المقالات

22 مارس 2020

بئر الماء الحي

جائت السامرية كعادتها متوقعة ألا تجد أحداً لكنها وجدت يسوع رأت من شكله و وقاره أنه رجل دين و فكرت في داخلها: هل سينظر لي باحتقار؟ أم سيوجه كلام عنيف و قاسي لي؟ ليته يتركني فهو لن يفهم كم تعبت من نظرات و كلام الناس المصدر كتاب "بئر الماء الحي" بعد أحد الابن الضال يأتي أحد السامرية على نفس الخط التوبة و الرجاء لأي نفس أياً كان ماضيها أو حياتها أو خطاياها بعد لقاء عميق و صادق مع يسوع تتوب و يتغير قلبها و تصبح سفيرة للمسيح لقاء واحد عميق مع شخص السيد المسيح (الذي نتناوله داخلنا كل يوم على المذبح و نسمع كلامه لنا كل يوم في الإنجيل) يغير الخاطئ إلى تائب ثم كارز و سفير!طبعاً ما كان يتوقع أي أحد أن تلك المرأة من الممكن أن تتوب إلا الله محب البشر، فاحص القلوب لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ صموئيل الأول 16 : 7 ظروف الحدث المكان: سوخار مدينة بين أورشليم (الجنوب) و الجليل (الشمال) مدينة سامرية و ما أشد العداوة بين اليهود و السامريين في ذلك الوقت لعدة أسباب سياسية و دينية الزمان: منتصف النهار في شدة الحرارة في الوقت الذي لا يتواجد فيه أحد عند البئر لأن الكل يجمع ما يكفيه من المياه في الصباح كان المعلم و تلاميذه قد تعبوا من طول الطريق و مجهود السفر فذهب التلاميذ ليشتروا الطعام و جلس المعلم عند البئر ينتظر تلك النفس التي تشتاق للخلاص وحده حتى يستطيع أن يتكلم معها دون أن يحرجها أمام أحد ماذا حدث؟ فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء جائت السامرية كعادتها متوقعة ألا تجد أحداً لكنها وجدت يسوع رأت من شكله و وقاره أنه رجل دين و فكرت في داخلها هل سينظر لي باحتقار؟ أم سيوجه كلام عنيف و قاسي لي؟ ليته يتركني فهو لن يفهم كم تعبت من نظرات و كلام الناس فقال لها يسوع أعطيني لأشرب لم يكن محب البشر الصالح هنا بالصدفة بل كان لابد له أن يجتاز السامرة في هذا الوقت ليقابل هذه المرأة و يريحها من كل أتعابها فبدأ بالكلام معها فقالت له المرأة السامرية كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟ أدركت المرأة من لهجته أنه من الجليل و استغربت كيف يتكلم معها أي رجل دين يهودي كان سيحتقرها أو في أفضل الأحوال يمشي دون أن ينظر إليها!أجاب يسوع وقال لها: لو كنتِ تعلمين عطية الله، ومَنْ هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه، فأعطاك ماءً حيً دخل السيد المسيح في الموضوع المهم أنا هنا لأعطيك الماء الحي قالت له المرأة يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟ كانت المرأة ترد ببعض الجفاء حتى تنهي الحديث مبكراً واضح أنا هذا المعلم اليهودي يظن أني إنسانة تقية و لا يعرف الحقيقة أجاب يسوع وقال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه، يصير فيه ينبوع ماء، ينبع إلى حياة أبدية جاء الوقت لكي يخبر الرب تلك النفس عن الحقيقة عن الماء الحي الذي يروي إلى الأبد و شعرت السامرية مع هذه الجملة القوية أنه بالفعل قادر أن يعطيها ذلك "الماء الحي" وأنه يريد ذلك بالفعل، فصرخت يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش، ولا آتي إلى هنا لأستقي و كم كان فرح السيد بهذه الإجابة و كل من يقبل إليه لا يطرحه و لكن لابد من أمر ما أولاً قال لها يسوع اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههناهناك خطية في حياة المرأة و حتى تستمتع بالماء الحي لابد أن تتوب عن هذه الخطية و لابد أن تدرك أن الله الحنون يريدها أن تخرج هذه الخطية إلى النور حتى ترتاح منها ليس لي زوج هل سترضى أن تعطيني الماء الحي على الرغم من خطاياي أيها المعلم الصالح؟ على الأقل سأحاول ألا أكذب قال لها يسوع: حسنًا قلتِ ليس لي زوج يالعظم لطفك و وداعتك أيها الرب الطيب بيّن للمرأة أنه يعرف ماضيها لكنه لم يقل ذلك بقسوة و يجرحها بل بمنتهى الأبوة و الرفق امتدح صدقها يا سيد ارى انك نبي طبعاً كيف يعلم ذلك اليهودي ماضيّ؟ لابد أن يكون نبياً سألته المرأة عن المكان الصحيح للسجود و العبادة و هو ما يكشف اهتمام و عطش داخلها لتجد الله و كانت تنتظر الإجابة أورشليم أو الجبال و لكن سيدنا نقلها لروح العهد الجديد لكن تاتي ساعة و هي الان حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للاب بالروح و الحق لان الاب طالب مثل هؤلاء الساجدين له الله روح و الذين يسجدون له فبالروح و الحق ينبغي ان يسجدوا السجود بالروح؟! بالتأكيد لم تسمع المرأة مثل هذا الكلام من قبل هل السجود و العبادة علاقة روحية و ليست مجرد شعائر لابد أن تؤدى بطريقة معينة؟ لابد أن هذا عهد جديد و روح جديدة قالت له المراة انا اعلم ان مسيا الذي يقال له المسيح ياتي فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء خمنت المرأة ذلك و لمّا أجابها المخلص أنا الذي أكلمك هو لم تتعجب فمن سواه يقدر أن يروي الأرواح الظمأى؟ فتركت المراة جرتها و مضت الى المدينة و قالت للناس هلموا انظروا انسانا قال لي كل ما فعلت العل هذا هو المسيح؟ يا لعظم هذه المرأة عندما وجدت مروي الأرواح أسرعت لتشرك كل من تعرف ليرتاحوا مثلها و لم تخجل أن تفضح نفسها (قال لي كل ما فعلت) فهو الغافر الرحوم و هو يحبها رغم كل ما فعلت يا رب أيها الغافر الحنون محب البشر معطي الروح القدس لكل من يطلب يا من تسعى وراء كل خاطي مهما كان ما فعله خليني ألتقي معاك لقاء شخصي يغيرني بجد و ينقي داخلي أتوب عند قدميك أرتاح من همومي و أذوق غنى رحمتك و أسجد لك بالروح و الحق و أشرب من الماء الحي إلى الأبد أهتف مع عروس النشيد أنا سوداء و لكني جميلة (في عينيك) ثم أكرز بحبك لي و عظم صنيعك معي لكل إخوتي فالكل ظمآن و ماء الدنيا لا يروي أحداً أنت هو الماء الحي الوحيد الذي يشبع أرواحنا م. ماريان إدوارد - دكتور هاني صبحي
المزيد
12 فبراير 2020

صوم نينوى تاريخيا

ورد في مقدمة قطماروس الصوم الكبير أن هذا الصوم دخل للكنيسة القبطية في عهد البابا أبرآم بن زرعة السرياني (976-979م) الـ62 من بابوات الكرازة المرقسية(1)، وذلك بعد أن أتم الله في عهده معجزة نقل الجبل المقطم سنة 978م تقريبًا. وذكر العلامة جرجس ابن العميد الملقب بابن المكين (+1273م) في كتابه مختصر البيان في تحقيق الإيمان الشهير باسم الحاوي أن البابا ابرآم "أراد بذلك اتفاق كنيسة القبط مع كنيسة السريان في هذا الصوم لائتلاف المحبة، كما يوجد بينهما الائتلاف في الأمانة الارثوذكسية"(2)، كما أوضح ابن المكين السبب الذي من أجله وُضِع هذا الصوم في فترة ما بعد عيد الغطاس المجيد وفي غضون أيام رفاع الصوم الكبير، تنبيهًا للنفس بالتوبة وضبط الشهوات تمهيدًا لاستقبال الصوم الأربعيني(3). ومن المعروف أن هذا الصوم قديم جدًا في كنيسة المشرق السريانية التي كان ينتمى لها هذا البابا القديس، إلا أن الآراء تباينت في أصله وتاريخه، وفيما سوف نستعرض ملخص لهذا التاريخ. ففي بادئ الأمر كان ستة أيام تُفرَض على المؤمنين في وقت الشدة، ويُستدلّ على ذلك من ميامر القديس مار آفرام السرياني (+373م)، حيث ورد عنوان الميامر ما ترجمته عن السريانية: "مقالات مار آفرام في الطلبات التي تقام في زمن الغضب"، ولكن هذا الصوم أُهمِل عبر الأجيال(4). وفي القرن السادس الميلادي أصبح ثلاثة أيام فقط تُصام سنويًا، وذلك بعد أن أصاب الناس في بلاد فارس والعراق وخاصة منطقة نينوى مرض يُسمّى (الشرعوط)، وهي لفظة سريانية معناها (الطاعون أو الوباء)، وعلامته ظهور ثلاث نقط سوداء في كفّ الإنسان حالما ينظر إليها يموت. فخلت مدن وقرى كثيرة من الناس، حتى اضطر الملك كسرى أنوشروان أن يستأجر رجالاً لدفن الموتى من كثرتهم. فقرّر رعاة الكنائس المشرقية في تلك البلدان أن يصوم المؤمنون لمدة ثلاثة أيام ونادوا باعتكاف، وتوبة قوية نسجًا على منوال أهل نينوى وسُمِّي "صوم نينوى" لأن المؤمنين الذين صاموه أولاً كانوا يقطنون في أطراف نينوى(5). بينما يذكر المطران مار ديونيسيوس ابن الصليبي (+1171م) في كتابه المجادلات (بالسريانية) أن واضع صوم نينوى هو مار ماروثا مفريان(6) تكريت (+649م)، وهو الذي فرضه على كنيسة المشرق في منطقة نينوى أولاً(7). ولكن مؤرِّخو الكنيسة الشرقية يذكرون أن سبب هذا الصوم شدّة طرأت على الكنيسة في الحيرة فصام أهلها ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ مواصلين الصلاة إتمامًا لوصية أسقفهم يوحنا أزرق فنجاهم الله من تلك التجربة(8)، وهذا ما أكّده المفريان مار غريغوريوس أبو الفرج ابن العبري (+1286م) في كتابه "الكنيسة الشرقية"(9). ومما هو جدير بالذكر أن المصادر القبطية القديمة تذكره دائمًا باسم "صوم نينوى"، ولم يُعرَف باسم "صوم يونان" إلاّ حديثاً(10)، ومدته عندنا ثلاثة أيام فقط. بينما دخل هذا الصوم في الكنيسة الأرمنية عن طريق الكنيسة السريانية أيضًا، ولكن يُعرَف عندهم باسم "صوم مسروب"، ومدته عندهم ستة أيام. بينما لم يُعرَف أبدًا في الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية. (1) قطماروس الصوم الكبير، عني بطبعه الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا والقمص برنابا البرموسي، ط.2، سنة 1669ش/ 1953م، ص4. (2) ابن المكين، الموسوعة اللاهوتية الشهيرة بالحاوي، ج4، طبعة دير المحرق، 2001م، ص242. (3) ابن المكين، المرجع السابق، ص243-244. (4) الراهب حنا دولباني، "صوم نينوى"، مجلة الحكمة، القدس، المجلد الرابع سنة 1930م، ص 62 (5) المطران إسحق ساكا النائب البطريركي العام، السريان ايمان وحضارة، ج5، دمشق 1986م، ص 304. (6) المفريان: كلمة سريانية تعني "المُثمر"، وهي رتبة كهنوتية تُعطَى لكبير الأساقفة في منطقة جغرافية بعيدة عن مقر الكرسي البطريركي، فهى أعلى من المطران ودون البطريرك. (7) مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، بحوث لاهوتية عقيدية تاريخية روحية، ج2، ط.1، العطشانة – لبنان 1998م، ص 263. (8) المخطوط 159 سرياني بمكتبة دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس بالقدس، بخط عبد يشوع جثاليق المشرق سنة 1567م، راجع: الراهب حنا دولباني، مرجع سابق، ص63. (9) المخطوط 211 سرياني بمكتبة دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس بالقدس، راجع: المطران إسحق ساكا، مرجع سابق، ص305. (10) لم نستدل على كاتب عندنا استخدم هذا التعبير قبل الأنبا إيسيذوروس في كتابه الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة، ج.2، ط.1، 1923م، ص 236 القس باسيليوس صبحى
المزيد
27 يناير 2020

تداريب روحية - النمو الروحى

يطلب منا بولس الرسول أن ننمو روحياً لنصل إلى ملء قامة المسيح قائلاً "لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح إلى أن ننتهى جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل إلى قياس ملء المسيح .. صادقين فى المحبة ننمو فى كل شئ إلى ذاك الذى هو الرأس المسيح"(1). والمسيح هو ملء النعمة كقول يوحنا المعمدان "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا ونعمة فوق نعمة لأن الناموس بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا"(2). ويطلب الرسول بولس من أهل أفسس أن يمتلئوا بالمحبة قائلاً "ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم وأنتم متأصلون ومتأسسون فى المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله"(3). ويوحنا المعمدان كان ينمو حسب قول لوقا الرسول "وأما الصبى فكان ينمو ويتقوى بالروح ذلك فى البرارى إلى يوم ظهوره لإسرائيل"(4). والمسيح نفسه كان ينمو جسدياً كقول لوقا الرسول "وكان الصبى ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه"(5). ويطلب القديس بطرس الرسول أن ننمو فى النعمة قائلاً "فأنتم أيها الأحباء احترسوا من أن تنقادوا فى ضلال الأردياء تسقطون من ثباتكم ولكن إنموا فى النعمة وفى معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى دهر الدهر آمين"(6). ويصلى بولس الرسول من أجل أهل كولوسى لكى يكون لهم نمو فى معرفة الله قائلاً "من أجل ذلك نحن أيضاً منذ أن سمعنا لم نزل مصلين وطالبين لأجلكم (1)-(أف4: 12- 15). (2)-(يو1: 16، 17). (3)-(أف3: 17- 19). (4)-(لو1: 80). (5)-(لو2: 40). (6)-(2بط3: 17، 18). أن تمتلئوا من معرفة مشيئته فى كل حكمة وفهم روحى لتسلكوا كما يحق للرب فى كل رضى مثمرين فى كل عمل صالح ونامين فى معرفة الله متقدمين بكل قوة بحسب قدرة مجده"(1). ويجب أن نعلم أن هناك فرق بين النمو الجسدى والنمو الروحى فالنمو الجسدى له حدود معينة لا يتخطاها .. أما النمو الروحى فهو غير محدود لأنه قد يصل إلى كل ملء الله(2) كما يقول بولس الرسول. ولكى تستطيع أن تنمو روحياً حاول تطبيق التدريبات الآتية : 1- إن النمـو الروح هو إزدياد فى القامة الروحية .. ولنضرب على ذلك مثلاً .. الصلاة .. إذا كنت تصلى صلاتين بالأجبية مرة فى الصباح (باكر مثلاً) ومرة فى المساء (النوم مثلاً)، فيمكنك أن تزيدهما صلاتين أخريتين فيصبحا (باكر والثالثة) فى الصباح، و(الغروب والنوم) فى المساء .. وبعد أن تثبت فيهما يومياً يمكنك أن تزيدهما إلى أن تصل إلى الصلوات السبعة التى تصليها الكنيسة كل يوم [ باكر – الثالثة – السادسة – التاسعة- الحادية عشر (الغروب) – الثانية عشر (النوم)- صلاة نصف الليل ] هذا بالإضافة إلى الصلاة الشخصية وبالإضافة إلى التأمل الروحى حتى تصل إلى انفتاح القلب على الله طول اليوم فتتمتع بالصلاة الدائمة، وتقول مع داود النبى "أما أنا فصلاة"(3) هذا بخلاف التسبيح إذ يقول داود النبى "سبع مرات فى النهار سبحتك على أحكام عدلك"(4).. هذا بالإضافة إلى تسابيح الليل ونصف الليل والسحر (الفجر). يقول داود النبى "ثابت قلبى يا الله ثابت قلبى أغنى وأرنم استيقظ يا مجدى استيقظ يا رباب وياعود أنا أستيقظ سحراً أحمدك بين الشعوب. يارب أرنم لك بين الأمم لأن رحمتك قد عظمت إلى السموات"(5). (1)-(كو1: 9- 11). (2)-(أف3: 19). (3)-(مز109: 4). (4)-(مز119: 164). (5)-(مز57: 7- 10). 2- إن أردت أن تنمو فى فضيلة الصوم فلا تأكل إلا صنفاً واحداً فقط فى كل مرة ويندرج الانقطاع عن الطعام تدريجياً حتى تصل إلى قامات روحية عالية مثل الأنبا أنطونيوس الذى عاش فوق المائة سنة على البلح والماء فقط .. والأنبا بولا الذى كان يأكل نصف رغيف فقط يومياً مع بعض الماء، وعندما أتاه الأنبا أنطونيوس للزيارة أمر الله الغراب الذى يأتى له بنصف الخبزة أن يأتى بنصف خبزة أخرى للضيف الجديد (الأنبا أنطونيوس). ويروى لنا بستان الرهبان عن آباء قديسون كانوا يصومون بالثلاثة أيام، والبعض الآخر بالأسبوع، وهكذا .. هذا بالإضافة إلى الصوم الروحى وهو عدم الخطأ بالنسبة للحواس الخمسة كلها .. فلا تتكلم إلا للضرورة القصوى، ويكون كلاماً نافعاً لا يضر أحداً ولا يجرح أحداً ولا يسئ إلى أحداً .. وهكذا بالنسبة لحاسة السمع والنظر.. إلخ. 3- وإذا اردت أن تنمو فى فضيلة الصدقة (العطاء) فيجب أن يكون عطاءك فى الخفاء كما قال رب المجد "فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون فى المجامع وفى الأزقة لكى يمجدوا من الناس الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تُعرف شمالك ما تفعله يمينك لكى تكون صدقتك فى الخفاء فأبوك الذى يرى فى الخفاء هو يجازيك علانية"(1). وبالنسبة للعشور يقول رب المجد "إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيون لن تدخلوا ملكوت السموات"(2). وفى القامات الروحية العالية نسمع عن أن قديساً باع إنجيله ليقوت به فقيراً وآخر باع ثوبه لكى يقيت به مسكيناً، وآخر لم يجد شيئاً يبيعه إلا نفسه، فباع نفسه نظير أنه يساعد مسكيناً على الحياة !! (1)-(مت6: 1- 4). (2)-(مت5: 20). 4- يجب أن يؤخذ تدريب النمو الروحى بالتدريج .. أى درجة درجة، والتأكد من الثبوت فى الدرجة السابقة لئلا يسقط الإنسان ويرتد إلى الخلف عدة درجات .. القديس بولس يقول "فإنى أقول بالنعمة المعطاة لى لكل من هو بينكم أن لا يرتئى فوق ما ينبغى أن يرتئى بل يرتئى إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان"(1). 5- لا تأخذ عدة تدريبات للنمو الروحى معاً، فيصعب عليك تنفيذها دفعة واحدة إلا إذا كان التدريب فى فضيلة المحبة مثلاً فهى فضيلة كبيرة تضم تحتها فضائل أخرى وتتشابك معها .. والسيد المسيح له المجد قال "أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم احسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم"(2). فابدأ أولاً بمحبة القريب .. محبة باذلة قوية .. ثم بعد ذلك تدريب على محبة الأعداء. 6- استشر أب اعترافك أو مرشدك الروحى فى التداريب الروحية الخاصة بالنمو الروحى .. يقول الكتاب "أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حساباً لكى يفعلوا ذلك بفرح لا آنين لأن هذا غير نافع لكم"(3). 7- من عوائق النمو الروحى هو الإلتصاق بالأردياء لذلك ينصح بطرس الرسول فيقول "فأنتم أيها الأحباء إذ قد سبقتم فعرفتم احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم ولكن إنموا فى النعمة وفى معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر آمين"(4). 8- من عوائق النمو الروحى أيضاً الكسل لأنه يعطل تنفيذ التداريب فى مواعيدها، وبذلك لا يتقدم إلى الأمام بل يرجع إلى الخلف. (1)-(رو12: 3). (2)-(مت5: 44). (3)-(عب13: 17). (4)-(2بط3: 17). وقد ضرب لنا السيد المسيح مثلاً عن العبد الكسلان ولقبه بالشرير لأنه أخذ فضة سيده وطمرها فى الأرض ولم يتاجر بها ولم يربح .. فقال له سيده "أيها العبد الشرير والكسلان كان ينبغى أن تضع فضتى عند الصيارفة وعند مجيئ كنت آخذ الذى لى مع ربا (ربح) فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذى له عشر وزنات .. والعبد البطال إطرحوه إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان"(1). 9- التمثل بالقديسين وذوى القامات الروحية العالية ونجعلهم قدوة حسنة لنا وعلى رأسهم الرب يسوع الذى هو رئيس الإيمان ومكمله، لذلك يقول الكتاب "لذلك نحن أيضاً لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى فجلس فى يمين عرش الله فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم"(2). 10- الجهاد الروحى مهم جداً يوصلنا إلى النمو الروحى لذلك يقول الكتاب "لم تقاوموا حتى الدم مجاهدين ضد الخطية وقد نسيتم الوعظ الذى يخاطبكم كبنين يا ابنى لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك. لأن الذى يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل إبن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأى إبن لا يؤدبه أبوه"(3). (1)-(مت25: 26- 30). (2)-(عب12: 1- 3). (3)-(عب12: 4- 7). تداريب روحية - النمو الروحى يطلب منا بولس الرسول أن ننمو روحياً لنصل إلى ملء قامة المسيح قائلاً "لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح إلى أن ننتهى جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل إلى قياس ملء المسيح .. صادقين فى المحبة ننمو فى كل شئ إلى ذاك الذى هو الرأس المسيح"(1). والمسيح هو ملء النعمة كقول يوحنا المعمدان "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا ونعمة فوق نعمة لأن الناموس بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا"(2). ويطلب الرسول بولس من أهل أفسس أن يمتلئوا بالمحبة قائلاً "ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم وأنتم متأصلون ومتأسسون فى المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله"(3). ويوحنا المعمدان كان ينمو حسب قول لوقا الرسول "وأما الصبى فكان ينمو ويتقوى بالروح ذلك فى البرارى إلى يوم ظهوره لإسرائيل"(4). والمسيح نفسه كان ينمو جسدياً كقول لوقا الرسول "وكان الصبى ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه"(5). ويطلب القديس بطرس الرسول أن ننمو فى النعمة قائلاً "فأنتم أيها الأحباء احترسوا من أن تنقادوا فى ضلال الأردياء تسقطون من ثباتكم ولكن إنموا فى النعمة وفى معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى دهر الدهر آمين"(6). ويصلى بولس الرسول من أجل أهل كولوسى لكى يكون لهم نمو فى معرفة الله قائلاً "من أجل ذلك نحن أيضاً منذ أن سمعنا لم نزل مصلين وطالبين لأجلكم (1)-(أف4: 12- 15). (2)-(يو1: 16، 17). (3)-(أف3: 17- 19). (4)-(لو1: 80). (5)-(لو2: 40). (6)-(2بط3: 17، 18). أن تمتلئوا من معرفة مشيئته فى كل حكمة وفهم روحى لتسلكوا كما يحق للرب فى كل رضى مثمرين فى كل عمل صالح ونامين فى معرفة الله متقدمين بكل قوة بحسب قدرة مجده"(1). ويجب أن نعلم أن هناك فرق بين النمو الجسدى والنمو الروحى فالنمو الجسدى له حدود معينة لا يتخطاها .. أما النمو الروحى فهو غير محدود لأنه قد يصل إلى كل ملء الله(2) كما يقول بولس الرسول. ولكى تستطيع أن تنمو روحياً حاول تطبيق التدريبات الآتية : 1- إن النمـو الروح هو إزدياد فى القامة الروحية .. ولنضرب على ذلك مثلاً .. الصلاة .. إذا كنت تصلى صلاتين بالأجبية مرة فى الصباح (باكر مثلاً) ومرة فى المساء (النوم مثلاً)، فيمكنك أن تزيدهما صلاتين أخريتين فيصبحا (باكر والثالثة) فى الصباح، و(الغروب والنوم) فى المساء .. وبعد أن تثبت فيهما يومياً يمكنك أن تزيدهما إلى أن تصل إلى الصلوات السبعة التى تصليها الكنيسة كل يوم [ باكر – الثالثة – السادسة – التاسعة- الحادية عشر (الغروب) – الثانية عشر (النوم)- صلاة نصف الليل ] هذا بالإضافة إلى الصلاة الشخصية وبالإضافة إلى التأمل الروحى حتى تصل إلى انفتاح القلب على الله طول اليوم فتتمتع بالصلاة الدائمة، وتقول مع داود النبى "أما أنا فصلاة"(3) هذا بخلاف التسبيح إذ يقول داود النبى "سبع مرات فى النهار سبحتك على أحكام عدلك"(4).. هذا بالإضافة إلى تسابيح الليل ونصف الليل والسحر (الفجر). يقول داود النبى "ثابت قلبى يا الله ثابت قلبى أغنى وأرنم استيقظ يا مجدى استيقظ يا رباب وياعود أنا أستيقظ سحراً أحمدك بين الشعوب. يارب أرنم لك بين الأمم لأن رحمتك قد عظمت إلى السموات"(5). (1)-(كو1: 9- 11). (2)-(أف3: 19). (3)-(مز109: 4). (4)-(مز119: 164). (5)-(مز57: 7- 10). 2- إن أردت أن تنمو فى فضيلة الصوم فلا تأكل إلا صنفاً واحداً فقط فى كل مرة ويندرج الانقطاع عن الطعام تدريجياً حتى تصل إلى قامات روحية عالية مثل الأنبا أنطونيوس الذى عاش فوق المائة سنة على البلح والماء فقط .. والأنبا بولا الذى كان يأكل نصف رغيف فقط يومياً مع بعض الماء، وعندما أتاه الأنبا أنطونيوس للزيارة أمر الله الغراب الذى يأتى له بنصف الخبزة أن يأتى بنصف خبزة أخرى للضيف الجديد (الأنبا أنطونيوس). ويروى لنا بستان الرهبان عن آباء قديسون كانوا يصومون بالثلاثة أيام، والبعض الآخر بالأسبوع، وهكذا .. هذا بالإضافة إلى الصوم الروحى وهو عدم الخطأ بالنسبة للحواس الخمسة كلها .. فلا تتكلم إلا للضرورة القصوى، ويكون كلاماً نافعاً لا يضر أحداً ولا يجرح أحداً ولا يسئ إلى أحداً .. وهكذا بالنسبة لحاسة السمع والنظر.. إلخ. 3- وإذا اردت أن تنمو فى فضيلة الصدقة (العطاء) فيجب أن يكون عطاءك فى الخفاء كما قال رب المجد "فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون فى المجامع وفى الأزقة لكى يمجدوا من الناس الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تُعرف شمالك ما تفعله يمينك لكى تكون صدقتك فى الخفاء فأبوك الذى يرى فى الخفاء هو يجازيك علانية"(1). وبالنسبة للعشور يقول رب المجد "إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيون لن تدخلوا ملكوت السموات"(2). وفى القامات الروحية العالية نسمع عن أن قديساً باع إنجيله ليقوت به فقيراً وآخر باع ثوبه لكى يقيت به مسكيناً، وآخر لم يجد شيئاً يبيعه إلا نفسه، فباع نفسه نظير أنه يساعد مسكيناً على الحياة !! (1)-(مت6: 1- 4). (2)-(مت5: 20). 4- يجب أن يؤخذ تدريب النمو الروحى بالتدريج .. أى درجة درجة، والتأكد من الثبوت فى الدرجة السابقة لئلا يسقط الإنسان ويرتد إلى الخلف عدة درجات .. القديس بولس يقول "فإنى أقول بالنعمة المعطاة لى لكل من هو بينكم أن لا يرتئى فوق ما ينبغى أن يرتئى بل يرتئى إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان"(1). 5- لا تأخذ عدة تدريبات للنمو الروحى معاً، فيصعب عليك تنفيذها دفعة واحدة إلا إذا كان التدريب فى فضيلة المحبة مثلاً فهى فضيلة كبيرة تضم تحتها فضائل أخرى وتتشابك معها .. والسيد المسيح له المجد قال "أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم احسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم"(2). فابدأ أولاً بمحبة القريب .. محبة باذلة قوية .. ثم بعد ذلك تدريب على محبة الأعداء. 6- استشر أب اعترافك أو مرشدك الروحى فى التداريب الروحية الخاصة بالنمو الروحى .. يقول الكتاب "أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حساباً لكى يفعلوا ذلك بفرح لا آنين لأن هذا غير نافع لكم"(3). 7- من عوائق النمو الروحى هو الإلتصاق بالأردياء لذلك ينصح بطرس الرسول فيقول "فأنتم أيها الأحباء إذ قد سبقتم فعرفتم احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم ولكن إنموا فى النعمة وفى معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر آمين"(4). 8- من عوائق النمو الروحى أيضاً الكسل لأنه يعطل تنفيذ التداريب فى مواعيدها، وبذلك لا يتقدم إلى الأمام بل يرجع إلى الخلف. (1)-(رو12: 3). (2)-(مت5: 44). (3)-(عب13: 17). (4)-(2بط3: 17). وقد ضرب لنا السيد المسيح مثلاً عن العبد الكسلان ولقبه بالشرير لأنه أخذ فضة سيده وطمرها فى الأرض ولم يتاجر بها ولم يربح .. فقال له سيده "أيها العبد الشرير والكسلان كان ينبغى أن تضع فضتى عند الصيارفة وعند مجيئ كنت آخذ الذى لى مع ربا (ربح) فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذى له عشر وزنات .. والعبد البطال إطرحوه إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان"(1). 9- التمثل بالقديسين وذوى القامات الروحية العالية ونجعلهم قدوة حسنة لنا وعلى رأسهم الرب يسوع الذى هو رئيس الإيمان ومكمله، لذلك يقول الكتاب "لذلك نحن أيضاً لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى فجلس فى يمين عرش الله فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم"(2). 10- الجهاد الروحى مهم جداً يوصلنا إلى النمو الروحى لذلك يقول الكتاب "لم تقاوموا حتى الدم مجاهدين ضد الخطية وقد نسيتم الوعظ الذى يخاطبكم كبنين يا ابنى لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك. لأن الذى يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل إبن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأى إبن لا يؤدبه أبوه"(3). (1)-(مت25: 26- 30). (2)-(عب12: 1- 3). (3)-(عب12: 4- 7).
المزيد
21 يناير 2020

«وإذ كان يُصلِّي»

صلاة يسوع أثناء معموديته في الأردن عيد الغطاس هو أحد أكبر ثلاثة أعياد سَيِّدية في الكنيسة، وهي التي يُقام فيها القداس في نصف الليل. فهو من جهة الأهمية يأتي مباشرة بعد عيدَي الميلاد والقيامة. بل يجب أن نعرف أنه في زمن لم يكن فيه عيد الميلاد قد عُرف بعد، كان عيد الغطاس من أكبر أعياد الكنيسة، ولاسيما في الشرق. نقرأ من إنجيل معلمنا لوقا البشير: «ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً. وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلاً: أنت ابني الحبيب بك سررت» (لو3: 21و22). تركيزنا اليوم سيكون على عبارة ”وإذ كان يُصلّي“، وسنتأمل في نوعية صلاة المسيح في هذه المناسبة، بماذا كان يصلي؟ وماذا كانت مشاعره وأحاسيسه عند العماد؟ نقرأ في إنجيل يوحنا أن يوحنا المعمدان أشار إليه قائلاً«هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو1: 29). فالذين سمعوه تذكروا للتو نبوة إشعياء العجيبة التي لم تنطبق على أحد من قبل«لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها. ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه وبِحُبُرِه شُفينا. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا. ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاه تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه... إنه ضُرب من أجل ذنب شعبي... على أنه لم يعمل ظلماً ولا وُجد في فمه غش... إنه جعل نفسه ذبيحة إثم... بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها... إنه سكب للموت نفسه وأُحصِيَ مع أثمة، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين» (اش53: 412)هذه النبوة هي عن إنسان حَمَلَ خطايا الشعب، وتذلَّل وظُلم ولم يفتح فاه، ولم يوجد في فمه غش، لكنه بإرادته جعل نفسه ذبيحة إثم، بل وسكب للموت نفسه! إنها نبوة خالدة عن العبد المتألم. كانوا يقرؤونها في العهد القديم ولا يفهمونها، ثم جاء المعمدان وأشار إلى تحقيقها في المسيح، قائلاً باختصار بليغ: «هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم!». ففي هذه اللحظة بدأت رسالة المسيح كحمل الله!ولكن في الحقيقة ليست هي إشارة المعمدان التي أثَّرت على المسيح وجعلته يبدأ رسالته كحمل الله، ولكن العكس هو الصحيح: فمشاعر الرب الداخلية وما كان يعتمل في قلبه من تصميم على تقديم نفسه ذبيحة إثم هي التي أحس بها يوحنا المعمدان، فنطق بما كان يراه أمام عينيه في قلب المسيح والآن يهمُّنا أن نتحسس ماذا كانت مشاعر الرب وأعماقه الداخلية في هذا الموقف، تلك التي صمت عنها الإنجيل واكتفى بأن يقول باختصار «إذ كان يصلي». من الأشياء التي تساعدنا على التعرُّف على مضمون صلاة الرب أثناء العماد هو ما نقرأه في سفر العبرانيين«لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقرباناً لم تُرِدْ ولكن هيِّأتَ لي جسداً» (عب10: 5) بمعنى أن كل الذبائح والقرابين السابقة لم يُسَرَّ الله بها، لأنها كانت مجرد ذبائح حيوانية غريبة عن طبيعة الله. ولكن الشيء الذي يُسرُّ به الله هو ذبيحة الحب الإلهي المقدَّمة من ابنه الحبيب بمشاعر حب بنوي لائق بالله. ولذلك ”هيَّأَ له جسداً“، ليصير هو الذبيحة المقبولة عند الآب. وبقية الآية تؤكد هذا المعنى«بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرَّ. ثم قلتُ ”هانذا أجيء، في درج الكتاب مكتوبٌ عني، لأفعل مشيئتك يا الله“. إذ يقول آنفاً ”إنك ذبيحةً وقرباناً ومحرقاتٍ وذبائحَ للخطية لم تُرِدْ ولا سُررتَ بها“ ... ثم قال ”هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله“، ينزع الأول لكي يثبِّت الثاني» (عب10: 6-9) العجيب في هذه الآية أنها تبيِّن لنا بوضوح نوعية صلاة المسيح الداخلية التي اكتفى إنجيل لوقا بالإشارة إليها باختصار قائلاً: «إذ كان يصلّي». إنه كان يقول في قرارة نفسه: ”هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله. هانذا أجيء لأصير أنا الذبيحة الحقيقية المرضية أمامك، عوض كل ذبائح ومحرقات العهد القديم التي لم تُرضِك ولا سُررتَ بها“. أمر آخر يُقرِّب لنا ماذا كانت مشاعر الرب وصلاته أثناء العمادلقد جاء يوحنا المعمدان يُعمِّد بمعمودية التوبة لغفران الخطايا، وكان الجميع يأتون إليه تائبين وينزلون إلى الماء معترفين بخطاياهم. فكون المسيح يأتي هو أيضاً ويتقدَّم مثلهم وكأنه يريد أن ينال معمودية التوبة لمغفرة الخطايا، وهو البار القدوس الذي بلا خطية ولا شر؛ هذا يدل بكل تأكيد أنه كان يتقدَّم بصفته حامل خطايا العالم كله، بل بصفته قد صار هو نفسه خطية لأجلنا لكي يبررنا من كل خطية، بحسب المكتوب«جعل الذي لم يعرف خطيةً خطيةً لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه» (2كو5: 21)أي أن الله الآب جعل المسيح خطية، وضع على كتفه كل خطايا البشرية ابتداءً من خطية آدم ثم جميع خطايا الأجيال اللاحقة حتى آخر إنسان سوف يوجد قبل اليوم الأخير، كلها تجمعت على أكتاف المسيح. فلم يكن إحساس المسيح أنه حامل خطايا فقط، بل بلغ إحساسه أنه هو نفسه خطية، ما أقسى هذه الحقيقة، ولكن كل هذا لكي يجعلنا نحن بر الله فيه لذلك كانت صلاة المسيح: «هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله». ها أنا مستعد أن أتألّم وأتقدّم إلى الصليب وأتقبّل معمودية الدم، وليس فقط معمودية يوحنا هذه التي للتوبة. فالمسيح في هذه اللحظات كان ينظر إلى صليبه على اعتبار أنه هو المعمودية الحقيقية التي ستغسل البشرية كلها من خطاياها«لي صبغة (حرفياً: معمودية b£ptisma)أصطبغ بها (حرفياً: أعتمد بها baptisq»nai)،فكم أنا منحصر حتى تُكمَّل!» (لو12: 50)«وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة، وكان صوت من السماء قائلاً: أنت ابني الحبيب بك سُررتُ» (لو 3: 21و22). صلاة المسيح بنية تقديم نفسه ذبيحة حب هي التي جعلت السماء تنفتح وأظهرت فيض الحب الأبوي المنسكب عليه من الله الآب، بشهادة الآب أن «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ»، فتحقق قول المسيح «لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً» (يو10: 17)على أن الحب المتبادل بين الآب والابن لم يبدأ اليوم، ولا هو كان متوقِّفاً على تقديم المسيح نفسه ذبيحة بالنية، ولكنه حب أزلي لانهائي موجود من قبل تأسيس العالم. الآب يحب الابن حباً لا نهائياً، والابن يحب الآب حباً لا نهائياً، والروح القدس ينقل مشاعر الحب من الآب للابن ومن الابن للآب هذا كله كان يتم من قبل تأسيس العالم في مرأى من الملائكة التي تشاهده وتسبِّح الثالوث قائلة ”قدوس قدوس قدوس“، كما ظهر في رؤيا إشعياء. ولكن لماذا في هذا اليوم بالذات، عند معمودية المسيح، يظهر هذا الاستعلان علناً؟ ما هو الجديد الذي حدث اليوم ولم يكن موجوداً قبل تأسيس العالم؟ الجديد هو أن الابن ظهر لابساً جسد الإنسان وأبدى استعداده لأن يقدِّم هذا الجسد الذي أخذه من الإنسان كذبيحة حب لله أبيه بالنيابة عن الإنسان: «هيّأتَ لي جسداً، فقلتُ هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله»، فظهرت علاقة الحب المتبادلة بين الآب والابن منذ الأزل وقد شملت الآن بشرية الرب يسوع – وبالتالي شملت جميع العتيدين أن يتحدوا بجسد المسيح ويصيروا أعضاءً منه لذلك يرى القديس كيرلس الكبير أن نزول صوت الآب على المسيح في هذا اليوم قائلاً «أنت ابني الحبيب. بك سُررتُ» كان من أجلنا نحن ليشملنا في التبني ويُدخلنا في مجال حب الآب للابن: [لقد جاء صوت الله الآب على المسيح في وقت معموديته ليقبل به وفيه الإنسانَ الأرضي، قائلاً: ”هذا هو ابني الحبيب“. لأن الابن الوحيد الحقيقي بحسب الطبيعة، لما صار مثلنا تعيّن ابناً لله، ليس ليقبل هذه الكرامة لنفسه - إذ كان ولازال كما قلتُ هو الإله الحقيقي - بل ليوصِّل إلينا نحن هذا المجد] ويؤيده في هذا الرأي القديس يوحنا ذهبي الفم[حينئذ انفتحت السموات ونزل الروح القدس، وذلك لكي يُخرجنا من سيرتنا القديمة إلى الجديدة، ويفتح لنا أبواب السماء، ويُرسل لنا الروح القدس من السماء، داعياً إيانا إلى ذلك الوطن. بل وليس فقط داعياً إيانا بل ومؤهلاً إيانا لأعظم كرامة، إذ لم يجعلنا ملائكة أو رؤساء ملائكة بل جعلنا أبناءً لله وأحباءَ الله!]لقد كان صوت الآب النازل على المسيح في معموديته يشمل البشرية التي كان ينوب عنها. لقد كان المسيح ممثِّلاً لملايين ومليارات من الناس الذين وُجدوا والذين سوف يوجدون فيما بعد. كان المسيح المتجسد يُقدِّم مشاعر الحب البنوي لله الآب، باستعداد تقديم جسده الذي أخذه من الإنسان ذبيحةً بالنيابة عن الإنسان، وبالتالي فإن الآب قَبِل هذه المشاعر لحسابنا نحن، ومن ثمَّ كان هذا الصوت لصالحنا. فسرور الآب بالابن في وضعه المتجسد هو لنا ولحسابنا، أي للبشرية جمعاء الممثَّلة في المسيح وهو لابس جسدنا. ونحن على قدر ما نشارك المسيح في مشاعره الداخلية، وعلى قدر ما نكون صادقين في مشاركته في حبه للآب، وفي استعدادنا للاشتراك في شرب الكأس التي يشربها هو وفي الاصطباغ بالصبغة التي يصطبغ هو بها، على قدر ذلك نشعر بتعزية الروح القدس تنسكب داخل قلوبنا، وبأننا صرنا فعلاً أبناءً لله وأحباءَ.
المزيد
18 يناير 2020

التجسد الإلهي ج2

الله رفع المرأة:- هذه الكلمة (من المرأة) تبين ان عمانوئيل ولد في الجسد من جوهر العذراء. لم يقل ( بامرأة)، حتى لا يعطي فرصة لذوي الافكار الرديئة ان يسمّوا ميلاده عبوراً بطريقة رمزية ويؤكدوا انه عبر كما في قناة ومثل البرق. كذلك تفهم انه كان هناك حبل تام، لكي نبيّن ان التجسد حقيقي وليس وهما. ( وبينما هما هناك تمت ايامها لتلد) (لو2: 6) واني عندما أتأمل بعمق اكثر في الكتب المقدسة، الاحظ سرّاً آخر اعظم. فآدم لم يكن قد خدعه الشيطان، لكن المرأة، بعد ان خدعت، كانت هي الاولى في التعدي، فإن الله الكلمة الذي اراد ان يشفي هذا التعدي، قد رفع المرأة الى كرامة اعظم. لانه حينما يشفي الله او يصحّح، فإنه لا يحضر للمريض الشيء الاساسي فقط، لكنه يمنحه علاوة على ذلك الغنى الذي لم يكن له. هذا ما صنعه ايضاً لأجلنا، لم يخلصنا بقيامته من حكم الموت ومن الفساد فحسب، بل قادنا ايضاً الى ملكوت السموات بدلاً من الفردوس وجعلنا اولاداً وورثة لله بدلا من عبيد ما هي هذه الكرامة الاعظم التي حُسبت المرأة مستحقة لها؟ ذلك بوضوح. عندما يعطي بطرس بولس الرسول للرجل السلطة والمكان الاول ويخص المرأة بالمرتبة التالية ويقول انه يجب ان تكون المرأة متواضعة، يقول: ( لان الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل) (1كو11: 8) لكنه يحق ان يُقال عنا اننا وجدنا بالمرأة وليس من المرأة، لانه بالنسبة لنا فإن الزرع يسبق ولا سيما اننا به تتكوّن. اما المسيح الذي حبل به بدون بذار، فبالعكس قد وجد ليس بالمرأة بل من المرأة وقد رفعها الى رتبة رفيعة في بدء الخليقة كانت المرأة من آدم ثم في التجسد كان المسيح آدم الثاني، من المرأة. وهذه تفوق تلك لان التكوين الثاني إلهيا اكثر من الاول فيما انكن ايتها النساء حسبتن مستحقات لمثل هذه الكرامة بواسطة العذراء والدة الاله. فاعطين إذا لأزواجكنَّ نصائح جيدة تقودهم الى الحياة الابدية. إذا وجدتنَّ انهم يتراخون في القيام بواجبهم وفي اعلامكنَّ، فانصتنَ اليهم باحترام. واذا كنتن تجدن انهم على النقيض موثقون برغبات العالم وهمومه وانهم يختنقون بفكرة جمع الذهب، وانهم يمضون لياليهم دون ان يناموا، ويتساءلون بقلق من هو المدين الذي سوف يزجون به في السجن، ومن الذي سوف يحررونه امام المحكمة، وعلى بيت اي رجل ينقضون بحجة انه مثقل بالدين وغارق في الهموم، او من يعرونه من الثوب الضروري، فلا تقضين معهم وقتاً مليئاً بالبؤس واللعنة، ولا تنشطن بكلماتكن كما بالهواء شعلة محبة المال. لكن في فكر يستلهم محبة الله، وبشجاعة اسمعتهم كلمات حكيمة واطفئنَ فيهم الرغبة في التعلق بوفرة الاموال وحدها. المرأة واصلاح الاسرة:- ينبسط القديس في الحديث مصوراً ناحية اجتماعية من نواحي عصره نجد لها مثيلاً في ظروف اخرى متعددة، فيقول مبيّناً حوار الزوجة الفاضلة الليقة لنقل كل واحدة منكن لزوجها: ( قد اعطانا الله بركة كافية لنا ونحن نتمتّع بالسلام والسعادة من فوق، ومن كل ناحية تتدفق علينا الاموال. واننا نفرح فعلاً بأعمالك التي باركها معطي الخيرات بإضافته خيراته ذاتها، ومتى رأيتنَّ انه سره هذا الضرب من الحديث واستعذبه واظهر نفسه جوّاداً وتخلى عن تشدده وقسوته فزيدي بعد ذلك: (يا صديق اظهر إذاً مشاعر المحبة للبؤساء، لا تطالب بهذه الدقة سداد الديون، اقبل جزءاً، واخر دفع الباقي قليلاً او حتى اتركه، اذا كانوا بؤساء للغاية. نحن في السرور مقيمون، اما هم ففي الدموع، نحن نشبع ونتمتّع بالفائض، اما هم فليس لهم سوى الخبز. وربما كانوا يصيبون الخبز بمقدار او لا يبقى بالحاجة من ناحيتي سأحضر في نفس الوقت بعض ما عندي ايضاً مع إظهار كرمك ولن اخبرك بهموم هذه السنة: ( اني اتنازل عن ذلك الثوب الذي كنت مزمعاً ان تصنعه لي او هذه الحلي الذهبية او هذا المبلغ لتلك الزينة الاخرى، لن تشتري لي شيئاً مطلقاً، ان الملابس الداخلية تكفيني، ان الرحمة نحو الفقراء تكون لي ثوباً مشرفاً جداً اكثر كثيراً من كل الثياب الغالية. حسبي ذلك الجمال الداخلي الذي لا يذبل وما برح مقبولاً لدى الله، ليس ذلك الخارجي الذي يذبل ويسقط مثل الزهرة. بذلك اكون لأولادي كنزاً ثميناً لا يستطيع احد ان يأخذه) فحينما يسمعك زوجك تتحاجين هكذا، فإنه حتى إذا كان مثل الحيوان المتوحش فإنه خليق ان يغيّر نزعاته ويحسن لمدينيه. لانه لا يوجد إنسان يستطيع هكذا ان يقنع الرجال مثل النساء الشريفات الطاهرات لذلك فإذا كنتنَّ لا تفعلن الخير حينما يكون في استطاعتكنَّ ان تفعلنه، فاسمعن الكتاب المقدس الذي يحسب لكن هذه الخطية: ( فمن يعرف ان يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له) (يع4: 17). كذلك حينما ترون ازواجكن يدفعونكنَّ نحو الملذات ونحو الطرق المسلوكة التي تؤدي الى الانغماس في الملذات الى (دفنيه)، ونحو الحياة الرخوة. فاجعلنَ نصب اعينكنَّ مجد والدة الاله وكتاب التعاليم المقدسة، وبعد تستخلصي منه روحاً طاهراً، اجعلنه يسكن فيكن. ادفعنَ ازواجكنَّ نحو الخير واعطين لهم درساً قائلات: ( لنكرم حياتنا، يا زوجي، بالنزاهة والطهارة، وبحياة بيتنا وبالسلوك الطاهر نصنع من الزواج سراً، ومن الفراش موضعاً طاهراً، لا تكن مسائل العلاقة الجسدية موضوعاً للبحث عن الرغبات الشريرة، بل مسكناً لا ينطق به معطي من الله من اجل انجاب الاولاد) بهذه الكلمات تضعن حدّاً لتصرفات ازواجكن العنيفة البعيدة عن الفهم، فضلاً عن ذلك فإن الملائكة سوف يتهللون من اجلكنَّ ويفرحون بخصوصكنَّ وكذلك العذراء القديسة الطوباوية وكل جمع القديسين، وسوف يكلمكنَّ المسيح بطريقة غير منظورة، وهو الذي يحارب من اجل الفضيلة، الذي كان من المرأة وليس بالمرأة، الذي بالمرأة وضع فيكنَّ هذا الثبات وهذه الشجاعة اما فيما يختص بتربية الاولاد، لا تتخاذلنَ إرضاء لأزواجكنَّ حينما يصحبونكم الى التمثيليات والى ما يفسد. اجتهدن ان تقدمنهم الى الكنيسة. قاومن اللهو الضار الذي لا يليق بخصال القديسين المتألقة، مما يؤثر فيهم، وتعجلنهم بطريقة حازمة في نفس الوقت: ( لا يستطيع من ينصرف الى التمثيليات وامثالها خارج الناموس ان يحتفل بأعياد الله كما يجب). فإذا كانوا يتربون في هذه التقاليد وهذه العادات فحينما يكبرون ويبلغون سن النضوج ليس من ناحية العمر فحسب، لكن ايضاً من حيث الفضيلة، يتمثلون بالقائل: ( دعوا الاولاد يأتون اليَّ ولا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت السموات) (مت19: 14). فإنهم يصيرون لكن في شيخوختكنَّ سنداً وتعزية في كل ضيق، لانهم على بيّنة من الاقوال الاخرى: ( اكرم اباك وامك كما اوصاك الرب الهك لكي تطول ايامك ولكي يكون لك خير على الارض التي يعطيك الرب الهك) (تث5: 16). ماذا اوحي الحديث عن الميلاد الى القديس ساويرس؟:- ترى اني لم اقل باطلاً في مستهل هذا المقال، اننا لو اتخذنا حبة صغيرة من منجم الحكمة ثم عملنا في الفكر، لكونا منها موضوعاً كبيراً، وها نحن بعد ان توسعنا كثيراً لم نجد نقطة واحدة من هذه الكلمات او من هذه المعاني كما يقول ايوب: (ها هذه اطراف طوقه وما اخفض الكلام الذي نسمعه منه. واما رعد جبروته فمن يفهم) (اي26: 14) تريدون إذاً ان نجعل هذا الحديث ممتازاً اكثر وان نطعمه بمختلف الآراء العميقة كما نطعم بالأحجار الكريمة ان النهار يتركنا ضرورة ونحن يجب ان نضبط طول المقال حسب الوقت، لأننا ملزمون ان نعترف بالزمن في كل شيء. ومع ذلك فلكي لا تترك هذا الموضوع خالياً من كل زينة، فسوف تزينه بحل لمسألة واحدة بما ان العذراء والدة الاله هي بعائلتها من نسل سبط يهوذا وداود، فكيف كان جبرائيل الملاك يقول لها: ( وهوذا اليصابات نسيبتك هي ايضاً حبلى) (لو1: 36). وهذه الاخيرة كانت زوجة زكريا الكاهن الذي ينتمي الى سبط معين زوجة له من سبط آخر، لأن الرب يقول على لسان موسى في سفر العدد. نسب العذراء:- (فلا يتحول نصيب لبني اسرائيل من سبط الى سبط بل يلازم بنو اسرائيل كل واحد نصيب سبط ابائه. وكل بنت ورثت نصيبا من اسباط بني اسرائيل تكون امراة لواحد من عشيرة سبط ابيها لكي يرث بنو اسرائيل كل واحد نصيب ابائه. فلا يتحول نصيب من سبط الى سبط اخر بل يلازم اسباط بني اسرائيل كل واحد نصيبه) (عد36: 7-9) ولهذا السبب حينما كتبت سلسلة نسب يوسف ادرجت الانساب حسب الرجال وليس حسب النساء، ولا بد ان نسب القديسة مريم العذراء قد تبين في نفس الوقت، فهي ننتمي بحسب الناموس لنفس السبط الذي ينتمي اليه خطيبها. كيف اذا تكون القديسة العذراء نسيبة اليصابات؟زعم البعض ان ذلك لأنهما كانتا اسرائيليتان وكانتا اصلاً من نفس الشعب، لذلك دعاهما الملاك جبرائيل نسيبتين. وإنما نسمي القريب الذي ينتمي الى نفس الشعب نسيباً. وذلك استناداً الى قول بولس الرسول في الرسالة الى اهل رومية، لما كان على وشك الكلام عن الذين آمنوا بين الامم الاخرى وايضاً بين اليهود، فإنه يسمى اليهود انسباء قائلاً: (فإني كنت اود لو اكون انا نفسي محروماً من المسيح لأجل اخوتي انسبائي حسب الجسد الذين هم اسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد) (رو9: 2-4) بيد اننا لا نجد في اي مكان شيئاً مماثلاً بخصوص اليصابات ومريم، ولما كانت نساء كثيرات ينتمين الى نفس الشعب، فلم يقل الملاك هذه الكلمة العذراء مجرد علامة: ( هوذا اليصابات نسيبتك). فإنه نظراً لانه كان خادم الاعلانات الالهية والاوامر الروحانية، لم ينطق بهذه الكلمة بصفة عامة. وكما كان الملاك الذي ظهر ليوسف في الحلم يقول له: ( يا يوسف ابن داود) (مت1: 20). لكي يذكره بالوعد الذي وعد الله به ان يكون المسيح من نسل داود، هكذا الحال ايضاً مضا، فعبارة ( هوذا اليصابات نسيبتك) هنا مملوءة بسر يليق بالله. وحسب رأيي إن هذا لم يفت العذراء ايضاً لأنها كانت مملوءة من الروح القدس لذلك جرت في الحال خاضعة بفرح الى اليصابات. المسيح الملك والكاهن الاعظم:- حيث ان المسيح ملك الملوك (المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الارباب) (1تي6: 15). هو الله ورب الكون، وحيث انه علاوة على ذلك كان مدعواً كاهناً اعظم بعد التأنس، اذا انه قدم ذاته ذبيحة وقربانأ لكي يطهر خطية العالم، ولأنه هو نفسه يؤدي عنا اعترافنا نحوه ونحو الآب: يقول بولس الرسول: (من ثم ايها الاخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع) (عب3: 1). فذلك كان قرار السماء ان يكون اجتماع بين سبط يهوذا الملكي وسبط لاوي الكهنوتي، حتى يكون المسيح، الملك والكاهن الاعظم، من نسل هذين السبطين بعائلته في الجسد. وفي الخروج: (واخذ هرون اليشابع بنت عميناداب اخت نحشون زوجة له فولدت له ناداب وابيهو والعازار وايثامار) (خر6: 23). قبل ان تخرج الوصية التي تنهي عن اتخاذ زوجة من سبط آخر، اتخذ هارون رئيس الكهنة حسب الناموس زوجة من سبط يهوذا: اليشابع (اليصابات) بنت عميناداب، وكان عميناداب من نسل يهوذا بعائلته. وحتى لا يفكر احد انه عميناداب آخر، فإن الكتاب المقدس يطرح جانب الخطأ فيبين بوضوح قائلاً: (بنت عميناداب اخت نحشون) انظروا تدبير الروح القدس وسمو الحكمة والتدبير كيف جعل إمرأة زكريا، والدة المعمدان، نسيبة مريم والدة الاله، اليصابات، الامر الذي يعود ينبأ الى الوراء حتى اليصابات (اليشابع) تلك التي تزوجها هارون والتي بها حدث اتحاد السبطين، والذي يعلن لنا بوضوح انه باليصابات هذه يكون النسب مع مريم العذراء لا يقل احد ان الامر لدى البابليين قد القى بلبلة بين الشعب اليهودي، حتى انه منذ ذلك الوقت لم يكن هناك تميّز بين الاجناس وكان كل العائدين من بابل يجدون مشقّة كبيرة في جمع اولاد هارون واللاويين الباقين الذين كانوا يهتمون بعادات اجدادهم ولم يشير المؤرخ الى السبط الذي ينتمي اليه العائدون فقط ولكن ايضاً الى البلدان والقرى وقد تكلم لوقا البشير عن زكريا بهذه العبارات التي تبين لنا دفنه: (كان في ايام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة ابيا وامراته من بنات هرون واسمها اليصابات) (لو1: 5) ان ربنا يسوع المسيح الذي قال عن نفسه: ( لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل برّ) (مت3: 15). لم يدع شيئاً مما يختص بالدقة يسقط. لكنه بعد ان لاحظ كل الاشياء، اعتبرها وأتممها، لان المسيح هو بداية ونهاية الناموس والانبياء وهو اله العهد القديم والجديد، واقد اشرق لأجلنا ايضا في الجسد في آخر الايام. له المجد والقدرة مع الآب والروح القدس الى الابد الدهور امين. القديس ساويرس بطريرك أنطاكية
المزيد
17 يناير 2020

التجسد الإلهي

استهل القديس ساويرس المقال بمقدمة طويلة ابدى فيها وهو البطريرك الراسخ والعلامة القديس والعبقري اللامع الذي طبقت شهرته مشارق الارض ومغاربها تهيبه من الخوض من الخوض في الحديث عن جلال الاحداث التي وقعت عند ميلاد المسيح. يقول للشعب المؤمن في ذلك الزمان:- لقد احتفلت مرتين بهذا العيد معكم ولم يكن بياني قاصراً عن ان يمد المؤمنين بالغذاء الروحي بل كانت الكلمة غنية جداً من هذه الناحية. وتتوقعون بمشاعركم التقية كلمات وفيرة متواضعة تتناولونها بالتأمل فيمكنكم تحليلها فيما بينكم لكي ترفعوها الى علو لائق بالله ثم انتقل الى الكلام عن الكيفية التي تأتي بها الثمار. فكما ان الارض الخصبة التي يعني يزرعها تغل بعد البذار سنبلاً مرتفعاً مليئاً هكذا الروح التي ترعاها القيادة الحسنة والمتدربة على الايمان حسب الارثدوكسية. ثم يحث القديس المؤمنين قائلاً إن ثقتي الكبيرة فيَّ ان تحضروا بنفس الحماس بعد ان فتحتم لي قلوبكم وتقبلتم هذه الافكار تقبلاً حسناً. وتتدفق المعاني البينات (لا اخشى بعد) إن ارادة الله تقودني الى الاحتفال بالعيد الحالي للمرة الثالثة لو كان الحديث معاداً تزدرون بهذه الوجبة مثلكم مثل الذين يتناولون اصنافاً من الطعام معدة من اليوم السابق، ولو انتهجت نهجاً جديداً فإني اخشى عندما اغوص الى عمق النظريات ألا اجد نهاية. ومع ذلك فلأن الذي نتطلع اليه في الاحتفال الحاضر هو الغني القدير فلا يجب ان تتواني بل تطلب منه نحن الضعفاء فهماً حياً وكلمة حيّة فهو يعطي الكلمة للذين يبشرّون بسر الديانة الكبير بقوة عظيمة( الرب يعطي كلمة لمبشرات بها جند كثير) (مز68: 11) وبما ان الكلمة لي فسوف أعالج الموضوع الحاضر على نحو ما تضرب الارض الذهبية بالمعول. وبعد ان استخلص اليسير اتناوله بالبحث وافصله تفصيلاً ليكون منه موضوعاً ذهبياً خطيراً هلا تتداولها الالسنة تلك الاحداث التي وقعت عند ميلاد المسيح؟ من الذي يحول دون فيض ينابيع الكلام الغزيرة؟ ان الحديث عنه اجل من كل قول. ولو تركت للساني العنان يسمو نحو ما يتعلق بجوهر الله الكلمة او كنت اطير واحلّق دفعة واحدة بقدرة معبرّاً بالألفاظ عما في خاطري، فأحسبني قد ارتفعت عن الارض بقدر ما يرتفع العصفور الصغير الذي يبدأ في الطيران من عشه منذ اللحظة الاولى. فهو يستطيع ان يطير في استطاعته ان يطير في الاجواء العليا. وهكذا الحال بالنسبة لنا فعلى قدر اقترابنا من العلو نعرف الى أي حد نحن بعيدون عنه. واني إذا جعلت عيني على عمق تنازله وتجسده المملوء محبة للبشر الموقن اني لو جاهدت لأهبط دفعة واحدة بروحي الى عمق ليس له حدود يعتريني الوهن والكلل. كالسابح في بحر او الناظر من اعلى قسم الصخور. ان قسوة البصائر لتقصر عن إدراك العمق المنيع، نعم انها تقصر عن الخوض في مناقشته هذه المسائل. وحينما نذهب الى التأمل في تنازل الله الكلمة فبعد موجات هائلة من الالفاظ والافكار تصل الى ما قاله سليمان الحكيم: ( كل هذا امتحنته بالحكمة قلت اكون حكيماً. اما هي فبعيدة عنّي. بعيد ما كان بعيداً والعميق العميق من يجده) (جامعة7: 23- 24) اجل من ذا الذي يستطيع بذهنه ان يجمع بين وجهتي النظر القائمتين دفعة واحدة فيجمع بين الارتفاع والعمق؟ ان الكتاب الالهي يقول عنه انه ( فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل ايضاً) (1اف1: 21)هو الكائن قبل كل الاشياء الذي به يوجد الكل، وهو الذي نزل الى العالم. ظهور الله الابدي:- نزل الى اماكن الدنيا، في الارض باتحاد إقنومه بجسدنا ونفسنا العاقلة من لا ينبض قلبه او لا يأخذه العجب، في رجفة متعجباً وفي صمت يعطي مجداً وهو غير محتاج، انه غني وكامل، تنازل من اجل خلاصنا فتجسد واحتمل في جسده الالام التي قبلها لأجلنا حتى الصليب يا للعجب! إن من يملك وحده الابدية. النور المشّع، شمس البر، بيننا نحن الذين بخطيئتنا جلبنا العار على جبلتنا الاولى الالهية، فسقطنا من مسكننا الاول، اعني الفردوس المفروش في الشرق، ونُفينا الى الغرب فأصبحنا بعيدين تماماً عن النور الالهي، بسببنا ظهر في المشرق بعد ان اشترك بطريقة عجيبة في كياننا- اشترك في بذار ابراهيم، ونما حسب الجسد من اصل يسّى وداود وهكذا ظهر للذين كانوا جالسين في ظلمات الجهل وظل الموت. النبوات عن الظهور:- بشّر ارميا النبي قبل الوقت بهذا الظهور العجيب الذي يليق جداً بالله قائلاً: (ها ايام تاتي يقول الرب واقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجري حقا وعدلا في الارض. في ايامه يخلص يهوذا ويسكن اسرائيل امنا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا) (ار23: 5-6) ان هذه النبوّة تختص بلا نزاع بالمسيح، هذا ما يقوله كل المشتغلين بالكتاب المقدس، حتى ولو جزئياً. لانه بعد داود لم يملك اي ملك صديق، نظراً لان كل الذين خلفوا داود كانوا مذنبين، باستثناء حزقيا ويوشيا، وهما اللذان تنبّأ بعدهما ارميا بهذه النبوة. فقبل الكلمات التي ذكرناها، كان يقول عن يكنيا (كيناهو) الذي ملكاً بعد وفاة يوشيا ومن جهة اخرى فإنه من المؤكد تماماً ان كلمات النبوة تنحدر الى الزمن التالي والزمن المستقبل. ومع ذلك فإن الاسم ( غصن بر) لن يُعطى بجدارة لأي احد آخر من الذين تملكوا سوى المسيح، فهو شمس البر الذي جعل اشعة معرفة الله تضيئ لنا، كما مارس ايضاً العدل والحق على الارض حينما بسط على كل الارض نواميسه ذات العدالة العليا المطلقة، وفي ايامه ايضاً خلص يهوذا وسكن يعقوب في امان في الواقع ان فترة انقسام الشعب الى قسمين اسرائيل ويهوذا منذ زمن الملك سليمان ما تزال حتى النهاية، فهناك مملكتان منفصلتان. لكن بصفة عامة كل الذين كانوا منفصلين قد خضعوا واطاعوا على حد سواء بشارة المسيح وملكوته واخذوا نيراً واحداً وعلى اي حال فإنه بسبب يهوذا ترجمته ( المعترف) وبسبب اسرائيل الذي ترجمته ( العقل الذي رأى الله) يطلق يهوذا الذي خلص على اولئك الذين في الوقت الحالي قد اقتربوا من الانجيل وهم في منزلة المعترفين، وندعو اسرائيل الساكن في امان على اولئك الذين آمنوا وجاوزوا مرحلة التأمل، فهم بذلك يعرفون الله او يرونه. وعم ثابتون بالمعرفة آمنين وكأنهم يسكنون ويستريحون فيما عرفوه وهذان الفريقان يؤلفان جسد الكنيسة الوحيد، وهما موضوعان تحت سلطان المسيح وحده الذي يعلن عنه ارميا النبي ايضاً بجدارة انه يدعى يهو صادق وهو ما معناه في الترجمة اليونانية ( بر الله) والمسيح هو بر الله الآب وهو ايضاً الحكمة والقدرة. إسمع بولس الرسول الذي يكتب لأهل كورنثوس: ( ومنه انتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرّاً وقداسة وفداء) (1كو1: 30) حينما تنبّأ ارميا بهذه النبوة عن يسوع قائلاً: ( سوف يدعى يهو صادق) ( بر الله) عُرف بدقة تامة وبوضوح تام من هو الذي يتنبأ عنه من بين كلماته وكأنه يرى بعينيه ذاتهما ايضاً، فاستنار بظهور ذاك الذي كان حينئذ آنياً وهو الذي نراه الان وهكذا في فرحة صرخ قائلا: ( انه في الانبياء) وهو يشير اليه كما بالاصبع قائلا: ( انه هو الذي كان في الانبياء والذي اوحى اليهم والذي جعلهم بطرق مختلفة يعلنون هذه النبوات المتعلقة بشخصه ذاته بخصوص ذلك الظهور، ظهور الله الكلمة الذي تأنس لأجلنا، يقول زكريا النبي ايضاً بطريقة إلهية تماماً: (وكلمه قائلا هكذا قال رب الجنود قائلا هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب) (زك6: 12) يا لعظمة دقة النبوة من الذي لا يسبّح ذلك الذي نطق بوضوح بهذه الكلمات قبل سنتين عديدة بواسطة خدامه ذاته الذي في آخر الايام حقق الكلمات التي قيلت قبل الوقت؟ ( اسمه شرق) يقول النبي فعلاً انه نور الارب. (وكان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان اتيا الى العالم) (يو1: 9). لذلك دُعي باسم لائق. فإن من خواص النور والشمس ان ينيرا من الأعالي ويسلّطا اشعتهما على الكون لإضاءته واشراكه في الضوء الذي ينبعث منهما. وان شمس البر، النور الذي لا يدني منه، ( الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور لا يدنى منه) (1تي6: 16). اخذ على عاتقه ان يتجسد ويتأنس لأجلنا، اشرق لنا حينما اخذ شكل العبد وتنازل هو نفسه بإرادته قد اشرق لنا. وقد تنازل هكذا متواضعاً جداً واظهر ذاته قليلاً قليلاً وانارنا بكل لاهوته لذلك حينما بشّر زكريا مقدماً بهذا العجب قال (قائلا هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب) (زك6: 12) وقد شرح داود هذه الفكرة بطريقة اخرى حينما تكلم عن هذا الاشراق الذي يحدث في الدنيا فقال اشرق من المغرب. (في الظلمة). ويصبح هو ايضاً مع يوحنا المعمدان الذين كان يتعيّن عليهم ان يصيروا شهوداً لاشراقه: ( اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة) (مت3: 3)، (مر1: 3)، (لو3: 4)، فيقول داود: (اعدوا طريقاً للراكب في الغفار باسمه واهتفوا امامه) (مز68: 4) في الواقع ولو انه حجب مجده الخاص حسب التدبير الالهي إذ اشرق في الظلمة، إلا انه مع ذلك الرب. لانه حتى حينما صار انسانا لم يتخل عن كونه رب و الاله. وفعلا لو ان المرنم اعلن ان الشمس تشرق في الظلمة، فإنها لن تصير نفسها مظلمة، بل العكس يبين ذلك ان في الغرب ( او في الظلام) كان الضوء المشرق. وبنفس الطريقة إذ كانت حالتنا غاربة وكانت سوداء من جراء الخطية محرومة من العمل الالهي، فقد جعلها كلمة الله مشرقة حينما بارك عبورنا الى هذه الحالة الجديدة حيث صرنا نفيض عدلاً وطهارة ونتزين بالفضائل الاخرى، بتجسده الذي صنعت اعمال النور وكل ما هو خير بين البشر اذا اراد ملك ان يذهب الى مدينة صغيرة غير معروفة وعاجزة تماماً عن احتمال مجيئه، فإنه في الغالب يجعل نفسه صغيراً ويزيل عظمة كبرياء المظاهر والمجد الذي يحيط به لكي يصير محتملاً من هذه المدينة. ولكنه رغم ذلك لا يستطيع إلا ان يدخل كملك متنازلاً بصفة عامة عن مظاهر رتبته. هكذا ايضاً ابن الله، كلمة الاب الغير مدرك، الابدي اراد ان يأتي في صورة بشرية في هذا العالم وهو عنده على حد تعبير احد انبيائه كنقطة يملأه بطريقة إلهية (هوذا الامم كنقطة دلو وكغبار الميزان تحسب هوذا الجزائر يرفعها كدفة) ( اش40: 15). على قدر ما كان ذلك مستطاعاً، فقد تواضع تواضع من مجده الذاتي وجاء الى الاهانة ففي ذلك فعلا اخلى ذاته واصبح هكذا ممكناً الوصول اليه- وبأسلوب لا مثيل له، وبطريقة فائقة خاصة تسمو على كل الطرق الاخرى، دخل الى عالمنا من باب إلهي ملكي، يعني من البتولية، بميلاده في الجسد من الروح القدس ومن العذراء مريم والدة الاله. الخلاص والتجديد:- هذا الميلاد الفائق بدون بذار، الذي به اتى المسيح من سبط يهوذا الذي كانت مريم تنحدر منه بعائلتها، تنبأ عنه يعقوب اول الاباء في بضع كلمات تحوي كل غنى هذا السر قائلاً: (يهوذا شبل، انه من جنسي، يا ابتي، قد صعدت، انه يدعو المسيح شبلاً لانه يملك الرتبة الملكية ويملك المناعة وفي الجسد يأخذ الجنس من سبط يهوذا. وقد اعترف لأجلنا (نحن الذين ليست لنا اية حرية لدى الله) قائلاً: (في ذلك الوقت اجاب يسوع وقال احمدك ايها الاب رب السماء والارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال. نعم ايها الاب لان هكذا صارت المسرة امامك) (11: 25-26) ان كلمة ( يهوذا)، كما قلنا، معناها ( المعترف). فكان يقول، وهو يتأمل في ذاك الذي اعترف لأجلنا بعينه اللتين تريان المستقبل قبل الوقت بالرغم من بعد المسافة: (انه من جنسي يا ابني قد صعدت)، مطلقاً جنسه ذاته على القديسة العذراء التي منها اتى المسيح ونما بدون بذار اين هم إذاً، عند سماع هذه الكلمات انصار حماقة افتيخوس؟ افلا ينضمّون حتى الى اول البطاركة الذي يقول: انه من جنسي يا ابني قد صعدت؟ لتستهزئ بحمقاتهم وتعترف بأن جسد المسيح المقدس هو من جوهرنا ان مريم فعلاً هي من جنسنا وكذلك يعقوب ابوها الاول، لأننا مكونون من طينة واحدة كما يقول سفر ايوب: (هانذا حسب قولك عوضاً عن الله انا ايضاً من الطين تقرضت) (اي33: 6)الذي خلق وكوّن جاء ليصلح ويخلق من جديد، ليست خليقة اخرى، لكن تلك الخليقة التي كانت قد سقطت وخضعت لفساد الخطية، وذلك بواسطة التجسد الالهي، حينما القى بنفسه مثل خميرة في كل مجموع الجنس البشري، وصار آدم الثاني وخلصنا بقيامته وجعلنا نعبر من الحالة الارضية الزائلة الى الحياة السمائية الغير فاسدة. أفلا تشعرون انكم تحرمون البشر من الخيرات التي من هذا النوع وتجعلونهم غرباء عم هذا التجسد الذي يعين به من سقطوا؟ أتظنون لنه يمكن ان يصيب جسدنا دنس وهو متحد بالله الكلمة؟ إنه لا يوجد سوى شيء واحد يمكن ان يدنس، انه فساد الخطية. الخليقة طاهرة:- واين يكون اثر للخطية، حيث تجسد الله الكلمة بدون استحالة بحيث الام عذراء حتى بعد الولادة، وحيث ينزل الروح القدس، لا تعرف رجلاً والميل الجسدي مرفوض تماماً وغير موجود لماذا تتغاضون عن كل هذه النفخات الطاهرة ذات الرائحة الالهية الزكية وتتصرفون عما هو ذكي يسر شذاء الانفس، فتنحدرون في وحل افكاركم الغير نقية، ولا اقول وحل طبيعتنا، لانه لو كان لحمنا غير طاهر، لما كان يجب ان يكونه منذ البدء ايضاً ذاك الذي صنع كل الاشياء جميلة وجيدة وحسنة جداً. لكن ان كانت هذه الخليقة طاهرة ولم تسبّب لجابلها ضرراً او دنساً، فكيف لا يكون التشكيل الثاني اطهر؟ وكيف لا يكون، مع عظم الفارق، هذا التشكيل الذي به اراد الخالق تعالى ان يظهر نفسه في الجسد لائقاً بالله اكثر؟ لكن احذروا من ان تلقوا بنا بهذا الاسلوب في روايات المنيكيين الخرافية، فإن من حسب الجسد خارج السر غير طاهر، فقد تصور ان له ايضاً خالقاً آخر، كما كانوا يفعلون. انهم في الواقع يستحقون الرثاء لسبب مزدوج فهم يسرقون ويسرقون. اما نحن فإننا نؤمن بأن الذي قال بخصوص خرافه: (السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. واما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل) (يو10: 10). يستطيع كذلك ان يجعلكم تستردون خيراتكم، لأنكم سرقتم وخسرتم، ويجعلكم تحييون، لانكم كنتم فعلاً ضحايا عدم الايمان وقول بولس الرسول من ناحيته يتفق مع كلمة يعقوب: (انه من جنسي يا ابني قد صعدت). فهو يكتب الى اهل غلاطية بهذه العبارات: (ولكن لما جاء ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا من امراة مولودا تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني) (غل4: 4-5). القديس ساويرس بطريرك أنطاكية وللحديث بقية
المزيد
15 يناير 2020

عيد ختان المسيح

في اليوم الثامن بعد ميلاده، خُتِن المسيح بحسب ناموس العهد القديم اليهودي. فلأنّه وُلِد وعاش في بيئة معيّنة، قد حفظ كل قوانينها وعاداتها. ومع ذلك يجب تفسير ختانه ضمن لاهوت إفراغ الذات (Kenosis) الذي ارتضى به لخلاص الجنس البشري بما أنّ الآباء قرّروا التعييد لميلاد المسيح في الخامس والعشرين من كانون الأوّل، فطبيعي أن يُعيَّد للختان، الذي تمّ بعد ثمانية أيام، في الأوّل من كانون الثاني، أي بعد ثمانية أيام من الميلاد. لهذا تظهِر طروبارية هذا اليوم أهمية الختان اللاهوتية: “… إنّك وأنتَ إله بحسب الجوهر قد اتّخَذتَ صورةً بشرية بغير استحالة، وإذا أتممتَ الشريعة تقبّلت باختيارك ختانة جسدية…” فكما أنّه بسبب محبته وتحننه قبل أن يلّف بأقمطة، كذلك قبل المسيح الختان بالجسد. تنظر الكنيسة إلى تذكار هذا التنازل العظيم وإفراغ الذات من قِبَل المسيح كعيد كبير من أعياد السيّد. 1. الختان هو قطع جزء “من طرف العضو الذكري”. هذا يجري لكلّ مولود صبي بحسب وصية الله المُعطاة لإبراهيم في البداية. يرد النص التالي في العهد القديم: “وهذا هوَ عهدي الذي تحفظونَه بَيني وبَينكُم وبَينَ نسلِكَ مِنْ بَعدِكَ: أنْ يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم. فتَختِنونَ الغُلْفةَ مِنْ أبدانِكُم، ويكونُ ذلِكَ علامةَ عَهدٍ بَيني وبَينَكُم. كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم اَبنُ ثمانيةِ أيّامِ تَختِنونَه مدَى أجيالِكُم، ومِنهُمُ المَولودونَ في بُيوتِكُم أوِ المُقتَنونَ بِمالٍ وهُم غُرَباءُ عَنْ نسلِكُم” (تكوين 10:17-12). الوصية نفسها تكرّرت لموسى: “وفي اليومِ الثَّامنِ يُختَنُ المولودُ” (تثنية 3:12). وفي محادثته مع اليهود، ذكّرهم المسيح بأنّ الختان أُعطي بموسى لكنّه كان موجوداً من قبله: “أمَركُم موسى بالخِتانِ، وما كانَ الخِتانُ مِنْ موسى بل مِنَ الآباءِ، فأخَذتُم تَختُنونَ الإنسانَ يومَ السَّبتِ” (يوحنا 22:7) لقد ارتبط الختان بالصلاح والتقوى وإطاعة الناموس، وهو يُشير إلى الإسرائيلي الطاهر، بينما أُشير إلى الإنسان غير الطاهر غير التقي بأنّه غير مختتن. إذاً الخِتان وعدمه هما مفهومان وممارستان متناقضتان، تشير الأولى إلى اليهود والثانية إلى الأمم الوثنيين. إن طقس الختان كان جرحاً مؤلِماً وخاصةً بالطريقة التي كان يجري فيها في تلك الأيام. الوسائل المُستَعمَلة كانت سكيناً وموسى وحجراً حادّاً. استعمال سيفورة لحجر حاد لختان ابنها كما يرد في خروج (25:4) “فأخذَت صَفُّورَةُ اَمرأتُه صَوَّانَةً فختَنَتِ اَبنَها ومسَّت بِها رِجلَي موسى وقالت: «أنتَ الآنَ عريسُ دَمِ لي»” هي حادثة مميزة. معروف أيضاً أنّ يشوع “فصنَعَ يَشوعُ سكاكينَ مِنْ صَوَّانٍ وختَنَ بَني إِسرائيلَ عِندَ جبعَةَ هاعَرلوتَ” (يشوع 3:5) إنّه لجلي بأنّ الختان كان عملاً مؤلِماً يسبب النزف. وإذا فكّرنا بأنه كان يُجرى لمولود جديد يمكننا أن نفهم ألَمَه وأيضاً ألَم أهله الذين أتمّوا الختان ورأوا تمزيق طفلهم. 2. في أي حال، لقد كان للختان محتوى لاهوتي عميق ومعنى جوهري ولم يكن يتمّ لمجرّد التطهير. وبهذا المعنى هو يختلف عن الختان عند الشعوب الأخرى كالمصريين والمسلمين وغيرهم. بعضهم، كالمسلمين، أخذ الختان من العهد القديم وناموس موسى ولكن أعطي له محتوى آخر. يقول القديس أبيفانيوس القبرصي أن الشعوب الأخرى عرفت الختان، كالوثنيين وكهنة المصريين والعرب والإسماعيليين والسامريين واليهود والحميريين، لكنّ أغلبهم لم يختتنوا لناموس الله بل لعادات “غير عاقلة” كلمة الله لإبراهيم التي بها تأسّس الختان أيضاً تُظهِر السبب الأساسي. قال الله: “وهذا هوَ عهدي الذي تحفظونَه بَيني وبَينكُم وبَينَ نسلِكَ مِنْ بَعدِكَ: أنْ يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم” (تكوين 11:17). بكلمات أخرى، إنّه اتفاق بين الله وشعبه الخاص، إنه عهد. هذا الاتفاق يجب أن يُثَبَّت بالدم. نحن نرى هذا أيضاً في العهد الجديد حيث يُثبَّت اتفاق الله مع البشر بدم المسيح الختان كان علامة للتعرّف على أنّ حامله ينتمي إلى شعب الله. بحسب المفسّرين، الختان بحدّ ذاته لم يكن عهداً بل علامة على العهد والاتّفاق. هذه الممارسة خدمت أيضاً لتذكِّر الإسرائيليين بأنّ عليهم أن يثابروا في تقوى أسلافهم فلا يأتوا إلى احتكاك غزلي مع الوثنيين والشعوب الأخرى. بهذه الطريقة تلافوا الزيجات المشتركة وبالطبع تلافوا نتائجها أي التغرّب عن الإيمان المعلَن. يخبرنا القديس أبيفانيوس أنّ الختان اشتغل كَخَتْم على أجسادهم، مذكِّراً لهم وضابطاً إياهم ليبقوا “على إيمان آبائهم”. إذاً الإسرائيليون بعد ختانهم عليهم أن يبقوا في أمّتهم وعلى الإيمان بالإله الحقيقي إلى هذا، الختان كان إشارة مبكرة إلى المعمودية التي سوف تُمنَح في الوقت المناسب من خلال تجسّد ابن الله وكلمته، إذ في الحقيقة المعمودية هي ختان القلب كما سوف نرى لاحقاً. 3. المسيح أيضاً حفظ هذه الممارسة المؤلِمة، مباشرةً بعد ميلاده. يتطرّق الإنجيل بحسب لوقا إلى طقس الختان بكلمات قليلة فيقول: “وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيُخْتَنَ الطِّفْلُ، سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا كَانَ قَدْ سُمِّيَ بِلِسَانِ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ يُحْبَلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ” (لوقا 21:2). من هذا التقديم الضئيل لطقس الختان في حياة المسيح، نرى أنّه مرتبط بشدة بإعطاء الإسم، لأن آنذاك أُعطي له اسم يسوع الذي تفسيره المخلّص. ما يقوله القديس ثيوفيلكتوس مميَّز، بأن هذا الجزء الذي قُطِع بختان المسيح، حفظه هو سالماً واتّخذه مجدداً من بعد قيامته. إلى هذا، ما جرى للمسيح يظهِر أيضاً الطريقة التي بها سوف يتمّ في أجسادنا. إنّ تعليم آباء الكنيسة هو بأنّ أعضاء الجسم البشري التي تأذّت بطرق مختلفة سوف يعيد الله ربطها بالجسم وتغيير شكلها حتّى يدخل الإنسان ملكوتَ الله كاملاً مركباً من النفس والجسد. على الأكيد، في هذه الحالة سوف يكون الجسد روحياً لا لحمياً كما هو اليوم إن طقس الختان الذي جرى في اليوم الثامن مرتبط أيضاً بإعطاء الاسم، وقد ضُمَّ إليه في الفترة المسيحية احتفال “ختم الولد متّخذاً اسماً في اليوم الثامن من بعد ميلاده”. إنّ محور الاحتفال هو صلاة رائعة يقرؤها الكاهن على الولد عند أبواب الكنيسة. القابلة أو أحد الأقارب، وليس الأم التي سوف تأتي إلى الكنيسة في اليوم الأربعين، يحمل الولد ويُقدَّمه. في أي حال، أنّ المسيح، بعد أن صار إنساناً، اختبر ألماً عظيماً خلال طقس الختان، هو حقيقة تُظهِر الاعتبار المفرِط الذي يكنّه الله للجنس البشري. 4. بعد أن رأينا المعنى اللاهوتي الذي اشترعه الله للختان في العهد القديم، وأن المسيح أيضاً خُتِن، علينا أن نشير إلى أسباب ختانة المسيح بالدرجة الأولى، بإتمامه الختان أظهر المسيح أنّه هو بنفسه كان معطي الناموس في العهد القديم، وبالتالي ينبغي احترامه. لم يأتِ المسيح ليبطِل الناموس بل ليحفظه وبالواقع ليرفعه. هذا يعني، المسيح رفع الناموس من دون أن ينتهكه. بهذه الطريقة أظهر أنّه علينا نحن أيضاً أن نحفظ ناموس الله الذي يهدف إلى الخلاص. إذاً، الختان كما أكّدنا، يظهر أيضاً محتوى إفراغ الذات. على الأكيد، يكمن إفراغ الذات، عند ابن الله وكلمته، في التجسّد، أي في حقيقة أنّ الإله غير المخلوق اتّخذ طبيعة بشرية مخلوقة. لكنّ هذا الإفراغ وهذا التنازل الهائل يظهران أيضاً في الختان لأنّه قبِل هذه التجربة الصعبة بأكملها علاوة على ذلك، قبِل المسيح الختان لكي يظهِر أنّه اتّخذ طبيعة بشرية حقيقية. هذا مهمّ جداً، إذ في كنيسة القرون الأولى ظهرت هرطقة الدوسيتيين التي قالت بأنّ المسيح لم يتّخّذ الطبيعة البشرية الحقيقية وجسداً بشرياً حقيقياً، بل أنّ جسده كان جسداً ظاهرياً خيالياً. هذا قاد إلى الاستنتاج بأنّ المسيح لم يُصلَب على الصليب إذ لم يكن له جسم حقيقي. لكنّ هذه النظرة لا تخلّص الإنسان. كيف يخلُص الإنسان إن لم يتّخذ الربّ الطبيعة البشرية؟ لهذا، كما يقول القديس أبيفانيوس، المسيح خُتِن لكي يظهر أنّه “بالحقيقة اتّخذ جسداً”. هذا القول مرتبط أيضاً بحقيقة أن ختان المسيح اثبت أن الجسد الذي اتّخذه لم يشترك في نفس جوهر الألوهة. في المسيح اتّحد غير المخلوق بالمخلوق. الجسد، بما أنّه تألّه بألوهة الكلمة، صار إلهاً على نحو متطابق، لكنّه ليس من جوهر الله. هذا يعني أنّ المسيح هو أيضاً مصدر نعمة الله غير المخلوقة، لكنّه ليس من نفس جوهر الألوهة. خُتِن المسيح ليعلّم الناس أنّ الختان، الذي أعطاه هو لليهود، خدم البشرية وهيأ الأرضيّة التي هيّأها لحضوره. لم يكن الطقس عقيماً. بالختان بقي اليهود مخلصين لناموس الله وانتظروا المسيح. وأخيراً، لم يظهر فقط أن الختان كان يهيء الجنس البشري لحضور المسيح، بل ايضاً هو مثال، تصوير مسبُق للختان الذي لم تقم به أيادٍ بشرية، أي المعمودية المقدّسة. بحسب القديس يوحنا الدمشقي، الختان كان صورة للمعمودية. وتماماً كما أن الختان يقطع من الجسد جزء لا نفع فيه، كذلك في المعمودية المقدسة نحن نعزل الخطيئة التي ليست حالة طبيعية بل براز. عندما نتحدّث عن الخطيئة التي نعزلها، نحن نعني الشهوة، وبالطبع ليس الشهوة النافعة الضرورية بل الرغبة التي لا نفع فيها واللذة. المعمودية هي ختان لا يتمّ بالأيدي البشرية، ولا هو يعزل المرء من أمّته، بل هو يفصل بين المؤمن وغير المؤمن الذي يعيش في الأمّة نفسها. 5. بعد العنصرة، انشغلت الكنيسة كثيراً بسؤال ما إذا كان ينبغي ختان المهتدين إلى الإيمان المسيحي. أرضية هذا السؤال كانت أنه ينبغي بالوثنيين الآتين إلى الإيمان المسيحي أن يحفظوا ناموس العهد القديم بما فيه الختان، بما أنّ العهد القديم سبق الجديد. للتعامل مع هذا الموضوع، انعقد المجمع المسكوني الأول المسمّى الرسولي، وقرّر في هذا الأمر كما هو مدوّن في الإصحاح الخامس عشر من أعمال الرسل. نشأت المشكلة عندما كان المسيحيون اليهود “يُعَلِّمونَ الإخوةَ، فيَقولونَ: «لا خَلاصَ لكُم إلاَّ إذا اَختَتَنتُم على شريعةِ موسى” (أعمال 1:15). بالواقع، لقد كان هناك نزاع والكثير من المناقشات، كما يرد، وبعض الذين أتوا من طائفة الفريسيين أصرّوا على أن يختتن المهتدون ويحفظوا ناموس موسى (أعمال 5:15) تكلّم في المجمع الرسولي كلٌ من الرسل بطرس وبرنابا وبولس ويعقوب أخو الرب. قرار المجمع كان بأن الذين يأتون إلى الإيمان المسيحي من الأمم يجب ألاّ يختتنوا، بل عليهم أن يحفظوا أنفسهم أنقياء، ممسكين عن تقدمات الأوثان والدم والمخنوق والفجور الجنسي. يقول القرار الذي نُقل لاحقاً برسالة إلى المسيحيين: “فالرُّوحُ القُدُسُ ونَحنُ رأينا أنْ لا نُحَمِّلَكُم مِنَ الأثقالِ إلاَّ ما لا بدَ مِنهُ، وهوَ 29أنْ تَمتَنِعوا عَنْ ذَبائِحِ الأصنامِ، وعَنِ الدَّمِ والحيوانِ المخنوقِ والزِّنى. فإذا صُنتُم أنفُسَكُم مِنها، فحَسَنًا تَفعَلونَ. والله مَعكُم” (أعمال 28:15-29) حجّة هذا القرار كانت أنّه لا غنى عن الختان كونه صورة ومثال للمعمودية المقدّسة ومهيِئ للشعب لحضور المسيح. شروط ناموس العهد القديم التي كانت مرتبطة بالجهاد من أجل طهارة الجسد والنفس من الخطيئة، وخاصةً عندما كان الأمر يتعلّق بحرية الإنسان الشخصية، يجب الحفاظ عليها. أمّا الختان الذي لا علاقة له بالامتناع عن الخطيئة وطهارة النفس، يمكن الإعفاء منه لأنّه استُبدِل كلياً وأُكمِل وتُمِّم بسرّ المعمودية. 6. تولّى الرسول بولس إظهار قرار مجمع الرسل ولاهوته للأمم، في تعليم من ضمن هذا الإطار. علينا أن ننظر إلى بعض النقاط في هذا التعليم حول هذا الموضوع في مجابهة وضع المسيحيين اليهود الذين طالبوا المسيحيين من الأمم بأن يختتنوا، قال أنّهم يقومون بذلك لكي يمدحهم اليهود الآخرون فلا يُضطَهَدوا من أجل صليب المسيح، أي من أجل إيمانهم بالمسيح المصلوب والقائم من الموت (غلاطية 12:6-13). في أي حال، يوضح الرسول أنّه يفتخر بصليب المسيح الذي به وُجِدَت خليقة جديدة. “فلا الخِتانُ ولا عدَمُهُ يَنفَعُ الإنسانَ، بَلِ الذي يَنفَعُهُ أنْ يكونَ خَليقَةً جَديدَةً” (غلاطية 15:6) إلى جانب هذا، الختان لا قيمة له بحد ذاته، إلاّ إذا ارتبط بالإيمان وحفظ وصايا الله. بقدرة مذهلة على التفسير يشدد الرسول بولس على أنّ هذا الختان عديم النفع لأيٍ كان ما لم يتمّم الناموس. بطريقة مماثلة، الشخص غير المختتن إذا حفظ متطلبات الناموس سوف يُنظَر إليه وكأنه قد اختتن (روما 25:2-26). يشير الرسول أيضاً على الذين يأتون من الختان لكنّهم موسومون بأهواء كثيرة فيقول بشكل مميز “فهُناكَ كثيرٌ مِنَ المُتَمَرِّدينَ الذينَ يَخدَعونَ الناسَ بِالكلامِ الباطِلِ، وخُصوصًا بَينَ الذينَ هُم مِنَ الختان” (تيطس 10:1). فالرسول على عكس الذين يتفاخرون بختانهم يتفاخر بصليب المسيح، وبالحقيقة بعلامات المسيح التي يحملها في جسده: “لأنِّي أحمِلُ في جَسَدي سِماتِ يَسوعَ” (غلاطية 17:6). 7. إن الإصحاح الثاني من غلاطية هو أحد المقاطع الأساسية التي فيها تُحلّل الحقيقة اللاهوتية لنعمة الله بالارتباط بأعمال الناموس، وللختان فيها موقع غالب. سوف نقوم بتحليل أوسع لكي نرى فكر الرسول بولس في موضوع الختان. يقدّم الرسول بولس تحليلاً لاهوتياً للموضوع في إشارته إلى حادثة مع الرسول بطرس الذي أُسيء فهمه لأنّه حاول أن يتصرّف بلباقة ولا يصدم لا المختتنين ولا المهتدين. يقول أولاً أن الله عمل فيه ليحمل البشارة إلى الأمم، والإله نفسه عمل في الرسول بطرس ليحمل البشارة إلى المختتنين. فهو يكتب: “بَل رأَوا أنَّ الله عَهِدَ إليَ في تَبشيرِ غَيرِ اليَهودِ كما عَهِدَ إلى بُطرُسَ في تَبشيرِ اليَهودِ، لأنَّ الذي جعَلَ بُطرُسَ رَسولاً لِليَهودِ، جعَلَني أنا رَسولاً لِغَيرِ اليَهودِ” (غلاطية 7:2-8) وهو يستنتج بعد عرض الحادثة بينه هو والرسول بطرس في أنطاكية: “نَحنُ يَهودٌ بالوِلادَةِ لا مِنَ الأُمَمِ الخاطِئينَ كما يُقالُ لهُم. ولكنَّنا نَعرِفُ أنَّ الله لا يُبرِّرُ الإنسانَ لأنَّهُ يَعمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ، بَل لأنَّهُ يُؤمِنُ بيَسوعَ المَسيحِ. ولذلِكَ آمَنا بِالمَسيحِ يَسوعَ ليُبرِّرَنا الإيمانُ بِالمَسيحِ، لا العَمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ. فالإنسانُ لا يتَبَرَّرُ لِعمَلِهِ بأحكامِ الشَّريعَةِ.” (غلاطية 15:2-16)الناموس وأعمال الناموس لا يساهمون في تبرير الإنسان. التبرير في مجمَل فكر الرسول بولس وحياة الكنيسة مرتبط بتجدد الإنسان، استنارة النوس، والتألّه. وهكذا، ليست القضية قضية تبرير بشري عاطفي، بل قضية تألّه. بهذا المعنى يستعمل الرسول عبارة “التبرير” ويظهر معناها مما يتابعه “معَ المَسيحِ صُلِبتُ، فما أنا أحيا بَعدُ، بَل المَسيحُ يَحيا فـيَّ.” (غلاطية 20:2) الناموس وأعمال الناموس، كالختان مثلاً، لا يؤلّهون الإنسان كون التألّه يحصل فقط بالمسيح. إن خلاص الإنسان وتألّهه يتمّان عِبر تجسّد المسيح. إلى هذا، كل الشريعة وأعمال الناموس في العهد القديم أُعطيَت بعد سقوط الإنسان، ليتهيأ البشر لتجسّد كلمة الله. لهذا، الناموس هو إرادة الله اللاحقة وليس الأولى. لا يتمّ التألّه خلال الحفظ الخارجي بناموس الله، بل من خلال الشركة مع شخص، هو شخص المسيح الإله الإنسان. لو كان بإمكان الناموس أن يخلّص لما كان هناك حاجة للتجسّد نحن نقول هذه الأمور لا لكي نضع الناموس جانباً، ونحن لسنا ضد الناموس، لكن ينبغي التشديد على أنّ الناموس وأعماله، كالختان مثلاً، هيأوا الشعب لتجسّد المسيح، وشكّلوا طبّاً لقلب الإنسان طهّره من أهوائه. إذاً، الناموس يعمل بطريقة مُطَهِّرة. في أي حال، مَن بلغ الاستنارة والتمجيد يحتاج أن يكون عنده إيمان بيسوع المسيح أي شركة مع المسيح الإله الإنسان. بناءً عليه يسأل الرسول بولس: ” هَلْ نِلتُم رُوحَ الله لأنَّكُم تَعْمَلونَ بأحكامِ الشَّريعَةِ، أمْ لأَنَّكُم تُؤمنونَ بالبِشارَةِ؟” (غلاطية 3:2) النقطة إذاً هي أن أعمال الناموس لا تخلِّص ولا تؤلّه لكنّها تهيؤ الإنسان لتقبّل إيمان يسوع المسيح أي أنّه يتّحد مع المسيح ويتقبّله كهدية. وهكذا كلّ مَن تطهّر وحصل على المسيح، كلّ مَن، بنعمة الروح القدس، صار عضواً في جسد المسيح لا حاجة له بالختان. إلى جانب هذا، حصل المسيحيون على الختان غير المصنوع بيد. “وفي المَسيحِ كانَ خِتانُكُم خِتانًا، لا بالأيدي، بَل بِنَزعِ جِسمِ الخَطايا البَشَرِيِّ، وهذا هوَ خِتانُ المَسيحِ. فأنتُم عِندَما تَعَمَّدتُم في المَسيحِ دُفِنتُم معَهُ وقُمتُم معَهُ أيضًا، لأنَّكم آمَنتُم بِقُدرَةِ الله الذي أقامَهُ مِنْ بَينِ الأمواتِ.” وفي مكان آخر يتحدّث الرسول عن ” وإنَّما اليَهوديُّ هوَ اليَهوديُّ في الباطِنِ، والخِتانُ هوَ خِتانُ القَلبِ بالرُّوحِ لا بِحُروفِ الشريعةِ. هذا هوَ الإنسانُ الذي يَنالُ المَديحَ مِنَ الله لا مِنَ البشَرِ” (روما 29:2). 8. يقدّم الآباء القديسون حقائق لاهوتية رائعة في تفسيرهم المقاطع الكتابية حول الختان الروحي الحقيقي، الذي هو المعمودية المسيحية يعلّم القديس أبيفانيوس أن ختان الجسد حضّر الإنسان وخدمه إلى حين المعمودية، التي هي الختان الأعظم، لأنّ من خلالها نحن نتحرّر من الخطايا ونُختَم باسم الله. الختم مع اسم الله هما معرفة أننا ننتمي للمسيح. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه إذا كان ختان الجسد فصل اليهود عن الأمم هذا بالأغلب الوضع مع المعمودية المقدسة، لأنّ من خلالها يتميّز المؤمنون عن غيرهم. هنا يظهر أن المدعوين معمّدين هم كلّ الذين اعتمدوا وكل الذين أعادوا إضرام نعمة المعمودية. بحسب تعليم القديس كيرللس الإسكندري، ختان العهد القديم لم يبطِل الموت الذي أبطله ختان العهد الجديد. بالواقع، الشخص الذي يدخل الكنيسة بالمعمودية يصبح عضواً في جسد المسيح القائم. بهذا يبطل الموت الروحي وتتأمّن قيامة الأموات، لأنّ الموت الجسدي يبقى بعد المعمودية بقصد قطع الخطيئة. يعلّم القديس يوحنا الدمشقي أن الاختتان هو التخلّي عن اللذة الجسدية وكل الشهوات غير الضرورية العقيمة. هنا نرى أن المعمودية مرتبطة بالحياة النسكية التي بها يتحرّر الإنسان من سلطة الأهواء. ليست القضية قضية قصاص أو انتقاص للجسد، بل قضية تقليل وتحويل لشهوات النفس. في تعليم القديس مكسيموس المعترِف نرى أن الختان هو اسمٌ لقطع العلاقة الانفعالية بين النفس والجسد. فهما بينهما علاقة ووحدة. والمسألة ليست مسألة هذه الوحدة بل مسألة العلاقة الانفعالية التي تتمّ عِبر الأهواء إن أقوال الآباء تظهِر أن ختان العهد القديم داخلي وروحي، إنّه شركة الإنسان مع الله وجهاد للحفاظ على هذه الشركة. في العهد القديم أعطى الله ناموسه لكي يهيء الشعب لتقبّل المسيح. يقول يوحنا الإنجيلي في مطلع إنجيله “لأنَّ الله بِموسى أعطانا الشريعةَ، وأمَّا بِـيَسوعَ المسيحِ فوَهَبَنا النِّعمَةَ والحقَّ” (17:1). إن الكلمة غير المتجسّد هو الذي أعطى الناموس لموسى لكي يشفي الشعب المتهيء لتقبّل الحق والنعمة اللذين أتيا إلى العالم بتجسّد كلمة الله المسيح. الناموس الموسوي، كما الختان، كان فيهما نعمة لكنها كانت قوة الله المطهِّرة ونعمته، لكنها ليست القوة المنيرة المؤلِّهة. نحن نكتسب ولادة روحية وبنوة حقيقية بالمسيح. يركّز يوحنا الإنجيلي: ” أمَّا الذينَ قَبِلوهُ، المُؤمِنونَ باَسمِهِ، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناءَ الله. وهم الذين ولدوا لا من دم ولا مِنْ رَغبَةِ جسَدٍ ولا مِنْ رَغبَةِ رَجُلٍ، بل مِنَ الله.” (12:1-13) بالختان يصير البشر إسرئيليين، أي شعب الله المختار. بالمعمودية وحياة العائلة بالمسيح يصبح البشر أبناء الله، يبلغون البنوّة بالنعمة ويغلبون الموت. وهكذا، إن ختان المسيح يوحي إلينا بختان القلب. بالحياة الأسرارية والنسكية نصبح اعضاء جسد المسيح ويصبح تنازل المسيح مرتقانا. الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس تعريب الأب أنطوان ملكي
المزيد
12 يناير 2020

أطفال بيت لحم الشهداء

في ذلك الزمان، أتى إلى مدينة أورشليم مجوس من المشرق قائلين: أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له” (متى2:2). فاضطرب هيرودوس الملك، المعروف بالكبير، واضطربت أورشليم معه كان الملك مريض النفس، شديد الخوف على ملكه، ظنّاناً ، شكاكاً بأهل بيته وأعوانه، بكلّ قريب وبعيد، حاسباً الجميع متآمراً عليه. ولم يكن خوفه من دون مبرّر ولو بلغ لديه مبلغ الوسواس. فقد حسبه اليهود مغتصباً لأنه آدومي من غير جنسهم، رغم أن الآدوميين كانوا قد اقتبلوا اليهودية عنوةً كمذهب منذ بعض الوقت (في حدود السنة125ق.م) ولما كان هيرودوس قد ‏تزوّج عشر نساء فقد أنجبن له ذكوراً كثراً كلهم اشتهى الخلافة حتى بات القصر مسرحاً لعشرات المؤامرات والفتن ويذكر التاريخ أنّه قتل الكثير من أبنائه وبالنهاية مات هو والدود يأكله في هذا الجو الموبوء، المشحون، الحافل بالمؤامرات والمكائد، لجأ هيرودوس إلى التصفية الجسدية، ففتك بأبرز ‏أعضاء مشيخته وبزوجته مريمني وأمِّها الكسندرا وابنيها وورثته وخيرة أصدقائه. وكان مستعداً للتخلّص من أي كان إذا ظنّ أنه طامع بملكه لهذا السبب كان لخبر المجوس عليه وقع الصاعقة، فاستدعى، للحال، رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم أين يولد المسيح، ودينونة رؤساء اليهود أن كتبهم النبوية تخبرعن ولادة الصبي وحالتهم لحب السلطة لا تختلف عن حالة هيرودس كان الجو عابقاً بالحديث عن المسيح الآتي. ولم يكن هيرودوس غريباً عن أحاديث الناس، لاسيما وقد ‏ارتبطت صورة المسيح في الأذهان باسترداد المُلك المغتصب وعودة اليهود إلى الواجهة لهذا كان هيرودوس معنياً بالأمر بصورةٍ مباشرة. وإذ فهم أن بيت لحم اليهودية هي المكان اصطنع حيلة للقضاء على الصبي، فاستدعى المجوس، سرّاً، واستعلم منهم منذ كم من الوقت ظهر لهم النجم. هذا كان من المفترض أن يعطيه فكرة عن عمر الصبي. وإذ تظاهر بأنّه مهتم بالسجود لمن يرومون هم السجود له، أطلقهم إلى بيت لحم ليبحثوا عن الصبي، ومتى وجدوه أن يرجعوا إليه ويخبروه وبعد أن هداهم ملاك الرّب بهيئة نجم إلى موضع الصبي، سجدوا وقدّموا له الهدايا لبانًا ومرًّا وذهبًا. وإذ همّوا بالعودة إلى بلادهم عن طريق أورشليم، أُوحي إليهم في حلمٍ فانصرفوا في طريق أخرى. أمّا الصبي وأمه فأخذهما يوسف، بأمر الملاك، وانحدر بهما إلى مصر. انتظر هيرودوس بفارغ الصبر عودة المجوس فلم يعودوا ولا أرسلوا له خبراً بشأن الصبي. ولما طال انتظاره، على غير طائل، تيقّن أنهم سخروا به وخدعوه، فاستبدّ به غضب شديد وقام فأرسل إلى بيت لحم والتخوم وقتل جميع الصبيان فيها من عمر سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس. هؤلاء هم الشهداء الأوائل الذين سقطوا باسم الرّب يسوع بعد ولادته بالجسد. الليتورجية تقول عنهم إنّهم “مقدِّمة للحمل الجديد الذي سيتألم ويُذبح لأجل خلاصنا” (صلاة السحر قطعة الأبوستيخن الثالثة)، وقد حصلوا ذبيحة أولى لميلاد المسيح الإله الطاهر، وقُدِّموا له كعناقيد، وصار لهم أن يتهلّلوا ” لأنّهم ذُبحوا من أجل المسيح” (صلاة الغروب ذكصا الأيوستيخن). ‏متى الإنجيلي الذي أورد خبر أطفال بيت لحم ربطه بإرميا النبي القائل: “صوتُ سُمع في الرامة، نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزّى لأنّهم ليسوا بموجودين” (15:31‏). إرميا كان يتحدّث عن القبائل المنتمية إلى راحيل، كأفرام ومنسّى، وهي في طريق السبي إلى آشور وربما بابل. نذكِّر بأن قبر راحيل كان قريباً من بيت لحم وان إرميا بعدما أشار إلى بكاء راحيل أردف قائلاً: “هكذا قال الرّب. امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدّموع لأنّه يوجد جزاء لعملك يقول الرّب… ويوجد رجاء لآخرتك…” (إرميا31‏:16-17‏). ثم أضاف، في الإصحاح عينه: “ها أيام تأتي يقول الرّب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً… أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً… سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم لأني أصفح عن إثمهم…” (إرميا31:31-34) من هنا يبدو مقتل أطفال بيت لحم رسماً لمعاناة شعب الله للمؤمن به ‏في كلّ تاريخه وإيذاناً بتمام وعود الله بأنبيائه في تجسّده. بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس
المزيد
04 يناير 2020

دوام بتولية العذراء ج4

أخوتـــه النقطة الأخيرة لهلفيديوس كانت هذه: أن أخوة الرب قد ذكروا في الاناجيل مثال ذلك “هوذا أمك وأخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك” (مت 12)، وفي مكان آخر “وبعد هذا انحدر إلى كفرناحوم هو وأمه وأخوته” (يو 2)، ومرقس أيضاً ومتى يقولان “ولما جاء إلى وطنه كان يعلمهم في مجامعهم حتى بهتوا وقالوا: من أين لهذا هذه الحكمة والقوات؟ أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم؟ وأخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟ أو أليست أخواته جميعهن عندنا” (مت 13، مر 6). ولوقا أيضاً يخبر في أعمال الرسل “هؤلاء كلهم كانوا بنفس واحدة يواظبون على الصلاة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته” (أع 1)، وبولس أيضاً يقول بنفس الرأي “ولم أرَ أحداً آخر من الرسل إلا بطرس ويعقوب أخا الرب” (غل 1). ويقول متى “ونسوة كثيرات كن هناك ينظرن من بعيد، وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي وأم ابن زبدي” (مت 27)، ومرقس أيضاً “وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهم مريم المجديلة ومريم أم يعقوب الصغير وسالومي” (مر 15). إن غرضي من تكرار نفس الشيء مرة واخرى هو أن أمنعه من أن يحتج باطلاً ويصرخ بأني قد احتجزت مثل هذه الفقرات كما لو كانت نافعة له. أنه يقول: “لاحظوا: يعقوب ويوسي .. هم ابناء مريم، ونفس الاشخاص دعوا من اليهود أخوة للرب. مريم هي أم يعقوب الصغير ويوسي. ويعقوب قد دعي الصغير لتمييزه عن يعقوب الكبير الذي كان ابناً لزبدي. كما يقول مرقس في موضع آخر: “مريم المجدلية ومريم أم يوسي نظرتا أين وضع. وبعدما مضى السبت احضرتا حنوطاً واتيتا لتدهناه” (مر 15). ومثلما كان متوقعاً، قال هلفيديوس: “ما أبأس وأشَّر الفكرة التي نأخذها عن مريم ان رأينا أن النسوة الأخريات كن مشغولات بدفن يسوع، بينما وهي أمه كانت غائبة، أو كنا نخترع نوعاً من مريم ثانية. وخصوصاً أن إنجيل يوحنا يشهد أنها كانت حاضرة هناك عندما عهد بها الرب وهو على الصليب كأم له وأرمله إلى عناية يوحنا، أم هل ينبغي أن نفترض أن الإنجيليين كانوا مخطئين ومضلين لنا في أن يسموا مريم أم أولئك الذين كانوا معروفين لليهود كأخوة ليسوع؟!” أية ظلمة وأي جنون هائج مندفع نحو هلاك نفسه. أنك تقول أن مريم أم الرب كانت حاضرة عند الصليب، وتقول أنه قد عهد بها إلى تلميذه يوحنا بالنسبة إلى أرمليتها وحالتها المنفردة، كأنما هي في طريقة عرضك للأمر ليس لها أربعة أبناء وعدد وفير من البنات يعزين وحدتها !! كذلك أنت تفرض عليها لقب أرملة الذي ليس هو موجوداً في الكتاب. وعلى الرغم من أنك تقتبس كل الأمثلة الواردة في الأناجيل، فإن كلمات يوحنا فقط لا تعجبك. أنك تقول قبلاً أنها كانت حاضرة عند الصليب، إلا انك لم تذكر كلمة عن النسوة اللائي كن معها. كان يمكنني أن اسامحك لو كنت جاهلاً، ولكني أرى أن هناك سبباً لصمتك. دعني إذن أظهر ماذا يقول يوحنا: “وكانت واقفات عند صليب يسوع: أمه، وأخت أمه مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية” (يو 19). ليس أحد يشك في أنه كان هناك رسولان يدعيان باسم يعقوب: يعقوب بن زبدي ويعقوب بن حلفى. فهل تعني بالمقارنة أن يعقوب الصغير غير المعروف الذي يدعى في الكتاب ابن مريم – ليس مريم أم الرب – هو رسول أم لا؟ فإن كان رسولاً فلابد أنه ابن حلفى ومؤمن بيسوع .. وإن لم يكن رسولاً وإنما يعقوب ثالث – وهو ما لا أستطيع أن أخبر من يكون – فكيف أعتبر أخاً للرب … لاحظ أن أخا الرب هو رسول كما يقول بولس الرسول (غل 1)، وكما يقول أيضاً “يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة” (غل 2)، ولكيما لا تفترض أن يعقوب هذا هو ابن زبدي، ليس عليك إلا أن تقرأ أعمال الرسل، وستجد أن هذا الأخير كان قد قتل قبلاً بواسطة هيرودس (أع 12). والخلاصة من هذا هي أن مريم التي توصف بانها أم يعقوب الصغير كانت زوجة حلفى، وأخت مريم أم الرب، وهي التي تدعى بواسطة يوحنا الإنجيلي “مريم زوجة كلوبا”. ولكن إن كنت تظن انهما اثنتين لأننا في مكان آخر نقرأ “مريم أم يعقوب الصغير” وهنا “مريم زوجة كلوبا”، فاعلم أنه من عادة الكتاب أن يحمل الشخص الواحد أسماء مختلفة. فراعوئيل حمو موسى يدعى أيضاً يثرون، وجدعون يربعل، وبطرس أيضاً دعي سمعان وصفا، ويهوذا الغيور يدعى في إنجيل آخر تداوس، وتوجد أمثلة أخرى عديدة يمكن للقارئ أن يجمعها لنفسه من كل جزء من الكتاب من الواضح إذن أن مريم أم يعقوب ويوسي لم تكن نفس شخصية أم الرب. يقول هلفيديوس: كيف إذن دعو أخوة الرب هؤلاء الذين ليسوا هم أخوته؟ سأريك كيف يكون هذا؟ يوجد في الكتاب المقدس أربعة أنواع من الأخوة: بالطبيعة، وبالجنس، وبالقرابة، وبالحب. من أمثلة الأخوة بالطبيعة عيسو ويعقوب، والبطاركة الاثنا عشر، وأندراوس وبطرس، ويعقوب ويوحنا. أما عن الجنس فكل اليهود دعوا أخوة لبعضهم البعض كما في سفر التثنية “إذ بيع لك أخوك العبراني أو أختك العبرانية، وخدمك ست سنوات، ففي السنة السابعة تطلقه حراً من عندك (تث 15). وفي نفس السفر “فانك تجعل عليك ملكاً، الذي يختاره الرب، واحداً من بين أخوتك تجعله عليك ملكاً. لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبياً ليس هو أخاك” (تث 17). وبولس الرسول يقول “كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل أخوتي انسبائي حسب الجسد الذين هم اسرائيليون” (رو 9). كذلك يدعون أخوة بالقرابة الذين هم من أسرة واحدة. نقرأ في سفر التكوين “فقال ابرام للوط: لا تكن هناك مخاصمة بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك لأننا نحن أخوان” (تك 3). بالتأكيد لم يكن لوط أخاً لابراهيم ولكن أبناً لآرام أخي ابراهيم. لأن “تارح ولد ابراهيم وناحور وآرام وآرام ولد لوطاً” (تك 11). وأيضاً نقرأ “وكان ابرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران، وأخذ ابارم ساراي زوجته ولوطاً ابن أخيه” (تك 12). وإن كنت ما تزال تشك في ان ابن الأخ يدعى أخاً دعني أقدم لك مثالاً “ولما سمع ابرام أن أخاه قد سبي، جر رجاله المدربين المولودين في بيته ثلاثمائة وثمانية عشر” (تك 14)، وبعد وصف ليلة الهجوم والغزو يستطرد “واسترجع كل الاملاك واسترجع لوطاً أخاه أيضاً”. فليكفِ هذا للبرهنة على ما أريد اثباته. ولكن خوفاً من أنك تراوغ محتجاً، أو تتلوى في ضيقتك كالأفعى، فلابد لي أن أربطك جيداً برباطات البراهين لأوقف دمدمتك وشكواك …إن يعقوب ابن اسحق ورفقة “عندما كان خائفاً من غدر أخيه. ذهب إلى فدان آرام وتقدم ودحرج الحجر عن فم البئر وسقى غنم خاله لابان” (تك 29)، وقبل يعقوب راحيل ورفع صوته وبكى ، وأخبر يعقوب أنه أخو ابيها وأنه ابن رفقة”. هوذا مثال عن القاعدة التي أشرنا إليها التي بها يُدعى ابن الأخ أو ابن الأخت أخاً. وأيضاً “فقال لابان ليعقوب: ألا أنك أخي تخدمني مجاناً، أخبرني ما هو أجرتك” (تك 29). وهكذا عندما رجع إلى وطنه في نهاية عشرين سنة، بدون علم حميه مصطحباً مع زوجاته وأولاده، فإذا ادركه لابان عند جبل جلعاد وفشل في العثور على الأصنام التي خبأتها راحيل في الأمتعة، أجاب يعقوب وقال للابان ” ما هو جرمي وما هي خطيئتي حتى أنك في حرارة تتبعني؟ فمع أنك حسست جميع متاعبي. ما ذا وجدت من كل أمتعة بيتك؟ ضعه ههنا أمام إخوتي وإخوتك حتى يحكموا بيننا نحن الاثنين” (تك 31). فاخبرني من كان أخوة يعقوب وأخوة لابان الحاضرون هناك؟ عيسو أخو يعقوب بالتأكيد لم يكن هناك. ولابان بن يتوئيل لم بكن له أخوة بل كانت له أخت هي رفقة (تك 24). يوجد في الاسفار المقدسة ما لا يُحصى من هذه الأمثلة. وللإختصار سأرجع إلى النوع الأخير من أربعة أنواع الأخوة. واعني به أخوة المحبة. وهؤلاء أيضاً ينقسمون إلى قسمين: نوع خاص بالعلاقات الروحية، وآخر خاص بالعلاقات العامة. وآخر خاص بالعلاقات العامة. أقول الروحية لأننا كلنا نحن المسيحيين ندعى أخوة كما في الآية: “هوذا ما أحسن وما أحلى أن يجتمع الأخوة معاً” (مز 133)، وفي مزمور آخر يقول المخلص “أخبر باسمك أخوتي” (مز 22)ن وفي موضع آخر “اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم” (يو 20). أما النوع العام فلأننا كلنا ابناء أب واحد، لذلك توجد بالمثل رابطة أخوة بيننا جميعاً. إن الرسول يكتب إلى الكورنثيين فيقول “إن كان أحد مدعوا أخاً زانياً أو طماعاً أو عابد وثن أو شتاماً أو سكيراً أو خاطفاً أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا” (1 كو 5). وأنا أسأل الآن: لأي نوع من هؤلاء ينبغي أن يُنسب أخوة الرب في اعتبارك؟ أتقول أنهم أخوة بالطبيعة؟ ولكن الكتاب لا يقول هذا. انه لا يدعوهم أبناء لمريم ولا ليوسف، فهل تقول إنهم أخوة بالجنس. ولكن من غير المعقول أن نفترض أن نفراً قليلاً من اليهود دعوا أخوته في حين أن كل اليهود في نفس الزمن كانوا على هذا المبدأ يحملون نفس اللقب ! فهل كانوا أخوة من جهة قرب الصلة ووحدة القلب والعقل؟ إن كان الأمر كذلك فمن كان أخوته على الحقيقة أكثر من الرسل الذين كانوا يتقبلون تعليمه الخاص ولاذين دعاهم أخوته وأيضاً إن كان كل الناس بالمثل أخوته، فمن الحمق الآن تقديم رسالة خاصة “هوذا أخوتك يطلبونك”، لأن كل الناس بالمثل يلقبون هكذا !! الحل الوحيد إذن هو اعتناق التفسير السابق بفهم: أنهم دعوا أخوة بدافع من رابطة القرابة، كما دعي لوط أخاً لابراهيم، ويعقوب أخاً للابان. الواضح أن أخوة الرب حملوا الاسم بنفس الطريقة التي دُعي بها يوسف أباً له “أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين” (لو 2). إنها أمه التي قالت هذا وليس اليهود، وتوجد عبارات مشابهة فد اقتبسنا منها قبلاً، وفيها يُدعى يوسف ومرسم والديه وفي إنجيل يوحنا قد كُـتب بوضوح: “فيلبس وجد نثنائيل وقال له قد وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع بن يوسف” (يو 1) والآن أخبرني: كيف أن يسوع أباه هو ابن يوسف بينما واضح انه ولد من الروح القدس !! هل كان يوسف أباه الحقيقي؟ مهما بلغت بك الحماقة فلن تجرؤ أن تقول هذا. هل كان أباه بحسب الصيت والشهرة؟ إن كان كذلك، فلتتبع مع الذين دعوا أخوته نفس القاعدة التي اتبعت مع يوسف عندما دعي أباه إنه إذ شعر بأنه قد ألقى الكلام على عواهنه، فإنه يقدم ترتليان كشاهد، ويقتبس كلمات فكتورينوس اسقف بتافيا. من جهة ترتليان، فلست أقول أكثر من أنه لم يكن ينتمي إلى الكنيسة، وأما من جهة فكتورينوس فإني أؤكد ما سبق اثباته أنه تكلم عن أخوة الرب ليس كأبناء لمريم، وإنما أخوة بالمعنى الذي شرحته، أعني أخوة من جهة القرابة وليس بالطبيعة.وعلى أية الحالات، نحن نضيع وقتنا في التوافه تاركين ينبوع الحق وتابعين بركاً ضحلة الرأي. فهل أصف ضدك أغناطيوس وبليكاربوس وإيريناوس ويوستين الشهيد وكثيرين غيرهم من الرجال الرسوليين الفصحاء الذين كتبوا مجلدات مليئة بالحكمة، تحوي نفس الآراء، ضد إبيون وثيئودوتس البيزنطي وفالنتينوس. فلو كنت قد قرأت ما كتبوه، لصرت أكثر حكمة … القديس جيروم أسقف أثينا
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل