بعد أن انتهينا من التأمل فى بعض ترانيم المصاعد التى هى خمسة عشر مزمور، وآخرها مزمور "ها باركوا الرب يا عبيد الرب.. يأتى هذا المزمور -الذى نصلّيه فى صلاة النوم والستار وفى الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل- الذى هو من ذكريات السبى لا شك أن هذا المزمور قد كُتب فى مدة السبى وليس فى أيام داود النبى، وهذا يتضح من كلماته. وعلى سبيل التعميم تُنسَب المزامير كلها لداود النبى، لكن من المعروف أن داود النبى لم يكتب كل المزامير، إنما هو الذى أسس سفر المزامير ثم أُضيف إليه مزامير أخرى لعدة كُتّاب آخرين من بعده منهم سليمان الملك.
مزمور "ها باركوا الرب" الذى يقال فى صلاة النوم وصلاة الستار وفى الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل، هو آخر مزمور من مزامير المصاعد التى هى خمسة عشر فى عددها، التى معها كانوا يصعدون درجات حتى يصلوا إلى بيت الرب، وفى هذا المزمور الخامس عشر يتضح أنهم بعدما صعدوا الخمس عشرة درجة وقفوا عند هذه الأخيرة، فهتفوا بهذا المزمور الذى يخبرهم بوصولهم إلى بيت الرب فقال:ها باركوا الرب يا عبيد الرب القائمين فى بيت الرب، فى ديار إلهنا
ما هى ترنيمات المصاعد ؟
كان أثناء صعودهم درجات سلم الهيكل يقولون على كل درجة من درجاته مزمور من هذه المزامير، وعددها خمسة عشر مزموراً؛ عشرة متضمنة حالياً فى صلاة الغروب وخمسة فى صلاة النوم.. من ضمنها مزمور "فرحت بالقائلين لى إلى بيت الرب نذهب. وقفت أرجلنا فى ديار أورشليم.. لأن هناك صعدت القبائل.." لذلك دعيت ترانيم المصاعد. وربما أيضاً دعيت ترانيم المصاعد لأن الشعب كان يرتل بها أثناء صعودهم إلى جبل صهيون المرتفع المبنية عليه مدينة أورشليم.
من ترانيم المصاعد هذا المزمور الذى يُصلَى فى صلاة النوم وصلاة الستار وأيضاً فى الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل؛ هو من ترانيم المصاعد. كما سبق وقلنا أن ترانيم المصاعد هى مزامير صغيرة تقال على درجات هيكل سليمان. كان يترنم بها الشعب والمرنمون أثناء دخولهم الهيكل، على درجات الهيكل التى هى خمس عشرة درجة. على كل درجة كانوا يتلون مزموراً..
هذا المزمور الذى نكرره فى صلاة النوم وفى صلاة الستار وفى الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل؛ يعلمنا الاتضاع فى أفكارنا وتصوراتنا ورغباتنا وسلوكنا وأيضاً فى تعاملنا مع الآخرين.
ولأن الذبيحة لله روح منسحق فقد اهتم المرنم بأن يدرّب فكره فى دروب الاتضاع لتصير عبادته مقبولة أمام الله. ولا شك أن الفكر المتضع ينشئ سلوكاً متضعاً فى حياة الإنسان
تاقت نفسى إلى خلاصك وعلى كلامك توكلت بدون معونة الله يضيع كل تعب الإنسان باطلاً من يرشد الإنسان فى مسيرة حياته لتأتى أعماله مطابقة لمشيئه الله؟ إن الكلمة الإلهية فى الكتب المقدسة لاشك أنها تنير طريق الإنسان، ولكن توجد كثير من الأمور تحتاج إلى فهم سام وإرشاد علوى إلى جوار الكلمة المكتوبة.. والله قد وعد بأنه لا يتركنا يتامى، بل يمنحنا الروح القدس لتعزيتنا وإرشادنا حتى نتمم خلاصنا.
هذا المزمور الذى نكرره كثيراً فى صلواتنا: فى صلاة النوم وفى صلاة الستار وفى الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل؛ مزمور "من الأعماق صرخت إليك يا رب" يناسب كثيراً من الأحوال فى حياة الإنسان. فهو لسان حال الإنسان المحب لله، والإنسان الساقط فى الخطية، وغارقاً فى الهاوية، والإنسان المجرب بالضيقات.. كل هؤلاء وغيرهم يجدون تعزية فى صلاتهم بهذا المزمور
من الأعماق
كلمة من الأعماق من الممكن أن يقولها الإنسان فى حالات روحية متعددة، وليس فى حالة واحدة فقط..
نجد فى المزامير تعزية جزيلة لأنها كُتبت بوحى الروح القدس. وحينما يجد الإنسان فيها تعبيراً عن حالته الروحية يشعر أن الله يدرى باحتياجاته، ويعرف طبيعته وتكوينه. كما يدرك أن الله يهيئ له سبل الخلاص والتبرير والحياة الأبدية وهذا المزمور وهو من المزامير الجميلة فى صلاة باكر من صلوات الكنيسة- يعبّر عن حالة إنسان يشعر أنه وحيد وفقير، إنسان يشعر أن أعداءه قد كثروا وأبغضوه ظلماً. كما يعبّر عن إنسان قد كثرت أحزان قلبه، وكثرت شدائده، وقد تعب كثيراً من هذه الأمور. وأيضاً يشعر أن خطاياه هى سبب أحزانه هذه فيقول: "من أجل اسمك يا رب اغفر لى خطيئتى لأنها كثيرة" (آية رقم11)
وضعت الكنيسة هذا المزمور فى كثير من الصلوات نصلّيه فى صلاة باكر، وصلاة الستار، والخدمة الأولى من صلاة نصف الليل. فهو من المزامير التى تتكرر كثيراً ولأن الله يعرف كيف أن الإنسان يمكن أن يسقط مرات كثيرة فى مشاعر اليأس وعدم الرجاء؛ أعطاه هذه الكلمات المطمئنة فى صورة صلاة..