التناول من جسد الرب ودمه الاقدسين ؟ هذا ويعوزني الوقت لو اردت زيادة البيان وانما اقول بالأجمال ما أشد جحود الانسان وما أقرب أنكاره للمعروف والاحسان فسبيلنا أيها الأحباء أن نوبخ نفوسنا على ما فعلناه ضد شرف طبيعتنا. وما جنيناه ضد بارينا وفادينا ولنؤد لعظمته تعالى واجب الطاعة والشكر كل حين ذاكرين أحساناته الكثيرة وكل ما يدل على شدة محبتنا لجلاله السامي مزاولين كلى ما يقر بنا إليه لنكون أهلا لتلك المنزلة الرفيعة التي رفعنا إليها له المجد إلى الأبد امین.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
15 ديسمبر 2024
انجيل قداس الأحد الأول من شهر كيهك
تتضمن ذم مجالس الاغانى والسكر والتسرع في الحلف مرتبة على فصل انباء الملاك بولادة يوحنا( لو ١ : ١-٢٥ )
اسمعوا قول الانجيل المقدس يا من تحضرون محافل السكر وتسهرون برؤية الراقصات المهيجات بأفعالهن الشريرة للطبيعة البشرية وافزعوا من حبائل الشيطان المحتال ومن حفائره العميقة لأنه استظهر سابقاً على هيرودس الشقى وأقتاده من الخطية الصغيرة إلى الكبيرة فلينه بالتنعم وألهبه بالتعظم وأوقعه في تحكيم الفتاة الشريرة بتهورة في القسم ليقتاده بواسطته إلى جريمة القتل قال البشير مرقس إن هيرودس أقسم للصبية : " أن مهما طلبت منى لاعطينك حتى نصف مملکتی" ولم يكن قصد الشيطان أن يذبح القديس بل إنما كان قصده إن يذبح هيرودس نفسه فحبائل هذا الخبيث دقيقة عميقة وحيلة طويلة وثيقة وإني عندما افتكر تلك الحادثة المهولة أستغرب مما جرى في ذلك الزمان ولكن يزول تعجبى بسرعة حينما أسمع بما يجرى في وقتنا هذا أى بعد حلول النعمة الالهية وانتشار شريعة الفضل بيننا والعمل بها من كثيرين أفاضل أتقياء وذلك أن جماعة من المسيحيين يجودون على الراقصات والمغنيات ليس بكل ما يمتلكونه فقط بل وبذواتهم أيضاً بدون أن يتقدم اليهم المحتال ويضبطهم بقسم كهيرودس لكنه يستأسرهم باللذة النجسة ويقهرهم بالشهوة فقط وهذه هى طاعة الآباء التي أنكرها المسيح بقوله " من أحب اباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني " فإن تلك الإبنة قد أطاعت أمها في مخازى كثيرة منها التهتك بحضرة كثيرين لا سيما حينما طلبت من الملك قتل القديس يوحنا المعمدان أجرة عن تهتكها وهو قتل محرم كانت نتيجته الحزن بدل الفرح قد تم هذا كله بتدبير المحتال ، لأنه حيث يكون رقص فهناك يكون الشيطان لأن الرقص مخالف لارادة الله تعالى الذى لم يعطنا الأرجل لنقفذ بها مثل الوحوش والبهائم بل لنمشى بها بنظام فتأمل ياهذا في تلك المسألة ما أقبحها !!! وانظر إلى إمهال الله تعالى وكيف أنه ما أنزل عليهم ناراً من السماء لتحرقهم ولا أمر الارض لتفتح فاها وتبتلعهم لانه لا يشاء موت الخاطئ بل بأن يرجع عن طريقه ويحيا لكى يقبله ويكلله وليكن ما جرى في ذلك الزمان سلوة
لمن يقاسي المكروه من حور الأشرار واسمعوا ايضاً يا معشر الذين يبتدئون بالقسم على ما يملكون أو ما لا يملكون وعلى ما يعلمون أو مالا يعلمون أليس انكم بذلك تجعلون أقواماً أخرين بل والشياطين أيضاً حكاما فيكم يتسلطون عليكم فذلك الشقى هيرودس ظن بجهله أن الشقية تطلب منه شيئاً ملائماً للوليمة ولخادماتها وللموسم أيضاً إلا أنه لما طلبت منه خلاف هذا كله لم يردها بل تمم لها مطلوبها وهذا وأمثاله من طباع الزناة لأن التهيئ لهذا الامر يستعد دائما لقتل كثيرين ظالمين ومظلومين فالأم الشقية لقنت ابنها ذلك الكلام المكروه وهيرودس التزم حينئذ أن يخفيه عن أهل بلد طالما أشاعوه في كل المسكونة وذلك لأن خبر يوحنا المعمدان
قد نودی بي في كل مكان وصار يتلى بكل لسان ولا عجب لان هكذا شأن الجاهل الشرير الغادر أن ينظر فقط إلى وقته الحاضر كالجربان الذى يحك جربه أو المحموم الذي يبرد بالماء لهيبه وانظر كيف أن الانجيلي ذكر خبر هذه الحادثة عاذراً هيرودس بقوله اغتنم الملك ولكن من أجل الاقسام والمتكئين معه أمر أن يعطى فأرسل وقطع رأس يوحنا في السجن فأحضر رأسه على طبق ودفع إلى الصبية فجاءت به والصبية والأم الشقية كانوا أولى بالتوجع من المغبوط يوحنا فلنتشبه إذن يا اخوتى بالانجيلي في الاعتذار ولنتجب الالفاظ القبيحة في وصف الاشرار فإنه فى سرد هذه الواقعة لم يقل إن الابنة تلقنت من الدنسة القاتلة ولكنه قال من الام وكذلك لم يقل عن هيرودس انه الظالم الفاجر ابن القاتل بلى دعاه رئيس الربع واعتذر له من غير خروج عن الصدق فقد سماها بأفضل ما لهما أعنى بالأم وبالرئيس وكذلك لم يقل عن الفتاة المنتهكة في بكوريتها إنها ابنة الزانية القاتلة بل قال ابنة هيروديا والصبية كأنه بذلك يعذرها أيضاً بسبب صغر سنها أما نحن فنشتم القريب بل والأخ مواجهة ونذكره بأرد الأوصاف وأقبح الالفاظ كأنه غير انسان لكن القديسين يرحمون ويرقون للخطاة من غير أن يلعنوهم فلنماثلهم ايها الأحباء ولنبك على ذلك المجمع وبالأكثر على تلك المجامع التي تماثله في وقتنا هذا بعد ورود النعمة وظهور حكمة الشريعة المسيحية فإن مثل ذلك المجلس وأردأ منه بكثير تقوم مجالس وتنتظم في وقتنا هذا فهى وان لم تبح قتل يوحنا لكنها تولد هلاك أعضاء المسيح وذلك لأن الراقصات الأن لا يطلبن بعجبهن قطع راس لكن هلاك أنفس فقل لى الآن يا هذا كيف يمكن وأنت في حال سكرك أن تنظر إلى أمرأة متهتكة وبشكلها ولفظها ولا تقهرك الشهوة الحيوانية وتلهبك بسعيرها وتهبطك في حفرتها ؟ فتتم فيك حينئذ تلك الشقاوة التي ذكرها الرسول بقوله " الستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح أفأخذ أعضاء المسيح واجعلها أعضاء زانية حاشا " فتلك الابنة وأمها الملقنة لها الشر هما غير حاضرين الآن . إلا أن الشيطان الذى نظم ذلك المجلس هوحاضر وهو أبو هؤلاء الراقصات ويعلمهن كل حين طلب النفوس ولا يبقى حيلة مهلكة إلا ويستعملها نعم قد يمكن أن بعض الحاضرين يترفع عن السكر ولا يتأثر منه إلا انه قد يشترك مع الباقين فى شرور أخرى بكثير والمجامع الحاضرة لا تخلو من مثل ذلك قال الحكيم" لمن الويل لمن الشقاوة لمن المخاصمات لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن أزمهرار العينين للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج " فلهذا لا تخلو العزائم والولائم من دينونة حيث يعمل فيها كثير مما لا حاجة به وما لا تدفع اليه ضرورة الاحتياج فلماذا ننفق إذن مال المسيح هكذا بالباطل ونتركه جائعاً عطشاناً وعرياناً ؟ على أنى لست اخاطب الآن بهذه الأقوال أولئك الذين يحضرون إلى موائدهم ومجالسهم الزواني والمضحكين وغيرهم إذ لا كلام لي معهم كما أنه لا كلام لي مع الشياطين وإنى أيضاً لا أخاطب بهذه الاقوال أولئك الذين يظلمون ويشرهون ويملأون بطونهم وبطون غيرهم حاشا ثم حاشا لانه لا يليق بي أن أخاطب الذئاب والخنازير وغنما أقوالى هذه موجهة إلى الذين يتنعمون ويتلذذون ويعملون في الولائم بما يفضل عنهم مالا حاجة إليه وينعمون غير المحتاجين ولكنهم لا يشبعون مقلا ولا مضطراً ولا يجالسون عالماً نصوحاً خيراً فنديمك يا هذا المضحك لك هو خادمك ووكيلك وأغنياء جيرانك هؤلاء هم الذين يشبعون من طعامك وأما أخوك في بنوة إلهك وسيدك ورازقك فلا تفتح له بابك ولا تعطيه من خبزك فذاك لاجل الضحك يجالسك ويتنعم معك وهذا لا تعطيه عشر ما تمنح ذاك ز ذاك تكرمه لئلا يذمك وأما هذا فتهينه ولا تخشى العقوبة في جهنم المعدة لابليس ومن يطيعه فإن كنت يا هذا بحسب الطبع تقشعر سامعاً فأولى بك أن تقشعر عاملاً . وخير لك أن يتكئ معك المسيح لا المستهزئ المضحك لك وأن يجلس على مائدتك ذاك الذى أعطاها لك ويؤاكلك ليكرمك ويعينك ويثبتك فانه يكرم المائدة كما أكرم تلك التي كانت زانية وأنى بها ونصرها على الشيطان لما أكرمته وقت الأكل لا تنظر إلى حقارة المسكين ووسخ جسده ولباسه بل انظر يا هذا إلى عظمة المسيح وبهائه ولا تفكر في أن الفقير محتال وبطال أو شره وشرير بل فكر في المضحكين والحاكمين واللاعبين كيف يكذبون ويحلفون فإنهم وإن أفادوا الجاهل في الحاضر طرباً فقد أكسبوه في الآخرة عذاباً وخسراناً ولست مانعاً بهذا القول إطعام أولئك رحمة على سبيل الصدقة ولكنى أمنع فقط الامور غير اللائقة منهم وبهذا يكون منزلك كنيسة الله بدلاً من أن يكون مسكناً للأبالسة وبهذا يهرب منه الشيطان ويمتلئ من نعمة الرحمن وإن أردت يا هذا أن تستخدمهم فاقصد بذلك نفع المحتاجين واصطياد الفقراء واحضارهم إلى منزلك وبهذا لا يتوجعون من كونهم يأكلون عندك مجاناً ولا يذمون ذواتهم في بواطنهم على الاعمال المضحكة التي يعملونها تلك التي تولد الشرور وإن أردت أن تتعزى بهم أو تعزيهم فجالسهم في وقت فضائك بقراءة الكتب الالهية واستانس بهم حين الاجتماع في الصلوات وتكميل الوصايا الشرعية وسبيلهم هم أيضاً أن يبتعدوا من الخساسة النفسانية والبشاشة الشيطانية والاخلاق الصبيانية والتهم الردية حتى يكون كل ما تفعله عائدا لمجد الله تعالى وطبقا لمرضاته فسبيلنا أيها الأخوة أن نهرب من الزنا واسبابه ومن النظر إلى الراقصات ومن سماع الألفاظ القبيحة ونبتعد أيضا من الحلف جهدنا ونعرض عن معاشرة الانذال وأصحاب السير الردية بكل قدرتنا ونتعطف إلى طاعة ربنا الذي له الشكر والعظمة والوقار الآن وكل آوان وإلى دهر الداهرين آمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
01 ديسمبر 2024
إنجيل قداس الاحد الرابع من شهر هاتور
تتضمن الحث على استعمال الغنى لخلاص النفس لا لهلاكها مرتبة على قوله تعالى للرئيس الغني بفصل
اليوم:"يعوزك شئ واحد أذهب بع كل مالك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء ( مر ١٠ : ١٧ -٣١)
قال البشير يفضل اليوم إن واحداً ركض وجثا لسيدنا له المجد وسأله قائلاً: " أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحيوة الأبدية. فقا له لماذا تدعوني صالحاً ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله " إن هذا الشاب الغنى الرئيس كما يدعوه مار متى ومار لوقا وكان مؤمناً بأن يسوع المسيح معلم وصالح. وليس بأنه إله. ولذا قال له سيدنا له المجــــد: "لماذا تدعونى صالحاً فكأنه يقول له : " إذا كنت لا تؤمن بألوهيتي فلماذا تدعوني صالحاً "لأن صلاح البشر او الملائكة إنما هو بواسطة النعمة فقط وليس أحـــد صالحاً بالطبع إلا واحد وهو الله ثم قال له: " انت تعرف الوصايا لا تقتل لا تزن لا تشهد بالزور لا تسلب اكرم أباك وأمك فقال له الشاب يا معلم هذه كلها حفظتها منذ حداثتي . فنظر إليه يسوع وأحبه " يظهر من هذا أيها الأحباء أن الشاب لم يأت إلى السيد له المجد ليجربه كالناموس ولكنه كان قد سمع بأعماله العظيمة وتعاليمه المحيبة واحساناته العميمة . فأتى ليتعلم كيف وبماذا يرث الحيوة الأبدية . لأنه لو كان مجيئه وأقواله على سبيل الرؤية فقط . لما كان السيد قد أحيه وهو علام الغيوب وفاحص الكلى والقلوب فهذا الشاب كان حافظا للوصايا ولكنه كان غنيا ومفضلا غناه على كل شئ أخر لذا قال له سيدنا " يعوزك شئ واحد اذهب بع كل مالك وأعط الفقراء ليكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني حاملاً الصليب ويظهر من قول البشير " فنظر اليه يسوع وأحبه " أن هذا الشاب كان راغباً في الكمال الذي يقول عنه البشير متى ولكن هموم الحيوة وغرور الغنــــى ولذات العالم حالت دون ذلك فاغتم لدى سماعه قول السيد له " بع كل مالك " ومضى حزيناً كما يقول البشير " لانه كان ذا أموال كثيرة " وإذ رأى سيدنا له المجد كآبة هذا الرئيس الغنى. وعدم سماعه مشورته حباً في ثروته قال " ما أعسر دخول ذوى الاموال إلى ملكوت الله " ثم عاد فقال باكثر إيضاح " ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله " فماذا يجب إذن أن يقال ؟ أنقول إن الغنى مضر بالإنسان لانه يحول بينه وبين الخلاص بسبب الأبهة ومجاملة الناس له والمديح والتملق وغير ذلك ما يحوك في قلب الانسان شعائر الخيلاء والكبر ثم التأنق في المأكل والمشرب وراحة الجسد التي تزكى في الإنسان معظم الشهوات فيجمح كالبهيم في بيداء المنكرات أو نقول إن الفقر لخير للانسان لانه يصير وديعاً هادئاً مطيعاً لما له من الحقارة بدل الأبهة وخمول الذكر بدل المديح والازدراء عوض المجاملة فلا هو مقيد بمحبة الفضة والذهب ولا هو موثق باستغلال الحقول ولا بفخامة القصور ولا غير ذلك مما يحول دون ارتقائه إلى قمة الكمال البشرى كلا لا يجب أن يقال هذا ولا ذاك لأنه لا الفقر في حد ذاته يوصل إلى الفضيلة ولا الغنى فى حد ذاته يؤدى إلى الرذيلة وإنما هى إرادة الانسان وميله فإن قلت وكيف ذلك ؟ أجبتك أنه كما أنه يمكنك بلسانك إن أردت تمجد الله وتحسن إلى البشر وبه أيضاً إن أردت تكفر بالله وتلعن البشر هكذا بالغنى يمكنك إن أردت تشبع الجائع وتكسو العريان وتعضد الأرملة واليتيم وغير ذلك وبه أيضاً تقترف أعظم الخطايا وترتكب أفظع المنكرات التي تسهل طريق المهالك وعليه فكم يلزم الغنى من الأتعاب والجهاد في سبيل الحصول على المراد دون أن يسقط فى أشراك الطمع ومحبة المال أو الظلم والجور وكم يلزمه من الشجاعة والشهامة حتى لا يغلب من غرور الغنى وهمومه وملذاته وأباطيله حقاً إن خلاص الغنى عظيم وعسير ومرور الجمل من ثقب ابرة أيسر من دخول غنى إلى ملكوت الله ولكن هذا العسير والغير ممكن يصير سهلاً وممكناً بمؤازرة العون الالهى لأن عند الله كل شئ مستطاع أى أنه متى وجد الله جل وعز في الانسان الغنى أميالاً صالحة ونوايا حسنة فأنه يهبه نعمته فيتغلب بها على تجارب الغنى فيصير أمامه غير المستطاع مستطاعاً وممكناً وهاكم بعض الأمثلة على أن الله يهب النعمة لمن تكون نواياهم صالحة دون سواهم أثباتاً لذلك قال الكتاب المقدس عن غنيين من الأشرار الأول" انسان غنى أخصبت كورته وقال أفعل هذا أهدم مخازني وأبنى أعظم منها وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي وأقول لنفسى يانفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة استريحي وكلى واشربى وافرحى فقال له الله يا غبى هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون " الثاني " كان انسان غنى وكان يلبس الأرجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها وكان مسكين اسمه لعازر مطروحاً عند بابه مضروباً بالقروح ويشتهى أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغنى بل كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن ابراهيم ومات الغنى أيضاً ودفن فرفع عينيه إلى الهاوية وهو في العذاب ورأى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه ، فنادى وقال يا أبي أبراهيم ارحمنى وارسل لعازر ليبل طرف أصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب فقال له ابراهيم يا ابني أنك استوفيت خيراتك في حياتك وهاكم مثال الأغنياء الابرار قال الكتاب " وكان ابرام ( أو ابراهيم ) غنيا جدا في المواشى والفضة والذهب " وكان من أهل العدل والنزاهة فاضلاً كريماً حتى أنه اضاف الملائكة وكان مطيعاً لله جداً حتى أنه لم يتأخر عن تقديم ابنه للذبح وبالأجمال كان باراً فاضلاً ،ونال أعظم مقام في السماء حتى أن مكان الراحة والنعيم دعى حضن ابراهيم
وقال ايضاً عن أيوب البار . إنه كان غنياً جداً وأعظم كل بني المشرق وكان فاضلاً مستقيماً طاهراً وعادلاً تقياً ومبتعداً عن كل شر وكان شهماً ثابت العزيمة والصبر مطيعاً لله لدرجة جعلته مستحقاً لأن يقول عنه سيد البرايا : "ليس مثله في الأرض" فلماذا صار في أيوب غير الممكن ممكناً ؟ الجواب هو لأن الله تعالى رأى نوايا قلبه أنها صالحة فأعطاه من نعمته ما قد عضده وشجعه ونصره في هاتيك الحروب الهائلة والتجارب الشديدة المزعجة التي أثارها الشيطان ضده فالحصول على الخلاص إذن لا يتوقف على الغنى ولا يتيسر بالفقر لأن الله عز وجل خلق منذ البدء كل شئ حسنا وإنما الأمر يتوقف على إرادة الانسان وأميال قلبه قد سمعتم أيها الاغنياء بفصل هذا اليوم كيف أن السيد في مثل مرور الجمل من ثقب الابرة قد صعب عليكم أمر خلاصكم إلى اعظم درجة بحيث يكاد أن يكون مستحيلاً فجففوا إذن من اهتمامكم بما لا يدوم ولا تدعوا زخرف الدنيا يغريكم ولا بهجة الدينار تطغيكم ولا يفوتكم أن يوم الرب يأتي كلص وغضبه ينزل بغتة فكونوا مستعدين لئلا يصيبكم ما أصاب ذلك الغني الجاهل الذي بيما كان يقول أهدم وأبنى وأخزن وأقول لنفسى لك خيرات كثيرة لسنين
كثيرة وافاه النذير من قبله تعالى قائلاً له " يا غبى هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي اعددتها لمن تكون"
فسبيلنا ايها الاحباء أن نتخذ ما جرى لهذا الغنى خير عبرة لنا فنقدس نفوسنا وأجسادنا ولا ندع حب المال يتسلط علينا فيشل قلوبنا عن فرائض الدين بل نقوم بمساعدة البائسين واغاثة الملهوفين عالمين أنه إنما أنعم علينا به المنعــــــم لقضاء الحاجات وعمل المبررات فنقتني الفضائل وصالح الاعمال بتعطف وتحنن ربنا وإلهنا يسوع المسيح الذى له المجد إلى الابد آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد