المقالات

01 أبريل 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع السادس (لو ۹ : ۱۸ - ۲۲)

وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى الْفِرَادِ كَانَ التَّلَامِيذُ مَعَهُ. فَسَأَلَهُمْ قَائِلاً: «مَنْ تَقُولُ الْجُمُوعُ أَنِّي أَنَا؟». فَأَجَابُوا وَقَالُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الْقُدَمَاءِ قَامَ». فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ أَنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ: «مَسِيحُ اللَّهِ!». فَانْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لَا يَقُولُوا ذلِكَ لَأَحَدٍ. قَائِلاً: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً، وَيُرْفَضُ مِنَ الشَّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثالث يَقُومُ . بعد أن أكمل الرب يسوع تعاليم كثيرة ومعجزات هذا عددها، أراد أن يتعرف على إيمان الشعب ماذا يقولون عنه البعض قال إنه يوحنا المعمدان، والبعض اعتقد إنه إيليا، والبعض حسبوه إرميا النبي. طبعاً كان هذا تقريراً محزناً للرب. وهنا سأل تلاميذه: وأنتم من تقولون إني أنا؟ فكان جواب بطرس أنه مسيح الله، ويضيف عليها القديس متى إنه قال إنه ابن الله الحي.ولكن المسيح أراد أن يُصحح لتلاميذه رؤيتهم عنه، قال لهم: إن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويُرذل ويُقتل. كانوا يظنوه مسيا السياسة، الملك العظيم الآتي ليعيد لإسرائيل ملكها وسلطانها وعلى هذا كانوا كثيراً ما يتشاجرون على الأولوية من المستحق لمكان الصدارة، من هو السكرتير العام؟ ولكنه، ليس مسيا السياسة؛ إنه مسيا الصليب كان هذا مصدمة لهم، كانوا يعرفون أن المسيح سيبقى إلى الأبد. لم يكن داخل في اعتبارهم موضوع الصليب لم يتعرفوا على المسيح في حقيقته.في الحقيقة إن الكلام عن المسيح صعب للغاية، وهو إن لم يكن عن اختبار وعن شعور صادق ووعي، يكون رغي وبلا قيمة. لذلك صليت كثيراً، وبكيت وطلبت وقلت له: لابد أن أعرفك حتى أستطيع أن أعلنك. لابد أن تساعدني وتفتح ذهني لكي ينطق لساني بحقيقة نفسك ولاهوتك. فأخذت أكتب قليلاً قليلاً كلمة كلمة وكأنها آتية من وراء الدهور، لكن كنت أكتب و شاعر بكم وأنتم أمامي، فلابد أن آخذ منكم وأعطيكم، بمعنى: لو أنتم غير موجودين، لكان من غير الممكن أن أتكلم، ولا كان يأتي لي كلام. قلت: مناجاة يا ربنا يسوع، أنت أعلنت لنا الله في ذاتك، فأنت هو الله المنظور والمسموع لنا . كل صفات الله التي سمعناها سماع الأذن رأيناها فيك، كل ما كانت البشرية تشتهي أن تعرفه عن طبيعة الله، أعلنتها لنا في ذاتك كنا نتحرق شوقاً بين أنفسنا أن نعرف ما هي أفكار الله عنا؟ فعرفناها ولمسناها في كلماتك مع السامرية والكنعانية والأطفال الصغار ولمسات يدك وعطفك الفائض على الأبرص والمشلول والأصم والأعمى، كلها أحسسنا بها، ففرحنا بالله، إن كان الله هو أنت. كل إنسان منا كان يسأل: ما هو شعور الله الخاص من جهة إنسان مولود أعمى؟ فعرفنا ولمسنا شعور الله في كلمات حبك ولمسات يدك على عينيه. كنا نسأل في خجل، كخجل الأطفال، هل الله له سلطان على الرياحالعاتية وأمواج البحر الهائجة هل يستطيع أن يوقفها؟؟ فلما انتهرت الريح، وأبكمت البحر بكلمة سلطانك وهدأ ذاك وصمت ذلك، فرحنا بسلطان الله المنحاز لجبلتنا فيك. كنا نسأل، هل الله يعتني بإنسان تائه في برية جائعاً عطشاناً؟ فلما أشبعت الجموع في البرية من خبزات الشعير الخمس والسمكتين الصغيرتين وفاض عنهم، وثقنا بحنان الله في حنانك، وتمثلت في مشيئتك كل مشيئة الله من نحونا. كنا نسأل: هل موازين الله كموازين البشر؟ هل الخاطئ المنبوذ عند الناس، يكون كذلك حتماً عند الله؟ فلما قلت للزانية: اذهبي بسلام، أنا لا أدينك، تأكدنا إنك أنت أنت هو الله، ولست إنساناً مثلنا، ترى ما لا تراه وتحكم بما هو فوق أحكامنا، ففرحنا أن لنا عند الله رحمةً غير موجودة عند بني جلدتنا. سلطان الموت علينا كان ينازع سلطان الله في إيماننا، وكان يرعبنا، فلما أقمت الميت من القبر بعد أن أنتن عززت إيماننا بسلطان الله، وآمنا أنه سلطانك، وتراجع الموت بسلطانه من قلوبنا. ولكن، بعد أن أخليت ذاتك من مجد لاهوتك عجزنا أن تلاحق صفات الله فيك، في الحب والحنان والوداعة والاتضاع، بل القوة والسلطان والمعرفة الفاحصة لما وراء الزمن وما خفي في أعماق الإنسان. فماذا يا رب نحن عاملون، إن أردنا أن نصفك قبل أن تخلي ذاتك من مجد لاهوتك؟ أو بعد أن أكملت رسالتك في تجسدك وجلست على عرش مجدك ؟ شيء واحد يتراءى أمامنا عن يقين؛ إن كان الله الذي لم يره أحد قط مثلك؛ فهو بالتأكيد إله صالح، ويجدر بنا أن نحبه ونعبده فيك من كل القلب والنفس وكل القدرة. إن كان الله هو وحده القادر على تفتيح أعين الأعمى وإقامة الموتى من القبور؛ فأنت هو الله بالحق والحقيقة. وإن كان الله وحده الذي له أن يغفر خطايا العالم كله، ويمسح الذنوب والآثام عن بني الإنسان جميعاً، بل ويرفعها بكل ثقلها من القلب ومن الضمير، بل ويغرس عوض عنها القداسة والكمال؛ فأنت بالذي عملته، أثبت أنك أنت هو الله. يا سيدي يسوع المسيح، أنت وحدك الذي قدَّمت بذاتك أعظم تعبير عن الله، وحملت أصدق وأجمل صفات الله وعملت أجل أعمال الله، بل ومارست حبه من نحونا وأكملت سلطانه. يا سيدي يسوع المسيح، قول أخير أقوله: نحن وجدنا الله فيك، أنت وحدك الجدير أن تمتلك ليس فقط قلبنا، بل قلب العالم كله . المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
31 مارس 2025

«رَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى» (1تي4: 7).

تأتي كلمة تقوى في اليونانية ευσεβία تتكون من جزئين: ευ حسنا، σεβία بمعنى: أن يكون متعبِّدًا تقيًا. وهي تشير إلى التديُّن والوَرَع المتجه نحو الله، والذي يعمل حسب ما يرضيه ويتفق مع مشيئته. ويذكرها معلمنا القديس بولس الرسول بمعنى الخوف المقدس، الذي دفع نوح لبناء الفلك (عب11: 7). وقد جاءت هذه الصفة مرتبطة بالله: «هُوَ الصَّخْرُ الكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لا جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ» (تث32: 4)، فالله يقيم الساقطين، ويشبع الجياع، قريب لمن يدعوه، يقول عنه سفر الحكمة: «يلبس البِرّ درعًا، وحُكم الحق خوذة» (حك5: 19)، ويقول القديس يوحنا الرائي: «لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ» (رؤ15: 5). في المسيح تُحقّق تقوى الله قصدها الخلاصيّ، وفيه تجد تقوى المسيح ينبوعها ومثالها. وأعمال المسيح كانت تهدف إلى جذب الإنسان نحو التقوى، يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: [إن المخلص كان يتمم كل يوم أعمالًا متعددة، جاذبًا البشر إلى التقوى، ومقنعًا إياهم بحياة الفضيلة] (تجسد الكلمة، 31، 2)، والتقوى هنا يقصد بها الإيمان بالمسيح. والإيمان بالمسيح هو الحق حسب التقوى: يقول القديس بولس الرسول: «لأَجْلِ إِيمَانِ مُخْتَارِي اللهِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، الَّذِي هُوَ حَسَبُ التَّقْوَى» (تى1:1)، ويقول: «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى» (1تي3: 16)، أي التقوى التي توجد متضمنة، ولا يمكن أن تتحقق، إلّا من خلال الإيمان بالمسيح. حياة التقوى: هي الحياة في مخافة الله وحسب وصاياه، فتكمن التقوى الحقيقية في صنع مشيئة الله بإرادة حرة، فيتجاوب المؤمن مع عمل النعمة في حياته، مثال حنانيا الذي عمّد شاول الطرسوسيّ: إذ كان «رَجُلًا تَقِيًّا حَسَبَ النَّامُوسِ» (أع22: 12). وبهذه الصفة وصفوا أيضًا الرجال الذين صعدوا لحضور عيد الخمسين «وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ» (أع2: 5)... وحياة التقوى هي البعد عن الشر، فقد قال الرب عن أيوب: «رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ» (أي1: 8).. وفي (2بط3: 11) «يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى» ويقصد بها أعمال التقوى. كما أن حياة التقوى تظهر في العلاقات مع الآخرين، بين الأقارب مثل يوسف مع أبيه يعقوب (تك47: 29)، والأصدقاء مثل يوناثان وداود (1صم20: 8)، والحلفاء (تك21: 23). والتعليم حسب التقوى هو التعليم السليم: «إِنْ كَانَ احَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ» (1تي6: 3). بل ويحذره من الذين يستخدمون التقوى بصورة خاطئة «يَظُنُّونَ انَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هَؤُلاَء» (1تي6: 5). ويميز القديس يوحنا ذهبي الفم، التعليم حسب التقوى بأنه ليس فقط التعليم السليم بل التعليم بتواضع. فالكبرياء تنشأ عن عدم المعرفة، فيقول: [لا ينبع التصلُّف عن المعرفة، إنما عن عدم المعرفة، فمن يعرف تعاليم التقوى يميل بالأكثر إلى التواضع. من يعرف الكلمات المستقيمة لا يكون غير مستقيم] (عظة 17 على رسالة تيموثيؤس الأولى). اقتناء حياة التقوى: معلمنا القديس بولس الرسول ينصح تلميذه الأسقف تيموثيؤس، قائلًا: «َرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى» (1تي4: 7). ولاهمية حياة التقوى يكرر له نفس النصيحة مرة أخرى في (1تي6: 11). والصلاة هي الطريقة التي نقتني بها حياة التقوى «لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ» كذلك حياة الجهاد الروحي والتداريب الروحية: «َرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى» (1تي4: 7)، والصوم فرصة مناسبة لذلك. القمص بنيامين المحرقي
المزيد
30 مارس 2025

انجيل قداس يوم الأحد الخامس من الصوم الكبير

تتضمن تبكيت المجرمين والظالمين والذين يتعدون الأوامر الالهية مرتبة على فصل انجيل ابراء المخلع عند بركة الضأن ( يو ٥ : ١-١٨ ) لقد سمعنا الآن أن الذين كانت بهم الامراض والاوصاب والعاهات الجسيمة المختلفة كانوا يتغربون عن بلادهم ويهجرون أوطانهم وينفقون الكثير من أموالهم ويكابدون المصاعب العديدة كل ذلك طلباً للشفاء من الامراض البدنية الصائرة إلى التراب وشيكاً حتى آل الاجتهاد بهذا المخلع إلى المقام بجانب تلك البركة سنين هذا عددها فكيف يجوز لك ياهذا أن تتغافل عن العناية بأمر نفسك العاقلة العديمة الفساد ؟ ولعلها تكون في حالة مخلعة مشتملة على أنواع المأثم الردية وأنت مع ذلك لا تنظر إلى قبحها وشناعتها وكيف تكون مؤمناً بالمسيح ومولوداً من الروح ومعترفاً بقيامة الأموات ومؤملا سعادة الملكوت ومتقلداً بسلاح النصرانية وأنت على هذه الكيفية؟ وإذا كان ربنا له المجد قد اشترط على الذين يطلبون الملكوت أن يزيد برهم على الكتبة والفريسيين مع ما كانوا عليه بالأمور الدينية كالصوم والصلوات ودفع العشور والابكار والنذور وتقديم القرابين عن الخطايا وغير ذلك فكيف يوجد فيكم اليوم المهملون لذواتهم ، السائرون بهوى قلوبهم الذين يرتسمون بالنصرانية رسماً خارجياً فقط وهم ليسوا غير عاملين بالوصايا والتعاليم المسيحية فقط ، بل يزنون ويسرقون ويكذبون ويحلفون ويرابون ويماحكون، ويصنعون شروراً أخرى كثيرة وإذا كان سبحانه وتعالى قد عاقب القساة والغليظى الرقاب والغلف القلوب من بنى اسرائيل على تعدى الشريعة الموسوية بالعقاب الشديد فبماذا يعاقب الخطاة من المؤمنين بالمسيح؟ اسمعوا قوله تعالى لبنى اسرائيل على لسان هوشع النبي مبكتاً لهم حيث يقول : " اسمعوا قول الرب يا بنى اسرائيل أن للرب محاكمة على سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا احسان ولا معرفة الله فى الأرض لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق يعتنقون ودماء تلحق دماء لذلك تنوح الأرض ويذبل كل من يسكن فيها مع حيوان البرية وطيور السماء وأسماك البحر أيضاً تنتزع ولكن لا يحاكم أحد ولا يعاتب أحد وشعبك كمن يخاصم كاهناً فتتعثر في النهار ويتعثر أيضاً النبي معك في الليل وأنا أخرب أمك قد هلك شعبى من عدم المعرفة لانك أنت أيضاً رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لى ولانك نسيت شريعة ألهك أنسى أنا ايضاً بنيك على حسبما كثروا هكذا أخطأوا إلى فابدل كرامتهم بهوان ياكلون خطية شعبي وإلى إثمهم يحملون نفوسهم فيكون كما الشعب هكذا الكاهن وأعاقبهم على طرقهم وأرد أعمالهم عليهم فيأكلون ولا يشبعون ويزنون ولا يكثرون لانهم قد تركوا عبادة الرب فأقول ألان للذين يظلمون منكم ويغشمون ويقرضون أموالهم بالربا ويحبون الارباح الردية اسمعوا هذا القول يامن تزدرون بالمساكين والمحتاجين وتستصغرون بالفقراء ويقولون في انفسكم متى تمضى الشهور وتجوز الايام ويغلو الطعام ويتعالى ثمن الحنطة ففتح الاهراء والمخازن ونصغر المكابيل ونزيد المثاقيل ونبيع القصالة بالورق والغلة المخلوطة بالتبن وكناسة الاهراء إن الرب قد تكام قائلاً " إني لن أنسى إلى الابد جميع اعمالهم أليس من أجل هذا ترتعد الارض وينوح كل ساكن فيها وتطمو كلها كنهر وتفيض وتنضب كنيل مصر ويكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب أني أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور وأحول أعيادكم نوحاً وجميع أغانيكم مراثى وأصعد على كل الأحقاء مسحاً وعلى كل رأس قرعة واجعلها كمناحة الوحيد وأخرها يوماً مراً هوذا أيام تأتى يقول السيد الرب أرسل جوعاً في الأرض لا جوعاً للخبز ولا عطشا للماء بـل لاستماع كلمات الرب فيجولون من بحر إلى بحر ومن الشمال إلى المشرق يتطوحون ليطلبوا كلمة الرب فلا يجدونها " وإذ قد سمعتم الآن وعيده للمجرمين والظالمين والذين يتدبرون تدبيراً رديئاً فاسمعوا الآن وعده للطائعين لتنظروا الطريقين معاً وتسلكوا المستقيم منهما فانه يقول : " إذا سلكتهم في فرائضى وحفظتم وصایای و عملتم بها أعطى مطركم في حينه وتعطى الأرض غلتها وتعطى أشجار الحقل أثمارها ويلحق دراسكم بالقطاف ويلحق القطاف بالزرع فتأكلون خبزكم للشبع وتسكنون في أرضكم أمنين وأجعل سلاما في الارض فتنامون وليس من يزعجكم وأبيد الوحوش الرديئة من الارض ولا يعبر سيف في ارضكم وتطردون أعداءكم فيسقطون أمامكم بالسيف يطرد خمسة منكم مئة ومئة منكم يطردون ربوة ويسقط أعداؤكم أمامكم بالسيف والتفت اليكم وأثمركم وأكثركم وأفى ميثاق معكم فتأكلون العتيق المعتق وتخرجون العتيق من وجه الجديد وأجعل مسكنى فى وسطكم ولا ترذلكم نفسي واسير بينكم وأكون لكم إلها وأنتم تكونون لي شعباً " وإذ قد سمعنا الأن وعيده للمخالفين ووعده للطائعين فلتخف إذن من أن يوجد بيننا إنسان قاس أو متهاون أو زان أو سكير يصدق عليه ماقيل من الأقوال التي مجرد سماعها عند العقلاء يقع كالصواعق ويلهب كالنار ويحرق كالأتون وبنيه الغافلين ويوقظ النائمين بطباعهم وحيث قد علمنا أن ارتكاب الخطايا والأثام يسبب حدوث الأمراض والاسقام ويسلط الظالمين ويقوى المضادين ويسبب الغلاء والجلاء وسائر الأمور المحزنة فسبيلنا الأن أن ننهض من نومنا ونتيقظ من غفلتنا ونخلع ثياب أثامنا ونقرع باب مراحم إلهنا ليتراءف على ضعفنا ويرحمنا ويهب لنا سعادة الملكوت له المجد إلى ابد الابدين أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
29 مارس 2025

كيف نقتنى الحكمة

أُرِيد أنْ أتحدّث معكُمْ اليوم عَنْ عطيَّة الحِكمة ، نقرا مَعَ بعض جُزء مِنْ ملوك الأول إِصحاح 3 : 4 – 15[ وَذَهَبَ الْملِكُ إِلَى جِبْعُونَ لِيَذْبَحَ هُنَاكَ0لأِنَّها هِيَ الْمُرْتَفَعَةُ الْعُظْمَى وَأَصْعَدَ سُلَيْمَانُ أَلْفَ مُحْرَقَةٍ عَلَى ذلِكَ الْمَذْبَحِ فِي جِبْعُونَ تَراءَى الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ فِي حُلْمٍ لَيْلاً وَقَالَ اللهُ إِسأَلْ مَاذَا أُعْطِيكَ فَقَالَ سُلَيْمَانُ إِنَّكَ قَدْ فَعَلْتَ مَعْ عَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي رَحْمَةً عَظِيمَةً حَسْبَمَا سَارَ أمَامَكَ بِأَمَانَةٍ وَبِرٍّ وَإِسْتِقَامَةِ قَلْبٍ مَعْكَ فَحفظْتَ لَهُ هذِهِ الرَّحْمَةَ الْعْظِيمَةَ وَأَعْطَيْتَهُ إِبْناً يَجْلِسُ عَلَى كُرْسيِّهِ كَهذا الْيَوْمِ وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي أَنْتَ مَلَّكْتَ عَبْدَكَ مَكَانَ دَاوُدَ أَبِي وَأَنَا فَتًى صَغِيرٌ لاَ أَعْلَمُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ وَعَبْدُكَ فِي وَسطِ شَعْبِكَ الَّذِي إِخْتَرْتَهُ شَعْبٌ كَثِيرٌ لاَ يُحْصَى وَ لاَ يُعَدُ مِنَ الْكَثْرَةِ فَأَعْطِ عَبْدَكَ قَلْباً فَهِيماً لأِحْكُمَ عَلَى شَعْبِكَ وَأُمَيِّزَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لأِنَّهُ مَنْ يَقْدُرُ أنْ يَحْكُمَ عَلَى شَعْبِكَ الْعَظِيمِ هذَا فَحَسُنَ الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لأِنَّ سُلَيْمَانَ سَأَلَ هذَا الأمْرَ فَقَالَ لَهُ اللهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ سَأَلْتَ هذَا الأمْرَ وَلَمْ تَسْأَلْ لِنَفْسِكَ أَيَّاماً كَثِيرَةً وَ لاَ سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ غِنًى وَ لاَ سَأَلْتَ أنْفُسَ أَعْدَائكَ بَلْ سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ تَميِيزاً لِتَفْهَمَ الْحُكْمَ هُوَذَا قَدْ فَعَلْتُ حَسَبَ كَلاَمِكَ هُوَذَا أَعْطَيْتُكَ قَلْباً حَكِيماً وَمُمَيِّزاً حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُكَ قَبْلَكَ وَ لاَ يَقُومُ بَعْدَكَ نَظِيرُكَ وَقَدْ أَعْطَيْتُكَ أَيْضاً مَا لَمْ تَسْأَلْهُ غِنًى وَكَرَامَةً حَتَّى إِنَّهُ لاَ يَكُونُ رَجُلٌ مِثْلَكَ فِي الْمُلُوكِ كُلَّ أَيَّامِكَ فَإِنْ سَلَكْتَ فِي طَرِيقِي وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَوَصَاياىَ كَمَا سَلَكَ دَاوُدَ أَبُوكَ فَإِنِّي أُطِيل أَيَّامَكَ فَإِسْتَيْقَظَ سُلَيْمَانُ وَإِذَا هُوَ حُلْمٌ وَجَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَوَقَفَ أمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَقَرَّبَ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ وَعَمِلَ وَلِيمَةً لِكُلِّ عَبِيدِه ] 0 لمّا قدّم 1000 مُحرِقة فَرآها الله حاجة حِلوة ، فَأراد أنْ يفرّحه فَسألهُ ماذا تُرِيد ؟ سوف نتحدّث عَنْ الحِكمة فِى ثلاث نِقاط :- 1- أهميَّة الحِكمة :- الحِكمة فِى الخلِيقة مِيزان لِكُلّ تصرُّفاتنا وَهى أهم صِفة لَوْ إِتصف بِها الإِنسان لصار الإِنسان فِى أمان فِى كُلّ أمور حياته ، لِذلِك شعر سُليمان أنّ أهم شيء يطلُبه هُوَ الحِكمة لأِنّ موهِبة الحِكمة تُعطِى لِلإِنسان إِفراز وَتميُّز فِى كُلّ امور حياته ، فِى مرَّة جمع الأنبا أنطونيُوس تلامِيذه وَأولاده وَسألهُمْ كُلّ واحِد فِيكُمْ يقُول مِنْ وجهِه نظرة ما هى أجمل فضِيلة يتمنّى أنْ يقتنِيها ؟ أوْ ما هى أعظم الفضائِل مِنْ وجهه نظركُمْ ؟ فَكثِير قالُوا التواضُع فَقَالَ لاَ المحبَّة لاَ رغم أنّ المحبَّة هى الله العطاء لاَ [ مغبُوطٌ هُوَ العطاءُ أكثرُ مِنْ الأخذِ ] ( أع 20 : 35 ) فَقَالَ لهُمْ الحِكمة وَالإِفراز لأِنّ الَّذِى عِندهُ حِكمة يعرِف كيف يتضِع وَيُعطِى وَيُحِب ، فَهى مِيزان جمِيع الفضائِل مُمكِن إِنسان يتضِع وَلكِنْ إِتضاعه يُدخِلهُ فِى صِغر نَفْسَ فيشعُر أنّ بِداخِلهُ حقِير ،أوْ يشعُر أنّ النَّاس قَدْ نسوه ، أوْ يشعُر أنّهُ مغلُوب وَهذَا خطأ فَالإِتضاع هُوَ أنْ يقبل الإِنسان أنْ يغسِل أرجُل مَنَ حوله بِفرح ، مُمكِن واحِد يعمِل هذَا بِكُره وَضغط وَيقُول هُمْ تركونِى وَتركوا لِى أرجُلهُمْ ، وَلكِنْ الإِتضاع أنْ يكُون الإِنسان مُتواضِع ما الَّذِى يجعل الإِنسان يعرِف الفرق بين الإِتضاع وَصِغرالنَفْسَ ؟ الحِكمة هى المِيزان الحقِيقى لِجمِيع الفضائِل ، هى الَّتِى تُعرِّف الإِنسان الفرق بين التواضُع وَبين الهرُوب مِنْ المسئوليَّة ، هى الَّتِى تُعرِّف الإِنسان الفرق بين الهدوء وَبين السلبيَّة ، الحِكمة تُعطِى الإِنسان هذا المِيزان الحسَّاس فَالَّذِى يجعل الإِنسان مرَّة يشجّع وَمرَّة يوبّخ الحِكمة ، فِى وقت لَوْ شجّعنا فِيه خطأ ، وَفِى وقت آخر لَوْ وبّخنا فِيه خطأ ، ما الفرق بين الحُب وَالتدلِيل ؟ ما الفرق بين الحزم وَالقسوة؟ مُمكِن أقول إِنِّى أُرِيد أنْ أكُون شدِيد مَعْ أولادِى ، جيِّد لأِنّ الكِتاب يقُول [ رَبِي إِبنك بِعصا مِنْ حدِيد ] ، كويس لأِنّ التربية مطلُوبة ، لكِنْ مُمكِن أكُون قاسِى عليه ، أفقِدهُمْ معنى الأبَّوة وَأفقِدهُمْ معنى الأمومة أقُول أُعطِى أولادِى عاطِفة علشان أشّبعهُمْ لِكى لاَ يحتاجوا إِلَى شيء مِنْ الخارِج ،ما الفرق بين أنْ أُعطِى لهُمْ عاطِفة وَبين تدلِيلهُمْ ؟ فَإِذا حدث التدلِيل فَلاَ يقبلوا أىّ عقوبة وَ لاَ يقبلوا أىّ رفض لأىّ طلب مِنْ طلباتهُمْ ، وَإِنْ خرجوا إِلَى العالم سيجدوا الدُنيا خاضِعة لهُمْ هكذا أم هكذا نكُون قَدْ أفسدناهُمْ ؟ هُناك مِيزان لِذلِك يقُول أحد القدِيسين وَإِحنا بِنربى أولادنا[ لِيكُنْ لَكَ حُب بِلاَ تدلِيل وَحزم بِلاَ قسوة ] ، لِذلِكَ أهم الفضائِل الحِكمة ،هُناك فرق بين المحبَّة وَالتعلُّق المرِيض ، هُناك فرق بين الإِنسان الَّذِى يصوم وَبين الَّذِى يقود جسدهُ وَيُربيه ، الحِكمة تُعرِّف الإِنسان لِذلِكَ يقُول أنّ [ الحِكمة خَيرٌ مِنَ الَّلآلِىء ] ( أم 8 : 11 ) ،لِدرجِة أنّ مُعلّمِنا سُليمان يقُول [ وَلَدٌ فَقِيرٌ وَحكَيمٌ خيرٌ مِنْ ملِكٍ شيخٍ جاهِلٍ ]( جا 4 : 14 ) واحِد مِثل رحبعام وَلِلأسف سمع لِمشورة الجُهَّال " الشُبَّان " وَقالوا لهُ قُل لِلشعب [ أبِي أدبَّكُمْ بِالسياطِ وَأنا أُؤدِّبكُمْ بِالعقارِبِ ] ( 1 مل 12 : 11 ) ، إِظهِر لهُمْ مدى قوّتك وَجبروتك وَأخبِرهُمْ هكذا [ إِنَّ خنصرِي أغلظُ مِنْ متني أبِي ] ( 1 مل 12 : 10 ) ،أىّ أنّ إِصبعهُ الصغِير أغلظ مِنْ وسط أبيه الحِكمة عِندما فقدها رحبعام إِنقسمت المملكة فِى اللحظة الَّتِى قال فِيها هذا الكلام وَقاموا عليه لِكى يُهلِكوه لولا جماعة أحبُّوه مِنْ أجل أبيه وَليس مِنْ أجل نَفْسَه وَأخذوه وَأخفوه وَترك المملكة وَإِنفصل عشرة أسباط عَنْ مملكته ، وَلَمْ يبقى معهُ سِوى يهُوذا وَبنيامِين قسّم المملكة بِحماقة ، لِذلِك الإِنسان بِحكمتِهِ مُمكِن يكُون فقيِر وَضعِيف وَلكِنْ بِحكمتِهِ يرتفِع ، وَالجاهِل مُمكِن يكُون غنِى وَمُرتفِع وَبِجهلِهِ يسقُط وَيكُون سقوطه عظِيم يُوسِف الصدِّيق فقيِر وَصغيِر السِن وَمسجُون وَمُزدرى بِهِ وَمظلُوم لكِن حكِيم ماذا فعل ؟ جاء وَإِرتفع فوق كُلّ النَّاس وَكُلّ إِنسان فِى البلد بِحكمتِهِ لِذلِك لَوْ نرى أهميَّة الحِكمة سنعرِف أنَّنا مُحتاجِين إِليها جِدّاً ، فَالحِكمة تجعل الإِنسان يعرِف متى يتكلّم وَمتى يصمُت ؟ وَإِنْ تكلّم ماذا يقُول ؟ وَلَوْ صمت لِماذا ؟ هى مِيزان لِجمِيع الفضائِل ، فِيها فضائِل عدِيدة لِذلِك لمّا الإِنسان يكُون عِنده حِكمة يعرِف يُدّبِر منزِله جيِّداً ، يعرِف يُدّبِر الَّذِين حوله ، يعرف يتعامل معهُمْ ، يعرف كيف يكسب الأعداء وَيُحوّلهُمْ إِلَى أحِباء ، لِذلِكَ يقولُوا أنّ[ كلِمَاتُ الحُكماءِ تُسمَعُ فِي الْهُدُوء أكثر مِنْ صُراخِ المُتسلِّطِ بَيْنَ الْجُهَّالِ ] ( جا 9 : 17 ) ، الإِنسان الَّذِى يصرُخ كثِيراً يفقِد صواب تفكِيره وَالنَّاس لاَ تسمع لهُ ما أروع سُليمان وَهُوَ فِى منظر رهِيب وَالله يسأله ماذا أُعطِيك ؟ وَبدأ سُليمان يتضرّع إِليه وَقال لهُ أنا عبدك وَالشَّعب كثيِر وَأنا فتى صغِير لاَ أعلم الدخُول وَالخرُوج ،رغم أنّ سُليمان لَمْ يكُن صغِير وَ لاَ يعرِف يدخُل وَيخرُج وَلكِنْ يعرِف جيِّداً وَمَعْ ذلِكَ كان يتصاغر أمام الله لِذلِكَ يا أحِبَّائِى الحِكمة مطلُوبة مِنْ الإِنسان ، ما أحوجنا إِلَى الحِكمة فِى بيوتنا ،وَما أحوج أنفُسنا لإِقتناء الحِكمة ، وَما أعظم مَنْ يقتنِى الحِكمة وَيشعُر أنّ فِى حياته قوَّة وَسُلطان بِالحِكمة لِذلِكَ مَنَ يُرِيد الحِكمة هكذا يقُول مَعْ مُعلّمِنا بولس الرسُول[ فَأُنظرُوا كيفَ تسلُكُون بِالتَّدقِيقِ لاَ كجُهلاء بل كحُكماء ] ( أف 5 : 15 ) ،فَالحِكمة تجعل الإِنسان يعرِف كيف يسلُك مهما كانِت الضغُوط الَّتِى حوله ، تجعله لاَ يندفِع وَ لاَ يخضع لإِنفعالاته لِذلِكَ يقُول [ الْحِكْمَةَ تُحْيي أصْحَابَهَا ] ( جا 7 : 12 ) ، لِدرجِة أنّ الإِنسان مُحتاج لِلحِكمة حتَّى فِى الأمور الرُّوحيَّة مقدار الصُوم مقدار الصلاة مقدار العطاء الإِنسان محتاج لِلحكمة يقُول الكِتاب لمّا أرادوا إِختيار سبعة شمامِسة كان الشرط الأساسِى مملؤين مِنْ الرُّوح القُدس وَمملؤين مِنْ الحِكمة ، هل سأختار واحِد غير حكِيم يُبّدِد الرعيَّة ؟ لاَ ما أجمل الإِنسان الَّذِى يطلُب الحِكمة يمتلِك أفضل فضِيلة فِى الأرض 0 2- صِفات الإِنسان الحكِيم :- أ- عمِيق فِى فِكره :- يعنِى لمّا يفكّر فِى أمر يفكّر بِعُمق ، بِهدوء ، بِترّوِى ، يحسِب الحِساب كُلّه ،ما لهُ وَما عليه وَكيف يمشِّى الأمر ؟ وَكُلّ الجوانِب ، كيف تسلُك ؟ وَيمتص كُلّ شيء وَيدرِس كُلّ شيء ، عكس الإِنسان الجاهِل مُتسرِّع ، أوِل لمّا تأتِى فِكرة ينّفِذها وَلمّا يتهّور يهِد كُلّ حاجة مِثل الَّذِى يقُول هذا الموضُوع لَنْ يتِم ، وَهذا الشخص يخرُج خارِجاً حالاً ،يهِد كُلّ حاجة لِماذا ؟ فقد الحِكمة وَفقد الإِتزان يُقال عَنْ القدِيس أبو مقَّار إِشتهى فِى قلبه أنْ يعبُد الله مُنفرِداً فِى البرّيَّة الداخِليَّة الجوانيَّة ، أىّ يعِيش الوِحدة بِعُمق ، وَنحنُ لمّا نِسمع هذِهِ الكلِمة نجِدها حلوة وَجمِيلة لكِنْ لازِم يحسِبها لأنّ هُناك فِى حروُب مِنْ عدو الخير خوف مِنْ الأيَّام وَالليالِى الَّتِى تمُر عليه هُناك وحوش وَملل صِعاب وَضجر وَهل قامتِى ستتحمّل كُلّ هذا أم مُجرّد إِنِّى أشعُر بِالرغبة فِى العيش مُنفرد أذهب وَأعِيش ؟ لازِم أعرف ، وَيُقال عَنْ القدِيس أبو مقَّار بِكُلّ قداستهُ وَبِرّه يِفضل ثلاث سِنين يصَلِّى لِربِنا علشان يمتص هذا الفِكر بِداخِله وَيفعله وَهُوَ مُطمئِن ،لِيعرِف الفِكرة الَّتِى بِداخِله هل مِنْ الله أم لاَ ، لِكى يخرُج يتعبّد لِربِنا فِى الوِحدة وَ لاَ يبقى وسط الإِخوة ، هل لمّا تأتِى لِى فِكرة أفضل أدرِسها هكذا ؟ مِثال واحِد بيقول لأبونا جاءت لِى تأشيرة لأمريكا ، فكّر أوزِن كُلّ الأمور : س1 : هل لمّا تسافِر ها يكُون لَكَ عمل وَ لاّ مسافِر فقط ؟ وَإِنْ كان هُناك عمل هل سيُناسِبك ؟ س2 : هل ستقبل تعمل فِى بنزينة أوْ فِى مطعم أم لاَ ؟ بعدما أصبحت كبيِر وَمُحترم فِى عملك وَلَكَ مكتبك 0 دائِماً يُقال أنّ الشخص الَّذِى يسافِر لِلعمل بِدُون شِهادة يكُون ها يعمِل حاجة مِن إِتنين Hard work OR Dirty work فهل تقبل تعمل هكذا أم لاَ ؟ أكِيد السِن يختلِف ، الشباب يقبلوا لكِنْ لَوَ كان راجِل عِنده 40 أوْ 45 سنة هل يقبل ؟ هذِهِ نُقطة تستحِق التفكِير 0 س3 : تعلِيم أولادك كيف يكُون هُناك ؟ س4 : هل يُناسِبهُمْ الوسط المُحِيط ؟ س5 : هل تشعُر أنّهُمْ وصلوا إِلَى مرحلة نُضج مُعيّنة أم لاَ ؟ س6 : هل هُناك كنِيسة تهتم بِأولادِى وَتبنِى أنفُسهُمْ وَتحرِص على خلاص نِفوسهُمْ أم لاَ ؟ هُناك أُناس يفكّروا أولاً هذِهِ المنطِقة بِها كنِيسة جمِيلة وَبِها خِدمة جيِّدة وَبِها أباء كهنة مُهتمِين بِخلاص الأولاد وَالشباب وَالشبَّات وَالإِعترافات ، لأِنّ هُناك أماكِن أُخرى لاَ يوجد بِها كُلّ هذا ، فَيقُول مَعْ نَفْسَه هل سأذهب لِيضيع أولادِى ، يفكّر فِى كُلّ هذا ، يوزِن الأفكار وَيعرف مداخِل الأمر ، عمِيق فِى فِكره ، هكذا يكُون الإِنسان الحكِيم 0 مِثال : إِنسان جاء لِنتعرّف عليه رُبما يكُون مُقدِم على الإِرتباط بِبنت مِنْ بناتنا ،أفكّر فِيه هل هُوَ مُناسِب ؟ هل مُتديِن ؟ هل سِنّه مُناسِب ؟ هل إِمكانياته مُناسبة ؟ وَ لاَ يلِيق أنّ جُزئيَّة فِيه فقط فَنُغمِض أعيُنا عَنْ الباقِى ، فَتكُون إِمكانياته جيِّدة فَنتغاضى عَنْ باقِى الأمور ( السِن الَّذِى ضِعف سِنّها بُعده عَنْ الله) ، وَنقُول أنّ ذلِك يأتِى مَعْ الوق أين الوقت ؟ إِذا كان شخص كِبِر وَوصل إِلَى هذِهِ المرحلة فَكيف ؟هُنا نظرنا لأمر واحِد 0 لكِنْ الإِنسان الحكِيم عِنده نظرة شاملة لِلأمر يزِن الأمور صح ، يرى أمور لاَ يراها الآخرين ، لِذلِك يقُول [ الْمُسَايِرُ الْحُكَمَاءَ يَصِيرُ حَكِيماً وَرَفِيقُ الْجُهَّالِ يُضَرُّ ]( أم 13 : 20 ) ، فَالإِنسان الحكِيم أفعاله تدُل على أنّهُ إِنسان حكِيم ، يعرِف الأمور المخفيَّة ، يفكّر كيف يحلّها 0 مِثال : رجُل إِبنته جاءت إِليه غاضِبة مِنْ زوجها ، يحتضِنها وَيظِل يقوّيها على زوجها وَيفتح لها بيته وَيُبرِز لها عيوب زوجها ، ألم يُفكِّر فِى نتائِج هذا الكلام على مدى الزمن ؟ هذا الرجُل يفصِلها تماماً عَنْ زوجها وَإِنْ كان هُناك أمل بسِيط فِى رِجوعها يكُون بِذلِك قَدْ بدّد هذا الأمل وَلِنفرِض أنّها رِجعِت تكُون راجعة وَقلبها مشرُوخ مِنْ زوجها ، وَموقِف زوجها مِنْ أبيها ماذا سيكُون ؟ موقِف عداوة إِلَى مدى الأبد ، لأِنّ بِنته لمّا ذهبِت إِليه فِضِل يحكِى لِها وَيقوّيها وَيقسّيِها وَبدأت النِفُوس تشِيل وَلَمْ يفكّر أحد فِى رد الفِعل فِى هذا الموقِف ماذا سيكُون ؟ وَإِنفعلوا فِى الموقِف فقط ، وَيقُول بنتِى وَحقّها ، وَماذا بعد هذا ؟ هل ستبقى أنت لأِبنتك ؟ هل أنت اليوم أقرب إِليها مِنْ زوجها ؟ دى الوصيَّة بِتقول لها " إِنسِى شعبِك وَبيت أبِيكِ " ، وَتقُول لهُ " أنت المسئول عنها الآن بعد والِديها " ، هى الآن أساساً مسئولة مِنْ زوجها وَليس مِنْ أبيها وَمَعْ الوقت تصِير الزوجة قريبة إِلَى زوجها أكثر ، تخيّلوا لمّا نِقطع هذِهِ العِلاقة نكُون هكذا حُكماء !! مِنَ أين الحِكمة ؟ يقُول سُليمان الحكِيم [ الْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ أمَّا الْجَاهِلُ فَيَسْلُكُ فِي الظَّلاَمِ ]( جا 2 : 14 ) ، أُنظُر إِلَى الأمور كُلّها ، أُنظُر نظرة بِعُمق ، أُنظُر إِلَى الأمام 0 مِثال أحد الأشخاص أهان إِنسانٍ ما فَيقُول الثانِى سوف أعمِل وَأضرب وَ0وَهل يسكُت الأوَّل ؟ لاَ بل هُوَ أيضاً سيفعل وَيفعل ، فكّر فِى ردود الأفعال ، لَوْ فعلت هذا ماذا سيحدُث ؟ الإِنسان المسكِين يفكّر مِنْ وِجهة نظر واحدة ربّ المجد يسُوعَ لَمْ يُرِيد أنْ يتراءى لِلنَّاس فجأة ، أوّلاً شعروا بِوجوده فِى وسط المُجتمع ، شعروا بِهِ فِى تعاليمه ، شعروا بِالتدرُّج ،فِى أول عِظة مَعْ النَّاس لَمْ يتكلّم أنّهُ هُوَ [ خُبز اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّماء الْواهِبُ حَيوةً لِلعالم ] ( يو 6 : 33 ) ، بل أعطاهُمْ الموعِظة على الجبل الَّتِى هى أساس التعالِيم الأساسيَّة فِى المسيحيَّة ، لَمْ يُكلّمهُمْ فِيها عَنْ الصلِيب وَالقيامة وَعطيَّة الرُّوح ، لا الإِنسان محتاج يقتنِى الحِكمة لأِنّ الإِنسان ما أحوجه إِلَى الحِكمة ، الإِنسان لمّا يكُون حكِيم يدرِس المُعطِلات ، يحسِب حِساب النفقة ،يكُون لهُ نظرة واقِعيَّة لِلأمور وَ لاَ يكُون خيالِى فِى تصرُّفاته ، لاَ يقُول سنفعل هذا وَنأخُذ قرض وَيظِل يقسِّم وَيضع على عاتقه حمول وَديون وَفجأة يقُول أنا مُدان بـ 60 ألف مَثَلاً ، هل كُلّ هذا جاء فجأة ؟ لاَ بل هذِهِ تراكُمات فِى الأعمال التُجاريَّة تُقال كلِمة ( دِراسة الجدوى ) ، ماذا تعنِى ؟ يدرِسوا فِيها كَمْ التكلِفة لِنجاح المشروع ؟ الرِبح كَمْ يكُون ؟ مَعْ الوقت يغطِّى الثمن أم لاَ ؟ لها حِساب إِذا إِختلِت هذِهِ الحِسبة المشرُوع لاَ ينفع " يفشل " ، مِثل المشرُوع الَّذى يتكلّف 10مليون جنية وَمكسبه اليومِى مائة جُنية ، فَهذا المشرُوع ليس لهُ داعِى بِالمرَّة ،لأِنّ المكسب لاَ يتناسب مَعْ رأس المال الموضُوع ، هُناك حِكمة تزِن كُلّ هذِهِ الأمور ،لِذلِك الإِنسان فِى حِكمته لابُد أنْ يتأنّى وَيتروّى ، لِذلِك مِنْ صِفات الإِنسان الحكِيم 0 ب- هادِى فِى تفكِيره :- لاَ يكُون عاطِفِى فِى تفكِيره ، لاَ يُفكِّر فِى الأمور تحت ضغط عاطِفِى ، لاَ يُفكِّر بِزاوية واحدة وَلكِنْ مِنْ جمِيع الزوايا ، لاَ يكُون مُندفِع فِى فِكره ، نحنُ نحتاج إِلَى هذا الأمر جِدّاً ، نصيحة " لاَ تأخُذ قرار وَأنت فِى لحظِة إِنفعال " ، ننتظِر قلِيلاً حتَّى تهدأ الأمور ،وَالأفضل ألاّ ندخُل فِى حدِيث مَعْ أىّ إِنسان مُنفعِل ، نترُكهُ حتَّى يهدأ ، لِذلِكَ الحِكمة أفضل مِنْ اللآلِىء الثمِينة نرى حِكمة أبِيجايِل عِندما ثار داوُد ، قالت لهُ لاَ تفعل حماقة ، هذا الكلام كُلّه سوف يُنسب إِليك ، أتُرِيد أنْ يقُولوا أنّ داوُد الملِك جرِى وراء إِنفعالاته ، لاَ سيِّدِى ، كانت تتكلّم بِأسلوب رائِع أرجعته عَنْ حمو غضبه ، حِكمة حسمت كُلّ الأمور لِذلِكَ الإِنسان الحكِيم عنده رُوح مِنْ الداخِل تفرِز له الأمور وَتُميِّزها وَتجعله يعرِف كيف يتصرّف فِى الوقت المُناسِب الأنبا أنطونيُوس أبو كُلّ الرُهبان المؤسِس لِنظام الرهبنة الَّذِى أساس دعوته رفض العالم وَعدم محبِّة العالم ، هل يُعقل أنّ القدِيس أنطونيُوس يترُك مغارته وَينزِل إِلَى العالم ؟! لكِنْ هُوَ فعل هكذا مِنْ أجل الدِفاع عَنْ الإِيمان لِيسنِد النَّاس ضِد بِدعة أريوس ، لكِنْ تعالى فِى مرّة أُخرى ندعِى الأنبا أنطونيُوس لِحضور نهضة رُوحيَّة فِى الكنِيسة لِيُعطِى كلِمة منفعة ، يرفُض ، لاَ لَنْ أترُك مغارتِى ، نقُول أنت نزلت مِنْ قبل ، يقُول كان لها ظروفها فَأنا نزلت مِنْ أجل أمر مُعيّن الإِنسان الحكِيم لاَ يكُون مُتسلِّط فِى رأيه عِندما يقُول أنا قُلت كذا لَنْ أرجع الحكِيم يزِن الأمور يعرِف متى يتصرّف وَمتى يمنح وَمتى يمنع مِنْ القصص الجمِيلة عَنْ الحِكمة فِى حياة الأنبا مُوسى الأسود عِندما بدأ فِى سِلك الرهبنة بدأ يأكُل مَعْ الرُهبان وَكان أكلهُمْ بسِيط وَقلِيل وَكان يجوع جِدّاً ، لأِنّهُ إِعتاد الأكل بِكميات كبيِرة ، وَكما نعلم المِعدة دائِماً تحتاج إِلَى التدرِيج فَلاَ يلِيق بعدما كانت تأخُذ كميات كبيِرة فجأة تأخُذ كميات قلِيلة ، فهى مِثل البلّونة بعدما تنتفِخ لِكى تِصغر تِصغر بِالتدرِيج ،وَبعد تناوُل وجبِة الغداء يبحث عَنْ هذِهِ الوجبة ثُمّ يعرِف أنّ ما تناولهُ هُوَ الغداء ، فَذّهب بِأمانة وَصِدق وَشكى لأب إِعترافه عَنْ كميَّة الطعام وَأنّهُ يجوع ، فَأحضر أب إِعترافه جِزع شجرة وَقال لهُ أنا هأمُرهُمْ فِى الدير أنْ يصرِفوا لَكَ كُلّ يوم وزن هذا الجِزع طعام فَكان الجِزع فِى البِداية ثقِيل وَلكِنْ مَعْ الوقت لأِنّهُ مقطُوع مِنْ الشجرة فَبدأ يجِف وَبِالتالِى الطعام يقِل لكِنْ بِالتدرِيج ، وَنرى حِكمة الشيخ على ما ذبل الجِزع وَسقط الورق مِنهُ كان الأنبا مُوسى وصل لِكميَّة أكل الرُهبان لكِنْ بِالتدرِيج ، لكِنْ لَوْ أحد غير حكِيم كان يرُد وَيقُول هذا هُوَ نظامنا وَإِنْ لَمْ يعجِبك فَأنت لاَ تنفع معنا ، ( حِكمة بِتدرِيج ) 0 حتَّى فِى دير السُريان هُناك مائِدة أثريَّة نُلاحِظ أنّها مُقسّمة إِلَى ثلاثة أقسام :0 أ- جُزء لِلشيُوخ ب- جُزء لِلأحداث ج- جُزء لِلمتوسطِين لاَ يلِيق أنْ يأكُل الأحداث مثلما يأكُل الشيُوخ ، يحتاجوا إِلَى فترة ، فِى هذِهِ الفترة يهدأ الجسد وَالجهد يقِل وَيبدأ الإِنسان فِى السمو الرُّوحِى وَيبدأ يُقلِل الطعام ، لكِنْ لاَ يصِح غير ذلِكَ ،( حِكمة الشيُوخ ) الحِكمة تجعلنِى لمّا أتعامِل مَعْ إِنسان أعرف دوافعه وَأعرف ميوله وَأعرف إِهتماماته وَلمّا أتكلِّم أعرف كيف أتكلّم ، لِذلِكَ عِندما يعِيش الإِنسان بِحِكمة يزِن كُلّ الأمور صح يُقال عَنْ مجمع نيقية حدث بِهِ صِراع وَهُوَ مجمع مسكُونِى ، أىّ أنّهُ ضمّ كنائِس العالم كُلّه ، وَالغالِبيَّة إِتفقوا على أنّ رِجال الأكليرُوس ( الكهنة ) كُلّهُمْ يكُونوا رُهبان وَبتوليين لأِنّهُ لاَ يصِح أنْ يخدِم الشَّعب وَيكُون لديهِ إِهتمامات زوجة وَأولاد وَكادوا يتفِقوا على هذا القرار ، وَإِبتدأوا يقُولوا أنّ البتوليَّة تُعطِى تفرُّغ ، نقاء ، سمو ،وَأنّ هذا أجمل لِلكهنُوت لأِنّهُ كهنُوت المسِيح وَلكِنْ كنِيسة مصر قالت رأى آخر ، أنّ رؤساء الشَّعب يكُونوا بتوليين وَالرُعاة الَّذِين فِى وسط الشَّعب يكُونوا مُتزوجين ، أىّ أنّ الأباء الأساقِفة وَأبونا البطرك رُهبان ،أمَّا الكهنة فَمُتزوجين فَجمعت كنِيسة مصر بين البتوليَّة وَالزواج ، لأِنّ ذلِكَ عليه إِلتزامات وَهذا عليه إِلتزامات ، وَقالوا أنّ الَّذِى يرعى النَّاس لازِم يكُون مِنْ نَفْسَ ظروف النَّاس ، فَهَذا الرأى ساد على الجمِيع صمت وَأعلنوا الموافقة فِى الحال لأِنّ الإِنسان الحكِيم لاَ يعرِف التطرُّف فِى ذِهنه ، أىّ أنّهُ لاَ يمشِى فِى شيء إِلَى أقصاه وَلكِنْ يعرِف الإِلتزام وَيعرِف كيف يزِن الأمور ، هذِهِ هى الحِكمة الَّتِى تجعل الإِنسان يقُول كلام قلِيل وَلكِنْ لهُ منفعة كثيِرة مِثلما يقُول الكِتاب [ تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا ]( أم 25 : 11 ) ، وَالَّذِى قال هذا الكلام فِى المجمع لَمْ يقُل تُفَّاح مِنْ ذهب بَلْ وَأعظم مِنْ الّذهب ، هذِهِ هى الحِكمة ، وَالإِنسان الَّذِى قالها مملوء حِكمة 0 3- شروط إِقتناء الحِكمة :- فِى البِداية أُرِيد أنْ أُميِّز بين نُقطتين ( أمرين ) الحِكمة وَالخُبث 0 الإِنسان الحكِيم غير اللئيِم ،لاَ أستطِيع أنْ أقُول أنّ رِفقة حكِيمة ،إِنّها عرفت كيف تجعل يعقُوب البِكر ، هذا لُؤم أبينا يعقُوب لاَ نستطِيع أنْ نقُول أنّهُ أصبح غنِى بِحِكمة وَلكِن بِلُؤم ، عِندما عمل عِند خاله لابان بِالأُجرة وَبعدها أراد أنْ يكُون عِنده قطِيع مِلك لهُ وَكانت مُعظم الغنمات لُونها بُنِّى وَفِيها حوالِى خمسة أوْ أكثر مِنّقطة ( أبيض x إِسود ) ، فَقَال لهُ لابان بعدما يتزوجوا يأخُذ هُوَ النِتاج المنّقط وَحدث أنّ يعقُوب دهن الشجر الَّذِى تستقِى مِنهُ الغنمات وَكانت وَهى تشرب كانت تتوّحم فَتُحضِر ثمرها مِنْ نَفْسَ لُون الشجر( أبيض x إِسود ) ، وَفِى النِهاية يكُون هذا الغنم خاص بِهِ ،وَهذِهِ لاَ تُحسب حِكمة ، هذا يُحسب خِداع – مكر – لُؤم الحِكمة الرُّوحيَّة حِكمة تقتنِى جمِيع الفضائِل ،فَالحِكمة تُراعِى المحبَّة وَالإِتضاع ،لكِنْ الخُبث وَاللؤم يخدِم الذات وَكيف أرتفِع على مَنَ أمامِى ؟ وَكيف أخدعه ؟ هل يُعقل أنّ السيِّد المسِيح يُعطِينِى وصيَّة أخسر بِها جمِيع الوصايا وَفِى النِهاية أُطلِق على نَفْسِى حكِيم !! هذِهِ ليست حِكمة ، الحِكمة تجعل الإِنسان مملوء حِكمة ، مملوء إِتضاع ،هُناك حِكمة قال عنها مُعلّمِنا يعقُوب الرسُول [ لَيْسَتْ هذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلةً مِنْ فَوْقٍ بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ ] ( يع 3 : 15 ) ، فَالشيَّطان حكِيم وَالحيَّة يُقال عنها أنّها أمكر جمِيع الحيوانات تعرِف كيف توقِع مَنَ أمامها لِذلِكَ الحِكمة الَّتِى مصدرها غير الله تكُون ملِيئة كِذب – رشوة – خِداع – تشوِيش – مؤامرات –، لكِنْ الحِكمة الَّتِى مِنْ الله يُقال عنها[ طَاهِرَةٌ ثُمَّ مُسَالِمَةٌ مُتَرَفِّقَةٌ مُذْعِنَةٌ مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَاراً صَالِحَةً عَدِيَمةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاء ]( يع 3 : 17 ) ، الإِنسان الحكِيم نقِى السِيرة نسمع عنهُ كلام جمِيل 0 وَمِنَ هُنا نصِل إِلَى كيف نقتنِى الحِكمة ؟ 1- طلب الحِكمة :- الحِكمة عطيَّة وَموهِبة مِنْ الله مِثل سُليمان الَّذِى طلب قلباً فهِيماً ، فَمِنْ الكلام عَنْ الحِكمة إِشتقنا إِليها ، لِذلِك نضع هذِهِ الطِلبة أمامنا فِى كُلّ يوم( أعطنِى يارب قلب فهِيم ، أعطنِى حِكمة ) ، كيف أدبّر نَفْسِى وَبيتِى وَأولادِى وَأصدقائِى وَعملِى وَ، أطلُبها لأِنّ الكِتاب يقُول [ إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ ] ( يع 1 : 5 – 6 ) فَدانيال طلب حِكمة [ يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْماً ]( دا 2 : 21 ) ، وَهُوَ قال [ أنا أُعطِيكُمْ فماً وَحِكمةً ] ( لو 21 : 15 ) ،وَهكذا تقُول الوصيَّة [ فَكُونُوا حُكَمَاءَ ] ( مت 10 : 16 ) ، الوصيَّة تُعطِى قوَّة 0 2- الإِحساس بِإِحتياج الحِكمة :- هل تعرِفوا لِماذا نحنُ لاَ نطلُب الحِكمة لأِنّنا نعتقِد أنّنا حُكماء ، لِذلِكَ لاَ نطلُبها وَلَوْ كُلّ واحِد نظر لِنَفْسَه سيُعطِى لنا إِثباتات أنّهُ حكِيم وَخير العارِفين ، هل هذا يعرِف يطلُب حِكمة ؟ لاَ لاَ مَنَ يُعوِزهُ حِكمة فَليطلُب حِكمة ، إِذن أنا محتاج أنْ أشعُر إِنِّى مُحتاج لِلحِكمة ، فَإِحتياجِى لِلحِكمة هُوَ أساس طلبِى لِلحِكمة ، مِثل إِحتياجِى لِلطهارة ، لِلقداسة ، المحبَّة ،نحنُ نحتاج لِلحِكمة ، فَأطلُب الحِكمة بِإِستمرار ، لازِم نشعُر أنّنا غير حُكماء ،كَمْ مرّة يارب تصرّفت بِجهل وَتسرُّع وَلَمْ أدرِس جمِيع أمورِى ؟ كَمْ مرّة لَمْ أدرِس ردود الأفعال ؟ وَكَم يارب أعطنِى حِكمة 0 3- المشورة :- الإِنسان الحكِيم يُحِب يأخُذ مشورة الحُكماء ، لِذلِكَ يقُول[ طَرِيقُ الْجَاهِلِ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيهِ0 أمَّا سَامِعُ الْمَشُورَةِ فَهُوَ حَكِيمٌ ] ( أم 12 : 15 ) ،وَأنا كيف أطلُب المشورة إِنْ لَمْ أشعُر بِضعفِى ؟ نرى سُليمان يقُول [ وَأنَا فَتَى صَغِيرٌ لاَ أَعْلَمُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ]( 1مل 3 : 7 ) ، إِنت يارب عرفنِى [وَبِكَثْرَةِ الْمُشِيرِينَ تَقُومُ ] ( أم 15 : 22 ) ، الإِنسان مُحتاج إِلَى كلِمة مِنَ أفواه المُشيرِين وَالحُكماء نتعجّب على موقِف مُعلّمِنا بولس الرسُول الأخِذ دعوتهُ مِنْ الله وَالَّذِى تعب أكثر مِنْ جمِيع الرُسُل ، نقرأ عنهُ فِى رِسالتهُ إِلَى غلاطيَّة أنّهُ ذهب إِلَى أورُشلِيم لِكى يسأل المُعتبرِين أعمِدة فِى الكنِيسة [ لِئَلاَّ أَكُونَ أَسْعَى أوْ قَدْ سَعَيْتُ بَاطِلاً ] ( غل 2 : 2 ) ، أنا ذاهِب أراجِع نَفْسِى مَعْ باقِى الرُسُل إِخوتِى وَأرى هل أنا أسِير صح أم خطأ ؟ ذاهِب أراجِع إِنجِيلِى وَكِرازتِى وَفِكرِى معهُمْ ، ذهبت أستشِير المُعتبرِين أعمِدة فِى الكنِيسة ، مُعلّمِنا بولس الرسُول الَّذِى لمّا نقرأ رِسالته نجِدها تتدفّق مِنها أنَّهار حِكمة لِذلِك الإِنسان الحكِيم يأخُذ رأى المُشيرِين وَلكِنْ يكُونوا حُكماء ، وَأحذر مِنْ إِستشارِة الجُهّال ، لأِنّنا أحياناً مِنْ عدم حكمِتنا لاَ نُميِّز وَنأخُذ مشورة الجُهّال ، مِثل الّذِين يذهبوا إِلَى السحرة وَالمُنّجمِين ، هل ستأخُذ المشورة وَالحِكمة مِنَ هؤلاء ؟ الحِكمة تُؤخذ مِنْ إِنسان مملوء حِكمة ، أىّ فِيهِ رُوح الله وَمشهود لهُ بِذلِك 0 4- التعلُّم مِنَ الأخطاء وَمُراجعة النَفْسَ بِإِستمرار :- جمِيل إِنْ الإِنسان يراجِع نَفْسَه وَيعرف أخطاؤه وَيُدِين نَفْسَه ،عِندما أدِين نَفْسِى فِى أخطائِى أضمن وَأعرف إِنّنِى لَنْ أُكرِّر أخطائِى ربنا يسُوع المسيِح كنز الحِكمة وَمُعلِّم الطهارة وَمؤسِس الدهُور يملأنا بِالحِكمة وَيفِيض علينا بِحِكمة رُوحيَّة مِنَ عِنده نازِلة مِنَ فوق لِيُعلّمِنا كيف نسلُك وَكيف نحيا وَيُعطِينا حِكمة فِى كُلّ أمور حياتنا ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمِين . القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
28 مارس 2025

مائة درس وعظة (٦٩)

شخصيات في الظل "كن أميناً إلى الموت فساعطيك إكليل الحياة"(رؤ ۲ : ۱۰) مثلما توجد أسماء في الكتاب المقدس معروفة بالاسم، توجد أيضا أسماء في الظل لأشخاص صنعوا أموراً كثيرة، ولكن لا نعرف اسماءهم نهائيا مثل: أولاً: أسماء غير مشهورة بين الناس ومعروفة عند الله عندما نقرأ الكتاب المقدس نجد أسماء مشهورة وتأخذ مساحة كبيرة في الكتاب المقدس، ولكن أيضاً نجد أسماء مغمورة (غير مشهورة ) ولكن بالرغم من أنها غير مشهورة بين الناس أو على صفحات الكتاب المقدس فهي بعملها واثرها الكبير معروفة عند الله. فمثلا عندما نتكلم عن اسم مثل القديس بولس الرسول ستجده مكرراً كثيراً جداً، ومذكوراً في العهد الجديد، ومثل اسم موسى النبي نجده مكرراً ما يقرب من ٧٠٠ مرة في العهد القديم والجديد، وهناك أسماء مشهورة مثل بطرس الرسول ويوحنا وداود وهكذا. ثانيا: أسماء ذكرها قليل ولكن عملها كبير. نجد أسماء ذكرها قليل ولكن عملها كبير، وحتى هذه الأسماء الله اعطاها رسالة فبالرغم من أنها غير مشهورة إلا أن لها فعلاً كبيرا مثل امهات القديسين اللواتي أعطين ابناءهن لله، ونحن لا نعلم أسماءهن ثالثا: اسماء قليلة الذكر ولكنها عظيمة الفعل. بعض هذه الأسماء قليلة الذكر في الكتاب المقدس ولكنها عظيمة الأثر بالفعل فمثلا اذكركم بيرنابا الرسول الذي لم يأت ذكره في الكتاب المقدس إلا في عدة سطور، ولكن لولا برنابا ما وصلت الكنيسة إلى بولس الرسول وانضم إلى الإيمان وأصبح رسول الأمم. اسم آخر من الأسماء وهو مردخاي الذي ربي طفلة صغيرة أصبحت فيما بعد ملكة عظيمة وهي أستير لذلك اجتهد أن يكون عندك هذه الصفة وهي المسئولية اهتم بالمسئولية حتى ولو كانت صغيرة، وثق أن الله سيعوضك ويبارك تعبك وستفرح بالثمر الذي يمكن أن تقدمه لله مثلما فرح مردخای باستير ابنة عمه التي صارت ملكة، ونسميها "نجمة الشرق" في تاريخها العظيم لا يهم أن يكون للإنسان مكانة أو منصب من الممكن أن يكون غير معروف أو غير مشهور، ولكن هذا الاسم له عمل عظيم، المهم أن تكون لك أمانة الله والرب يقول في سفر الرؤيا "كن أمينا إلى الموت فساعطيك إكليل الحياة " (رؤ ١٠:٢) وهذه الآية تنطبق على مردخای تماما فبالرغم من انه سبي في بلاد غربية إلا انه لم يترك إيمانه. ولما أصبح مسئولاً عن استير لم يترك مسئوليته ورباها تربية جيدة وعلمها جيداً. ولما تعرض لمؤامرات كان ثابتاً على المبدأ، وكان لديه إحساس عال بالمسئولية لذلك نحن نعتبره بطلا من أبطال العهد القديم، رغم أن مساحة ذكر حياته في الكتاب القدس محدودة جداً. قداسة البابا تواضروس الثانى عن كتاب صفحات كتابية
المزيد
27 مارس 2025

