المقالات
01 مايو 2020
القديس يوحنا الحبيب
في عيد القيامة وفرحة القيامة التي نحتفل بها فى الخمسين المقدسة, عيد القيامة ليس يوماً واحداً لكن نعتبرهم خمسين يوم أحد كأنه يوم أحد كبير ممتد من عيد القيامة إلى عيد العنصرة.من التداريب الروحية القوية فى الخمسين المقدسة أننا نقرأ الأسفار التي كتبها القديس يوحنا (إنجيل يوحنا ـ 3 رسائل ـ سفر الرؤيا).نتقابل فى فترة الخمسين المقدسة مع شخصيات كثيرة تقابلت مع السيد المسيح حيث ظهر المسيح لمدة 40 يوم فى ظهورات فردية كما لتوما وأيضاً جماعية مثل تلميذي عمواس والتلاميذ, فى فترة الخماسين نقترب إلى السيد المسيح لكي ما نتعرَّف عليه أكثر وأكثر.من ضمن الشخصيات الكثيرة التي تقابل معها السيد المسيح هو القديس يوحنا الحبيب.
من هو القديس يوحنا الحبيب؟
هو القديس الذي كان يتكئ على صدر السيد المسيح فهو كان قريباً جداً من قلب المسيح.
هو الذي اختاره السيد المسيح لكي ما يرعى أمه.
هو الذي كتب عن نفسه: “التلميذ الذي كان يسوع يحبه “, هذا يجعلنا نغير منه ونطلب أن نصير مثله.
القديس يوحنا هو إنسان عادي, صياد سمك من عائلة ميسورة.
معنى اسمه: “اللَّه يتحنَّن”، وأبوه زَبْدِي (هبة اللَّه) وأمه سالومى (تعني: سلام صهيون) وأخيه يعقوب الذي عرف بيعقوب الكبير ضمن تلاميذ المسيح وأول شهيد من الاثني عشر.
امتاز يوحنا بأنه يعرف المسيح, ما يُسمِّى بموهبة التَّعرُّف القلبي.
من ألقابه: الرسول, الإنجيلي, اللاهوتي, الرائي, الحبيب, رسول المحبة, التلميذ الذي كان يسوع يحبه, التلميذ الذي إتكئ على صدر المسيح.
عندما كبر في السن كانوا يحمله تلاميذه ليقول العظة، وكانت عظته من 3 كلمات فقط: “حبوا بعضكم بعضاً”.
المعجزة التى قرأنها اليوم هى ” معجزة صيد 153 سمكة ” آخر معجزة في إنجيل يوحنا. المعجزة باختصار: حين ذهب 7 من التلاميذ كي يصطادوا طول الليل ولكن بلا جدوى وفي بداية النهار رأوا شخص على شاطئ بحرية طبرية يسألهم إذا كان معهم إداماً (سمك)؟ فقالوا: لا.. فقال لهم: ألقوا الشباك على جانب السفينة الأيمن فتجدوا سمك. فأطاعوا. وبالفعل اصطادوا سمك، فأخذوا منه السمك الكبير وعددهم 153 سمكة و7 صيادين مختبرين يعرفوا أن الصيد ليلاً ليس فى بداية النهار ولم يعرفوا مَن الذى قال لهم هذا؟ ولكن واحد منهم فقط صرخ وقال: “هو الرب” يوحنا الحبيب, السيد المسيح ممكن أن تقابله في عابر سبيل, في طفل صغير, عند البئر, عند الشجرة, ليلاً مثل نيقوديموس, وسط الزحام الشديد, حتى وهو مصلوب على الصليب مثل اللص اليمين.
درِّب قلبك كيف تكتشف حضور المسيح, نعمة عالية نطلبها باستمرار ونقول: أعطنا يارب أن نشوفك ونسمع صوتك.مريم المجدلية عند القبر كانت تبكي فلم ترَى المسيح، ولكن عندما نطق بِاسمها وقال: “يا مريم” صرخت: “رَبّوني” أي يا مُعلِّم، وأمسكت به ولم تُريد أن تتركه فهى رؤيا واحدة وإحساس واحد تصطاد به المسيح.أيضا تلميذى عمواس كانا يتكلَّما مع المسيح ولم يعرفاه إلاَّ عند كسر الخبز، فاختفى عن عيونهم.ما فعله السيد المسيح مع مريم المجدلية وتلميذي عمواس والتلاميذ يستطيع ويحب ويقدر أن يفعله اليوم مع كل شخص مِنَّا, في غرفتك, في قلايتك, في عملك, في خدمتك, في وسيلة مواصلات, فدرِّب نفسك على هذه الموهبة القلبية التي بها تتعرَّف على شخص المسيح, هذه الموهبة تبدأ أولاً: عندما يمتلئ قلبك بالمحبة.
لماذا كتب يوحنا أسفاره؟
الإنجيل: لتعرفوا كيف تحبوا المسيح.
الرسائل: لتعرفوا كيف تحبوا الكنيسة.
الرؤيا: لتعرفوا كيف تحبوا السماء.
أعطانا هذه الأسفار لكي ما نعرف طريقنا، فالمحبة هى طريقنا إلى قلب يسوع والكنيسة وهى طريق السماء.
أسباب كتابة انجيل يوحنا؟
سبب لاهوتي: لتثبيت الإيمان، فكتبه بطبيعة لاهوتية.
سبب دفاعي: للدفاع عن الإيمان وتصحيح الأفكار الخاطئة وبعض الهرطقات التي ظهرت في نهاية القرن الأول.
سبب تعليمي: ليُعلِّمنا المحبة الإلهية.
سبب كرازي: هو رسالة الأبدية.
تقسيم إنجيل يوحنا إلى:
1. المقدمة: هى نشيد الكلمة أو نشيد اللوغوس.
2. الخاتمة: (الأصحاح 21).
3. جزء المعجزات (1 ـ 12): به 8 معجزات.
4. جزء الآلامات (13 – 20): به شرح تفصيلى لآلام السيد المسيح إلى القيامة والأصحاح 17 نُسمِّيه: “قُدس الأقداس” وهو الصلاة الوداعية أو الشفاعية التي فيها شهوة قلب المسيح وهى أن يكون الجميع واحد: (الفرد – البيت – الكنيسة – كنائس العالم كله).
نعتبر القديس يوحنا هو فيلسوف المحبة, مُحب للحكمة التى هى المحبة.
تدريب:
أقرأ إنجيل يوحنا وعيش داخله وابحث فيه عن المحبة من آيات أو مواقف واطلب من اللَّه أن يعطيك موهبة التعرُّف عليه.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
24 أبريل 2020
معجزة صيد 153 سمكة معجزة الصيد العجائبي (يو21: 1-14)
تحليل المعجزة:
1- المكان:بحر الجليل / بحر طبرية / بحيرة جنسيارت (جنة السرور). وقد كانت "طبرية" عاصمة المنطقة وهي مدينة فخمة ولكنها خليعة بناها طيباريوس قيصر تخليدًا لذكراه.ومن المعروف أنه في نفس هذا المكان جرت عدة أحداث أخرى منها:1- عَلّم المسيح مَثل الزارع (مت 13).أشبع المسيح خمسة آلاف على ضفافها (مت 14) سار المسيح على الماء (مت14) أسكت المسيح العاصفة والرياح (مر4) دعا المسيح تلاميذه في بداية خدمته (لو5).
2- الزمان:خلال فترة الأربعين يومًا عقب القيامة المجيدة وقبل الصعود. وقد ظهر المسيح خلال هذه الفترة عشر مرات منها خمسة مرات في يوم القيامة، وخمسة بعدها، لذلك فظهور المسيح في هذه المعجزة هو الظهور السابع في عداد الظهورات العشرة، كما أنه الظهور الثالث (يو21: 14) لمجموعة من التلاميذ.
3- المناسبة:خروج سبعة من التلاميذ بدعوة من بطرس للصيد عقب القيامة. ليس هروبًا، ولكن كسبًا للرزق وكسرًا للملل الذي قد يتسرب إليهم من الانتظار. لقد استعادوا نشاطاتهم العادية والمعتادة.كان هؤلاء السبعة يشكلون فريقًا صغيرًا في مأمورية مخجلة على رأسهم بطرس الناكر، وتوما الشكاك، بالإضافة إلى نثنائيل + ابني زبدي (يعقوب ويوحنا) + اثنين آخرين.لا ننسى أن دعوة التلاميذ الأوائل كانت عند هذه البحيرة ذاتها وقت الصيد أيضًا وأثناء معجزة أخرى (لو5: 1-11).من أقوال القديس غريغوريوس الكبير: "بطرس عاد إلى مهنته للصيد، ولكن متّى لم يعد عشارًا يجبي الضرائب لأنه توجد أعمال لا يمكن مباشرتها بدون الخطية، وهي التي لا نستطيع العودة إليها بعد التجديد".لقد عادوا إلى مهنة الصيد الأولى خلوًا من خدمة أو كرازة صححها لهم المسيح أنه: باتباع الرب يمكن مباشرة العمل كالنموذج الذي أعطاه بولس الرسول بعد ذلك (أع20: 24).
4- الأحداث:أ- قضوا ليلة صيد فاشلة (ع3):ولكن أعقبها صباح ناجح:+ لقد حدث نفس الأمر في نفس البحيرة منذ ثلاث سنوات قبل ذلك (لو5:5).+ هذا رمز إلى ليل المعاناة، ليل الإيمان وظلمة النفس (إش49: 4).+ هنا نرى المسيح يتأنى ليس بمعنى أنه يهمل، بل بمعنى أن عنده توقيتًا مباركًا حكيمًا.ب- لم يعرفوا المسيح عندما جاءهم (ع4):لقد كان المسيح عقب القيامة له جسد المجد (في3: 21) ولذا لم يعرفوه وقد حدث مثل هذا الأمر قبل ذلك مرتين كما يأتي:1- مريم المجدلية لم تعرفه في فجر يوم القيامة (يو20: 14). ظنته البستاني / ثم المعلم / ثم الرب (يو20: 18). وقد عرفته بعد ذلك من صوته.2- تلميذا عمواس لم يعرفاه في مساء يوم القيامة (لو24: 15، 16) ثم عرفاه عند كسر الخبز.3- كذلك التلاميذ السبعة وقت الصيد في هذه المعجزة. وهو سيعرفونه عند رمي الشبكة ع 12.لاحظ هذا التدرج:1- مريم المجدلية قد عرفته من خلال الصوت (من الكتاب المقدس).2- تلميذي عمواس قد عرفاه من خلال كسر الخبز (من سر التناول).3- التلاميذ السبعة عرفوه من خلال الطاعة عند رمي الشبكة (من مواقف العمل).ج- المسيح يفتح باب الكلام معهم كمحتاج (ع5).+ طلب منهم "إدام" = غموس = ما يؤكل مع الخبز. وهو في الحقيقة لا يطلب لكنه يمهد لما هو عازم أن يصنع تمامًا كما سبق وفعل مع المرأة السامرية. إنه شريك عوزهم.+ إنه يعرف نقطة ضعفنا. يعرف احتياجاتنا. ولذا عندما قالوا "لا" قدَّم لهم المشورة الحسنة والنصيحة القوية لسد هذا الاحتياج.إن يد الرب مازالت ممدودة برحمة غير محدودة: «إلى الآن لم تطلبوا شيئًا بأسمي أطلبوا (بالإيمان) تأخذوا (بالصبر) ليكون فرحكم كاملًا» (يو16: 24).د- على كلمته ألقوا الشبكة (ع6):+ دون جدال أو إعلان مهارتهم بالصيد وفنونه وهم أصحابه... أطاعوا رغم أنهم كانوا في وقت الصباح الباكر (الفجر)... وألقوا الشبكة فاصطادوا سمكًا وفيرًا. ربما كانت نفوسهم تردد المزمور: «في العشاء يحل البكاء وفي الصباح السرور» (مز30: 5).هـ- صادوا 153 سمكنة (ع11):أما عن دلالة هذا العدد فهناك عدة تفسيرات:+ يقول القديس جيروم: "إن هذا العدد يمثل كل أنواع السمك التي كانت معروفة آنذاك" وهذا يعني أن الشبكة الروحية لصيادي الناس (أي الرسل وخلفائهم) سوف تصطاد جميع أنواع الناس (مت28: 19).+ يرى القديس أغسطينوس: أن الأرقام 1+2+3+4+..........+17=153، وكأن هذا العدد هو 10+7: 10 تُمثل الوصايا: أي مختاري العهد القديم. 7 تُمثل النعمة: أي مختاري العهد الجديد. بمعنى أنه عدد رمزي إلى كل مختاري العهدين.+ يقول القديس كيرلس عمود الدين في تأملاته عن العدد: 100 رمز الأمم (مائة خروف، والثمار 30، 60، 100). 50 رمز لليهود (الذين انفتح أمامهم باب الإيمان يوم الخمسين). 3 رمز الثالوث الأقدس محور إيماننا وعقيدتنا.نلاحظ: أن الشبكة لم تتخرّق أو تتمزّق رغم وفرة السمك، فالشبكة تمثل الكنيسة الي ستبقى واحدة مهما كثر فيها المؤمنون، إنها تتسع لكل الأمم والشعوب والممالك.و- الآن... عرفوه!! (ع7).الآن تعرّف عليه كل من يوحنا وبطرس وكان لكل منهم رد فعل مختلف:يوحنا: أول من عرفه – أنه صاحب رؤية إيمانية – كان أسرع في الإدراك. وهذا نسميه = موهبة التعرف القلبي. وهذا يرمز = إلى حياة التأمل الرهباني. تمامًا كما حدث أمام القبر الفارغ (يو20: 8). فالمحبة هي طريقتنا لنعرف المسيح.بطرس: أول من ألقى بنفسه – إنه صاحب حركة وسرعة – كان أسرع في العمل. وهذا نسميه = موهبة السرعة في العمل. وهذا يرمز = إلى حياة الخدمة العاملة. وهذه هي عفوية الحب للمعلم. إذ كان عريانًا فألقى بنفسه سابحًا نحو المسيح.الخمسة الباقون: التزموا السفينة وقاموا بجر الشبكة والسفينة نحو الشاطئ وكان على بعد 200 ذراع = 100 ياردة = 96 متر تقريبًا. = إن الرب يعطي مواهب لكل واحد كما يشاء" (1كو12: 4).+ في جر الشبكة إلى الشاطئ رمز إلى السيد المسيح الذي يجذب النفوس من مياه الضياع إلى شاطئ الأمان في الحياة الجديدة معه (مثلما حدث يوم الخمسين). كما إن جر الشبكة يشبه اليوم الأخير عندما يجمعون السمك الجيد إلى أوعية، أما الأردياء فيطرحونها خارجًا (مت13: 47-50). فعلى شاطىء الأبدية كل واحد منا يعطي حسابًا عن نفسه. ز- لمسات الحب من المسيح الحنّان (ع9، 10). + كان التلاميذ متعبين طوال الليل، جائعين في الصباح، فارغين ويائسين فهم لم يصطاوا شيئًا في هذه الليلة، قابلهم المسيح وأعطاهم الصيد الوفير... ولكن عندما خرجوا إلى الشاطئ بعد المعجزة وجدوا لمسات الحب من المسيح الحنّان متمثلة في: جمرًا + سمكًا (مشويًا) + خبزًا. المسيح هنا نراه وقد دبر كل شيء بأفضل طريقة وأحسن مما كنا نطلب أو نتصور. لقد دبر الاحتياج العاجل (السمك المشوي والخبز)، والاحتياج على المدى البعيد (الرزق من وراء السمك الوفير) و(الفاعل مستحق أجرته) و(الله لا يفرض نفسه على أحد). + ولكن المسيح – له المجد – فوق كل ذلك احترم مقدرتهم فأشعرهم بالإنجاز إذ طلب منهم أن يُقدّموا من السمك الذي أمسكوه "هم" الآن (ع10). حقًا الله يعمل ونحن نعرق راجع (1أخ29: 14). المسيح: من خلال عمل السيد المسيح في هذه المعجزة نستطيع أن نرى بعض المبادئ الروحية الهامة: 1- المسيح يقترب إلينا في صمت (كما في حادثة تلميذي عمواس). وأثناء حياتنا اليومية... ويدخل في حياتنا كمحتاج ويتعامل معنا في لباقة. في البداية لم يعرفه التلاميذ ثم فجأة يكتشفونه فيفرحون بوجوده. إن قلوبنا تلتهب حُبًّا له كلما أدركنا محبته وعظمته. 2- بدون المسيح لا يمكن أن نجد شيئًا. بدونه يستحيل أن نصيد صيدًا أو نفوسًا (يو15: 5 + في 4: 13). فنجاح رسالتنا يتوقف على حضور الرب القائم من بين الأموات وعلى كلمته لنا وهذا هو القداس الإلهي (الافخارستيا). كلمة مسموعة ومقروءة (على المنجلية) + كلمة مأكولة (على المذبح)، وجدت كلامك (على المنجلية) فأكلته (على المذبح). فغياب المسيح (السمكة = إخثوس) هو غياب السمك جملة وفرادى. 3- المسيح في هذا الاصحاح يجري معجزة مع التلاميذ ثم حوارًا مع بطرس. ولذا نعتبر الأصحاح (21) خاتمة كنسية للإنجيل. إذ في المعجزة يتحدث عن عمل الكرازة وصيد بالنفوس. وفي الحوار يتحدث عن عمل الراعي ومحبة الله. معنى ذلك أننا كنا في اصحاح (20) نشهد للمسيح القائم من بين الأموات، فإننا في اصحاح (21) نرى مستقبل الكنيسة من خلال عمل التلاميذ. المعنى الرمزي: ها نحن نرى: الكنيسة المرسلة إلى العمق لتلقي الشبكة. وهي في ذات الوقت مجتمعة حول ربها يغذيها بيديه. إنها حاضرة في العالم، ولكنها سر علوي. هي كارزة وراعية في وسط العالم، وفي ذات الوقت مصلية ومتناولة بيد فاديها. وهذه هي حركتها المزدوجة من المسيح إلى العالم (بالخدمة والكرازة). ثم من العالم إلى المسيح (بالصلاة والافخارستيا) هذه الحركة المزدوجة تشبه حركة التنفس الضرورية لحياتها أو حركة بندول الساعة التي بلا توقف.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
19 أبريل 2020
الرسالة البابوية لعيد القيامة المجيد
أهنئكم أيها الأحباء بعيد القيامة المجيد، عيد القيامة هو قمة أعيادنا وفرح أفراحنا. أهنئكم جميعًا في كل مكان. أهنئ الآباء المطارنة والآباء الأساقفة، والآباء الكهنة، القمامصة والقسوس، والآباء الرهبان، والشمامسة، وكل الأراخنة وأعضاء مجالس الكنائس في الإيبارشيات المتعددة. وأيضًا كل الشعب والشباب والخدام والخادمات. وكل الأسر وكل الصغار وكل الأطفال. أهنئكم بعيد القيامة المجيد الذي نسميه بثلاثة أسماء:نسميه عيد الفصح: "Passover" وهو يعني العبور من الظلام إلى النور. وهو الليلة التي نقضيها قبل قداس القيامة في ليلة أبوغلامسيس حيث ندخل الكنيسة في الظلام وننتهي بالقداس في سبت الفرح في النور. وأيضًا نسميه عيد القيامة: "Easter"، وهذه الكلمة تأتي من East ومعناها الشرق، فهو عيد مشرقي، والشرق دائمًا يُعبَّر عنه بالنور. أهنئكم أيضًا بالتسمية الثالثة وهي تسمية "يوم الأحد"، فهو عيد الأحد، و"Sunday" معناها "يوم النور". فهذا هو يوم النور، أو "عيد النور".في أحداث القيامة المجيدة وما يسبقها من أسبوع الآلام تقابلنا شخصيات متعددة. القيامة هي الحدث الأكبر في تاريخ البشرية الذي يزرع الأمل في حياة البشر. وهذا يجعلنا نقف أمام نوعين من البشر. هناك نوع من البشر يصنع الألم، وهناك نوع آخر من البشر يزرع الأمل. في اللغة العربية كلمة "الألم" وكلمة "الأمل" بنفس الحروف وإن كانت ليست بنفس الترتيب. هناك من يصنع الألم أو الآلام في حياة البشر، وهناك من يزرع الأمل أو الآمال في حياة البشر. القيامة هي الحدث الأكبر الذي حدث على الأرض يزرع الأمل في نفوس البشر. هيا بنا نقدم بعض الأمثلة.إذا قرأنا في بدايات العهد الجديد نقرأ عن هيرودس الملك، إنسان صنع الألم، فهو المسئول عن قتل أطفال بيت لحم، هؤلاء الذين كان عمرهم أقل من سنتين؛ وكان يقصد أن يقتل المسيح. يبثّ الألم ويصنع الأحزان، وكانت النتيجة البكاء والعويل يملآن كل الأرجاء بسبب قتل الأطفال.مثال آخر للذين صنعوا الألم في حياة البشر: اليهود الذين صلبوا السيد المسيح. آلام الصليب كانت آلامًا متعددة جسديًا ونفسيًا ومعنويًا. آلام الاستهزاء وآلام المسامير وآلام إكليل الشوك وآلام الصليب نفسه. وصراخ الجماهير الحاضرة وحنقهم وشتائمهم وألفاظهم الشديدة التي كانت موجهة إلى السيد المسيح على عود الصليب. هذه الآلام الشديدة صنعها اليهود الذين صلبوا السيد المسيح وانتهت بموت المسيح على الصليب.مثال آخر للذين يصنعون الألم في حياة البشر ذلك التلميذ الخائن يهوذا. كان تلميذًا اختاره المسيح وصار في وسط التلاميذ إخوته، وعاش بينهم وشاهد معجزات السيد المسيح وشاهد تعاليمه واستمع إليها. ولكن نفسه الرخيصة جعلته يقيِّم المسيح بالمال، ويسبّب آلامًا شديدة، ويخونه ويبيعه بقليل من المال، وتكون النتيجة أنه يشنق نفسه ويموت. هذه أمثلة من الذين يصنعون الألم في حياة البشر الأمثلة كثيرة. هؤلاء الذي يصنعون الظلام في حياة البشر، سواء ظلام العقول أو ظلام القلوب. هؤلاء الذين يسبّبون الفشل في حياة الآخرين بكل أنواع الخوف والقلق وصراعات المال الشديدة بين البشر التي تؤدي إلى العنف وتؤدي إلى الحروب. هؤلاء الذين يصنعون الآلام مثل الذين يعاندون. الإنسان الرافض والذي يميل إلى العنف، وأيضًا الذين يزرعون الأكاذيب والشائعات والشكوك ويقدمون اليأس للآخرين. كل هؤلاء وغيرهم يصنعون آلامًا. هؤلاء أمثلة لمن يعيشون بدون المسيح.أما النوع الآخر من البشر فهم الذين يزرعون الأمل في حياة البشر. كانت قيامة المسيح حدثًا قويًا في زراعة الأمل. وهو الحدث الذي تقوم عليه المسيحية. فالمسيحية كلها تقوم على قيامة السيد المسيح لأن ليس بأحد غيره الخلاص (أعمال 4: 12). تأملوا معي مريم المجدلية التي كانت تمثل امرأة يائسة تبحث عن مسيحها ولم تجده، ولكن ظهور المسيح لها ثم كلامه معها أعاد إليها الأمل، وصارت مريم المجدلية حاملة رسالة بشرى القيامة إلى التلاميذ وإلى الرسل. انظروا معي تلميذي عمواس المتجهين قريبًا من أورشليم يتحدثان بيأس، ثم عندما يظهر بينهما المسيح في أثناء السفر ويقول لهما: أيها البطيئا القلوب والأفهام (لوقا24: 25)، مُرسِلًا إليهما الرجاء والأمل. انظروا إلى جماعة التلاميذ الذين كانوا في حالة خوف وحالة حيرة شديدة بعد صلب المسيح، وبعد القيامة وهم في العلية في حالة يأس شديد، يظهر بينهم المسيح. ويقول لنا الكتاب في إنجيل يوحنا: «ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب» (يوحنا20:20). هو زرع الأمل.أنت تستطيع أن تختار أيها الحبيب من أي فريق أنت. هل أنت من الذين يصنعون الألم في حياة الآخرين، أم من الذين يزرعون الأمل في حياة البشر؟ يمكنك أن تزرع الأمل بالكلمة المشجعة، وبتقديم الآمال وفتح باب الرجاء وبصنع السلام. أيضًا عندما تتصرف في سلوكياتك اليومية بإيجابية، فأنت تزرع الأمل.أحبائي... أهنئكم بهذا العيد، عيد القيامة. أهنئ كل كنائسنا في مشارق الأرض ومغاربها. أهنئ كل الإيبارشيات القبطية المصرية الأرثوذكسية الموجودة في بقاع الأرض: في الولايات المتحدة الأمريكية، في أمريكا اللاتينية، في دول أوروبا، في دول أفريقيا، في دول آسيا، في الكراسي الأورشليمي، في أستراليا، ولكل أبنائنا الأحباء في كل مكان؛ تهنئتي القلبية والخاصة لجميعكم. وأرجو أن تكون أفراح هذا العيد تملأ قلوبكم جميعًا. أهنئكم من أرض مصر، الأرض المحبوبة عند ربنا يسوع المسيح، والتي عاش فيها زمانًا مع أمنا القديسة العذراء مريم، ومع القديس يوسف النجار. أهنئكم جميعًا وأطلب لكم كل خير، كل محبة، كل سلام.نقول تحية القيامة: اخريستوس آنستي، آليثوس أنستي. المسيح قام، بالحقيقة قد قام.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
03 أبريل 2020
ملامح لحياتنا في الكتاب المقدس
نقرأ بنعمة الميسيح جزء من الكتاب المقدس “وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ، عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ” ( 2بط 1 : 91 – 21 ).
” أحبك يارب يا قوتي ” ( مز 18 ) أحب كلمتك يارب لأنها قوتي أحب كل ما أوحى في الكتاب المقدس بالعهد القديم والجديد أحب كل ما تعلَّمته من كلمتك المقدسة فهى قوتي أحب كل ما حفظته وأُردِّده وأُسبِّح به فهو قوتي الكتاب المقدس هو قوة اللـه للخلاص, هو بالحقيقة قوة الكتاب المقدس ليس مُجرَّد رسالة نظرية أو فلسفية أو فكرية أو وسيلة تعليمية هو بالحقيقة قوة لخلاص الإنسان؛ لذلك مسكين الإنسان الذي يهمل كلمة الله.
” وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً “؛ فكلمته حاضرة وحضورها هو الذي يعطي قوة للإنسان.
” عدم معرفة الكتاب المقدس هى علة جميع الشرور والخطايا ” ( القديس يوحنا دهبي الفم ).
ثلاث ملامح لحياتنا فى الكتاب المقدس:
1. القراءة اكتشاف:-
كل مرة تقرأ الكتاب المقدس تكتشف فيها ذاتك آخر أية في الكتاب المقدس هى ” أمين تعال أيها الرب يسوع ” صدى هذه الأية يتكرَّر في كل مرة نقرأ فيها فصل من الكتاب المقدس أمين تعال أريد أن اعرفك أشوفك وأشعر بيك أريد أن أرى يدك تُخلِّصني لذلك أيها الحبيب لا تحرم نفسك من هذا الاكتشاف اكتشف الكلمة ( أقنوم الكلمة ) بين الكلمات.
2. القراءة صلاة:-
نحن نقرأ لكي نُصلِّي, فمن أين نأتي بمادة الصلاة؟إن صلِّينا المزامير أو التسابيح أو القداسات هى كلها من الكتاب المقدس فالصلاة الواعية هى من الكتاب المقدس فعندما نُصلِّي التسبحة نُصلِّي مقاطع من الكتاب المقدس نُصلِّي الهوس الأول من سفر الخروج الأصحاح 15.
3. القراءة حياة:-
يقول مُعلِّمنا بولس الرسول: ” فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح “؛ كيف يعيش مَن يبتعد عن الكتاب المقدس؟ كيف تكون له حياة مقبولة أمام اللـه؟ البعض يقولون أن كلمةBible هىBasic information before leaving earth أي: المعلومات الضرورية التي تعرفها قبل أن تترك الأرض.
الكتاب المقدس هو دليل حياتك.
إخوتى الأحباء عندما نحيا في هذه المفاهيم؛ القراءة اكتشاف ففي كل يوم تستطيع أن تكتشف لؤلؤة جديدة كل يوم، والكتاب المقدس هو صلاة يُحفِّزك أن ترفع قلبك بصلوات دائمة, إذا اكنشفت وصليت تعيش حياتك كما أرادها اللـه وتكون حياتك إنجيلاً مقروءاً من جميع الناس.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
27 مارس 2020
الصليب... خلاصنا
لقد مات الرب يسوع مصلوبًا، فأصبح الصليب هو أساس خلاصنا، ولم يعد فقط أداة الألم والدم والموت، ولم يعد عارًا، بل صار عنوانًا للمجد وسبيلاً للفداء وافتخارًا لكل إنسان مسيحي.
ويقول يوحنا كاسيان: إن في رشم الصليب ملخص لأهم عقائدنا وإيماننا القويم، لأننا بالصليب نعترف:
1- بالثالوث الأقدس.
2- بوحدانية الله.
3- بتجسد المسيح.
4- بفداء المسيح.
5- بخطايانا لأننا كنا أبناء الشمال والظلمة.
6- بخلاصنا لأننا صرنا أبناء اليمين والنور.
وبالجملة صار الصليب عنوان مجد للمسيحي حيث يقول القديس يوحنا فم الذهب: "إن إشارة الصليب التي كانت قبلاً فزعًا لكل الناس، الآن يعشقها ويتبارى في اقتنائها كل واحد، حتى صارت في كل مكان بين الحكام والناس، بين الرجال والنساء، المتزوجين والبتوليين. لا يكف الناس عن رسمها ونفشها واستخدامها وقت الطعام، ووقت السفر، في الكنائس، وفي المنازل، في الليل والنهار، في الأفراح وفي الأحزان.. إنها عطية لا يُعبَّر عنها".
وإن كنا نرى الصليب في كل الأسفار المقدسة، وفي كتابات الآباء، وفي حياتهم وملابسهم، فإن واحدًا من الأنبياء –هو داود النبي– وقبل المسيح بألف عام، قد سجل مزامير كثيرة عن الصليب والآلام، ولكنه أيضًا رسم مفاعيل الصليب بالكلمات التي كتبها في (المزمور 103: 10-12) حيث قال:
(1) لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا (ع 10)، وهذه هي فلسفة عمل الصليب وخلاص المسيح لنا.
(2) لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه (ع 11)، وهذه هي العارضة الرأسية في الصليب: الرحمة.
(3) كبعد المشرق من المغرب، أبعد عنا معاصينا (ع 12)، وهذه هي العارضة الأفقية في الصليب: الغفران.
وهذا المزمور -103- يمثل تمجيدًا لعمل الصليب والخلاص في حياة الإنسان ولذلك يبدأ بالشكر والحمد «باركي يا نفسي الرب. وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته:
1- الذي يغفر جميع ذنوبك.
2- الذي يشفي كل أمراضك.
3- الذي يفدي من الحفرة حياتك.
4- الذي يكللك بالرحمة والرأفة.
5- الذي يشبع بالخير عمرك
فيتجدد مثل النسر شبابك.»
ويعبّر عن ذلك القديس غريغوريوس اللاهوتي في ليتورجيا القداس حيث يقول: "المسيح يخلصنا أي يغفر خطايانا، وينقذ حياتنا من الفساد، ويكلِّلنا بالمراحم والرأفات.. فالمسيح هو الذي سعى في طلب الضال، وتعب مع الذي سقط، وكنور حقيقي أشرق للضالين وغير العارفين، ووضع ذاته آخذًا شكل العبد، وبارك طبيعتنا فيه، وأكمل الناموس عنّا، وأزال لعنته، وهو الذي أبطل الخطية بجسده.. وأظهر لنا تدبير تعطفه..." والقديس بولس الرسول الفيلسوف واللاهوتي الأول في فهم المسيحية، بعد أن عاش زمانًا بعيدًا عن المسيح بل ومضطهدًا له، وفي رؤيا طريق دمشق تغير كل شيء فيه، وصار الصليب هو نقطة الانطلاق في فكره اللاهوتي، فيعترف بأن في الصليب الحكمة الحقيقية ولا يريد أن يعرف إلّا يسوع مصلوبًا ويفتخر قائلاً «الذي به قد صُلِب العالم لي وأنا للعالم..» (غلاطية 6: 14)هذا هو الصليب الذي نحتفل به ثلاث مرات سنويًا: في 10 برمهات (19 مارس)، وفي 17 توت (27 سبتمبر)، والمرة الثالثة بينهما يوم الجمعة العظيمة، جمعة الصلبوت، حيث أطول أيام السنة التي نقضيها في الكنيسة في صلوات وألحان وقراءات وميطانيات، متأملين في صليب خلاصنا وقد رُسِم أمام عيوننا يسوع المسيح مصلوبًا بيننا ولأجلنا (غلاطية 3: 1).
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
18 مارس 2020
صليب الألم... صليب الأمل
يقولون إن المسيح هو أعظم نجار في التاريخ، حيث بنى جسرًا يصل الأرض بالسماء، فقط بعارضتين من الخشب وثلاثة مسامير... هذا هو الصليب الذي صار مذبحًا عليه الذبيحة الدائمة، مسيحنا القدوس، الإله المتأنس من أجل خلاص جنس البشر، لأنه «هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل (صُلب) ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16). وصار الصليب فاتحة خلاص انتظرته أجيال وأجيال كما نقرأ في أسفار العهد القديم.ومن المدهش أن يكون «الصليب» في معناه وتاريخه وأحداثه وآثاره هو صورة الألم الشديد والقاسي، وفي نفس الوقت هو صورة الأمل الرائع والواسع أمام الإنسان، وهذا هو سر عظمة الصليب الذي يعشقه كل مسيحي يعيش إيمانه القويم، ويُعبّر عنه باللحن والصلاة والفن والموسيقى والعبادة، ومن خلاله ينال البركة والراحة والسلام والفرح والأمل.صليب الألم:منذ سقوط آدم وحواء وكسر الوصية الإلهية ورفضها وكسر قلب الله الذي خلقهما وأبدعهما وأحبهما جدًا ووضعهما على قمة الخلقة والخليقة.. وكلتهما اختارا طريق الخطية التي عمت العالم فيما بعد، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، حتى عبر داود النبي المعتبر بين الأنبياء «... هأنذا بالإثم صُوِّرت، وبالخطية حبلت بي أمي» (مزمور 51: 5).لقد كانت خطة الخلاص على امتداد الزمن والأجيال في حلقات متصلة، ولكن بقيت علامة الصليب رمزًا للعقوبة والألم والعذاب، وصار الألم من أجل الإيمان طريقًا إلى المجد لأنه مشاركة مع المسيح في آلامه.نقرأ هذه الكلمات: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني» (مت16: 24). «ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا» (لوقا14: 27). وهكذا صــــــــار حمل «صليب الألم» أحد مفردات حياة المسيحي مهما تنوع هذا الألم بين المرض أو الضيق أو الفشل أو الاضطهاد وغير ذلك. وهذا يبين كيف تنظر المسيحية إلى قضية «الألم» حيث صار هناك رفيق وصديق يحمل معك صليب الألم أو سبق وحمله عنكَ. وهذا ما عبّر عنه بولس الرسول حين قال: «مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ» (غلاطية2: 20).إن الصلب مع المسيح يعني معانٍ كثيرة: مثل قبول الألم سواء الجسدي أو النفسي أو المعنوي. ويعني أيضًا قبول الموت أو الاستشهاد الفعلي من أجل الإيمان. وقد يعني حياة النُسك والصوم والتوبة والتعفّف وبذل الوقت أو الجهد أو المال حبًا في المسيــــــــــــح ومــــــــــن أجـــــــــل مجد كنيسته.إذا أردت عزيزي القارئ أن تقرأ عن صورة الألم الشديد الذي حمله المسيح من أجلك، افتح الأصحاح 53 من سفر إشعياء وأعلم أنه «إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير..» (يوحنا12: 24و25).نقول في ذكصولوجية عيد الصليب: «الصليب هو سلاحنـــــــــــا. الصليــــــــــب هو رجاؤنـــــــــا. الصليب هـــــــــــــو ثباتنــــــــــا فــــــــي ضيقاتنا وشدائدنا».صليب الأمل:يقول القديس يوحنــــــــــا ذهبــــــــــي الفم: «الصليـــــــــب جعـــــــــــل الأرض سمــــــــــاء. هدم حصونًا وحطم قوة الشرير... حطـــم قيودنا.. وفتح الفردوس.. وأوصل جنس البشر إلى ملكوت السموات... تأملوا الخير الذي عاد علينا... أنشدوا تسابيح التمجيد للغالب.. صيحوا بالصوت العالي: يا موت أين نصرتك؟ ويا هاوية أين شوكتك؟». لم يكن قبر المسيح هو نهاية الصليب، بل كان نصرة الصليب ومحطة انطلاق وأمل ورجـــــــاء نحو الملكوت.إذا كانت العارضة الأفقية في الصليب تمثل الامتداد الذي يكون بين إنسان وآخر.. وعادة تكون آلام الإنسان بسبب إنسان آخر بأي صورة؛ فإن العارضة الرأسية تمثّل الرجاء والأمل المفتوح أمام الإنسان، والذي يصعد عليه نحو الله بواسطة الصلاة المستمرة. وإذا كنا نحتفل بتذكار الصليب المقدس يوم الجمعة الكبيرة، فإننا نحتفل بتذكار القيامة يوم الأحد.. إنه صليب الألم يوم الجمعة الكبيرة، وصليب الفرح يوم الأحد الذي صار هو العيد الأسبوعي للقيامة المجيدة.. إنه يوم النور. دائمًا يوجد أمل ورجاء لأن الصليب هو إعلان محبة الله الدائمة للإنسان صنعة يديه، إذ صار قوة خلاص وقوة رجاء، وهذا ما نعلنه في تسبحة البصخة ونكرره ونحن نصلي في أسبوع الآلام إذ نقول: «لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد. يا عمانوئيل إلهنا وملكنا» (رؤ5: 12،13؛ 7: 12). إنه صاحب القوة ومصدرها، ورجاؤنا في المجد، وبركة حياتنا وعزة وفخر إيماننا القويم، ومكتوب:«إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه» (رؤ8: 17)«وإن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه، وإن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه» (2تي2: 11)«أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا» (يو11: 25)كل أسبوع آلام وأفراح القيامة وجميعكم بخير
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
13 مارس 2020
هل تحب من يحبك فقط؟
«لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟» (متى5: 46، 47).حين يطرح الله سؤالًا للإنسان يكون لديه أكثر من هدف: فقد يكون لتغيير فكره، أو يكون دعوة للاستيقاظ من غفلة، أو قد يكون لكشف ضعف معين، أو للتأكد من وجود فضيلة في حياة هذا الإنسان..وسؤال الله لنا اليوم: هل تحب من يحبك فقط؟ سؤال هام ونحن في بدايه أيام الصوم الكبير. ففي العهد القديم في شريعه موسى قيل: عين بعين وسن بسن، أمّا في العهد الجديد - إذ جاء يسوع المسيح لا لينقض بل ليكمل - فيقول: هل تحب من يحبك فقط؟ فالمعاملة بالمثل ليست من المسيحية في شيء. وقد يتساءل البعض كيف أحب من لا يحبني؟ والإجابة عند الله أنه يريدنا أن نعامل الناس كما يعاملهم هو، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين، بدون تمييز؛ إجابه واضحة من الطبيعة التي تعامل الناس كما يعاملهم الله، فهو يعامل البشر من خلال الحب ومن خلال الرحمة. من خلال الحب كالشمس التي تشرق كل يوم، ومن خلال الرحمة مثل المطر، فالمطر يجعل الأرض تثمر معطية الخير للبشر.الشرائع القانونية في العهد القديم كما في العهد الجديد، تناسب بين الجريمه والعقاب. فإن أصاب أحد عين إنسان في العهد القديم ينال عقابًا يتناسب مع الجريمة. لكن لما جاء السيد المسيح وضع أمامنا مبدئين للتعامل مع كل البشر بدون استثناء، فلا يوجد فرق بين البشر: لا لون لا جنس ولا عرق ولا اعتقاد ولا أي شيء. المبدأ الأول: يجب ألا نلجأ إلى الانتقام لأن الانتقام يزيد الشر. فإن رددت على الشر بشر أصبح هناك شرَّان، ويتضاعف الشر، وندخل في دائرة لا تنتهي. فلابد أن نكسر حلقة الشر، ولا نلجأ إلى الانتقام لأن الله يقول: «لي النقمة أنا أجازي» (رومية12: 19). هو يري وهو يدبّر.المبدأ الثاني: أن يكون الإنسان محسنًا نافعًا للآخرين، وليس مجرد السكوت على الشر. فإن كنت لا تنتقم هذا نصف الطريق، والنصف الثاني أن تكون نافعًا للآخر. يقول لنا الرب: «مَنْ سخَّرَكَ ميلًا واحِدًا فاذهَبْ معهُ اثنَينِ. مَنْ سألكَ فأعطِهِ... ومَنْ أرادَ أنْ يُخاصِمَكَ ويأخُذَ ثَوْبَكَ فاترُكْ لهُ الرِّداءَ أيضًا (أي أن تكرمه)» (متى5: 40-42). هذه المحبة التي نقدمها للآخر هي التي تكسر فيه شوكه الشر، فليست هناك وسيلة لنزع الشر من الناس سوى أن تحبهم. فكيف يخرج الشر من إنسان إلّا إذا رأى آخر يحبه؟ لذا أضع أمامك هذا السؤال ثانيةً: «هل تحب من يحبك فقط؟». هذه ليست المسيحية، فالإنجيل يقول: «إنْ أحبَبتُمُ الّذينَ يُحِبّونَكُمْ، فأيُّ أجرٍ لكُمْ؟ أليس العَشّارونَ أيضًا يَفعَلونَ ذلكَ؟». المسيحية هي شريعه الكمال، وتفوق الإنسانية. هي تجعل من الإنسان أكثر رفعة من الإنسان الترابي. لكن الإنسان الروحي بالأكثر يسلك بشريعة الكمال واضعًا أمامه شخص السيد المسيح. فمثلًا الوصية التي تطالبنا: «من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر» نجد صعوبة في تنفيذها بحسب الطبيعة البشرية، التي تفترض أن أرد اللطمة بمثلها، فمن يلطمني يفعل شرًا، وإن رددت عليه بطريقته أكون فعلت شرًا مثله. حينها أجد أنني تساويت به ودخلت في دائرة لا تنتهي. فالله حين قال: «من لطمك على خدك الأيمن حوّل له الآخر أيضًا» قصد أن أصبر عليه، وأعطي له فرصه ليراجع نفسه، حتى ينتبه لنفسه ويدرك خطأه وهذا ليس ضعفًا، بل فيه كسب للآخر. لقد رأيت مرة موقف بهذه الصورة بنفس الفعل كما في آيات الإنجيل، لدرجة أن الشخص الذي ضَرَب بدأ يبكي ويصرخ ويركع على الأرض، وبدأ يحس بمقدار الخطأ الذي ارتكبه.صوره أخرى هي «من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك...»، هنا حالة خصام أو حالة ضرر لحق بما تمتلكه؛ كيف تعالج مثا هذا الموقف؟ كيف من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، تترك له الرداء؟! اترك له الرداء أي اصنع معه سلامًا، اِكسر شوك الشر التي فيه. «مَنْ سخَّرَكَ ميلًا واحِدًا فاذهَبْ معهُ اثنَينِ»، من سخرك تعني من ظلمك وكبت حريتك، والكتاب يقول لنا عن مثل هؤلاء أن اذهب معه ميلين! حكيت لكم قبلًا عن شاب تخرج من كليه الآداب ولم يعثر على وظيفة، فعمل نقّاشًا في بلد شقيق، وطلب منه شخص أن يبيّض له منزله، وسأله عن المدة التي يحتاجها لإتمام العمل، فأجاب الشاب بأنه يحتاج 20 يومًا تقريبًا. وفي اليوم الـ18، أي قبل انتهاء العمل بيومين، افتعل صاحب البيت خلافًا مع الشاب وطرده حتى لا يعطيه أجره، وهذا ظلم. انصرف الشاب حزينًا لكنه عاد في اليوم التالي طالبًا من صاحب المنزل أن يسمح له بالانتهاء من العمل. تعجب صاحب المنزل، وأخذ يراقب الشاب الذي أكمل عمله بمنتهى الأمانة، وعندما أنهى عمله سأله عن كيف استطاع أن يفعل هذا؟ فأجابه الشاب: "أنا اتفقت معك أن أبيّض لك بيتك. أنت صرفتني وظلمتني وهذا شأنك، لكن أنا سأتمم ما اتفقت معك عليه". وانبهر الرجل بالشاب وأمانته، وجعله شريكًا له في كل أعماله، وانفتحت له أبواب الرزق الواسع جدًا... وقيسوا على هذا أمثلة كثيرة ممكن أن يعيش فيها الإنسان. مقاومة الشر بمثله ممكن تزيده، لكن الشر لا يمكن أن يُهزَم إلّا بالخير والصلاح. شريعة المسيحية التي قدمها لنا السيد المسيح في العظه على الجبل هي لكل يوم، وهي آيات عملية صالحة للتطبيق في كل يوم.السؤال الذي يطرحه الرب علينا: هل تحب الذي يحبك فقط؟ إذا أحببت من يحبك فقط، فأنت لا تحيا المسيحية الكاملة بعد، بل لا زلت في نصف الطريق، لكن عندما تمتد محبة الإنسان لكل أحد يكون قد وضع قدمه على طريق شريعة المسيح. تذكروا يوسف الصديق مع إخوته الذين أبغضوه، أمّا هو فلم يحمل لهم أيّة بغضة برغم كل ما فعلوه معه؛ فمواجهه الشر لا تكون إلا بالخير العملي. تذكروا أيضًا السيد المسيح وهو على الصليب مُحاطًا بمن أبغضوه، ولكننا وجدناه يطلب لأجلهم: «يا أبَتاهُ، اغفِرْ لهُمْ، لأنَّهُمْ لا يَعلَمونَ ماذا يَفعَلونَ» (لوقا23: 34). أحيانًا في مجتمعاتنا لا يوجد عدو بالمعنى الحصري للكلمة، لكن قد يوجد من لا نقبله، فماذا تفعل مع مثل هذا؟ هل تخاصمه؟ تتجنبه؟ تشوه صورته؟ تشكوه؟ كل هذه العلاجات مرفوضة، أمامك علاج واحد: أن تزيد محبتك له! أظنكم تذكرون قصة المعلم إبراهيم الجوهري عندما شكا له أخوه أن هناك من يعايره ويشتمه، فأجابه المعلم إبراهيم الجوهري بأنه سيقطع لسان هذا الشخص، فسُرَّ أخوه بهذا. أمّا المعلم إبراهيم فقد أكثر العطايا لذلك الشخص، وهكذا قطع لسان الشر. واجه البغضة بالإحسان، و«صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم». عجيبة المسيحية! تصور أنك لا تفعل مثل الذي يسيء إليك، بل تحوّل هذه الإساءة لمادة للصلاة. الإنسان الذي يسيء إليك بالكلام أو بإطلاق الإشاعات أو تشويه السمعة... الخ، يقول لنا السيد المسيح أن العلاج هو أن نصلي لاجلهم! لا تنسوا أن من يسيئون إليكم هم أيضًا لها قيمتها أمام الله مهما كانوا. إن كان حبك لمن يحبك فقط، فأنت لم تعرف المسيح بعد، ولذلك في هذا الصوم ارفع قلبك واطلب من الله أن ينزع من من قلبك أيّة بغضة أو إساءة أو خاطر رديء تجاه أي إنسان. عندما نتحرر من الكراهية والمشاعر السلبية نستطيع أن نقتني فضائل عظمى من الله، نستطيع أن نقتني الحب الكامل، حب الأعداء. نقتني حب الرحمة التي نقدمها لكل إنسان. من يقرأ في تاريخ العصور الحديثة يجد أن الجمعيات التي ظهرت في العالم لتخدم الناس في أي مكان، نشات بفكر إنجيلي، مثل جمعية الصليب الأحمر التي تخدم مصابي الحروب. المسيحية ترتقي بالإنسان العادي ليكون مسموحًا بنعمه الروح القدس، ليصير الإنسان روحيًا، ويستق أن يُطلَق عليه "مسيحي" بالحق وليس بالكلام، بالفعل وليس بالمهظر. هل تحب من يحبك فقط؟ هذا هو سؤال السبت الأول في الصوم المقدس. وإجابة السؤال نجدها في العظة على الجبل (متى5: 38-48). يعطينا مسيحنا أن تكون حياتنا حياة نقية، ونمتلك طاقة الحب من أجل كل أحد. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن إلى الأبد. آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
06 مارس 2020
الصوم الكبير قانون وسلوك
بدا أيام الصوم الكبير الغنية في روحياتها والممارسات الكنسية فيها، والتي تأتي مرة واحدة كل عام، نقدم فيها توبتنا الجماعية بالهدوء، والسكون، والصمت، والنُسك، والتقشُّف، وفحص النفس، وتنقية القلب، والدخول إلى الأعماق، بهدف أن يكون الإنسان "إنسان الله". وكما قال القديس مار إسحق السرياني فإن الصوم "هو تقديم كل الفضائل، وبداية المعركة، وتاج المسيحية، وجمال البتولية، وحفظ العفّة، وأبو الصلاة، ونبع الهدوء، ومعلّم السكوت، وبشير الخيرات". والكتاب المقدس يزخر باللذين صاموا قبلًا أمثال: موسى النبي (خر34: 28) – داود النبي (2صم1: 11) – أخاب الملك (1مل21: 27) – عزرا (10: 6) – نحميا (1: 3) – استير (4: 1) – دانيال (9: 3) – أهل نينوى (يون3: 5-9) – حنّة النبية (لو2: 37) – بولس الرسول (أع9:9) – بطرس الرسول (أع10:10) – الرسل (أع13: 2) – كرنيليوس (أع10: 3) – والسيد المسيح (متى 4: 2).وهذا الصوم المقدس الذي يمتد إلى 47 يومًا ويلحقه أسبوع الآلام، ولكن يسبقه وبنفس الطقس الكنسي 3 أيام صوم يونان ونينوى؛ يُعتبَر بالمعنى الرمزي خزينًا روحيًا لمسيرة الإنسان الروحية خلال العام. ولذا وضعت له الكنيسة طقوسًا وألحانًا متميزة، وصار له قانون نقرأه في إنجيل قداس الرفاع، وصار له سلوك نقرأه أيضًا في الكاثوليكون في قداس الرفاع.أولًا: قانون الصوم نقرأ عنه في (مت6:6)«أمّا أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصَلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية».والمقصود بالقانون أنه نظام الحياة أثناء الصوم، ويعتمد على خطوتين: الأولى: "ادخل إلى مخدعك"، أي إلى قلبك الداخلي الذي لا يراه إلّا الله، واجتهد في تنقية هذا القلب الذي سوف تقدمه لله عندما تقف أمامه. والثانية: "اغلق بابك"، أي أغلق فمك عن الطعام والكلام، واجتهد أن يكون حديثك مع الله أكثر وأكثر، وطعامك مثل طعام الفردوس حيث النباتات، وفترات الخلوة الصائمة بالانقطاع عددًا من الساعات كل يوم.يقول القديس باسيليوس الكبير: "الصوم الحقيقي هو ضبط اللسان، وإمساك الغضب، وقهر الشهوات".ثانيًا: سلوك الصوم:نقرأ عنه في (رسالة بطرس الثانية 1: 5-7)، حيث يقدم لنا سلوكيات الصوم المبنية على الإيمان، والهادفة إلى أن يكون الإنسان "إنسان المحبة"، وبالترتيب التالي:أ- قدسوا في إيمانكم فضيلة: الإيمان إحساس غير منظور، ولكن يُعبَّر عنه بالفضيلة التي يعيشها الإنسان، وتظهر في سلوكه اليومي مثل الوداعة والتسامح والقلب المنفتح والمعتدل.ب- وفي الفضيلة معرفة: نعيش الفضيلة ونمارسها بمعرفة حقيقية والتي نستقيها من الوصايا الكتابية التي هي ينابيع المعرفة الصادقة في كلا العهدين، ولذلك نقرأ النبوات والمزامير والأناجيل والرسائل عبر أيام الصوم يوميًا.جـ- وفي المعرفة تعفُّفًا: والتعفُّف هو الانضباط الذي نمارسه في نقاوة ووقار، فلا يهم الفم فقط بل والعين والأذن والسمع وكل أعضاء الجسد، كما يقول يوحنا ذهبي الفم. وكل هذا عن وعي وإدراك لكي تسمو الروح فوق الجسد.ء- وفي التعفف صبرًا: عامل الوقت أحد عوامل استقرار الحياة الروحية وثباتها. وهذا يحتاج الصبر الذي به نقتني نفوسنا التي اشتراها المسيح بدمه الكريم على عود الصليب.هـ- وفي الصبر تقوى: التقوى تعني المخافة القلبية التي قال عنها داود النبي: «جعلتُ الرب أمامي في كل حين، إنه عن يميني فلا أتزعزع». المخافة هي التي تحرسنا من الخطية بكل أشكالها، ومن خلال الصبر تكون المخافة الحاضرة في كل ما نمارسه في حياتنا.و- وفي التقوى المودة الأخوية: ونعمة المودة الأخوية والتي تجعل من الآخرين أقرباء وأحباء لنا مهما كانت درجات الاختلاف والتنوع معهم. المودة هي أن تكون ودودًا لطيفًا وديًا ومتواضع القلب مع الجميع.ز- وفي المودة الأخوية محبة: وهي لباس الكمال بحسب تعبير بولس الرسول: «وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال» (كو3: 14).وهكذا تكون سلوكيات الصوم حيث تمتلئ حياة الإنسان بالمحبة الكاملة، والتي تفيض منه لكل أحد بلا توقف.كل صوم وأنتم جميعًا طيبين.
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
28 فبراير 2020
كيف تصلي؟
كل فصل من أناجيل الصوم الكبير يحمل سؤالًا، وكأن أيام الصوم هي بمثابة أسئلة يطرحها الله علينا لتكشف لنا مقدار معرفة الإنسان الروحية وطبيعته وتعمقه وعمقه في هذة الحياة الروحية. كلمة الله أجابت عن أسئلة كثيرة في السنوات الماضية وهذا العام (2017) سوف نأخذ القراءة الإنجيلية في كل يوم جمعة طوال أيام الصوم في السبعة أسابيع.إنجيـــــــل الجمعـــــــــــة الأولـــــــــــى مـــــــــــن الصـــــــــوم (لوقا11 : 1-10) يبـــــــــدأ بســـــــــؤال واضـــــــح جــــــدًا، فقـــــــد طلب التلاميذ من السيد المسيـــــح قائلين: «يا رَبُّ، عَلِّمنا أنْ نُصَلّيَ...»، ولذلك السؤال يكــــــون كيف تصلي؟ كثيرون ينظرون إلى الصــــلاة على أنها فعل روحي، وبعضهم يعتبرها فنًّا، ولكننا نرى الصلاة حياة. حياة الصلاة هي ليست حياة لوقت معين ولا في مناسبة معينة ولا في مكان معين، الصلاة حياة يعيشها الإنسان طول حياته، والوصية التي قالها السيد المسيح أن صلوا كل حين ولا تملوا، فكأن الصلاة مرتبطة بالتنفس في كل حين. والصلاة هنا تعني العلاقة التي تربط بينك وبين الله، وهذه العلاقة علاقة داخلية في القلب وليست مظهرية أو خارجية، فصمتك قد يكون صلاة، وترنيمك صلاة ووقفتك صلاة، حتى أننا نقرأ في سفر النشيد عن عروس النشيد «أنا نائمَةٌ وقَلبي مُستَيقِظٌ (بالصـــــــلاة)» (نش2:5)، وكأن نبضات القلب هي تعبير عن نبضات الحب، حب الإنسان لله وحب التواجد في حضرته على الدوام. والصلاة لا تأخذ شكــــــلًا واحـــــــدًا، مشاعرك تكون صلاة، ودموعك تكون صلــــــوات، وسجودك صلوات، وصمتك يُحسب صـــــــلاة. وداود النبي يقول هذا التعبير الجميل: «مِنَ الأعماقِ صَرَختُ إلَيكَ يا رَبُّ» (مز1:130)، لا أحـــــــد يسمـــــــع هذة الصرخة غير الله، أعمــــــاق القلب وأعمــــــــاق النفس البشرية هي التي تصلي وتخاطب الله، والله يسمع ويستجيب. لذلك في كل قداس نصليه في الكنيسة نسمع نداءً من الأب الكاهـن في صورة سؤال: «أين هي قلوبكم؟»، فيـــــرد المصلـــــون ويقولون: «هي عند الرب»، ليست قلوبنا على الأرض وإنما في السماء. تقدم التلاميذ للسيد المسيح وطلبوا السؤال الذي نطلبـــه: «علمنـــــــا يــــا رب أن نصلـــــي»، هل تحتاج الصـــــــلاة أن نتعلمهــــــا؟ هل نحتاج إرشادًا لنصلي؟ هل لابد من الحكمـــــة؟ نعم! لذلك أعطاهم السيد المسيح النموذج المثالي للصلاة، وهي التي نسميها الصـــــلاة الربانيـــــة وأحيانًا نسميها صلاة الصلوات. وسلمنا الرب هذه الصـــــــلاة في عبارات موجزة قليلة ولكنها واسعـــــة المعانـــــــي، وصــــــارت هذة الصلاة هي الصلاة الرسمية في المسيحية، ونصليها شرقًا وغربًا، ويمكن أن نعتبرها بمثابة البذرة التي نشأت منها كل صلواتنا.وهذه الصلاة قصيرة ولكن عميقـــــة المعنى، وأريد أن أتأمل معكم في هذه الصـــــــلاة في عشرة معانٍ متكاملة...المعنــى الأول: أن فيها روح البنـــــوة، فحين تصلي وتقول: أبانا في بدء الصــلاة، معناها إني أنا ابن لك يا رب. شعور البنوة حلو يريح الإنسان.المعنــــى الثانـــــي: ننادي الله «أبانا» بصيغة الجمع وليس أبي، وكأن كل الموجودين إخوتي، أي روح الأخوة التي تجمعنا، فلنا أب واحد هو الله الآب. ولذلك قيمة الصلاة أنها تجمعنا معًا. أيضًا حين نخاطب الكاهن ندعوه «أبونا» وأيضًا بصيغة الجمع، والكنيسة الإثيوبية تنادي الأب البطرك والأب الأسقف والأب الكاهن بكلمه «أبونا» حتى اليوم.المعنـــى الثالــــث: وهو روح المهابـــة، فأنت تقف أمام أبينا الذي في السماء، وتحمل نسمة حياة من السماء. لست مخلوقًا أرضيًا بل مخلوق من السماء. وحين تقف أمام الحضرة السماوية فيجب أن يكون ذلك بمهابة وخشوع.المعنى الرابـــع: «ليتقدس اسمك» رغم أنهما كلمتان والعبارة قصيرة، ولكن ليتقدس اسمك يا رب في حياتي، وهذه روح القداسة. أحيانًا في مسيره حياه الإنسان ينسى اسم الله وينسى تقديس اسم الله، ولذلك نعتبر القسم خطية لأن الإنسان يستخدم اسم الله بلا مصداقية. في إنجيل يوحنا تجد هذه الآية الجميلة «لأجلِهِمْ أُقَدِّسُ أنا ذاتي» (يو19:17)، الأب في بيته يقدس نفسه أي يجعل نفسه أمينًا على أسرته، الخادم في الكنيسة وكل مسئول في المجتمع يقدسون أنفسهم من خلال الأمانة في المسئولية. ليتقدس اسمك يا رب في كلامي فلا يكون غامضًا أو ملتويًا بل بالحق.المعنــى الخامــــس: «ليأتِ ملكوتك» وهنا روح الاستعداد. فالإنسان المؤن ينتظر ملكوت الله أو ينتظر أن يكون له نصيب في السماء. ليأتِ ملكوتك أي الإحساس اليومي بأنك مدعو لهذا الملكوت، مدعو أن يكون لك حياة في السماء، الحياة الأبدية التي بلا نهاية. مثل العذارى الحكيمات والجاهلات يشرح لنا كيف أن العذارى الحكيمات انتظرن العريس مستعدات بالزيت، أمّا الغير مستعدات فيسميهم الكتاب المقدس الجاهلات، فلم يكن لهن نصيب وأُغلِق الباب دونهن.المعنــــى الســــادس: «لتكن مشيئتك» وهذه المشيئة تعني روح التسليم. الإنسان الذي يعيش في مشيئة الله، الذي يرى كل شيء يصنعه الله أنه خير، يعيش في حياة الرضا والقبول، هو في يدي الله يقود حياته من يوم ليوم ومن سنة لسنة ومن مسئولية لمسؤلية. المعنـــــى السابــــع: «كما في السماء كذلك على الأرض»، عبــــــاره مفصليــــة: قبلهـــــا ثلاث عبارات تخـــــص الله. نريـــــد يــــا رب أن الأرض التي خلقتها لنا تكون مثل السماء، أريد كنسيتي مثل السماء، وكذلك وطني، بل والبشرية كلها تكون كما السماء. السماء كلها سعادة وفرح وصفاء، ونريد أن تكون الأرض هكذا. السماء قلبها واسع وكلها سلام، ونريد سلامًا على الأرض... وهذه نسميها روح الاتكال أو سماوية الطابع.المعنـــــــى الثامـــــن: «خبزنا كفافنــــــا أعطنـــــا اليوم»، ونسميها روح القناعـــــة. والقناعة صورة من صور الرضـــــا أو الشبع الداخلــــي، ولن يأتي الرضا أو الشبــــع الداخلـــي مــــــــن أمـــــــــور ماديــــــه أبدًا، ولكن بقدر ارتباطك ووجودك في الحضرة الإلهية بقدر ما يكون شبعـــــك، لأن القلب لا يشبـــــع بطعام ولا بماديات ولا بالتراب بل بالله فقط. المعنى التاسع: «اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا». الله صاحب المغفرة، ولكنه أعطى للإنسان قوة المسامحة، والمعادلة أكثر من رائعة! فعلى قدر ما تسامح الآخر على قدر ما تحصل على غفران الله، ورغم بساطتها إلّا أن الإنسان أحيانًا ما ينساها! وهذه نسميها روح المغفرة. أتعجب حين يحدث خلاف بين اثنين ويستمر لأيام بل وسنين، وأتساءل: ألا تصلون أبانا الذي...؟! المعنــى العاشــــر: «لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير». هي روح الحرص، نحن نعيش في عالم فيه الخير والشر، وفيه ضعفات كثيرة وخطايا متنوعة، فكيف يحترس الإنسان لنفسه، ونحن نعلم أن الخطيه يسبقها غفلة أو نسيان للوصية، لذا نقف أمام ربنا ونقول: لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير. طالما تحصنت بروح الصلاة الدائمة فلا يقدر العدو أن يؤذيك ما لم تؤذِ أنت نفسك. الصلاة الربانية تقــــدم لك نموذجًا للصلاة، سواء روح البنوة أو الأخوة أو المهابة أو القداسة أو روح الاستعداد أو الاتكال على الله أو القناعة أو المغفرة أو االحرص والانتباه. كل هذه مفاهيم تدخل في الصلاة. مشكلة الإنســـــــان المعاصــــــر أنه يحيــــــــا في عصر السرعة، لكن الحياة الروحية ليست بهذه السرعة. فحين تزرع لبد أن تنتظر ثلاثة أو أربعة شهور حتى تثمر، وهناك نباتات تحتاج لسنين، فلكل شيء وقت. في هذا مثل صديق نصف الليل (لو11) يعلمنا اللجاجة أي استمرار الطلبة أمام الله، وكأنك تقول لله إنه ليس لي غيرك ولا أستطيع أن أذهب لأحد آخر. وقد سمعتم عن القديسة مونيكا التي ظلت تصلي 20 سنة وبدموع من أجل ابنها أغسطينوس، حتى تغير وصار قديسًا. لم تصلِّ يومًا ولا اثنين بل 20 سنة! قيسوا على هذا كثيرًا. ولذلك اللجاجة أحد عناصر نجاح الصلاة. والله عندما يعطيك أو لا يستجيب إنما يفعل هذا لخيرك. ولذلك في آخر هذا الفصل يقول لنا «اسألوا تُعطَوْا، اُطلُبوا تجِدوا، اِقرَعوا يُفتَحْ لكُمْ»، إياك من اليأس أو الشك إن كان الله يسمع صلواتك، بل هو يسمع كل كلمة، يسمع مشاعرك من الداخل وأنين قلبك. اسألوا باللسان، اطلبوا بمشاعر القلب، اقرعوا باللسان والمشاعر والإرادة. لقد أعطانا الله نعمة الصلاة، ونعمة التواجد في الحضرة الإلهية، ونعمة الاستجابة، كل إنسان ومهما كان ضعفه ومهما كانت كلماته يستطيع أن يصلي، والله يسمع ويستجيب الصلاة. يعطينا مسيحنا أن تكون حياتنا كلها صلاة، كما يقول داود النبي: «أمّا أنا فصلاة»...
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد