المقالات

11 أبريل 2020

بين الفصح اليهودي والفصح المسيحي

لا ندهش إن ساد جوٌ من التعزيات الفائقة في فترة أسبوع البصخة المقدسة، فإن آلام السيد المسيح تحمل إلينا عذوبة الحب الإلهي، وتدخل بنا إلى التعرُّف على أسرار إلهية يصعب التعبير عنها كثير من اليهود الأرثوذكس يحلمون بعودة الاحتفال بعيد الفصح اليهودي كما كان قبل مجيء السيد المسيح. كان يحتفل بالعيد حوالي 2 مليون شخص في أورشليم، يقدِّمون مئات الألوف من الحملان، ببهجة يشترك فيه حتى الأطفال الصغار بفرحٍ وتهليل ذبح هذه الآلاف من الحملان الذي يعود بذاكرتهم إلى تحرير آبائهم من عبودية فرعون ورجاله وانطلاقهم إلى البرية تحت قيادة موسى النبي، مع حدوث عجائب ومعجزات تُبهج نفوسهم بمعاملات الله مع آبائهم هذا بالنسبة للرمز الذي لا قيمة له سوى الدخول إلى الفصح الحقيقي بتقديم حمل الله الوحيد نفسه ذبيحة، يُقدِّمها كرئيس الكهنة السماوي، لينطلق بهم إلى التمتُّع بعربون أورشليم العليا، وتذوُّق خيرات كنعان الأبدية ونحن بعد في الجسد في هذا العالم يشعر المؤمن في احتفاله بالفصح المسيحي في كل عام، كأنه لأول مرة يحتفل به، إذ يجده جديدًا ومُفرِحًا للغاية، يتعرَّف على حمل اله مُرنِّمًا مع إرمياء النبي"مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح نصيبي هو الرب قالت نفسي." (مرا 3: 22-24) أشترك معك يا عزيزي في الإحساس، إنه في كل عام أشعر كأني أغوص في محيط حب الله الفائق تتهلل نفسي في الأعماق، وأشعر بأن كلماتي وأحاديثي وقلمي هذه كلها تخونني في التعبير عما أنعم به، وأنا سائر مع حمل الله كما إلى الجلجثة ثم إلى البستان بل وتنطلق نفسي معه لتشبع من رؤية رجال ونساء وأطفال العهد القديم وهم يتهللون، إذ يحملهم ويدخل بهم إلى فردوسه! لقاء مع لعازر! تصر الكنيسة أن تحتفل بإقامة لعازر في السبت السابق لدخول حمل الله أورشليم كملك مُنتصِر! أيا كان يوم إقامته! حقًا لقد تمتع بالإقامة من الموت قبل ذلك بأيام، لكن الكنيسة ترى في إقامته ارتباط قوي بالبصخة المقدسة من أجل الصليب تجسد حكمة الله وتأنس كحَمَل الله الذي يبذل نفسه عن العالم ويحمل المؤمنين به إلى حضن الآب لكن في وسط آلامه يشتهي أن يجد قلبًا ليسند رأسه فيه ويبيت لا يحتاج حمل الله إلى مكان أو قلب يستريح فيه أو ينام فيه أو يسند رأسه فيه، لكنه إذ يسند رأسه، إنما يسند رؤوسنا فيه ونستريح به أبديًا إنه يستريح في النفوس القائمة من الأموات، أو المتمتعة بالقيامة الأولى يُحدِّثنا سفر الرؤيا عن القيامة الأولى والقيامة الثانية (رؤ 20) القيامة الأولى نتمتع بها هنا، فنقول مع الرسول بولس "أقامنا معه، وأجلسنا في السماويات" (أف 2: 6) تقوم نفوسنا بالميلاد الجديد حيث نُدفَن مع المسيح في مياه المعمودية ونقوم في جدة الحياة (رو 6: 4) حقًا في جهادنا في هذا العالم نئن من محاربات شهوات الجسد، فنصرخ مع مرثا "قد أنتَن!"، فنعيش أيام غربتنا تحت قيادة روح الله القدوس لنختبر بالتوبة كل يوم بالقيامة الأولى فمع ضعفاتنا وصرخاتنا يشتهي حَمَل الله أن يبيت في قلوبنا القائمة به ومعه!لن يتمتع مؤمنٌ ما ببهجة أسبوع البصخة المقدسة، وينعم باللقاء مع حَمَل الله في أعماقه، ما لم يصر لعازر الجديدمع كل أسبوع بصخة، بل مع كل صباح تشتهي نفسي أن تسمع الصوت الإلهي "لعازر هلم خارجًا! يبدأ أسبوع البصخة بالاحتفال بإقامة لعازر كتهيئة له كدعوة عملية أن يختبر القيامة الأولى، ويُختَم بقيامة السيد المسيح، حيث قام بكر الراقدين فننعم بالقيامة الثانية في يوم مجيئه الثاني، فيشترك الجسد مع النفس في الأمجاد السماوية. إلهي، مع بداية آلامك تصرخ نفسي قائلة "متى نرى العالم كله لعازر الجديد، فيستريح الكل بحلولك في قلوبهم وتمتُّعهم بحضرتك الإلهية!" القمص تادرس يعقوب ملطى
المزيد
02 مايو 2021

الرسالة الأولى عید القیامة في ١١ برمودة سنة ٤٥ ش 6 أبریل سنة ٣٢٩ م.

هذا هو الیوم الذي صنعه الرب هیا بنا یا أحبائي، فالوقت یدعونا إلى حفظ العید. وشمس البرّ (مل ٢:٤ ) إذ یشرق بأشعته الإلهیة علینا یعلن عن موعد العید. لذا یجب الاحتفال به مطیعین إیاه، لئلا إذ فاتنا الوقت قد یفوتنا السرور أیضًا.من أهم واجباتنا هو تمییز الأزمنة والأوقات، حتى نتمكن من ممارسة الفضیلة. كان الطوباوي بولس یعلم تلمیذه أن یلاحظ الوقت، قائلا : "أعكف على ذلك في وقت مناسب وغیر مناسب ( ٢ تي ٢:٤ )، حتى إذا ماعرف الوقتین – المناسب وغیر المناسب – یستطیع أن یصنع الأمور التي تناسب مع الوقت ویتحاشى ما هوغیر مناسب.وهكذا فإن إله الكل نفسه یعطي كل شيء في وقته كقول سلیمان الحكیم (جا ٧:٣ )، مریدًا بذلك أن یعم خلاص البشر في كل مكان في الوقت المناسب.وهكذا "حكمة الله" ( ١ كو ٢٤:١ )، ربنا ومخلصنا یسوع المسیح، أوجد في الأوقات المناسبة، من النفوس المقدسة أنبیاء وأحباء الله (حك ٢٧:٧ ). وبالرغم من أن كثیرین قد قدموا صلوات لأجله (لكي یأتي مسرعًا لیقدم الخلاص) قائلین: "لیأ ت من صهیون خلاص الله" (مز ١٤:٧ )، أو كما جاء في سفر نشید الأناشید على لسان العروس قائلة "لیتك كأخ لي ال ا رضع ثدي أمي" (نش ١:٨ )، أي لیتك كنت كبني البشر تحمل آلام البشریة من أجلنا. بال رغم من كل هذه الصلوات فإن إله الكل، خالق الأزمنة والأوقات، الذي یعرف ما هو لصالحنا أكثر منا، فإنه في الوقت المناسب، في ملء الزمان، ولیس في أي وقت ما اعتباطًا، أعلن كطبیب ماهر طریق شفائنا، إذ أرسل ابنه لكي نطیعه قائلا : "في وقت القبول وفي یوم الخلاص أعنتك". (إش ٨:٤٩) هتاف أبواق العهد القدیم قدیمًا دعي الرب بواسطة موسى… إلى حفظ أعیاد اللاویین في المواسم المقررة قائلا : "ثلاث مرات تعید لي في السنة" (خر ١٤:٢٣) . الثلاثة أعیاد هي: عید الفصح أو الفطیر، عید الخمسین أو الأسابیع أو الحصاد،عید المظال أو الجمع. وكانت أبواق الكهنة تهتف حاثة على حفظ العید كأمر المرنم الطوباوي القائل: "انفخوا في أ رس الشهر بالبوق عند الهلال لیوم عیدنا" (مز ٣:٨١)وكما كتب، كانت الأبواق تدعوهم أحیانًا إلى الأعیاد، وتارة إلى الصوم، وثالثة إلى الحرب، ولم یكن ذلك من قبیل المصادفة أو جزافًا، إنما كان الهتاف یتم لكي یتسنى لكل واحدٍ أن یحضر إلى الأمر المعلن عنه.هذه الأمور التي أتحدث عنها لیست من عندیاتي بل جاءت في الكتب المقدسة الإلهیة، إذ كما جاء في سفر العدد، عندما ظهر الله لموسى كلمه قائلاً "اصنع لك بوقین من فضة، مسحولین تعملهما، فیكونان لك لمناداة الجماعة" (عد 1:10-2) وهذا یطابق دعوة الرب الآن للذین یحبونه ههنا أنهم لم یكونوا یهتفون بالأبواق في وقت الحروب فحسب (عد ٩:١٠ )، لكنها كانت هناك أبواق للأعیاد أیضًا كما جاء في الناموس… إذ یقول: "في یوم فرحكم وفي أعیادكم ورؤوس شهوركم تضربون بالأبواق" (عد ١٠:١٠)ومتى سمع أحدكم الناموس یوصي باحت ا رم الأبواق، لا یظن أن هذا أم اً ر تافهًا أو قلیل الأهمیة، إنما هو أمر عجیب ومخیف! فالأبواق تبعث في الإنسان الیقظة والرهبة أكثر من أي صوت آخر أو آلة أخرى. وكانت هذه الطریقة مستخدمة لتعلیمهم إذ كانوا لا زالوا أطفالا …ولئلا تؤخذ هذه الإعلانات على أنها مجرد إعلانات بشریة، فقد كانت أصواتها تشبه تلك التي حدثت على الجبل (خر ١٦:١٩ ) حینما ارتعدوا هناك ومن ثم أعطیت لهم الشریعة لیحفظوها. من الرموز إلى الحقائق و الآن فلنترك الرموز والظلال لننتقل إلى معانیها.هیا بنا إلى الحقائق، لنتطلع إلى الأبواق الكهنوتیة التي لمخلصنا، التي تهتف داعیة إیانا تارة إلى الحرب كقول الطوباوي بولس "فأن مصارعتنا لیست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطین مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحیة في السماویات" وتارة تدعونا إلى العفة وإنكار الذات والوفاق بین الأزواج فنحدث العذارى عن الأمور الخاصة بالعفة، والذین أحبوا حیاة البتولیة عن حیاة الزهد، والمتزوجین عن الأمور الخاصة بالزواج المكرم وهكذا تظهر لكل واحدالفضائل الخاصة به وج ا زءه المكرم.وتارة تدعونا للصوم، وأخرى للعید. وهنا نجد الرسول یهتف بالبوق مرة أخرى لیعلن قائلاً "إن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا. إذًا لنعید لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث" وإن أردت أن تنصت إلى هتاف بوق… فأنصت إلى قول مخلصنا " وفي الیوم الأخیر العظیم من العید وقف یسوع ونادى قائلاً إن عطش أحد فلیقبل إليّ ویشرب" لأن المخلص لا یدعونا إلى مجرد عید بل إلى "العیدالعظیم" ذلك إن كنا مستعدین للاستماع إلى ما یعلنه لنا، والطاعة لندائه. قدسوا صومًا وإذ توجد نداءات مختلفة –كما سبق أن قلت- أنصتوا إلى النبي الذي یهتف في البوق معلنًا الحق قائلاً "اضربوابالبوق في صهیون قدسوا صومًا"هذا بوق منذر یوصینا باهتمام عظیم. فنحن حینما نصوم یلزمنا أن نقدس الصوم.لیس كل من یدعو الله یقدس الله، لأنه یوجد من یدنس الله، وهؤلاء لا یدنسون الله ذاته، فحاشا لله أن یتدنس، إنما تدنست أفكارهم من جهة الله. لأن الله القدوس، ومسرته في القدیسین. ولهذا نجد الطوباوي بولس یتهم الذین یهینون الله بأنهم "بتعدي الناموس یهینون الله" ولكي یفرزنا الله عن الذین یدنسون الصوم یقول "قدسوا صومًا"، إذ كثیرین ممن یتسابقون في الصوم یدنسون أنفسهم بأفكار قلوبهم، وذلك أحیانًا بصنعهم الشرور ضد اخوتهم، وأحیانًا أخرى باستخدامهم الغدر والغش…وحسبي أن أذكر أن كثیرین یفتخرون على الغیر بالصوم وهم بهذا یسببون أضرا راً خطیرة. فمع أن الفریسي كان یصوم یومین في الأسبوع إلا أنه لم یستفد شیئًا لأنه افتخر بذلك على العشار. وكأن الكلمة یوبخ شعب بني إسرائیل (الشریر) لصومه هكذا، واعظًا إیاهم بإشعیاء النبي "أمثل هذا یكون صوم أختاره: یومًا یذلل الإنسان فیه نفسه، یحني كالأسلة رأسه ویفرش تحته مسحًا ورمادًا؟! هل تُسمي هذا صومًا ویومًا مقبولاً للرب؟!"ولكي أظهر كیف نصوم، وماذا یكون علیه صومنا، یلزمنا أن ننصت إلى الله وهو یوصي موسى في سفر اللاویین "وكلم الرب موسى قائلاً. أما العاشر في هذا الشهر السابع فهو یوم الكفارة. محفلاً مقدسًا یكون لكم تذللون نفوسكم وتقربون وقودًا للرب"ولكي تظهر الشریعة ماذا تقصد من هذا یكمل "أن كل نفس لا تتذلل في هذا الیوم عینه تقطع من شعبها" كیف نصوم؟ أننا مطالبون أن نصوم، لا بالجسد فقط بل بالروح أیضًا. والروح یتضع حینما لا یتبع الأفكار الردیئة بل یغتذي بالشوق. فالفضائل والشرور كلاهما غذاء للروح. فالإنسان له أن یغتذي بأي الغذائین، له أن یمیل إلى أي منهما حسب إ رادته الخاصة.فإن مال الإنسان نحو الفضیلة. أغتذى بالفضیلة، والصلاح، وضبط النفس، والإتضاع، والإحتمال، وذلك كقول الرسول بولس "متربیًا (مغتذیًا) بكلام الإیمان"( ٤) وكما كان الحال مع مخلصنا الذي قال: "طعامي أن أعمل مشیئة أبي الذي في السماوات" فإذا كان حال الروح غیر هذا، بل كان الإنسان یمیل إلى أسفل، فإنه لا یتغذى إلا بالخطیة، وهكذا یصف الروح القدس الخطاة ویتكلم عن غذائهم، وذلك حینما یشیر إلى الشیطان قائلاً عنه "جعلته طعامًا لأهل…" (مز4:74 ) فالشیطان هو طعام الخطاة! وإذ ربنا ومخلصنا هو الخبز السماوي، لهذا فهو غذاء القدیسین، لهذا قال "إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي…." (یو ٥٣:٦) بینما الشیطان هو غذاء الدنسین، الذین لا یصنعون أعمال النور بل أعمال الظلمة. ولكي یجذبهم الله ویردهم عن شرورهم، یوصیهم أن یقتاتوا بالفضیلة وخاصة تواضع العقل، المسكنة، و احتمال الإهانات، والشكر لله.إن صومًا كهذا متى حفظ مقدسًا هكذا، فأنه لا یؤدي إلى التوبة فحسب، بل ویهيء القدیسین ویسمو بهم عن الأرضیات. نماذج من صوم الأنبیاء بالتأكید ما سأقوله الآن عجیب جدًا، غیر أنه لیس ببعید عن الحق، إذ أنه من تلك الأمور المعجزیة، كما تعلمون كذلك من الكتب المقدسة.فحینما كان ذلك الرجل العظیم موسى صائمًا، تكلم مع الله واستلم الشریعة.وعندما كان العظیم القدیس إیلیا صائمًا، استحق أن یعاین رؤى إلهیة. وفي النهایة رفع على مثال ذاك (السید المسیح) الذي صعد إلى السماء.ودانیال عندما كان صائمًا، أؤتمن على الشر، رغم كونه شابًا، وكان هو الوحید الذي یفهم أسرار الملك، واستحق أن یعاین رؤى إلهیة.وقد یساور البعض الشك بسبب طول مدة صوم هؤلاء الرجال، التي تبدو كأمر عجیب. لكن لیؤمن هؤلاء ولیعرفواأن التأمل في الله وكلمة الله كافیًا لتغذیة هؤلاء الصائمین فالملائكة لا یسندهم سوى معاینتهم وجه الله على الدوام.وطالما كان موسى یكلم الله لذلك كان یلزمه أن یصوم جسدیًا، لكنه كان یغتذي بالكلام الإلهي. وغذ نزل إلى الناس شعر بألم الجوع مثل سائر البشر. لأنه لم یذكر عنه أنه صام أكثر من الأربعین یومًا التي كان یحادث فیها الله، وعلى هذا النحو استحق كل أحد من القدیسین لطعام یفوق العقل. لهذا إن اغتذت نفوسنا یا أحبائي بالطعام الإلهي، من الله الكلمة، وسلكنا حسب مشیئته، وصامت أجسادنا عن الأمور الخارجیة، بهذا نحفظ ذلك العید العظیم المخلص. إبطال الفصح الیهودي بتقدمة الحمل الحقیقي حتى الیهود الجهلاء، تناولوا من الطعام الإلهي حینما أكلوا الخروف في الفصح كرمز، لكن عدم فهمهم للرمز لا زالوا حتى یومنا هذا مخطئین، لأنهم یأكلون الفصح بعیدًا عن المدینة "أورشلیم" مبتعدین عن الحق… إذ لا یسمح لهم بإقامة تلك الطقوس في أي مدینة أخرى، وحیث أن أورشلیم قد خربت لهذا كان یلزم أن تنتهي تلك الرموز أیضًا.لاحظوا أنه بمجيء مخلصنا قد انتهت هذه المدینة وخربت كل أرض الیهود. ومن شهادة هذه الأمور وما تؤكده لنا عیوننا عن هذه الحقائق لا تحتاج إلى دلیل آخر، لهذا یلزم بالضرورة أن ینتهي الرمز.ولیس كلامي فقط هو الذي یوضح هذه الأمور، بل قد سبق النبي فأنبأ بذلك صارخًا: "هوذا على الجبال قدما مبشر منادِ بالسلام" (نا ١٥:١ ). وما هي رسالته التي بشر بها إلا التي أخذ یعلنها لهم، قائلا : "عیدي یا یهوذا أعیادك، أوفي للرب نذورك. فإنهم لا یعودوا إلى ما هو قدیم. قد انتهى؛ لقد انقرض كله. لقد ارتفع ذاك الذي نفخ على الوجه وخلصك من الغم" ( نا15:1, 2:1 LXX) والآن: من هو هذا الذي ارتفع؟ إن أردتم معرفة الحقیقة والتخلص من ادعاءات الیهود، تطلعوا إلى مخلصنا الذي ارتفع ونفخ في وجه تلامیذه قائلا : "اقبلوا الروح القدس" (یو ٢٢:٢٠ ). فبمجرد أن كمل هذا (الصلب) انتهت الأمور العتیقة، فانشق حجاب الهیكل (مت ٥١:٢٧) وتحطم المذبح (الیهودي)، ومع أن المدینة لم تكن بعد قد خربت، إلا أن رجسة الخراب (مت ١٥:٢٤ ) كانت تستعد للجلوس في وسط الهیكل، فتتلقى أورشلیم وكل تلك الفرائض العتیقة نهایتها. حمل الله: منذ ذلك الحین تركنا وراءنا عصر الرموز، فلم نعد نمارس تلك الطقوس في ظلها، بل قد حولناها كلها إلى الرب."وأما الرب فهو الروح. وحیث روح الرب هناك حریة" فأننا متى سمعنا هتاف البوق المقدس، لا نعود نذبح خروفًا عادیًا، بل ذلك الحمل الحقیقي الذي ذبح عنا – ربنا یسوع المسیح- الذي سیق "كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازیها" فقد تطهرنا بدمه الكریم "الذي یتكلم أفضل من هابیل"، واحتذت أرجلنا باستعداد الإنجیل، حاملین في أیدینا سلاح الله الكامل الذي كان موضوع تعزیة الطوباوي الذي قال "عصاك وعكازك هما یعزیانني". وبالإجمال نكون مستعدین في كل شيء، وغیر مهتمین بشيء لأن الرب قریب، وذلك كقول الطوباوي بولس. وكذلك یقول مخلصنا "في ساعة لا تظنون یأتي إبن الإنسان" كیف نعبد؟ "إذا لنعید لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث بل بفطیر الإخلاص والحق" ( ١ كو ٨:٥) ، وإذ نخلع الإنسان العتیق وأعماله، نلبس الإنسان الجدید المخلوق بحسب الله (أف ٢٢:٤ , 24)، ونلهج في ناموس الله نهاراً ولیلا ، بعقل متواضع وضمیر نقي.لنطرح عنا كل ریاء وغش، مبتعدین عن كل ریاء ومكر.لیتنا نتعهد بحب الله ومحبة القریب، لنصبح خلیقة جدیدة، متناولین خم اً ر جدیدًا... إذًا لنحفظ العید كما ینبغي. موعد العبد: إننا نبدأ الصوم المقدس في الیوم الخامس من برمودة ( ٣١ مارس) وبإضافة تلك الستة أیام المقدسة وبإضافة تلك الستة أیام المقدسة العظیمة التي ترمز إلى أیام خلقة العالم – ینتهي الصیام ونستریح في السبت المقدس للأسبوع في العاشر من برمودة ( ٥ أبریل). وحینما یشرق علینا الیوم الأول من الأسبوع المقدس (الأحد) یكون العید وهو الحادي عشر من نفس الشهر( 6أبریل). ثم نحسب ابتداء منه الأسابیع السبعة( ٥) أسبوعًا أسبوعًا فنعید عید البندیكستي المجید الذي كان یقابل "عید الأسابیع"وقد كان یوم خلاص، فیمنحون فیه الصفح والإبراء من الدیون. بركات العید لنحفظ العید في الیوم الأول من الأسبوع العظیم كرمز للحیاة الأخرى، التي نأخذ عنها هنا وعدًا بأنه ستكون لنا حیاة أبدیة بعد الموت.من ثم سنحفظ عیدًا نقیًا مع المسیح، هاتفین قائلین مع القدیسین "لأني سأجوز إلى بیت الله بصوت الإبتهاج والحمد وهتاف المعیدین"حیث هرب الحزن والكآبة والتنهد. وستكلل رؤوسنا البهجة والفرح.لیتنا نستأهل لنوال هذه البركات.فلنتذكر الفقیر، ولا ننس عمل الله للغریب. وفوق الكل فلنحب الله من كل نفوسنا، ومن كل قدرتنا، ومن كل قوتنا، ونحب قریبنا كنفسنا. حتى نحصل على ما لم تره عین وما لم تسمع به أذن وما لم یخطر على قلب بشر، ما أعده الله للذین یحبونه. بنعمة ابنه الوحید ربنا ومخلصنا یسوع المسیح الذي له مع الآب والروح القدس المجد والسلطان إلى أبد الآبدین. آمین. سلموا على بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة. یسلم علیكم جمیع الإخوة الذین معي. الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
29 مايو 2021

الرسالة الخامسة عید القیامة في ٢٠ برمودة ٤٩ ش 15أبریل ٣٣٣ م

لتستنیر أذهانكم بنور الرب أخوتي…. إننا ننتقل هكذا من أعیاد إلى أعیاد، ونسیر من صلوات إلى صلوات، ونتقدم من أصوام إلى أصوام، ونربط أیامًا مقدسة بأیام مقدسة.لقد جاء مرة أخرى الوقت الذي یجلبنا إلى بدایة جدیدة، تعلن عن الفصح المبارك الذي فیه قدم الرب ذبیحة.إننا نأكله بكونه طعام الحیاة، ونتعطش إلیه مبتهجة نفوسنا به كل الأزمان، كأنه یفیض بدمه الثمین. إننا نشتاق إلیه على الدوام شوقًا عظیمًا، وقد نطق مخلصنا بهذه الكلمات في حنو محبته موجهًا حدیثه إلى العطشى، إذ یرید أن یروي كل عطشان إلیه، قائلاً "إن عطش أحد فلیأت إلي لیشرب" ولا یقف الأمر عند هذا الحد إذا جاءه أحد یروي عطشه فحسب، بل عندما یطلب إنسان یعطیه المخلص بفیض زائد مجانًا. لأن نعمة الولیمة لا یحدها زمن معین ولا ینقص عظمة بهائها، بل هي دائمًا قریبة تضيء أذهان المشتاقین إلیها برغبة صادقة. لأن في هذه الولیمة فضیلة دائمة یتمتع بها ذوي العقول المستنیرة المتأملین في الكتاب المقدس نهاراً ولیلاً، وذلك مثل الرجل الذي وهب نعمة كما جاء في المزامیر "طوبى للرجل الذي لم یسلك في مشورة المنافقین وفي طریق الخطاة لم یقف وفي مجلس المستهزئین لم یجلس. لكن في ناموس الرب یلهج نهاراً ولیلاً"( ٢) لأن مثل هذا لا تضيء له الشمس أو القمر أو مجموعة الكواكب الأخرى، بل یتلألأ ببهاء الله الذي هو فوق الكل. بركات العید أعزائي… إن الرب هو الذي سبق فأعد لنا أولا هذا العید، وهو الذي یتعطف بنا ویتحنن علینا بأن نعید به عامًا بعد عام فقد أرسل ابنه للصلیب من أجلنا، ووهبنا بهذا السبب العید المقدس الذي یحمل في طیاته كل عام شهادة بذلك، إذ یتم العید كل عام في نفس الوقت (بنفس المناسبة). وهذا أیضًا ینقلنا من الصلیب الذي قدم للعالم إلى ذاك الذي هو موضوع أمامنا، إذ منه ینشئ لنا الله فرحًا بالخلاص المجید، ویحضرنا إلى نفس الاجتماع، ویوحدنا في كل مكان بالروح،راسمًا لنا صلوات عامة،ونعمة عامة تحل علینا من العید.فإن هذا هو عجب محبته المترفقة، أنه یجمع في نفس المكان من هم على بعد، ویقرب أولئك الذین هم بعیدین بالجسد لیكونوا بروح واحد. لنذكر بركات الله لنا لهذا ألا نعرف یا أحبائي النعمة التي تنبع من قدوم العید!؟ أما نرد شیئًا لذاك الذي هو محسن علینا؟! حقًا إنه یستحیل أن نرد لله حسناته علینا، لكنه أمر شریر أن نأخذ الهبات ولا نعرفها.والطبیعة نفسها تشهد بعجزنا، لكن إرادتنا توبخ جحودنا. لهذا فأن بولس الطوباوي عندما كان یتعجب من عظم بركات الله قال "من هو كفء لهذه الأمور" لأنه قد تحرر العالم بدم المخلص، وبالموت داس الموت، ممهدًا طریق الأمجاد السماویة بغیر عقبات أو حواجز لهؤلاء الذین ینمون.لهذا عندما أدرك أحد القدیسین النعمة مع عجزه عن أن یرد لله مقابلها قال "ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته لي"لأنه عوض الموت تقبل حیاة، وبدل العبودیة نال حریة وبدل القبر وهب له ملكوت السموات.لأنه منذ وقت قدیم "تسلط الموت من آدم إلى موسى"، أما الآن فأن الصوت الإلهي قال "الیوم تكون معي في الفردوس". وإذ یشعر الإنسان القدیس بهذه النعمة یقول "لولا أن الرب كان معي، لهلكت نفسي في الهاویة"علاوة على هذا، یشعر الإنسان بعجزه عن أن یرد للرب عن إحساناته، لكنه یعرف عطایا الله كاتبًا في النهایة "كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو… عزیز في عیني الرب موت أتقیائه" أما عن الكأس، فقد قال الرب "أتستطیعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟!". ولما قبل التلمیذان هذا، قال لهما "أما كأسي فتشربانها… وأما الجلوس عن یمیني وعن یساري فلیس لي أن أعطیه إلا للذین أعد لهم من أبي"لهذا یلزمنا أیها الأحباء أن تكون لنا حساسیة من جهة العطیة، حتى وإن وجدنا عاجزین عن رد إحسانات الرب،إنما یلزمنا أن ننتهز الفرصة. فأن كنا بالطبیعة عاجزین عن أن نرد "للكلمة" أمور تلیق به، عن تلك البركات التي أغدق بها علینا فلنشكره إذ نحن محفوظون في التقوى. وكیف یمكننا أن نربط بالتقوى إلا بتعرفنا على الله الذي من أجل حبه للبشر قدم كل هذه البركات؟! (فأننا بهذا نحفظ الشریعة في طاعة لها، سالكین في الوصایا، لأنه بكوننا غیر جاحدین بل شاكرین إیاه لا نكون مخالفین للناموس ولا مرتكبین لأمور مكروهة، لأنه الله یحب الشاكرین).وأیضًا عندما نقدم أنفسنا للرب مثل القدیسین، عندما نصف أنفسنا بأننا لا نحیا لنفوسنا بل للرب الذي مات من أجلنا، كما فعل بولس الطوباوي عندما قال "مع المسیح صلبت فأحیا لا أنا بل المسیح یحیا في" لنقدم له من الذي له فینا والآن أیها الأخوة تكمن حیاتنا حقیقة في نبذنا الأمور الجسدیة وتمسكنا بثبات في الأمور الخاصة بمخلصنا وحدها. فالموسم الحالي لا یتطلب منا مثل هذا الكلام فحسب بل والإقتداء بأعمال القدیسین.لنقتد بهم، ذلك إن عرفنا ذاك الذي مات (عنا) فلا نعود بعد نحیا لأنفسنا بل للمسیح الساكن فینا.وإذ نرد إلى ربنا قدر طاقتنا، إنما نرد إلیه لا من عندیاتنا بل بتلك الأشیاء التي أخذناها منه، التي هي نعمته،فهو یسألنا عطایاه التي وهبنا إیاها. وقد حمل شهادة بذلك بقوله أن الذي تعطوني إیاه إنما هو عطایاي. لأن ما تعطوني كأنه منكم إنما قد نلتموه مني إذ هو عطیة من قبل الله. لنقدم لله كل فضیلة وقداسة صحیحة هي فیه، ولنحفظ العید الذي له في تقوى بهذه الأمور التي قدسها لأجلنا.لنعمل في الأعیاد المقدسة…. مستخدمین نفس الوسائل التي تقودنا إلى طریق نحو الله.ولكن لیتنا لا نكون مثل الوثنیین أو الیهود الجهلاء أو الهراطقة أو المنشقین…فالوثنیین یظنون أن العید یظهر بكثرة الأكل.والیهود إذ یعیشون في الحرف والظلال یحسبون هكذا.والمنشقون یعیدون في أماكن متفرقة بتصورات باطلة.أما نحن یا إخوتي، فلنسمو على الوثنیین حافظین العید بإخلاص روحي وطهارة جسدیة. ولنسمو على الیهود فلا نعید خلال حرف وظلال، بل بكوننا قد تلألأنا مستنیرین بنور الحق، ناظرین إلى شمس البر (مل ٢:٤ ). ولنسموعلى المنشقین فلا نمزق ثوب المسیح بل لنأكل في بیت واحد هو الكنیسة الجامعة فصح الرب الذي بحسب وصایاه المقدسة یقودنا إلى الفضیلة موصیًا بنقاوة هذا العید. لأن الفصح حقًا خالٍ من الشر، للتدرب على الفضیلة والانتقال من الموت إلى الحیاة.هذا ما یعلم به الرمز الذي جاء في العهد القدیم. لأنهم تعبوا كثیراً للعبور من مصر إلى أورشلیم، أما الآن فنحن نخرج من الموت إلى الحیاة.هم عبروا من فرعون إلى موسى، أما نحن فإننا نقوم من الشیطان لنكون مع المخلص.وكما أنه في مثل ذلك الوقت یحملون شهادة سنویة عن رمز الخلاص هكذا فأننا نحن نصنع ذكر خلاصنا.نحن نصوم متأملین في الموت، لكي نكون قادرین على الحیاة.ونحن نسهر لیس كحزانى، بل منتظرین الرب، متى جاء من العرس حتى نعیش مع بعضنا البعض في نصرة،مسرعین في إعلان النصرة على الموت. كیف نعید؟ لیتنا یا أحبائي، نحكم أنفسنا –كما تتطلب الكلمة- في كل الأوقات ونحكم أنفسنا حكمًا تامًا، وهكذا نعیش دون أن ننسى قط أعمال الله العظیمة، ولا ننفصل قط عن ممارسة الفضیلة!وكما ینذرنا الصوت الرسولي قائلاً "أذكر یسوع المسیح المقام من الأموات"، دون أن یشار إلى زمن محدود بل أن یكون ذلك في فكرنا في كل الأوقات.ولكن لأجل كسل الكثیرین نحن نؤجل من یوم إلى یوم، فلنبدأ إذًا من هذه الأیام! لقد سمح بوقت التذكر (بقیامة المسیح) لأجل هذا الهدف حتى یظهر للقدیسین جزاء دعوتهم، وینذر المهملین موبخًا إیاهم. لهذا فإنه لیتنا في كل الأیام الباقیة نكون محفوظین في سلوك صالح، ویكون عملنا التوبة عن كل ما نهمل فیه، لأنه لا یوجد إنسان قط معصوم من الخطأ، ولو كانت حیاته یومًا واحدًا على الأرض، كما یشهد بذلك أیوب الرجل البار. وإذ نمتد إلى ما هو قدام لیتنا نصلي ألا نتناول الفصح بغیر استحقاق حتى لا نكون في خطر.لأن الذین یحفظون العید في نقاوة یكون الفصح طعامهم السماوي، أما الذین ینتهكون العید بالدنس والاستهتار،فأنه بالنسبة لهم یكون موبخًا وخطیراً. فأنه مكتوب بأن من یأكله أو یشربه بدون استحقاق یكون مجرمًا في جسد (موت) الرب لذلك لیتنا لا نقف عند مجرد تنفیذ الطقوس الخاصة بالعید، بل نستعد للاقتراب للحمل الإلهي ونلمس الطعام السماوي.لننقي أیدینا ونطهر الجسد.لنحفظ فكرنا كله من الدنس، فلا نسلم أنفسنا للكبریاء والشهوات، بل ننشغل دومًا بربنا وبالتعالیم الإلهیة، حتى نكون بالكلیة طاهرین نستطیع أن نكون شركاء مع الكلمة الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
05 يونيو 2021

الرسالة السادسة عید القیامة

مفهوم العید أحبائي... لقد جاء بنا الله مرة أخرى إلى موسم العید، وخلال محبته المترفقة جمعنا معًا للتعیید. لأن الله الذي أخرج إسرائیل( ١) من مصر لا يزال حتى الآن یدعونا إلى العید، قائلاً على لسان موسى: احفظ شهر الثمارالجدیدة "واعمل فصحًا للرب إلهك" (تث ١٠:١٦ )، وعلى لسان النبي "عیدي یا یهوذا أعیادك أوفي نذورك"(نا ١٥:١).فإن كان الله نفسه یحب العید ویدعونا إلیه، فلیس محقًا یا إخوتي أن نؤجله أو نستهین به، إنما یلزمنا أن نأتي إلیه بغیرة وسرورٍ ، حتى إذ نبدأ هنا بالفرح تشتاق نفوسنا إلى العید السماوي.إن عیدنا هنا بنشاط، فإننا بلا شك نتقبل الفرح الكامل الذي في السماء، وكما یقول الرب: "شهوة اشتهیت أن، آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى یكمل في ملكوت الله (لو ١٥:٢٢-16).فنحن نأكل منه الآن أن كان یفهمنا سبب العید وبمعرفتنا للمخلص، نسلك حسب نعمته كقول بولس "إذًا لنعید لیس بخمیرة عتیقة، ولا بخمیرة الشر والخبث، بل بفطیر الإخلاص والحق ( ١كو ٧:٥ ). لأنه في هذه الأیام مات الرب، كي لا نعود نشتاق إلى أعمال الموت! لقد بذل حیاته، حتى نحفظ حیاتنا من شباك الشیطان! فمن لا یستعد هكذا، یفسد الأیام ولا یكون قد حفظ العید، بل یكون إنسانًا جاحدًا یلوم النعمة… ولا یتضرع إلى الرب الذي خلصه في مثل هذه الأیام.لیسمع مثل هذا الذي یتوهم أنه قد حفظ العید، الصوت الرسولي یوبخه قائلاً "أتحفظون أیامًا وشهوراً وأوقاتًا وسنین. أخاف علیكم أن أكون قد تعبت فیكم عبثًا" الله یرفض أعیاد الیهود الأشرار فالعید لیس من أجل الأیام بل من أجل الرب. فنحن نعید له لأنه تألم من أجلنا، إذ "فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا" وقد علم موسى الیهود ألا یكون العید لأجل الأیام بل من أجل الرب قائلاً "هو فصح الرب". لكن إذ فكر الیه ود أن یحفظوا العید بطل فصحهم بسبب اضطهادهم للرب، ولم یعد فصحهم بعد منسوبًا للرب، إنما صار منسوبًاإلیهم، لأنهم قد أنكروا یا أخوتي رب الفصح.لأجل هذا حول الرب وجهه عن تعالیمهم قائلاً "رؤوس شهوركم وأعیادكم بغضتها نفسي" اشكروا المخلص ومجدوه لهذا من یحفظ الفصح على منوالهم یوبخه الرب، وذلك كما فعل مع أولئك البرص الذین طهرهم. فقد أحب ذاك الذي قدم له الشكر، وغضب من الآخرین ناكري المعروف، لأنهم لم یعرفوا المخلص، بل انشغلوا بتطهرهم من البرص أكثر من ذاك الذي طهرهم.لكن "واحد منهم لما رأى أنه شفي رجع یمجد الله بصوت عظیم. وخر على وجهه عند رجلیه شاكراً له. وكان سامریًا. فأجاب یسوع وقال ألیس العشرة قد طهروا. فأین التسعة. ألم یوجد من یرجع لیعطي مجدًا لله غیر هذا الغریب الجنس؟! لذلك وهبه شیئًا أعظم مما نال الآخرون، فأنه إذ تطهر من برصه سمع الرب یقول له "قم وامض إیمانك خلصك"فمن یقدم الشكر والتمجید له مشاعر رقیقة، لهذا فأنه یبارك "معینه" (الرب) من أجل ما وهبه من بركات.ویلفت الرسول أنظار كل البشر إلى هذا الأمر قائلاً "مجدوا لله في أجسادكم ویأمر النبي قائلاً: أعط مجدًا لله. بالصلیب تمجد ابن الله وبالرغم من تلك الشهادة التي حملها رئیس الكهنة ضد مخلصنا، واحتقار الیهود له، وإدانة بیلاطس له في تلك الأیام لكن صوت الآب الذي جاءه كان مجیدًا وعظیمًا جدًا إذ یقول "مجدت وسأمجد أیضًا"لأن تلك الآلام التي احتملها لأجلنا قد عبرت، لكن ما یخصه كمخلص یبقى إلى الأبد.لننتفع بالذبیحة لكي لا ندان وإذ نحن نذكر هذه الأیام، لیتنا لا ننشغل باللحوم بل بتمجید الله.لیتنا نكون كأغبیاء من أجل ذاك الذي مات من أجلنا. وذلك كقول الرسول "لأننا إن صرنا مختلین فلله أو كناعاقلین فلكم… إذ نحن نحسب هذا أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجمیع فالجمیع إذا ماتوا. وهو مات لأجل الجمیع كي یعیش الأحیاء فیما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام"یلزمنا ألا نعیش بعد لأنفسنا بل نعیش كعبید للرب.ولیس باطلاً تقبل النعمة، لأن الوقت مقبول ویوم الخلاص قد تبلج بموت مخلصنا. فمن أجلنا نزل الكلمة، وإذ هو خالد، حمل جسدًا الموت، وذلك من أجل خلاصنا لقد ذبح ربنا حتى یبطل الموت بدمه! وفي موضع معین، وبخ الرب بحق أولئك الذین اشتركوا في سفك دمه بغیر سبب دون أن یستنیروا "بالكلمة"…قائلاً (على فم النبي) "ما الفائدة من دمي إذا نزلت (الحفرة)؟!". هذا لا یعني أن نزول الرب إلى الجحیم كان بلا نفع، إذ انتفع منه العالم كله. لكن تعني أنه بعد ما تحمل الرب هذا كله، لا زال بعض الأشرار یرفضون الانتفاع من نزوله إلى الجحیم فیخسرون (ویدانون).فهو ینظر إلى خلاصنا كاستنارة وربح عظیم، ویتطلع بالعكس إلى هلاكنا كخسارة.لنتاجر في الوزنات، ولا نسكن كالیهود الأشراركذلك في الإنجیل، مدح الرب أولئك الذین ضاعفوا الوزنات، سواء ذلك الذي صارت وزناته عشرة عوض الخمسة أو أربع وزنات عوض الوزنتین… إذ ربحوا وجاءوا بالحساب حسنًا.أما ذاك الذي ألقى بالوزنة كأنها لیست بذي قیمة، فقال "أیها العبد الشریر!… كان ینبغي أن تضع فضتي عند الصیارفة فعند مجیئي كنت آخذ الذي لي مع ربا. فخذوا منه الوزنة أعطوا للذي له العشر وزنات. لأن كل من له یعطى فیزداد ومن لیس له فالذي عنده یؤخذ منه. والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجیة هناك یكون البكاء وصریر الأسنان" لأنها هذه لیست إرادته أن تصیر النعمة التي یهبنا إیاها غیر نافعة، بل یطلب منا أن نتحمل آلامًا لكي نأتي بالثمار التي هي له، كقول الطوباوي بولس "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، وإذ له هذا الشرح الصحیح للموقف أنه لا یملك شیئًا من عندیاته، بل كل ما لدى الإنسان هو عطیة من قبل الله، لهذا كان بولس یعلم بمبدأ صحیح، مشابه للسابق، بقوله "أعطوا الجمیع حقوقهم". وفي هذا كان بولس یشبه أولئك الذین أرسلهم رب البیت لیأتوا بثمار كرمه، معلمًا البشر جمیعهم أن یردوا ما نالوه.أما إسرائیل فقد أحتقر (المرسلین) ولم یرد أن یرد (حق الله)، إذ كانت إرادتهم شریرة، بل وأكثر من هذا قتلواالمرسلین، ولم یخجلوا حتى من رب الكرم بل قتلوه هو أیضًا. حقًا عندما جاء ولم یجد فیهم ثماراً لعنهم في شجرة التین قائلاً "لا یكن منك ثمر بعد إلى الأبد" فیبست ولم تعد مثمرة حتى تعجب التلامیذ من ذلك. تحقق النبوات عن خراب إسرائیل عندئذ تحقق ما نطق به الأنبیاء "وأبید منهم صوت الطرب وصوت الفرح، صوت العریس وصوت العروس،صوت الأرحیة ونور السراج وتصیر كل هذه الأرض خرابًا"، إذ بطل عنهم كل خدمة الناموس، وهكذا سیبقون إلى الأبد بغیر عید. وهم لا یحفظون بعد الفصح، لأنهم كیف یستطیعون أن یحفظوه؟! إنه لم یعد لهم بعد موطن إنما قد صاروا مشتتین في كل مكان إنهم (لا) یأكلون الفطیر… حیث أنهم عاجزون عن تقدیم ذبیحة الخروف، إذ أمروا أن یصنعوا هذا عندما یأكلون الفطیر.أنهم یعصون الناموس في كل شيء، وبحسب أحكام الله یحفظون أیامًا للحزن لا للسعادة.هكذا أیضًا یكون حال الهراطقة الأشرار وأصحاب الإنشقاقات الأغبیاء، أحدهما یذبح الرب والآخر یمزق ثوبه.هؤلاء أیضًا محرومون من العید، لأنهم یعیشون بغیر تقوى ولا معرفة، ویتنافسون بنفس التصرف الذي حدث في أمر بارباس اللص حیث فضله الیهود عن المخلص، لهذا لعنهم الرب في شجرة التین.غیر أنه في محبته المترفقة ترك جذر (الشجرة) ولم یهلكه إذ لم یلعنه، إنما قال بأنه لا یجني منها أحد ثمرة قط. وبصنعه هذا أبطل الظل… وترك الجذر لكي نتطعم نحن فیه (أما هم ففي عصیانهم یبسوا). "وهم إن لم یثبتوا في عدم الإیمان (أن صاروا مسیحیین ورفضوا تشامخهم وخضعوا للرب) سیطعمون. لأن الله قادر أن یطعمهم أیضًا"إن كان الله قد لعنهم من أجل إهمالهم… فقد نزع عنهم الحمل الحقیقي. لنفرح بالعید أما بالنسبة لنا، فقد جاءنا العید. لقد جاء الیوم المقدس الذي یلزمنا فیه أن نبوق داعین إلى العید. ونفصل أنفسنا للرب بالشكر، ناظرین إلى أن هذا العید هو عیدنا نحن. لأننا قد صار علینا أن نقدسه، لا لأنفسنا بل للرب، وأن نفرح فیه لا في أنفسنا بل في الرب، الذي حمل أحزاننا قائلاً "نفسي حزینة جدًا حتى الموت" فالوثنیین وكل الغرباء عن الإیمان یحفظون الأعیاد لإرادتهم الذاتیة، هؤلاء لیس لهم سلام إذ یرتكبون الشر في حق الله.أما القدیسون فإذ یعیشون للرب یحفظون العید، فیقول كل منهم "مبتهجًا بخلاصك"، "أما نفسي فتفرح بالرب" فالوصیة عامة بأن یفرح الأبرار بالرب، حتى إذ یجتمعون معًا یترنمون بذلك المزمور الخاص بالعید وهو عام للجمیع، قائلین "هلم نرنم للرب"ولیس لأنفسنا. بین ذبح اسحق وذبح المسیح هكذا فرح إبراهیم إذ رأى یوم الرب، لا یوم نفسه. تطلع إلى قدام فرأى یوم الرب ففرح وعندما جرب، قدم بالإیمان اسحق جاعلاً من ابنه الوحید الذي نال فیه المواعید ذبیحة. ولما منع من ذبحه تطلع فرأى المسیا في "الخروف"الذي ذبح لله عوضًا عن ابنه.لقد جرب الأب في ابنه، ولم یكن الذبح أمر بغیر معنى، إنما كان فیه إشارة إلى الرب كما في إشعیاء إذ یقول"كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازیها فلم یفتح فاه"، إنما قد حمل خطایا العالم.على هذا الأساس منع إبراهیم من أن یمد یده على الصبي، حتى لا یستغلها الیهود كفرصة لیزدروا بالصوت النبوي الذي ینطق بخصوص مخلصنا ناسبین إیاه إلى ذبح اسحق، حاسبین أن كل هذا یشیر إلى ابن إبراهیم. ذبیحة اسحق مجرد رمز لم تكن الذبیحة (من أجل اسحق)، بل من أجل الذي قدم الذبیحة، إذ بهذا قد جرب. لقد قبل الله إرادة مقدم الذبیجة، لكنه منع تقدیم الذبیحة. لأن موت اسحق لا یؤدي إلى تحریر العالم، إنما موت مخلصنا وحده الذي بجراحاته شفینا. فقد أقام الساقطین، وشفى المرض، وأشبع الجیاع، وسد أعواز المحتاجین، وما هو أعجب أنه أقامنا نحن الأموات، مبطلاً الموت، محظراً إیانا من الحزن والتنهد إلى الراحة والسعادة كالتي لهذا العید، إلى الفرح الذي هو في السموات. ولسنا نحن وحدنا الذین نتأثر بهذا، بل والسماء أیضًا تفرح معنا مع كل كنیسة الأبكار المكتوبة في السموات الكل یفرح معًا كما یعلن النبي قائلاً "ترنمي أیتها السموات لأن الرب قد فعل رحمة.. اهتفي یا أسافل الأرض.أشیدي أیتها الجبال ترنمًا، الوعر وكل شجرة فیه لأن الرب قد فدى یعقوب…"ومرة أخرى یقول "ترنمي أیتها السموات وابتهجي أیتها الأرض. لنشید الجبال بالترنم لأن الرب قد عزى شعبه وعلى یائسیه یترحم" فرح في السماء وعلى الأرض إذًا الخلیقة كلها تحفظ عیدًا یا أخوتي، وكل نسمة تسبح الرب كقول المرتل، وذلك بسبب هلاك الأعداء (الشیاطین) وخلاصنا.بالحق أن كان في توبة الخاطئ یكون فرح في السماء، فكیف لا یكون فرح بسبب إبطال الخطیة وٕ اقامةالأموات؟! آه. یا له من عید وفرح في السماء!! حقًا. كیف تفرح كل الطغمات السمائیة وتبتهج، إذ یفرحوا ویسهروا في اجتماعاتنا ویأتون إلینا فیكونون معنا دائمًا، خاصة في أیام عید القیامة؟! أنهم یتطلعون إلى الخطاة وهم یتوبون.وإلى الذین یحولون وجوههم (عن الخطیة) ویتغیرون، وإلى الذین كانوا غرقى في الشهوات والترف والآن هم منسحقون بالأصوام والعفة.وأخیراً یتطلعون إلى العدو (الشیطان) وهو مطروح ضعیفًا بلا حیاة، مربوط الأیدي والأقدام، فنسخر منه قائلین:"أین شوكتك یا موت. أین غلبتك یا هاویة" ( ١ كو ٥٥:١٥).فلنترنم الآن للرب بأغنیة النصرة. من هم الذین یعبدون؟ من هو هذا الذي إذ یأتي مشتاقًا إلى عید سماوي ویوم ملائكي، یقول مثل النبي "فآتي إلى مذبح الله، إلى الله،بهجة فرحي، وأحمدك بالعود یا الله إلهي" والقدیسون یشجعوننا أیضًا للسلوك بهذا المسلك قائلین "هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بیت إله یعقوب" لكن هذا العید لیس لأجل الدنسین، ولا یصعد إلیه الأشرار، بل الصالحین والمجاهدین والذین یسلكون بنفس الهدف الذي هو للقدیسین، لأنه "من یصعد إلى جبل الرب ومن یقوم في موضع قدسه؟! الطاهر الیدین والنقي القلب الذي یحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذبًا". لأنه كما یكمل المزمور قائلاً "یحمل بركة من عند الرب (وبراً من إله خلاصه)".هذا واضح أنه یشیر إلى ما یهبه الرب للذین عن یمینه قائلاً "تعال وإلى یا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسیس العالم"أما الإنسان المخادع، وغیر نقي القلب، والذي لیس فیه شیئًا طاهراً… فهذا بالتأكید غریب عن القدیسین ویحسب غیر مستحقًا لیأكل الفصح، لأن "كل ابن غریب لا یأكل منه"لهذا عندما ظن یهوذا أنه قد حفظ الفصح، بینما كان قد دبر خداعًا ضد المخلص، أصبح غریبًا عن المدینة التي هي من فوق وبعیدًا عن الصحبة الرسولیة، لأن الشریعة أمرت أن یؤكل الفصح بحرص لائق، أما هو بینما كان یأكل نفبه الشیطان ودخل إلى نفسه. كیف نعبد؟ لیتنا لا نعید العید بطریقة أرضیة، بل كمن یحفظ عیدًا في السماء مع الملائكة! لنمجد الله بحیاة العفة والبر والفضائل الأخرى! لتفرح لا في أنفسنا بل في الرب، فنكون مع القدیسین! لنسهر مع داود الذي قام سبع مرات، وفي نصف اللیل كان یقدم الشكر من أجل أحكام الله العادلة! لنبكر كقول المرتل "یا رب بالغداة تسمع صوتي، بالغداة أقف أمامك وتراني"! لنصم مثل دانیال! لنصلي بلا انقطاع كأمر بولس. فكلنا یعرف موعد الصلاة خاصة المتزوجین زواجًا مكرمًا! فإذ نحمل شهادة بهذه الأمور، حافظین العید بهذه الكیفیة نستطیع أن ندخل إلى فرح المسیح في ملكوت السموات.وكما أن إسرائیل (في القدیم) عندما صعد إلى أورشلیم تنقى في البریة، متدربًا على نسیان العادات (الوثنیة) المصریة، هكذا فأن الكلمة وضع لنا هذا الصوم المقدس الذي للأربعین یومًا، فنتنقى ونتحرر من الدنس، حتى عندما نرحل من هنا یمكننا بكوننا قد حرصنا على الصوم (هكذا) أن نصعد إلى جمال الرب العالي، ونتعشى منه، ونكون شركاء في الفرح السماوي.فأنه لا یمكنك أن تصعد إلى أورشلیم وتأكل الفصح دون أن تحفظ صوم الأربعین. الرسائل الفصحیة للقدیس أثناسیوس الكبیر ترجمة وإعداد القمص تادرس یعقوب ملطي
المزيد
22 مايو 2021

الرسالة الرابعة عید القیامة في ٧ برمودة ٤٨ 2 أبریل ٣٣٢ م.

أرسلت هذه الرسالة من البلاط الإمبراطوري بواسطة أحد الجنود أرسل إلیكم یا أحبائي رسالتي متأخراً ولیس كما اعتدت؛ واثقًا أنكم ستسامحونني على تأخیري وذلك لطول رحلتي وبسبب مرضي. فقد أعاقاني هذان السببان عن الإرسال، هذا مع حدوث عواصف شدیدة على غیر العادة فأرجأت الكتابة إلیكم.وبالرغم من طول مدة السفر مع مرضي الشدید، لكنني لا أنسى أن أقدم لكم تعالیم العید، إذ من واجبي أن أخبركم عن العید.ومع أن هذه الرسالة قد جاءت متأخرة عما اعتدت علیه، لكنني أظن أنه لا زال الوقت مناسبًا، خاصة وأن أعداءنا قد صاروا في عار، ووبختهم الكنیسة لأنهم اضطهدونا بلا سبب فلنرنم الآن بترنیمة العید ناطقین بتسبحة النصرة ضد فرعون قائلین "أرنم للرب فأنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر" انتعشوا بالغذاء الروحي یوم العید حسنًا یا أحبائي أن نخرج من عید إلى عید، فأن احتفالات العید والأسهار المقدسة التي ترتفع في عقولنا، تدعونا إلى حفظ السهر على التأمل في الأمور الصالحة. لیتنا لا نترك هذه الأیام تمر علینا مثل تلك التي حزنا فیها، إنما إذ نتمتع بالغذاء الروحي تخمد شهواتنا الجسدیة.بهذه الوسیلة نقدر أن نغلب أعداءنا الشیاطین والشهوات كما صنعت یهودیت المباركة، إذ تدربت أولاً على الأصوام والصلوات، وبهذا غلبت الأعداء وقتلت ألیفاناذ.وعندما كان الخراب سیحیق بكل جنس استیر… لم تفسد ثورة الطاغیة إلا بالصوم والصلاة إلى الله،وهكذا حولت هلاك شعبها إلى حفظهم في سلام وإذ كانت الأیام التي فیها یقتل العدو أو تباد مؤامراته، تعتبر بالنسبة لهم أعیادًا… لذلك أمر موسى المبارك أن یعید بعید الفصح العظیم، لأن فرعون قد قتل والشعب خلص وتحرر من العبودیة… الیوم قد قتل الشیطان عدونا والآن یا أحبائي.. قد ذبح الشیطان، ذلك الطاغیة الذي هو ضد العالم كله، فنحن لا نقترب من عید زمني بل عید دائم سمائي. معلنین إیاه لا خلال ظلال (وحرف) بل في الحق لأن أولئك بعد ما شبعوا من جسدالخروف الأبكم تمموا العید، وإذ مسحوا قوائم بیوتهم بالدم نجوا من المهلك. أما الآن فإذ نأكل "كلمة" الآب وتمسح قلوبنا بدم العهد الجدید نعرف النعمة التي یهبنا إیاها المخلص الذي قال "ها أنا أعطیكم سلطانًا لتدوسوا الحیات والعقارب وكل قوة العدو" (لو ١٩:١٠ ) لأنه لا یعود یملك الموت، بل تتسلط الحیاة عوض الموت، إذ یقول الرب "أنا هو الحیاة" (یو ٦:١٤ )، حتى أن كل شيء امتلأ بالفرح والسعادة، كما هو مكتوب "الرب قد ملك، فلتفرح الأرض". ، لأنه عندما ملك الموت "على أنهار بابل جلسنا فبكینا" (راجع مز ١:٩٧, ١:١٣٧ ) ونحنا، لأننا قد شعرنا بمرارة الأسر. وأما الآن إذ بطل الموت وانهدمت مملكة الشیطان، لذلك امتلأ كل شيء بالفرح والسعادة.ولم یعد الله معروفًا في الیهودیة وحدها بل في كل الأرض "في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة كلماتهم" (مز ١:٧٦ , ٤:١٩) الأمور الباقیة واضحة یا أحبائي. أنه یلزمنا أن نقترب إلى عید كهذا لا بثوب مدنس، بل أن تلتحف نفوسنا بأثواب طاهرة.یلزمنا أن نلبس ربنا یسوع حتى نستطیع أن نعید العید معه.والآن نحن نلبسه عندما نحب الفضیلة ونبغض الشر؛ عندما ندرب أنفسنا على العفة ونمیت شهواتنا،عندما نحب البر الآثم، عندما نكرم القناعة، ویكون لنا عقلاً راسخًا، عندما لا ننسى الفقیر بل نفتح أبوابنا لجمیع البشر، عندما نعین الضعفاء وننبذ الكبریاء. بین الفصح الحقیقي والفصح الرمزي لقد كان هذا لإسرائیل القدیم في رموز، محاربین لأجل النصرة، معیدین في ظلال وحرف.أما نحن أیها الأحباء فقد تحقق لنا ما كان ظلالاً، وتم ما كان حرفًا، لذلك یلزمنا ألا ننظر إلى العید كرمز، ولا نذهب إلى أورشلیم التي هي هنا أسفل (في الأرض) لكي نقدس خروف الفصح… لئلا عندما یعبر الوقت(الموسم) ینظر إلینا أننا نصنع أمراً غیر مناسب. ولكن بحسب أمر الرسل یلزمنا أن نتعدى حدود الحرف، ونترنم بأغنیة التسبیح.فبإدراكنا هذا، مجتمعین مع بعضنا البعض بالحق (المسیح) یقتربون إلینا ویقولون لمخلصنا "أین ترید أن نعد لك لتأكل الفصح؟!" فإنه لا تعود هذه الأمور تصنع في أورشلیم التي هي أسفل ولا هناك فقط بالعید بل أینما یرید الله. إنه یرید الآن أن یكون العید في كل مكان حتى أنه "في كل مكان یقرب لاسمي (لأسمه)" (مل ١١:١) فمع أنه في التاریخ لم یكن یحفظ الفصح إلا في أورشلیم لكن لما جاء ملء الزمان وعبرت الظلال وانتشرت الكرازة بالإنجیل في كل مكان، ونشر التلامیذ الأعیاد في كل الأماكن كأنهم یسألون المخلص "أین ترید أن نعده؟!" والمخلص أیضًا إذ حول الحرف إلى روح، وعدنا أنهم لا یعودون یأكلون جسد الخروف، بل یأكلون جسده هو قائلاً: خذوا كلوا واشربوا هذا هو جسدي ودمي (راجع مت ٢٦:٢٦-28) فإذ ننتعش بهذه الأمور، فأننا بالحق یا أحبائي نحفظ عید الفصح الحقیقي. الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
15 مايو 2021

الرسالة الثالثةعید القیامة في ١٦ برمودة ٤٧ ش 11 أبریل ٢٣١ م

لنعید رغم ضیقتنا( ١) ووجودي معكم أخوتي الأحباء لقد اقترب منا یوم العید مرة أخرى، الذي أن صمتنا فیه نجعله غیر مقدس، إنما یلزم أن یكون مكرسًا للصلاة أكثر من كل الأیام، وفیه نحفظ الوصایا. لأنه وإن كنا في ضیق من أولئك الذین یحزنوننا، وبسببهم سوف لا نخبركم عن هذا الموسم (إذ لا یكون بین شعبه)، لكن شكراً لله الذي یعزي الحزانى، حتى لا ننهزم بشرور أولئك الذین یتهموننا فنصمت، ففي طاعتنا لصوت الحق نصرخ معكم عالیًا في یوم العید، لأن إله الكل قال بأن یتكلما(موسى وهارون) مع الشعب لحفظ الفصح، ویعلن الروح في المزامیر قائلا "انفخوا في رأس الشهر بالبوق عید الهلال كیوم عیدنا" ویصرخ النبي قائلا : "عیدي یا یهوذا أعیادك"(نا ١٥:١) وأنا لا أرسل إلیكم الكلمة كأنكم جاهلین، بل أعلنها للذین یعرفونها، حتى یدركون بأنه وإن كان بعض البعض یفرقنا، لكن الله یجمعنا، فإننا نعید بنفس العید، ونتعبد لنفس الإله على الدوام.ونحن لسنا نعید كمتفرجین، عالمین أن الرسول یوبخ أمثال أولئك قائلا : "أتحفظون أیامًا وشهوراً وأوقاتًا وسنین"(غل ١٠:٤ )، بل بالحري نكرم هذا الیوم العظیم من أجل العید، حتى نرضي الله – نحن جمیعًا الذین نخدم الله في كل مكان - وذلك بصلواتنا الجماعیة. وقد أعلن بولس الطوباوي عن قرب سرور كهذا، وهو في هذا لم یعلن عن أیامٍ بل عن الرب الذي من أجله نحفظ العید، إذ یقول "المسیح قد ذبح لأجلنا" ( ١ كو ٧:٥ )، فإذ نتأمل أبدیة الكلمة نقترب منه لخدمته. تاجروا في الوزنات شاكرین لأنه ماذا یعني العید سوى خدمة النفس؟! وما هي هذه الخدمة إلا الصلاة الدائمة لله والشكر المستمر؟! فغیر الشاكرین، البعیدین عن هذا هم بالحق محرومون من الفرح النابع من هذا، لأن الفرح والبهجة منزوعان عن أفواههم، ولذلك فإن الكلمة (الإلهیة) لا تسمح لهم أن یكونوا في سلام، إذ لا سلام للأشرار قال الرب (إش ٢٢:٤٨ )، إنما یعملون في ألم وحزن.لهذا، حتى الذي كان مدینًا بعشرة آلاف وزنة لم ینل الصفح في نظر الرب (مت ٢٤:١٨ )، لأنه عندما صفح عنه في الكثیر، عاد فاستحق القصاص حتى عما صفح عنه بسبب نسیانه الرحمة…فإذ اختبر الرحمة، كان یلزم أن یكون هو أیضًا مترفقًا بالعبد زمیله! والذي أخذ الوزنة الواحدة، ولفها في مندیل وخبأها في الأرض طرد أیضًا لتذمره وعدم شكره، سامعًا تلك الكلمات "أیها العبد الشریر والكسلان عرفت أني أحصد حیث لم أزرع واجمع من حیث لم أبذر. فكان ینبغي أن تضع فضتي عند الصیارفة. فعند مجیئي كنت آخذ الذي لي مع ربا. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات(مت ٢٦:٢٥ ). لأنه عندما طلب منه أن یعطي سیده حساب الوزنة كان یلزمه أن یعرف شفقة سیده الذي أعطاه هذه الوزنة ویعرف قیمة هذه العطیة. فالذي أعطاه لیس برجل قاسي، لأنه لو كان كذلك لما أعطى عبیده الوزنات منذ البدایة. ولا العطیة التي قدمها هي بالأمر غیر النافع أو باطلة، إذ لیس فیها خطأ.فالذي أعطى هو صالح، والعطیة كان یمكن أن تأتي بثمار. لذلك ملعون من یخفي القمح في وقت البذار (راجع أم ٢٦:١١ )، إذ یطالبنا المثل الإلهي ألا نهمل العطیة أو نخبئها من غیر إكثارها ومضاعفاتها، وإلا بحق نطرد خارجًا كأشرار متذمرین. على هذا ألأساس مدح الرب أولئك الذین ضاعفوا وزناتهم، قائلا "نعمًا أیها العبد الصالح الأمین كنت أمینًا في القلیل فأقیمك على الكثیر أدخل إلى فرح سیدك (مت ٢٣:٢٥) أضرموا الموهبة التي فیكم هذا كان صحیحًا وبحق، إذ یعلن الكتاب المقدس أنهم ربحوا قدر ما أخذوا. والآن ینبغي علینا یا أحبائي أن نخضع إ ا ردتنا حسب لطف الله ولا نقصر عن العمل، لئلا إذا ما تركنا إ ا ردتنا عاطلة ترحل عنا النعمة التي وهبت لنا فینا. وإذ یجدنا العدو (الشیطان) هكذا فارغین وعراة یدخل فینا، فیكون حالنا كتلك الحالة التي وردت في الإنجیل، ذلك الرجل الذي خرج منه الشیطان. فإنه بعد ما خرج الشیطان منه وذهب إلى أماكن جافة، عاد ومعه سبعة أرواح أشر منه إلى المنزل فوجده فارغًا، لذلك سكن هناك، وصارت أواخر ذلك الرجل أشر من أوائله. فعدم التحلي بالفضائل یعطي للأرواح الشریرة فرصة للدخول فینا. وأكثر من هذا توجد وصیة من الرسول إلى تلمیذه یلزمه ألا تكون النعمة المعطاة لنا عاطلة بلا نفع. ویؤكد قائلاً له ألا یهمل الموهبة المعطاة له. لأن الذي یفلح أرضًا یسر بالخبز، وأما طریق الكسلان فمملوء أشواكًا. ویحذرنا الروح ألا نسقط في هذا (الكسل) قائلاً "احرثوا لأنفسكم حرثًا ولا تزرعوا في الأشواك" (إر ٣:٤ )… ویوضح النبي نهایة مثل هذا الكسل قائلا : "ملعون من یعمل عمل الرب برخاء" (إر ١٠:٤٨ ) لأنه یلزم على خادم الله أن یكون مجتهدًا حریصًا. نعم، وبالحري یكون ملتهبًا كالنار، حتى عندما یحطم الشهوات الجسدیة بروح ملتهبة یكون قادراً على الاقتراب من الله الذي یلقبه القدیسون ب "النار الآكلة". لنضرم نار الروح الذي فینا لذلك فإن إله الكل هو "الصانع ملائكته ریاحًا وخدامه ناراً ملتهبة" كذلك منع الجمهور عند رحیله عن مصر من أن یلمسوا الجبل الذي فیه یعلن الله الشریعة، لأنه لیس لهم هذه الصفة (ناراً ملتهبة). لكنه نادى موسى الطوباوي إلیه، إذ كان ملتهبًا في الروح ومملوء بالنعمة غیر المنطوق بها، قائلاً "ویقترب موسى وحده" ودخل موسى السحاب أیضًا، وعندما كان الجبل یدخن ولم یصبه أذى بل بالعكس تنقى بفاعلیة كلمات الله التي هي كفضة مختارة منقاة في الأرض لهذا عندما رغب بولس الطوباوي ألاَّ تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" ( ١ تس19:5)، حتى نبقى شركاء مع المسیح. ذلك إن تمسكنا حتى النهایة بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لا تطفئوا..." لیس من أجل أن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان أو أنه یحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غیر الشاكریرغب في إطفاء الروح علانیة، ویصیر كالأشرار الذین یضایقون الروح بأعمال غیر مقدسة..فإذ هم بلا فهم، مخادعین، ومحبین للخطیة، وما زالوا سائرین في الظلام، فإنه لیس لهم ذلك النور الذي یضيء لكل إنسان آت إلى العالم (یو 9:1) لقد أَمسكت نار كهذه بإرمیا النبي عندما كانت الكلمة فیه كنارٍ، قائلاً إنه لا یمكن أن یحتمل هذه النار ( إر 9:20) وجاء سیِّدنا یسوع المسیح المحب للإنسان لكي یلقي بهذه النار على الأرض، قائلاً: "ماذا أرید لو اضطرمت؟ (لو 49:12) لقد رغب الرب – كما شهد حزقیال (حز23:18, 32) - توبة الإنسان أكثر من موته، حتى ینتزع الشر عن الإنسان تمامًا، عندئذ یمكن للنفوس التي تنقت أن تأتي بثمر. فتثمر البذار التي بذرها (الرب) البعض بثلاثین والبعض بستین والآخر بمائة.: وكمثال، أولئك الذین مع كلیوباس (لو 32:24) مع أنهم كانوا ضعفاء في بدایة المر بسبب نقص معلوماتهم، لكنهم أصبحوا بعد ذلك ملتهبین بكلمات المخلص، واظهروا ثمار معرفته.وبولس الطوباوي أیضًا عندما أمسك بهذه النار لم ینسبها إلى دم ولحم، ولكن كمختبر للنعمة أصبح كارزاً بالكلمة (المسیح). أناس رفضوا النعمة ولكن لم یكن هكذا التسعة البرص الذین شفوا، لأنهم لم یشكروا الرب الذي طهرهم.ولا یهوذا الذي حصل على الرسولیة ودعي بتلمیذ الرب، ولكن أخیراً بینما كان یأكل مع المخلص رفع عقبه ضده، وصار خائنًا. ( لو24 ) أمثال هؤلاء ینالون جزاءهم عن غباوتهم، حیث أن رجاءهم یصیر باطلاً لعدم اعترافنا بالجمیل، فإن النار الأخیرة المعدة للشیطان وجنوده تنتظر أولئك الذین أهملوا النور الإلهي. هكذا تكون نهایة الإنسان غیر الشاكر. اشكروا الله في كل شيء. لكن خدام الله الأمناء الحقیقیین، لا یكفوا عن تمجید الله، إذ یعرفون أنه یحب الشاكرین. وهم یقدمون له الشكر في وقت الضیق كما في الفرح یقدمون التسبیح لله بشكر غیر مبالین بهذه الأمور الزمنیة، بل متعبدین لله إله كل الأزمنة.هكذا منذ القدم كان أیوب الذي وهب أكثر من كل رجال عصره یشكر الله عندما كان في نعیم. ولما حلت به الضیقة أحتملها بصبر، وإذ تألم كان یشكر الله.وأیضًا داود المتواضع في وقت الحزن یتغنى قائلاً "أبارك الرب في كل حین"وبولس الطوباوي لم یكف في كل رسائله عن أن یشكر الله ففي وقت الفرح لم یتوقف عن الشكر، وفي وقت الحزن كان یزداد تسبیحه لله عالمًا أن الضیق ینشئ صبراً، والصبر تزكیة والتزكیة رجاء، والرجاء لا یخزى إذن لنقتف آثار هؤلاء الرجال فلا یمر علینا وقت دون أن نشكر الله، خاصة الآن فإذ نحن في شدة بسبب الهراطقة الأریوسیین الذین یضادوننا، نسبح الله وننطق بكلمات القدیسین قائلین "هذا كله جاء علینا وما نسیناك" نعم فإننا حتى وإن كنا نتضایق محزونین فأننا نشكر الله، لأن الرسول الطوباوي الذي یقدم الشكر في كل وقت یحثنا أن نسلك في نفس الطریق على الدوام بقوله "في كل شيء…. مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله" وإ ذ یرغب في أن نثبت على هذ ا الموقف یقول "صلوا بلا انقطاع . اشكروا في ك ل شيء " لأنه عارف أن المؤمنین یكونون أقویاء طالما هم یشكرون، وأنهم یفرحون هادمین حصون الأعداء (الشیاطین) كأولئك القدیسین الذین قالوا "لأني بك اقتحمت جیشًا وبإلهي تسورت أسواراً" إذًا لنثبت في كل الأوقات، خاصة الآن رغم ما یحیق بنا من أحزان وما یثیره الهراطقة ضدنا.دعنا إذن أیها الأخوة الأحباء نعید بشكر ذلك العید المقدس الذي یقترب منا الآن، ممنطقین أحقاء أذهاننا،متشبهین بمخلصنا یسوع المسیح الذي كتب عنه "ویكون البر منطقة متینة والأمانة منطقة حق ویة" لیمسك كل واحد منا بالجذع الذي من یسى، ولیحتذي باستعداد الإنجیل . لنحفظ الرسول –كقول الرسول- "لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث بل بفطیر الإخلاص والمحبة" واثقین أننا قد اصطلحنا خلال المسیح، غیر منفصلین عن الإیمان به، ولا مدنسین أنفسنا مع الهراطقة والغرباء عن الحق، هؤلاء الذین نشهد مناقشاتهم واردتهم عن خستهم. أما نحن فنفرح في أحزاننا وندخل أتون الحدید ونعبر ذلك البحر الأحمر المرعب دون أن یصیبنا أي أذى.هكذا أیضًا عندما ننظر إلى ارتباك الهراطقة نغني مع موسى بأغنیة المسیح قائلین "أرنم للرب لأنه قد تعظم"خر ١:١٥ . فنسبح مرتلین، إذ نرى الخطیة التي فینا قد طرحت في البحر، وأما نحن فنعبر إلى البریة.وإذ نتنقى بصوم الأربعین مع الصلوات والتداریب والأعمال الصالحة نستطیع أن نعبر إلى أورشلیم لنأكل الفصح المقدس. الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
08 مايو 2021

الرسالة الثانیة عید القیامة في ٢٤ برمودة سنة ٤٦ ش 19 أبریل سنة ٣٣٠ م

لنقتد بالأولین في حفظ العید إخوتي… هل جاء عید الفصح وحل السرور، إذ أتى بنا الرب إلى هذا العید مرة أخرى، لكي إذ نتغذى روحیًا – كما هي العادة- نستطیع أن نحفظ العید كما ینبغي؟! إذًا فلنعید به فرحین فرحًا سماویًا مع القدیسین الذین نادوا قبلاً بمثل هذا العید، وكانوا قدوة لنا في الاهتداء بالمسیح. لأن هؤلاء لیس فقط أؤتمنوا على الكرازة بالإنجیل فحسب، وإنما حتى فحصنا الأمر نجدهم كما هو مكتوب أن قوته كانت ظاهرة بهم، لذلك كتب (الرسول) "كونوا ممتلئین بي"هذه الوصیة الرسولیة تنذرنا نحن جمیعًا، لأن الوصایا التي أرسلها (الرسول) إلى أشخاص، إنما یأمر بها في نفس الوقت كل إنسان في كل مكان، إذ كان "معلمًا لكل الأمم في الإیمان والحق"على وجه العموم، تحثنا وصایا كل القدیسین على ذلك بالقدوة، وذلك كما استعمل سلیمان الأمثال قائلا : "اسمعوا أیها البنون تأدیب الرب، أصغوا لأجل معرفة بفهم، لأني أعطیتكم تعلیمًا صالحًا، فلا تتركوا شریعتي. فإن كنت ابنًا لأبي غضًا ووحیدًا عند أمي" (أم ١:٤ ). لأن الأب البار یربي أولاده تربیة حسنة، إذ یجتهد في تعلیم الآخرین بسیرته المستقیمة الفاضلة. حتى إذا ما حدثت مقاومة، لا یخجل من سماعه هذا القول "فأنت الذي تعلم غیرك ألست تعلم نفسك" (رو ٢١:٢ )، إنما یكون بالحري مثل خادم أمین یقدر أن یخلص نفسه ویربح الآخرین. وإذ تتضاعف النعمة المعهو دة إلیه یستطیع أن یسمع ذلك القول "نعمًا أیها العبد الصالح والأمین. كنت أمینًا في القلیل فأقیمك على الكثیر. أدخل إلى فرح سیدك" (مت ٢١:٢٥ لنسكن سامعین عاملین لیتنا لا نكون سامعین فقط بل وعاملین بوصایا مخلصنا، فأن هذا یلیق بنا في كل الأوقات وبالأخص في أیام العید، أننا بإقتدائنا بسلوك القدیسین یمكننا أن ندخل معهم إلى فرح ربنا الذي في السموات، هذا الفرح غیر الزائل بل باق بالحقیقة.هذا الفرح یحرم فاعلو الشر أنفسهم منه بأنفسهم، ویتبقى لهم الحزن والغم والتنهدات مع العذابات…لنرى هؤلاء الذین لیس لهم الافتداء باهتداء القدیسین، لیس لهم الفهم الحقیقي الذي به كان الإنسان منذ البدایة عاقلاً وعلى صورة الله… ماذا یشبهون؟!أنهم بسبب عدم نعمتهم یشبهون بالوحوش التي بلا فهم، إذ صاروا في اللذات الدنسة مثل الحیوانات، كفرسان جامحة لقد دعوا "أولاد الأفاعي"كقول یوحنا، بسبب أهوائهم وأخطائهم والخطیة التي تقودهم إلى الموت، إذ لم یرتفعوا بأذهانهم عن الأمور المنظورة، بل یحسبون أن هذه الأمور المنظورة هي أمور صالحة، ویسرون بها لأجل خدمة شهواتهم لا الله. الكلمة المكتوبة توبخ الأشرار أنه لأجل هذا السبب عینه جاءت الكلمة المحبة للإنسان… تبحث لتجد ما قد فقد، وتطلب أن تصدهم عن غباوتهم هذه، صارخة قائلة "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم بلجام وزمام زینته لكم لئلا یدنو إلیك" وإذ كان هؤلاء متهاونین ومقتدین بالأشرار، لهذا یصلي النبي في الروح قائلاً بأنهم في نظره كانوا یشبهون تجارفینیقیة ویعترضهم الروح المنتقم ضدهم بهذه الكلمات "یا رب عند التیقظ تحتقر خیالهم"وهكذا إذ یتغیرون إلى شبه الأغبیاء، ینطمس فهمهم… لذلك "بینما یزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء… وكما لم یستحسنوا أن یبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض لیفعلوا ما لا یلیق". لأنهم لم ینصتوا إلى الصوت النبوي الذي وبخهم قائلاً "فبمن تشبهون الله. وأي شبه تعادلون به؟!"ولا أنصتوا إلى داود الذي صلى من أجل أمثالهم وترنم قائلاً "مثلها یكون صانعوها بل كل من یتكل علیها" إذ صاروا عمي عن التطلع إلى الحق…. لنفرح بالعید بحفظنا الوصایا والآن فإن أولئك الذین لا یحفظون العید.. هؤلاء مقدمون على أیام حزن لا سعادة، لأنه "لا سلام قال الرب للأشرار" (إش ٢٢:٤٨ ). وكما تقول الحكمة إن الفرح والسعادة منتزعان عن فمهم. هكذا تكون أفراح الأشرار. أما عبید الرب الحكماء، فقد لبسوا بحق الإنسان الجدید المخلوق بحسب الله( ٢)، هؤلاء یتقبلون كلمات الإنجیل،ویحسبون الوصایا التي أعطیت لتیموثاوس على أنها وصایا عامة إذ جاء فیها "كن قدوة للمؤمنین في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإیمان، في الطهارة" وهكذا یحفظون العید حسنًا، حتى ینظر إلیهم غیر المؤمنین. ویقولون "إن الله بالحقیقة فیكم"فكما أن من یقبل رسولاً إنما یقبل الذي أرسله هكذا من یسلك على منوال القدیسین یجعل الرب هدفه وقصده في كل شيء، لذلك فإن بولس وهو مرتبط بالمسیح یقول "كما أنا بالمسیح".لأنه توجد أولاً كلمات مخلصنا ذاتها، إذ وهو الإله العظیم قال لتلامیذه "تعلموا مني لأني ودیع ومتواضع القلب.فتجدوا راحة لنفوسكم"كذلك عندما صب ماء في مغسل واتزر بمنشفة وغسل أقدام تلامیذه قال لهم "أتفهمون ما قد صنعت بكم. أنتم تدعونني معلمًا وسیدًا وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك. فإن كنت أنا السید والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم یجب علیكم أن یغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطیتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أیضًا" لنقتد بالرب آه یا أخوتي، ما أعجب حب المخلص المملوء ترفقًا؟! بأي قوة، وبأي بوق یلزمنا أن نهتف صارخین ممجدین بركاته علینا؟! فلا نحمل صورته فحسب، بل ونأخذ منه مثلاً ونموذجًا للتعیید السماوي. وكما ابتدأ هو هكذا یلزمنا نحن أن نكمل، فلا نرتعب من الآلام، ولا نشتم من یشتمنا، بل نبارك لاعنینا. ونسلم أمورنا في كل شيْ لله الذي یقضي بعدل لأن أولئك الذین طبعوا على هذا، وشكلوا أنفسهم حسب الإنجیل، یكونون شركاء مع المسیح، وممتثلین بالتحول الرسولي، الذي على أساسه یصیرون مستحقین للمدیح منه، ذاك الذي مدح أهل كورنثوس عندما قال فأمدحكم أیها الإخوة على أنكم تذكرونني" لنتمسك بالتقلید ولیس بتعالیم الناس هؤلاء الأشرار لا یتخفون فقط من جهة الظاهر حاملین كقول الرب ثیاب الحملان، ظاهرین كقبور مبیضة، بل وینطقون بالكلمات الإلهیة بینما دوافعهم الداخلیة شریرة. وأول من أخذ هذه الصورة هو الحیة، التي نفثت بالشر منذ البدایة، فتحدث الشیطان (عن طریقها) مع حواء خادعًا إیاها. وجاء بعد ذلك أولئك الذین یبعثون بالهرطقات الباطلة، فیستخدمون كلمات الكتاب المقدس، لكنهم لا یتمسكون بما تسلمناه من القدیسین، ناظین إلى أن ما یتسلموه من القدیسین هو من تقالید الناس. هذا خطأ، إذ هم لا یعرفون من هم القدیسین ولا ما هي قوتهم؟! لذلك بحق مدح بولس أهل كورنثوس، لأن أفكارهم كانت متفقة مع التقالید التي سلمهم إیاها وقد وبخ الرب بحق الیهود قائلاً لهم "وأنتم أیضًا لماذا تتعدون وصیة الله بسبب تقلیدكم؟!. وذلك لأنهم غیروا الوصایا التي استلموها من الله بحسب فهمهم مفضلین إتباع تقالید الناس. بعد هذا بمدة قصیرة أصدر بولس الطوباوي توجیهاته إلى أهل غلاطیة الذین كانوا في خطر من هذا، كاتبًا لهم یقول "إن كان أحد یبشركم بغیر ما قبلتم فلیكن أناثیما" الفرق بین التقلید وتعالیم الناس لا توجد صداقة بین كلمات القدیسین والأوهام التي من خلق البشر، لأن القدیسین هم خدام للحق، كارزین بملكوت السموات، أما هؤلاء الذین یسلكون في اتجاه مضاد، فأنه لیس لهم سوى أن یأكلوا ویفكروا فیما سینتهي، قائلین"لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت"( ٥). لذلك ینتهر لوقا الطوباوي ما هو من خلق الناس مسلمًا إیانا ما هو مروٍ منالقدیسین ذاكراً في بدء الإنجیل "إذ كان كثیرون قد أخذوا بتألیف قصة في الأمور المتیقنة عندنا كما سلمها إلینا الذین كانوا منذ البدء معاینین وخدامًا للكلمة. أ ریت أنا أیضًا إذ تتبعت كل شيء من ألأول بتدقیق أن أكتب على التوالي إلیك أیها العزیز ثاؤفیلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به فكل قدیس من القدیسین یتسلم التقالید یساهم بغیر تحریف أن یثبت تعالیم الأسرار.لذلك فأن الكلمة الإلهیة تطالبنا بالتلمذة على یدي هؤلاء فهم معلمون لنا بالحق، ولهؤلاء وحدهم یلزمنا أن نصغي، لأن لهم وحدهم "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول" هؤلاء لیسوا تلامیذ لأنهم سمعوا من الآخرین بل هم شهود عیان وخدام للكلمة إذ سمعوا منه ما قد سلموه. فالبعض منهم یتحدث عن الأعمال العجیبة التي صنعها مخلصنا مبشرین بلاهوته السرمدي، والبعض كتب عن میلاده حسب الجسد من العذراء، كما أعلنوا عن میلاده حسب الجسد من العذراء، كما أعلنوا عن عید الفصح المقدس قائلین "لأن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا"حتى أننا نتذكر كأفراد وكجماعة، فتتذكره كنائس العالم جمیعها، كما هو مكتوب أن المسیح قام من الأموات، هذا الذي من نسل داود، كما جاء في الإنجیل. لیتنا لا ننسى ما قد سلمه… أي عن قیامة الرب، إذ یقول عنه أنه أباد الذي له سلطان الموت أي الشیطان وأنه أقامنا معه، إذ حل رباطات الموت، ووهبنا بركة عوض اللعنة، وأعطانا الفرح عوض الحزن، وقدم لنا العید عوض النوح، ذلك في الفرح المقدس الذي لعید القیامة، العید الدائم في قلوبنا، إذ نفرح به على الدوام كأمر بولس"صلوا بلا انقطاع اشكروا في كل شيء" وهكذا لا نتغافل عن أن نقدم التعالیم في هذه المواسم كما تسلمنا من الآباء. مرة أخرى نكتب لكي نحفظ التقالید الرسولیة، مذكرین بعضنا بعضًا بالصلاة، حافظین العید معًا بفم واحد، شاكرین الرب بحق.وهكذا إذ نقدم الشكر للرب مقتدین بالقدیسین، فأن لساننا یمجد الله الیوم كله كقول المرتل وإذ نحفظ العید كما ینبغي نتأهل للفرح الذي في السماء. الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
16 يناير 2023

عماد السيد المسيح ووليمة العرس الأبدي

منذ سقوط آدم وحواء في العصيان يسيطر على الإنسان الشعور بأن الله ساكن في سماواته وسط عظمته وجبروته وأمجاده يترقب أخطاء البشر ليعاقبهم ، فهو القدوس الذي لا يطيق ضعف البشر سكان الأرض الذين يعجزون عن التخلص من شهوات الجسد وفساد العواطف وانحلال الحواس ! لذلك كان كل ما يشغل البشر أن يلطفوا من الغضب الإلهي ، حتى لا ينتقم منهم . وقد جاءت إعلانات الله ونواميسه تؤكد شوق الله إليهم ، ورغبته في الالتصاق بهم وشركتهم معه . فهو لا يعتزل عنهم في سماواته ، بل ينزل إليهم ويبحث عنهم ليضمهم إليه . يرى القديس مار يعقوب السروجي في ميمره " في حلول الرب على جبل سيناء والرمز إلى الكنيسة " أن الرب دعا موسى النبي ليعلن له أنه يريد أن يخطب الشعب لنفسه ، فتكون له العروس المقدسة . قدم لها الوصايا العشر كجواهر تتزين بها العروس . لكنها للأسف فضلت عنه العجل الذهبي عريسا لها . فقد قال عنهم : زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم به ، صنعوا لهم عجلاً مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له ، وقالوا : هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر ( خر ۳۲ : ۸ ) . الآن قد جاء كلمة الله متجسدا ، نزل إلى الأرض كمن جاء إلى بيت الخطيبة ، يطلب يدها بنفسه ويقدسها ويجملها ، ليحملها إلى سماواته أي حجاله ، تشاركه أمجاده . في ميامره على عماد السيد المسيح والمعمودية المقدسة أبرز القديس مار يعقوب السروجي الآتي :- ۱- نزل الرب نور العالم إلى أرضنا لكي ينير الخلائق ( البشر ) ويجددها . وقد مر في مراحل العمر البشري مثل كل إنسان : تمت المرحلة الأولى في أحشاء مریم البتول بالولادة ، والمرحلة الثانية تمت حين عمده يوحنا في نهر الأردن . ٢- لم ير يوحنا المعمدان الابن إلى أن عمده ، حتى لا يقال إنه صديقه . وقد شهد بأنه حمل الله الحامل خطايا العالم . ٣- عمده يوحنا في صمت لئلا يعرفه الشيطان . لكن الآب تكلم ، قائلاً : هذا هو ابني حبيبي ، لتتعرف العروس على حقيقة عريسها ، مؤكذا لها لاهوت السيد المسيح . تكلم الآب شخصيا ، ولم يستعر صوت الملائكة أو الأصوات الطبيعية الأخرى ، كما في بقية ظهورات الرب . ٤- قدس المسيح المياه ، ولم تقدسه المعمودية مثل البشر . لم ينزل الروح القدس ليقدس الماء ، إنما نزل بعد أن اعتمد يسوع لنتمتع بظهور الثالوث القدوس وحبه العجيب للبشرية وخطته لنا على المستوى الأبدي . ه . يتكلم القديس مار يعقوب السروجي عن المعموديات في الناموس التي لم تكن تعطي الروح ليحل ويسكن فينا . ٦. يقارن القديس مار يعقوب السروجي بين معموديات الناموس ومعمودية يوحنا ومعمودية المسيح التي هي المعمودية الحقيقية ، وقد جاءت المعموديات التي قبلها ترمز لها . ٧- كانت العروس تنتظر المسيح وتعرفت عليه بعد اعتماده ، وحالاً بدأ المسيح يحارب رئيس الهواء في القفر لحساب عروسه . 8- يقدم لنا القديس مار يعقوب السروجي حوارا جادا مع ابنة العبرانيين التي ستأخذ محلها الكنيسة بنت الشعوب . ٩- خطب المسيح الكنيسة ، وغسلها بالماء من درن عبادة الأصنام وألبسها حلة المجد في حضن المعمودية . ١٠- ظنت الكنيسة أن يوحنا المعمدان هو العريس ، فأوضح لها يوحنا بأنه مجرد الصوت الصارخ أمام العريس القادم الذي كان قبله ، ولا يستحق أن يحل سيور حذائه . وقد تعجب يوحنا ، لأنه وضع يده على اللهيب ولم يشتعل . ١١- علم السيد المسيح يوحنا أن يعمده في صمت . لم يدر باسم من يعمده ، هل باسم الآب ؟ فإنه معه ، أم باسم الروح القدس فهو يشهد له ؟ ۱۲- تطالب الكنيسة داود وزكريا أن يفسرا لها نبوتيهما عن الابن الذي أشرق اسمه فارتج الأردن أمامه . ۱۳- انتهى كهنوت لاوي بيوحنا المعمدان ، وبدأ كهنوت العهد الجديد بعماد السيد المسيح . لم يضف الكهنوت اللاوي شيئا إلى طبيعة السيد المسيح . ١٤- طلبت الكنيسة من القديس مار يعقوب السروجي أن يؤلف ميمرا ، لذا لم يقدر أن يصمت ، لكنه يدعو إلى وليمة العروس ، ويستفسر قائلا : ما المعمودية وهو يعدد صفاتها مستنداً إلى العهدين القديم والجديد . ١٥- تجعلنا المعمودية أبناء الله الساكن في موضع لا يدنو منه الملائكة ولا البشر . صارت المعمودية أما هي لنا بدل حواء . ويدعو المعتمد الله أبا له وقد صار أخا للسيد المسيح . ١٦- يحسب القديس مار يعقوب السروجي أن ميمره عن المعمودية لحنا ينشده لانتصار الكنيسة . ١٧- يقدم لنا القديس في قصيدته " على عماد مخلصنا في نهر الأردن " اشتراك الكل في وليمة العرس العجيبة :- أ- شق صوت الآب السماء وشهد له . ب- تحرك الروح القدس بكونه إصبع الآب واستقر عليه حتى لا يظن أحد أن صوت الآب يخص آخر غير يسوع المسيح . ج - قدمت الطبيعة غير العاقلة له تسبحة بلغتها . فالسحب تجمعت لتكون خدرًا للعريس ، والضباب تجمع ليصير كستائر لقصره الملكي عند صعوده من النهر . وأضاءت البروق على الأرض ، لأن شمس البر نزل إلى مياه الأردن ليقدسها . د- التهبت المياه كما بنار الروح القدس لتعلن تقديس المعمودية عبر الأجيال القادمة . ه- تناغمت دهشة الكنيسة مع دهشة السمائيين ، إذ طلب السيد من خادمه أن يضع يده على رأسه . و - في صمت مع حيرة مد المعمدان يده وهو يراقب الطقس السماوي الفريد لعماد السيد المسيح . ز - استدعت الكنيسة بعض أنبياء العهد القديم ليشرحوا لها ما سبق أن تنبأوا به عن هذا الحدث . ۱۸- بنزول السيد المسيح إلى الأردن ليعتمد أنهى سلطان الكهنوت اللاوي الذي سلمه لموسى على جبل سيناء ، وقدم الكهنوت الجديد لتلاميذه ورسله . القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مار جرجس بسبورتنج عن كتاب من ميامر على عيد الغطاس المجيد ( الإبيفانيا أو الظهور الإلهي ) عيد الإبيفانيا عيد عماد السيد المسيح عند القديس مار يعقوب السروجي
المزيد
13 أبريل 2023

خميس البصخة

فى هذا اليوم تمم السيد المسيح له المجد آخر فصح له فى حياته على الأرض حسب الجسد.. وقد كان مخضعا ذاته منذ ولادته لجميع أنواع الفرائض والشرائع والطقوس اليهودية مع إنه غير محتاج إلى ممارستها، وفى هذا اليوم أتم الفصح الذى كان يرمز إليه وإلى ذبيحته على الصليب.. هذا الفصح كما كان هو الفصح الأخير فى حياة السيد المسيح على الأرض.. كان كذلك الفصح الأخير الذى يجب على اليهود أن يتمموه، إذ جاء الفصح الحقيقى الرب يسوع ذبيحتنا الكاملة، وبعدما تمم الفصح خرج يهوذا لينفذ الشر الذى أنتواه فى قلبه، وقد غسل الرب أرجل تلاميذه.. وأسس سر التناول..، قدم جسده ودمه الأقدسين للتلاميذ وأوصاهم بأن يكون صنع هذا السر وممارسته هو محور حياتهم الروحية ومحور اجتماعاتهم إلى أن يجىء ثانية فى مجيئه الثانى للدينونة، وخاطبهم فى حديث روحى طويل بدأه فى العلية واستمر فى الطريق إلى بستان جثسيمانى.. واستمر أيضا فى البستان، ثم صلى صلاته المؤثرة فى البستان، وفى نهاية اليوم عند منتصف الليل تقريبا أسلم ذاته إلى أيدى الذين أتوا ليقبضوا عليه. الأعداد للفصح:- خرج السيد المسيح ومعه تلاميذه من قرية بيت عنيا قاصدا أورشليم ليصنع الفصح فيها.. وعبر مع تلاميذه وادى قدرون.. وكانت أورشليم مكتظة باليهود القادمين إليها من جهات متفرقة ليعيدوا فيها، وكان الزحام فى هذه السنة شديدا لأن الجميع كانوا يتوقعون أن يعلن لهم (يسوع الناصرى) ذاته معلنا أنه المسيح المنتظر، وكذلك لأن هذه السنة كانت سنة اليوبيل، عبر السيد المسيح وادى قدرون الذى الذى كان مضروبا فيه الآف الخيام لكى تستوعب من لم تستوعبهم المدينة، مر فى طرقات المدينة التى كانت قد غسلت هى ومبانى المدينة غسيلها السنوى، كما أن القبور خارج المدينة كان قد أعيد طلاؤها باللون الأبيض، أما الهيكل فقد كان يتم تنظيفه بإستمرار ولدى دخول السيد المسيح المدينة سأله التلاميذ أين يريد أن يأكل الفصح؟ لم يفصح لهم السيد المسيح عن المكان ولكنه أعطاهم علامة الرجل حامل الجرة، وهى علامة تعتبر علامة مميزة وكافية، لأن حمل الجرار كانت تقوم به السيدات، لم يرد ان يعرف يهوذا المكان حتى يستطيع ان يتمم الفصح فى هدوء، وكذلك يؤسس سر الأفخارستيا، وكان يريد أن يتم القبض عليه فى البستان بعيدا عن المدينة فى هدوء لكى لا يحدث شغب فى المدينة، وكذلك لأن سقوط الأنسان كان فى بستان أراد الرب أن يبدأ خلاص الأنسان من البستان، وأيضا لكى يقدم ليهوذا الأسخريوطى محاولة أخرى لخلاص نفسه إذ قد يذكره المكان (حين يأتى للقبض على السيد المسيح) بليالى الصلاة التى كان يسهرها مع السيد المسيح والتلاميذ كم كان مؤلما على نفس السيد المسيح وهو يمر فى شوارع المدينة الحبيبة إلى قلبه.. مدينة الملك العظيم التى توشك أن تتنكر لمن جاء لإفتقادها وتسلمه إلى الموت.. موت الصليب ذهب بطرس ويوحنا ووجدا كما قال لهما السيد المسيح وأعدا الفصح.. وقد كان الرجل حامل الجرة هو مارمرقس كاروز ديارنا المصرية، والمكان الذى أعد فيه الفصح هو بيته الذى صار أول كنيسة يقام فيها سر الأفخارستيا (مت 26: 17- 19)، (مر 14: 12- 16)، (لو 22: 7- 13) يلاحظ أن اليهود قد أكلوا الفصح فى مساء يوم الجمعة، وكان يوم السبت هو أول أيام الفطير، وهذا واضح مما كتب فى البشائر الأربعة حول أحداث محاكمة السيد المسيح وصلبه.. مع ملاحظة أن اليوم اليهودى بحسب الشرع يبدأ من الغروب وينتهى قبل الغروب التالى، ولهذه التوقيتات أهمية كبيرة عند دراسة أحداث الفصح والمحاكمة والصلب.. ألخ ففى انجيل معلمنا لوقا البشير يقول: وجاء يوم الفطير الذى كان ينبغى أن يذبح فيه الفصح. (لو 22: 7).. وواضح من مضمون هذا الكلام أن يوم الفطير عند اليهود قد تأجل، لماذا؟ وفى يوحنا 18: 28 يقول البشير (ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية وكان صبح (أى صبح يوم الجمعة الذى تمت فيه المحاكمة..الخ) ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكى لا يتنجسوا فيأكلون الفصح).. وذلك لأن من يأكل الفصح يجب أن يكون طاهرا عد 8: 6 – 11 ومعنى ذلك أنه حتى صباح الجمعة لم يكونوا أكلوا الفصح بل كانوا يستعدون له محترسين لكى لا يتنجسوا بالدخول إلى دار الولاية الوثنية ليمكنهم أكل الفصح طاهرين فى غروب اليوم نفسه وفى يوحنا 19: 13، 14 يقول (فلما سمع بيلاطس هذا القول أخرج يسوع وجلس على كرسى الولاية.. وكان استعداد للفصح، ونحو الساعة السادسة (أى الظهر) فقال لليهود.. ألخ) ومن النصوص الواردة فى متى 26: 3 – 5، مر 14: 1، 2.. نفهم أن رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب تآمروا على أن تكون محاكمة السيد وصلبه ليس فى يوم عيد الفصح، وعليه لا يكون يوم الجمعة الذى تمموا فيه مؤامرتهم هو عيد للفصح بل هو استعداد كما ذكر يوحنا وفى يو 19: 31 يقول (ثم إذ كان استعداد فلكى لا تبقى الأجساد على الصليب فى السبت لأن يوم ذلك السبت كان عظيما سأل اليهود بيلاطس ان تكسر سيقانهم ويرفعوا) ومن هذا نفهم أن الفصح كان يوم السبت الذى يبدأ من مساء الجمعة نفهم أيضا من مسألة مشترى حقل الفخارى متى 27: 3 – 7، ومشترى الكتان مر 15: 26، ولو 23: 53، وتسخير سمعان لحمل الصليب بعد رجوعه من عمله بالحقل متى 27: 32 ومر 15: 21، ولو 23: 26 وذلك لأنه لوكان يوم الجمعة هو عيد الفصح لما جاز فيه العمل والبيع والشراء..الخ. أما إذا قيل كيف جاز للسيد المسيح أن يصنع الفصح اليهودى قبل ميعاده الذى عينته الشريعة؟ فنجيب عليه: حاشا للسيد أن يخلف مواعيد الشريعة التى هو ربها. وإنما رؤساء اليهود هم الذين اتفقوا فيما بينهم على تأخير الفصح عن ميعاده القانونى حتى يتمكنوا من محاكمة السيد وقتله قبل حلول العيد لئلا يكون هناك شغب فى الشعب متى 26: 3 – 5 إن يوسيفوس المؤرخ اليهودى يقول أن سيدنا أكل الفصح فى تلك السنة ليلة الجمعة فى الميعاد. أما اليهود فأخروه إلى ليلة السبت بسبب إئتمارهم على صلبه والخلاصة من كل هذا أن السيد اكل الفصح اليهودى فى ميعاده القانونى حسب الشريعة واليهود هم الذين أخروه لثانى يوم لسبب فى أنفسهم والآن نقول ما أحكم وأدق صنع ربنا له المجد فى سائر تصرفاته ومواعيده فإن خروف الفصح اليهودى وهو يرمز لسر جسده ودمه وسر صلبه المجيد. كانت تقضى الشريعة أن يشتريه اليهود فى اليوم العاشر من الشهر ويحفظونه حتى اليوم الرابع عشر منه ويذبحونه فى مساء ذلك اليوم بين العشائين أى بين المغرب والعتمة خر 12: 3، 6 هكذا ربنا جاء إلى أورشليم فى العاشر من الشهر يوم أحد الشعانين وقبله أهلها مخلصا لهم، وبقى فيها وفيما جاورها من القرى إلى يوم الخميس الرابع عشر من الشهر. وفى الميعاد الناموسى أى بعد غروب الخميس قدم خروف الفصح هو وتلاميذه وحدهم كأنما ذلك بحالة سرية وخفية عن مجموع الأمة اليهودية. وبتقديمه إياه ختم لشريعة اليهودية شريعة الظل والرمز الآخذة فى الأختفاء عب 8: 13 وشرع حالا فى شريعة النور والحق الآخذه فى الأستقرار والظهور عب 9: 8 – 23 فضحى بجسده ودمه بوجه سرى وغيرمنطوق بعظمته مسلما إياه لتلاميذه الأطهار تحت شكل الخبز المختمر والخمر الممزوج بالماء فى سر الأفخارستيا المجيد، حيث كان لا بد للضحية التى أشارت إليها الطقوس اليهودية الأحقاب الطويلة أى جسده ودمه من أن تقدم وتضحى فى ميعادها الشرعى تماما. لأنه مهما كان شر البشر وتلاعبهم بمواعيده فإن ذلك لا يعيقه عن إتمام إرادته المقدسة فى ميعادها بكل إحكام. فما أدق وأرهب هذا التوافق العجيب؟! بل لنتأمل أيضا كيف أنه فى الميعاد الذى كان اليهود يستعدون فيه لذبح خروف الفصح علنا وجهرا، كانوا هم أيضا يقتلون المرموز إليه بذلك الخروف.. معلقا على الصليب جهرا وعلنا. وكما لم يكسروا عظم ذاك لم يكسروا عظم هذا أيضا وفى نهاية ذلك النهار عينه..(الجمعة) كما ذبحوا الخروف كذلك يسوع أسلم الروح فى يدى الآب وبعدها طعنوه بالحربة فخرج منه دم وماء ودفنوه فى قبر جديد فى نفس المساء مت 27: 57 حينما كانوا يدفنون خروف الفصح فى بطونهم. الفصح الأخير:- ذهب السيد المسيح إلى بيت مارمرقس حيث كان الفصح معدا، وقد كان خروف الفصح يأكلونه سابقا وهم واقفين.. ولكن فى هذا الوقت كانت قد أدخلت عليه بعض التعديلات ومنها أنهم كانوا يأكلونه متكئين، ونجد هنا السيد المسيح قد إتكأ وعلى يمينه يوحنا الحبيب.. وعن يساره يهوذا الأسخريوطى، ربما رتب السيد المسيح إتكاءهم بهذا الترتيب ليكون السيد المسيح وهو فى وضع الأتكاء قريبا من يهوذا، لكى يستطيع السيد المسيح أن يحادث يهوذا همسا ولا يدينه علانية أمام باقى التلاميذ، وأيضا لكى يتم المكتوب " آكل خبزى رفع على عقبه " (لمزمور 41: 9) إذ كان يأكل من نفس الطبق مع السيد المسيح دعا السيد المسيح هذا الفصح فصحه وأنبأ التلاميذ أن هذا هو الفصح الأخير الذى يأكله معهم وأنه بتمامه يصير وفاؤه وانقضاؤه، ثم يدخل معهم فى عهد جديد بدمه وهذا هو ملكوت الله.. ثم أخذ الكأس الأولى (من أربعة كئوس كانت تشرب مع الفصح) بإعتباره رب الأسرة وقال إن هذه هى آخر مرة يشرب فيها الخمر الأرضية كجزء من ممارسات العهد القديم.. تحذيرات ليهوذا:- صرح السيد المسيح لتلاميذه أن أحدهم سيسلمه.. فابتدأ كل واحد منهم يحزن فى داخله ويشك فى نفسه، وتحول هذا الشك إلى سؤال للرب: هل أنا هو يارب؟.. فأشار إلسيد المسيح مرة أخرى لما جاء فى المزامير: " إن الذى يغمس يده معى فى الصحفة هو الذى سيسلمنى " ولكى يكمل تحذيره ليهوذا أكمل السيد المسيح " إن ابن الأنسان ذاهب كما هو مكتوب عنه، ولكن الويل لذلك الرجل الذى بواسطته يسلم ابن الأنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد ". هنا السيد المسيح يستعمل لقبا لاهوتيا وهو لقب " ابن الأنسان " سبق أن استعمله من قبل، وورد أيضا فى نبوات دانيال النبى: " كنت أرى فى رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن انسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه، فأعطى سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دانيال 7: 13، 14) بل وحذر يهوذا فى كلام صريح من النهاية المحتمة التى تنتظره إن ظل مصرا على شره وللعجب أن يهوذا يسأل السيد المسيح مثلما سأله باقى التلاميذ " هل أنا هو يا معلم " مما جعل السيد المسيح يجيبه بصراحة وقال له: " نعم أنت هو "السيد المسيح استخدم نفس الكلمات التى تحدث بها داود النبى عن أخيتوفل الجيلونى الذى كان مشيرا له وكان يأكل على مائدته، ثم خانه وانضم إلى ابشالوم فى تمرده على أبيه داود، وكانت نهايته بأن مضى وخنق نفسه ومات (2- صموئيل 15، 16، 17) وكان التحذير واضحا.. ولكن يهوذا كان قد أغلق قلبه وفى محاولة أخرى للسيد المسيح مع يهوذا بعدما رد على سؤاله أخذ لقمة وغمسها فى الصحفة التى أمامهم، وقدم اللقمة إلى يهوذا وقال مكملا حديثه معه فى تأكيد واضح " إنه هو الذى سأعطيه اللقمة التى أغمسها "يقول الأنجيل للقديس يوحنا أنه بعد اللقمة إذ لم تجد معه كل تحذيرات الرب، وترك قلبه (وهو بكامل إرادته) مفتوحا للشيطان.. إمتلكه الشيطان إمتلاكا. ثم يذكر الأنجيل: " أما يهوذا فبعد أن أخذ اللقمة خرج على الفور، وكان الوقت ليلا " مشيرا فى ذلك ليس إلى التوقيت الزمنى فقط، (إذ أنه من المعروف أن خروف الفصح يؤكل مساءا) ولكن أيضا إلى حالة الأظلام الروحى التى كان عليها يهوذا " لأن الذى يمشى فى الظلام لا يدرى إلى أين يذهب " (يوحنا 12: 35) – هؤلاء ينابيع لا ماء فيها وغيوم تسوقها الزوبعة ولهم حفظ ضباب الظلمة " (2- بط 2: 17) ذهب يهوذا إلى بيت قيافا مخبرا إياه بوجود السيد المسيح مع تلاميذه فى بيت (مرقس) وأنه فى الأمكان القبض عليه فى هدوء هناك (متى 26: 21- 25)، (مر 14: 18 – 21)، (لو 22: 21 – 23)، (يو 13: 18، 21- 30). غسل الأرجل:- تقوم الكنيسة المقدسة فى إحتفالها بيوم خميس العهد بإتمام ثلاثة طقوس هى على الترتيب: 1. صلوات الساعات النهارية للبصخة. 2. اللقان وغسل الأرجل. 3. القداس الإلهى (تتميم سر الأفخارستيا). وهذا الترتيب هو نفس الترتيب الذى راعاه الرب فى هذا اليوم، إذ أنه بعد ما تمم الفصح، قام عن العشاء وغسل أرجل تلاميذه.. ثم قدم لهم جسده ودمه الأقدسين تحت أعراض الخبز والخمر. خدمة غسل الأرجل:- هذه الخدمة هى إعلان حب إلهى.. يسوع وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، أحس بذلك الإحساس الذى يجيش فى قلب كل انسان عندما يشعر أن وقت انحلاله قد حضر، يحاول أن يعبر بكل وضوح عما يجيش بصدره وقلبه لأحبابه، حين يذكر القديس يوحنا غسل السيد المسيح لأرجل تلاميذه فإنه يسبقها بعبارة جميلة ومؤثرة عن حب السيد المسيح اللانهائى لخاصته.. إنه وهو الله لم يستنكف أن يقوم عن العشاء ويغسل أرجل تلاميذه فى درس عملى عن المفهوم الحقيقى للعظمة.. السيد المسيح أحب خاصته، وأظهر لهم حبه اللانهائى، إن حب السيد المسيح لخاصته لم ينقص فى أى فترة وفى أى ظرف، ولكن الرب اتخذ من هذه المناسبة فرصة لإظهار أقصى حدود محبته فقد أحبهم إلى غاية الحب لم يكن اتضاع الرب منافيا مع شعوره بعظمته وقدرته وسلطانه وأن كل هذه الأمور لم تكن عقبة فى إعلان حبه واتضاعه إلى المنتهى بل زادته اتضاعا وحبا لخاصته أراد الرب بحبه واتضاعه أن ينزع الكبرياء من نفوس تلاميذه، ونحن أيضا: كانت بين التلاميذ مشاجرة من منهم يكون الأكبر؟ فقال لهم يسوع ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين، وأما أنتم فليس هكذا بل الكبير فيكم ليكن الأصغر والمتقدم كالخادم لأن من هو أكبر الذى يتكىء أم الذى يخدم أليس الذى يتكىء ولكنى أنا بينكم كالذى يخدم..! فقام عن العشاء: ولا شك أن التلاميذ تفرسوا فيه عندما قام عن العشاء ماذا يفعل، وإذ به (يخلع ملابسه) الخارجية وفيها ذلك الثوب المنسوج كله بغير خياطة وغالبا هذه هى الثياب عينها التى اقتسمها الجنود عند الصليب. وأخذ منشفة: هذا هو المنديل الذى كان يلبسه العبيد والخدم والحشم عند قيامهم بخدمة أسيادهم.. فياله من منظر رائع بهر التلاميذ ويوحنا الذى يصفه لنا بكل دقة ووضوح، وإتزر بها كما يتمنطق العبد الواقف عند خدمة سيده، هل خزى التلاميذ بعدما ألقوا على بعضهم هذا السؤال من هو العظيم بينهم لأن الرب أراد أن يقوم بهذه الخدمة الجليلة لتلاميذه القديسين فقام بها على أكمل وجه وصورة. المسيح يغسل أرجلهم:- ثم صب ماء وأبتدأ يغسل أرجلهم ويمسحها بالمنشفة، كان ممكن للرب أن يغسل الأرجل ويكلف أحدهم بمسحها أو يعاونه فى هذه الخدمة أو فى بعضها إلا أنه رضى أن يقوم هو وحده بكل أركانها حتى متى جاء الوقت المبارك على الصليب يقول لله الآب كل ما أمرتنى به عملته فلا يدعى إنسان ولا يبقى لأى أحد مجال أن يدعى أنه كانت له يد فيما عمل السيد المسيح فقال على الصليب " قد أكمل " إن الماء يرمز إلى النقاوة والتطهير، ويرمز إلى الحياة، ويرمز إلى عمل الروح القدس أو إلى الروح القدس نفسه قام السيد المسيح عن المائدة وخلع رداءه وأتزر بمنشفة، وصب ماء فى المغسل وإبتدأ يغسل أرجل تلاميذه، إن هذا المنظر لا شك أنه يدهش الأنبياء والملائكة والقديسين فى السماء، إنه يدهش أبونا ابراهيم لأنه حينما رأى قديما ثلاثة رجال فطلب منهم بحب وكرم جزيل إن كنت قد وجدت نعمة فى عينك فلا تتجاوز عبدك ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة (تك 18: 3) أما اليوم فالرب بنفسه يتكىء على الأرض ويتزر بالمأزرة ويغسل أرجل تلاميذه القديسين وأدهش لوط الذى استقبل الملاكان فى سدوم وقال ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما ثم تبكران وتذهبان (تك 19: 2) وعندما جاء إلى بطرس الرسول الذى وجد فى هذا العمل إهانة لمعلمه، ولكن حين قال له السيد المسيح: " إن لم أغسل رجليك فليس لك معى نصيب " طلب بطرس أن يغسل السيد المسيح ليس رجليه فقط بل أيضا يديه ورأسه، رد عليه السيد المسيح " إن الذى استحم لا يحتاج إلا إلى أن يغسل قدميه فإنه طاهر كله " أى أن المؤمن الذى اغتسل فى المعمودية وصار طاهرا ولكن بحكم حياته فى العالم فإنه يحتاج فقط إلى التوبة عن الخطايا والسهوات قام السيد المسيح عن العشاء، خلع ثيابه، أخذ منشفة إتزر بها، ثم صب ماء فى مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ويمسحها بالمنشفة هذه الخطوات السبع التى خطاها الرب يسوع فى غسل أرجل تلاميذه القديسين إنما تحمل بين طياتها وثناياها رمزا ضمنيا إلى الخطوات الخالدة التى اتخذها الفادى فى تنفيذه تدبير الفداء العجيب للبشرية كلها: فقيامه عن العشاء يرمز إلى تركه أمجاد السماء،وخلع ملابسه يشير إلى إخلاء نفسه،وأخذه المنشفة يشير إلى تجسده فى جسم بشريتنا،وإتزاره بالمنشفة يرمز إلى أخذه صورة العبد،وصبه الماء فى المغسل يرمز إلى بذل دمه الثمين لأجلنا،وغسله أرجل تلاميذه يكنى به عن تطهيره للعالم بالمعمودية،ومسحه أرجلهم كناية عن تقديس العالم بسر الميرون المقدس بركات عجيبة فى سر غسل أرجل التلاميذ إنما يشير إلى كل هذه البركات العجيبة التى تمت نحو الفداء المبارك الذى قدمه الرب للبشرية مما جعل أبونا القديس بولس الرسول فى رسالته إلى فيلبى يقول" فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى المسيح يسوع أيضا الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلى نفسه آخذا صورة العبد صائرا فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " (فى 2: 5)وبعد أن أتم غسل الأرجل شرح لهم معنى عمله هذا وأوصاهم بالأقتداء به، وأيضا ذكرهم بأن ليس كلهم طاهرون، إشارة إلى يهوذا الذى أسلمه من المؤكد أن يهوذا الإسخريوطى لم يحضر غسل الأرجل، لأنه كما اتضح أنه غادر بيت القديس مرقس الرسول بعدما غمس السيد المسيح اللقمة وأعطاه. وكان هذا أثناء أكل الفصح. تأسيس سر الأفخارستيا:- بعد أن أكل السيد المسيح الفصح الأخير مع تلاميذه وغسل أرجلهم بعد خروج يهوذا الأسخريوطى، أخذ خبزا وبارك وشكر وكسر وقدمه إلى تلاميذه قائلا لهم: أن هذا هو جسده الذى يقدم فداء وكفارة عن خطايانا وأمسك كأسا ممزوجة من خمر وماء وقال لهم بفمه الإلهى الطاهر: أن هذا هو دمه المسفوك عن خطايا العالم وهذه الكأس هى غير الأربعة كئوس التى كانت تشرب أثناء أكل الفصح.. لأن الفصح كان قد تم أكله ورفع من على المائدة من قبل غسل الأرجل يقول البعض أن السيد المسيح قد أسس سر الأفخارستيا فى حضور يهوذا الأسخريوطى.. وأن يهوذا قد اشترك فى التناول قبل خروجه، إلا أن هذا القول مردود عليه من قول السيد المسيح: " إنه هو الذى سأعطيه اللقمة التى أغمسها ". ثم غمس اللقمة وقدمها ليهوذا بن سمعان الأسخريوطى " (يو 13: 26)، وواضح أن النص هنا لا يتكلم عن التناول، فالتناول ليس فيه غمس. سر الأفخارستيا:- إن تأسيس سر الأفخارستيا فى الليلة الأخيرة للسيد المسيح، له دلالة هامة، وترتيب بحكمة إلهية فائقة، لقد تحدث السيد المسيح عن الخبز الحى، وعن أكل جسده، فى أكثر من مناسبة، مرة للتلاميذ ومرات للجمهور، وهناك من تقبل هذا الكلام، وآخرون لم يفهموه بل وتركوه ومضوا، ولم يتراجع السيد المسيح عن أى كلمة أو حرف، مما قاله بل ترك لمن يرجعون للخلف أن يمضوا.. لقد اعترض اليهود على كلام السيد المسيح، هذا الأعتراض المبنى على حكم العقل والحواس الجسدية قائلين (كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟ يو 6: 51، 52). وأيضا أعترض الكثيرون من تلاميذه نفس الأعتراض الحسى والعقلى قائلين " إن هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه؟ " فماذا كان جوابه لهم؟ كان جوابه لهم مبنيا على إباحة استعمال العقل، ولكن فى حدود سلطانه فقط. قال (أهذا يعثركم فإن رأيتم ابن الأنسان صاعدا إلى حيث كان أولا).. أى أنكم لو عملتم مقارنة عقلية بسيطة بين ماصنعته أمامكم من المعجزات الحسية وما سترونه من آية صعودى بالجسد إلى السماء مستقبلا، وبين ما أقوله لكم اليوم من أن الخبز الذى أنا أعطيه لكم هو جسدى، لعرفتم قدرتى وصدقتم قولى، ولم تجدوا شيئا يعثركم، ثم كمل جوابه قائلا (الروح هو الذى يحى. أما الجسد فلا يفيد شيئا لأن كلامى هو روح وحياة). أى لا تأخذوا السر تحت حواسكم الجسدية. ويكفيكم من جهة هذه الحواس ما صنعته أمامكم من المعجزات وما سترونه بعيونكم من صعودى إلى السماء فتؤمنون بالمقارنة إلى ذلك بكل أقوالى وأسرارى إن السيد المسيح لم يلغ استعمال العقل البشرى لأنه موهوب منه، إنما أباح استعماله فى حدود السلطان الممنوح له من الله. التلاميذ الأثنى عشر استعملوا عقولهم فى حدود هذا السلطان فآمنوا بأن الخبز الذى سيعطيه المسيح لهم هو جسده ولو لم تتحقق عقولهم وحواسهم من ذلك تحققا ماديا واليوم نجد من الطوائف ما يرفض أن قرره السيد المسيح، فليمضوا مع من مضوا، فمن لا يأكل من جسد السيد المسيح ويشرب من دمه فهو لم يستفد من ذبيحة الصليب أو من عملية الخلاص التى أتمها السيد المسيح له المجد. لأن السيد المسيح صلب ومات عن البشرية كلها.. ولكن الذى يأكل من جسده ويشرب من دمه هو فقط الذى أستفاد من عملية الفداء..، عندما أشبع السيد المسيح الشعب من الخبز والسمك، ثم تبعوه ليأكلوا من هذا الخبز، وجه أنظارهم إلى الخبز الحى.. ولهذا فلابد فى هذا المجال أن نتحدث بإيجاز عن سر الأفخارستيا. (أسماء السر ورموزه):- لهذا السر أسماء كثيرة، وكل منها يدل على معنى مخصوص من مفاهيمه ومقاصده السامية ومنافعه الفائقة للطبيعة. وكلها مأخوذة من نصوص وروح الكتاب المقدس، وهذه بعضها: الأفخارستيا وهى كلمة يونانية معناها الشكر، سر الشكر، مائدة الرب، المائدة الربانية، العشاء السرى، العشاء الربانى، سر التناول، الأسرار الألهية، المائدة الرهيبة، الذبيحة المقدسة، الجسد والدم، الذبيحة غير الدموية، خبز الحياة، المائدة المقدسة، الخبز السماوى، طعام الحياة، سر الأسرار، الوليمة الألهية، الوليمة السماوية، السر المجيد،.. إلى غير ذلك من الأسماء الدالة على سموه وعظمته. سمو السر:- أسرار الكنيسة السبعة هى نعم فائقة جليلة سماوية، ينالها المؤمن بمواد يقدسها الروح القدس باستحقاقات سر الفداء العظيم الذى أكمله ربنا يسوع المسيح على الصليب، وهى سرية باطنية ينالها المؤمن تحت العلامات والمواد المنظورة التى تتقدس كما رسم لها الله تعالى وما هى إلا بمثابة قنوات ومجارى تتدفق فيها النعم من نهر الفداء العظيم، لذلك من طقسها رسم الصليب وذكر الفداء وأنه وإن كانت جميعها سامية جليلة لخلاص المؤمنين وتقويتهم فى الحياة الروحية والجسدية..الخ إلا أن العشاء الربانى أسماها مقاما، وأغزرها فيضا وأعمها شمولا، وأكثرها إظهاراللحب الفائق فى سر الفداء العجيب للأسباب الآتية:- أولا: سموه عن الأدراك حيث أن المادة المنظورة فى كل سر غيره تلبث كما هى غير متغيرة ولا مستحيلة، ولكن فى سر التناول لا تلبث المادة أى الخبز والخمر على حالها بل تستحيل أو تتغير، أما الخبز فإلى ذات جسد المسيح وأما الخبر فالى دمه، وذلك بوجه سرى يفوق الفهم كما شاءت سلطته وقدرته العلوية. ثانيا: عظم الموهبة والنعمة التى ينالها المتقدم لهذا السر فان ربنا له المجد يهب المؤمنين بعضا من مواهب الخلاص بواسطة الأسرار الأخرى كل بحسب غايته وطبيعته، إلا أنه فى هذا السر يقدم لنا ذاته المقدسة غذاء وشرابا فتجرى إلينا وفينا حياته وتصير حياتنا كما أنه بذلك يجعل المؤمنين جميعا جسدا واحدا أو روحا واحدا. ثالثا: أن الرب يقدس بروحه الأقدس سائر الأسرار ولكنه فى هذا السر يحضر بلاهوته وناسوته معا، فيلهب قلوبنا بالأشواق المقدسة والعبادة الحارة لشخصه المبارك. رابعا: أن الأسرار الأخرى من بركات ذبيحة الفداء أما هذا السر فهو الذبيحة نفسها. ظروف اقامة السر كالوعد ونصوصها الصريحة:- لماذا أسس رب المجد سر الأفخارستيا فى الليلة الأخيرة؟؟ ما الفرق بين سر الأفخارستيا، وذبيحة الصليب؟؟ إن الظروف التى أسس فيها هذا السر تعطينا دليلا واضحا على صدق العقيدة الأرثوذكسية. (أولا) نجد السيد المسيح مارس أولا الفصح اليهودى الذى كان يرمز لهذا السر وبعد اتمامه وختمه شرع فى تأسيس الفصح الجديد أى أنه خرج من الظل إلى الحقيقة ومن الصورة والمثال إلى الواقع وكما كان العهد القديم مثبتا بدم الحيوانات، هكذا نجده ثبت العهد الجديد بدمه الثمين ولو كان ثبته بالخمر فقط كما تزعم بعض الطوائف لكان العهد القديم أشرف من العهد الجديد وهذا لم يقل به أحد. (ثانيا) إن السيد سلم السر لتلاميذه فى آخر ليلة من حياته على الأرض والانسان عادة فى مثل هذه الساعة يتوخى الأيضاح والأفصاح لا الأبهام والتأويل، مهما عاش كل حياته يتكلم بالمجاز والألغاز، فهل السيد المسيح الذى كان يفسر لسامعيه كل اقواله يصدر منه إبهام وألغاز وقت الإيضاح والإفصاح؟ حاشا.. (ثالثا) إذا رجعنا إلى نصوص الأناجيل الثلاثة التى وردت فيها حادثة تأسيس السر وهى فى متى 26 ومرقس 14 ولوقا 22 نجدها تصف وليمة حدثت فعلا، وليس هناك فى وصفها مجال للأبهام بل هى غاية فى الصراحة والأفصاح. لأن جميعها تنص أن السيد أخذ خبزا وبارك وشكر وكسر وأعطى تلاميذه قائلا: خذوا كلوا هذا هو جسدى والخمر قائلا اشربوا هذا هو دمى.. أليست هذه الألفاظ تصف أفعالا حدثت بالتمام (أخذ – وبارك – وشكر – وكسر – وأعطى – وقال -..الخ) وقد فهم الرسل أقواله وأفعاله كما تفهمها الكنيسة الآن وسلموها لها فى مفترق أنحاء المعمورة سالمة كاملة كما هى. وآمنت بها الأمم الكثيرة المختلفة الأجناس والمجامع المقدسة لمدة أجيال عديدة وأزمنة مديدة فهل خدع السيد المسيح تلاميذه وهم أيضا خدعوا الكنيسة والأمم والمجامع وبقيت هذه الضلالة راسخة بالكنيسة حتى القرون المتأخرة؟ هل هذا منطق معقول؟ ومن يتجاسر أن يقول ذلك أو يؤمن بغير ما سلمه المسيح لتلاميذه وسلمه هؤلاء للكنيسة وباق فيها إلى اليوم. بعض افتراءات الطوائف ضد الكنيسة الأرثوذكسية والرد عليها:- دحض استعمال الفطير:- سارت الكنيسة بأسرها شرقا وغربا من فجر المسيحية حتى القرن ال 11 على أن تقدم مادة الجسد فى هذا السر المبارك من الخبز المختمر وقد استمرت الكنائس الأرثوذكسية وستستمر على ذلك إلى أن يجىء الرب فى مجيئه الثانى. إلا أن الكنيسة البابوية منذ ذلك القرن أجازت تقديم المادة فطيرا عوض الخبز المختمر وأصل هذه البدعة يرجع إلى أبو ليناريوس المبتدع الذى ظهر فى القرن الرابع وجدف قائلا: إن المسيح فى تجسده من البتول صار جسدا بلا نفس بشرية ولا عقل بشرى، زاعما أن لاهوت السيد قد ناب فيه عنهما وبناءا على هذا الزعم الفاسد صار يقدس سر الشكر بالفطير خلوا من الخمير والملح مشيرا بذلك إلى عقيدته فى ناسوت المسيح، وقد حرم هذا التعليم فى المجمع المسكونى الثانى سنة 381 م ومن الغريب أن الكنيسة البابوية تنكر تعليم أبو ليناريوس بخصوص ناسوت مخلصنا، ولكنها تجيز تقديم مادة السر من الفطير مع أن هذا مبنى على ما تنكره كما ذكرأما الأدلة التى تقدمها الكنيسة الأرثوذكسية على مخالفة الكنيسة الرومانية فى ذلك للطقس الذى وضعه ربنا له المجد فهى كما يلى: أولا: الأنجيليون الثلاثة الذين تكلموا عن تأسيس السر قالوا بصريح العبارة (خبزا) مع العلم بأن كلا من الكلمتين (الخبز) و (الفطير) كانت تستعمل لغرض لا تستعمل له الأخرى، وقد فرق الكتاب بينهما بصريح اللفظ والمعنى. فالفطير له أسمه الخاص، ولا يمكن أن يطلق عليه اسم الخبز عد 6: 9. ثانيا: عندما تكلم بولس الرسول وقال سلمتكم ما تسلمت من الرب أنه فى الليلة التى أسلم فيها ذاته.. الخ ذكر مادة السر وسماها (خبزا) 1 كو 11: 23، وهذا يطابق ما أوضحه سفر الأعمال عن الكنيسة فى فجر عصورها حيث يقول فى ص 2: 42 وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات (أع 2: 46، 20: 7، 1 كو 10: 16، 17). ثالثا: كلمة (آرطوس) اليونانية التى تكلم بها الوحى تعنى حبزا مختمرا مرتفعا لا هابطا، أما الكلمة الأخرى التى تعنى (فطيرا) فهى (آزيموس) ولم ترد مطلقا فى أثناء الكلام عن السر، وعليه فمن يقولون أن المسيح أخذ خبزا فطيرا كأنهم يجعلون العبارة متناقضة هكذا (آرطوس آزيموس) أى خبزا مرتفعا (يعنى مختمرا) بلا خمير وكيف يكون الخبز الواحد مختمرا وبلا خمير؟. رابعا: قد سارت الكنيسة بأسرها على تقديم السر بمادة الخبز حتى القرن ال11 حيث انشقت الكنيسة الرومانية فى ذلك، فهل كانت سائرة على خطأ كل هذه القرون؟ ومما يؤيد ذلك أننا لو رجعنا إلى أقوال الآباء الأقدمين كيوستينوس فى احتجاجه الأول، وإيريناوس ضد الهرطقة، والذهبى الفم، وكيرلس الأورشليمى تجدهم لم يذكروا مادة السر إلا بلفظه الخبز الأعتيادى أو الخبز المختمر والقديس أبيفانوس رئيس أساقفة قبرص المتنيح سنة 403 م عندما تكلم عن هرطقة الأبيونيين قال: (أنهم كانوا يتمسكون بالشريعة الموسوية وأنهم كانوا يتممون سر الأفخارستيا بفطير وماء فقط) موضحا أن ذلك مخالف لعادة الكنيسة لقد حرصت كنيستنا الرشيدة المؤيدة بالروح القدس على تقديم الذبيحة الإلهية من خبز مختمر لا كفطير، لأن الفطير يشير إلى حياة السيد المسيح له المجد قبل الصلب فقط وأعماله كانت خالية من الخمير الذى هو رمز الشر، أما وقد حمل خطايانا فى جسده على الصليب وقدم ذاته ذبيحة خطية عنا.. لذلك لزم جدا أن يضاف الخمير فى الخبز المقدم فى القداس إشارة إلى الخطية التى حملها فى جسده لأن ذبيحة القداس الألهى تشمل الصليب وما قبل الصليب ولكن الكنيسة لم تكتف بوضع الخمير فقط، بل لزم أن يدخل النار حتى تموت هذه الخميرة ثانيا كما ماتت الخطية فى جسد المسيح المقام من الأموات، فالخميرة موجودة فى قربان القداس ولكنها ميتة بفعل النار، وكما أبطلت النار فعل الخميرة كذلك أبطل المسيح الخطية يقول البعض من أين جىء بالخبز المختمر للسيد المسيح فى وقت كان محظورا على بنى إسرائيل تواجد للخمير فى بيوتهم أثناء أكل الفصح؟ وللأجابة على ذلك نشير إلى أن السيد المسيح أتم طقس الفصح قبل اليهود بيوم كامل، وفى موعده حسب شريعة موسى النبى، بسبب ما ذكرناه سابقا.. وهذا معناه أن الأستعداد عند اليهود كان يوم الجمعة.. وهذا يعنى وجود خبز مختمر فى بيوت اليهود يوم الخميس مساءا حيث أتم السيد المسيح الفصح، إذا يتبين من كل ما ذكر أن وجود الخمير مساء يوم الخميس ليلة الجمعة حيث صنع السيد الفصحين معا أمر ميسور جدا وبهذا يسقط الأعتراض من أساسه. دحض من ينكرون أن سر الأفخارستيا هو رمز فقط:- لا يوجد حديث أكثر قوة من حديث مخلصنا الذى تكلم بشكل واضح لا غموض فيه أو لبث، وعندما تشكك البعض من كلامه لم يلتفت إليهم، فالله عندما أوصى العبرانيين بنظام الذبائح بواسطة موسى وهارون والكهنة، هل كان يمكن أن يعترض أحدا من اليهود على هذه الطقوس، برغم عدم فهمهم فى ذلك الحين الغرض (الجوهرى)، الذى ترمز إليه تلك الذبائح؟ كذلك بالنسبة لسر الأفخارستيا الذى ثبته لنا السيد المسيح له المجد، هل يجوز لنا نحن البشر بعقولنا وتفكيرنا المحدود أن نناقش رب المجد فى هذا الأمر لقد ورد فى انجيل القديس لوقا 22: 19، 20 (وأخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم قائلا هذا هو جسدى الذى يبذل عنكم..وكذلك الكأس، قائلا هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى الذى يسفك عنكم) فما دام هناك جسد يبذل ودم يسفك فهذا هو الذبيحة الحقيقية ثم لنلاحظ قوله العهد الجديد، ونحن نعلم أن العهد القديم تثبت بذبائح ودم الحيوانات (خر 24) فلا بد إذا لثبات العهد الجديد من ذبيحة أسمى ودم أعلى بمقدار ما سما العهد الجديد عن العهد القديم، إذا من نفس النصوص الإلهية والمقارنة بين العهدين نعرف يقينا بأن هذا السر ذبيحة مقدسة إن الذين يجردون العهد الجديد من الذبيحة الحسية ويكتفون بالقول أن ذبيحته هى الصلوات والصدقات ليس إلا، يجعلون العهد القديم أشرف من العهد الجديد، لأن الصلوات والصدقات كانت موجودة أيضا ومحتمة فى العهد القديم، وفوق هذا فإن ذبائح العهد القديم مع أنها كانت يصور شيئا مزمعا كيانه فى المستقبل أعنى به صلب المسيح، فانها كانت تقدم بصورة حسية مادية من ثيران وخرفان..الخ، فإذا من باب أولى ذبيحة العهد الجديد التى تصور موت المسيح الذى سبق حدوثه وتم فعلا. بل أحرى أن يقال أنها ذات ذبيحة الصليب يجب أن تكون حسية مادية لا معنوية فقط كالصلوات ولو عرف المكتفون بالصلوات والصدقات معنى الذبيحة الحقيقية وما يتعلق بها لأدركوا مقدار شططهم فيما يتمسكون به، لأن الذبيحة الحقيقية لها شرطان ضروريان (الأول): أن تكون غايتها الأساسية التعبد والمذلة لله، فكل التقدمات والذبائح الموسوية أمر الرب بتقديمها بحال حسية منظورة تعبدا له واعترافا بربويته، ولكى تتجسم العبادة الباطنية الغير المنظورة، تبعا لتركيب الأنسان الطبيعى من روح مقترن بجسد، فكل انفعالات الروح الباطنية تتم وتظهر جسديا، ولا يمكن أن تكون عبادتنا الباطنية كاملة إلا إذا اقترنت بالذبائح الحسية لأننا لسنا أرواحا مجردة كالملائكة أما الشرط (الثانى) فهو ضرورة تقديم الذبيحة لله ذاته كما كان يفعل بمحرقات العهد القديم ةإلا فأنها تفقد الغرض الأساسى المقصود من تقديمها وهو التعبد لله تعالى. وعليه فكل ما يعطى ويقدم للناس من صدقات وحسنات لا يعتبر ذبيحة لله ذاته، (لأن معظم البشر من أديان وعقائد مختلفة) يفعلون ذلك من باب التعاطف بين البشر ومساعدة الأنسان والنتيجة من كل هذا أنه لا يمكن أن تخلو ديانة العهد الجديد من ذبيحة حسية مادية، كما لا يمكن اعتبار الصدقات ذبائح حقيقية لأن الذبيحة الحقيقية هى التى تقدم لله ذاته وبها نعترف بألوهيته ونقر بربوبيته لنا وتعبدنا له نضيف على ذلك أن السيد المسيح له المجد أعطى للجموع خبزا عاديا ليأكلوا (مع سمكا)، ولم يقل لهم وقتئذ أنه جسده.. وأكل الناس وشبعوا وكانت هناك بركة كبيرة بزيادة الفائض من الكسر والخبز حوالى أثنا عشر قفة مملوءة، وفى هذه المعجزة لم يقل لهم السيد المسيح أن هذا الخبز هو جسده، فلماذا يخلط دعاة (الرمز) الأمور ببعضها؟. الأعتراض على مزج الخمر بالماء:- يعترضون قائلين كيف تمزجون الخمر بالماء فى ممارسة السر مع أن الأنجيل لم ينص بهذا؟ الجواب عليه: اننا أخذنا ذلك من التقليد بالتسليم من الرسل أنفسهم الذين تسلموه من السيد له المجد. وإذا كان الأنجيل لم يذكر عن السيد أنه مزج الخمر بالماء فإنه لم يقل أيضا أن ما أعطاه لتلاميذه هو خمر صرف غير ممزوج يردون بالأعتراض على التقليد، فنوضح لهم أهمية التقليد فى كنيستنا الأرثوذكسية، وضرورة التمسك به وهنا نذكر بعض أقوال الآباء عنه: فالقديس أبيفانيوس أسقف قبرص المتنيح سنة 403 م قال: " إن التقليد لا بد منه، لأن الكتاب المقدس لا يتضمن كل شىء، على أن الرسل الأطهار تركوا أشياء فى الكتاب وأشياء فى التقليد – وأسابيوس المؤرخ يقول فى محاماته عن الأنجيل (إن رسل المسيح قد ألفوا أمورا بعضها مكتوب وبعضها غير مكتوب لتحفظ كأنها ناموس غير مكتتب) جاء فى أوامر الرسل هكذا (وقد أخذ الكأس ممزوجة خمرا وماء وقدسه، وأعطاهم قائلا اشربوا منه) – أما عن الآباء القديسين، فقد ذكره القديس ايريناوس فى كتابه ضد الهراطقة ويوستينوس فى احتجاجاته، والقديس كبريانوس بالقرن الثالث يقول (من التقليد تعلمنا مزج الخمر بالماء فى القداس) رسالة 63.وعلاوة على أن هذا التقليد غير مناقض للوحى كما ذكرنا فى مستهل الكلام، فإننا نجد فى الأنجيل إشارة عن مزج الخمر بالماء حيث يقول عن صلب السيد المسيح: (ولكن واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء) يو 19: 34، 1 يو 5: 6، 8 وهناك إشارة أوضح فى أقوال سليمان الحكيم عندما تكلم عن السيد المسيح وبناء كنيسته بالسبعة الأسرار، قال وهو يشير عن هذا السر (الحكمة " أى المسيح " ذبحت ذبحها مزجت خمرها) أم 9: 2 وفى ع 5 يقول السيد المسيح اشربوا من الخمر التى مزجتها. فمن قوله عن الخمر أنها مزجت وهو يشير إلى هذا السر نفهم بوضوح مزج الخمر بالماء. لذا نجد الكنيسة تسلمت هذا الأمر منذ ابتدائها. هل هناك فرق بين ذبيحة الصليب وذبيحة القداس؟:- لا فرق بين ذبيحة الصليب وذبيحة القداس من حيث الضحية نفسها. إذ يقول الكاهن معترفا بالقداس (أؤمن أؤمن أؤمن وأعترف إلى النفس الأخير أن هذا هو الجسد المحيى. الذى لإبنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. أخذه من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة مريم. وجعله واحدا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. واعترف الأعتراف الحسن أمام بيلاطس البنطى وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدسة بإرادته وحده عنا كلنا، بالحقيقة أؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين، يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. أؤمن أؤمن أؤمن أن هذا هو بالحقيقة آمين) وذلك تبعا لقول السيد (والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم) وقوله (إن لم تأكلواجسد ابن الأنسان.. الخ) يو 6: 51، 53 وعندما نرجع إلى النصوص المتعلقة بتسليم السر من السيد له المجد إلى تلاميذه الأطهار ليلة صلبه نجده فوق تأكيده لهم أن ما يسلمه إليهم هو جسده ودمه بالذات، حيث قال جسدى ودمى فإنه قد جعل (مزية غفران الخطايا) التى لذبيحة الصليب هى بذاتها الهبة أو المزية التى لذبيحة العشاء السرى حيث جاء فى متى 21: 26 – 28 (وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدى وأخذ الكأس وشكر واعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا) وفى مرقس 14: 22 – 24 يقول (خذوا كلوا هذا هو جسدى ثم أخذ الكأس وشكر واعطاهم فشربوا منها كلهم وقال لهم هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين) وجاء فى رسالة بولس الرسول الأولى لكورنثوس 12: 27 – 29 (إذا أى من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرما فى جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الأنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس لأن الذى يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب) والخلاصة مما سبق أن ذبيحة الصليب وذبيحة القداس هما ذبيحة واحدة أشرقت مرة على الصليب ؛ وتشرق كل يوم على مذابحنا.. وهى هى واحدة لا تكرار ولا فرق بينهما لا فى الضحية نفسها ولا فى مزاياها ولا فى مقدمها، لأن مقدمها فى الحالتين هو السيد المسيح بصفته رئيس كهنة (فالأولى قدمها بنفسه والثانية أسسها وأعطى لوكلائه العاملين بأسمه وتفويضه أن يقدموها) الذبيحة الأولى كانت على الصليب، كانت منظورة أمام العين البشرية جسدا ودما. أما الثانية فهى غير منظورة بالعين الجسدية، هى جسد ودم فى شكل الخبز وعصير الكرمة الذبيحة الأولى الصليبية قوتها واستحقاقاتها عامة، أما الثانية فقوتها واستحقاقاتها خاصة مستمدة من الأولى.. ويستفيد منها من يتناولها فقط ولعلنا ندرك الآن لماذا رتب السيد المسيح له المجد أن يؤسس سر الأفخارستيا فى اليوم السابق مباشرة لصلبه.. للعلاقة الوثيقة والواحدة بين الذبيحتين. تحذيرات الرب لبطرس وللتلاميذ:- السيد المسيح كان يعلم أن الشيطان سينتهز فرصة صلبه لكى يهز إيمان التلاميذ كما فى غربال لكى يسقطهم، وأعلم الرب بطرس أنه سينكره ثلاث مرات قبل صياح الديك، ثم حادث الرب تلاميذه منبها إياهم إلى ضرورة الأستعداد الروحى التام.. وتحدث عن سيف الروح، وكلمة الله (أفسس 6: 7) إلا أن التلاميذ لم يفهموا قصده وأشاروا إلى وجود سيفين.. فطلب منهم السيد المسيح الكف عن هذا الفهم الخاطىء، وكذلك حادثهم عن مجده. وقال قد تمجد أبن الأنسان معتبرا أن صلبه هو أعظم أمجاده حيث سيغلب قوى الشر، وبهذا يتمجد الله فيه مستوفيا عدله، وسيمجده الله سريعا بالظواهر التى صاحبت صلبه ثم قيامته.. وكذلك عندما يجلس عن يمين العظمة ويأخذ اسما فوق كل اسم كذلك أوصى السيد المسيح تلاميذه بأن يحبوا بعضهم بعضا، والحب وصية قديمة، إلا أنه أعطاها مفهوما جديدا، إذ قال إن درجة هذا الحب المطلوب هى أن يكون هذا الحب كحب السيد المسيح لنا إذ أسلم نفسه فداء عنا..! هذا الحب هو علامتنا كمسيحيين. التسبيح بالمزامير:- ثم سبح السيد المسيح مع تلاميذه حسب طقوس الفصح. حديث الرب الوداعى للتلاميذ:- وقبل أن يخرج السيد المسيح مع تلاميذه من بيت مارمرقس بدأ معهم حديثه الوداعى الطويل والذى سجله لنا القديس يوحنا فى أربعة اصحاحات هى الأصحاح الرابع عشر، والخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر، بدأ حديثه فى العلية فى بيت مارمرقس واستمر طوال الطريق وكذلك فى بستان جثسيمانى المكان الذى أختاره ليتم القبض عليه فيه حدثهم وهم فى العلية عن السماء موضع راحتهم، وعن أنه هو الطريق ولا يوجد طريق سواه، وحدثهم عن إستجابة الله لصلواتهم وعن الروح القدس المعزى الآخر الذى سيرسله إليهم، والذى سوف يمكث معهم إلى الأبد، وعن الشركة الدائمة بينه وبينهم بعد إنطلاقه.. وحدثهم أيضا عن إرشادات الروح القدس لهم، وترك سلامه الذى يفوق كل عقل، وكذلك حدثهم عن إغتباطه بإنطلاقه ثم قال لهم: " لكن لكى يعرف العالم أنى أحب أبى وأنى أعمل ما أوصانى به أبى. قوموا ننطلق من هنا " (يو 14: 31). وطبعا الأنطلاق ليس للهرب ولكن إلى البستان المكان الذى اختاره ليتم القبض عليه فيه، والذى يعلم يهوذا أنه سيجد فيه السيد المسيح إذ لم يجده فى بيت مارمرقس إذ لم يجده فى بيت مارمرقس إذ كان قد قضى الليالى الكثيرة مع السيد المسيح والتلاميذ فى الصلاة فى هذا البستان وفى الطريق حادثهم السيد المسيح عن الثمار المطلوبة منهم وعن المحبة التى فى قلوبهم تجاه كل الناس وتجاه بعضهم البعض.. وحدثهم عن بغضة العالم وأهل العالم لهم.. وحدثهم ثانية عن المعزى روح الحق الذى يشهد للسيد المسيح (يو 15) وكذلك حدثهم فى الطريق عن المتاعب التى تنتظرهم ولكنه سيرسل لهم المعزى الذى سيبكت الأشرار على خطاياهم، ومن يفتح ذهنه لعمل روح الله يقبله الله، وحدثهم عن لقائه بهم بعد قيامته وأنه سوف يستجيب طلباتهم، وأنه سيترك حالة التواضع هذه ويعود إلى مجده.. (يو 16)..ولكن يبدو أن التلاميذ حتى هذة اللحظة كانوا غير مدركين تماما لموضوع الفداء ودور السيد المسيح وهو مقبل على الصلب..، ومثلهم مثل بقية الشعب اليهودى كانوا يتطلعون إلى المسيا الذى يخلص الشعب من نير الحكم الرومانى.. وإلى إعادة مجد الدولة العبرية وفى البستان قدم فى حديثه صلاة من أجل أن يمجده الله كما مجد هو الله الآب (شهد له يهوذا بأنه أسلم دما بريئا، شهدت له زوجة بيلاطس، وشهدت له عناصر الطبيعة، شهد له بيلاطس، شهد له هيرودس، شهد له لونجينوس " قائد الكتيبة "، اللافتة التى علقوها على الصليب لم تدنه بشىء)، وكذلك صلى من أجل تلاميذه لكى يحفظوا ويتقدسوا ويتمجدوا. (يو 17). الآم الرب فى البستان:- طلب السيد المسيح من تلاميذه البقاء فى البستان، وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وطلب منهم السهر والصلاة، ثم انتحى جانبا فى صلاة حارة، صلى ثلاث مرات وكان يعود كل مرة ليجد بطرس ويعقوب ويوحنا نائمين كان حزنه واكتئابه ليس آلاما جسدية وإنما صراع روحى رهيب، هو كذبيحة محرقة موضع سرور أمام الأب، وموضع سرور لنفسه، ولكن أن يكون ذبيحة خطيئة وإثم وتقع عليه جميع خطايا العالم منذ خلقته وحتى يوم القيامة.. لا يكون هذا موضع سرور لنفسه ولا للأب، ولم يذكر العهد القديم أن ذبيحة الخطيئة والأثم رائحة سرور أمام الله، من هنا نفهم كيف أن الأب اشتم ذبيحة السيد المسيح كرائحة سرور وهو يمثل ذبيحة المحرقة، وكيف أن الآب حجب وجهه عن السيد المسيح وهو يمثل ذبيحة الخطية وهو يرفع جميع خطايا العالم فى جميع العصور وهو البار الذى " لم يعمل ظلما ولم يكن فى فمه غش " (إشعياء 53: 9)، ومن هنا نفهم لماذا صرخ السيد المسيح نحو الآب قائلا: " إلهى..إلهى..لماذا تركتنى.. " (وهو يمثل ذبيحة الخطيئة).إن الذين حاولوا رسم صورة السيد المسيح وهو على الصليب، (وبرغم إجتهاداتهم الفنية)،.. لم يتوصلوا بعد لرسم الصورة الحقيقية التى تعبر عن الآم السيد المسيح وهو على الصليب.. وجهه ملطخ بالدماء.. والطين من تكرار سقوطه على الأرض.. الآلام النفسية من استهزاء الرعاع به، وهو الخالق القادر على إبادتهم بنفخة من فمه، وحزنا على البشرية الساقطة.. تقلصات جسمه وعضلاته من الآم الجلد بالسياط، ودق المسامير، وحمل خشبة الصليب..، نريد فنانا روحيا يتفاعل مع أحداث الصليب.. يرينا مع صورة المسيح فى خلفية الصورة ذبيحة المحرقة.. وذبيحة الخطية.. إنها دعوة لكل فنان مجتهد..!. هذه الآلام النفسية والجسدية كانت مهولة.. صرخ السيد المسيح من شدة الألم معبرا عن رغبته الطبيعية فى تجنب الألم ولكنه جاء خصيصا من أجل هذا، لذلك قال: " يا أبتاه إن شئت فجنبنى هذه الكأس " ثم قال بعدها: " لتكن لا مشيئتى بل مشيئتك " خضعت مشيئته الناسوتية كما هى خاضعة دائما لمشيئته اللاهوتية، ليس له مشيئة منقسمة بل مشيئة واحدة هى مشيئة الآب التى هى مشيئة الأبن بإستمرار ظهر له الملاك يمجد لاهوته ليتقوى ناسوته. وتقول كتب الكنيسة أن هذا الملاك هو رئيس الملائكة جبرائيل وأنه جاء يسبح الله قائلا: " لك القوة " (لوقا 22: 43) ظاهرة العرق الدموى هى ظاهرة نادرة، لأنه فى الأحوال العادية حين يزداد الألم بالإنسان حتى لا يستطيع أن يتحمل، ففى هذه الحالة غالبا ما يفقد الإنسان وعيه، ولكن إذا لم يحدث هذا فإن الشعيرات الدموية المحيطة بالغدد العرقية يزداد الضغط عليها فتنفجر وينضح الدم من البشرة مختلطا بالعرق، وهذا لا يحدث من جبهة الأنسان فقط بل من الجسم كله. ويكون نتيجة إختلاط الدم بالعرق أن يحدث نسمم فى جسم الأنسان وهذا ما أبرزه القديس لوقا الأنجيلى والطبيب القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس أسبورتنج عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل