المقالات

14 مارس 2023

من معالم الطريق الروحي ( ٥ ) التوبة حياة مستمرة

يقظة وتغيير للذهن : الـتـوبة هي مدخل طريق الملكوت ، وهي صـحـوة . فربما كان أصل كلمة « تاب » هو « ثـاب » أي أسـتـيـقـظ وعاد إلى رشده . وفى الـيـونـانـيـة الـتـوبة = ميطانيا ( ميطا = تغيير ، نـوس = ذهـن ) وفهى إذن تجـديـد الـذهـن بحسب تعبير الـرسـول بـولس في رومية ١٢ « تـغـيـروا عـن شـكـلـكـم بتجديد أذهانكم » ( رو ۱۲ : ۲ ) ۔ والـتـغـيـر يـبـدأ بالذهن ، وكما أن الخطيئة بدأت بـفـكـرة ، فـالـتـوبة أيضاً تبدأ بفكرة ، مقارنة ذهنية واعية بين حياة البعد عن الله ، والحيادة داخل حظيرة الرب وبيته المقدس . حينما أسقطت الحية حواء ، أستخدمت باب الذهن والشك في وعود الله ووصاياه ، إذ بـيـنـما كانت حواء تعلم وصية الرب : « موتاً تموت » ... قالت لها الحية : « لن تموتا » !! ( تك ٣ : ١-٤ ) ، ثـم تحـايـلـت عليها قائلة : « بل الله عـالـم أنـه يـوم تـأكلان منه ، تنفتح أعـيـنـكـمـا ، وتـكـونـان كـالله ، عارفين الخير والشر » ( تك 3 : ٥) . إذن فـالـتـوبـة صـحـوة ، يقظة ، مقارنة ، أقـتـنـاع ، تحرك ذهـنى من أتجاه إلى أتجاه آخر جـديد ... ولعل خير مثال لذلك الابن الضال ، الذي فـكـر ، وقارن ، ثم قرر ، ونفذ !! التوبة ببساطة هي عودة النفس إلى الله ، شاعرة بمرارة البعد ، والحاجة إلى القرب ، وحينما تقرر النفس ذلك ، ينيرها روح الله ، و يقودها بنور الكلمة إلى بيت الله ، ودسم النعمة وشركة القديسين . التـوبـة قيامة : يـنـاديـنـا الـرسـول قـائـلاً « أستيقظ أيها الـنائـم ، وقـم من الأموات ، فيضىء لك المسيح » ( أف ٥ : ١٤ ) . فـكـمـا أن أجرة الخطية موت ، وحالة الخاطيء أنفصال عن الله الحي ، كذلك فـالـتـوبة هي حياة جديدة في المسيح ، حياة مستمرة حتى إلى الخلود . وكما أن خـطـيـئـة الشعب القديم قادته إلى الموت في « قـبـور الـشـهـوة » ( قبروتا هتأوه ) ، كذلك قـادتـهـم الـتـوبـة إلى الحياة ( عدد ١١ : ۳۱ - ٣٥ ) . لذلك وعدهم الرب قائلاً : هأنذا أفتح قـبوركـم ، وأصعدكم من قبوركم يا شعبی ، وأجـعـل روحـي فـیـکم فـتـحـيـون » ( حزقيال ۳۷ : ١٢- ١٤ ) . وقد دعا الكتاب المقدس التوبة « القيامة الأولى » ( رؤيا ٢٠ : ٦ ) ، في انتظار القيامة العامة في اليوم الأخير . التوبة تجديد مستمر : لأنه مادامت التوبة قيامة وحياة ، فهي إذن مـسـتـمـرة لا تـتـوقـف إلا بعد خلع الجسد الـتـرابـي ولـبـس الجسد السمائي . ولذلك فالإنسان لا يتوقف عن عملية تجديد الذهن طوال حياته على الأرض . مـن هـنـا تـكـون التوبة نوعاً من التجديد الـيـومـي ، بالاغتسال في دم المسيح ، ودموع الـنـدم ، وأمـانـة الجهاد . هكذا تجددت حياة الإبـن الـضـال ، إذ أغـتـسـل ، ولبس حذاء السـلام والـقـداسـة ، وخـاتـم العهد الجديد ، وشـبـع بـالـسـمـنـات الروحية والجسد والدم الأقدسين ، ودخـل إلى شـركـة الـقـديسين في الكنيسة ... « نأكل ونفرح » !! ميطانيا الجسد : وفى تـقـلـيـد كـنـيـسـتـنا الرائع ، نعبر عن مـيـطـانـيـا الذهن بميطانيا الجسد ، إذ ننسكب كـل يـوم أمام الله في توبة مستمرة متجددة ، في سـجـود حتى تلمس جبهتنا التراب ، أنسحاقاً أمام الله ، ثـم نـقـوم مـع الـرب في نصرة الحياة الجديدة ، وذلك مرات عديدة يصحبها قرع للصدر وطلب الرحمة ، في الأيام العادية ما عدا السبت والأحد والخمسين والأعـيـاد . إنه تدريب روحی طیب ، يعطى الإنسان فرصة يومية لتجديد العهود مع الله ، وطلب المراحم ، وقوة القيامة . استمرارية التوبة : ممـا تـقـدم يـتـضـح أن من سمات التوبة الأرثوذكـسـيـة الاسـتـمـرار مـدى الحيـاة . فـالـكـتـاب المـقـدس يـؤكـد لنا أننا نخطىء بـاسـتـمـرار ، ونـحـتـاج إلى « غسل أرجلنا » باستمرار ( يو ۱۳ : ٨ ) ، وإن إنساننا الداخل « يـتـجـدد للـمـعـرفـة حسب صورة خالقه » ( کو ٣ : ١٠ ) . فليعطنا الرب أن نتوب كل يوم ، بل كل لحظة ، بـل قبل أن نخطىء ، حتى تدخل إلى حياة « الـقـداسـة الـتـي بـدونها لا يرى أحد الرب » ( عب ١٢ : ١٤ ) . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
07 مارس 2023

أساسات أخرى للإعتراف

تحدثنا في الـعـدد الماضي عن الأساس الـكـتـابي لممارسة الاعتراف ، وذكرنا آيات وأدلة كثيرة من العهدين القديم والجديد على ضرورة الإعـتـراف على يد الأب الكاهن ، تحت قيادة و بفعل روح الله القدوس . والـيـوم نستكمل حديثنا عن الأساسات الأخرى للإعتراف وهي :- ١ ـ الأساس الكنسى ٢ ـ الأساس الإرشادي . ٣ ـ الأساس النفسي . ١ ـ الأساس الكنسى :- الإعـتـراف في كنيستنا ثابت في التقليد الكنسى ، وقد تسلمناه جيلاً بعد جيل . ومن منا لا يذكر اعترافات القديس الأنبا موسى الأسـود ؟ أو قـصـة المرأة التائبة التي جاءت لـتـعـتـرف للـقـديس باسيليوس بخطاياها ، فـوجـدتـه قـد رقد في الرب ، فأخذت تبكى حزينة أن الرب لا يقبلها ولا يعطيها فرصة للـتـوبـة ، وفجأة أكتشفت أن الورقة التي دونت فيها خطاياها صارت بيضاء كالثلج ، - تماماً كقلبها التائب . والكنيسة تعلمنا من خلال أقوال الآباء أن الإعـتـراف وقـفـة تـوبة أمام الله ، وليس مجـرد تـصـفـيـة حسابات معه . فالرب أساساً يهدف إلى تـقـديسنا لنكون أدوات خير و بر وطـهـارة . وكتابات الآباء زاخرة بارشادات من ذلك في كتابات بستان الرهبان ، ليعرف أن كـنـيـسـتـنـا تمارس هذا الأمر منذ نشأتها وحتى اليوم . أما القوانين الكنيسة المتعاقبة ، وما فيها مـن تـوجـيـهـات وترتيبات وتأديبات روحية بناءة ، فهي دليـل ثـالـث ـ بجوار التقليد الكنسى وأقوال ومماراسات الآباء . يؤكد روسخ خـطـوة الإعـتـراف كمكمل أساسي للتوبة الأرثوذكسية . ٢ ـ الأساس الإرشادي : « في الإعـتـراف نأخذ حلا وحلا » وهكذا علمنا قداسة البابا شنوده الثالث . وهذه حقيقة ، فنحن نأخذ في الإعتراف الـحـل والـغـفران لخطايانا ، والحل والإرشاد لمشاكلنا . ومعروف روحياً واختبارياً أن « الذين بـلا مـرشـد ، يسقطون كأوراق الخريف » ... فالإنسان يحتاج إلى إرشاد في مسيرته الروحية ، لـيـتـمـكـن مـن أن يجـد إجـابـة لتساؤلاته ، وحسماً لحيرته ، وفرصة لاتخاذ القرار الصائب ، وتوجيها يبنيه ، و يبعده عن تـيـار الخطيئة وضغطات الإنحراف . الإرشاد الروحي أساسي في خلاص الإنسان ، إذ يكون له ثان ليقيمه » ( جا ٤ : ١٠ ) ... والإرشاد هنـا لا ينبع من خيرات أب الإعـتـراف الروحية فقط ، بل من روح الله القدوس الحاضر والفاعل في السر . فنحن لا نعتمد في خلاصنا لا على ذراعنا ولا على غـيـرنـا ، بل على عمل روح الله فينا ، الذي يوجه جهادنا الوجهة القانونية السليمة . ومـن مـنـا يستطيع أن يعتمد على حكمته الذاتية ، والكتاب ، يقول لكل منا : « لا تكن حكيما في عيني نفسك » ( أم ٣ : ٧ ) . و يـقـول أيضاً : « حيث لا تدبير يسقط الشعب ، أما الخلاص فبكثرة المشيرين » ( أم ١٢ : ١٤ ) . ٣ ـ الأساس النفسي : لاشك أنـهـا ثـمرة رائعة من ثمار ممارسة الإعـتـراف ، أن يجد الإنسان آخـر يـستمع إليه ، ويحفظ سره ، و يشبعه بالحضور الإلهى والتوجيهات السمائية ، يمتص كل شحنات الـتـوتـر والحيرة والقلق والندم والغيرة والحسد والإثارة والخوف والأوهام التي يؤثر بلاشك على صحة الإنسان بطريقة شاملة : جسدية ونفسية وروحية ، وليس خير من الاعتراف أمام الله وفى حـضـور الأب الكاهن المحب والحـنـون ، وفى كتمان أبدى لكل ما باحث به النفس من شجون وآلام . لذلك فالاعتراف هو الطريق السليم إلى النـفـس الـسـلـيـمة ، فهو خير سند لإنسان العصر ، في صـراعـاتـه الـداخـلـية والخارجية الكثيرة ، وهو ليس مجرد سند إنسان لإنسان ، بل سند الله لنا في مسيرة هذه الحياة . فهيا أيها القارىء الحبيب إلى فرصة تـوبـة أمام الله ومـراجـعـته ، يعقبها لقاء مع أبيك الروحى في حضرة المسيح ، وفعل الروح القدس ، والرب معك . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
28 فبراير 2023

هـل الاعــــــــتراف ضــــــــرورة كتـابيـة

كثيراً ما يثير الجدل بين الشباب بخصوص « ضرورة الاعتراف » ، وهل الاعتراف بدعة جديدة في الكنائس التقليدية ، أم أن له الأساس الإنجيلي والحقيقة أننا نشكر الله أن كنيستنا التقليدية إنجيلية جداً ، وأن هناك آيات في الإنجيل يستحيل أن نحياها أو تطبقها إلا من خلال الاعتراف . وبالاضافة إلى هذا الأساس الكتابي ، هناك أسس أخرى نبنى عليها ضرورة الاعتراف لضمان سلامة حياتنا الروحية . 1 ـ الأساس الكتابي :- الاعتراف واضح في العهد الجديد كامتداد للعهد القديم . ففي العهد القديم كان المخطىء يضع يده على رأس الذبيحة المقدمة ، ويقر بخطاياه أمام الكاهن ، وكان خطاياه انتقلت من عليه إلى الذبيحة ، التي يسفك دمها عوضاً عنه ، حيث أن « أجرة الخطية هي موت » ( رو ٢٣:٦ ) « فإن كان يذنب في شيء من هذه يقر بما قد أحطأ به ، ويأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيته التي أخطأ بها ... فيكفر الكاهن عنه » ( لا ٥: ٥ - ٧ ) . لكن إن أقروا بذنوبهم التي خانوني بها ... أذكر ميثاقى » ( لا ٦ : ٤٠ - ٤٢) « اذا عمل رجل أو امرأة شيئاً من جميع خطايا الإنسان ... فقد اذنبت تلك النفس ، فلتقر بخطيتها التي عملت » ( عد٦:٥ -٧). + قال يشوع لعاخان : « یا اپنی اعط الآن مجداً للرب ... اعترف له واخبرنى الآن ماذا عملت ، لا تخف عنى » ( يش ٩:٧) - قال داود لناثان : « أخطأت إلى الرب » فقال له ناثان : « والرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك ... لا تموت » ( ۲ صم ١٢ : ١٣ ) « من يكتم خطاياه لا ينجح ... ومن يقر بها ويتركها ... يرحم » ( أم ٢٨ : ١٣) أمتد الاعتراف إلى العهد الجديد حين قال الرب لتلاميذه :أعطيك مفاتيح ملكوت السموات ، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات ، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات » (مت ١٦ : ١٩ ) كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء ، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء » ( مت ۱۸ : ۱۷ - ۱۸ ). « من غفرتم خطاياه تغفر له ، ومن امسكتم خطاياه أمسكت » ( یو ۲۰ : ٢٣) ضوابط هذا السلطان : ليس سلطان الحل والربط سلطاناً مطلقاً للكاهن على الشعب ، بل هناك ضوابط هامة نوجزها فيما يلى : ۱ ـ هذا سلطان للبناء لا للهدم ... فالكاهن يستخدم هذا السلطان ليبني أولاده ، حتى إذا ما ربطهم ومنعهم عن التناول ، فلسبب يراه بالروح القدس وبموضوعية كاملة وحب شديد . ٢ - فإذا ما كان المعترف تائبا نادماً أخذ الحل ، أما إذا تمسك بخطيته فإن الكاهن مضطر أن يربطه( أى يمنعه عن التناول ) حتى يتوب . « إن لم يسمع من الكنيسة ، فليكن عندك كالوثني والعشار » ( مت ۱۸ : ١٧ ) أي أنه حالياً خارج الحظيرة والمائدة ... نكن له الحب ونصلى من أجله إلى أن يتوب . ۳ - الروح القدس هو جوهر سر الاعتراف ، فهو الذي يسمع المعترف ، وهو الذي يرشد الكاهن ، وهو الذي ينطق بالحل أو الربط . وهذا واضح من منطوق التحليل الكنسي الذي فيه يضع الكاهن نفسه مع المعترف طالباً الحل : « ابنك فلان وضعفی .بارکنا وحاللنا وطهرنا » . 4 - حين كذب حنانيا وسفيرة على بطرس قال لهما : « لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس .ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب » (اع ٣:٥-٩) وهنا ربط واضح بين الكاهن وحلول وفعل الروح القدس في الأسرار . 5 ـ وحتى في حالة الانحراف العقيدي أو الإيماني ، تعطى الفرصة كاملة للإنسان ليفهم خطأه ويتوب عنه ، وإلا تتم محاكمته بطريقة عادلة ، و يصدر عنه الحكم الكنسى . لأنه إذا كان الرسول بولس قد فعل ذلك مع شاب ( تزوج ) امرأة أبيه « باسم ربنا يسوع المسيح إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح ... يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد ، لكى تخلص الروح في يوم الرب » ( ۱ کوه : ٤ ، ٥ ) ... إن كانت خطية جسد أستوجبت هذا الحكم ، فكم بالحرى خطايا الإيمان والعقيدة ؟ ! إن سلطان الحل والربط في الكنيسة ليس تحكم بشر ، بل هو مسئولية رهيبة إذ يجب أن يخضع فيها الكاهن للروح القدس تماماً ، في تجرد كامل ، وموضوعية أكيدة ، وحب شديد . وبعد أن تطمئن يا أخى الشاب أن الأساس الكتابي للاعتراف راسخ بطول العهدين : القديم والجديد ، ننتقل إلى أسس أخرى هي : الأساس الكنسي ، والإرشادي ، والنفسي للاعتراف . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
21 فبراير 2023

الكتاب المقدس وأثره في الحياة الروحية ( ب )

ذكرنا في العدد الماضي أن أهمية الكتاب المقدس في حياة المؤمن تأتى من انه كـلام الله ونستكمل موضوعنا . ٢- الكتاب المقدس هو تاريخ البشرية:- وفیه دراسة لتاريخ البشرية من بدايته إلى نهايته ، وفيه نلمس معاملات الله مع النفس البشرية على اختلاف احوالها وأنواعها انه مدرسة لأخذ الخبرات فمثلا في سفر التكوين تتعرف على خبرة ادم وحواء في خطوات السقوط ، واثار الخطية ووعد الخلاص ، وفي قصة قايين تعرف على ضرورة وإمكانية النصرة على الخطية ، وعلى خطوة الخضوع لصوت العدو ، وفى إبراهيم تتعرف على معنى تبعية الرب في إيمان وثقة ، وفي إسحق نثق في مواعيد الله الصالحة ، وفي يعقوب نتعرف على خطورة التسرع والخداع والعاطفة ، كما نتعرف على اسلوب التصالح مع الناس ، ومن يوسف نتعرف على حنان الله إذ يدبر خلاص الجميع ، ومع يشـوع نتعرف على سر النصرة في أريحا ، وسر الهزيمة في عاي ، وفي القضاة نرى ابطال ايمان ، ونتعرف على بركات الطهارة وخطورة الانحراف في شمشون وهكذا وهكذا. مدرسة واسعة متعددة المراحل تبدأ في التكوين ، وتنتهي في الرؤيا حيث صراع الكنيسة والعـالم ونصرة الله النهائية .. خبرات لا تنتهي ناخذها كعصارة جاهزة لبنيانا نحن الذين انتهت الينا أواخر الدهور » ( ۱ کو ۱۱:۱۰ ) . ٣- الكتاب المقدس هو مكان لقاء واتحاد مع الله :-إلا أننا حينما نجلس هادئین متأملين في كلمة الله نتقابل مع الرب وسرعـان مـا نتـحـد به انفسنا إن فرصة دراسة الكتاب حين تكون بروح الصلاة والحب لله نصير شبيهة بجلسة مريم عند قدمي المسيح حيث اختاريت مریم النصيب الصالح الذي لن ينزع منهـا ( لو ٤٢:١٠). ومـا هو النصيب إلا الرب ... الرب لن ينزع منها فقد اتحدت به وأحبته وتحولت بسبب كثرة الجلوس عند قدمية ، إلى شبه صورته القدسية الم يقل الرسول « ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف ، كما في مرأة ، تتغير إلى تلك الصورة ، من مجد إلى مجد ، كما من الرب الروح » ( ٢كــو ٣ : ١٩ ) الـم يقـل أيضا : « لأن الذين سبق فعرفهم سبق ليكونوا مشابهين صورة ابنه ، ( رو ۸ : ۲۹ )؟ إن مداومة القراءة في كلام الله بروح الصلاة ، تعطى النفس اتحادا وثباتا شخصيا في الرب يسوع. ختاما فلنسمع ذلك القول المأثورة يوجد أعظم رجـاء لأعظم خاطئ يقرأ الكتاب المقدس ، ويوجد أعظم خطر على أعظم قديس يهمل الكتـاب وباختصار الكتاب المقدس يكشف لي حـاجــتى إلى الله وانتظار الله لي ... إنه نقطة لقـاء الخـاطي المسكين مع قلب الله المحب ، ان فـقـرة واحـدة قـراها اوغسطينوس كانت كفيلة بأن تخلص نفسه وتجعل منه قديسا في الكنيسة إنها الآيات التي وردت في ( رو١١:١٣ - ١٤ ) أفتح كـتـابك الآن واقراها بخشوع وتأمل لتدرك أثر الكتاب فى حياتك ، والرب معك. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
14 فبراير 2023

الكتاب المقدس وأثره في الحياة الروحية ( أ )

يجدر بالمسيحي أن يدرس كلمة الله بانتظام يوميا ، وذلك تتميما لوصية الرب : « فتشوا الكتب لأنـكـم تـظـنـون أن لـكـم فيها حياة أبدية » ( يو 39 : 5 ) . وقد وصف الرب كلامه بقوله : « الكلام الذي أكـلـمـكـم بـه هـو روح وحـيـاة » ( يو 63 : 6 ) . أما داود فقد امتدح من يلهج في نـامـوس الـرب نـهـارا وليـلاً ووصـفـه قـائلاً : كـشـجـرة مغروسة عند مجاري المياه ، التي تعطي ثمـرهـا في أوانه ، وورقها لا يذبل » ( مزا : 3 ) . من هنا لا نسـتـغـرب قـول إرميا النبي : « وجـد كـلامـك فـأكـلـتـه فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي » ( إر 16:15 ) . وتأتي أهمية الكتاب المقدس في حـاية المؤمن من الأسـبـاب التالية : 1. الكتاب المقدس هو كلام الله : وحين يتـكـلـم الـلـه يـجـب أن ينصت الإنسـان ! وهـو حـين يتكلم إنما يعلن لنا أسـراره المقدسة ومقاصده في الخليقة والتاريخ ، وأعـمـالـه مع أولاده المطيعين لوصاياه . بل إننا من خلال كلام الله نتعرف على شـخـصـه الحبيب المبارك ، ووعـوده الصـادقـة الأمـينة ونصائحه الغالية الخلاصية . من يستطيع أن يحـيـا بدون كلمة الله - إنها بالحقيقة « روح وحياة » . إنهـا غـذاء الروح « ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله » ( مت ٤ : ٤ ) . . إنهـا نور للطريق « سـراج لرجلي كلامك ونور لسبیلی » ( مز ١٠٥ : 119 ) . . إنها السيف الحاد الذي به نبتر التعاليم الكاذبة « كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذی حدین » ( عب ١٢ : ٤ ) . . ثم إنهـا سـر الاغـتـسـال والنقاوة ، إذ يقول الرب : « أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به » ( يو 3:15 ) . - الله يتكلم إلينا .... فننصت . الله يعلن لنا حبه ... إليه ؟ فلنشبع به ! ـ الله يعلن لنا مـقـاصـده . فلنتفهمها جيدا ! - الله يقدم لنا مواعيده . فلنتمسك بها ! كـلام الـلـه قـوة ، ترفع الضعيف وتشدده . كـلام الله نور ، پرشـد النفس السائرة في البرية . ۔ کلام الله غـذاء ، يشـبع القلب بحب المسيح والنفوس . ـ كـلام الله سيف ، يبـتـر التعاليم الغريبة ويفرزها . ( يتبع ) نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
31 يناير 2023

قـانـونيـة الـتوبـة

التوبة القانونية ، الفعالة والمقبولة ، يجب أن تشمل الركائز التالية :- ١ - الندم الصادق : على كل ضعف أو سقطة أو عبودية رديئة . ٢ - العزم الأكيد : على ترك طريق الخطية والسير بحسب الله . ٣ - الإيمان الواثق : بشخص الفادي الحبيب ، الذي لا يرد خاطئاً تائبا . ٤ - الاعتراف الأمين : أمام الله بحضور الأب الكاهن ، وكيل سر التوبة ، الذي أخذ من الرب سلطة الحل والربط ، لبناء حياتنا وضمان استقامتها . ١ ـ الــنــدم : والحقيقة أنه لا جدال في أنه لا توبة بدون ندم ، وإلا فلماذا أتوب ، ما لم أشعر بفساد الخطية وقدرتها على تدمير حياتي . ولا توبة بدون عزم يهدف إلى تغيير مسار حياتي ، ويثور على ضعفاتي وبعدى عن الله ، ويهتم بأن يقترب الإنسان من الرب ليحيا . كذلك فالسيد المسيح هو غافر خطايانا ، ومنقذ حياتنا من الفساد ، ومكللنا بالمراحم والرأفات . الندم حقيقة علمية اختبارية قبل أن علم النفس تكون حقيقة دينية . ذلك أن يؤكد لنا الاحساس بالندم بعد خلال ما تسميه « sense of guilt ) . وهو ليس توهماً بسبب المعتقدات الدينية ، بدليل ندم الملحدين بعد أي ظلم أو خطأ يقترفونه . لأنه هناك في أعماق الإنسان « الشريعة الأدبية » أو « الضمير» « الناموس الأدبي الطبيعي » ... وهو الذي يوخز الإنسان حين يخطىء ، ويثنى عليه حين يصيب . أما في الفكر الفلسفي فالندم عند سارتر مثلاً قضية كبرى ، لم يستطع أن خلال مسرحيته الشهيرة يحلها من « الذباب » . فالثورة على الندم بالمزيد من الخطأ ، ترفع حدة الندم في قلب الإنسان ، ولا يريح الإنسان سوى التوبة والاعتذار والعودة إلى الصواب . ٢ ـ العـــــزم : العزم : أساسي جداً لصدق التوبة عن استنكاري للخطية ، وإدراكي لقوتها التدميرية الهائلة في الحياة نهر اعلان الانسانية . ولذلك فمهما بذلك الإنسان من جهد في سبيل التوبة والقداسة والنصرة ، فهو جهد في محله ، وثمار هذا الجهد مفرحة : السلام ، وراحة الضمير ، والقرب من الله ، والعلاقات الطيبة البناءة مع الناس ، والنجاح في كل مجالات الحياة . ٣ ـ الثقة في دم المسيح : الثقة في دم المسيح : ضرورة لا بد منها لعدة أسباب :- أ- فبدون دم المسيح تستحيل المغفرة ، إذ أن دم المسيح كان عوض موتنا نحن كحكم صدر علينا بسبب الخطية . والرب بصليبه دفع الدين ، وغفر لنا خطايانا « بدون سفك دم لا تحصل مغفرة » . كما أن دم المسيح هو الذي يطهرنا من تلوث الاثم ، « دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية » ( ١ يو ۱ : ۷ ) إنه الاغتسال اليومي بالتوبة ، الذي يطهر أعماقنا من الإثم . ب- كذلك فدم المسيح يقدسنا بمعنى أنه يخصصنا هياكل مقدسة لله .« يسوع . لكى يقدس الشعب بدم نفسه ... تألم خارج الباب » ( عب ۱۳ : ۱۲ ) . ج- وهو أيضاً يثبتنا في الرب ، « من يأكل جسدى و يشرب دمي ، يثبت في وأنا فيه » ( يو ٦ : ٥٦ ) . ... د- كما أنه يقيمنا ويحيينا حياة أبدية « من يأكل جسدى و يشرب دمي ، فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير » ( يو ٦ : ٥٤ ) . أي بديل إذن يمكن أن يعوضنا عن دم المسيح ؟ !! فلترجع إلى الرب بكل القلب ، واثقين في دمه القاني ، وحبه العجيب ، طالبين عمله الإلهى في قلوبنا المحتاجة وإلى مقال قادم حول « الاعتراف » . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
24 يناير 2023

كــيـف أبـدأ حـــياتي الروحـية ؟

الحياة الروحية معناها ببساطة الحياة حسب الروح القدس ، وبقوة وفعل الروح القدس في الطبيعة البشرية . ونحن نشكر الله أننا أخذنا تجديد الروح في المعمودية ، وسكنى الروح في الميرون ، وما علينا إلا احترام هذه القوة في حياتنا من خلال وسائط النعمة في ممارسة حياة يومية مستمرة . وأهم هذه الوسائط :- ١- التوبة اليومية المتجددة. ٢- الشركة اليومية في الصلوات المتنوعة. ٣- الاتحاد بالرب في الافخارستيا . ٤- الشبع اليومي بالإنجيل . ٥- القراءات الروحية البناءة. ٦-حضور الاجتماعات المشبعة. ٧- الخدمة في الحقل الكنسى. ٨- الشهادة للمسيح في الحياة اليومية العامة فالبداية إذن هي : « التوبة اليومية المتجددة » وهي موضوع حديثنا في هذه المرة . تعريف التوبة :- كثيراً ما يختلط على الشباب تعريف التوبة . فمنهم من يتصور أن التوبة هي حالة من عدم الخطية . أن هذا مع مستحيل طالما أننا في هذا الجسد الضعيف ، الذي سماه الرسول « جسد الخطية » .... وكان يشن صارخاً ، بلساننا جميعاً : « ويحى أن الإنسان الشقي ، من ينقذني من جسد هذا الموت ؟ » ( رو ٦ : ٢٤ ) كما قال : « نحن الذين لنا باكورة الروح ، نحن أنفسنا أيضاً ، نثن في أنفسنا ، متوقعين التبنى : فداء أجسادنا » ( رو ۸ : ٢٣ ) . إذن ، فالحياة بعصمة كاملة من الخطية ، مستحيلة مادمنا على الأرض وفى هذا الجسد ولكن ، هل معنى هذا أن نعيش في الخطية ؟ !! حاشا ! بل المعنى البسيط للتوبة هو « الرجوع إلى الله » ... في عشرة صادقة يومية ، تمنحنى قوة الانتصار على الخطية ... أما إذا تكاسلت أو تراخيت فسوف أسقط واتعثر ... ولكننى سريعاً سأقوم صارخاً : « لا تشمتی بی یا عدوتی ، لأني إن سقطت أقوم » ( می ۷ : ۸ ) . التوبة إذن ليست هي عدم الخطية ولكنها هي الحياة فوق الخطية كقول الرسول : « الخطية لن تسودكم ، لأنكم لستم تحت الناموس ، بل تحت النعمة » ( رو ٦ : ١٤ ) . والجهد الأساسي الذي يبذله الشاب هو جهد في اتجاه الشركة والنصرة والعشرة المشبعة ، التي تجعله يدوس تلقائياً على عسل الخطية المسموم ، للخطية بأن تسوده أو تسيطر. جوهر التوبة السليمة هو الشبع بالمسيح ، وليس هو الصراع الذاتي ضد خطية ما أو أكثر ... فالرب يريدنا ككل : الفكر ، والمشاعر ، والاتجاهات ، والكيان كله ، لا ليستحوذ عليه كمحتاج إليه ، لكن ليطهره و يقدسه و يهبه لنا جديداً ظافراً في المسيح يسوع . إن التوبة الصادقة تشبه إقامة المقعد الذي كان يجلس على باب الهيكل ، ويستعطى ( أع ٣ : ١- ١٠ ) . لقد قام بقوة الرب يسوع المسيح ، ووقف ، ووثب ، وصار يمشى ويتمجد الله . هل معنى هذا أنه لن يجلس أو يتعثر في الطريق ؟ لكن المهم أنه صارت لديه قدرة على القيامة بعد أي تعثر أو سقوط . لهذا يقول آباؤنا القديسون : [ أليق بنا أن نموت في الجهاد ، من أن نحيا في السقوط ] . ومعلمنا يوحنا يحدد مفهوم التوبة بكلمات واضحة للشباب فيقول : « یا أولادى ، أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا ( هذه هي نية وجهاد كل شاب وشابة ، أن لا يخطىء أبداً ) . وإن أخطأ أحد ( هذا هو الاستثناء من القاعدة ، التعثر الذي يحدث نتيجة حرب من العدو أو اهمال من الإنسان أو جوع روحي ) فلنا شفيع عند الآب ، يسوع المسيح البار ( إذ ترجع إليه كشفيعنا الكفاري الوحيد ، ونستسمحه على ضعفنا وفتورنا وسقوطنا ، وتغتسل في دمه الطاهر ، وتطلب معونته حتى لا تسقط ثانية ) » ( ١ يو ۲ : ۱ ) . هذا عن مفهوم التوبة ... فماذا عن قانونيتها ؟ هذا مقالنا القادم بمشيئة الله. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
20 يناير 2023

التوبة...معمودية ثانية

قال القديس يوحنا الدرجي: "ثوب المعمودية دنّسناه كلنا، لكن دموع التوبة هى جرن ثانٍ للمعمودية. المعمودية توبة ثانية"... ذلك لأن جوهر المعمودية هو "الموت مع المسيح، والقيامة معه" كقول الرسول بولس: «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أقِمْتُمْ أيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي إقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (كو2: 12). التوبة أيضًا "ميتانيا" (ميتا= تغيير، نوس= الذهن).. أي أن التوبة هي تغيير وتجديد الذهن، كقول الرسول: «وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَة» (رومية 2:12). الإنسان التائب – في الحقيقة - يقوم بأمرين: 1- "ميتانيا" بالمعنى الحرفي، أن يغيّر ذهنه من طريق الشر إلى طريق الخير. 2- "ميتانيا" بالمعنى الحِسّي، أن يسجد بجبهته حتى إلى الأرض، ثم يقوم... تمامًا كأنه "مات وقام" مع المسيح! التغيير في التوبة - إذن- هو تغيير عميق فى الذهن، فبعد أن كان الإنسان يعيش بفكر السقوط والخطيئة، يغيّر ذهنه ليعيش بفكر القيامة والروح!. لذلك رسمت الكنيسة أن يكون الرشم الأول من رشومات الميرون على الرأس، لأن فيه "العقل" الذى يقود كل شيء في حياة الانسان.. فإذا ما تركناه لنفسه أو لعدو الخير، فقد يقودنا إلى الخطأ، أمّا إذا أسلمناه لقيادة الروح القدس، ودشّناه بالميرون، يستنير، ويقودنا بفكر الإنجيل وإرشادات الروح!! • إن خطيئة الشيطان بدأت بفكرة: «أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ» (إشعياء 14: 14). • وخطيئة الإنسان بدأت بفكرة: «تَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» (تك3: 5). • والتوبة أيضًا تبدأ بفكرة: «أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي» (لو15: 18). وهكذا تتغيّر الحياة كلها، تجديدًا لفعل المعمودية والميرون. ويستكمل الكاهن رشومات الميرون؛ الـ36 صليبًا هكذا: + صليب على الرأس: لتقديس الفكر. + 7 صلبان على الحواس: لتقديس الحواس. + صليبان على الصدر والبطن: لتقديس الأحشاء والقلب. + صليبان على الظهر: لتقديس الإرادة. + 6 صلبان على كل من الذراعين: لتقديس الأعمال. + 6 صلبان على كلا الساقين: لتقديس الخطوات. تصوّر معي - أخي القارئ - إنسانًا تغيّر بعمق، من الظاهر والباطن: الفكر والحواس والقلب والإرادة والأعمال.. هذا هو التائب الحقيقى!! .... فليعطنا الرب أن نتوب هكذا نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
26 يوليو 2022

الشباب... والعاطفة

هناك خلط واضح فى مفهوم العاطفة والحب وفى اللغة اليونانية تترجم كلمة "الحب" بثلاث كلمات 1- "ايروس" (Eros)... أى الحب الجسدانى الشهوانى 2- "فيلى" (Phily).أى الحب الإنسانى العادى 3- "أجابى" (Agapi)... أى الحب الروحانى المقدس والعاطفة هى طاقة الحب، التى تتشكل بنوع من هذه الأنواع، حينما يقودها الإنسان إلى الوجهة التى يريدها... فهو يمكن أن يتدنى بها إلى مستوى الحسيات والخطيئة، أو يكتفى بمحبة إنسانية نشاهدها كل يوم فى الحياة العملية، أو يتسامى بها - بنعمة المسيح وعمل روح الله القدوس - لتصير محبة روحانية مقدسة، من خلالها يتعامل مع كل الناس فى الأسرة والكنيسة والمجمع والصداقة والزواج. 1- ما هى العاطفة ؟ العاطفة - حسب علماء النفس - هى انفعال متكرر نحو شخص أو شئ أو قيمة... ومن كثرة تكراره يتثبت ويصير عاطفة. فمثلاً يتعرف الإنسان بشخص ما لأول مرة... فيشعر نحوه بالقبول والارتياح... ويتكرر هذا الانفعال عدة مرات كلما ألتقى مع هذا الشخص... فيصير هذا الانفعال عاطفة حب لهذا الشخص. ويمكن أن يحدث العكس... حينما يشعر الإنسان بانقباض أو عدم ارتياح نحو شخص آخر... ويتكرر هذا الانفعال فيتحول إلى عاطفة سلبية هى الكراهية (نتحدث هنا نفسياً لا روحياً بالطبع). كذلك حينما ينفعل الإنسان بارتياح نحو شئ ما (كالصلاة أو الألحان أو التسبحة أو الخدمة)... فيحبها وتتحول عنده إلى عاطفة مستقرة.. وبالعكس إذا انفعل بعدم ارتياح نحو شئ آخر (كالمال أو الأفلام الرديئة) فلا يحبها، بل بالحرى يرفضها. ونفس الأمر فى مجال القيم... فيحب الإنسان الطهارة والشجاعة والوداعة.. ويكره النجاسة والتهور والعنف... الخ.وهكذا تصير العاطفة (سلباً وإيجاباً) نتيجة لانفعال متكرر، نحو شخص، أو شئ، أو قيمة... يثبت فيتحول إلى عاطفة. 2- موقع العاطفة فى الكيان الإنسانى العاطفة جزء من الجهاز النفسى للإنسان، فإذا ما قلنا أن الإنسان يتكون من: 1- روح... تتصل بالله وبالإيمانيات والسماويات 2- وعقل... يفكر ويدرس ويحلل ويستنتج 3- ونفس... تحس وتشعر وتحب وتكره 4-وجسد... يسعى ويتحرك على تقع العاطفة فى نطاق النفس.. فالجهاز النفسى فى الإنسان فيه خمسة مكونات أساسية هى: 1-الغرائز (أو الدوافع)... كالجوع والعطش والجنس وحب الاستطلاع والأبوة والأمومة وحب الاقتناء وحب الحياة... الخ 2-الحاجات النفسية... كالحاجة إلى الأمن، والحب، التقدير، والانتماء، والتفرد، والمرجعية 3-العواطف... أى المشاعر التى نكتسبها نحو أشخاص أو أشياء أو قيم 4-العادات... التى تتكون لدينا بفعل التكرار، سواء العادات السلبية أو الإيجابية 5-الاتجاهات... أى الخطوط الرئيسية التى يتبناها الإنسان فى حياته، وتكون سائدة على تصرفاته... فواحد يحب الله والكنيسة والخدمة، وآخر - للأسف - يحب المال والمقتنيات... الخ. العاطفة إذن هى جزء من الجهاز النفسى للإنسان، وهى لا تصلح - وحدها - لقيادة الإنسان، بل الإنسان الحكيم، وبخاصة الإنسان الروحى، هو من "روحه تقود جسده، والروح القدس يقود روحه" كما علمنا مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث. إذن... كيف أقود عواطفى؟ 3- كيف أقود عواطفى؟ الإنسان الروحى عنده ضوابط ثلاثة غاية فى الأهمية، من خلالها يقود عواطفه، لتسير فى الخط السليم الروحى البناء، فكثيراً ما قادت العاطفة الإنسان فى طريق هادم ومدمر، حينما سلم قيادته للمشاعر، وربما للأمور الحسية، كما يحدث فى علاقات الشباب مثلاً التى تقودهم أحياناً إلى الخطية، وربما إلى ترك المسيح... أو فى محبة المال والعالم.. حتى أن ديماس ترك المسيح وبولس، لأنه أحب العالم الحاضر.. والضوابط الثلاثة للعاطفة هى: 1-العقل: أعطاه الله للإنسان لكى يدرس الأمور، ويوازن فيما بينها، ليختار الأصلح. وكمثال: هل يوافق العقل أن يرتبط الإنسان بعاطفة مع آخر خارج الحظيرة، أو إنسان غير روحى يمكن أن يدمر روحياته؟! ومثال آخر: هل من السليم حدوث ارتباط عاطفى بين شاب وشابة فى سن مبكر، وهما بعد فى "المرحلة الجنسية الشاملة" قبل أن يدخلا إلى "المرحلة الجنسية الأحادية" والتى فيها يمكن للإنسان أن يكون فى استقرار نفسى جيد، يسمح له باختيار شريك الحياة؟ ومثال ثالث: عند اختيار شريك الحياة، هل هنالك توافق روحى واجتماعى وثقافى وتربوى، أم أن هناك مجرد عاطفة؟ وهكذا 2-الروح: بمعنى أن من يشعر بعاطفة معينة نحو شخص، أو شئ، أو قيمة، عليه – مع الدراسة العقلية – أن يصلى ويسترشد برأى أبيه الروحى، هل هو يسير فى الطريق السليم أم لا؟ إن الزوجة الصالحة هى من عند الرب، لذلك فالشاب المسيحى الروحانى عليه أن يصلى كثيراً، ومن أعماق قلبه، لكى يعطيه الرب الإرشاد المناسب والاستنارة الجيدة، ليعرف مشيئة الله فى كل أمر، مستعيناً فى ذلك بأمرين: الصلاة الحارة وإرشاد أب الاعتراف. 3-الروح القدس: وقد ذكرنا ذلك أخيراً لأنه الضمان النهائى، بل الضمان اللانهائى، فى حياة الإنسان وقراراته. إن عقل الإنسان محدود، ومن الممكن أن يخطئ، وهو لا يستطيع أن يعرف الأعماق، ولا المستقبل... لذلك يمكن أن تكون قراراته خاطئة. وروح الإنسان محدودة، ويمكن أن تتلوث أو تتوه أو تخطئ... لذلك فالضمان الأكيد والفريد هو عمل روح الله، وقيادته المضمونة... والإنسان الذى يريد أن يقود عواطفه حسناً عليه أن يرجع إلى الله، فى الكتاب المقدس، وفى الصلاة، وفى الارشاد الروحى، وفى المثابرة على الاستنارة المسيحية من خلال الاجتماعات والقراءات... وبعد كل ذلك يجب أن يسلم قيادة نفسه وعواطفه وأفكاره للسيد المسيح، طالباً منه أن يكون القائد الوحيد لسفينة حياته. وهكذا يسلِّم الإنسان إرادته بإرادته لله، تتحد إرادة الإنسان بإرادة الله، ويضمن الإنسان سلامة مسيرته.. "سلمنا فصرنا نحمل" (أع 15:27). نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل