المقالات

24 سبتمبر 2018

الأساس اللاهوتى للأيقونة

إن إكرام الأيقونات فى كنيستنا الأرثوذكسية يستند إلى أهم عقيدة نؤمن بها ، ولها أثر مباشر فى قضية خلاصنا ، وهى عقيدة تجسد الله وحضوره الحقيقى بيننا ؟ فعندما نكرم الأيقونات فإننا نعلم إيماننا بحقيقة تجسد وتأنس ربنا يسوع المسيح ففى العهد القديم تعامل الله على الناس بواسطة أفعال إلهية وعن طريق أفواه الأنبياء أما فى العهد الجديد فقد تجسد كلمة الله "وحل بيننا ورأينا مجده" (يو 14:1) ،"الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة . كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه .. الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمته قدرته" (عب 1:1-3) أى أن الآب نفسه ظهر للبشر بشخص الابن "أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفنى يا فيلبس ؟! الذى رأنى فقد رأى الآب" (يو 9:14) أى أننا نستطيع أن نرى الله فى شخص ربنا يسوع المسيح ، وهذا ما نتميز به عن الوضع فى العهد القديم لأن المسيح هو "صورة الله غير المنظور (كو 15:1) ، لذلك أمكننا أن نرسم أيقونة للمسيح "الذى هو صورة الله" (2كو 4:4) كفلاحة منظورة لحضور الله غير المنظور وتأكيد لهاذا الحضور الإلهى وتنبيه للذهن إلى أصل الصورة أى المسيح نفسه . فنحن لا نخلط بين الصورة والأصل ولا نعبد الخشب والألوان والأوراق التى تكون الصورة بل نعبد الله الحى وحده ونكرم أيقونته . 2- عهد الناموس والأيقونات لقد منع شعب العهد القديم من صنع الأصنام والصور وعبادتها : "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من تحت وما فى الماء من تحت الأرض . لا تسجد لهن ولا تعبدهم" (خر 20: 4،5) فكيف نفس هذا الأمر؟إن المعنى الحقيقى لهذه الوصية واضح فيما قبله من آيات : "أنا الرب إلهك الذى أخرجك من ارض مصر من بيت العبودية . لا يكن آلهة أخرى أمامى" (خر 20: 2،3) فالغرض من الوصية ألا ينقاد الشعب إلى عبادة غريبة عن الله ، خاصة وأنهم كانوا قد خرجوا للتؤمن أرض مصر التى تلوثت بعبادات وثنية عديدة وآلهة كثيرة وكانوا - وقتئذ وحتى مجئ المسيح - محاطيه بأمم كثيرة تعبد آلهة عديدة مصورة فى تماثيل وأحجار وألواح ... لذلك كان يؤكد الله عليهم دائماً آلا يختلطوا بالأمم وألا يتنجسوا بعباداتهم الرديئة "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى" (اش 6:44) ومع ذلك فقد سقط الشعب الإسرائيلى مراراً عديدة فى العصيان وعبادة الأوثان لذلك كان من المنطقى أن يشدد الله عليهم آلا يلتفتوا إلى النحوتات ومصنوعات الأيادى والصور وأن يعبدوا فقط الله غير المنظور ومع وجود هذا المنع القاطع إلا أن الله قد أوص شعبه فى العهد القديم أن يصنع بعض الأدوات المادية التى تساعد فى العبادة وأن تنال هذه الأدوات كرامة وتقديساً يليق بالله الحاضر فيها والمعلن عنه بواسطتها مثل : 1- لوحى العهد : "ثم قال الرب لموسى أنحت لك الوصية من حجر مثل الأولين . فأكتب أنا على اللوحين الكلمات ..." (خر 1:34) ولا شك أن هذين الوصية قد نالا كرامة ومجداً واحتراماً من بنى إسرائيل ولم يكن أحد يجرؤ أن يلمسها أو حتى أن ينظر إليهما إذ قد حفظا فى التابوت الذى لا يلمسه أحد به يحمله اللاوليون بطقس خاص دون أن يلمسوه ومع كل هذا التوتير الزائد للالواح لم يكن يعتبر هذا انحراف أو عيادة ألواح 2- محتويات خيمة الاجتماع : وقد شرح الرب لموسى أدق تفاصيل صناعة التابوت والمائدة والمذبح مرحضة النحاس والمسكن وكل هذه كانت تعامل بوقار وهيبة ولا يقترب إليها إلا اللايون باستعدادات خاصة وبطرق خاصة حتى أنه عندما "مد عزة يده إلى تابوت الله وأمكن لأن الثيرات انشمصت ، محمى غضب الرب على عزة وضربه الله هناك لأجل غفلة فما ، هناك لدى تابوت الله" (2صم 6: 6،7) 3- تماثيل أخرى : فقد أوصى الله بعمل تمثالين من الذهب للكاروبيم "وتصنع كروبين من ذهب . صنعة خراطة تصنعهما على طرفى الغطاء . فاصنع كروبا واحداً على الطرق من هنا . وكروبا آخر على الطرق من هناك . من الغطاء تصنعون الكروبين على طرفين . ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظللين بأجنحتها على الغطاء ووجهاهما كل واحد إلى الآخر . نحو الغطاء يكون وجهاً الكروبين" (خر 25: 18-20) وهذا الكاروبان اسماها معلمنا بولس " كاروبا المجد" (عب 5:9) 4- فى هيكل سليمان : "وعمل فى لامحراب كروبين من خشب الزيتون على الواحد عشر أذرع ... وشكل واحد الكروبين ... وغشى الكروبين بذهب . وجميع حيطان البيت فى مستديرها رسمها نقشاً بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج ... ورسم عليها نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور ... وبنى الدار الداخلية ثلاثة صفوف منحوته وصفاً من جوائز الأرز" (1مل 6: 23-36) وأشكال أخرى كثيرة عملها الملك سليمان نعمل تماثيل لأثنى عشر ثوراً يحملون حوضاً كبيراً للمياه له شفة منقوشة بمنظر قثاء مستديراً صغير والشفة نفسها كمثل شفى كأس بزهر سوسن (راجع 1مل 7: 23-26) ، ومناظر أسود وثيران وقلائد زهور وأكاليل أعمده مزينة برمانات ... الخ راجع 1مل 7: 29-50)) كل هذا يدلنا على أن الله عندما أوصى بعدم عمل صور وتماثيل لم يخطر استعمال أدوات للعبادة ولكنه منعاً قاطع عبادة الأوثان وتألين المادة عهد النعمة والأيقونات 3- لقد تغير الوضع بسبب التجسد 1- التجسد قدس المادة وأعاد إليها بهاءها الأول وإمكانية اتحاد الله بالإنسان وتجليه فى المادة صار الله حاضراً فينا ورأيناه وتلامسنا معه فلم يعد قريباً لذهن الإنسان أن يتخيل الله فى شكل وثن كما حدث قديماً بسبب احتجاب الله وانحجاب موفته 2- ترقت البشرية وصار الله يعاملها كالبنين الناضجين "سمعتم أن قيل للقدماء .. أما أنا فأقول لكم ..." فلم تعد هناك رعبة انحراف العبادة إلى الأوثان 3-الله بتجسده قد جدد طبيعتنا الساقطة الفاسدة وجعلنا مشابهة صورته "لأن الذين سبق نعرفهم سبق نعينهم ليكونوا مشبها ينه صورة ابنه ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين" (رو 29:8) ، "الذى سينير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى 21:3) ، لذلك صار فى إمكاننا أن نعاين الصورة الأصلية للإنسان التى قصدها الله فى أدم ... نراها فى أولئك الذين جددهم المسيح بتجسده وحفظوا بطهارتهم نقاوة الصورة فلبسوا "صورة السماوى" (1كو 49:15) ، "ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرأة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2كو 18:3) فالأيقونة الكنسية لا ترسم شخصياً عادياً (كالفوتوغرافى) ولكنها ترسم "الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق" (أف 24:4) . 4- ماذا يحدث فى طقس تدشين الأيقونات ؟:- 1- التدشين هو التكريس أى التقديس والتخصيص لله ... فتصير الأيقونة بعد تدشينها أداة مقدسة لإعلان حضور الله بفعل الروح القدس ؛ لذلك وجب تكريمها والتبخير أمامها وتقبيلها بكل وقار . 2- يقوم بطقس التدشين الأب الأسقف وليس غيره ... والأصل فى ذلك أن كل أعمال الكهنوت كالمعمودية والأفخارستيا وسيامات الكهنوت والشمامسة والتدشين والزواج وغيره كان يقوم بها الأب الأسقف ويعاونه فى ذلك الأباء الكهنة ... وعندما اتسعت المسيحية وكثر المؤمنون وظهرت الحاجة ملحة إلى ممارسات كهنوتيه فى كل مكان وفى أطراف الإيبارشيات ، سمح للكاهن بأن يمارس الممارسات المتكررة كالمعمودية والافخارستيا والزواج ومسحة المرضى وغيره ... أما الطقوس التى قد تمارس مرة واحدة فى العمر وفى مناسبات نادرة مثل تدشين الكنائس والمعموديات والأيقونات وإدارة المذبح فطلب من اختصاص الأسقف بالإضافة إلى سيامات الكهنوت والشمامسة ... 3- فى الصلاة التى يصليها الأب الأسقف لتدشين الأيقونة يذكر الأساس الكتابى واللاهوتى لعمل الأيقونات :- أ- الأساس الكتابى : "أيها السيد الرب الله ضابط الكل أبا ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذى من قبل عبده موسى أعطانا الناموس منذ البدء أن يضع فى قبة الشهادة (خيمة الاجتماع) نماذج للشاروبيم (تماثيل) هؤلاء الذين يغطون بأجنحتهم على المذبح . وأعطيت كلمة لسليمان من جهة البيت الذى بناه لك فى أورشليم" وهنا فى ايجاز تذكر الكنيسة مرجعها الكتابى فى عمل الأيقونة .. وكأنها ترفع أذهان المؤمنين وأن يرجعوا فى الكتاب كل الزينة والنقوش والصور والمثالات التى صنعها كل من موسى وسليمان عند بناء بيت الله سواء أيام أن كان خيمة أو عندما بنى كحجارة ... ب- الأساس اللاهوتى : "وظهرت لاصفيائك الرسل بتجسد ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ليبنوا لك كنائس وأديرة على اسم قديسيك وشهدائك" وهنا تبرز الكنيسة إن الأساس الخريستولوجى الذى تبنى عليه الكنائس وما فيها هو ظهور الابن الوحيد وتجسده كما سبق أن شرحنا فى هذا المقال . ج- عمل الروح القدس : "من أجل هذا نسأل ونطلب منك يا محب البشر أرسل روحك القدوس على هذه الصور التى للقديسين أو (للشهداء) (الفلانيين)" إننا نؤمن إيماناً قاطعاً أن الروح القدس يحل على الأيقونات بالصلاة وبالدهن بالميرون فيقدسها ويؤهلنا للكرامة والتوقير الذين تستحقها فيرشم الأسقف الأيقونات بالميرون وينفخ فيها نفخة الروح القدس قائلاً : "فليكونوا ميناء خلاص . ميناء ثبات .. لكى من يتقدم إليهم بأمانة (بإيمان صادق) ينال نعمة من الله بواسطتهم لمغفرة الخطايا" إنه تعبير رائع تطلقة الكنيسة على الأيقونة إنها ميناء خلاص وميناء ثبات لكل نفس متعبة فى بحر العالم المتلاطمة الذى يزعج سلامنا وأمننا ويهددنا بالفرق فى الخطية والمشاكل والهموم الدينونة .. فتلجأ النفس إلى أيقونات القديسين لدى فيهم إشعاعات النور الإلهى .. وترى فيها إلهام النصرة والطهارة فتتشجع النفس وترتقى إلى السماويات ماسكة برجاء المجد ... ناظرة إلى رئيس الإيمان ومكملة الرب يسوع ... د- خاتمة الصلاة : "لأنه مبارك ومملوء مجداً اسم القدوس أيها الأب والابن والروح القدس الأن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين" حقاً القديسون يمجدونك يارب وبمجد ملكك ينطقون .. ووجودهم بيننا فى الكنيسة هو برهان مجد الله "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات" (مت 16:5) لذلك تعتبر الكنيسة أن تدشين الأيقونة هو مباركة وتمجيد لاسم الله القدوس ... إذ عندما يلتفت المؤمنون إلى كرامة القديسين ومجدهم ترتفع أنظارهم إلى السماء ليمجدوا اسم الله ويباركوه . لك المجد فى جميع القديسين الله نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
23 سبتمبر 2018

العمق الكنسى

كثيراً جداًما نرى الآن بعض من الناس يعيشون بسطحية وهذه السطحية تقودهم إلى التفاهة الفكرية والممارسة السطحية الخاطئة وهذه تقريباً هى المشكلة التى نعانى منها الآن فى هذا الجيل. فقد كان هناك جيل قبل هذا ينقصه المعرفة، وناس بعيدة عن الكنيسة ولا تدخلها إلا فى المناسبات.. أماالآن فقد حدث العكس فكثير من الناس يذهبون إلى الكنيسة، وأصبحت الكنائس ممتلئة بعدد كبير من الناس ولكن ينقصهم العمق.. ودورنا نحن كخدام أن نتجه ناحية العمق والتعميق ولكى نكون فى حياة عمق مع الله لابد أن يكون هناك ثلاث مستويات: ‌أ- الممارسة : أن نمارس بعمق، ولكى أمارس بعمق لابد أن يكون هناك فهم.‌ب- الفهم : أن نفهم ونعى الكنيسة ونعى الممارسة.‌ج- الخدمة : أن أسلم هذه الممارسة للناس. وهذه الثلاثة أشياء (الممارسة، الفهم، الخدمة) سوف تطبقها على أربع نقاط أساسية نود الحديث عنها: 1-الكنيسة. 2-الليتورجيا. 3-الإنسان. 4-الإنجيل. 1- الكنيسة : كلنا نعرف أن الكنيسة هى جسد المسيح، وعندما أقول هذا أفهم أننى عضو فى هذا الجسد وأن بقية الناس أيضاً هم أعضاء فى هذا الجسد، وهذا يقودنا إلى مفهوم الشركة. ومن الخطورة أن أكون مدرك لهذا وفاهم ولا أستطيع أن أمارس. ويجب أن نفهم وندرك أن عضويتنا فى هذا الجسد لا تلقى تميزنا ولكنها تبرزه، وتجعل كل إنسان يستطيع أن يقدم شخصيته من خلال خدمته وهذا لا يلغى الخدام الآخرين، ولا يجعلنى أتكبر عليهم بل على العكس على أن أكون فرحان وسعيد أنم جسد الكنيسة به عدد من الخدام الممتازين. وإذا كنت أفهم وأدرك معنى الكنيسة لابد وأنم أخدم بهذه الروح، وهذه سوف تلغى موضوع العزلة، أن يكون الإنسان جالس فى برج عالى ولا يستطيع أحد الوصول إليه. والذى يفهم معنى الكنيسة يفرح جداً بالخدام وإمكانياتهم ويشعر أنها إضافة إليه ويفرح أن هناك إمكانية جديدة أضيفت إلى الكنيسة.وهكذا عندما أفهم الكنيسة أستطيع أن أعيش حياة الشركة التى فيها وأفرح بجميع الخدام الذين حولى ويخدمون معى. فالكنيسة بها الأسقف والكاهن والشماس والشعب، ولا يمكن أن تصبح كنيسة بدونهم. وهذا لا يعنى أن بها طبقات ولكن بها تمايز من أجل أن يمشى (يسير) العمل، فهذا هو قصد الله أن يكون هناك تمايز وتنوع وتعدد فى الأعضاء من اجل بهاء الكنيسة وبهاء الجسد وتكامله. وهذا شئ يسعدنى أن تكون الكنيسة مثل الفردوس الملئ بعدة أنواع من الزهور والنباتات والتى تصنع فى النهاية جنة حلوة. 2- الليتورجيا : هى الصلوات المشتركة التى تقوم بها معاً فنحن نقوم بالصلاة جماعياً (هذه وسيلة) وسيلة تحقق معنى الكنيسة، فإذا كنا جسد واحد لابد أن نصلى أيضاً بلسان واحد، والليتورجيا تعبر عهن هذا اللسان وسيلة لخدمة الناس، ولها على أن أسأل نفسى أن هى من خدمتى؟ أخشى أن تكون غير موجودة، فنحن فد نهتم بالترانيم والألحان والمهرجانات، وقد تأتى الليتورجيا فى المركز الثانى ولكنها لابد أن تكون فى المركز الأول. فإذا بدأنا فى تسليم الليتورجيا للمخدومين فسوف يعيشوا فى الكنيسة بلا انحرافات ونضمن أنه سوف يثبت فى الكنيسة ويرتبط بها أكثر وأكثر. (التسبحة، القداس، الاعتراف، التناول، الأجبية) كل هذه تجعل الإنسان له أساسات عميقة. والليتورجيا هى التى تشبع الاحتياجات العميقة للإنسان. وقد عاشت الكنيسة حتى القرن ال 20 بالليتورجيا، ففى هذا القرن فقط أدخلنا (مدارس الأحد والتعليم)، أى أنهم كانوا قديسين وأيضاً مستعدين للاستشهاد (أعلى درجة فى الروحيات) من خلال الليتورجيا فقط. فالذى يضع الليتورجيا أساس لخدمته يضع يده على كنز، ويسلم هذا الكنز إلى جيل محظوظ لأنه بمنتهى البساطة سيشربوا الإيمان وبمنتهى البراعة سيعبروا عنه وبمنتهى القوة سيثبتوا فيه إلى المنتهى. وسنجد فى الليتورجيا حلاً للمشاكل اليومية للشباب، فإذا كان فى ضيقة مادية أو اقتصادية تجد أن الكنيسة تصلى من أجل احتياجات الناس. (من أجل الأرملة واليتيم والضيف ومن أجلنا كلنا نحن الذين نرجوك ونطلب أسمك القدوس) فكل الظروف اليومية تعرضت لها الليتورجيا. فهى (الليتورجيا) وسيلة رائعة للخدمة، فكم من الناس رجعوا وتابوا بواسطة الليتورجيا. فإذا كنت أفهم هذا يجب أن أمارسه. 3- الإنسان : الإنسان فى نظر الأرثوذكسية محترم ومهم جداً. اللاهوت الأرثوذكسى يقوم على الاتحاد بين الله والإنسان،أما اللاهوت الغربى فيفصل بين الطبعتين لأنه لا يستطيع أن يفهم أن الله يتحد بالإنسان اتحاد كامل.ونرى جميع البدع والهرطقة فرقوا بين الله والإنسان وقالوا أن الله لا يستطيع أن يتحد بالإنسان ونرى أنهم فى ذلك وقعوا فى أخطاء كبيرة عندما فرقوا بين اللاهوت والناسوت وقالوا أنه لا يستطيع الناسوت أن يتحد بالاهوت بل هناك طبعتين. وقالوا أنه لا يستطيع الناسوت أن يتحد بالاهوت بل هناك طبيعتين. ولكن الفكرالأرثوذكسى (أثناسيوس، كيرلس) قال: ما الذى يستبعد أن الله يتحد بالإنسان؟ أهذا الإنسان نكره؟ أنه محترم جداً ومخلوق على صورة الله ومثاله. فما الذى يجعل الله يستنكر أن يتحد بالإنسان؟ أنه لا بد أن يتحد بالإنسان، لأن الإنسان محترم فى نظر الله. وعندما يتحد الله بالإنسان لا يلغى إنسانيته، ونحن نجد فى المسيح إنسانية واضحة جداً، نجده يبكى ويتحدث كثيراً عن نفسه ويقول "ابن الإنسان" وهذه من أعز الألقاب لديه أبن الإنسان وهذا لأنه يحبنا ويحترمنا جداً. ونجد أن الله أعطى دور للإنسان وهو الجهاد والله عليه دور وهو النعمة، فإذا أنا لغيت وأهملت دور الإنسان، إذن فأنا أحتقره (وهذا هو الفكر البروتوستنتى) وهناك أيضاً من يعظم مكن دور الإنسان جداً ويلغى دور الله (البلاجسيين). وإذا كان الله لا يحترم الإنسان وطبيعته البشرية، لما تجسد وأخذ صورة إنسان ليخلصنا ولو أن دور الله منعدم والإنسان فقط بجهاده فما هى أهمية التجسد؟ كان كل إنسان بجهاده يمكن أن تغفر له خطيته. ولكن كان لابد من التجسد الذى يبرهن على أن هناك دور هام لله وهذا الدور لا يقوم بدون مشاركة الإنسان. "فالله الذى خلقك بدونك، لن يخلصك بدونك" (أغسطينوس). لابد من الشركة بين الله والإنسان، وهذا معناه تعظيم وتقدير الله للإنسان. فإذا كان الإنسان محترم فى نظر الله فلابد أن يكون هذا المفهوم واضح عندى وعلى أن أنطلق فى خدمتى من خلال هذا المفهوم، فلا يفقد شخص وأقول لا يهم. "فالإنسان هدف ولا ينبغى أن يفقد ظلف" (موسى النبى) فهذه هى الخدمة الحلوة. 4- الإنجيل : ليس الإنجيل تراث فكرى لليهود، ولا هو تسجيل للتاريخ، ولا هو كتاب للمعلومات العلمية والثقافية والجغرافيا. فهو ليس كتاب علم ولكنه خطاب من الله للنفس البشرية. فالنفس البشرية العامة التى ليس لديها أى احساس بالله تمسك بالإنجيل وتقوم بتشريحه.فقد نظر الآباء إلى الإنجيل على أنه وجبة دسمة ولذيذة وبشارة مفرحة للقلب. فقد كان لديهم "الهذيذ"بالكتاب أى قد يجلسوا ويقرأوا أية واحدة فقط طوال الليل ومن كثرة حلاوتها وجمالها لايستطيعوا أن يتركوها ويذهبوا إلى آية أخرى. فقد كانوايأكلون الكتاب المقدس كان يهضم ويمتص ويحدث له تمثيل غذائى فى داخلهم ويدخل إلى نسيج حياتهم. وعندما أدرك أن هذا هو شكل الكتاب المقدس سيصبح له معنى أخر ووضع أخر وتصبح له مكانته. فمن المؤسف أن يمضى يوم على الإنسان دون أن يقرأ فى الإنجيل وقراءة بشبع "لتسكن فيكم كلمةالمسيح بغنى" فالكنيسة والليتورجيا والإنسان والإنجيل أن أنا أدركتهم بطريقة صحيحة سوف أمارسهم بطريقة صحيحة وأستطيع أيضاً أن أسلمهم بطريقة صحيحة نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
22 سبتمبر 2018

علامةٌ تُقاوَم

إنها علامة الصليب التي كل من يؤمن بها لا يَخِيب ولا يَخزَى٬ بينما يقاومها من لا يؤمن٬ إنها (آية) و (علامة الصليب واسطة خلاص العالم٬ التي تتعرض للمقاومة لأنه إن لم يتعرض الحق للمقاومة بين الناس فلن يتزكى٬ وبها ينكشف نور الخلاص لشهادة علنية بقوة نعمة المصلوب٬ الذي يُعين ضعفنا كي نسير ونحيَا حاملين علامتنا بلوغًا إلى مجد القيامة الأبدية. علامة يقاومها الأضداد والكذبة٬ بينما أعطاها الملك لخائفيه كي يهربوا من وجه القوس (مز٤:٦٠)٬ الذين يقاومونها يعتبرونها لعنة٬ بينما سيدنا حمل اللعنة هذه نيابة عنا لكي يفدينا من اللعنة الأبدية التي حلت علينا بمخالفة الوصية٬ يقاومونها معتبرين أنها جهالة لأنهم لم يقدروا أن يفهموا ما لله٬ إنها ليست جهالة لكنها هي القوة والحكمة الحقيقية٬ وكل من ينكر هذه العلامة (علامة الصليب) ويقاومها يهلك لأنه لم يتعرف على عقاقير الخلاص ولا على الأدوية المؤدية إلى الحياه٬ قوة الله وحكمته٬ فداؤه وغفرانه الثمين. فالصليب مقسم إلى أربعة أجزاء هي أربعة مساقط أو (فروع) من المركز الذي ينجمع فيه الصليب كله٬ لأن المصلوب بسط يديه في الساعة المحتومة ليفدي الجميع وليجمعهم في حضنه٬ مقربًا الطبائع في وحدة منسجمة ليعرفوا ما هو الطول والعرض والعمق والعلو٬ كل ما هو في السماء وما بين السماء والأرض وما تحت الأرض. إن علامة صليبك يارب تُقاوم بينما هي نور إعلان خلاصك للأمم وهي الشجرة العتيدة ذات الأبعاد السماوية التي ارتفعتْ من الأرض إلى السماء٬ وأقامت ذاتها غُرسًا أبديًا بين السماء والأرض٬ لكي ترفع المسكونة وتضمها إليك٬ إن صليبك يقاوم بينما هو طريق رباط المسكونة٬ وإن كان ليس الكل يقبلون علامة صليبك لكنها ستبقى علامة الشفاء والخلاص والنصرة والمصالحة والتبرير والغفران حتى ولو هلك ربوات من المقاومين لها. إن علامة صليبك عند القوم الهالكين جَهالة أما عندنا نحن المُخلَّصين فهي رحمة وحياة٬ لذا نحمل صليبك لأنك حملته من أجلنا أيها القدوس والبار٬ إننا نؤمن بعلامتك الصالحة المُلوكية التي ملكتَ بها على نفوس المؤمنين بك٬ والتي صنعتها من أجل الخلاص والسر الذي أعطيته لمن يتقونك٬ بها أزلت اللعنة وهدمتَ حصون الموت وحطّمت قوة الشرير. علامتك تفوق لمعان الشمس وتخطف الأبصار٬ لذا أظلمت الشمس وقت صلبك لأن صليبك سطع ببريقه فاضمحلّت أمامه كل العناصر واختبأ كل لمعان. علامة صليبك حطمت قيودنا وجعلت سجن الموت كلا شيء٬ فتحتْ الفردوس وأدخلتْ اللص وكل لص تائب٬ وأوصلت جنس البشر إلى الملكوت٬ علامة صليبك أزالت عَتمة الخطية وبؤس الإثم وعُقدة الذنب والمذلة والعار. إنها ليست ضعفًا لأنك بها أظهرتَ ما هو أعظم من القوة٬ ألوف وربوات من الذين فتحت الهاوية فاها وابتلعتهم٬ فإذا بصليبك المُحيي يشرق عليهم ويُرجعهم من السبي مع كل مَفديي الرب. صليبك يأتي بنا إلى صهيون بالترنم وعلى رؤوسنا فرح وابتهاج أبدي. ونحن نثق أن علامة صليبك ستحمينا وتحفظنا وتنجينا إلى التمام مهما كانت آلام هذا الزمان الحاضر٬ فستنهزم كل قوى الشر٬ وسيهرُب الحزن والتنهد وكل مخاض الخليقة لأنك شمَّرت عن ذراع قدسك أمام عيون كل الأمم٬ لترى كل أطراف الأرض خلاصك (إش ۱۱:٥۱)٬ ونحن بإشارة صليبك سنغلب عماليق ونطفئ قوة النار ونخرج الشياطين ونسد أفواه الأسود٬ فعلامة صليبك لا تُقاوَم. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج الأسكندرية
المزيد
21 سبتمبر 2018

حياة القداسة

علاقتنا بالقديسين علاقة تجعل السماء قريبة إلى الأرض، ونحن نقول كل يوم في السنكسار: "نعيّد في هذا اليوم بتذكار القديس فلان أو القديسة فلانة"، ولهذا سنتكلم اليوم عن حياة القداسة لكي لا تظن أن القداسة لناس معينين ولكن القداسة لنا جميعًا، ولكن كيف؟يقول معلمنا بولس الرسول: «لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ... لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي الْقَدَاسَةِ» (1تس4: 1-7).القداسة كلمة من الكلمات التي نستخدمها كثيرًا. نقول: "قدوس الله. قدوس القوي. قدوس الحي الذي لا يموت..."، والكتاب الذي فيه الوصية نسميه "الكتاب المقدس"، والكنيسة نصفها بأنها "كنيسة واحدة مقدسة"، وفي القداس نمسك في أيدينا كتاب "الخولاجي المقدس"... والإنسان المسيحي حين يعيش في هذة الحياة نقول عنه "قديس"، والذي يزور المواضع المقدسة نطلق علية لقب "مقدس"... فما هو موضوع القداسة التي هي للجميع؟أولًا: لابد أن تفهموا أن القداسة ليس بلوغ الحياة المقدسة في كمالها، ولكن القداسة في المفهوم الأرثوذكسي هي الإنسان السائر في طريق الله والمشتاق إلى هذه القداسة، شخص دائمًا لديه اشتياق أن يكون أفضل روحيًا، ولهذا عندما كان القديس بولس الرسول يرسل الرسائل للمؤمنين كان يدعوهم "قديسين" و"مقدسين".ثانيًا: القداسة هي نعمة يمنحها الله لنا من خلال جهادنا وحياتنا الروحية، ويقول لنا في القديس بولس في الآية التي ذكرناها: «هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ»، أي أن الله يريد منّا أن نصير قديسين: الكبير والصغير، القريب والبعيد...ثالثًا: القداسة لا تتعارض مع الطبيعة البشرية، الوضع الأصيل للبشر هو القداسة، فعندما خلق الرب آدم وحواء في كانا في حالة القداسة، ولكن الخطية لما دخلت إلى العالم أفقدت الانسان هذة النعمة، مثلما خلق الله الإنسان صحيحًا ثم يأتي المرض كاستثناء لكن الوضع الأصيل هو الصحة. هكذا نجد أن القداسة ليست شيئًا نصل إليه، ولكن هي شيء نعيشة، وهي الوضع الأصيل لحياة الإنسان والخطية نوع من أنواع الاستثناء في الحياة. القداسة تعني حالة جهاد مستمر ومتواصل، يقول لنا الكتاب المقدس آية جميلة «لأنَّ الجَسَدَ يَشتَهي ضِدَّ الرّوحِ والرّوحُ ضِدَّ الجَسَدِ» (غل5: 17)، فإذا قاد الجسد حياة الإنسان يتعرض للسقوط، أمّا الروح عندما تقود حياة الانسان فإنه يستمر في النمو والارتفاع.كيف يمكن للإنسان أن يعيش حياة القداسة؟ 1) علّم نفسك كيف تكره الخطية من قلبك الكتاب يقول على فم السيد المسيح إن العالم شرير، لذا علّم ذاتك كيف تكره الخطية، علّم نفسك أن لا تميل للخطية ولا شبة الشر، جميعكم تذكرون كيف تعرّض يوسف الصديق لمتاعب كثيرة، ولكن عندما وقف أمام امرأة فوطيفار وقال هذة العبارة العظيمة «فكيفَ أصنَعُ هذا الشَّرَّ العظيمَ وأُخطِئُ إلَى اللهِ؟» (تك39: 9). أتعلمون لماذا توجد أصوام كثيرة في الكنيسة؟ لكي يدرّب الإنسان إرادته فتستطيع الوقوف أمام الخطية وتقول لا. مشكلة الإنسان أن الإرادة أحيانًا تصبح ضعيفة، وأبسط شيء يمكن أن يشدة إلى الخطية، لذلك فالصوم يعلّمنا مبكرًا كيف نقف ونقول لا. بل حتى في تربية الأطفال، نربي أولادنا بكلمة نعم ونربيهم أيضًا بكلمة لا.2) اجعل لقلبك بابًاقلبك مثل الشارع أو مثل البيت، وهناك فرق كبير بينهما. البيت به باب والشارع لا يوجد به باب، تخيل معي أن بيتك بدون باب، هل تستطيع أن تنام؟ أو أن تحرس أشياءك؟ هل تستطيع أن تستريح؟ اجعل قلبك مثل البيت، ليس كل شيء يدخل قلبك، ولا كل فكرة أو شهوة، ولا كل علاقة. لا تجعل العالم يعيش بداخلك. كنيستنا الجميلة التي هي أمنا، في كل قداس بعدما نقرأ الكاثيليكون تقول لنا "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يمضي وشهواته تزول"، وهذه نصيحة تقدمها الكنيسة كل يوم. العالم يوجد به موضات كثيرة ولكن الشاطر الذي يعرف أن يختار المناسب له. الإنسان الذي يسير في طريق القداسة يعلم نفسه ان يكون له هذا الباب، مثل قول داود النبي: «اجعَلْ يا رَبُّ حارِسًا لفَمي. احفَظْ بابَ شَفَتَيَّ» (مز141: 3). علّم نفسك أن تعيش في العالم لكن العالم لا يعيش فيك، وليس معنى هذا أن نكره العالم ولكن لا تجعل العالم وكل الذي فيه ينسيك طريقك. الذي يعيش في الشارع فكل من هبّ ودبّ – كما نقول في المثل – يدخله. إذًا اجعل لقلبك بابًا لا يدخل منه العالم إلى قلبك.3) رأس مال الإنسان المسيحي هو المحبة نحن لا نملك إلّا هذه الوصية، وصية المحبة، "أحبوا بعضكم بعضًا". المحبة أحد المعايير الرئيسية التي يتعامل بها السيد المسيح مع البشر، والمحبة كما يقول القديس يوحنا الحبيب «يا أولادي، لا نُحِبَّ بالكلامِ ولا باللِّسانِ، بل بالعَمَلِ والحَقِّ!» (1يو3: 18). محبة اللسان أرخص شيء، ولكن نحن نحب بالعمل والحق، من كل القلب. مشكلة العالم المعاصر أن المحبة تناقصت جدًا، صار الإنسان جائعًا للحب. وعندما نسمع في الإنجيل السيد المسيح يقول: «جُعتُ فأطعَمتُموني» (مت25: 35)، فليس المقصود الجوع للأكل أو الشرب فقط، لكن أيضًا الجوع للمحبة. يقول القديس أغسطينوس: "حب الكل فيكون لك الكل".العالم يا إخوتي يحتاج إلى هذا الحب، وكل القديسين والشهداء نتذكر لعم هذا الحب الجارف. تحكي قصص الشهداء عن الشهيدين ديديموس وتيودورا. قُبِض على تيودورا لكي تنكر الإيمان بالمسيح فرفضت، فأرسلوها إلى أحد بيوت الخطية، وفي الليل دخل إليها ضابط مؤمن اسمه ديديموس وألبسها ثيابه وهرّبها. وفي النهار عندما اُكتُشِفت الخدعة ساقوا ديديموس إلى ساحه الاستشهاد، وفوجئ الجميع بفتاة تجري نحوه وتصرخ وتقول: "لا تسرق إكليلي"، وكانت النتيجه أنهما اُستُشهِدا في نفس اليوم. الحب الذي ملأ قلبيهما جعل حكايتهما تصل إلى الاستشهاد. إذا أردت أن تعيش القداسة أحبب من قلبك وليس على مستوى المجاملة، حُب المسيح الذي أحبك. المحبة تعني شيئين أساسيين: أن يكون عندك القدرة أن تسامح الآخر، وأن تستطيع أن تنسى الإساءة، أليس هذا ما فعله معنا السيد المسيح؟ كل الذين عاشوا في القداسه عاشوا في هذا الحب الكامل، القداسة تعني الحب، حب غير مشروط.4) الوسائط الروحيةالسماء غالية، ووصولها فيه تعب وجهاد متواصل. هل لك إنجيل وصلوات كل يوم؟ هل لك خدمة وأعمال رحمة كل يوم؟ هل لك ابتسامة تقدمها لكل أحد؟ هل تفرح كل من يقابلك؟ هل تجلس كل فترة وتحاسب نفسك، وتكون لك جلسة مع أب اعترافك؟ إذا كنت بالأمس شريرًا، فلتكن اليوم صالحًا. ابدأ بداية جديدة كل يوم. هل في حياتك التوبة؟ المبادئ الروحية والوسائط الروحية التي نعيشها في ممارسة الأسرار ونتعلمها من الكتاب المقدس، أتُرى نعيشها في خياتنا اليومية أم هناك أشياء أخرى تشغلك؟ لكي تصل للقداسة يجب أن تمارس الوسائط الروحية. حياتك الروحية مثل الصليب، تبتدئ تكره الخطية من كل قلبك، ثم تضع لقلبك بابًا، وتملأ قلبك بالمحبة لكل أحد، ثم يكتمل الصليب في حياتك من خلال الوسائط الروحية التي تربط بينك وبين السماء، وهكذا تصبح حاملًا الصليب في حياتك، وتصير في زمرة القديسين. «هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ»، الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة. كونوا قديسين كما أن أباكم قدوس. في بداية السنة القبطية الجديدة، قل للرب: أنا أريد أن أعيش في القداسة. أنت يا رب أعطيتني نعمًا كثيرة، وسترت عليَّ في أشياء كثيرة، وباركت بيتي وأسرتي وكنيستي وعمري وعملي. وأعطيتني يا رب هذه السنة لأحيا فيها بالقداسة. ساعدني يا رب، وأعدك أن أكره الخطية من كل قلبي، وأن يكون لقلبي باب يحرسه، وأن أملأ قلبي بالمحبة، وأعيش بالوسائط الروحية. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
20 سبتمبر 2018

كيف قبلت الأسفار القانونية؟

أختار الرب يسوع المسيح من تلاميذه الذين آمنوا به وتبعوه مجموعة لتحمل الإنجيل وتكرز باسمه في كل مكان في العالم، يقول الكتاب: "ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضا رسلا" (لو6:13)، "وبعد ذلك عيّن الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتي" (لو10:1). وكانوا شهوده في كل المسكونة "لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أُورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض" (أع1:8). وقد سلموا الإنجيل للمؤمنين أولا شفويًا وحفظه المؤمنون الأول في قلوبهم وأن كان البعض قد دون أجزاء كثيرة مما تسلموه على أوراق بردي أو رقوق وجلود ولكن ومع امتداد ملكوت الله وانتشار المسيحية في دول عديدة ومدن كثيرة وقرى لا حصر لها سواء بواسطة الرسل أو بواسطة تلاميذهم مع انتشار اجتماعات العبادة الأسبوعية والليتورجية والتي وجدت حيثما وجد المسيحيون، وذلك فضلًا عن رحيل بعض الرسل، شهود العيان، من هذا العالم إلى العالم الآخر، ظهرت الحاجة للإنجيل المكتوب ليكون المرجع الحي والباقي والدائم والثابت للمؤمنين في كل مكان وزمان إلى المجيء الثاني، أي أن ضرورة تدوين الإنجيل كانت حتمية. ومن هنا طلب المؤمنون من الرسل أن يدونوا لهم ما نادى لهم به معلموهم وما حفظوه شفويًا: يقول أكليمندس الإسكندري: "لما كرز بطرس بالكلمة جهارًا في روما. وأعلن الإنجيل بالروح طلب كثيرون من الحاضرين إلى مرقس أن يدون أقواله لأنه لازمه وقتًا طويلًا وكان يتذكرها. وبعد أن دون الإنجيل سلمه لمن طلبوه". ويقول القديس أكليمندس الأسكندرى مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية: "حينما أكمل بطرس كرازته في روما جهارًا وأعلن الإنجيل بالروح، فالحاضرون وكانوا كثيرين ترجوا مرقس كونه كان مرافقًا لبطرس مدة طويلة ويذكر كل ما قاله أن يسجِّل لهم كلماته. ومرقس عمل هذا وسلم إنجيله إلى الذين ترجوه (طلبوه). وحينما علم بطرس بذلك لم يتحمَّس في ممانعة ذلك ولا هو شجَّع العمل" (3). ثم يضيف: "إن بطرس حينما سمع ما قد عمل (مرقس) كما أعلن له الروح سُرَّ بغيرة الأشخاص الذين طلبوا منه ذلك وصادق على الكتابة لقراءتها في الكنائس" (4). ويقول القديس جيروم: (حوالي 350م ): "أن مرقس- تلميذ بطرس ومترجمه - كتب بناء على طلب الإخوة في رومية إنجيلًا مختصرًا طبقا لما كان قد سمع بطرس يرويه. وعندما بلغ بطرس ذلك، وافق عليه وأمر أن يُقرأ في الكنائس" (5). وتقول الوثيقة الموراتورية التي ترجع لسنة 170م: "الإنجيل الرابع هو بواسطة يوحنا أحد التلاميذ, إذ عندما توسل إليه زملاؤه (التلاميذ) والأساقفة في ذلك قال: صوموا معي ثلاثة أيام ونحن نتفاوض مع بعضنا بكل ما يوحي الله به إلينا. ففي هذه الليلة عينها أعلن لأندراوس أحد الرسل أن يوحنا عليه أن يكتب كل شيء تحت اسمه والكل يصدق على ذلك". أي أن المؤمنين الذين حفظوا الإنجيل وتسلموه، في البداية، شفويًا، هم أنفسهم، المؤمنون، الذي طلبوا من الرسل أن يدونوه لهم في أسفار مكتوبة وهم أنفسهم الذين تسلموا هذه الأسفار، الأناجيل، من الرسل الذين سبق أن سلموها لهم شفويًا. ولم يكن هناك أي وقت أو مساحة زمنية للاختيار، بل تسلموا الإنجيل المكتوب والذي كانوا يحفظونه جيدا، وقد دونوا بعض أجزائه على أوراق ورقوق، من نفس الرسل الذين سلموه لهم شفويا وحفّظوه لهم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ونشر هذا الإنجيل المكتوب في جميع الكنائس. أي أن الرسل أنفسهم هم الذين سلموا الكنيسة في كل مكان الإنجيل الشفوي ثم الإنجيل المكتوب، وذلك بنسخ نسخ من الأصل وإرسالها إلى جميع الكنائس. وقد دونت كل أسفار العهد الجديد، عدا ما كتبه القديس يوحنا الرسول، قبل سنة 70 ميلادية عندما كان معظم تلاميذ المسيح ورسله أحياء وقبلت الكنيسة هذه الأسفار فور تدوينها واستخدمها الرسل في كرازتهم كالإنجيل المكتوب، فقد كتبت بناء على طلب المؤمنين الذين تسلموها من الرسل، الذين سبق أن سلموها لهم شفويًا، كتبت بناء على طلبهم وتحت سمعهم وبصرهم وكانوا من قبل يحفظونها شفويًا، فقد دونت بالروح القدس لهم وأمامهم وبمعرفتهم ومن ثم قبلوها بكل قداسة ووقار ككلمة الله الموحى بها من الروح القدس. وكان الرسل أنفسهم يقبلون ما يكتبه أحدهم بالروح القدس، واثقين بالروح القدس الذي فيهم، أنها كلمة الله التي سبق أن تسلموها من الرب يسوع المسيح وتكلموا بها مسوقين من الروح القدس كما وعدهم، ودونوها أيضًا بالروح القدس. وعلى سبيل المثال فقد أقتبس القديس بولس من الإنجيل للقديس لوقا، كسفر مقدس وموحى به، ومن سفر التثنية بصيغة واحدة هي: لأن الكتاب يقول "لأن الكتاب يقول لا تكم ثورًا دارسًا (تث4:25) والفاعل مستحق أجرته" (لو7:10)" (1تى18:5). كما أشار القديس بطرس لوحي وانتشار كل رسائل القديس بولس فقال: "واحسبوا أناة ربنا خلاصا كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضا بحسب الحكمة المعطاة له كما في الرسائل كلها أيضا متكلما فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضا لهلاك أنفسهم" (2بط15:3،16). وأقتبس القديس يهوذا أخو يعقوب في رسالته من رسالة القديس بطرس الثانية (2بط2:3-3) بقوله "وأما انتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال التي قالها سابقا رسل ربنا يسوع المسيح. فإنهم قالوا لكم انه في الزمان الأخير سيكون قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات فجورهم" (يه18،19). وكانت رسائل الرسل: مثل القديس بولس والقديس بطرس والقديس يوحنا يمليها الرسل وتكتب بواسطة أشخاص معروفين للكنيسة، وهم تلاميذ الرسل ومساعديهم وخلفاؤهم، وترسل لكنائس محددة بعينها عن طريق نفس مساعدي الرسل وخلفائهم، كما كان هدفها معلنا وواضحًا. بل وكان القديس بولس يضع ختمه (توقيعه) على كل رسالة يرسلها إلى الكنائس التي كرز فيها. يقول القديس يوحنا: "وإما هذه (الإنجيل للقديس يوحنا) فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو20:31). ويختم الإنجيل بقوله بالروح: "وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع أن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة آمين" (يو21:25). ويقول في رسائله: … "كتبت إليكم أيها الآباء لأنكم قد عرفتم الذي من البدء. كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير" (1يو2:14). … "كتبت إليكم هذا عن الذين يضلونكم" (1يو2:26). … "كتبت هذا إليكم انتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية ولكي تؤمنوا باسم ابن الله" (1يو5:13). … "كتبت إلى الكنيسة" (3يو1:9). ويؤكد القديس بطرس أنه كتب رسالته الأولى على يد سلوانس التلميذ الذي كان معروفا جيدًا في الكنيسة الأولى: "بيد سلوانس الأخ الأمين كما أظن كتبت إليكم بكلمات قليلة واعظا وشاهدا" (1بط5:12). أما القديس بولس فيؤكد أنه كتب بنفسه، بيده عدة رسائل: "أنا بولس كتبت بيدي" (فل1:19)، وكان سلامة أو توقيعه يكتب بحروف كبيرة: "انظروا ما اكبر الأحرف التي كتبتها إليكم بيدي" (غل6:11). وكان يضع توقيعه على كل رسالة يرسلها: "السلام بيدي أنا بولس الذي هو علامة في كل رسالة. هكذا أنا اكتب" (1كو16:21). أو أنه كان يكتب عن طريق إملاء أحد تلاميذه ومساعديه الذين كانوا معروفين للجميع مثل فيبي وتخيكس وأنسيمس وتيموثاوس: "السلام بيدي أنا بولس. اذكروا وثقي. النعمة معكم. آمين. كتبت إلى أهل كولوسي من رومية بيد تيخيكس وأنسيمس" (كو4:18). وفي كل هذه الرسائل كان يضع توقيعه على جميع رسائله: … "كتبت إلى أهل رومية من كورنثوس على يد فيبي خادمة كنيسة كنخريا" (رو16:17). … "كتبت إلى أهل كولوسي من رومية بيد تيخيكس وأنسيمس" (كو4:18). … "كتبت إلى أهل أفسس من رومية على يد تيخيكس" (أف6:24). … "كتبت إلى أهل فيلبي من رومية على يد ابفرودتس" (في4:23). … "إلى فليمون كتبت من رومية على يد أنسيمس الخادم" (فل1:25). … "إلى العبرانيين كتبت من ايطاليا على يد تيموثاوس" (عب13:25). وكانت تقرأ كل رسالة من هذه الرسائل في هذه الكنائس المرسلة إليها ثم ينسخ منها نسخ وترسل للكنائس المجاورة وتستمر عملية النسخ من كنيسة إلى أخرى أو إلى مجموعة من الكنائس. وبنفس الطريقة كانت تنسخ نسخ الأناجيل وبقية أسفار العهد الجديد وترسل للكنائس القريبة والمجاورة، وكانت كل كنيسة تحتفظ بالسفر الذي كتب لها أصلًا، سواء كان هذا السفر إنجيلًا من الأناجيل الأربعة أو رسالة من رسائل الرسل أو سفر الأعمال أو سفر الرؤيا، وتحتفظ بنسخ من الأسفار التي كتبت أو أرسلت للكنائس الأخرى. يقول القديس بولس في رسالته إلى كولوسى: "ومتى قرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقرا أيضا في كنيسة اللاودكيين والتي من لاودكية تقراونها انتم أيضا" (كو16:4). وكان هذا موقف الآباء الرسوليين، تلاميذ الرسل وخلفائهم الذين تسلموها منهم ككلمة الله واقتبسوا منها واستشهدوا بها ككلمة الله. فقد اقتبس القديس أكليمندس الروماني (حوالي 100م) من الأناجيل الثلاثة الأولى ومن خمس من رسائل القديس بولس والرسالة إلى يعقوب واستخدم مضمون الإنجيل للقديس يوحنا وقال عن رسالة القديس بولس الرسول إلى رومية: "انظروا إلى رسالة بولس الطوباوي. ماذا كتب لكم في بداية الكرازة بالإنجيل؟ في الواقع فقد كتب لكم بوحي من الروح القدس رسالة تتعلق به وبكيفا (أي بطرس) وأبولوس". وكانت تقرأ في اجتماعات العبادة الأسبوعية في الكنائس، خاصة في أيام الأحد، ويؤكد سفر الرؤيا على ترتيب الكنيسة وطقسها في قراءة الأسفار المقدسة في الاجتماعات والقداسات، وعلى حقيقة وحي السفر، فيقول "طوبى للذي يقرا وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب" (رؤ3:1)، وتتكرر في السفر عبارة "من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" سبع مرات (رؤ7:2،11،17،29؛6:3،13،22)، و"من له أذن فليسمع" (رؤ9:13). ويقول القديس يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني: "وفى يوم الأحد يجتمع كل الذين يعيشون في المدن أو في الريف معًا في مكان واحد وتقرأ مذكرات الرسل (الأناجيل) أو كتابات الأنبياء بحسب ما يسمح الوقت" (6). واقتبس القديس أغناطيوس الإنطاكي تلميذ القديس بطرس والرسل من الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا وسفر أعمال الرسل وخمس من رسائل القديس بولس الرسول، وكذلك من مضمون الإنجيل للقديس يوحنا وأشار لوحي كل رسائل القديس بولس الرسول وإيمان الكنيسة في عصره أنها كلمة الله فقال: "وقد اشتركتم في الأسرار مع القديس بولس الطاهر الشهيد المستحق كل بركة.. الذي يذكركم في كل رسائله بالمسيح يسوع" (7). كما اقتبس القديس بوليكاربوس، تلميذ القديس يوحنا، 100 مرة من 17 سفرًا من أسفار العهد الجديد؛ منها الأناجيل الثلاثة الأولى وسفر أعمال الرسل وتسع من رسائل القديس بولس ورسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى. كما أكد على وحي رسائل القديس بولس ككلمة الله الموحى بها فقال: "فلا أنا ولا أي إنسان آخر قادر على أن يصل إلى حكمة المبارك والممجد بولس الذي كان قائمًا يعلم بين الذين عاشوا في تلك الأيام، وعلم الحق بدقة وثبات، وبعد رحيله ترك لكم رسائل إذا درستموها صرتم قادرين على أن تبنوا إيمانكم الذي تسلمتموه" (8). مما سبق يتضح لنا أن الكنيسة الأولى في القرن الأول، وفي حياة الرسل، لم تتسلم سوى أسفار العهد الجديد الـ27 فقط: فقد كانت أسفار العهد الجديد السبعة وعشرين هي وحدها التي سلمها الرسل للكنيسة وقبلتها الكنيسة، التي تسلمتها من يد الرسل أنفسهم بعد أن كتبت أما بناء على طلب المؤمنين أو أرسلت إليهم كرسائل مختومة وممهورة بتوقيع الرسل أنفسهم وكان يحملها ويوصلها إليهم تلاميذ الرسل ومساعدوهم الذين كانوا معروفين للجميع، ككلمة الله المكتوبة بالروح القدس، ولم يكن هناك أي كتاب منسوب للرسل غيرها، ولم يظهر أي كتاب من الكتب الأبوكريفية في حياة الرسل وحتى منتصف القرن الثاني، فيما بين سنة 150 و450م، وذلك بشهادة جميع العلماء والنقاد بكل مدارسهم واتجاهاتهم الفكرية والنقدية. أي بعد انتقال الرسل وخلفائهم، الآباء الرسوليين من العالم بعشرات ومئات السنين. وفي منتصف النصف الثاني من القرن الثاني وفي أوج وذروة وجود الهرطقة الغنوسية كان هناك القديس إيريناؤس (120 - 202م)، أسقف ليون، بفرنسا حاليا، وأحد الذين تتلمذوا على أيدي تلاميذ الرسل، خاصة القديس بوليكاربوس، وكما يقول القديس جيروم "من المؤكد أنه كان تلميذًا لبوليكاربوس" (9)، والذي كان حلقة الوصل بين الآباء الرسوليين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده، وقد كتب مجموعة من الكتب بعنوان "ضد الهراطقة" دافع فيها عن المسيحية وأسفارها المقدسة وأقتبس منها حوالي 1064 اقتباسا منها 626 من الأناجيل الأربعة وحدها و325 من رسائل القديس بولس الرسول الأربع عشرة و112 من بقية أسفار العهد الجديد، منها 29 من سفر الرؤيا. وأكد على حقيقة انتشار الأناجيل الأربعة ككلمة الله والإنجيل الوحيد، بأوجهه الأربعة، في كل مكان بقوله "لقد تعلمنا خطة خلاصنا من أولئك الذين سلموا لنا الإنجيل الذي سبق أن نادوا به للبشرية عامة، ثم سلموه لنا بعد ذلك، حسب إرادة الله، في أسفار مقدسة ليكون أساس وعامود إيماننا.. فقد كانوا يمتلكون إنجيل الله، كل بمفرده، فقد نشر متى إنجيلًا مكتوبًا بين العبرانيين بلهجتهم عندما كان بطرس وبولس يكرزان ويؤسسان الكنائس في روما. وبعد رحيلهما سلم لنا مرقس تلميذ بطرس ومترجمه، كتابة ما بشر به بطرس. ودون لوقا، رفيق بولس في سفر الإنجيل الذي بشر به (بولس)، وبعد ذلك نشر يوحنا نفسه، تلميذ الرب والذي اتكأ على صدره إنجيلا أثناء أقامته في أفسس في آسيا الصغرى" (10). وقال عن وحدة الإنجيل "لا يمكن أن تكون الأناجيل أكثر أو أقل مما هي عليه الآن حيث يوجد أربعة أركان في العالم الذي نعيش فيه أو أربعة رياح جامعة حيث انتشرت الكنيسة في كل أنحاء العالم وأن "عامود الحق وقاعدة" الكنيسة هو الإنجيل روح الحياة، فمن اللائق أن يكون لها أربعة أعمدة تنفس الخلود وتحي البشر من جديد، وذلك يوضح أن الكلمة صانع الكل، الجالس على الشاروبيم والذي يحتوى كل شيء والذي ظهر للبشر أعطانا الإنجيل في أربعة أوجه ولكن مرتبطة بروح واحد.. ولأن الإنجيل بحسب يوحنا يقدم ميلاده الأزلي القدير والمجيد من الآب، يقول "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" و"كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان.. ولكن الذي بحسب لوقا يركز على شخصيته (المسيح) الكهنوتية فقد بدأ بزكريا الكاهن وهو يقدم البخور لله. لأن العجل المسمن (أنظر لوقا 23:15)، الذي كان سيقدم ذبيحة بسبب الابن الأصغر الذي وُجد، كان يعُد حالًا.. ويركز متى على ميلاده الإنساني قائلًا "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم" و"وكان ميلاد يسوع المسيح هكذا". فهو إذا إنجيل الإنسانية، ولذا يظهر [ المسيح ] خلال كل الإنجيل كإنسان وديع ومتواضع. ويبدأ مرقس من جهة أخرى بروح النبوة الآتي على الناس من الأعالي قائلًا "بدء إنجيل يسوع المسيح، كما هو مكتوب في إشعياء النبي "مشيرًا إلى المدخل المجنح للإنجيل. لذلك صارت رسالته وجيزة ومختصره لمثل هذه الشخصية النبوية" (11). بل وأكد على وجود الإنجيل بأوجهه الأربعة وانتشاره في كل مكان حتى مع الهراطقة الذين كانوا يبدأون منها، بالرغم من أنهم دونوا كتبًا خاصة بهم وأسموها أناجيل وأعمال رسل ورؤى ونسبوها للرسل ولبعض قادتهم، فقال "الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل هي أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدأون من هذه الوثائق وكل منهم يسعى لتأييد عقيدته الخاصة منها" (12). وكان في روما أيضا العلامة هيبوليتوس (170-235 م.)، الذي اقتبس واستشهد بأسفار العهد الجديد أكثر من 1300 مرة وأشار إلى قراءتها في الاجتماعات العبادية العامة(13) كما أشار إلى قداستها ووحيها وكونها كلمة الله (14). وقد كتب أيضا كتبا ضد الهراطقة فند فيها كل نظرياتهم وأفكارهم السرية الصوفية مؤكدًا أنها لا تمت بصلة لرسل المسيح أو خلفائهم ولا صلة لها بفكر المسيح. وفي القرن الخامس كان هناك القديس ابيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص الذي كتب أيضًا ضد الهراطقة وفند أفكارهم مؤكدا على ما سبق أن كتبه عنهم كل من إيريناؤس وهيبوليتوس. ولم يعقد أي مجمع مسكوني لتحديد ما هي الأسفار القانونية الموحى بها ولا أي مجمع غيره لرفض الكتب الأبوكريفية، كما لم تكن، الكتب القانونية ولا الأبوكريفية، مدرجة على جدول مجمع نيقية أو غيره، ولم تكن مثار أي حوار أو جدال في أي مجمع فقد تسلمت الكنيسة من الرسل وخلفائهم أسفار العهد الجديد، أما الكتب الأبوكريفية والتي خرجت من دوائر الهراطقة فلم يقبلها أحد وصارت محصورة فقط داخل دوائرهم الخاصة، فقد اعتبروها هم أنفسهم، كتبًا سرية مكتوبة للخاصة فقط ولا يجوز للعامة قراءتها واندثرت باندثارهم. كما كانت الكنيسة تنظر إليها من بداية ظهورها على أنها كتبا هرطوقية كما جاء في الوثيقة الموراتورية وقانون البابا جلاسيوس والذي يشك أصلا في صحة نسبه إليه. كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد من كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟
المزيد
19 سبتمبر 2018

العمل الإيجابي البناء

ما أجمل وأعمق ذلك المثل الصيني الذي يقول:'بدلًا من أن تلعنوا الظلام، أضيئوا شمعة' حقًا، إن مجرد لعن الظلام لا ينقذ أحدًا من ظلمته. ولكن الظلام ينقشع من تلقاء ذاته، بعمل ايجابي هو نشر النور، ولو علي الأقل بإضاءة شمعة وهكذا في أي مجتمع قد توجد أخطاء أو نقائص أو مشاكل. وإذا بمحبي الإصلاح يتجهون إلي اتجاهين: احدهما يضج ويصيح لكي يفضح هذه الأخطاء، أو انه يبكي بسببها وينوح وينعي الخير الذي ضاع أما الاتجاه الآخر، فهو العمل الايجابي الذي يكتب صفحة جديدة ناصعة في تاريخ المجتمع، في هدوء وفي قوة.. وهذا هو الأكثر ثباتًا وتفهمًا اثنان ينظران نارا تشتعل في مبني.. فيقيم احدهما ضجة بسبب هذا الحريق.. أما الآخر ففي ايجابية يبذل كل الجهد في إطفاء الناراثنان يمران بشاطئ البحر.. وإذا بشخص في خطر يكاد يشرف علي الغرق.. فيظل احدهما يوبخه: كيف ينزل إلي البحر وهو لا يجيد السباحة؟! أما الآخر فينزل بسرعة لكي ينقذ ذلك الإنسان من الغرق.. وفي كل ذلك يبدو الفرق بين المنشغل بالسلبيات وبين العمل الايجابي البناءغالبية الناس يركزون جهدهم الإصلاحي في أن يلعنوا الفساد.. و هذا أمر سهل يقدر عليه كل احد. ولكن من بين كل هؤلاء من يهتم بشرح الأسلوب العملي الايجابي للقضاء علي الفساد سهل جدًا أن توبخ فكرة خاطئة. ولكن الأصلح ايجابيًا أن تقدم الفكرة الصائبة، وتشرح أسلوب تنفيذهاأتذكر وأنا شاب صغير أنه كان لي زميل في الدراسة يسرف في التدخين.. فأخذت أنصحه كثيرًا، وأحدثه عن مضار التدخين الذي فيه يفقد صحته وإرادته وماله.. وإذا بهذا الزميل يقول لي 'لا تتعب نفسك كثيرًا في الشرح.. فأنا بالخبرة أعرف أضرار التدخين أكثر منك ولكن المشكلة هي كيف يمكنني أن أتخلص عمليا من هذه العادة؟!نعم، إن الحديث عن الأخطاء سهل. أما العمل علي علاج تلك الأخطاء، فهو العمل الايجابي البناء.. والكلام الموجع ليس هو الذي يصلح الأخطاء.. إنما تصلحها الخطة الايجابية العملية الممكنة التنفيذكذلك هناك فرق بين شرح الخطأ للوقاية منه، وبين الحديث عن الأخطاء للتشهير بالمخطئين بأسلوب لا يصلحهم بل يثيرهم هناك فرق جوهري بين الفأس التي تقلب الأرض لزراعتها، و الفأس التي تضرب في البناء لتهدمه..!ما أسهل الإدانة والشجب بإمكان كل شخص أن يدين وأن يشجب.. أما المساهمة الإيجابية في الإصلاح، فهي العمل النافع.. النقد سهل.. وقد يكون النقض أيضًا سهلًاإن كاتبا بسيطا يمكنه أن ينقد قصيدة لشاعر مشهور. .ولكن هذا الناقد ربما لا يستطيع أن يكتب بيتًا واحدًا من الشعر!وكثيرون من الذين يستهزئون بعمل غيرهم، هم أنفسهم لا يعملون! قد يدعي القدرة علي العوم أولئك الذين يقفون علي الشاطئ..فإن نزلوا إلي البحر وسط أمواجه حينئذ يختبر ادعاؤهم إن السلبيات قد تهدم.. أما الايجابيات فهي التي تبني.. والهدم عمل سهل.. أما البناء فيحتاج إلي مهارة ووقت.. يستطيع شخص بقنبلة أن يهدم في لحظات عمارة شاهقة.. ولكن بناء أية عمارة يحتاج إلي هندسة وفن ومدي زمني.. وهذا البناء عمل انفع وابقي وكما أن نقد الأخطاء لا يصححها، ولا التشهير بها يصلحها.. كذلك الحزن علي المشاكل لا يحلها.. بل يحلها العمل الايجابي. إن الحزن علي المريض لا يشفيه من مرضه.. إنما يكون الشفاء عن طريق وصف العلاج وتقديم الدواء. والحزن بسبب انتشار الجهل أو الأمية لا يفيد شيئًا، بل النافع هو نشر التعليم ومحو الأمية ويوسف الصديق لم يحزن من فرعون علي سنوات الجوع القادمة. إنما قدم الحل الايجابي وهو تخزين القمح ليكون تموينا لسد احتياجات تلك السنوات. وكان هذا هو النافع عمليا والمعروف أن كثيرين قد بكوا وحزنوا بسبب تجريف بعض الأراضي الزراعية واستخدامها في إقامة المباني. ولكن الحزن لم يحل تلك المشكلة.. إنما كان حلها بالعمل الايجابي الفعال، الذي تمثل في مشروع تعمير الصحاري واستصلاح الأراضي وحفر الآبار، وما نتج عنه من إضافة مئات الآلاف من الأفدنة إلي الرقعة الزراعية في بلادنا، مع ما صاحب ذلك من أعمال التنمية كذلك إن كنا ذاهبين إلي مكان ما، ووجدنا قناة أو مجري من الماء يعوقنا عن الوصول: هل الحزن في هذه الحالة ينفعنا؟! أم أن الذي ينفعنا هو إقامة جسر نصل به إلي المكان الذي نريده؟هذا هو العمل الايجابي الذي يلزمنا في كل أمور حياتنا، أكثر من الضجيج والنقد والشجب والسخرية والذين سجلت أسماؤهم في التاريخ، هم الذين انشغلوا بالعمل الايجابي البناء ، قد نجحوا فيه ولعل أولهم في تاريخ مصر هو الملك مينا الذي وحد القطرين وانشأ أول مملكة مصرية في عهد الفراعنة ونحن نذكر بالخير كل الذين ساهموا في العمل البناء في تاريخ مصر الحديث. ومن بينهم طلعت حرب الذي ساهم في بناء اقتصاد مصر، وأسس البنوك والشركات. وسعد زغلول الذي جاهد حتى صدر دستور سنة 1923 وقاسم أمين الذي جاهد لتحرير المرأة.. واحمد لطفي السيد الذي عمل لإنشاء الجامعة، وغيرهم من البنائين المهرة إن العمل الايجابي هو دائما العمل المفيد، وهو المقبول من الجميع، ولا يعترض عليه احد هناك مؤرخون كتبوا التاريخ.. ولكن أعظم منهم من صنع التاريخ.. صناع التاريخ لا يمكن نسيانهم، سواء في مجال السياسة أو العلم.. قد يكتب المؤرخون عن استقلال الهند بعد خضوعها فترة للاحتلال البريطاني.. أما صانع هذا التاريخ فهو المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند، الذي لم يقم إطلاقًا بإيذاء احد. إنما بالعمل الايجابي البناء، أوصل الهند إلي الاستقلال، وصارت لها حكومة وطنية وبرلمان كذلك لا يستطيع التاريخ أن ينسي برايل، الذي استطاع أن يخترع طريقة الكتابة علي البارز، للمكفوفين يستطيعون بها القراءة والكتابة.. وأيضًا كل الذين قاموا بعمل ايجابي بناء في مجال الطب والدواء لا يمكن أن ينساهم التاريخ ونحن نري في مجتمعنا بعض مشاكل لا يمكن أن يحلها الصياح ولا الضجيج ولا التشهير.. إنما تحتاج إلي عمل ايجابي بناء هناك مشاكل اقتصادية. مشاكل تختص بالبطالة وبارتفاع الأسعار. كذلك مشكلة التضخم السكاني، ومشكلة الدروس الخصوصية ومشكلة الإثارة ومشكلة الجمع بين الانضباط والحريات ومشاكل أخرى اجتماعية وسياسية وفكرية كيف يمكن حلها جميعا بطريقة عملية وحضارية في نفس الوقت؟بحيث نتعاون جميعا في الحل، بغير صراع واصطدام إن مشكلة البطالة مثلًا: لا يمكن أن تحلها مهاجمة المسئولين في الحكومات المتتابعة. فكيف تحل؟لو كنت أنت أيها القارئ رئيسًا للدولة أو رئيسًا للحكومة، فماذا كنت ستفعل عمليا؟ ماذا تقترح للحل؟علي أن يكون الحل يمكن تنفيذه، ومضمونة نتائجه عمليًا وعلميًا.. هل نطرح السؤال، ونتلقى الإجابات ونصنفها ونحللها؟هل نقيم ندوات لبحث موضوع البطالة من ندوات أخرى لبحث باقي المشكلات؟ نعم، ما الحل الايجابي العملي البناء؟ قداسة مثلث الرحمات انبا شنودة الثالث
المزيد
18 سبتمبر 2018

كيف أشبع روحياً؟

ما هى الروح ؟ الروح هى العنصر الذى وضعه الله فى الإنسان، والذى من خلاله يتصل الإنسان بالله، وبالإيمانيات، وعالم الروح. فإذا كان الإنسان يشترك مع النبات فى الجسد ومع الحيوان فى الجسد والنفس، إلا أنه يتميز بعد ذلك بالعقل والروح، لذلك يقول البعض عن الإنسان أنه حيوان عاقل ومتدين. ومنذ فجر التاريخ الإنسان متدين، حتى وإن ضل الطريق الصحيح، إلا أن أحشاءه تؤكد له وجود الخالق، والخير، والثواب والعقاب، والخلود. وما شابه ذلك من عالم - الماورائيات - أى ماذا وراء المادة؟ وماذا وراء الموت؟ وماذا وراء الزمن؟ وماذا وراء الطبيعة؟ وأحياناً يسمونه عالم - الميتافيزيقيا - أى ما وراء الطبيعة المحسوسة! لقد استلم آدم معرفة الله من الله مباشرة، ثم تعاقبت الأجيال بعد السقوط، وتشتت البشر بعد بلبلة الألسنة، وبدأنا نسمع عن عبادات كثيرة، كعبادة الشمس والقمر والنجوم والعجل والبقرة والتماثيل. ولكن هذه جميعاً كانت مجرد تعبيرات عن القوة والخير والعدل والسلطان.. وقد أختار الله فى القديم بعض أسرار الشريعة والفهم والإيمان، ومع ذلك كثيراً ما ضلوا وعبدوا الأوثان التى تعبدت لها الأمم فى مختلف حقب الزمان. ولنا أن نفخر كمصريين بأخناتون العظيم الذى نادى بالإله الواحد، وقدم له العبادة والسجود، وتحدث عن بعض صفاته الإلهية، وكيف أنه جل إسمه - روح بسيط خالد خالق، يرعى الكون بحبه، ويشرق عليه بشمسه: ويضمه إليه بحنانه الفائق. ومع أن الروح هى عنصر الإيمان فى الإنسان، إلا أنها ما أنفصلت قط عن العقل عنصر التفكير.. لهذا رأينا فى الفلاسفة اليونان وفى الحضارات الشرقية القديمة، عقولاً استنارت بالروح القدس، واستشرقت من بعيد آفاق الألوهة الفائقة للعقل والمعرفة، حتى أستحق الفلاسفة أن يسميهم القديس كليمنضس الإسكندرى أنبياء الوثنية. إن الروح - أيها القارئ الحبيب هى العنصر الذى يوصلنا إلى الله، ويوحدنا به، فأحذر أن يضمر هذا العنصر فى حياتك: حينما تهمل خلاص نفسك، أو حينما تجعل المادة أو الغرائز تتحكم فيك. فأنت مخلوق إلهى، فوق المادة والتراب، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى. 2- وسائل أشباع الروح أ- الصلاة : الصلاة هى الحبل السِرى - بكسر السين - الذى من خلاله نتصل بالرب سراً ولا رقيب. وهى أيضاً الحبل السُرى - بضم السين - الذى من خلاله ننال الغذاء الروحى من السماء لحظة بلحظة، كالجنين فى بطن أمه. والصلاة تفتح عالم الله علينا، كما تفتح عالمنا على حبه وفعله الإلهى، لذلك فهى الفرصة الأساسية التى فيها يشكلنا الله، ويبنينا، ويقدسنا ويشبعنا. + "الصلاة هى رفع العقل إلى الله" (الأب يوحنا الدمشقى) "الصلاة سلاح عظيم وكنز لا يفرغ، غنى لا يسقط أبداً" (القديس يوحنا ذهبى الفم). + "حينما تصلى ألا تتحدث مع الله؟ أى امتياز هذا" (القديس يوحنا ذهبى الفم). ب- الكتاب المقدس :  "بدون القراءة فى الكتب الإلهية، لا يمكن للذهن أن يدنو من الله" (مارأسحق السريانى).  "فى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً" (مز 2:1).  "والهذيذ فى الشريعة لا يعنى قراءة كلماتها أو تلاوتها، بل يتسع إلى تتميم أحكامها بالتقوى" (الأسقف ايلارى).  "ليكن لك محبة بلا شبع لتلاوة المزامير لأنها غذاء الروح" (مارأسحق السريانى).  "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4:4).  "وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لى لفرح ولبهجة قلبى" (أر 16:15). الكتاب المقدس هو بالحقيقة مائدة دسمة، فيها تشبع أرواحنا وحواسنا، وتستريح نفوسنا، فقراءة الكتاب بإنتظام وحرارة قدام المسيح، فإذا كان السيد المسيح هو الكلمة الذاتية، فالكتاب هو الكلمة المكتوبة لخلاصنا، أنه ببساطة: السيد المسيح متكلماً!! ج- الأفخارستيا : لقد أعطانا الرب جسده ودمه ذبيحة يومية على مائدته المقدسة، لكى كل من يأكل منه يحيا إلى الأبد. إنه - خبز الحياة النازل من السماء - واهباً حياة للعالم، "مأكل حق ومشرب حق". + "من يأكلنى يحيا بى"، "يثبت فىّ وأنا فيه" (يو 48:6-57). من هنا تدعونا الكنيسة إلى الأغتذاء اليومى من هذا السر المبارك، الذى من خلاله نتحد : أ- بالسيد المسيح. ب- بالقديسين. ج- بأخوتنا المؤمنين. د- ونصلى من أجل العالم كله. د- القراءات الروحية : القراءة فى الكتب الروحية أساسية للشبع الروحى، لذلك أوصى الآباء القديسون أولادهم بها... أنت مخلوق إلهى، فوق التراب والمادة، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى.  "أتعب نفسك فى قراءة الكتب، فهى تخلصك من النجاسة" (القديس الأنبا أنطونيوس).  "كن مداوماً، لذكر سير القديسين، كيما تأكلك غيرة أعمالهم" (القديس موسى الأسود).  "كتبى هى شكل (سيرة) الذين كانوا قبلى، أما إن أردت القراءة ففى كلام الله أقرأ" (القديس أنطونيوس). لهذا أوصى الآباء بأن نكرم القراءة كما نكرم الصلاة، حيث أنهما تكملان إحداهما الأخرى... ونحن نشكر الله من أجل فيض الكتب والمجلات والنبذات الروحية التى أعطاها الرب لنا فى هذه الأيام. هـ- الإجتماعات الروحية : يوصينا الرسول بولس أن لا نترك إجتماعاتنا، بل أن نحرص على الحضور، لما فى ذلك من بركة روحية وتعليمية هامة..  "غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة" (عب 25:10)..  "حينما تجتمعون معاً ليس هو لأجل عشاء الرب" (1كو 20:11)، يقصد الأغابى التى تسبق القداس الإلهى، أى العشاء معاً فى المساء، قبل تسبيح نصف الليل..  "متى إجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم.." (الإجتماعات التعليمية).. (1كو 26:14). والإجتماعات الروحية تحقق أهدافاً كثيرة... فهى مثلاً : أ- تعطى التعاليم الأساسية للخلاص.. "هلك شعبى من عدم المعرفة" (هو 6:4). ب- تشبع نفوسنا روحياً بكلمة الله. ج- تحمينا من إنحرافات الفكر وحيل الشيطان. د- ترد على أية مطاعن فى إيماننا المسيحى القويم. نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
17 سبتمبر 2018

عوامل تشويش الفكر الأرثوذكسى

عوامل عديدة تشابكت لتفسد الفكر الأرثوذكسى الآبائى من جهة حياتنا مع الله وعلاقتنا به، ولعل أبرز هذه العوامل (النزعة الفردية فى الخلاص) التى يتبناها المنهج البروتستانتى، وكذلك (النسكيات المتطرفة) التى كان يتبناها المنهج الكاثوليكى الغربى. ولعل أهم الموضوعات التى أحباها الغموض والإنحراف موضوع (توبتنا)، وأزعم أننى أستطيع تلخيص ما يدور بذهن الشباب من جهة التوبة فى هذه النقاط :- 1- أن التوبة هى رجعة حاسمة عن الخطية يعقبها قداسة السيرة بدون سقطات. 2- أن الرجوع للخطية بعد الإعتراف معناه أن توبتى لم تكن حقيقية وهى غير مقبولة. 3- إن إرتباطى بالمسيح يستلزم قداسة السيرة… وهذه القداسة تحتاج مجهود عنيفاً واستمرارية فى عدم الخطأ. 4- بما أننى – عملياً – لا أستطيع ألا أخطئ، وليس لدى مقدرة على السلوك فى نسكيات عنيفة.. لذلك فإما أن : أ- أعيش بقلبين أحدهما يليق بالكنيسة ويكون لى صورة التقوى بها دون قوتها. والآخر يليق بحياتى الخاصة وبالعالم وأوافقه على كل إنحرافاته. ب- أو أنه لا فائدة ولنترك الكنيسة لمن يستطيع، أما أنا (فلنأكل ونشرب لأننا غداً نموت). صديقى الشاب… لعلك توافقنى فى هذا الزعم… ولكن دعنا الآن نتلمس مفهوم التوبة فى ضمير الكنيسة كما صاغته فى نصوص الليتورجيا (القداس)… ولنبحر معاً فى أعماق أنهار القداس الإلهى لعلنا نخرج منه بتحديدات تنير أمامنا الطريق فيسهل… إذ أن القداس فى الحقيقة – يحوى منهج توبة متكامل بفكر أرثوذكسى آبائى أصيل… لأول وهلة سنلاحظ أن : 1- التوبة هى عمل مستمر ومتكرر ومدى الحياة :- يبدأ الكاهن القداس بصلاة سرية يرددها أثناء فرش وتجهيز المذبح فيقول: “أيها الرب العارف قلب كل أحد القدوس لمستريح فى قديسيه. الذى بلا خطية وحدة، القادر على مغفرة الخطايا. أنت يا سيد تعلم أننى غير مستحق ولا مستعد، ولا مستوجب لهذه الخدمة المقدسة التى لك. وليس لى وجه أن اقترب وافتح فمى أمام مجدك المقدس، بل ككثرة رأفتك اغفر لى أنا الخاطئ وامنحنى أن أجد نعمة ورحمة فى هذه الساعة وارسل لى قوة من العلاء… الخ” تأمل كيف تنضج هذه الصلوه بالتوبة والانسحاق والشعور بالخزى بسبب كثرة الخطايا… ومن الذى يقدمها؟ أنه الكاهن المحسوب فى ضمير الكنيسة أنه شفيع فى المذنبين أمام الله ثم يستمر الكاهن فى تقديم توبة عميقة منسحقة طوال القداس حتى يختمه بهذه الصلوة قبل التناول: “… لا تدخلنا فى تجربة، ولا يتسلط علنا كل أثم، لكن نجنا من الأعمال غير النافعة، وأفكارها وحركاتها ومناظرها وملامسها، والمجرب أبطله، واطرده عنا، وانتهر أيضاً حركاته المفروسة فينا، واقطع عنا الأسباب التى تسوقنا إلى الخطية، ونجنا بقتك المقدسة… الخ” أنك تستطيع أن تلمس روح التوبة المتغلفة ليست فى هذه الصلوة فقط بل فى كل صلوات القداس الإلهى، كأن القداس قد وضع فقط للتائبين…، ما يعنينى هنا أن: 1- استمرار صلوات التوبة طوال القداس إنما يشير إلى ضرورة استمرارية التوبة فى حياتنا. 2- أن يبدأ القداس وينتهى بالتوبة؟ معناه أن التوبة هى عمل يستمر مدى الحياة، منذ أن ادرك ذاتى وحتى الإنتقال إلى السماء. 3- تكرار القداس يومياً بنفس النمط ونفس الصلوات يدل على أن التوبة – فى ضمير الكنيسة – هى عمل متكرر يومياً فلو كانت التوبة هى مجرد مرحلة يعقبها قداسة بدون سقطات، لصار فى الكنيسة نوعان من القداسات أحدهما للمبتدئين التائبين ويكون مليئاً بعبارات التوبة والانسحاق، والآخر للمتقدمين (الذين لا يخطئون) ويكون مليئاً بالحب والتسبيح والفرح، ولا مجال فيه للتوبة والانسحاق. إننا نتطلع أحياناً إلى يوم نتحرر فيه تماماً من الضعفات والسقطات ونعيش القداسة فى ملئها وبهجتها… وعندما يتأخر هذا اليوم نصاب بالإحباط واليأس الفشل… غير عالمين أنه سيأتى ولكن فى الدهر الآتى… أما فى هذا الدهر فإننا زمان التوبة والنمو… لذلك فالكنيسة الملهمة رتبت لنا توبة فى كل يوم حاسبة فى ضميرها أننا ضعفاء ساقطون لأنه “ليس عبد بلا خطية، ولا سيد بلا غفران” مرد انجيل الصوم الكبير… فليست الكنيسة متحف قديسين ولكنها مستشفى تائبين. إننا ندخلها خطاه فى كل يوم فتبررنا بدم المسيح الذى تستجلبه لنا بالتوبة والإعتراف والحل… لاحظ هذا الحوار الذى يدور بين الكاهن والشماس والشعب فى نهاية كل صلاة طقسية (خاصة القداس). يقول الشماس : احنوا رؤوسكم للرب (وهى دعوة للتوبة والإعتراف السرى أمام المسيح فى حضور الكنيسة كلها)؟ يرد الشعب : أمامك يارب (أى ها نحن أمامك منحنين معترفين بذنوبنا وآثامنا وميولنا الرديئة). ينبه الشماس : ننصت بخوف الله (مشيراً إلى قرار خطير يصدر بعد قليل يجب أن ننصت لنسمعه بمخافة). يقول الكاهن : السلام للكل (أى أن هذا القرار الخطير سيحمل سلامة للكنيسة كلها). يرد الشعب : ولروحك أيضاً. ثم فى هدوء وصمت عميق يحنى كل مصلى رأسه ويقرع صدره ويعترف أمام الله بخطاياه… والكاهن كذلك يتوب عن نفسه وعن الشعب ثم يقرأ عليهم التحليل. لاحظ أن : توبة + اعتراف + تحليل = غفران. هذا يدفع الشماس لأن يصرخ (خلصنا ومع روحك أيضاً) شاهداً للكاهن والشعب أن خلاصنا قد حضر بسبب الغفران… فيفرح الشعب ويتهلل ويصرخ بنبع الفرح قائلاً أمين كيرياليصون كيرياليصون… وفى القداس خاصة يكمل الكاهن الحوار قائلاً: القدسات للقديسين (أى هذا الجسد والدم يأخذهما فقط القديسون التائبون الآن). فتصرخ الكنيسة بإنكسار ووداعة: واحد هو الآب القدوس، واحد هو الإبن القدوس، واحد هو الروح القدس. (معترفة بذلك أن واحداً قدوس فى هو الله؟ وان كان قداسة فينا هى مجرد انعكاسات قدسته فى وجوهنا) وعلى هذا الرجاء وبهذه الثقة نتقدم للتناول من الأسرار المحيية… ونخرج من الكنيسة مبررين بدم المسيح … ولكن غير معصومين من الخطأ.. لذلك فنحن مدعوون للعودة للكنيسة مراراً وتكراراً… ندخل خطاه ونخرج متبررين… وبتكرار التوبة والعودة للمسيح تضمحل الخطية من أعضائنا ويزداد الاشتياق للمسيح وطهارته… ولكننا سنظل خطاة وسيظل المسيح (الذى بلا خطية وحده القادر على مغفرة الخطايا)، مهما ترقينا فى الفضيلة والحب والالتصاق بالمسيح فنحن “تراب ورماد”. لكن بينما أنا خاطئ متعثر فى خطواتى، وميولى الرديئة تدفعن للسقوط، أجد الكنيسة تدعونى قديساً (القدسات للقديسين)، “أحباء الله مدعوين قديسين” (رو 7:1) فكيف يكون ذلك؟ الإجابة هى الركيزة الثانية فى مفاهيم التوبة بالفكر الأرثوذكسى : 2- التوبة هى عمل كل الكنيسة بكل أعضائها :- فلا يوجد فى الكنيسة فئتان : خطاة مبتدئون، وقديسون كاملون، بل الكل خطاة قديسون، لأن التوبة تجعل الزانى بتولاً والخاطئ قديساً لا تتخيل – صديقى الشاب – أنك وحدك تخطئ مع (جيل الشباب الخطاة)… أبدأ.. كلنا نخطئ وكلنا نحتاج التوبة… ونحن – الإكليروس – شركاؤك فى الضيقة وفى الضعف وتحت الآلام مثلك… اسمع الآب الكاهن – المحسوب أنه قائد وقدوة – يصل فى القداس قائلاً: “اذكر يارب ضعفى أنا المسكين، وأغفر لى خطاياى الكثيرة، وحيث كثر الأثم فلتكثر هناك نعمتك، ومن أجل خطاياى خاصة، ونجاسات قلبى لا تمنع شعبك من نعمة روحك القدوس. حاللنا وحالل كل شعبك من كل خطية ومن كل لعنة ومن كل جحود ومن كل يمين كاذبة ومن كل ملاقات الهراطقة الوثنية. أنعم علينا يا سيدنا بعقل وقوة وفهم لنهرب إلى التمام من كل أمر ردىء للمضاد… الخ” لو كان الحال أن الحياة الروحية مفصولة إلى مرحلتين: التوبة والقداسة؟ لكان من البديهى أن يكون الكاهن قد انتهى من مرحلة التوبة، ولا حاجة له أن يصلى مثل هذه الصلوات المفعمة بالأنكسار والتذلل وليتركها للخطاة المبتدئين… ولكن فكر الكنيسة هو أن التوبة والقداسة صنوان يسيران معاً، فأنا خاطئ لأننى إنسان ضعيف وأنا قديسى لأن المسيح يقدسنى بنعمته… “إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم” (1يو 8:1،9) نحن خطاه (هذا طبع) والمسيح يطهرنا (لأنه أمين وعادل)، ف تظن صديقى أن القداسة بعيدة المنال أو أنك غريب عن القديسين، بل أنت وأنا وأبى الكاهن وكل الكنيسة تائبون… ورجوعنا للخطية لا يلغى إنتمائنا للمسيح ونبوتنا له، فالأحرى أن ننتبه سريعاً ونقوم من سقطاتنا بدون يأس… متمثلين بذلك الراهب الحاذق الذى قال للشيطان “ألست أنت تضرب مرذبة وأنا أضرب مرذبة”… العبرة بالنهاية؟ والذى يصير إلى المنتهى فهذا يخلص… والصديق يسقط فى اليوم سبع مرات ويقوم. والأكثر من هذا أنك تسمع الآب الكاهن يطلب عن خطاياه وعن جهالات الشعب “اعط يارب أن تكون ذبيحتنا مقبولة عن خطاياى وجهالات شعبك” حاسباً خطايا الشعب أنها جهالات أما الكاهن فليس له عذر فى خطية وعندما يتقدم الكاهن ليغسل يديه قبل تقدمه الحمل، وقبل البدء فى القداس لا يكون هدفه فقط نظافة اليدين وإنما نظافة القلب من الخطية والشهوات لأنه يصحب الغسيل بالصلاة “تنضح على بزوفاك فأطهر، تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج… اغسل يدى بالنقاوة…”. لقد جاء المسيح لأجل الخطاة ليدعوهم للتوبة… والأبرار (فى أعين ذواتهم) ليس لهم نصيب فى عمل المسيح وعندما أدركت الكنيسة هذه الحقيقة سلمتنا – أولادها – سر التوبة مدى الحياة لنكون دائماً فى مجال عمل رب المجد… فإذا كنت خاطئاً مثلى فلا تيأس بل اعرف أنك من صميم عمل المسيح لأنه قال: “لم أت لأدعو ابراراً بل خطاة إلى التوبة… لأنه.. لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى” وإذا اعترضت بأن توبتك ضعيفة وأنك تميل – مثلى – إلى الخطية والسقوط فأعلم أن : 3- الغفران يعتمد على قوة السر وأمانة الله :- لذلك قيل عن سر التناول (السر العظيم الذى للخلاص) صلاة الاستعداد، (السر العظيم الذى للتقوى)، والرشومات ويخاطب الكاهن الله قائلاً: “اللهم معطى النعمة، مرسل الخلاص، الذى يفعل كل شئ فى كل أحد”… فثق صديقى أن الله “رحمته قد ثبتت علينا” مرد اسباتير، وأن “الله يرفع هناك خطايا الشعب من قبل المحرقات (الجسد والدم) ورائحة البخور (الصلوات)” مرد الإبركسيس… وكل الكنيسة تصرخ بهذا المرد الرائع “كرحمتك يارب ولا كخطايانا” ولا نستطيع أن ننسى الإعلان المقدس عن الجسد والدم أنه “يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا”وهناك حركة طقسية غاية فى الأبداع تطمئنك أن خطاياك قد ألقيت على دم المسيح… فالكاهن يغطى يديه بلفافتين الأولى على يده اليسرى تمثل الخطايا والضعفات والثانية على يده اليمنى تمثل بر المسيح (لأنه أخذها من فوق الحمل) وقبلما يرشم الكاهن الشعب بكلمة أجيوس (قدوس) يبدل اللفائف ويضع ما كانت بيده اليسرى على الكأس ويمسك ما كانت على الكأس بيده اليمنى ليرشم بها الشعب معلنا بذلك أن خطايانا جميعا قد ألقيت على الدم المقدس وأننا ننال البر بدم المسيح (اللفافة حتى على الكأس) راشما إيانا بكلمة قدوس ليقدسنا حقيقة أن توبتنا ضعيفة ومريضة ولكن لنا رجاء فى الله “الذى يحيى الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة” (رو 17:4) ونصرخ مع “أبو الولد” بدموع “أومن يا سيد فأعن عدم إيمانى” (مر 9:24) فلو كانت توبتى عدما، فأومن أنك ستعمل فيها عجبا وتخلصنى بنعمتك لأننى عاجز بجهدى ولكننى لن أيأس من رحمتك. لذلك وبناء على ما تقدم فإن التوبة الأرثوذكسية فيها : 4- ينتفى الإحساس بالإنجاز والبر الذاتى :- لأنه ليس بمقدرتى ومهارتى، ولا بفرادتى بل بالكنيسة وبالكاهن وبالسر… لذلك يتكرر طوال القداس المرد الشهيد “كيرياليصون – يارب ارحم” عالمين أننا مهما تقدسنا أو تبررنا فنحن بحوجة شديدة لرحمة الرب… ودائماً تسمع التعبير “نحن عبيدك الخطاة غير المستحقين…”، “نحن الاذلاء غير المستحقين…”، “ضعفى أنا المسكين…” بينما نشكر الله فى انكسار أنه “جعلنا أهلاً الآن أن نقف فى هذه الموضع المقدس..” ولأنه “جعلنا مستحقين…” وبروح العشار التائب نصرخ “نسالك يا سيدنا لا تردنا إلى خلف… لأننا لا نتكل على برنا بل على رحمتك، هذه التى بها أحييت جنسنا…” صلاة الحجاب… وتستطيع أن تستشف هذه الروح المنسحقة طوال صلوات القداس لأن الكنيسة المقدسة قد أدركت بروح إله أن القلب المنكسر المتواضع لا يرذله الله إن التوبة الأرثوذكسية هى عملنا الوحيد المتكرر طوال الحياة واللازم لكل أعضاء الكنيسة وهى تستجلب لنا غفران خطايانا بدم المسيح ونعمته المجانية اعتماداً على أمانته وحبه لذلك فالتائب المسيحى لا ينتفخ ولا يفتخر بل يظل طوال عمره محتاجاً لرحمة الله وغفرانه. ربى يسوع الغالى القدوس لن أيأس بعد اليوم ولن استهتر أيضاً… لن أتوانى عن القيام عقب السقوط وكذلك لن أتوانى عن دعوتك لحمايتى من السقوط إكراماً لجسدك واحتراماً لكنيستك… واثقاً أنه بكثرة غفرانك ستضمحل الخطية من أعضائى وسأترك فى الفضيلة حتماً… وسيجىء اليوم بنعمتك – الذى فيه يزداد لهيب حبك فى قلبى أعلى من لهيب الشهوة فى جسدى… “نفسى تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح” (مز 6:130) لك المجد آمين. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
16 سبتمبر 2018

نيرى هين وحملى خفيف

﴿ نِيري هيِّن وحِملي خفيف ﴾ ( مت 11 : 30 ) كثيرون يعيشون مع الله ويشعرون أن الطريق شاق وصعب والحِمْل ثقيل والوصية صعبة لكن ربنا يسوع يقول ﴿ نِيري هيِّن وحِملي خفيف ﴾ النِير هو ما يُوضع على ظهر الحيوان ليحمل الأثقال ومادام الحيوان بدون النِير يشعر أنه في وقت راحة فيعيش وكأنه طفل لكن مجرد أن يُوضع عليه النِير يصير جاد في سلوكه تعالوا نقول لله ضع نِيرك علينا هو يقول نِيري هيِّن أي خفيف الأنبا أنطونيوس كان يقول لأولاده ﴿ يا أولادي اعلموا أن وصاياه ليست ثقيلة ﴾الذي يجعل النِير هيِّن والحِمْل خفيف هو المحبة والذي يجعله ثقيل وصعب عدم المحبة ما الذي يجعل النِير هيِّن ؟ الحب الذي يحب الله يشعر أن طريقه لذيذ يستعذبون الألم أبونا إبراهيم ترك أرضه وعشيرته وهو مُبتهج رغم أنه ذاهب إلى مجهول نقول له أنت لا تعلم إلى أين تسيريقول مادام الله معي ومُعطيني نعمة لن أستثقِل الأمر نجد أن الإنسان الروحاني يفرح بالصوم ويلتهب وينتظر قدومه لأن النِير بالنسبة له هيِّن والحِمْل خفيف لأنه لا يشعر أن الصوم عذاب للجسد بل ترويض للجسد وارتقاء وسمو قديماً كان الآباء يعرفون الصوم دائماً ولا يشعرون بصوم وإفطار ولم يكن هناك توقيت ونتائج لأيام السنة وكان الزمن بالنسبة لهم مسئول عنه شخص مُعيَّن وكان ذلك الشخص يُرسِل راهب يُنادي بالصوم قبل بدايته بيومين وكان أحد الرهبان يُنادي الصوم بعد يومين فقال له شيخ أنا لي ثلاثة وخمسون سنة في البرية لم أعرف ميعاد صوم وإفطار لم يشعر بحرمان أو عذاب أو فُقدان لذة لأن نِيره هيِّن اِحمِل نِيره بحُب تجده خفيف ولتسأل شهيد عن حاله في العذابات وتقول له ماذا تفعل مع التعذيب هذا أمر لا يُحتمل كيف تتحمَّل كل هذه الإهانات والعذابات والألم ؟ يقول أنه يحب الألم لأجل المسيح أن تستضئ عينيك بنور المسيح تستثقِل الثوب الذي على جسدك والطعام الذي تأكله وكأنك تقول له ليتني أُقدم لك أكثرالشهداء أرادوا أن يقدموا له أكثر من حياتهم حتى أن الله ظهر للأنبا بولا الطموهي وقال له " كفاك تعباً يا حبيبي بولا " لأن جسده قد اضمحل من شدة النُسك حتى صار كورقة الشجر لكنه يُجيب الله ويقول ماذا يكون تعبي أمام قطرة من دمك سال لأجلي أمام صليبك أمام حبك للبشرية أنا ما فعلت شئ يليق بحبك نِيره هيِّن والألم لذيذ والحِرمان مقبول يرى الشهيد أثناء عذاباته جانب لن يراه الآخرون الناس ترى شهيد وسيف ودم مسفوك وقسوة وعذاب وهو يرى سماء مفتوحة وأكاليل ومجد وملائكة ويقول أنا في تنعم ومجد لأن عينه مفتوحة على أسرار الله ﴿ نِيري هيِّن وحِملي خفيف ﴾آية لا تُفهم إلاَّ بالحب ولا يفهمها إلاَّ عُشَّاق يسوع وتدفعهم أكثر في طريق الله ﴿ يجرون في طريق الأحزان بلا شبع ساعة ما أدركوا شهوة حُب الرفيق ما صبروا أن يبقوا في أفراح العالم لحظة واحدة ﴾يحملون تعاذيبهم لأن نِيره هيِّن الذي يقدم حياته لأجل الله هل يشعر أنه قدم شئ فائق لم يفعله غيره ؟معلمنا بطرس الرسول قال ليسوع ﴿ ها نحن قد تركنا كل شيءٍ وتبعناك ﴾ فقال له يسوع﴿ كل من ترك بيوتاً أو إخوةً أو أخواتٍ أو أباً أو أماً أو امرأةً أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مئة ضِعفٍ ويرث الحياة الأبدية ﴾ ( مت 19 : 27 ، 29 ) يشعر أن هذه الأرض كلها هي له والبشرية كلها أولاده وهو مسئول عنهم كان المتنيح أبونا بيشوي كامل يقول للناس اعتبروني أفقر شخص فيكم وأغنى شخص فيكم لا أملُك شئ لكن كل ما لكم لي كان يشعر بالمكسب وإذا أتاه فقير ولم يكن معه شئ كان يضع يديهِ في جيب أقرب شخص له ويأخذ منه دون حساب ويعطي الفقير اُدخل إلى عمق الحياة مع الله تجد نفسك تسأل الله ماذا أُقدم لك يستحق حبك ؟ صومي مُخجِل لأني آكل كثيراً هو مجرد تغيير طعام هل يليق أن أمنع نفسي عن كذا وكذا كل ذلك أيضاً قليل أمام حبك هل أمنع نفسي عن أنواع أطعمة عن الماء عن وتظل هكذا حتى تشعر أنك تقدم جسدك كله بل وحياتك ذبيحة مُحرقة لله ذبيحة مُحرقة أي تُحرق بالكامل تقول له أريد أن أُقدم لك كل حياتي ذبيحة حية مقبولة أمامك جسدي وعقلي وقلبي وتُقدم بلا ندامة وتشعر أنك كسبت الكثير والكثير هل اختبرت نِيره ؟ إنه هيِّن هل تستثقِل وصاياه أم تشعر بلذتها ؟ إختبِر وادخل للعمق وتذوق وكلما تعمقت النعمة ترفعك درجة ودرجة وتشعر بلذة أكثر وأكثر إختبروا وتلذذوا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائماً أبدياً آمين القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس – محرم بك الأسكندرية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل