العظات
عبادة الروح والحق
إنجيل هذا المساء المبارك يقول ﴿ يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس ﴾ ( مت 15 : 8 ) .. هناك عبادة مقبولة وعبادة باطلة .. ما هي أسباب العبادة المقبولة وأسباب العبادة الباطلة ؟ كثيراً ما تكلم ربنا يسوع المسيح عن العبادة الباطلة لأنها عبادة شكلية .. عبادة مكروهة جداً لدى الله بدلاً من أن تكون عبادة حب .. قال عن العبادة الباطلة أنكم تنقون خارج الكأس أما داخله فمملوء إختطاف وخبث ( لو 11 : 39 ) .. مثل قبور مبيضة لكن داخلها نتانة وموت ( مت 23 : 27 ) .. إنسان شكله رافع قلبه يصلي ويصوم لكن ﴿ تتجاوزون عن الحق ومحبة الله ﴾ ( لو 11 : 42 ) .. ﴿ كل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس فيعرِّضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم ﴾ ( مت 23 : 5 ) كانت هناك وصية في العهد القديم أن يجعل الكهنة الوصية ﴿ عِصابة بين عينيك ﴾( خر 13 : 16) فكانوا يعرِّضون العِصابة لتنزل على عيونهم .. أيضاً ﴿ ويعظمون أهداب ثيابهم ﴾﴿ قصها على أولادك حين تمشي في الطريق ﴾ ( تث 6 : 7 ) كانوا يفهمون هذه الوصية أنهم يضعوا الوصية في هدب ثيابهم ولكي يلفتوا الأنظار كانوا ينقشون أهداب ثيابهم .. شيئان كانوا يلفتون الأنظار بهما تكلم عنهما الرب يسوع هما العِصابة وهدب الثوب لكن بلا معنى أيضاً كانوا يحبون المتكأ الأول وأن يقال لهم سيدي سيدي ( مت 23 : 7 ) كما كان يفعل الفريسيون كانوا يأجرون من يجرون حولهم ينادون قائلين سيدي سيدي لذلك قال لتلاميذه ﴿ لا تدعوا لكم أباً على الأرض ﴾( مت 23 : 9 ) .. لأنه يريد أن يقال لهم * سيد * .. لذلك الكنيسة تكرم الأسقف والأسقف يكرم الشعب .. قال لتلاميذه لكم معلم واحد سيد واحد هو يسوع له المجد ولا تفعلوا كالفريسيين .. كان معروف أنَّ اليهودي يمكنه أن يقيم مدرسة صغيرة تحتوي على إثني عشر تلميذ لذلك إختار رب المجد إثني عشر تلميذ لكن مدرسته كانت مختلفة عن مدارس اليهود لذلك قال لليهود أنتم تهتمون بظواهر الأمور .. ﴿ حينئذٍ جاء إلى يسوع كتبة وفريسيون الذين من أورشليم قائلين لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً ﴾( مت 15 : 1 – 2 ) .. ما لهم يكسرون الوصية ؟ أجابهم يسوع ﴿ فأجاب وقال لهم وأنتم لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم فإن الله أوصى قائلاً أكرم أباك وأمك ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاً وأما أنتم فتقولون من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذي تنتفع به مني فلا يكرم أباه أو أمه .... ﴾( مت 15 : 3 – 5 ) .. العبادة الشكلية الصورية بالطبع تتكرر وموجودة في كل جيل وليس الكتبة والفريسيون فقط .. لذلك هناك عبادة شكلية مرفوضة وعبادة مقبولة
الجهاد الروحى وإماتة الجسد
يقول معلمنا بولس الرسول ﴿ حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع ﴾ ( 2كو 4 : 10) .. ﴿ فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض ﴾ ( كو 3 : 5 ) .. ﴿ بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون ﴾( رو 8 : 13) الصوم فترة مقدسة من أجل تقديم أعمال إماتة الجسد لذلك سنتكلم عن ثلاثة نقاط مهمة :-
أهداف الصوم
أسابيع الصوم الكبير التسعة مسلسلة إبتداء من الأحد الأول الخاص بالإستعداد وسبعة آحاد + الأسبوع الأخير .. تُقسم ألـ 9 آحاد إلى ثلاث أقسام .. الكنيسة تأمرنا بأن نرتفع في الصوم عن أطعمة كثيرة في الجسد ولكن تعطينا أطعمة كثيرة للروح .
القسم الأول :-
أو الثلاث آحاد الأولى .. الأحد الأول يُسمى « أحد الوسائط » .. يتحدث عن ثلاث أشياء مهمين جداً .. الصدقة .. الصلاة .. الصوم .. الأحد الثاني في القسم الأول « أحد الكنوز » .. الأحد الثالث في القسم الأول هو « أحد التجربة » ويُحدثنا عن أنواع التجربة المختلفة التي تعرض لها يسوع .
الثلاث الآحاد هم بداية الرحلة وهذه الرحلة يجب أن تبدأ بثلاث أصدقاء :-
الصدقة ← وهي علاقتي بالآخر .
الصلاة ← علاقتي مع الله .
الصوم ← علاقتي بنفسي .
ثلاث ركائز في علاقتي .. « الآخر » والشعور به والشفقة عليه .. أُقلل من الطعام لأعطي الآخر .. لهذا تُحدثنا الكنيسة وتقول ﴿ طوبى للرحماء على المساكين ﴾ .. « الله » وتأمر الكنيسة بالصلاة والتحدث إلى الله لتوطيد العلاقة معه .. « الصوم » وهو أكبر الأصوام لأن كنزك لا على الأرض بل في السماء .
القسم الثاني :-
الأحد الأول ← الإبن الضال ← يمثل شناعة الخطية .
الأحد الثاني ← السامرية ← يمثل تكرار الخطية .
الأحد الثالث ← المخلع ← يمثل مدة الخطية .
أنت في فترة الصوم مشكلتك الخطية .. حل الخطية هو شعورك بمحبة الله لك مثل الإبن الضال .. ثقتك في أنه يرد لك كل ما تلف وخسرته في حياتك .. لا تستثقل خطاياك على محبة الله وعندما يتكرر الخطأ لازم تثق أن عنده ينبوع المياه الحية .. وأن المشكلة حلها عنده وحده ويقبلك كما حدث مع السامرية رغم رفض كل الناس لها .. لديه ينابيع الروح التي تصنع منك إنسان جديد وثالثاً قصة مريض بيت حسدا الذي فقد الشفاء تماماً بعد 38 سنة .. فقد الرجاء ولكن ثقته في أن الله يشفي جعلته كذلك لهذا سأله يسوع ﴿ أتريد أن تبرأ ﴾ ( يو 5 : 6 ) .. الله قادر على الشفاء رغم محاولة عدو الخير بأن الخطية تظل معي ولا يوجد رجاء .
القسم الثالث :-
الأحد الأول ← المولود أعمى .
الأحد الثاني ← دخول ربنا يسوع المسيح أورشليم .
الأحد الثالث ← القيامة .
نلخص هذا في ثلاث كلمات .. الإستنارة .. مُلك .. قيامة .. هدف الصوم أن أستنير .. أن الظلمة التي سيطرت عليَّ أنال منها الشفاء .. أرى كل ما حولي بطريقة واضحة كما الأعمى الذي رأى .. ترى خطاياك وترى أهدافك وتتخلص من كل خطاياك لتأخذ هدف الصوم .
الإستنارة ← هي البصيرة الروحية والداخلية .. وكما يقول معلمنا بولس ﴿ مستنيرة عيون أذهانكم ﴾ ( أف 1 : 18) .. العين الداخلية التي تُفتح على أسرار الله .. العين التي ترى كل إنسان محتاج وترى الأبدية وأسرار الكنيسة على مستوى السر البصيرة الروحية هي هدف الصوم .. أعرف أن كنزي في السماء وعند ابتعادي أرجع وإذا تكرر بُعدي أثق في ماء الحياة وأثق في قدرته على شفائي وأحصل على الإستنارة .
الأحد الثاني ← دخول المسيح إلى أورشليم .. المدينة المحبوبة .. مدينة الملك دخل لكي يملك عليها كما يملك هو على كياني وأصير أنا مملكته الخاصة .. أنا موضع مُلكه .. وإعلان مدينته وكما يقول سفر النشيد ﴿ علمه فوقي محبة ﴾ ( نش 2 : 4 ) .. هو سيطر على حواسي وفكري .
من أهداف الصوم أشعر بأن يسوع هو كل شئ في حياتي .. وأشعر بكمال وإشتياق إليه .. ولا يوجد عندي أهم من إرضاؤه وبعد هذا يعلن فيَّ مجد القيامة والموت لا يزعجني ولا يؤلمني .. أعيش في جسد قابل للموت ولكن أتمتع بروح القيامة وروح الغلبة .. إذن نحن نصوم لكي نحصل على كل هذا .. من إستنارة ومُلك وقيامة .. نحن في فترة نجتاز فيها إماتة الجسد .. نرى قوة القيامة في حياتنا وينفجر فينا روح الله .. ونصير إنسان وروح جديد لأن إنسان الموت إنتهى لذلك ترتب الكنيسة هذا عن قصد في فترة الصوم .. لكي نعلن حرب على مملكة العدو .. تعلن سيطرة ومُلك الأبدية على العالم وأن الله له ملكوت على الأرض وله رموز يعلن ملكوته فيها لهذا نقول إذا كنا تهاونا في فترة من فترات الصوم فلا نُضيع الفترة القادمة حتى ننال بهجة ومحبة وفرح القيامة .. هذا هو ما نجاهد من أجله ونشكره على محبته وعطفه ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين
مفاهيم فى الصوم
فِي بِدَايِة الصُوم الكِبِير نَتَكَلَّمْ عَنْ بَعْض مَفَاهِيمْ الصُوم .. الصُوم المُقَدَّس لَهُ قُدْسِيَة خَاصَّة لَيْسَ لأِنَّهُ كَبِير فِي فِتْرِتُه بَلْ لأِنَّهُ صُوم سَيِّدِي .. صُوم نَصُوم فِيهِ مَعَ الْمَسِيح .. هُوَ صَام وَهُوَ سَيِّدْنَا وَنَحْنُ نَصُوم مَعَهُ .. اليُوْم الكِنِيسَة تَصُوم عَلَى طَقْس رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح .. فَمَا قِيمَتُه إِذاً ؟ مِنْ هُنَا لَهُ كَرَامَة عَظِيمَة فِي عَيْنَيَّ الله أنَّ يَسُوع صَامَ مَعَنَا وَعَنَّا وَقُوَّة صُومُه مُضَافَة إِلَى صُومْنَا .. نَحْنُ جَسَد الْمَسِيح فَمَادَامَ جَسَدُه صَائِمْ إِذاً نَحْنُ صَائِمُون لِذلِك قُوِّة صُومْنَا أتَتْ مِنْ قُوِّة صُوم جَسَدُه وَهذَا جَمَال الصُوم الكِبِير لكِنْ رَبَّنَا يَسُوع صَامَ فِي البَرِّيَّة كَيْ يُعْلِن أنَّهُ كَمَا طُرِدَ الإِنْسَان مِنْ الفِرْدُوس بِسَبَبْ الغُوَايَة وَكَانَتْ الغُوَايَة أكْل .. طَعَام .. لِذلِك ذَهَبْ يَسُوع إِلَى البَرِّيَّة كَيْ يَصُوم وَيُلْغِي سَقْطِة آدَم .. وَكَمَا كَانَتْ سَقْطِة آدَم عَنْ طَرِيقٌ الأكْل صَامَ رَبَّنَا يَسُوع عَنْ الطَّعَام بِذلِك يَلْغِي سَقْطِة آدَم .. وَإِنْ كَانَ آدَم قَدْ نُفِيَ مِنْ جَنَّة الله فَيَسُوع ذَهَبَ إِلَى البَرِّيَّة كَيْمَا يُرُدٌ آدَم لِلفِرْدُوس لِذلِك الصُوم المُقَدَّس لَهُ كَرَامَة عَالِيَة مَا هِيَ قِصَّة الأكْل ؟ قُوِّة الصُوم لَمْ تَأتِي مِنْ قُوِّة الأكْل بَلْ مِنْ طَاعِة الله .. إِنْ كَانَ آدَم قَدْ خَالَفْ وَأكَلْ فَنَحنُ نُطِيع وَنَصُوم .. فَأجْمَل مِنْ تَغْيِير الطَّعَام الطَّاعَة لله .. صُومْنَا يُعْلِنْ طَاعِتْنَا لله صُومْنَا يُعْلِنْ أنَّنَا أبْنَاء الفِرْدُوس .. أبْنَاء الله .. ﴿ أنْ أفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ ﴾ ( مز 40 : 8 ) .. كَمَا صُمْت يَا الله أنَا أصُوم وَكَمَا غَلَبْت أنَا أغْلِب .. لِذلِك الكِنِيسَة فِي بَعْض الأصْوَام تُخَفِّفْ وَتُعْطِي حِل بِأكْل الأسْمَاك لكِنْ الصُوم الكِبِير صُوم مِنْ الدَّرَجَة الأُولَى بِهِ سَحْقٌ قَوِي لِلجَسَد .. بِهِ غَلْبَة لِلشَهْوَة وَكَمَال طَاعَة وَإِعْلاَن أنَّنَا نَسْلُك بِالرُّوح وَلاَ نُكَمِّل شَهْوِة الجَسَد لِذلِك الأمر لَيْسَ مُجَرَّدٌ أكْل بَلْ لاَبُدْ يُرْبَطْ الصُوم بِالتَغْيِير وَالضَبْط .. لِذلِك مِنْ أجْمَل مَفَاهِيم الصُوم أنَّهُ إِقْتِنَاء ضَبْط الذَّات وَتَقْوِيِة الإِرَادَة الرُّوحِيَّة وَأنْ نَقُول لِلجَسَد لاَ مِنْ هُنَا تَبْدأ القِيَامَة .. قِيَامِة الرُّوح بِالجَسَد وَتَبْدأ قِيَامَة رُوحِيَّة وَيَتَمَتَّعْ الإِنْسَان بِالبَرَكَة دَاخِلُه لِذلِك الصُوم المُقَدَّس لَهُ مَذَاقَه خَاصَّة .. أنْتَ تَحْيَا الطَّاعَة الكَامِلَة لله لِذلِك الصُوم الكِبِير لَيْسَ تَغْيِير أطْعِمَة بَلْ تَغْيِير السُلُوك .. عِوَض عَنْ عِصْيَان آدَم نُقَدِّم طَاعَة لله كَانَتْ أوَّل وَصِيَّة ﴿ مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الجَنَّةِ تَأكُلُ أكْلاً وَأمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأكُلْ مِنْهَا ﴾( تك 2 : 16 – 17) .. إِذاً أمَر الله بِالصُوم .. شِئ يُؤكَل وَشِئ لاَ يُؤكَل .. لكِنْ آدَم لَمْ يُطِيع وَخَالَفْ وَأكَلْ لِذلِك أرَادَ الله أنْ يُعِيدْنَا إِلَى الفِرْدُوس فَأمَرَتْ الكِنِيسَة بِصُوم عَلَى غِرَار صُوم يَسُوع لَهُ المَجْد .. لِذلِك كُلَّ مَنْ صَام تَمَتَّعْ بِالحَيَاة الفِرْدُوسِيَّة .. هذَا جَمَال الصُوم أنْ تَشْعُر أنَّكَ تَصُوم وَالْمَسِيح صَائِمْ مَعَك .. صُومَك هَزِيل وَصُومُه قَوِي .. صُومَك يَقْوَى فِي صُومُه لِذلِك شِئ طَبِيعِي أنْ تَقُول أنَّ الصُوم المُقَدَّس مَعَهُ حُرُوب كَثِيرَة لأِنَّهُ يُرْعِب الشَّيْطَان .. بِهِ إِعْلاَن حَرْب عَلَى عَدُو الخِير وَكُلَّ جُنُودُه وَكُلَّ حِيَلُه لِذلِك يَنْزَعِج مِنْهُ جِدّاً لأِنَّ سِر القُوَّة يَأتِي مِنْ إِتِّحَادَك بِالْمَسِيح فَيَصِير صُومَك نَقِي مَقْبُول فِي الْمَسِيح وَيَصِير جِهَادَك جِهَادٌ غَلْبَة .. هذَا جَمَال الصُوم الكِبِير تَغْيِير أطْعِمَة لِتَتَذَوَق الفِرْدُوس لِذلِك الصُوم الكِبِير بِهِ نُوع مِنْ النُسْك فَلاَ تُطَاوِع نَفْسَك فِي كُلَّ أكْل .. حَاوِل أنْ تَمِيل لِلرُّوح أكْثَر مِنْ الجَسَد وَتَكُون أنْتَ وَرُوحَك وَرُوح الله يَقُودَك فَتَسْتَطِيعْ أنْ تَقُودٌ الجَسَد .. ﴿ الإِنْسَان الرُّوحَانِي رُوحُه تَقُودٌ جَسَدُه وَرُوحُه تُقَادٌ بِالله ﴾ .. أجْمَل أيَّام تَتَذَوَق فِيهَا الله وَعِشْرِتُه هِيَ أيَّام الصُوم الكِبِير حَتَّى أنَّ بَعْض الآبَاء حَوَّلُوا حَيَاتَهُمْ كُلَّهَا إِلَى صُوم كِبِير .. يُحْكَى فِي بُسْتَان الرُّهْبَان أنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاك تَقْوِيم سَنَوِي يُظْهِر أيَّام السَنَة فَكَانَ فِي بِدَايِة الصُوم يَمُر رَاهِب يُنَادِي غَداً يَبْدأ الصُوم .. غَداً العِيد وَهكَذَا .. وَكَانَ هُنَاك رَاهِب يُنَادِي أنَّ الصُوم الكِبِير غَداً فَخَرَجَ لَهُ أحَدٌ الرُّهْبَان وَقَالَ لَهُ لِي ثَلاَثَة وَخَمْسُونَ سَنَة لَمْ أعْرِف مَتَى بَدَأ وَمَتَى إِنْتَهِي .. لأِنَّهُ تَذَوَق حَلاَوِة الصُوم فَعَاشَ حَيَاتُه كُلَّهَا فِي صُوم .. هذَا جَمَال الصُوم المُقَدَّس لِذلِك إِحْذَر أنْ يَكُون بِرْنَامِج حَيَاتَك فِي الصُوم مِثْل مَا قَبْل الصُوم .. لاَ .. عِنْدَمَا تَأكُل فِي الصُوم أنَّهُ مَادَامَ طَعَامَك قَدْ إِخْتَلَفْ فَلاَبُدْ يَكُون القَلْب قَدْ تَغَيَّر وَالسُلُوك تَغَيَّر .. لاَبُدْ أنْ يَتَغَيَّر نَمَطْ حَيَاتَك فِي الصُوم .. تَخْتَلِف الصَلَوَات فَتَزِيدْ فِي قُوَّتْهَا وَكِمِيَتْهَا .. تَدْخُل فِي عِشْرَة أكْثَر وَأقْوَى مَعَ الإِنْجِيل .. تَدَرَّب عَلَى الصَمْت أكْثَر وَالتَّأمُل أكْثَر مِمَّا قَبْل .. تَأمَل فِي إِنْسَانَك الدَّاخِلِي وَاسْأل نَفْسَك مَاذَا يَفْعَل بِك الصُوم ؟ لأِنَّهُ كَثِيراً مَا مَرَّت عَلَيْنَا فَتَرَات صُوم وَنَدِمْنَا بَعْدَهَا أنَّنَا لَمْ نَتَغَيَّر الصُوم الكِبِير هِدِيَّة رَائِعَة .. فُرْصَة جَمِيلَة لِلإِتِحَادٌ بِالله وَالآبَاء يَقُولُون أنَّ الصُوم هُوَ فِتْرَة أوْ أُوكَازْيُون أي فُرْصِة بَرَكَات كَثِيرَة تَنْتَظِرْنَا .. إِحْذَر أنْ تُمَرِّر الفُرْصَة دُونَ أنْ تَحْيَاهَا بِتَشَوُق وَإِلاَّ سَتَنْدَم عَلَى كُلَّ يُوم مَر فِي الصُوم دُونَ أنْ تَتَمَتَّعْ بِالله .. الإِنْسَان الجِسْدَانِي الصُوم ثَقِيل عَلِيه وَيَحْسِبْ كُلَّ يُوم تَبَقَّى مِنْهُ .. بَيْنَمَا الإِنْسَان الرُّوحَانِي يَحْسِبْ كَمْ يُوم مَرَّ مِنْهُ .. جَيِّدٌ أنْ يَكُون لَنَا تَمَتُّعْ بِالصُوم المُقَدَّس فَتَمَسَّك بِهِ أفْضَل فِتْرَة تَتَقَابَلْ فِيهَا مَعَ الله هِيَ فِتْرِة الصُوم المُقَدَّس .. أفْضَل فِتْرَة لِتَغْذِيِة الرُّوح هِيَ فِتْرِة الصُوم المُقَدَّس لِذلِك تَقُول لَك الكِنِيسَة صُمْ ثُمَّ إِفْطَر عَلَى الذَّبِيحَة .. إِذاً هذَا طَعَام الرُّوح .. وَإِنْ سَألْتَك بَعْدَهَا هَلْ تُرِيدْ أنْ تَأكُل بَعْد ذلِك ؟ تَقُول عَلَى قَدْر إِحْتِيَاجَات الجَسَد لأِنَّ إِشْتِيَاقِي فِي الصُوم هُوَ طَعَام الرُّوح وَأنْ أمْتَلِئ .. لأِنَّ صُوم الله مَعِي أضَافَ إِلَى صُومِي صُوم وَعِنْدَمَا نُضِيف مَا لاَ نِهَايَة إِلَى أي رَقَمْ وَلَوْ صَغِير سَيَصِير حَاصِل الإِضَافَة مَا لاَ نِهَايَة لأِنَّ الرَقَمْ الصَغِير قَدْ تَحَوَّل بِذلِك إِلَى مَا لاَ نِهَايَة .. لِذلِك كُلَّمَا تَذَكَّرْت أنَّكَ قَدْ غَيَّرْت الطَّعَام تَذَكَّر أيْضاً أنَّكَ لاَبُدْ أنْ تُغَيِّر سُلُوكَك وَقَلْبَك .. وَكَمَا أنَّكَ فِي الصُوم تَأكُل أطْعِمَة مُعَيَّنَة أيْضاً أُسْلُك سُلُوك رُوحَانِي﴿ فَلْنَصُمْ عَنْ كُلَّ شَرٍ بِطَهَارَةٍ وَبِرٍ ﴾ ( قِسْمِة الصُوم الكِبِير ) أكْثَر كِنِيسَة تَصُوم هِيَ الكِنِيسَة القِبْطِيَّة لِذلِك هِيَ أفْضَل كِنِيسَة تَفْهَمْ اللاَهُوت وَبِهَا عِبَادَة يَقُول الآبَاء أنَّهُ فِي كَثِير مِنْ المَجَامِع المَسْكُونِيَّة يَجِدُون الطَوَائِفْ الأُخْرَى لاَ تَصُوم بَيْنَمَا الكِنِيسَة القِبْطِيَّة مُتَمَسِكَة بِالصُوم لأِنَّهُ سِر قُوَّة وَالكَنِيسَة حَافَظَتْ عَلَى هذَا التُرَاث كُلَّ هذَا الزَّمَان لِكَيْ نَفْرَح بِهِ لِذلِك الصُوم الكِبِير فُرْصَة تَمَتَّعْ بِهَا الصُوم يَصْحَبُه تَغْيِير كَيَان .. البِرْنَامِج اليَوْمِي يَتَغَيَّر فَيَكُون لِلإِنْجِيل وَقْت أكْبَر .. تَتَنَاوَل أكْثَر ضَعْ أمَامَك أهْدَاف رُوحِيَّة مُعَيَّنَة .. فَضَائِل مُعَيَّنَة ضَعْهَا أمَامَك .. تَوَاضُع .. طَهَارَة .. صَمْت أيْضاً أي رَذِيلَة أنْتَ مُتَمَسِّك بِهَا ضَعْ أمَامَك أنْ تَتُوب عَنْهَا .. ضَعْ أهْدَاف رُوحِيَّة فِي الصُوم إِجْعَل صُومَك عَنْ الطَّعَام يُؤدِّي إِلَى أهْدَاف أكْثَر وَأكْبَر مِنْ الصُوم هُنَاك عِبَادَات لاَ تَعْرِف الله تُنَادِي بِالصُوم وَقَدْ يَكُون صُوم أشَد مِنْ أصْوَامْنَا لكِنُّه لَيْسَ لَهُ قِيمَة أمَام الله لأِنَّهُ مُجَرَّدٌ تَهْذِيب لِلجَسَد .. بَيْنَمَا أصْوَامْنَا هِيَ أصْوَام مُثْمِرَة عَامِلَة لِذلِك الصُوم هُوَ فِتْرَة مُقَدَّسَة لاَ تَتْرُكْهَا .. كُلَّ يُوم لَهُ بَرَكَة وَالكِنِيسَة تُعْطِي رَجَاء .. تَأمَّل النُبُّوَات وَالمَزَامِير وَالأنَاجِيل وَخَاصَّةً أنَاجِيل الآحَادٌ تَجِدٌ الكِنِيسَة تَنْتَقِل بِك مِنْ مَرْحَلَة إِلَى مَرْحَلَة حَتَّى تَصِل بِك إِلَى القِيَامَة .. رِحْلَة بِهَا تَعْلِيم وَمَبَادِئ وَاسْتِنَارَة وَغَلْبَة .. كُلَّ مَا يَلْزَمَك سَتَجِدُه فِي هذِهِ الرِّحْلَة إِفْرَح بِهَا وَاشْبَع بِهَا .. الكِنِيسَة وَضَعَتْ لَنَا الصُوم كَيْ نَفْرَح بِالله وَنَشْبَع بِعَمَلُه مَعَنَا صُومْنَا أرْبَعِينَ يَوماً بِالإَضَافَة إِلَى أُسْبُوع الإِسْتِعْدَادٌ وَأُسْبُوع الآلاَم .. لاَبُدْ أنْ تَشْعُر فِي كُلَّ يُوم تَجُوع فِيهِ أنَّكَ تَجُوع مَعَ الْمَسِيح .. أُشْعُر أنَّكَ صَائِمْ وَبِجَانِبَك الْمَسِيح صَائِمْ مِنْ أجْلَك .. هُوَ لَمْ يَحْتَاج لِلصُوم فَلِمَاذَا تَسْتَعْفَى أنْتَ ؟ هُوَ صَامَ مِنْ أجْلَك وَحُورِب أيْضاً مِنْ أجْلَك وَبِالطَبْع سَتُحَارَبْ أنْتَ أيْضاً لكِنْ لَوْ تَمَسَّكْت بِالصُوم مَعَ الْمَسِيح فَأنْتَ غَالِبْ لاَ مَحَال .. لِذلِك إِرَادَتَك الرُّوحِيَّة لاَبُدْ أنْ تَقْوَى بِالصُوم .
لِمَاذَا صَامَ الْمَسِيح لَهُ المَجْد أرْبَعِينَ يَوْماً ؟:-
رَقَمْ أرْبَعِين نَجِدُه فِي الكِتَاب كَثِيراً جِدّاً .. سَارَ الشَّعْب فِي البَرِّيَّة أرْبَعِينَ سَنَة .. مُوسَى النَّبِي صَامَ أرْبَعِينَ يَوْماً .. أيْضاً أشْعِيَاء النَّبِي صَامَ أرْبَعِينَ يَوْماً .. السَيِّد الْمَسِيح لَهُ المَجْد صَامَ أرْبَعِينَ يَوْماً رَقَمْ أرْبَعِين هُوَ حَاصِل ( 4 × 10 ) .. رَقَمْ أرْبَعَة رَقَمْ أرْضِي يُشِير لِلجِهَات الأرْبَعَة بَيْنَمَا رَقَمْ عَشَرَة رَقَمْ سَمَاوِي هُوَ نِهَايِة الأرْقَام وَمَا بَعْدُه هُوَ تِكْرَار لِلأرْقَام .. إِذاً الصُوم هُوَ إِجْتِمَاع أرْضِي سَمَاوِي .. فِي الصُوم نُقَدِّم عَمَل أرْضِي جَسَدِي كَيْ نَنَال بِهِ عَمَل سَمَاوِي أي أنَّكَ صِرْت بِالعَمَل الأرْضِي مُتَحِدٌ بِالسَّمَاء .. وَالسَيِّد الْمَسِيح صَامَ أرْبَعِينَ يَوْماً كَيْ يُقَدِّس أعْمَالْنَا وَيَجْعَلْهَا سَمَاوِيَّة وَالإِنْسَان المَطْرُودٌ مِنْ الفِرْدُوس يَعِيش الفِرْدُوس عَلَى الأرْض حَيَاة رَبَّنَا يَسُوع عَلَى الأرْض كَانَتْ أرْبَعُمَائَة شَهْر وَفِتْرِة خِدْمِتُه كَانَتْ أرْبَعُون شَهْر .. وَصَامَ أرْبَعِينَ يَوْماً وَظَلَّ بَعْد القِيَامَة أرْبَعِينَ يَوْماً يُثَبِّتْ الكِنِيسَة .. وَكَأنَّ الله يُرِيدْ أنْ يُقَدِّم لَك مَا هُوَ سَمَاوِي بِمَا هُوَ أرْضِي .. أي هُنَاك إِمْكَانِيَة أنْ نَحْيَا السَّمَاء وَنَحْنُ عَلَى الأرْض لِذلِك كُلَّ يُوم يَمُر عَلِيك تَرَى فِيهِ لَمْحَة مِنْ السَّمَاء فَإِفْرَح بِالصُوم وَلاَ تَجْعَل الأيَّام تَمُر عَلِيك دُونَ أنْ تَشْعُر أنَّهُ بِتَغْيِير الطَّعَام وَصُوم الْمَسِيح مَعَك أنَّكَ تَتَحِدٌ بِمَا هُوَ سَمَاوِي بِمَا هُوَ أرْضِي .. إِسْتَقْبِل الصُوم بِشَغَفْ وَسَتَجِدٌ بَرَكَات وَبَرَكَات حَتَّى يَصِير الصُوم بِالنِّسْبَة لَكَ فِتْرَة عِشْق وَلَذَّة وَتَشْتَاقٌ أنْ تَكُون حَيَاتَك كُلَّهَا صُوم تَتَمَتَّعْ فِيهِ بِالله رَبِّنَا يِكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه لَهُ المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين
لا تحبوا العالم ولا الآشياء التى فى العالم
من رسالة معلمنا يوحنا الرسول الأولى الأصحاح 2 : 15 – 17 بركاته على جميعنا آمين .. { لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم .. إن أحبَّ أحد العالم فليست فيه محبة الآب لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظُّم المعيشة ليس من الآب بل من العالم .. والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبُت إلى الأبد } .. نعمة الله الآب تحل على أرواحنا جميعاً آمين تحتفل الكنيسة في هذه الأيام بعيد استشهاد القديسان مكسيموس ودوماديوس .. ومن قبل بأيام بعيد القديسة دميانة .. هناك خط مشترك بين هؤلاء القديسين بعضهم مع بعض وهو أنهم غير مُحبين للعالم ولا الأشياء التي في العالم .. خاصةً مباهج العالم وملذات العالم نحن في عصر مُحب للمظاهر جداً .. عصر يُؤلِّه المادة والأشياء والمناصب .. عصر البر والتقوى فيه بلا تقدير والحياة أصبحت سلسلة من الطلبات .. قديماً كان الفرد يعمل عمل واحد لسد احتياجاته أما الأن عمل واحد لا يكفي وهذا على حساب البيت والصحة وأعصابهم والجانب الإنساني في حياتهم .. وعلى قدر ما الإنسان ينساق وراء الأشياء على قدر ما تسلب من شخصيته أشياء أخرى .. كل ما الإنسان يهتم بأمور فيرى أن باقي الأمور بها عدم اتزان مكسيموس ودوماديوس ملوك .. على رؤوسهم تيجان .. يرتدوا ثياب مُلك .. ضحوا بكل هذا من أجل المسيح .. والست دميانة بنت والي ولها أن تعيش كل وسائل ترف الحياة .. رفضت الزواج من ابن أمير .. وهي في سن صغيرة ولكنها غير متعلقة بشهوات العالم .. تطلب من أبيها أن يكون لها مكان تتعبد فيه للإله الإنجيل يُوصينا بعدم محبة العالم ولا الأشياء التي في العالم .. أحياناً نُحوِّل العالم إلى أشياء وليس إلى أشخاص أو معاني .. ونُقيِّم بعض الناس بمظهرهم ومناصبهم وبمقدار الأشياء التي يمتلكونها .. نظرتنا للأمور نظرة شيئية وليس نظرة موضوعية مكسيموس ودوماديوس عندما اكتشفوا الكنز السماوي عرفوا تفاهة الكنز الأرضي وزوال المناصب الزمنية .. هذا العصر ينتشر فيه حب المال والمادة لدرجة أنه يوجد كماليات كثيرة يمكن أن يستغني عنها الإنسان ولكن عبودية الإنسان للمظاهر تجعل الإنسان عبد للكماليات قرأت عن إحصائية عن المجتمع المصري تقول أنه يصرف تقريباً 60 % على أشياء كمالية ممكن أن يستغنى عنها المجتمع .. هذا يجعل الإنسان يعيش كآلة فيسلب الإنسان إنسانيته وجوهر كيانه ويُصبح الإنسان عبد للأشياء ويشعر الإنسان أن قيمته ليست من قلبه وعقله بل من الأشياء التي يمتلكها .. فيشعر الإنسان بإنه حقير وينظر لنفسه نظرة دنيئة لأنه يرى أنه يتكل على أشياء كلها من الخارج يجب أن نعرف أننا نحن الذين نستخدم العالم وليس العالم هو الذي يستخدمنا .. يُقال أن المال عبد جيد ولكن سيد ردئ .. نحن وجدنا جوهرة غالية الثمن وهي شخص ربنا يسوع المسيح .. من التقى بيسوع يعرف أنه غالي لأن نفسي ثمنها يسوع .. فإن قيمتي المسيح وتُصبح سعادتي ليست بما آكله أو ألبسه يُقال عن القديس العظيم الأنبا أنطونيوس في مرة من المرات الإمبراطور قسطنطين إستدعاه ولكن الأنبا أنطونيوس لم يُلبي الدعوة .. فطلب منه تلاميذه الذهاب ربما يأتي من وراء الزيارة خيراً .. فقال لهم القديس العظيم " أنا أنطونيوس ذهبت أم لم أذهب " .. إنه يعرف هويته لأن المال يسلب من الإنسان هويته ويسلب من الإنسان ذاته القديسان مكسيموس ودوماديوس يعرفون جيداً ما يريدونه .. المال ليس شر والكنيسة لا تريد أن يكون أولادها فقراء .. الكنيسة تريد من أبناءها أن يفرحون بعطايا ربنا ليهم وفي نفس الوقت يكونوا غير مُستعبدين لمال ولا ملذات .. قيمتك تتمثل في هل المسيح معك أم لا ؟ الجوهرة الغالية الكثيرة الثمن موجودة أم لا ؟ هذا هو الغِنى الحقيقي المجتمع يتاجر بنقاط ضعفنا .. عندما يرى المجتمع في احتياج ما يظل في إلحاح في سياسة بيع السِلع .. هناك سياسة تُسمى " خلق الإحتياج " .. بمعنى أنه إن كان الفرد لا يحتاج الشئ فتخلق له الإحتياج وتجعله ضرورة مُلِحة وعليه أن يقتني الشئ .. ومن لا يعرف كيف يوفر هذا يُصبح لديهِ مشكلة في كيف يعمل على توفيره .. مثل الموبايل وخلافه .. فالإنسان يزداد عنده النزعة الإستهلاكية ويزداد احتياجه للمال ثم مال أكثر وهكذا من الذي يستطيع أن يغلب كل هذا ويقول ويحدد إحتياجاته الضرورية فقط ؟ هذا هو من يعرف قيمته في الحياة وأنه هو الذي يأتي بالأشياء .. مثل الست دميانة التي لا تريد الغِنى .. إنها تشعر بإنها غنية وقوية وراضية .. الإنسان لا يُغلب إلا من نفسه ولا يُذل إلا من رغباته جميل أن يكون لدى الإنسان الإرادة الداخلية والقناعة .. فلا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم .. كيف يكون عند الإنسان شبع داخلي ورِضى من الداخل ؟ فالذي اقتنى المسيح إقتنى كل شئ .. من تعوَّد أن يسجد للإله لا يسجد أبداً إلى صُنع إنسان .. فالإنسان يُغلب من داخله ويُقهر من احتياجاته ومن ينتصر يكون إنسان عظيم الكنيسة مليئة بأمراء مثل بقطر بن رومانوس الذي خبَّى أنه والي على من كان يُعذبه .. لم يبحث عن وَسْطَه لكي يخفف آلامه .. هو نفسه قوة لأنه والي ولكنه لم يستغلها لكنه تخلى عن قوة الأرض ليمتلك قوة السماء .. يأخذ الحماية الإلهية مهما كانت عظمة الإنسان .. أُنظر قصة ملك أو رئيس فلا يوجد شئ يستمر معهُ إلا سيرته .. الإنسان سيرة وما أكثر الناس التي كان لها احتياجات ولكنهم غلبوا كل هذه الإحتياجات .. لأن العالم يمضي وشهوته معهُ .. أُنظر سيرة القديسين ورائحتهم اللذيذة فيهم رائحة المسيح الذكية .. بهم بهجة .. الإنسان يُغلب من نفسه الرب يسوع عندما أخذهُ عدو الخير على جناح الهيكل تخيل أنه إنسان عادي يُحارب بمباهج العالم .. قال عدو الخير " أُعطيك كل هذا لو سجدت لي " .. فقال له يسوع " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبُد " ( مت 4 : 10) .. لأن سعادته داخله .. يسوع مالك ممالك الأرض كلها عندما جاء على الأرض كان ليس له أين يسند رأسه القديس الشيخ الروحاني يقول لنا { هو وخاصته لم يكن معهم قوت يوم واحد أما نحن نطلب لأنفسنا رِزق لسنين عديدة } .. هو ليس له أين يسند رأسه أما نحن نطلب مجالس مُزينة .. إبحث في جوهر قلبك واهتماماتك قيمة الإنسان في عقله وقلبه وتقواه .. أُنظر يوحنا المعمدان – حقارة ما بعدها حقارة – يلبِس وبر الإبل .. يأكل جراد وعسل بري .. منتهى الفقر والإحتياج وعندما تسأله يقول أنه على أتم الإستعداد أن يوبخ ملوك وأمراء وكتبة وفريسيين وعامة الناس .. يكلم كل واحد بسلطان .. فمن أين أتى بهذا السلطان ؟ وقف يوبخ هيرودس وقال له " لا يحل لك أن تأخذ هيروديا زوجة أخيك إمرأة لك "( مر 6 : 18) .. وفي بشارة معلمنا بطرس يقول أن هيرودس كان يخاف من يوحنا المعمدان لأنه عالِم أنه بار وقديس .. الغِنى الحقيقي في التقوى والغِنى الداخلي .. هذه هي الثروة الحقيقية .. من هنا نقول لا تُقيِم الإنسان بمظهره .. قيِّم الإنسان بكلامه وإسلوبه وطريقة إحترامه للآخر .. نرى مخافة ربنا داخل قلبه وصِدقه ربنا سمح أن كل شئ خارجي يكون رخيص أما الداخلي فله قيمة وغالي .. إن سألت أحد تريد أن يكون لديك عيون مُلونة أم قلب سليم ؟ فبالطبع القلب .. وإن سألته تريد شعر مُلون أم كِبد سليم ؟ فإنه يختار الكبد الذي في الداخل ويرغب أن يكون سليم .. إن غِنى وجمال وقوة الإنسان داخله .. ولهذا تُقال مقولة شهيرة عندما تريد أن تُقيِّم إنسان قيِّمه بأُذنك وليس بعينك الشعب قديماً عندما أُعجِبوا بملك كان شاول .. لماذا ؟ لأنه ذو هيبة .. طويل .. لذلك عندما أراد الله أن يعطيهم ما اختاروه أذلَّ هذا الملك أولادهم وقتلهم .. فالإنسان يُغلب أولاً من نفسه .. ولكن عندما تهتم بالداخل لا تُستعبد لشئ القديسين الذين نحتفل بهم يعطونا درس أن لا نُخدع كثيراً لأن هذه الفترة مؤقتة .. كل هذا زائل فالعالم يمضي وشهوته معهُ أما الذي يصنع مشيئة الله هذا يبقى إلى الأبد .. أُنظر نظرة للحظة بعين مفتوحة على السماء وانظر الكرامات التي بها .. هل أُعطيت بناء على كرامات أرض أم كرامات بر وتقوى وحياة داخلية ؟ هل المظاهر دائمة وأن الملوك والأمراء هم الذين في السماء ؟ إن كان المجتمع يميل إلى تشييئ الإنسان والحياة لابد أن نكون مختلفين عن ذلك .. غِناي الحقيقي هو معرفتي بإلهي الذي أتكل عليه كرصيد حياة دائم نرى نماذج كثيرة في الكنيسة مباهج العالم لم تغلبها .. ولم ينقادوا ورائها .. مثل اثنين من العبيد كانوا مسيحيين يعملوا عند رجل يهودي أحدهم قال للآخر : أُريد أن أدخل مع سيدنا اليهودي في مساومة .. ماذا يعطيني لو أصبحت يهودي مِثلك ؟ فقال له الآخر " وتترك المسيح " ؟ .. فقال له الأول " نحن عِشنا مع المسيح ماذا حصلنا منه " ؟ .. فقال له الثاني " المسيح يعطيك ليس على الأرض بل في السماء " .. فقال الأول " أنا أريد الأن وأنا في الأرض " .. فذهب العبد الأول للرجل اليهودي وقال له " كم تعطيني عندما أكون يهودي " ؟ .. فقال له الرجل اليهودي " سأجعلك غني وأُطلِقك من العبودية " .. فاتفق معهُ أن يُقيم حفلة لدخوله في اليهودية ويدعو كل الناس .. فطلب الرجل من العبد في الحفل أن يأتي بتمثال ليسوع المسيح المصلوب ويضربه بحربة .. وفي الحفلة جاء بتمثال ليسوع المصلوب ومسك العبد الحربة ليضرب المصلوب وفي الحال شُلت أيدي الرجل ونزف التمثال في الحال دماً .. أُعجِبَ الجميع وكل ما كان عنده مرض أخذ من الدم الساقط من التمثال وشُفِيَ في الحال .. حتى هذا الرجل اليهودي نفسه أخذ من هذا الدم ووضعهُ على أعين أحد أسرته الذي كان لا يُبصر وفي الحال أبصر .. ويُقال في السنكسار عن هذا الرجل اليهودي " وأضافَ على فقره في المال فقر معرفة الله " في السماء سنرى أُناس تأخذ كرامات كثيرة في بالرغم من أنهم كانوا مرذولين على الأرض .. ولإدراك أبائنا القديسين لهذه الحقيقة نراهم بإرادتهم يتخلوا عن مناصبهم وأموالهم من أجل معرفة ومحبة المسيح الكائن فيهم نتعلم من داخلنا كيف لا نُغلب لشئ .. وأتعلم أن غناي في تقواي وأن رضايا في إرضاء ربنا يسوع المسيح .. وأن سعادتي في رِبح الملكوت .. أتعلم كيف يكون لنا الكفاف في كل شئ في كل حين فأزداد في كل عمل صالح .. إطمع في الأعمال الصالحة .. طمع في اقتناء الفضائل بدلاً من اقتناء المال فهذا هو كنز الإنسان الذي يبقى معهُ إلى الأبد .. لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم .. العالم يمضي وشهوته أما الذي يصنع مشيئة الله فهذا يثبُت إلى الأبد ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين
علمنى أن أصنع مشيئتك ج2
تحدثنا عن السلوك حسب إرادة الله .. وذكرنا أن معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية الإصحاح " 12 " يقول { لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة } ( رو 12 : 2 ) .. ذكرنا أيضاً أن هناك ثلاثة أنواع من السلوك في الإرادة :-
1/ السلوك بحسب إرادة الإنسان .
2/ السلوك بحسب إرادة الناس .
3/ السلوك بحسب إرادة الله .
لكي نعرف أننا نسير حسب إرادة الله نلخص ما يلي في " 3 " نقاط :-
أ/ أسلك بحسب الصلاة .
ب/ أسلك بحسب الإنجيل .
ج/ أسلك بحسب الكنيسة .