عايشنا المتنيح القمص أنجيلوس السريانى حينما كان يخدم فى القاهرة وفى أيام مرضه الأخير بالدير ، لمسنا فيه البساطة وطيبة القلب وحياة التقوى والنقاوة ، كما لمسنا فيه حبه الشديد لله والناس ،واحتماله للمرض بشكر وبدون تذمر . كان يغيش فى فرح دائم وأعياد مقدسة باستمرار فحينما كان يقابل أى إنسان فى أى مكان وأى زمان يسلم عليه ويقول له : كل سنة وأنت طيب . هذه العبارة تقال عادة فى الأعياد والمناسبات ، أما أبونا أنجيلوس فكان يرددها باستمرار لأن كل الأيام عنده أعياد ومناسبات سعيدة لأنه سعيد بالمسيح .
السير العطرة للأبرار المعاصرين تنشط الحياة الروحية للسائرين فى طريق الملكوت ،وتشجع المجاهدين فى الحياة الروحية ، لأنهم يجدون أمامهم النماذج الحية القريبة منهم والتى عاشت فى نفس زمانهم وظروفهم وبيئتهم وقابلتهم نفس المعوقات ولكنهم جاهدوا وصمدوا وانتصروا ونالوا الأكاليل المعدة للغالبين.ونقدم لك الأن أيها القارئ العزيز سيرة أحد هؤلاء الأبرار المعاصرين الذين عاشوا بيننا ورأيناهم بأعيننا وقد تنيح منذ سبع سنوات فقط ، إنه الراهب القمص أرمانيوس السريانى .
هذا الكتاب الذى بين يديك أيها القارئ العزيز هو نقطة صغيرة من بحر عميق أعنى حياة الأب الراحل الراهب القس أوغريس السريانى الذى عاش بيننا كملاك الله وفارقنا فى هدوء الملائكة ليلة 2يناير 2002م. عاش أبونا أوغريس أربعين سنة فى الرهبنة فى إختفاء تام وفى إنكار ذات عظيم بعد رهبنته بمدة قبل نعمة القسيسية فقط ولم يقبل رتبة القمصية رغم الإلحاح عليه بقبولها وكان يقول ( السماء فيها 24قسيساً،ولم يذكر الكتاب المقدس اسم القمامصة ،ولم يتطلع فى كل حياته إلى أى مناصب كنسية سواء داخل الدير أو خارجه.
المتنيح الراهب القمص فلتاؤس السريانى ترهب سنة 1948م وتنيح سنة 2010م أى عاش فى الرهبنة حوالى 62سنة كاماة . كان هو باكورة رسامات المتنيح الأنبا ثاؤفيلس الأسقف السابق لدير السريان ،وكان يحبه كثيراً. عاش القمص فلتاؤس السريانى بيننا كنموذج عظيم للراهب الناسك الطاهر الصامت الذى يضع فى فمه زلطة حتى لا يتكلم مع الناس ويكون كلامه كله مع الله فقط فى الصلاة والتسبيح . رأيناه حبيساً فى قلاية صغيرة جداً فى حضن الدير الأثرى بلا ماء ولا نور وفى مكان مقطوع ومخيف . كان يحدثنا أحياناً عن قديسى الرهبنة الكبار مثل مارإسحاق والشيخ الروحانى وغيرهما ويحفظ الكثير من أقوالهم وكان يلهب قلوبنا حينما يحدثنا بطريقته المشوقة عن الآباء السواح وتدبيراتهم العالية.
أمضى معنا القمص ويصا السريانى سنوات رهبانية غنية امتلأت بالمحبة والعمل والثقة المتبادلة ،وكان مثالاً للراهب الحكيم المحب المتواضع ،ونحن نعتبره أحد الآباء المميزين فى تاريخ دير السيدة العذراء السريان ، إذ أن شخصيته كانت تتسم بمواصفات كثيرة منها :-
أولا ً:- كان يتمتع ببركات روحية خاصة إذ اقتنى الكثير من الفضائل فى حياته الديرية ،وكان يتصف بحكمته ومحبته وخدمته الباذلة لمجمع الدير وكل إخوته الرهبان ،وغنى علاقاته برواد الدير الأجانب الذى أنار لهم عيونهم على تراث الدير وغناه وآثاره عبر سنوات طويلة.
طقس القداس الإلهى منها عذب لا ينضب من التأملات الروحية العميقة ، لأن كل حركة وكل كلمة فى القداس لها معنى روحى عميق . كتب كثيرون فى هذا الموضوع وما زال موضوعا ً بكراً للتأملات والتفاسير المتعمقة لحركاته وكلماته سواء السرية منها أو الجهرية .
تأملات جميلة ومدخل جديد لدراسة القداس الإلهى حيث ربط الأب المؤلف بين التاريخ المقدس فى علاقة الله بالإنسان منذ خلق آدم حتى الأبدية مروراً بالسقوط وتدبير الخلاص وتمهيدات الآباء والأنبياء ثم التجسد الإلهى العظيم والكنيسة المسوقة بالروح القدس انتهاء بالأبدية السعيدة .كل هذا ربطه بترتيب القداس الإلهى منذ العشية حتى التناول مرورا ً بالتسبحة وباكر والقداس .
مما لا شك فيه أن الألحان لها تأثيرها القوى على كل نفس تسمعها أو تصلى بها ،واللحن القبطى خاصة ، له تأثير فعال وقوى على الروح ،و يرجع ذلك إلى الروح السامية والروحانية العالية الناتجة عن العلاقة القوية بالله ، التى كانت عند آبائنا وأجدادنا الأقباط ، الذين قد وضعوا هذه الألحان وهم ملهمين من الروح القدس .