بدعة سيمون الساحر

بدعة السيمونيه: نسبة إلى سيمون الساحر هذا الذى كان يستعمل السحر ودُهش به شعب السامره ثم لما آتى الرسولان بطرس ويوحنا إلى السامره ليمنحا الروح القدس للمعمدين قال لهم " اعطيانى أنا أيضاً هذا السلطان هتة أى من وضعت عليه يدى يقبل الروح القدس " (أع19: 8) فأنتهره بطرس قائلاً: لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة الله بدراهم . ليس لك نصيب ولا قرعه فى هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماتً أمام الله "(أع 8: 21،20) وقد عرفت الكنيسه شناعة هذه الخطيه فأطلقت أسم السمونيه على كل من يتاجر فى الوظائف الكنسيه أو الحصول على درجات الكهنوت مقابل المال واتباع سيمون يدعون السيمونيون لأنهم عبدوا سيمون كالإله الأول وربط به امرأه تدعى هيلانه التى أدعى سيمون أن فكره الأول تجسد منها وكانت هيلانه امراه عاهره تتجول معه ظهرت البدع في المسيحية منذ عصر الرسل أنفسهم إذ يروي لنا سفر أعمال الرسل عن أول بدعة في المسيحية في إصحاحه الثامن عندما يؤرخ لنا القديس لوقا أن عندما اعتنق سيمون الساحر السامري المسيحية واعتمد أراد أن يشتري موهبة الروح القدس بالمال فزجره الرسول بطرس وطرده " فَانْحَدَرَ فِيلُبُّسُ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ وَكَانَ يَكْرِزُ لَهُمْ بِالْمَسِيحِ. وَكَانَ الْجُمُوعُ يُصْغُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى مَا يَقُولُهُ فِيلُبُّسُ عِنْدَ اسْتِمَاعِهِمْ وَنَظَرِهِمُ الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا. لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الَّذِينَ بِهِمْ أَرْوَاحٌ نَجِسَةٌ كَانَتْ تَخْرُجُ صَارِخَةً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَكَثِيرُونَ مِنَ الْمَفْلُوجِينَ وَالْعُرْجِ شُفُوا فَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ قَبْلاً فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ شَعْبَ السَّامِرَةِ قَائِلاً: «إِنَّهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ!». وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتْبَعُونَهُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ قَائِلِينَ: «هَذَا هُوَ قُوَّةُ اللهِ الْعَظِيمَةُ». وَكَانُوا يَتْبَعُونَهُ لِكَوْنِهِمْ قَدِ انْدَهَشُوا زَمَاناً طَوِيلاً بِسِحْرِهِ. وَلَكِنْ لَمَّا صَدَّقُوا فِيلُبُّسَ وَهُوَ يُبَشِّرُ بِالْأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَبِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدُوا رِجَالاً وَنِسَاءً. وَسِيمُونُ أَيْضاً نَفْسُهُ آمَنَ. وَلَمَّا اعْتَمَدَ كَانَ يُلاَزِمُ فِيلُبُّسَ وَإِذْ رَأَى آيَاتٍ وَقُوَّاتٍ عَظِيمَةً تُجْرَى انْدَهَشَ. وَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ السَّامِرَةَ قَدْ قَبِلَتْ كَلِمَةَ اللهِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلاَ صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. وَلَمَّا رَأَى سِيمُونُ أَنَّهُ بِوَضْعِ أَيْدِي الرُّسُلِ يُعْطَى الرُّوحُ الْقُدُسُ قَدَّمَ لَهُمَا دَرَاهِمَ. قَائِلاً: «أَعْطِيَانِي أَنَا أَيْضاً هَذَا السُّلْطَانَ حَتَّى أَيُّ مَنْ وَضَعْتُ عَلَيْهِ يَدَيَّ يَقْبَلُ الرُّوحَ الْقُدُسَ». فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ. لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلاَ قُرْعَةٌ فِي هَذَا الأَمْرِ لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيماً أَمَامَ اللهِ. فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ لأَنِّي أَرَاكَ فِي مَرَارَةِ الْمُرِّ وَرِبَاطِ الظُّلْمِ». فَأَجَابَ سِيمُونُ: «اطْلُبَا أَنْتُمَا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِي لِكَيْ لاَ يَأْتِيَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا".(أع 5:8-24) وجاء في بعض الكتب الأبوكريفية أن سيمون سافر إلى روما فعظم شأنه يقول القديس يوستينوس الذي إلى السامرة أن أتباع سيمون كانوا كُثراً وانهم اعتبروه الإله الأعلى وأشركوا معه أنوية Ennoia الفكر الذي انبثق عنه فتجسد في امرأة اسمها هيلانة. وجاء في الدفاع ضد هذه الهرطقة للقديس ايريناوس أن سيمون قال بإله ذكر أعلى Sublimissima Virtus وبفكر Ennoia منبثق عن هذا الإله الأعلى انثى موازية له وأن أنوية هذه خلقت الملائكة الذين خلقوا العالم وأن هؤلاء الملائكة حبسوا أنوية في جسم امرأة وأوقعوا بها أنواعاً من الإهانات وأن أنوية هذه هي هيلانة امرأة مينيلاوس الزانية في صور. ومما قاله سيمون بموجب رواية القديس ايريناوس أن الإله الأعلى أظهر نفسه بصفة الابن بيسوع بين اليهود وبصفة الآب بين السامريين في شخص سيمون وفي بلاد أخرى بصفة الروح القدس ومما نقله أفسابيوس المؤرخ عن هيغيسبوس أن مينانذروس الكبَّاراتي وذوسيثفس وكليوبيوس جميعهم ادعوا الإلوهية في القرن الأول وعلّموا مثل ما علّم سيمون الساحر. ويرى البعض أن مينانذروس تتلمذ على يد سيمون وعلّم في السامرة وأنطاكية. بدعة السيمونية من اخطر البدع التى واجهت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية سِيمون شراء موهبة الرب بدراهم من أخطر البدع التى واجهت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتغلغلت فيها وعصفت بها فى بعض الأزمنة أثناء الإضطهاد الإسلامى الشديد حيث كانوا يلزم الولاة بطاركة القبط بمبالغ ضخمة من المال فكانوا يضطرون إلى الجولان على بيوت الأقباط فى الوجه البحرى ثم القبلى لجمع هذه الأموال وقد يضطرون إلى بيع مراكز الأساقفة بدراهم وهذا لتسديد ما طلب منهم للوالى أو الخليفة وقد أنشأ هذه البدعه سيمون الساحر وقد أنضم إلى الكنيسة الأولى أملاً فى الحصول على القوة الإلهية عارضاً مالاً على الرسل ظاناً منه أن قوة الرسل الإعجازية إنما هى قوة سحرية يتعلمها ويمارسها مع الناس للحصول على المال كما كان يفعل قبل إيمانه، وقد أطلق أسم السيمونية فيما بعد على بيع مراكز الأسقفيات كما سبق واوضحنا من قبل ومن الآباء البطاركة الذين أشتهروا بالسيمونية - كيرلس الثالث [75] كان يدعى داود بن لقلق - حاول بكل السبل [بالرشاوى والوسائط والحيل أن يرسم بطريركا ] - وبسببه ظل الكرسي خاليا 20 سنة، ونجح أخيرا في الوصول لغايته إذ دفع 3 آلاف دينار للحكومة - رسم باسم كيرلس الثالث - أعاد السيمونية. - استولى على أموال الأديرة. - وأخيراً أجبره الأساقفة على عقد مجمع قدموا فيه طلباتهم لتحديد إختصاصاته . من هو سيمون؟ سيمون هو ساحر أدهش شعب السامرة بسحره، فكانوا يقولون أن سحره شيء عظيم، وكان يرضى شهوة نفسه من العظمة وترديد الناس لإسمه كما كان يجنى أرباحاً طائلة من سحرة فقداعتقدأهل السامرة أن قوة إلهية عظيمة حلت فيه! وذهب فيلبس الرسول والشماس يكرز بالإنجيل في السامرة ورأى سيمون المعجزات التي تجري على يد فيلبس، فأيقن أنها تجري بقوة أعظم من سحره، فآمن واعتمد ولازم فيلبس مندهشاً من المعجزات التي يجريها . ويبدو أن إيمانه لم ينشأ عن إقتناعه بقوة إلهية حقيقية إنما كان عن خداع فقد ظن أن في المسيحية قوة سحرية أقوى من قوة سحره. وقد ردت قصة سيمون في الإصحاح الثامن من سفر الأعمال (9-24) وسمعان هو اسم عبراني معناه ((السامع)) وسمع بطرس ويوحنا عن عمل الله في السامرة، فنزلا إليها. وأجرى الرب بهما معجزات أخرى شبيهة بتلك التي حدثت يوم الخمسين (أعمال 2) فأندهش سيمون أكثر، وأسرع طالباً معرفة تلك القوة السحرية العظيمة مقدماً المال ثمناً لذلك، فوبخه بطرس بشدة وطلب منه أن يتوب وقد عرفت الكنيسة الأولى شناعة هذه الخطيئة فأطلقت اسم السيمونية على كل من يتاجر في الوظائف الكنسية وقد واجه الكارزون الأولون بالمسيحية مقاومة من السحرة، مثلما جرى مع عليم الساحر الذي قاوم بولس الرسول (أعمال 13: 6 و 7). ولكن قوة معجزات التلاميذ هزمت السحرة كما هومت قوة الرب التى حلت فى موسى سحرة فرعون . هل السيمونية فئة من البدعة الغنوسية؟ وقد كان لسيمون أتباع أعجبوا بقوة سحرة أطلق عليهم اسم السيمونيون اعتبروا سيمون نبياً لهم . وهم شيعة صغيرة من شيع الغنوسيين يقول اوريجانوس عنهم أنهم ليسوا مسيحيين لأنهم يعتبرون سيمون مظهر قوة إلهية ويقول ايريناوس أن سيمون هذا هو أبو الغنوسيين،ولكن لم يتأكد ألعلاقة بين السيمونية والهرطقة الغنوسية فهى علاقة غير معروفه تماماً. وذلك لسبب بسيط هو أن السيمونية تعتمد على السحر فى الإنتشار أما الغنوسية فتعتمد على الفلسفة ولعل الصواب جانب الآباء المسيحيين الأولين الذين ربطوا بين سيمون الساحر (أعمال 8) مع فكرة الغنوسية. إيمان سيمون الساحر "وكان قبلاً في المدينة رجل اسمه سيمون، يستعمل السحر، ويُدهش شعب السامرة، قائلاً أنه شيء عظيم" كان استخدام السحر أمرًا شائعًا في العالم القديم. في البداية كان السحرة يدرسون الفلسفة وعلم التنجيم والأفلاك والطب الخ. لكن صار اسم "السحرة" يشير إلى الذين يستخدمون معرفة الفنون بغرض التعرف على المستقبل، بدعوى أن ذلك يتحقق خلال تحركات الكواكب، ويشفون المرضى بالتعاويذ السحرية (إش 2: 6؛ دا 1: 20؛ 2: 2). وقد حرّمت الشريعة ذلك (لا 19: 31؛ 20: 6) "وكان الجميع يتبعونه، من الصغير إلى الكبير، قائلين: هذا هو قوة اللَّه العظيمة".يرى بعض الدارسين أن سيمون هذا هو الذي أشار إليه المؤرخ يوسيفوس، الذي وُلد في قبرص، وكان ساحرًا. استخدمه فيلكس الوالي لكي يغوي دروسللا Drusilla أن تترك زوجها عزيزوس Azizus وتتزوجه. لكن رفض بعض الدارسين ذلك، لأن سيمون هنا غالبًا ما كان يهوديًا أو سامريًا، كرَّس حياته لدراسة فنون السحر درس الفلسفة في الإسكندرية، وعاش بعد ذلك في السامرة ادعي أنه المسيح، ورفض ناموس موسى، وكان عدوًا للمسيحية، وإن كان قد اقتبس بعض تعاليمها لكي يجتذب بها البعض "وكانوا يتبعونه لكونهم قد اندهشوا زمانًا طويلاً بسحره"إذ رأى عدو الخير كلمة الله يتجسد، وربما أدرك أن مملكته تنهار، بذل كل الجهد لإقامة العقبات في كل موضع، فحث سيمون على عمل السحر زمانًا طويلاً، وخدع الجميع من الصغير إلى الكبير كان سيمون الساحر (ماجوس) شخصية خطيرة، لها سمعتها في الأوساط التاريخية والعلمية، استخدم وسائل شيطانية كثيرة، وحسبه الجميع قوة الله العظيمة. وبحسب القديس إيريناوس كان يجول بامرأة تدعى هيلانة، تُدعي أنها من تجسد سابق من إله العقل، أو من فكر الإدراك الإلهي الذي خرجت منه كل القوة الملائكية والمادية. ويقدم القديس هيبوليتس تقريرًا شاملاً لمنهجه القائم على أساس غنوسي، دعاه "الكشف الأعظم" ويروي الشهيد يوستين كيف استطاع هذا الساحر أن يجتذب أشخاصًا يكرسون حياتهم لنظامه بواسطة قوة السحر، ليس فقط في السامرة، بل وفي إنطاكية أيضًا وروما. وقد عُمل له تمثال في روما نُقش عليه: "تذكار لسمعان الإله المقدس". وقد أثار الحكام في روما ضد المسيحيين. ويُقال أنه دخل في صراعٍ مريرٍ مع القديس بطرس انتهي بدحره. وبتقرير العلامة أوريجينوس بقت جماعة السيمونيين تخرب في الكنيسة حتى منتصف القرن الثالث. "قوة الله العظيمة"، وتعني: "الله القوي" أو "يهوه الجبار". جاء في كتاب اليوبيل (أبوكريفا يهودي) أن الشعب في مصر كان يخرج وراء يوسف ويصيحون El- El wa abir El، ومعناه "الله والقوة الذي من الله". ويرى البعض أن الترجمة الدقيقة لعبارة "قوة الله العظيمة" هي "هذا هو قوة الله، الإله الذي يُدعى العظيم" تسبب سيمون في عزل بيلاطس بنطس، فقد أعلن أنه سيذهب إلى جبل جرزيم، ويستخرج من تحت أنقاض هيكل جرزيم الآنية التي كان يستخدمها موسى نفسه. فانطلقت وراءه الجماهير، مما اضطر بيلاطس أن يرسل حملة من الجنود فحدثت مذابح رهيبة اشتكى السامريون للحاكم الروماني في سوريا، فأبلغ روما التي استدعت بيلاطس بلا عودة يروي هيبوليتس أنه في استعراض له بروما طلب أن يدفنوه حيًا، مدعيًا أنه سيقوم في اليوم الثالث، فدُفن ولم يقم "ولكن لمّا صدقوا فيلبس، وهو يبشّر بالأمور المختصّة بملكوت اللَّه، وباسم يسوع المسيح، اعتمدوا رجالاً ونساء"يقول لوقا البشير: "ولكن لما صدقوا فيلبس" ، وكأنهم قارنوا بين الحق الذي شهد له فيلبس الرسول، والسحر والأعمال المبهرة التي مارسها سيمون، فأعطى الروح القدس قوة لكرازة فيلبس حطمت أباطيل إبليس وجنوده. يقرن القديس فيلبس ملكوت السماوات بالعماد باسم يسوع المسيح. في عرضٍ رائعٍ، يقدم لنا الشهيد كبريانوس خبرته بخصوص معموديته، قائلاً: [إنني مثلك، ظننت مرة إنني كنت حرًا، مع إنني كنت أسيرًا، مقيدًا في ظلمةٍ روحيةٍ. نعم كنت حرًا، أحيا كيفما أشاء. ولكنني كنت في فراغٍ إلي زمنٍ طويلٍ. كنت أبحث على الدوام عن شيءٍ أؤمن به. مع تظاهري بأنني واثق من نفسي، كنت كموجةٍ تلطمها الريح. كنت أيضًا أنجذب إلي كل أمور هذه الحياة معتزًا بالممتلكات والسلطة. بينما كنت أعرف في قلبي أن كل هذه الأمور ليست إلا كفقاعةٍ علي البحر، تظهر الآن ثم تتفجر لتزول إلي الأبد. مع تظاهري باليقين الخارجي، كنت أعرف أنني مجرد تائه في الحياة، ليس لي خطة أسلكها، ولا مسكن تستقر فيه نفسي يمكنك أن ترى إنني لم أعرف شيئًا عن الحياة الحقيقية، الحياة الجديدة المقدمة لنا من فوق. لأنني كنت أبحث عن الحق خلال خبراتي الذاتية، معتمدًا علي طرق منطقي الذاتي، لذا بقي الحق مراوغًا. وإذ اعتمدت علي فهمي الخاص، كان نور الحضرة الحقيقية لله مجرد إشراقة بعيدة سمعت أن رجالاً ونساءً يمكنهم أن يُولدوا من جديد، وأن الله نفسه أعلن طريق تحقيق هذا الميلاد الجديد بالنسبة لنا، وذلك لمحبته للخليقة التائهة مثلي. في البداية ظننت أن هذا مستحيل. كيف يمكن لشخص مثلي عالمي وعنيف أن يتغير ويصير خليقة جديدة؟ كيف يمكن لمن هو مثلي أن يعبر من تحت المياه ويعلن أنه قد وُلد من جديد؟ هذا بالنسبة لي أمر غير معقول، أن أبقى كما أنا جسمانيًا، بينما يتغير صُلب كياني ذاته، وأصير كأنني إنسان جديد لم أرد أن أترك عدم إيماني، ومقاومتي لهذه الفكرة بأنني أولد من فوق. لقد اعترضت: "نحن من لحمٍ ودمٍ، مسالكنا طبيعية، غريزية، مغروسة بحق في أجسامنا. إننا بالطبيعة نقدم أنفسنا على الغير، ونسيطر ونتحكم ونصارع لكي نغلب الآخرين مهما كانت التكلفة. توجد بعد ذلك عادات اقتنيناها حتى وإن كانت تضرنا، صارت هذه العادات جزًء منا، كأنها أجسامنا وعظامنا. كيف يُمكن لشخصٍ أحب الشرب والولائم أن يصير ضابطًا لنفسه ومعتدلاً؟ كيف يمكنك أن تستيقظ صباحًا ما وبمسرةٍ ترتدي ثوبًا بسيطًا وقد اعتدت علي الملابس الفاخرة وما تجلبه من الأنظار والتعليقات؟ كيف يمكنك أن تحيا ككائنٍ متواضعٍ بينما قد نلت كرامة في أعين الجماعة؟ هكذا كان تفكيري الطبيعي، إذ كنت في عبودية لأخطاء لا حصر لها تسكن في جسدي. بالحقيقة يئست من إمكانية التغيير. فقد تكون تلك العادات ضارة لي، لكنها كانت جزءً مني. لذلك كان التغير مستحيلاً، فلماذا أصارع؟ فإنني كنت أشبع رغباتي بتدليلٍ ولكن في يومٍ أخذت خطوة وحيدة بسيطة وضرورية متجهًا نحو الله تواضعت أمامه وكطفل قلت "أؤمن" نزلت تحت المياه المباركة فغسلت مياه الروح الداخلية وسخ الماضي، وكأن بقعة قذرة قد أُزيلت من كتانٍ فاخرٍ، بل وحدث ما هو أكثر أشرق نور عليَّ كما من فوق اغتسلت في سلامٍ لطيفٍ. تطهرت في الحال. قلبي المظلم يتشبع بحضرته، وعرفت عرفت أن الحاجز الروحي القائم بيني وبين الله قد زال تصالح قلبي وقلبه أدركت الروح، نسمة الآب، قد حلّ فيّ من هو فوق هذا العالم. وفي تلك اللحظة صرت إنسانًا جديدًا منذ ذلك الحين وأنا أنمو في معرفة كيف أحيا بطريقٍ ينعش حياتي الجديدة المعطاة لي ويعينها. ما كنت أتشكك فيه صار لازمًا أن أتعامل معه بكونه الحق واليقين. ما كنت أخفيه يلزم أن يخرج إلي النور. بهذا ما كنت أسيء فهمه بخصوص الله والعالم الروحي بدأ يصير واضحًا. وأما عن عاداتي الخاصة بإنساني القديم، فقد تعلمت حسنًا كيف تتغير... حيث تُعاد خلقة هذا الجسد الأرضي بواسطة الله. في كل يوم أنمو علي الدوام، صرت أكثر قوة، وحيوية في روح القداسة. الآن أخبرك ببساطة الخطوة الأولي في طريق الروح: قف أمام الله كل يومٍ بوقارٍٍ مقدسٍ، كطفلٍ بريءٍ ثق فيه. هذا الاتجاه يحمي نفسك. يحفظك من أن تصير مثل الذين ظنوا أنهم متأكدون أنهم يخلصون، فصاروا مهملين. بهذا فإن عدونا القديم، الذي يتربص دومًا، أسرهم من جديد. لتبدأ اليوم أن تسير في طريق البراءة، الذي هو طريق الحياة المستقيمة أمام الله والإنسان. لتسر بخطوة ثابتة. أقصد بهذا أنك تعتمد علي الله بكل قلبك وقوتك. ألا تشعر به، الآب، إذ هو موجود حولك؟ إنه يود أن يفيض عليك... فقط اذهب إليه وأنت متعطش للحياة الجديدة... افتح الآن نفسك واختبر نعمته، التي هي الحرية والحب والقوة، تنسكب عليك من أعلى، تملأك وتفيض. افتح نفسك أمامه الآن، هذا الذي هو أبوك وخالقك. كن مستعدًا أن تنال الحياة الجديدة وتمتلئ بها... هذه التي هي الله نفسه.] "وسيمون أيضًا نفسه آمن، ولمّا اعتمد كان يلازم فيلبس، وإذ رأى آيات وقوات عظيمة تُجرى اندهش"استطاع سيمون في البداية أن يميز بين الحق والباطل، وما هو من الله وما هو من الشيطان، فآمن وصار مرافقًا لفيلبس الرسول. لقد أبهرته الآيات والقوات العظيمة، وللأسف اندهش فاشتهاها، وصمم أن يشتريها بالمال القديس أغسطينوس يقول: " عندما نسمع: "من آمن واعتمد خلص" (مر 16: 16)، فبالطبع لا نفهم ذلك على من يؤمن بأيّة طريقة، فالشيّاطين يؤمنون ويقشعرّون (يع 2: 19). كما لا نفهم ذلك على من يتقبّلون المعموديّة بأيّة طريقة كسيمون الساحر الذي بالرغم من نواله العماد إلا أنه لم يكن له أن يخلص. إذن عندما قال: "من آمن واعتمد خلص" لم يقصد جميع الذين يؤمنون ويعتمدون بل بعضًا فقط، هؤلاء الذين يشهد لهم أنهم راسخون في ذلك الإيمان الذي يوضّحه الرسول: "العامل بالمحبّة" (غل 5: 6) " القديس كيرلس الأورشليمي: " حتى سيمون الساحر جاء يومًا إلى الجرن (أع 13: 8) واعتمد دون أن يستنير، فمع أنه غطس بجسمه في الماء، لكن قلبه لم يستنر بالروح. لقد نزل بجسمه وصعد، أما نفسه فلم تُدفن مع المسيح ولا قامت معه (رو 4: 6، كو 12: 2) ها أنا أقدم لكم مثالاً لساقطٍ حتى لا تسقطوا أنتم. فإن ما حدث كان عبرة لأجل تعليم المتقرّبين لهذا اليوم (يوم العماد) إذن ليته لا يكون بينكم من يجرب نعمة اللَّه، لئلا ينبع فيه أصل مرارة ويصنع انزعاجًا (عب 15: 12)! ليته لا يدخل أحدكم وهو يقول: لأنظر ماذا يعمل المؤمنون! لأدخل وأرى حتى أعرف ماذا يحدث؟! (أي يدخل لمجرد حب الاستطلاع) أتظن أنك ترى الآخرين وأنت (في نيتك أن) لا ترى؟! أما تعلم إنك وأنت تفحص ما يحدث معهم، يفحص اللَّه قلبك؟! " بدء فكرة السيمونية Simony "ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة اللَّه، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا". القديس يوحنا الذي سبق فطلب مع أخيه يعقوب من رب المجد يسوع أن يرسل نارًا ليحرق قرية سامرية (لو 9: 25 الخ)، هو نفسه الآن ينطلق مع القديس بطرس، منتدبين من الكنيسة في أورشليم، لمساندة القديس فيلبس في خدمته في السامرة. ذهبا الآن لكي تنزل نار الروح القدس الذي يجدد القلوب ويسكب المحبة الإلهية فيها، ويشَّكل النفوس لتصير العروس المقدسة للسيد المسيح إذ قبل السامريون الكلمة بأعداد كبيرة صار العمل يحتاج إلى أيدٍ أخرى للعمل بجانب القديس فيلبس. إنها أول حركة كنسية جريئة من أورشليم، أن تبعث رسولين إلى خارج اليهودية لخدمة السامريين، لينضم سامريون إلى العضوية الكنسية إرسال بطرس ويوحنا إلى السامرة من قبل الكنيسة في أورشليم يؤكد العمل الكنسي الجماعي، ودور الكنيسة في أورشليم القيادي، وأنه لم يكن بين الرسل رئيس، بل كان الكل متساوين في السلطان الرسولي. لا يحمل القديس بطرس رئاسة ليرسل رسلاً، بل في تواضعٍ وحبٍ وشركةٍ أطاع صوت جماعة الرسل الذين أرسلوه مع القديس يوحنا للعمل بحكمة. اختار الرسل القديس بطرس المعروف بغيرته واندفاعه ومعه القديس يوحنا المعروف بهدوئه ورقته؛ وقد حدث انسجام بينهما مع اختلاف سماتهما، إذ شعر كل منهما محتاجًا للآخر. فاختلاف السمات أو المواهب علامة صحية للكنيسة مادام الحب مع التواضع يعملان في حياة الجماعة. "اللذين لمّا نزلا صلَّيا لأجلهم، لكي يقبلوا الروح القدس". "لأنه لم يكن قد حلّ بعد على أحدٍ منهم،غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع". "حينئذ وضعا الأيادي عليهم،فقبلوا الروح القدس". كان المؤمنون قد نالوا سرّ العماد، الآن وضع الرسولان بطرس ويوحنا الأيادي ليحل الروح القدس عليهم. وقد تسلم الأساقفة هذا التقليد أو التسليم: "وضع الأيادي"، وقد دُعي سرّ المسحة" أو "سرّ الميرون" حيث يسكن الروح القدس في أعماق النفس، ويقدس حياة المؤمن، ويقوده لكي يحمل أيقونة المسيح، وسأتحدث عنه في ملحقٍ خاص به في نهاية الحديث عن هذا الإصحاح لقد سبق فأوصى تلاميذه ألا يدخلوا مدينة للسامريين (مت 10: 5)، الآن بعد صعوده وإرسال روحه القدوس فتح أبوابها لهم ليكرزوا ويعمدوا قام القديس فيلبس بتعميدهم باسم الرب يسوع، فلماذا لم يضع يده عليهم ليحل عليهم الروح القدس؟ يرى البعض أن موضوع قبول الأمم للإيمان ونوالهم سرّ العماد وحلول الروح القدس كان أمرًا غاية في الخطورة، لم يكن ممكنًا لليهود المتنصرين في البداية أن يقبلوه. فلو تم ذلك خلال فيلبس وحده لأخذ اليهود المتنصرين منه موقفًا متشددًا، وربما حسبوا عمله باطلاً. لهذا قام بالكرازة والعماد، وجاءت كنيسة الختان ممثلة في شخصي بطرس ويوحنا تثبت صحة العمل بوضع الأيادي ليقبلوا الروح القدس. فما فعله الرسولان لا يقلل من شأن القديس فيلبس، ولا يضعه في موقف العجز عن وضع اليد لقبول الروح القدس، إنما كان بخطة إلهية لتأكيد وحدة العمل جميعًا في فتح باب الإيمان للأمم كان قبول الروح القدس في بداية الكرازة يختلف من حالة إلي أخرى حسب ما يراه الروح من أجل ظروف الكنيسة القديس كيرلس الأورشليميي قال: " أيام موسى كان الروح يُعطي بوضع الأيدي (عد 11: 29)، وبوضع الأيدي يعطي بطرس الروح. " "ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدي الرسل يُعطى الروح القدس، قدّم لهما دراهم" ظن سيمون أنه قادر أن ينال سلطان الرسل في صنع الآيات والعجائب بدفع دراهم للرسل، ولم يدرك أن الرسل أنفسهم تمتعوا بها كنعمةٍ مجانيةٍ، مُقدمة لهم من الله نفسه؛ وأن هؤلاء الرسل قد باعوا كل ما لهم ليتبعوا المصلوب. فما أراد أن يقدمه لهم سيمون ليس له موضع في قلوبهم ولا في فكرهم مع أن سيمون قد قبل الإيمان المسيحي، لكن قلبه كان لا يزال أسيرًا لعمل أمور فائقة خلال السحر، ولعله ظن في السلطان الرسولي أنه نوع من السحر، ولكن بطبيعة أخرى غير التي مارسه قبل الإيمان إنه مثل بلعام، قدم مالاً ليقتنى الموهبة، فكانت غايته نوال مكاسب مادية وراء هذا العمل أخيرًا فإن تصرف سيمون يكشف عما في قلبه من كبرياء واعتداد بالذات القديس أغسطينوس قال: " أحب سيمون الساحر سلطان المسيحيين أكثر من البرّ. " "قائلاً: أعطياني أنا أيضًا هذا السلطان، حتى أي من وضعت عليه يدي يقبل الروح القدس" يرى القديس ايريناؤس أن سيمون الساحر ظن أن ما يمارسه الرسل من عجائب هو عن معرفة أعظم للسحر وليس بقوة الله، لذلك أراد اقتناء هذه الموهبة بدراهمٍ، لكشف السرّ له. لقد أظهر رغبته في التعرف على أسرار أعظم للسحر عوض إيمانه بالله وتوبته العلامة ترتليان يقول: " لا يقدر أن يرجو ملكوت السماوات من يفسد السماء بإصبعه وعصاته السحرية (أي باستخدامه النجوم في السحر)." القديس إيريناؤس يقول: " إذ تقبلت الكنيسة العطايا مجانًا من الله تخدم الآخرين مجانًا. "القديس كيرلس الأورشليمي يقول: " لم يقل: "أعطياني أنا أيضًا شركة الروح القدس" بل قال: "هذا السلطان"... لقد قدم مالاً لمن ليس لهم مقتنيات، مع أنه رأى الناس يقدمون ثمن الأشياء المُباعة ويضعونها عند أرجل الرسل. "القديس أغسطينوس يقول: " عندما رأى سيمون ذلك ظن أن هذه القوّة هي من البشر، فأراد أن تكون له هو أيضًا. ما ظنّه أنه من البشر، أراد أن يشتريه من بشر. " "فقال له بطرس: لتكن فضتك معك للَّهلاك، لأنك ظننت أن تقتني موهبة اللَّه بدراهم" كشف له القديس بطرس عن جريمته، وهي اعتقاده أنه قادر أن يقتني المواهب الإلهية التي لا تُقدر بثمن بدفع دراهمٍ يؤمن القديس بطرس أن محبة المال مدمرة للنفس، فإن كان قلب سيمون مرتبطًا بهذه الرذيلة إنما يهلك مع ما لديه من فضة، التي حتمًا تزول وتتبدد، بل والأرض كلها تزول. لقد ربط نفسه بما هو زائل فينحدر مع ما ارتبط به ظن سيمون أنه قادر أن يشتري من الله إحساناته الإلهية وعطاياه السماوية بالمال؛ وهو بهذا يهين الله الكلي الحنو. "ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر، لأن قلبك ليس مستقيمًا أمام اللَّه" "نصيب": تستخدم في توزيع الميراث حيث ينال كل شخص نصيبه منه. فإذ كان قلب سيمون غير مستقيمٍ لم يعد يُحسب ابنا لله القدوس، وبالتالي ليس من حقه أي نصيب في الميراث. وكأن ما يشغل ذهن المسيحي ليس نواله النصيب من الميراث، مهما بلغت قيمته، وإنما التمتع بالبنوة لله، والثبات فيها، عندئذ ما يناله من مواهب في هذا العالم، أو من ميراث في الحياة الأبدية، هو ثمر طبيعي للبنوة الفائقة "قرعة": كانت تستخدم حين تتحقق نصرة جيشٍ ما، فيجمع الغنائم وتُستخدم القرعة في توزيعهما. ليس من حق سيمون أن يتمتع بالقرعة، لأنه عزل نفسه عن جيش الله، ولم يعد بالجندي الصالح الذي يهدم حصون إبليس ويسحقه بالنعمة تحت قدميه، فأي قرعة تعمل لحسابه؟ أخيرًا، فإن علاج الموقف ليس مجرد التراجع عن طلب الموهبة بدراهمٍ، بل التحول من الاعوجاج أو عدم استقامة قلبه إلى الاستقامة والقداسة والإخلاص في محبته لله لقد آمن سيمون واعتمد، لكنه أصر على الاعوجاج وعدم التمتع بالحياة الجديدة التي في المسيح يسوع. فالله يراه حسبما يكون قلبه عليه، لأنه فاحص القلوب والكلي تُنسب السيمونية لسيمون الساحر الذي ظن أنه قادر أن يقتني مواهب الروح القدس بدراهمٍ، إما لمكسبٍ مادي أو لنوال كرامةٍ زمنيةٍ. تناقض السيمونية عمل الروح، لأن مواهب الروح تقدم لمن باعوا العالم وصلبوا الذات مع الشهوات من أجل المجد السماوي. فمن كان نصيبه السماء لا ينتظر مكاسب مادية أو مجدًا زمنيًا جاء في إبيفان Epiphan [قال سيمون عن نفسه أنه الابن، وأنه لم يتألم حقيقة، بل بدا لهم هكذا.] [وأنه جاء بنفسه بين اليهود بكونه الابن، وبين السامريين الآب، ولبقية الأمم بكونه الروح القدس.]في دفاعه الموجه إلى أنطونيوس بيوس كتب الشهيد يوستينوس [كان يوجد سيمون السامري من قرية تدعى Gitton في أيام حكم كلاديوس قيصر في روما مدينتكم الملكية، هذا صنع أعمالاً وسحرًا، وذلك بواسطة الشياطين العاملة فيه. لقد حسبوه إلهًا وكُرم بينكم بعمل تمثال له، حيث أقيم في نهر التيبر بين جسرين، وحمل هذا النقش "Simoni Deo Sanceto" الذي هو "سيمون، اللَّه القدوس."] وذكر القديس إيريناؤس والعلامة ترتليان ذات القصة القديس كيرلس الأورشليمي قال: " سيمون الساحر هو مصدر كل هرطقة، هذا الذي جاء عنه في سفر أعمال الرسل أنه فكَّر أن يشتري بمالٍ نعمة الروح القدس، فسمع القول: "ليس لك نصيب في هذا الأمر" الخ.، وعنه أيضًا كُتب: "منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا" (1 يو 19: 2) هذا الإنسان بعدما طرده الرسل جاء إلى روما، حيث استمال إليه زانية تدعى هيلين Helene. وقد تجاسر بفمه المملوء تجديفًا أن يُدعي أنه هو الذي ظهر على جبل سيناء كالآب، وظهر كيسوع المسيح بين اليهود، ليس في جسدٍ حقيقيٍ بل كان يبدو هكذا، وبعد ذلك كالروح القدس الذي وعد المسيح أن يرسله كمعزٍ لقد خدع مدينة روما حتى أقام له كلوديوس تمثالاً نقش عليه من أسفل بلغة الرومان: Simoni Deo Sancto، وهى تعني "إلى سيمون اللَّه القدوس" القديس ايريناؤس قال: " اشترى سيمون من صور، وهي مدينة فينيقية، زانية معينة تدعى هيلين، اعتاد أن يأخذها معه، معلنًا أن هذه السيدة هي أول إدراكات ذهنية، وأنها أم الجميع، بواسطتها أدرك منذ البداية خلقة الملائكة ورؤساء الملائكة. " كشف له الرسول عن سمات شخصيته الخفية وهي "عدم استقامة قلبه"؛ فجريمته تكمن في أعماقه، ولا تقف عند ما نطق به أو سلك به. فهو في حاجة إلى تجديدٍ داخليٍ للقلب. إنه يحمل فكرًا عالميًا ماديًا، أو طبيعيًا، لا يقبل ما لروح لله، فكيف ينال مواهب الروح؟ "فتبْ من شرِك هذا، وأطلب إلى اللَّه، عسى أن يغفر لك فكر قلبك". قدم له الرسول العلاج وهو "التوبة"، فقد آمن واعتمد، لكن لم يرجع إلى الله بالتوبة... متى قدم توبة يمكنه أن يرفع عينيه إلى الله، فيراه غافر الخطايا، مهما كان جرمها. فالصلوات والطلبات والتضرعات لن تُقبل بدون التوبة. "فكر قلبك": إنك محتاج ليس فقط إلى التوبة عن تصرفك بطلب مواهب الله المجانية بدراهم، وإنما أيضًا عن فكر قلبك الذي تخفيه في داخلك، لكنه ظاهر أمام الله طالبه أن يحول نظره عن المال الذي بين يديه، أو الذي يتوقع نواله، كما يحوله عن حب السلطة والكرامة، ليتطلع إلى أعماقه ويكتشف ما بلغه قلبه من فسادٍ ونجاسةٍ ويصرخ إلى الله مخلصه ليغفر له خطاياه مع قوله: "لتكن فضتك معك للهلاك"، بمعنى دعْ سيدك في جيبك لدمارك، يفتح له باب التوبة: "تب من شرك هذا". "لأني أراك في مرارة المرْ، ورباط الظلم". "مرارة": تشير الكلمة هنا إلى السائل الأخضر باصفرار الذي يوجد خفية في الكبد، فإن الخطية تفيض في داخل النفس سائلاً مرًا، يُفقد القلب سلامه، والنفس فرحها، ليعيش الإنسان مرْ النفس، أحيانًا بلا سبب خارجي نال سيمون شهرة عظيمة، حسده الكثيرون عليها، وظنه الكثيرون من أسعد الناس وأقواهم، أما القديس بطرس فرأى مرارته الداخلية، وقيود نفسه التي تكبله وتحبسه داخل الظلمة "لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم" أدرك القديس بطرس كيف دخل الشيطان بسيمون إلى الكنيسة ليفسدها، فقد كان لعمله هذا أثره على الشرق والغرب إلى قرابة ثلاثة قرون. بل ولازال عدو الخير يبذل كل الجهد لإفساد كنيسة الله بالسيمونية. إنه لا يزال يثمر سيمون علقمًا وأفسنتينًا (تث 29: 18) يفضل البعض ترجمتها: "مرًا وأفسنتينا". "رباط الظلم" الأصل اليوناني معناه "قيود الشر". كان الرسول بولس يطالبه بالتوبة والرجوع إلى الله، وهو يراه مقيدًا بقيود الشر القديس يوحنا الذهبي الفم قال: " لماذا لم يضرباه بالموت كما حدث مع حنانيا وسفيرة؟ فإنه حتى في الأوقات القديمة الذي جمع الحطب في يوم السبت قُتل (رجمًا) ليكون عبرة للآخرين (عد ١٥: ٣٢)، ولم يحدث هذا بعد في الأمثلة التي بعد ذلك، هكذا في المناسبة الحاضرة لقديس يوحنا الذهبي الفم قال: " هذه كلمات تحمل سخطًا شديدًا. لكنه لم يعاقبه، حتى لا يكون الإيمان بالإكراه، ولكي لا يبدو الأمر فيه قسوة، لكي يفتح باب التوبة، فإنه يكفي لإصلاح أمره أن يقنعه ويخبره بما في قلبه حتى يجتذبه إلى الاعتراف بخطئه. فإن قوله: "أطلبا أنتما إلى الرب من أجلي" هو اعتراف أنه ارتكب خطأً تًمثل الخطية هنا بالمرارة، السم القاتل، الحرمان من الفرح، هذه كلها من عمل الخطية بكونها مدمرة لكل ما هو صالح، كما تُمثل أيضًا بقيود العبودية والحرمان من حرية الحركة والعمل، والتمتع بالبرّ الإلهي (مز 116: 16؛ أم 5: 22؛ رو 7: 23- 24) "فأجاب سيمون وقال: أطلبا أنتما إلى الرب من أجلي، لكي لا يأتي عليّ شيء مما ذكرتما" اظهر سيمون انزعاجًا شديدًا بسبب اللعنة التي حلت عليه، لكن يبدو أنه لم يكن جادًا في توبته. لقد طلب الرسول بطرس منه أن يتوب وأن يصلي، لكي ما يكشف الله عن خطاياه كما يكشف له عن نعمة الخلاص، حيث ينال مغفرة خطاياه ويتمتع بالبركات الأبدية، أما سيمون فيبدو أنه لم يكن يشغله خلاص نفسه، بل يشغله ما تحل به من إهانات وفقدان للكرامة، أي عقوبة الخطية. لهذا لم يطلب من الرسولين أن يسنداه بصلواتهما لأجل توبته، بل لكي لا تحل به العقوبة. حسن أن نطلب صلوات الآخرين عنا، على أن تكون سندًا لنا في صلواتنا؛ نطلبها في شعورٍ حقيقي بالحاجة إلى التوبة، لا بالخوف من العقوبة الإلهية أمام الناس لقد تمثل سيمون بفرعون في طلبه من موسى الصلاة عنه (خر 8: 28، 32)، وأيضا يربعام (1 مل 13: 6). هكذا يطلب أحيانًا الأشرار الصلاة من أجلهم، مع تشبثهم وإصرارهم على ممارسة الشر.
المزيد
26 مارس 2025

شجعُوا صِغار النفوس

لا شك أن الله يحب الأقوياء، ويريد أن يكون كل مؤمن قويًا في حربه مع الشيطان، قويًا في إيمانه وجهاده، ويعطي الطوبى للغالبين المنتصرين. ولكنه مع ذلك.. بكل حب يشجع صغار النفوس، ويسند الضعفاء، ويتأنى عليهم..بل إن السيد المسيح جعل صغار النفوس هؤلاء في مقدمة الذين يخدمهم. فقيل عنه في نبوءة اشعياء «رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ.. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ» (إش61: 1-2).وهكذا جعل رسالته من أجل المساكين والمنكسرين والمسبيين والمأسورين والنائحين. وماذا تراه يفعل لأجل هؤلاء؟ إنه يقول: "لأعطيهم جمالًا عوضًا عن الرماد، ودهن فرح عوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة".هذا هو السيد المسيح الذي قيل عنه في تشجيعه للآخرين:"قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ".إنه يعطي رجاء حتى لهؤلاء، وينفخ في الفتيلة المدخنة فربما تشتعل بعد حين، وتضيء لآخرين.ولذلك لما كان يهوشع واقفًا بثياب قذرة والشيطان يقاومه، قال ملاك الرب للشيطان، لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب.. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار.. وأمر أن ينزعوا عن يهوشع ملابسه، ويلبسوه ثيابًا مزخرفة طاهرة (زك3: 1-5).ومعلمنا بولس الرسول يهتم بصغار النفوس فيقول: «اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ» (عب13: 3). ويقول الرب: "لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار"... وهو نفسه قد اهتم بكل صغار النفوس الذين قابلهم. ومن هؤلاء الخطاة والعشارون. وحتى المرأة التي ضُبِطت في ذات الفعل، وأحضروها إليه وهي في مرارة الذل طالبين رجمها، أنقذها من أيديهم ولم يشأ أن يخجلها، بل قال لها في حب: «وأنا أيضًا لا أدينك، اذهبي بسلام».طريقة الرب هي أن يبني النفوس المسكينة، لا أن يحطمها.ولذلك قال عبارته المملوءة حبًا وتشجيعًا «ما جئت لأدين العالم، بل لأخلّص العالم». وهكذا نراه يترك الجموع، ويقف عند خاطئ هو زكا رئيس العشارين، ويشجعه بعبارة حب هي «ينبغي اليوم أن أكون في بيتك»، بل يقول له: «اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت». ويريه أن خطاياه مهما كانت، لا تمنع عنه الخلاص. وأن سمعته مهما كانت ردية، لا تمنع دخول الرب في بيته.إن الرب في تشجيعه، يجعل باب الخلاص مفتوحًا للكل.حتى أمام اللص اليمين، في اللحظات الأخيرة من حياته، وهو مصلوب، يستمع قول الرب «اليوم تكون معي في الفردوس». وحتى مع المرأة السامرية، رأى فيها الرب شيئًا حلوًا، على الرغم من سيرتها الخاطئة، فقال لها في تشجيع «حسنًا قلتِ.. هذا قلتِ بالصدق» (يو4: 17، 18). إنه القلب الطيب، صاحب الكلمة الطيبة.ليست من فم الرب دينونة، بل من فمه كلمة بركة.حقًا إن حلقه حلاوة، وكله مشتهيات (نش5: 16).انظروا موقفه الجميل من بطرس الرسول، بعد أن أنكره ثلاث مرات، وكانت نفسه مرة للغاية، وقد بكى بكاءً مرًا.. ظهر له بعد القيامة، ولم يقل له كلمة توبيخ واحدة.. وإنما قال له في تشجيع «ارعَ غنمي. ارعَ خرافي» (يو21: 15، 16).وتوما الرسول، لما وجده الرب قد شك في القيامة، وأصر أن يرى ويلمس، ويضع إصبعه مكان الجروح، وإلا لا يؤمن..! لم يوبخه الرب، وإنما ظهر له، وسند ضعفه وقلة إيمانه، وحقق له رغبته، وقال له «لا تكن بعد غير مؤمن، بل مؤمنًا»..إنها طريقة الرب، منذ البدء، منذ آدم وحواء.كان آدم منكسر القلب، خائفًا، مختبئًا خلف الأشجار بعد سقوطه، لا يجرؤ أن يرى الله.. ولكن الله بطريقته في تشجيع صغار النفوس، ذهب إليه، وناداه، وفتح معه الحديث، ووعد بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية.ولما رأى الرب يونان النبي في صِغر نفسه. وقد اغتمت نفسه، وطلب الموت قائلًا: «موتي خير من حياتي»، لم يتركه الرب في صغر نفسه، وأنبت له اليقطينة لتظلّله، ثم ظلّ به حتى تفاهم معه، وخلصه من غمه، وشرح له الموقف مع أهل نينوى، وأنقذ نفسه كما أنقذهم.ولما رأى إيليا النبي خائفًا من إيزابل، ظانًا أنه قد بقى وحده بعد قتل الأنبياء، وقد طلبوا نفسه ليهلكوها، كلمه الرب وقال له «مالك هنا يا إيليا؟» وأرسل له معونة من عنده وقوّاه، وأخبره بأن هناك سبعة آلاف ركبة لم تنحنِ لبعل. وكلفه بأن يمسح أشخاصًا للقضاء على فساد الوثنية (1مل19).إن عبارة «شجعوا صِغار النفوس» عبارة مملوءة حنانًا.ولكن من هم صِغار النفوس الذي نشجعهم..؟إنهم الساقطون، واليائسون، والفاشلون، والأطفال، والخطاة، والخائفون. ومن تنهار نفوسهم وتضعف، ويفقدون الثقة في القدرة على القيام...هؤلاء لا ندينهم، ولا نشهّر بهم، ولا نستهزئ بهم أو نتهكم عليهم، ولا نعاملهم بقسوة، وإنما نسند ضعفهم بتشجيعنا.قيل عن القديس الأنبا إيسيذورس قس القلالي، إنه كان إذا طَرَدَ بعض الآباء خاطئًا ويئسوا منه، يأخذه الأنبا إيسيذورس إليه، ويطيل أناته عليه، ويظل به حتى يقيمه من خطيئته. وقد فعل هذا مع موسى الأسود، الذي كان في بدء حياته مُحارَبًا جدًا من العدو، حتى أنه أتى إلى الأنبا إيسيذورس 11 مرة في ليلة واحدة.. وبطول أناة معلمه تحول إلى قديس عظيم.لا تحتقر تفاهة في إنسان، إنما أنقذه من تفاهته.كن يدًا منقذة للضعيف، وكلمة رجاء لليائس، وافتح طاقة من نور أمام من أضلتهم الظلمة. ولا تكن قاسيًا ولا ديانًا. ولا توبخ أحدًا على سقطته، بل ساعده على القيام منها. ولا تتهكم على مستوى ضعيف لأحد من الناس، وإنما خذ بيده لكي ترفع مستواه..كان موسى النبي "ثقيل الفم واللسان"، و"ليس صاحب كلام" وقد اعتذر عن إرسال الرب له لهذا السبب، لكن الرب شجعه، وأعطاه هارون أخاه لكي يكون فمًا له.. وهذا الذي لم يكن صاحب كلام، صار لقبه كليم الله.وإرميا النبي كان صغير السن، وكانت نفسه صغيرة لهذا السبب، وقال للرب «لا أعرف أن أتكلم لأني ولد»، ولكن الرب لم يدعه يستسلم لضعفه، وإنما شجعه بقوله «هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود جديد، وأسوار نحاس على كل الأرض.. فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب لأنقذك» (إر1: 6، 18).ويشوع بن نون الذي صغرت نفسه بعد وفاة موسى النبي، ووجد نفسه أصغر من المسئولية، شجعه الرب بقوله «تشدد وتشجع.. لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك.. لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب» (يش1: 5، 9).إنها كلمات الرب المشجعة. وكثيرًا ما يشجع الرب بوعوده، أو بالمعونة التي يرسلها إلى الإنسان، فيقويه.وقد كان هذا التشجيع هو أيضًا عمل الأنبياء، وكان أنشودة في المزامير.وما أكثر التشجيع الذي يقوله الكتاب للخطاة.يقول إن الرب يغسل خطاياهم، فتبيضّ أكثر من الثلج، وأنه ينساها ولا يعود يذكرها، وأنه كبعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا، لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن (مز103). ويقول الكتاب أيضًا: «لا تشمتي بي يا عدوتي، فإني إن سقطت أقوم»، ويقول إن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم!داود النبي لما رأى الجيش خائفًا أمام جليات شجعهم بقوله: «لا يسقط قلب أحد بسببه» (1صم16).ولم يشجعهم بالألفاظ فقط، إنما أيضًا بالقوة، بشجاعته.ونحميا وقف مع الشعب الضعيف اليائس المطحون، وشجعهم على بناء سور أورشليم، ليس بالكلام فقط، وإنما اشترك معهم في العمل، وشجعهم باشتراكه.وموسى النبي لما رأى الشعب وقد صغرت نفسه أمام عبودية فرعون، وإزادة الضغط عليهم، شجعهم بأن واجه الموقف بنفسه. وأيضًا قال لهم «قفوا وانظروا خلاص الرب. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون».وكانت الكنيسة تشجع الشهداء والمعترفين في ساحة الاستشهاد.حتى أثناء محاكماتهم، وأيضًا في السجون. وكم من كتب كتبها الآباء حثًا على الاستشهاد، وكم من أمهات شجعن أولادهن على تقبل الموت..حتى العمل الصغير الضئيل، كان يلاقي تشجيعًا.السيد المسيح لم يمتدح فقط الزرع الذي أتى بمائة أو بستين، وإنما حتى الذي أتى بثلاثين فقط قال عنه أنه زرع جيد.ليتنا نسلك بأسلوب المسيح، ونشجع الكل مثله. مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
المزيد
25 مارس 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع الخامس (یو ۸ : ۱۲ - ۲۰)

ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً قَائِلاً: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلَا يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ حَقًّا أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَقٌّ، لَأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَا تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلَا إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. أَنْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَداً. وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَقٌّ، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَأَيْضاً فِي نَامُوسِكُمْ مَكْتُوبٌ: أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حَقٌّ أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلَا أَبِي لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً». هذَا الْكَلَامُ قَالَهُ يَسُوعُ فِي الْخِزَانَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ. وَلَمْ يُمْسِكُهُ أَحَدٌ، لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ . أنا هو نور العالم «ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً : أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة». نحن الآن في عيد المظال، وكان يُجرى فيه طقس يسمى طقس النور، ويتم فيه إيقاد ٤ منارات مرتفعة داخل الهيكل، وكان هذا تذكاراً لعمود النور الذي أرسله الله لهم ليقودهم في برية التيه أثناء الليل. ولكن .. كان عمود النور هذا وقتياً، أما المسيح، فهو النور الذي جاء لينير العالم دائماً وإلى الأبد. وحينما يقول المسيح: «أنا هو نور العالم»، فهو يعني نور الحياة، هو النور المعطي الحياة، والتي لخصها ق. يوحنا فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، فالحياة في المسيح هي نور العالم. لقد دخل النور الحقيقي إلى العالم ملتحفاً جسد إنسان، وهو أصلاً اللابس النور كثوب جاء لينير البشرية من داخل كيانها، فصارت حياة الإنسان نوراً بعد أن كان يتخبط في ظلمة العالم. لقد استنارت حياة الإنسان بالنور الإلهي، فأنارت وصارت أنواراً في العالم: «أنتم نور العالم». ولا يزال المسيح هو هو عمود النور الذي يسير بالبشرية المستنيرة به وبالله، في طريقها الضيق الحرج، داخل برية العالم المظلم، يقودنا خطوة بعد خطوة. والذي يتبع النور لا يشعر بليل العالم، ولن تدركه الظلمة، هذه حقيقة يدركها كل من استنار بالمسيح والتصق به: الرب نوري وخلاصي ممن أخاف والواقع إن الطبيعة البشرية بالنسبة للنور الإلهي مظلمة خاطئة يدب فيها الموت، وشعاع الله لم يكن ينفذ إليها أبداً، ولكن حينما استعلن لنا الرب الطبيعة الإلهية التي فيه، وصيرنا شركاء فيها، هنا نفذ النور الإلهي إلى أعماقنا، فأدركنا طبيعة الله وأسراره واستنارت عقولنا وقلوبنا بفكره ومشيئته وكلماته. وهكذا دخل النور أي الطبيعة الإلهية، إلى طبيعتنا العمياء الخرساء، فتغيرت وتجددت، وصارت لها أذن تسمع ما لم تكن تسمع، وعين ترى ما لم تكن ترى، وقلب يستطلع بالروح حتى أعماق الله، وروح تحيا مع الله. « أنا هو نور العالم ». هذا القول يستحيل أن ينطقه إلا الله وحده: «وقال لي اكتب، فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة... والمدينة لا تحتاج إلى شمس ولا إلى قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها، وتمشي شعوب المخلصين بنورها ... لأن ليلاً لا يكون هناك». وإشعياء النبي يصف هذا الإشراق العجيب في ملء الزمان بالنسبة للكنيسة هكذا: قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم، أما عليك فيشرق نور الرب (أنا) هو نور العالم ومجده عليك يرى. فتسير الأمم في نورك، والملوك في إشراقك»، ويقول في موضع آخر: «لا تكون لكِ بعد الشمس نوراً في النهار ولا القمر ينير لك مضيئاً، بل الرب يكون لك نوراً أبدياً وإلهك زينتك. لا تغيب بعد شمسك وقمرُكِ لا ينقص، لأن الرب يكون لك نوراً أبدياً» والعجيب أنه بعد أن قال المسيح : أنا هو نور العالم"، قام بتفتيح عيني المولود أعمى، لتتم النبوة: «أنا الرب لقد دعوتك بالبر، فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب، ونوراً للأمم، لتفتح عيون العمي، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة». وهنا يجمع النبي معاً بين النور وتفتيح العيون. أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة». كان عمود النور الذي قاد شعب بني إسرائيل في القديم هو رمز، كان نوراً خارجياً، ولكنه لم يدخل داخلهم؛ ولكن جاء المسيح، النور الحقيقي، لينير من الداخل. لكي يصير فينا لكي نأخذ هذا النور، لكي نحتويه ونمتلكه في داخلنا فتتحول فينا الرؤية إلى حياة أي يكون لنا نور الحياة وبالتالي نتبعه ولا نمشي في الظلمة. وهنا التبعية ليست ظاهرية، إنها تبعية داخلية بالكلمة؛ بمعنى السير إثر وصاياه. ماذا ستكون النتيجة عندئذ؟ سنكون بني النور، مولودين من النور مولودين من المسيح؛ لا لأننا صرنا نوراً؛ ولكن لأننا احتوينا النور، صار لنا نور الحياة. لأجل هذا هو قال: فليضئ نور کم هكذا أمام الناس، حتى يستعلن المسيح الذي فينا يلزمنا جداً أن نفهم أننا في رحلتنا إلى الأبدية نحن نسير في عالم الظلمة، عالم موضوع في الشرير تفعل فيه الخطية ما تشاء في الفكر والجسد، هنا جاء المسيح إلى العالم، لكي ينير للمؤمنين باسمه طريق الحياة من داخل العالم.في الحقيقة، إن الإنسان الذي ينير له المسيح سوف يرى أعز ما في العالم وكأنه ظلمة، سوف يكتشف الجهالة التي فيه. لذلك حق قول المسيح: من يتبعني فلا يمشي في الظلمة. لقد صار المسيح بالنسبة لنا هو عمود النور لرحلتنا السعيدة إلى الوطن السماوي على أساس أن نحتويه داخل قلوبنا، فيصبح سراجاً لأرجلنا ونوراً لسبلنا.والمسيح عندما قال: «أنا نور العالم هنا النور موصل، نور متحرك، نور ليس جامداً، ولكنه فعل يقود الإنسان، يعلن للإنسان حقائق العالم والحقيقة الأبدية. وهكذا المسيح يقود النفس من نور إلى نور، أي من حق إلى حق الإنسان الذي يجلس كل يوم ساهراً أمام المسيح، هذا الإنسان تنسكب الكلمة داخله بغنى، وينكشف له الحق، ويُبكت من الكلمة وتنكشف حقائق الحياة وحقائق نفسه، ويُعدّل ويُصحح المسيرة. فإن لم يمسك الإنسان بكلمة الحياة جداً، ويأخذ المسيح كشخص حقيقي وكمصدر للنور والحركة؛ فهذا الشخص لابد أن يتوه في متاهة هذه الدنيا، ليس فقط ٤٠ سنة كالشعب القديم؛ ولكن تتوه ٨٠ سنة ولا تفوق إلا آخر لحظة وتجد أن الوقت قد فات ولا فائدة أو مكان للتوبة. فالعالم هنا هو عالم تيه، ما لم يقودنا نور المسيح المسيح نور، ولكن نور فقط للسائرين، والذين يتبعونه يكون لهم النور في داخلهم، يقودهم للوطن السماوي. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
24 مارس 2025

حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى (غلا4: 18)

كلمة غيرة في اللغة اليونانية ζηλος وتعني كفاح متحمس، وفي الترجمة السبعينية تأتي غالبًا بمعنى حماس موجَّه نحو الله. والكلمة قد يُقصَد بها أيضًا حسد ونيّة سيئة (مثل إخوة يوسف) فقد يكون شخص يريد الوصول لأهداف خيِّرة، أو فرد حسود وغيور. الله غيور: يقول الله في الوصايا العشر: «لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ» (خر20: 10). وغيرة الله في اتجاهين:- الأول:- غضب الله وعقابه العادل نحو الأشرار«هَلْ إِلَى الدَّهْرِ تَسْخَطُ عَلَيْنَا؟ هَلْ تُطِيلُ غَضَبَكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ؟» (مز85: 5)، وقد غار المسيح إلهنا وطرد الباعة من الهيكل، و«َتَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي» (يو2: 17). والثاني:- عمل الرحمة مع أولئك الذين يتقونه «لأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِشَعْبِهِ وَلأَتْقِيَائِهِ فَلاَ يَرْجِعُنَّ إِلَى الْحَمَاقَةِ لأَنَّ خَلاَصَهُ قَرِيبٌ مِنْ خَائِفِيهِ» (مز85: 8، 9) يقول إشعياء النبي «فَلَبِسَ الْبِرَّ كَدِرْعٍ وَخُوذَةَ الْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ وَلَبِسَ ثِيَابَ الاِنْتِقَامِ كَلِبَاسٍ وَاكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ» (إش59: 17). غيرة القديسين: الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي هو عمل جماعي، يقول معلمنا يعقوب الرسول «فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا» (يع5: 20)، هكذا غار معلمنا داود النبي وملكتهُ الكآبة «لأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلاَمَك» (مز119: 139) وكان القديس بولس الرسول غيورًا في خدمته لكل أحد فيقول «مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟» (2كو11: 29)، وقد احتدت روحه عندما وَجَد مدينة أثينا مملوءة أصنامًا (أع17: 16). ويقول القديس بولس للكورنثيين « فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (2كو11: 2)، فمحبته للمسيح وللقديسين جعلته يغير لئلا يقف أي شخص أو أي شيء حائلًا بينهم وبين المسيح. إنه لا يشفق على الذين بالتعاليم المُضلة يُبعدون القديسين عن المسيح أي مَنْ كان، فإن أتى رسول أو ملاك من السماء ليكرز بإنجيل آخر فليكن أناثيما (غلا1: 8). الغيرة الحسنى: هي الغيرة التي تؤدي إلى عمل بنّاء وليس عملًا هدّامًا، فالغيرة الهدّامة المرتبطة بالتحزُّب والثورة تؤدّي إلى أمور خارجة عن اللياقة، وهي من أعمال الجسد (غلا5: 19) وقد رفضها معلمنا يعقوب الرسول، إذ يقول «وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزُبُ هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ» (يع3: 14، 16) وقال القديس بولس الرسول عن الذين يغارون ولكن ليس عن صدق «يَغَارُونَ لَكُمْ لَيْسَ حَسَنًا» (غلا4: 17)، والباعث لمثل هذه الغيرة هو الرغبة فى المجد الذاتيّ، ولذلك يكمل الرسول قوله «بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكُمْ لِكَيْ تَغَارُوا لَهُمْ» (غلا4: 17) بينما الغيرة الحسنى هي الغيرة المرتبطة بالمحبة والتواضع، تكون في المسيح. ترتبط الغيرة الحسنى أيضًا بالمعرفة السليمة، فالذي يكون مشوّشًا في تعليمه يغار غيرة خاطئة بجهل، متحمّسًا لمحاربة شيء دون معرفة، دون تحقيق، دون تدقيق، لمجرد السماع يشير الرسول بولس إلى حياته قبل الإيمان بالمسيح، وكيف كان شديد الغيرة على الديانة اليهوديّة وعلى مقاومة من يخالفها على أنه يعترف أن اضطهاده للمسيحيين صدر منه عن جهل، ويتكلم عن رحمة الله التى أدركته. كيف نقتني الغيرة الحسنى؟ الروح القدس هو الذي يشعل فينا الغيرة نحو مجد الله، فنهيئ أنفسنا لنتجاوب مع عمل الروح القدس فينا، والصوم فرصة ملائمة لاقتناء الغيرة الحسنى، فنزيد من قراءة الكتاب المقدس والصلاة، كذلك سير القديسين، فتلهب مشاعرنا نحو الله والأمر الهام أيضًا في اختيار الأصدقاء اختر صديقًا يرفعك روحيًا وعلميًا وليس صديق يثبّطك ويهوى بك إلى أسفل «لاَ تَضِلُّوا! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (1كو15: 33). القمص بنيامين المحرقي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل