المقالات
23 مارس 2025
انجيل قداس يوم الأحد الرابع من الصوم الكبير
تتضمن الحث على ما يقال له سابق التحديد أو القضاء والقدر . مرتبة على فصل انجيل السامرية( يو ٤ : ١ - ٤٢ )
قال البشير بانجيل اليوم أن الرب لما علم أن الفريسيين سمعوا أن يصير ويعمد تلاميذ أكثر من يوحنا ترك اليهودية ومضى أيضا في الجليل وكان لابد له أن يجتاز السامرة فأتى إلى مدينة السامرة يقال لها سوخار ويلاحظ بعضهم قائلا: إن السيد عندما أرسل تلاميذه أوصاهم أن لا يمضوا إلى الأمم ولا يدخلوا مدن السامريين فكيف هو نفسه جاء السامرة وعلم امرأة عند بئر يعقوب ؟
والجواب على ذلك هو إن المسيح لم يخالف امره لتلاميذه الذين أرسلهم. أرس لأنه بقوله: " إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا " نهاهم عن الدخول والإقامة له المجد لا عن الإجتياز كما فعل هو ومن قول البشير " وكان لابد له أن يجتاز السامرة " يظهر أن اجتيازه كان ضروريا لوقوعها بين اليهودية والجليل. أما تمييز السيد للسامريين عن اليهود ونهيه لتلاميذه بأن لا يدخلوا مدنهم فهو لأنهم لم يكونوا يهودا ولا أمما فكانوا يخلطون عبادة اليهود بعبادة الأمم ولا يقبلون إلا خمسة أسفار موسى وماعدا ذلك من الأسفار المقدسة كانوا يرفضونه ويحسبون أنفسهم أيضا من نسب اسرائيل كما يظهر في قول السامرية للمسيح: هل أنت اعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا هذا البئر مع أن اصلهم من الأمم الذين أرسلهم ملك أشور إلى اقليم السامرة لتعميره بدل الأسباط العشرة الذين سباهم إلى بابل وبما أنهم كانوا من عبدة الأوثان أرسل الله عليهم أسودا فتكت بكثيرين منهم فلما علم بذلك ملك أشور أرسل إليهم كاهنا عبرانيا ليعلمهم عبادة إله اليهود فتتنحى عنهم الأسود فتم كل ذلك فكانوا يعبدون الأصنام كعادة وطنهم القديم ويعبدون إله اسرائيل ولهذه الاسباب كان اليهود يبغضونهم كوثنيين وغرباء الجنس وأما نهيه لتلاميذه بأن لا يمضوا إلى الامم ولا يدخلوا مدينة للسامريين فهو لان الناموس كان يحظر على اليهود معاشرة الامم الغريبة لئلا يتعلموا منهم أعمال الوثنيين فيتركون إلههم ويعبدون الأوثان كما حدث ذلك مرارا كثيرة ويخبرنا به المرتل داود بقوله" اختلطوا بالأمم وتعلموا أعمالهم وعبدوا أصنامهم فصارت لهم شركا
أما السيد المسيح فلكونه تجسد ليخلص جميع البشر فقد جاء إلى سوخار ليخلص المرأة السامرية وكل من يريد الخلاص وبتدبير إلهى انت المرأة فوجدته جالسا على البئر لأن الخلاص لا يتأنى صدفة أو انفاقا بل بعناية الله وإلا فكيف يعقل أن يعطش ذلك الذي أخرج الماء من الصخرة في رفيديم بني اسرائيل حاشا لله ذلك وقد جعل طلبه من المرأة ليشرب سببا للمناقشة معها وجذبها للايمان به وهي ومن آمن بواسطة بشارتها في المدينة بقولها" هلموا انظروا إنسانا قال لـــــي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح " لم تكن السامرية تفكر البتة بانها ستجد مخلص العالم عند بئر يعقوب ولكن الله جل وعز سبق فعرف بسابق علمه حسن نواياها وأميالها فحدد خلاصها ودبر لها أن يكون وصولها إلى البئر في حال وصوله اليها لكى تؤمن فتخلص بدليل قول الرسول " إن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم أيضا "فالله إذن متى رأى في الانسان ميلا إلى الصلاح ولو طفيفا فانه حالا يرسلى نعمته فيقويه على عمل الاعمال الصالحة أما إذا وجد الميل رديئا فانه ينزع نعمته ومعونته عن ذلك الانسان فيعمل الاعمال الرديئة وهو تعالى يسبق فيعين خلاص الانسان لاجل اعماله الصـالحة كما يسبق فيعين عذابه لأجل أعماله الطالحة وهو مخير مريد يفعل ما يريد إما لخلاصه وإما لعذابه
ولو كان شئ يقع في الوجود من خير وشر يسبق الله فيحدده لكان تعالى عن ذلك علة للشرور وكان لا نفع من ارسل الرسل والأنبياء وكان المنزه سببا أوليا للزاني والقاتل وأشباه ذلك لأن المريد لشئ ما فقد ارتضاه وإذا ارتضاه فهو سببه وفاعله حاشا لله من ذلك وتعالى عنه علوا كبيرا فلا يصلح إذن اطلاق الإعتقاد في حق صاحب الجود المطلق أنه يريد شيئا ثم يعاقب الانسان عليه ولو نسب إلى صاحب هذا الرأى القاضى بأن الله يسبق فيحدد على الانسان فعل الشر أو الخير أنه سبب لبعض ما حدث من الشرور لنفى ذلك باجتهاد وأبعده عن نفسه بعدا بعيدا وما لا يرتضيه هذا الانسان فلا يجب أن يرتضيه لخالقه وبارئه ولنورد على ذلك بعض الأمثلة من الكتاب المقدس إن فرعون ويهوذا الاسخريوطي كانا معينين للهلاك فلو رجعا عن الشر لربحا الخلاص الأبدى وكذلك كان انقلاب نينوى سابقا تحديده غير أن أهلها تابوا فنجوا ( وحزقيا الملك كان سبق تحديد موته ولكنه بدموعه نال الحياة بدل الموت والخمس مدن ايضا قد سبق الله فعين إبادتها ولما توسل أليه ابراهيم بقوله عسى يوجد هناك عشرة أبرار قال جل وعز " لا أهلك من أجل العشرة " واسمع ماذا يقول الكتاب المقدس إن الرب أمر موسى في البرية أن يضرب الصخرة بالعصا ليخرج ماء ليشرب بنو اسرائيل فقال موسى بحضور هارون أخيه إلى الشعب " من هذه الصخرة نخرج لكم ماء " فقال الرب لموسى وهارون: " من أجل أنكما لو تؤمنا بي حتى تقدسانى أمام أعين بنـــــــى اسرائيل لا تدخلان هذه الجماعة إلى الارض التي أعطيتهم إياها فتأملوا جيدا أيها الأحباء وانظروا لماذا عاقب الله النبيين العظيمين على ترك التقديس وعلى الشك في قدرته تعالى إخراج الماء من الصخرة إذا كان يسبق فيحدد على الانسان شرا أو خيرا ولماذا قال في وجه هذا النبى لبنى اسرائيل " أنظر قد جعلت اليوم قدامك الحياة والموت الخير والشر " أشهد عليكم اليوم السماء والأرض قد جعلت قدامك الحيوة والموت البركة واللعنة فاختر الحيوة لكى تحيا أنت ونسلك " فمن هذا قد ثبت أن الانسان حر الأختيار إن إختار صلاحا فعل وإن اختار شرا فعل أما كون الإنسان حر الإرادة فهذا ثابت أيضا من العهد الجديد قال له المجد: " يا أورسليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها ولم تريدوا. هوذا بيتكـــــم يـــترك لكـــم خرابا " وقال ايضا لمن سأله عن طريق الحياة " لماذا تدعونى صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد وهو ولكن أن أردت أن تكون كاملا فأذهب وبع املاكك واعط الفقراء وتعال اتبعني " وقال ايضا " إن اردت أن تدخل الحيوة فاحفظ الوصايا فمن قوله تعالى " كم مرة أردت ولم تريدوا " وقوله " ليس أحـــد صالحا إلا واحد وهو الله " وقوله " إن أردت أن تدخل الحيوة فأحفظ الوصايا " يتضح جليا أن الله لا يسبق فيحدد على البشر شرا ولا خيرا بدون ملاحظة حرية ارادتهم أي انه تعالى ان رأى أميال الانسان نحو الخير ساعده بنعمته وان رأى أمياله نحو الشر تركه يعمه في غوايته إلى يوم القصاص العظيم
فسبيلنا إذن أن ندع عنا البحث في موضوع " سابق التحديد " أو " القضاء والقدر " كما يدعوه البعض لأنه يفوق أدراك البشر ونستعيض عنه بفحص دواخلنا فحصا دقيقا مصلحين ما فسد منها.عارفين أن الله " سيجازى كل واحد حسب أعماله فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة متى جاء فى مجده مع الملائكة القديسين له المجد إلـــى الأبد آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
22 مارس 2025
النمو فى الحياة مع الله
مِنْ سِفر حزقيال النبِى إِصحاح 47 بركاته على جمِيعنا آمِين :[ ثُمَّ أَخْرَجَنِي مِنْ طَرِيقِ بَابِ الشِّمَالِ وَدَارَ بِي فِي الطَّرِيقِ مِنْ خَارِجٍ إِلَى البَابِ الخَارِجِيِّ مِنَ الطَّرِيقِ الّذِي يَتَّجِهُ نَحْوَ المْشْرِقِ وَإِذَا بِمِيَاهٍ جَارِيَةٍ مِنَ الجْانِبِ الأيْمَن وَعِنْدَ خُرُوجِ الرَّجُلِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْخَيْطُ بِيدِهِ قَاسَ ألْفَ ذِرَاعٍ وَعَبَّرَنِي فِي الْمِيَاهِ وَالْمِيَاهُ إِلَى الْكَعْبينِ ثُمَّ قَاسَ ألْفاً وَعَبَّرَنِي فِي الْمِيَاهِ وَالْمِيَاهُ إِلَى الرُّكبتينِ ثُمَّ قَاسَ ألفاً وَعَبَّرَنِي وَالْمِيَاهُ إِلَى الْحَقْوَيْنِ ثُمَّ قَاسَ ألفاً وَإِذَا بِنَهْرٍ لَمْ أسْتَطِعْ عُبُورَهُ لأِنَّ الْمِيَاهَ طَمَتْ مِيَاهَ ُسَبَاحَةٍ نَهْرٍ لاَ يُعْبرُ ] ( حز 47 : 2 – 5 ) ظهر ملاك لِحزقيال النبِى مِنْ الجانِب الأيمن لِلمذبح وَأخرجهُ مِنْ طرِيق جانِبِى نحو المشرِق فرأى مِياه جارية ، وَقاس الملاك ألف ذِراعٍ فوجد المِياه لِلقدمين ، ثُمّ قاس ألف ذِراعٍ أُخرى وَكانت المِياه لِلرُّكبتين ، ثُمّ ألف أُخرى وَالمِياه لِلحقوين ، ثُمّ ألف ذِراعٍ فوجد نهر لاَ يُعبر أىّ المِياه طمت فوق حزقيال صعب أنْ تتوّقف حياتنا مَعْ الله إِلَى حد مُعيّن وَنموِنا يتوّقف ، الحياة مَعْ الله ليست إِمتناع عَنْ سلبيات فقط لكِنْ يوجد جانِب مُهِم وَهُوَ الجانِب الإِيجابِى ، صعب أنْ تكُون حياتنا مُقاومة السلبيات فقط وَ لاَ نصِل لِلإِيجابيات ، بينما تقُول الوصيَّة [ حِدْ عَنِ الشَّرِّ وَأصنعِ الخيرأطْلُبِ السَّلاَمَةَ وَاسْعَ وَرَاءَهَا ] ( مز 34 : 14 ) ، أىّ مُقاومة سلبيات وَسعى لِلإِيجابيات المِياه كانت لِلكعبين ثُمَّ الرُّكبتين ثُمَّ الحقوين ثُمَّ نهر لاَ يُعبرُ أىّ مِلىء قامة المسِيح ،أىّ الحياة الرُّوحيَّة لاَ تعرِف التوّقُف وَ لاَ تعرِف حِدُود ، وَكُلّ إِنسان حسب سعيه وَنِعمة الله إِلَى ما لاَ نِهاية ،وَكُلّ ما ندخُل لِلعُمق نفرح بِهِ ندخُل لِعُمق أكبر وَهكذا ،لَوَ حياتنا مَعْ الله لاَ تنمو يكُون الوضع مُقلِق ، كطفل يأكُل وَيلعب وَلكِنْ لاَ ينمو 0
ضرورة النمو :-
علامة صحِيحة وَصِحيَّة لِلحياة الرُّوحيَّة كالحياة الجسديَّة أنْ يكُون هُناك نمو ،وَإِذا لَمْ يكُنْ هُناك نمو إِذن يكُون هُناك مرض لابُد مِنْ عِلاجه وَمِحتاج أنْ أراجِع نَفْسِى وَأعرِف السبب لَوَ كُلّ النباتات تنمو نمو طبِيعِى ما عدا نبات واحِد وَنقّبنا حول هذا النبات سنجِد حولهُ خطرٍ ما يُعّطِل نموه ، هكذا الحياة الرُّوحيَّة نحنُ دائِماً نشتكِى أنَّنا إِمَّا نقِف عِند حدٍ ما أوْ ننزِل أىّ نتراجع ، عِلاقتنا مَعْ القُدّاس وَالصلاة وَالإِنجِيل وَعِلاقتنا بِالآخرِين ثابِته أين النمو ؟
هل نموِى الرُّوحِى يُواكِب نموِى الجسدِى ؟ عدم النمو فِى حد ذاته خطر وَمرض وَشيء مُخِيف ، حتَّى وَإِنْ كان لاَ يوجد شيء ملمُوس فِى حياتِى يتعِبنِى ، النمو عمل نِعمة الله وَهُوَ تدرِيجِى وَفِى البِداية يكُون غير ملحُوظ ثُمَّ نُلاحِظهُ بعد فترات النمو هُوَ دعوة إِنجِيليَّة وَعلامة صحيَّة وَعدم النمو مرض لاَ يُسكت عليه ، وَالله لَمْ يخلِقنا لِنصِل إِلَى حدٍ مُعيّن ثُمَّ نكتفِى لاَ الله خلقنا لِكى نكُون شُركاء مجده إِلَى كُلّ مِلىء الله ، معقُول هذِهِ الكلِمالت تُقال لِبشرٍ ؟ صعب لكِنْ الله بِالفِعل يقصِد أنّهُ يُرِيدنا أنْ نصِل إِلَى مِلىء قامتِهِ ، هذِهِ دعوة لِلكمال اللانِهائِى ، وَكُلّ ما أجتهِد أشعُر إِنِّى لَمْ أصِل بعد ، وَكُلّ عُمق يدفعنِى لِعُمقٍ أكبر ، وَكُلّ لذّة تدفعنِى إِلَى لذّة أكبر وَالّذى يحيا الكمال يشعُر أنّهُ مازال هُناك ما لاَ نِهاية حتَّى وَلَوَ صار الماء نهر لاَ يُعبرُ ، وَالّذى يحيا القداسة دائِماً يشعُر بِإِتضاع وَضآلِة نَفْسَ وَذلِك لأِنّهُ دخل لِعُمقٍ جدِيد ، فعرف مِلىء كمال الله ، لِذلِك نَفْسَه تصغُر فِى عينيهِ وَكُلّ ما الإِنسان سار فِى طرِيق بِر كُلّ ما شعر بِصِغر نَفْسَه ، لِذلِك نجِد قدِيسين عُظماء عاشوا نُسك وَطهارة وَصلوات لاَ تنقطِع ، وَنجِدهُمْ يشعرُون بِخطاياهُمْ أكثر مِنَّا ،لأِنّهُمْ دخلوا لِعُمق وَنهر لاَ يُعبرُ فشعروا أنّهُمْ أمام الله صِغار جِدّاً ، [ أسعى لِعلِّي أُدرِكُ ] ( فى 3 : 12 ) ، [أنسى ما هُوَ وراءُ وَأمتدُّ إِلَى ما هُوَ قُدّامُ ] ( فى 3 : 13 ) لِذلِك نُقاس بِمِلىء كمال الله فندخُل فِى معرِفة ذاتنا الحقيقيَّة أمام الله ، لِذلِك لمّا ننظُر لِلأنبا بولا نجِده ظلّ سبعِين سنة مُتوّحِد مَعْ الله ، تُرى هل لَمْ يشعُر بِملل أوْ بِإِكتفاء لاَ لأِنّهُ كُلّ ما ينمو كُلّ ما يجوع لِلكمال أكثر وَيشعُر بِلذّة أكبر وَيشعُر أنّهُ مازال فِى بِدايِة الطرِيق ، لأِنّ النَفْسَ الأمِينة يفتح لها الله أفاق جدِيدة لِلجِهاد ، بينما الّذى يقِف بعِيد عَنْ الله يشعُر أنّهُ وصل ، كُلّ ما إِجتهد الإِنسان كُلّ ما دخل فِى نِعم أكبر ، كُلّ ما فتح الله مجالات أكبر لِلجِهاد ، كُلّ ما تصغُر وَتتصاغر النَفْسَ أمام الله عِندما نقرأ [ إِنّ السَّماء غير طاهِره أمامه ] [وَإِلَى ملائِكتِهِ ينسِبُ حَمَاقَةً ]( أى 4 : 18 ) فكيف نكُون نحنُ أمامه ؟؟ لِذلِك كُلّ ما ندخُل فِى نمو جدِيد كُلّ ما نشعُر أنَّنا أمام الله أنَّنا غير مقبولِين وَنحتاج لِنقاء أكبر ، لِذلِك لاَ نستعجِب عِندما نقرأ فِى سِفر الرؤيا أنّهُمْ يطرحُون تِيجانهُمْ وَيصرخُون ، هذا مِنْ بهاء مجده فيشعرُون بِصِغرهِم أُدخُل فِى النِعمة تجِد أنَّك تسجُد بِالرُّوح وَتدخُل فِى تغّصُب وَحياة قوية ،لأِنّهُ يوجد عبُور جدِيد وَبِذرة تنمو فتدفعك لِلمزِيد مِنْ رعايتها ، الحياة الرُّوحيَّة كالنبات كُلّ ما ينمو كُلّ ما يفرح بِهِ الزارِع فِى العهد القدِيم كان لِلهيكل خمسة عشر درجة يصعدُون عليها وَهُمْ يتلون مزامِير المصاعِد ، كُلّ درجة يُقال بِها مزمور مُعيّن ،هكذا لِكى نصِل لِمُعاينة الله لنا درجات نصعدها بِتدرُّج وَ لاَ ننظُر على أىّ درجة نحنُ بل ننظُر كَمْ درجة تنتظِرنا ،[أنسى ما هُوَ وراءُ وَأمتدُّ إِلَى ما هُوَ قُدّامُ ] ( فى 3 : 13 ) ، هذا السُلم إِلَى الله لِتدرُّجنا وَالله يخاف علينا مِنْ القفزات لأِنَّنا لاَ نتحملها فنسقُط فِى الكبرياء كانت النَّاس قدِيماً تُقدِّس درجات الهيكل وَيقيِسُون بِها الزمن يُحسب بِوقُوع الظِل على أىّ درجة مِنهُمْ ، لِذلِك عِندما أطال الله عُمر حزقيا الملِك أعطاهُ علامة تراجُع الظِل عشر درجات مِنْ درجات الهيكل إِذن نموِى الرُّوحِى لابُد أنْ أجتازه بِأمانة درجة درجة ، وَ لاَ يلِيق أنْ أظِل على درجة مُعيّنة لِفترة طوِيلة ، الحياة الرُّوحيَّة ليس بِها توقُّف لأِنّ الله دعانا لِلنمو ، لأِنّ الطرِيق مُتسِع ، بحر مِنْ العطايا ، فيض ينابِيع ، لِذلِك الحياة مَعْ الله إِذا سِرنا فِيها نشعُر بِمجدها وَضآلِة أنفُسِناعِندما رأى إِشعياء النبِى مجد الله يملأ الهيكل وَالشاروبِيم وَالسيرافِيم يُسّبِحُون الله قال [ ويلٌ لِي لأِنِّي إِنسانٌ نجِسُ الشَّفَتينِ ] ( أش 6 : 5 ) ، لِذلِك المُتكّبِر لَمْ يدخُل بعد فِى طرِيق الله ، إِذا كان فِى ضآلِة نَفْسَه تكّبُر فكيف يكُون حالِة إِذا أعطاهُ الله عطايا ؟؟
دعوة صرِيحة مِنْ الله [ كونوا قدِيسين لأِنِّي أنا قُدُّوسٌ ] ( 1 بط 1 : 16 ) ،دعوه لِلإِمتلاء بِالرُّوح [أُركُضُوا لِكَىْ تنالُوا ] ( 1 كو 9 : 24 ) ، دعوه لِلقداسة ، لِذلِك لابُد أنْ تعرِف أنّ النِعمة تُوأزِرُنا وَالله يسير معنا ، لِذلِك لابُد مِنْ الإِستمرار فِى الطرِيق 0
مجالات النمو :-
مجالات كثيرة جِدّاً مِنها :
1- مجال الصلاة :- هل لِى نمو فِى الصلاة ؟ هل وقُوفِى فِى حضرِة الله إِختلف كمَّاً وَنوعاً أم لاَ ؟ إِذا إِختلف نوعاً لابُد أنّهُ يختلِف كمّاً أيضاً ، لابُد أنْ نِرّكِز على نوعيَّة الصلاة وَالنمو فِيها وَستزِيد معها كميتها هل بدأنا نشعُر بِوجودنا فِى حضرِة الله وَنشعُر أنّهُ قادِر ضابِط الكُلّ مُعطِى جمِيع الّذين يتكِلُون عليه ما تشتهِيهِ الملائِكة ، هل نُكلِّم السيِّد المخُوف القُدُّوس بِوقارٍ وَحُب وَإِحترام ؟هل نشعُر أنّ كياننا كُلّهُ وَجسدنا وَعقلِنا مُتحِد بالله فِى الصلاة ؟ هل شعرنا بِحلاوِة الصلاة ؟ هل سنظِل طول حياتنا فِى تغصُّب ؟ هل سنظل على الشاطِىء وَالماء لِلكعبين فقط ؟
أثناء الصلاة هل إِستوقفتنا وَلَوَ كلِمة فِى المزمور ؟ يقُول القدِيسين إِذا إِستوقفتك كلِمة فِى مزمور أثناء الصلاة فإِعلم أنّ لَكَ فِيها كِنزاً ، لاَ تترُكها بل إِهذِ فِيها ، مُمكِنْ تكُون كلِمة تقولها كُلّ يوم لكِنْ يأتِى وقت وَتجِد نَفْسَكَ لاَ تستطِيع أنْ تترُكها ، قَدْ تكُون[ لَكَ وحدك أخطأت ] [ إِنضح علىَّ بِزوفاك فأطهُر ] ( المزمور الخمسُون ) وَتتلذّذ بِها وَتأخُذ مِنْ حلاوتها ما تشتهِى وَمِنْ قوّتها يقُول القدِيس أُوغسطِينوس [ حِينما يحزن المُرّنِم فِى المزمور إِحزن معهُ ، وَحِينما يفرح إِفرح معهُ ، وَحِينما يتنهّد تنهّد معهُ ، شكِّل رُوحك بِكلام المزمور إِلَى أنْ تصِير أنت نَفْسَكَ مزموراً ] ،تصِير أنت مزمور لأِنَّك تُشّكِل نَفْسَكَ بِهِ ، وَحتَّى إِنْ كُنت تسِير فِى أىّ مكان سيكُون لَكَ فِكرك الخاص لأِنَّك تعبُر مِنْ عُمق إِلَى عُمق ، وَلِتحذر فِى كُلّ عبُور أنّهُ ألف ذِراع وَليس عُبُور سهل ، وَأثناء الألف ذِراع يحدُث نمو لأِنّ نِهايتها تدخُل فِى عُبور آخر أىّ فِى ألف ذِراعٍ أُخرى إِذن كُلّ يوم نمو وَإِنْ كان غير ملحُوظ هادىء لأِنّ قامتنا الرُّوحيَّة لاَ تحتمِل الطفرات ، كما حدث مَعْ القدِيس مُوسى الأسود عِندما بدأ حياة التوبة أراد أنْ يأكُل مَعْ الشيُوخ وَلكِنّهُ لَمْ يحتمِل ، فذهب لأب إِعترافه فقال لهُ لابُد مِنْ تدرُّج وَقطع لهُ جِزع شجرة وَطلب مِنهُ أنْ يأكُل وزنها طعام كُلّ يوم ، وَبِالتدرُّج يوم وراء يوم بدأ الجِزع يجِف وَونهُ يقِل وَبِذلِك تدرّج مُوسى الأسود فِى طعامه وَفِى نموه نمو الصلاة وَمشاعِرنا فِى الصلاة وَمخافِة أجسادنا فِى الصلاة وَتقدِيسنا لها وَمحبِتنا لها وَكُلّ مجال مِنْ هذِهِ المجالات لابُد أنْ يحدُث فِيهِ نمو هل أنا أنمو ؟ هل لِى رُكن محبُوب فِى بيتِى أتقابل فِيهِ مَعْ الله ؟
2- مجال المحبَّة:- هل أنا أنمو فِى المحبَّة أم مازالت محبتِى مُقتصِرة على ذاتِى وَمَنَ يُقدِم لها الخضُوع ؟ هل مازِلت أُحِب الّذين يُحِبوننِى فقط أم دخلت فِى درجِة محبِّة الجمِيع أم تعديتها لِدرجِة محبِّة الأعداء وَالمُسِيئين ؟ أم وصلت لِدرجِة مُباركِة الأعداء وَالمُسِيئين ؟؟
لأِنّ المحبَّة درجات ، فهل لِى نمو فِى محبّتِى ؟ هل لِى مجموعة مُميّزة فقط هى التَّى أُحِبُّها أم لِى إِستعداد أنْ أنفتِح على الجمِيع وَأُعطِيهُمْ محبَّة وَبذل ؟
[ وَإِنْ أحببتُمُ الّذين يُحِبُّونكُمْ فأىُّ فضلٍ لكُمْ ] ( لو 6 : 32 ) ،كُلّ ما ينمو الإِنسان فِى المحبَّة كُلّ ما يُخلِّصهُ الله مِنْ محبِّة ذاته وَمِنْ شروره ،الّذى يُحِب نَفْسَه فقط كلِمة واحِدة تُغضِبهُ ، المحبَّة لها نمو وَمقايِيس لِلنمو 0
3- مجال المعرِفة:- هل لِى نمو فِى المعرِفة ؟ المعرِفة تؤدِى إِلَى الله لأِنّ المعرِفة هى الله ، نحنُ نحيا لِمعرِفة الله [ قَدْ هَلِكَ شعبِي مِنْ عَدَمِ المعرِفةِ ] ( هو 4 : 6 )[ لأِنْ لَوْ عرفُوا لِمَا صلبُوا ربَّ المجدِ ] ( 1 كو 2 : 8 ) ، أحِب القِراءة وَالبحث وَالتنقِيب ، إِبتاع كُتُب تفاسِير وَتأمُّلات لِتُنّمِى معرِفتك فِى الإِنجِيل ، نحنُ فِى جِيل المعرِفة فِيهِ ضحلة جِدّاً ، هل لَكَ شغف بِمعرِفة الله لأِنَّك لَوَ عرفته ما أخطأت فِى حقِهِ سنظل طوال أعمارنا نتعرّف على الله ، بل فِى الأبديَّة كُلّها سنظل نتعرّف على الله[ وَهذِهِ هى الحيوةُ الأبديَّةُ أنْ يعرِفُوك أنت الإِلهَ الحقِيقِيَّ وحدكَ وَيسُوعَ المسِيحَ الّذي أرْسَلْتَهُ ] ( يو 17 : 3 ) ، الحياة الأبديَّة كُلّها لِكى نعرِفه ، لأِنّهُ توجد بعض المعرِفة الآن التَّى نستطِيع أنْ نتحّملها على قدرِ طاقتنا الضعِيفة ، اساسيات القُدّاس أساسيات العقِيدة أساسيات قانُون الإِيمان وَأساسيات تارِيخ الكنِيسة وَلَوَ بدأت المعرِفة تشغِلنا سنشعُر أنّ لِلوقت قيمة عالية جِدّاً ، بِالمعرِفة العقل ينمو ، وَالمعرِفة تنمو وَتتفتّح أمامك مجالات كبيرة لِلمعرِفة وَتشعُر أنَّك لاَ تعرِف شيء ،لاَ يكفِى أبداً أنْ تعرِف القشُور أحياناً بعد شرح الدرس لِلمخدومِين نشعُر أنّنا مُتساوِيين فِى المعرِفة معهُمْ لأِنَّنا ليس لنا إِستِفاضة فِى المعرِفة ،ركِّز وقتك لأمور البُنيان لأِنّ الوقت أثمن مِنْ أنْ تُضّيِعهُ ،إِرفع كِسر وقتك وَستجِد مِنهُمْ إثنى عشر قُفّة يُشبِعُوك لَوَ كُنت حازِم مَعْ نَفْسَكَ فِى أمر الوقت ستعرِف أنّ لَكَ إِحتياج لِنمو المعرِفة وَالفرح بِالله ، النَفْسَ التَّى تفرح بِالله يحدُث لها نمو داخِلَى ، فكيف يكُون خارِجها ؟ بالطبع نمو فِى الخِدمة وَالكلِمات وَالتأثِير وَأمانِة الخِدمة وَنتعلّم وَنتعامل مَعْ المخدومِين بِروح جدِيدة عِندما نعرِف الطرِيق نعرِف كيف نصِفه ؟ [ ذُوقُوا وَأنظُرُوا ما أطيب الرَّبَّ ]( مز 34 : 8 ) ،كُلّ ما الإِنسان ينمو فِى مجال رُوحِى كُلّ ما يتمنّى أنّ الّذين حوله يتمتّعُون مِثلهُ خِسارة أنّ الله يُعطِينا فِيض وَنحنُ نقِف على الشاطِىء ، الله يأمُر الكنِيسة بِالنمو وَيقُول أنَّها عمود الحقّ وَقاعِدتهُ ، وَهى تشهد لهُ وَهى عروسه وَإِقتناها بِدمِهِ لِيجِد كُلّ أولادها عيونهُمْ إِليه فيفِيض عليهُمْ عطايا وَهُمْ يُعطوه مجد وَهُوَ يُعطِيهُمْ بِر وَهُمْ يُعطوهُ خُضُوع وَهكذا ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمِين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
21 مارس 2025
مائة درس وعظة (٦٨)
كيف ندرس الكتاب المقدس؟
"طوبي للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها،لأن الوقت قريب" (رؤ٣:١)
نتعامل مع الإنجيل على النحو التالي
أولا بالروح
هناك شخص يتعامل مع الإنجيل بعقله فقط وهذا الأمر غير سليم، لأن الله روح وهو الذي حث التلاميذ على كتابة الأسفار المقدسة لذلك لا يمكن أن تتمكن من فهم الكتاب إلا بالروح
تحكى كتب الآباء من راهب كان مقصراً في واجباته وقوانينه الروحية وعندما حان وقت نياحته اجتمع حوله الأباء كما هو متبع في البرية، وتعجب الآباء أنهم وجدوا هذا الراهب فرحاً جداً رغم ما يعرفوه عنه من تقصير في حياته فسأله أحد الآباء عن سر هذا الفرح، فقال لاني ساخل السماء فتعجي الاب وساله كيف هذا فقال إنى منذ أن دخلت الرهبنة لم ادن أحداً. وعندما أراد الملاك محاسبتي قلت له الكتاب يقول "لا تدينوا لكي لا تدانوا" ( مت١:٧) وأنا لم أدن أحداً منذ أن دخلت الدير وهنا توقف الملاك عن حسابي بسبب هذه الكلمات الأربع. ثانيا : بخشوع
اقرأ وادرس الإنجيل، بخشوع فلا يصح أن تقرأ الكتاب، وانت منشغل بسماع شيء آخر سأو تقوم بعمل شيء آخر أو تأكل أو تشرب مثلاً او .. الخ بل يجب أن تقرأ الإنجيل بالوقار اللائق به.قبل قراءة الإنجيل في الكنيسة، يقول الشماس قفوا بخوف ورعدة، وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس فالكنيسة تلزمنا أنه في وقت قراءة الإنجيل لا يتحرك شخص من مكانه مهما كان الأمر
احيانا البعض لا يعطى الوقار الكافي لكلمة الله لابد من التفريق والتمييز بين كلام الناس وكلام الله. وقديماً كانوا عند نسخ الأسفار المقدسة عندما تأتي كلمة "الله" يترك من يقوم بالنسخ الكتابة ويذهب للاستحمام ثم يعود لكتابة كلمة "الله" بقلم جديد. وكان يقوم بهذا العمل مع كل مرة تتكرر فيها كلمة"الله" نلاحظ أنه في أثناء قراءة الإنجيل في وجود قداسة البابا، نجد أن البابا يقوم بخلع التاج من على راسه كنوع من الاحترام والوقار، لأن الله يتكلم فالله يكون حاضرا في كلمته
ثالثا: بالصلاة
ينبغي أن نقرأ الكتاب المقدس بروح الصلاة، فلا يمكن الدخول إلى الانجيل إلا من خلال الصلاة فمثلاً في القداس الإلهي فقبل الدخول إلى عمق صلوات القداس نقرا البولس والكاثوليكون والابركسيس والإنجيل، ثم نبدا القداس . لا يمكن أن تفهم أو تعي أو تستوعب أو تعرف كلمة ربنا، إلا إذا دخلتها من خلال روح الصلاة وداود التي يقول "اكشف عن عيني فأري عجائب من شریعتك" (مز ۱۸:۱۱۹) ما أجمل أن تقف للصلاة قبل أن تقرأ الكتاب ولو لدقائق وتقول كما قال داود النبي يارب أعطى عقلاً يفهم، وقلبا يستوعب ما اقرأه، واكشف عن عینی فأری عجائب من شريعتك.
رابعا بالانضاع
يوجد نوعان من البشر
نوع يرى أن عقله يفهم أكثر من الله، ومن هؤلاء يخرج الهراطقة.
أما النوع الثاني فيري أن كلمة الله أعلى وأعمق من أن يستوعبها عقله، وهذا هو الاتضاع قد تظهر أمامنا في بعض الأحيان أمور غامضة، ولا تستطيع استيعابها في هذه الحالة يجب الا نفسرها حسب فكرنا الخاص، وكما يقول الكتاب "لانك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للأطفال" (لو ۲۱:۱۰-۲۸)، فلا يجب أن تتحدى كلمة الله بل تكون في قمة الاتضاع. خامساً بالتطبيق
قراءة كلمة الله ليست للتحضير وللمعرفة فقط لكن للفائدة الشخصية، بمعنى لفائدة الشخص ومعرفته، فما أجمل أن تكون للشخص حصيلة كبيرة من الكتاب المقدس ويطبقها في حياته.
قداسة البابا تواضروس الثانى
عن كتاب صفحات كتابية
المزيد
20 مارس 2025
بدعة ستورنينوس
من الذين ظهروا في عصر الرسل أيضاً هو ستورنينوس الذي علّم في أنطاكية في عهد تريانوس الامبراطور (98-117) فصادف نجاحاً ملموساً. وقال بإله واحد أب خلق القوى والملائكة ورؤساهم. وأن سبعة من هؤلاء الملائكة كوّنوا العالم المنظور ثم قُدّر لهم أن يرمقوا الإله الأعلى بالرؤيا فخلقوا الإنسان على صورة هذا الإله ولكنهم جعلوه يزحف. فشمله الإله الأعلى بعطفه وحنانه لأنه كان على مثاله فأمر أن ينصب فيمشي على قدميه -الإنسان-. ومما يعزى إليه أيضاً أنه جعل إله اليهود أحد هؤلاء الملائكة وجعل الباقين مصدر وحي الأنبياء وأشرك الشيطان في هذا الوحي في بعض الأحيان. وجعل الملائكة السبعة في نزاع متواصل مع الإله الأعلى كما جعل هذه الإله يفصل عن نفسه مخلصاً ليقضي على هؤلاء الملائكة ويخلص الإنسان وأولئك البشر الذين أسعدهم الحظ بأن ينالوا من الإله الأعلى نعمة تمكنهم من الخلاص. والمخلّص في عُرْف ستورنينوس لم يولد ولادة بشرية ولم يكن له جسم بشري وعلّم أيضاً أن الزواج والتوالد من إعمال الشيطان وفرض عفة وزهداً شديداً ولم يدّعِ الألوهية ولهذا لاقى رواجاً في أنطاكية حيث علّم.
المزيد
19 مارس 2025
لست أريد شيئاً من العالم
هذا هو أول شيء يجب أن يقوله الإنسان الذي يحب أن يصل إلى انطلاق الروح:
لست أريد شيئًا من العالم، فليس في العالم شيء أشتهيه، أنها تجارب تحارب المبتدئين.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم أفقر من أن يعطيني لو كان الذي أريده في العالم، لانقلبت هذه الأرض سماءً، ولكنها ما تزال أرضًا كما أرى، ليس في العالم إلا المادة والماديات، وأنا أبحث عن السماويات، عن الروح، عن الله.
لست أريد شيئًا من العالم، فأنا لست من العالم، لست ترابًا كما يظنون، بل أنا نفخة إلهية، كنت عند الله منذ البدء، ثم وضعني الله في التراب، وسأترك هذا التراب بعد حين وأرجع إلى الله لست أريد من هذا التراب شيئًا، من عند الآب خرجت وأتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأرجع إلى الآب.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن كل ما أريده هو التخلص من العالم أريد أن أنطلق منه، من الجسد، من التراب! وأرجع -كما كنت- إلى الله، نفخة قدسية لم تتدنّس من العالم بشيء.
لست أريد شيئًا من العالم، لأني أبحث عن الباقيات بل الخالدات، وليس في العالم شيء يبقى إلي الأبد، كل ما فيه إلى فناء، والعالم نفسه سيفنى ويبيد وأنا لست أبحث عن فناء.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن هناك من أطلب منه هناك الغني القوي الذي وجدت فيه كفايتي ولم يعوزني شيء إنه يعطيني قبل أن أطلب منه، يعطيني النافع الصالح لي ومنذ وضعت نفسي في يده لم أعد أطلب من العالم شيئًا.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم لا يعطيني لفائدتي وإنما يعطي ليستعبد والذين أخذوا من العالم صاروا عبيدًا له. يعطيهم لذة الجسد، ويأخذ منهم طهارة الروح يعطيهم متعة الدنيا، ويأخذ منهم بركة الملكوت ويعطيهم ممالك الأرض كلها ليخرّوا ويسجدوا له ويعطيهم كل ما عنده لكي يخسروا نفوسهم أما أنا فقد
خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح ( في 8:3 ) وهذا العالم الذي يأخذ أكثر وأفضل مما يعطي، هذا العالم الذي يستعبد مريديه، لست أريد منه شيئًا.
لست أريد شيئًا من العالم لأنني أرقى من العالم إنني أبن الله صورته ومثاله إنني هيكل للروح القدس ومنزل لله. إنني الكائن الوحيد الذي يتناول جسد الله ودمه أنني أرقى من العالم، وأجدر بالعالم أن يطلب مني فأعطيه، أنا الذي أُعطيت مفاتيح السماوات والأرض وأنا الذي شاء الله في محبته وتواضعه أن يجعلني نوراُ للعالم وملحًا لأرض ( مت 5).
لست أريد من العالم لأنني أريد أن أحيا كآبائي، الذين لم تكن الأرض مستحقة أن يدوسوها بأقدامهم هكذا عاشوا، لم يأخذوا من العالم شيئًا بل على العكس كانوا بركة للعالم من أجل صلواتهم أنزل الله الماء على الأرض، ومن أجلهم أبقى الله على العالم حياة حتى اليوم.
لست أريد شيئًا من العالم لأن الخطية قد دخلت إلى العالم فأفسدته في البدء نظر الله إلى كل شيء فرأى أنه حسن جدًا إذ لم تكن الخطية دخلت بعد، حتى التنين العظيم في البحر باركه الرب ليثمر ويكثر، أمّا الآن وقد تشوهت الصورة البديعة التي رسمها الله في الكون فقد مجت نفسي العالم، ولم أعد اشتهي فيه شيئًا،هذا العالم الذي أحب الظلمة أكثر من النور.
لست أريد شيئًا من العالم، لأني أريدك أنت وحدك،أنت الذي أحببتني حتى المنتهى، وبذلت ذاتك عني أنت الذي كوّنتني إذ لم أكن، ولم تكن محتاجًا إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك أريد أن أنطلق من العالم وأتحد بك، أنت الذي أعطيتني علم معرفتك.
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
المزيد
18 مارس 2025
يوم الثلاثاء من الأسبوع الرابع (لو ٩ : ٥٧ - ٦٢)
وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْ كَارٌ ، وَأَمَّا ابْنُ الْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأَسَهُ». وَقَالَ لَآخَرَ : «اتَّبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُ أَيْضاً: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلَكِنِ الْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاتِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللَّهِ ] .
تبعية المسيح
إنجيل هذا القداس هو عن الدعوة لاتباع الرب، هذا الإنجيل يخصنا في الصميم. أعطانا فيه المسيح ٣ أمثلة، تبلورها في البداية لكي تكونوا على وعي بها، وكلها واقعة تحت الخداع الأول شخص واقع تحت خداع المظاهر، الثاني: شخص واقع تحت خداع المجاملات، الثالث: واقع تحت خداع العواطف.
الشخص الأول: «يا سيد أتبعك أينما تمضي». المنظر يبدأ هكذا كانت الرفقة تسير مع يسوع ملتفين حوله في سعادة غامرة، يسألون يسوع وهو يجيبهم بأحاديثه التي لا يمكن أن يجاريها حديث قيل عنها: إنه «ليس كالكتبة والفريسيين»، وإنه « لم يتكلم قط إنسان مثل هذا الإنسان». هذا الكاتب أخذ بالجماعة السائرة التي تتحدث بفرح وسعادة عن ملكوت الله، فكر في نفسه: لماذا لا يتبع ذلك المعلم كفاه قوانين الناموس وتعقيدات التلمود. لم يدر هذا الكاتب أن هذا الفرح والسرور وهذه البهجة ثمرة نباتها مر علقم، نباتها اسمه الضيقة. وبدون الضيقة لا يمكن لإنسان أن يذوق فرح ولا بهجة سماوية انخدع الكاتب بالمظهر الخارجي لأنه وجد أن كلام المسيح شهي، حياة تبدو أنها جميلة جداً، لم يكن يعلم ما وراءها، لم يعمل حساب النفقة طبعاً الذي تغره المظاهر من المستحيل أن يسأل عن الأتعاب التي وراءها. هذا المعلم الذي تريد أن تتبعه أيها الكاتب وراءه صليب يُحمل من دون الصليب لا يمكن أن يكون هو معلم صح، ولا أنت تلميذ صح كان رد المسيح لهذا الشخص، كما لكل إنسان: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أما ابن الإنسان فليس له أن يسند رأسه». لم يقصد المسيح أن ييس هذا الكاتب، ولكن أن يُوَعيه، فإن كان هو يطلب حقاً الفرح الحقيقي الذي يدوم معه، لابد عليه أن يُفرِّط، لابد أن يترك الأرض التي هو ممسوك بها والمواريث التي تقيده وكل ما يتعلق بالماضي والحنين إليه قال له المسيح: أنا ليس لي مكان أستريح فيه على الأرض، مكان راحتي هو في قلب الآب؛ فإن كنت تراني فقط كإنسان يستطيع أن يعطيك ما تطلبه وما ترتاح له، فأنت مخطئ. أما إن كنت تستطيع أن تبقى كالثعالب وكالطيور، لا يكون لك جحر يأويك وعش ترجع إليه، تكون كطائر سماوي، هنا فقط تقدر تتبعني.المسيح هنا يضع الحد الفاصل بين أهداف مربوطة بالأرض وأهداف مربوطة بالسماء. الله قال لإبراهيم: اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك. دعاه ليخرج من وطنه الأكبر أي أرضه، ومن وطنه المتوسط أي عشيرته، ثم يخرج من وطنه الأصغر أي بيته. هذه هي الأشياء التي تحجبه عن الله، التي تمنعه من الاستمرار في المسيرة السماوية. قال له اترك كل هؤلاء! أطاع إبراهيم. ولكن كيف استطاع إبراهيم أن يطيع، على أي أساس، ونحن نقول إنَّ الغريزة تتملك في الإنسان مثل هذا التملك؟!
اسمع أعجب ما في الإنسان إنه يحوز غريزة أقوى، غريزة الخلود، غريزة الحياة الأبدية. هذه الغريزة هي الأفضل وهي الأقوى، إذا صحيت في الإنسان تخمد الغريزة الجسدية، لا يعود لها وجود. لذلك سمع إبراهيم الصوت وأطاع، لأن صوت الله أحيا فيه الحنين إلى ما فوق.
الشخص الثاني هنا الرب هو الذي يدعو : وقال لآخر اتبعني. فقال يا سيد الذن أولاً أن أمضي وأدفن أبي كلمة: أولاً، أتعبت المسيح جداً، المسيح لا يلقي الدعوة جزافاً، إنه يدعو إنساناً وجده مستحقاً وجديراً بالدعوة، إلا أنه أحس بأن هناك ربط تكبله بالأرض ولا تجعله قط قادراً أو مهياً لملكوت الله فانتهز له فرصة أو بالحري مأزق ومحك شديد، دعاه لحظة وفاة أبيه وهو ما يزال بعد في البيت لم يُدفن. هذا الإنسان كان . مربوطاً بالأصول والواجبات، دعاه المسيح وهو في أحرج المواقف، ولكن كان قصد المسيح أن يحرره إلى الأبد من ربط المجاملات التي كانت كفيلة بأن تطمس معالم الحياة الأبدية من قلبه إلى الأبد. هذا الموقف نجح فيه أنطونيوس، ترك أباه، وانطلق.
الشخص الثالث: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع أهل بيتي».
هذا هو الشخص المربوط بالعواطف والمجاملات، المسيح استطاع أن يفكه منها. في الحقيقة إن الذي يحب أهل بيته أكثر من الله إنما هو يهين الله، والذي يحب العالم يكون عدواً لله . «محبة العالم عداوة لله». لذلك حقاً قال المسيح: «أعداء الإنسان أهل بيته».
قصة بنت يفتاح في العهد القديم، التي أمر أبوها بتقديمها ذبيحة، فقالت له: أعطني مهلة 3 شهور أبكي فيها عذراويتي، ثم اذبحني بعدها. وكأني بهذا الرجل يريد أن يبكي عذراويته يبكي موته. يذهب إلى الحياة ليبكي موته! هنا معكوسة. المسيح لا يدعو إلى الموت، إنه يدعو إلى الحياة. هل الشخص المدعو للحياة يذهب ليودع الموت والموتى!!
مشورة الجسد مسمومة هذا الشخص يريد أن يعود للجسد ليتلقى قبلة الأم، فتكون سهماً في قلبه لا يعرف أن يتخلص منه للأبد. كان رد المسيحعليه أشد الردود جميعاً، وأكثرها قطعاً ومنعاً: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله». المحراث هو الإنجيل، والذي يحرث لابد عليه أن ينظر لفوق حتى تخرج الخطوط مستقيمة. أن ننظر للوراء معناه أن المحراث سوف يفلت منا، معناه حرث معوج، معناه إهانة لله الله وضع للإنسان بعدين: بعد للأمام للملكوت، وبعد خلفي للبيت ولأهل البيت. فإذا سرت صح من أول خطوة في الطريق؛ ستأخذ قوة للترك وللاندفاع إلى الأمام، وتكون مثل بولس: «أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام». يا تيموثاوس: امسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت».
المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
17 مارس 2025
في الصوم: تقوية للإرادة
في الوقت الذي يرفض فيه معلمنا القديس بولس الرسول، في عصر النعمة، العوائد اليهودية في الإمتناع عن بعض الأطعمة، وذلك لأن هذا المنع كان يقوم على كونها نجسة، فيقول: «إِنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئًا نَجِسًا فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ» (رو14:14). في نفس الوقت ينادي بالصوم، ويعيشه (2كو6: 5؛ 11: 27)، فالصوم يعتمد على أن كل ما خلقه الله مقدس. فمنع بعض الأطعمة (الأطعمة الحيوانية) ليس لكونها نجسة؛ بل للتحكم في الإرادة، وكذلك العودة إلى حالة البر الأولى التي خُلِق عليها الإنسان، والتي فيها كان طعامه من أصل نباتيّ.
الصوم وسيلة وليس غاية:-
الصوم νηστία هو الامتناع عن الطعام لفترة محددة، يعقبه تناول أطعمة نباتية، هدفه قمع وانضباط للجسد والنفس، فعندما أوصى الله آدم أن لا يأكل من الشجرة، وإن أكل منها موتًا يموت، هذه الوصية الأولى بالصوم. الجوع الجسديّ يعبّر عن الجوع الروحيّ «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (مت5: 6) فبالصوم تقوّي الإرادة ويسيطر الإنسان على أهوائه الصوم يجعل الإنسان في حالة تركيزٍ روحيّ، فهو وسيلة لتطهير النفس: «تُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ لأَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ لِتَطْهِيرِكُمْ. مِنْ جَمِيعِ خَطَايَاكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ تَطْهُرُونَ» (لا16: 29، 30) جاء في كتاب الأنظمة ليوحنا كاسيان [ينبغي علينا أن نُظهر أولًا أننا أحرار من الخضوع للجسد؛ لأن الشخص هو عبد لمن ينغلب منه لأنه من المستحيل للمعدة الممتلئة أن تنهض بمعارك الإنسان الباطنيّ ولا من الصواب لمَن قُهِر في أدنى مناوشة أن يكون جديرًا لأن يُجرَّب بمعارك أصعب] (أنظمة13).
«أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ» (1كو9: 27):-
لأن الإنسان خُلِق على صورة الله، في الحرية والإرادة، وعندما يفقدها تسيطر الغريزة، وفي هذه الحالة ينطبق عليه قول المزمور«إِنْسَانٌ فِي كَرَامَةٍ وَلاَ يَفْهَمُ يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ» (مز49: 20) يقول القديس باسيليوس الكبير[الإنسان الذي هو أقل قليلًا من الملائكة، وعنه يقول سليمان الحكيم «اَلصِّدِّيقُ يَسْلُكُ بِكَمَالِهِ طُوبَى لِبَنِيهِ بَعْدَهُ» (أم20: 7)، هذا الإنسان لأنه لم يدرك قيمته العظيمة، أُستعبد إلى الشهوات الجسدية] (PG29/460) فالإنسان يختلف عن الحيوان في القدرة على تنظيم الحصول على إحتياجاته الأساسية بصورة تليق بالحالة التي جُبل عليها فلو لم نقمع شهوات أجسادنا، فان الشهوات ستمتلكها وتقيدها وتقيدنا معها.
يقترن الصوم دائمًا الصلاة والصدقة:-
يقول دانيال النبي: «فَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى اللَّهِ السَّيِّدِ طَالِبًا بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ بِالصَّوْمِ وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ» (دا 9: 3)،هكذا يذكر نحميا اقتران الصوم بالتوبة: «اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِمْ مُسُوحٌ وَتُرَابٌ وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ» (نح9: 1 ،2) والمسيح إلهنا نفسه، قال عن الأرواح النجسة «هَذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ» (مر9: 29) يصاحب الصوم قلب تائب، في اشتياق لتجديد علاقة مع الله فزمن الصوم هو زمن التوبة والعودة إلى الذات ويقول القديس يوحنا الدرجي [الصوم هو كبح رغبات الجسد، وابتعاد عن الأفكار الشريرة، وتحرر من التخيلات المذنبة هو طهارة الصلاة، نور للنفس، ويقظة العقل والقلب معًا فهو انتظار الرب، هو فتح القلب وتحرره من كل شيء يمكن أن يعرقل هبة فصح المسيح] لذلك الصوم يهيّئ الإنسان لمقابلة الله موسى النبي لكي يتهيّأ لإستلام لوحي الشريعة صام أربعين يومًا وأربعين ليلة، وعند اختيار برنابا وشاول للخدمة «فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا» (أع13: 3) ومن العبارات الكتابية القوية في ذلك «صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ» (أع24: 23) يقول القديس يوحنا ذهبيّ الفم [لنطلب الطعام لكي نقتات به، لا ليحطمنا نطلب الطعام كقوتٍ لنا، لا كمجال للأمراض، أمراض النفس والجسد نطلب الطعام الذي يعطي راحة لا ترفًا حيث يكون مملوء إزعاجًا] (عظة27 على أعمال الرسل)
القمص بنيامين المحرقي
المزيد
16 مارس 2025
انجيل يوم الاحد الثالث من الصوم الكبير
تتضمن الحث على الصدقة والاعتناء بالباقيات مرتبة على قوله تعالى بفصل الانجيل " إنسان كان له ابنان فقال اصغرهما لابيه يا ابي أعطنى القسم الذى يصيبنى من المال " ( لو١١:١٥-٣٢)
إذا كنت قد أخذت نصيبك من المال وأنفقته مع الخارجين وعاشرت الفاسقين وأصحاب الخلاعة وأتبعت اللذات والشهوات البدنية زماناً طويلاً أفما حان لك أن ترجع الآن إلى ابيك وتقرع باب رحمته بالتوبة والاستغفار لكي يلبسك الحلة الأولى وخاتم الذهب وتأكل العجل المسمن وتستريح من عذاب الغربة وأكل الخرنوب ورعى الخنازير ومكابدة ذل الخدمة ما بالك لا تنهض من كسلك وتبادر إلى حضن ابيك قبل أن يغلق الباب وتكون أنت خارجاً عارياً يا للعجب من كون هذا النازح عن أبيه المخالف له زماناً طويلا المبدد ماله مع الزواني كيف انه لما رجع وقرع باب رحمته أكرمه أبوه وجاد عليه بالملابس الفاخرة والأطعمة الشهية وأنت قدير يرجع اليك أخوك المسيحي ويقصد منزلك بعد أن اضاع ماله في عمل الخير فلا تلقاه كما ينبغي ويسألك فلا تجيب السؤال ويستعطفك فلا تصغى ويعتذر لك فلا تسمع ويخاطبك بصوت المذلة فلا ترحمه هذا مع أنه قد لا يطلب منك إلا رغيفاً وقليلاً من الفضة فكيف لو طلب منك حلة من الديباج أو خاتماً من الذهب ؟ وكيف إذا ارسل اليك الشيطان جنوده الذين يرقصون في الملاعب ويتكلمون بما لا يليق ويعد لك إذا قبلتهم الهلاك في الجحيم فتبادر إلى اكرامهم بالعطايا أما السيد المسيح فإنه عندما يرسل اليك أخوته المساكين ويمد اليك يده أمامهم ويعد لك إذ قبلتهم الخلود في النعيم فانك لا تسمع له ولا تلتفت اليه إن المسيح يشبه رجلا بيده حلة نفيسة من الأرجوان مرصعة بالذهب والجواهر الكريمة وهو يشير إلى العابرين قائلا من قبل أحد عبيده في الغربة كانت له هذه الحلة الثمينة أما الشيطان فانه يشبه رجلاً من الخادعين بيده ثمرة مملؤة من السموم القاتلة وهو يبرزها ويصفها بانها من المأكل اللذيذة ويغر بمنظرها الجهلاء الغافلين أفلا ترى كيف يتسابق الصبيان إلى هذه الثمرة الغاشة ولا يلتفتون إلى تلك الحلة الشريفة ؟
وإذا عرفت ان لك منزلين أحدهما في دار الدنيا والآخر في دار الآخرة وانك ستفارق أحدهما بالضرورة عارياً من جميع مقتنياتك وتصير إلى الآخر وتكون فيه دائماً فما بالك لا تقدر خيرك وتنزع هواك من قلبك وتحمل ذخائرك من دار غربتك إلى دار مقرك الابدى فإن قلت وكيف أنقل ذخائرى إلى هناك وأنا أذهب عارياً أجبتك قد قال المسيح أعطها لإخوتى المساكين وأنا اعوضك عن جميعها بما لا يفنى وليس بمثلها فقط بل عن الواحد أضعافاً كثيرة وإن بخلت نفسك عن هذا العطاء وحاربك الشيطان ومنعك من الرحمة فقل لنفسك معاتباً إياها اليس انك يا نفس في كل مناسبة تصنعين موسماً وتعدين وليمة للاصحاب وتنفقين كثيراً من المال في ثمن الخراف والدجاج والفواكه مما لا ترجعين إلى غاية أكثر من طرحه في القاذورات سريعاً فما بالك لا تعدين وليمة لخالقك وموجدك من العدم وتكريمه بها مرة واحدة في الأسبوع لكى يجازيك عن ذلك بسعادة الابد فإن امتثلت النفس لهذا الرأى وعرفت الفوائد التي تحصل لها منه فاحسب لها ثمن نفقة هذه الوليمة الطاهرة حيث لا تكون خراف ولا فواكه بل خبز وماء فقط واجعل ذلك مرة من وقت لآخر لإفتقاد المحتاجين وللعجب من كون إلهنا له المجد جاد عليك بالنفس والجسد وفضلك على جميع المخلوقات وسلطك على جميع الحيوانات والمعادن والنباتات وأعد لك سعادة الابد وأنت تبخل عليه باليسير مما أعطاك يسألك المحتاج شيئاً يسيراً فترده فارغاً أو تعطيه بعض الأحيان كارهاً وكيف لا نستحى من خالقنا عند ذلك ؟ ولماذا لا نذكر قول الرسول: " إن من يزرع بالشح فبالشح ايضاً يحصد " وما بالنا لا نتشبه بالمؤمنين الذين يحملون إلى بيعة الله من العشور والابكار والنذور والصدقات ما يفرج كربة المتضايقين ويكفى حاجات المرضى والوافدين من الغرباء والذين في السجون وخدام المذبح وغيرهم فسبيلنا أن نستيقظ من غفلتنا ونجتهد فى نقل أموالنا إلى دار مقرنا الابدى عن يد إخوتنا المساكين لنأخذ المجازاة من ربنا ومخلصنا ذلك الذي له المجد إلى الابد أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
15 مارس 2025
الغيرة
هُناك أمراض تُصيب الجسد وَأُخرى تُصيب النَفْسَ ، فمثلاً الشهوة مرض جسدِى ، بينما الغيرة وَالكبرياء مِنْ أمراض النَفْسَ ، فكما أنّ الجسد لهُ ضعفات ، هكذا النَفْسَ أيضاً ، الغيرة مرض نَفْسِى يبدأ بعدم المحبّة ثُمّ الغيرة ثُمّ الحسد وَينتهِى بالإِنتقام ، وُهُناك فِى الكِتاب المُقدّس أمثِلة للغيرة المُرّة مِنها :-
قصّة قايين وَهابيل:- هابيل قدّم للرّبّ مِنْ أبكار غنمِهِ وَسمانِها ، أمّا قايين فقدّم للرّبّ مِنْ أثمار الأرض ، فنظر الرّبّ لهابيل وَقُربانه وَأمّا لقايين وَقُربانه فَلَمْ ينظُر [ فإِغتاظ قايين جِداً وَسقط على وجهِهِ ] ( تك 4 : 5 ) ، بدأت بعدم محبّة ثُمّ غيرة ثُمّ غيظ وَإِنتهت بقتل قايين لهابيل 0
قصّة سارة وَهاجِر:- طلبت سارة مِنْ أبينا إِبراهيم أنْ يتزّوج مِنْ هاجِر جاريتها ليُقيم لها نسل بإِسمها ، وَعِندما أصبحت هاجِر حُبلى غارت مِنها سارة [ فدخل على هاجِر فحبلت وَلمّا رأت أنّها حُبلى صغُرت مولاتِها فِى عينيها ، فقالت ساراى لأِبرام ظُلمِى عليك أنا دفعت جاريتِى إِلَى حِضنك 0 فلّما رأت أنّها حبلت صغُرت فِى عينيها يقضِى الرّبّ بينِى وَبينك 0 فقال أبرام لساراى هوذا جاريتِك فِى يدكِ إِفعلِى بِها ما يحسُن فِى عينيكِ ، فأذلّتها ساراى فهربِت مِنْ وجهِها ] ( تك 16 : 4 – 6 ) 0
الغيرة مرض نَفْسِى يُصيب الإِنسان بعدم المحبّة ، وَيجعلهُ فِى مُقارنة مَعَ غيرِهِ ، وَكُلّ ما كان الإِنسان أنانِى وَمُحِب لذاته كُلّما يزداد بُغضة وَكُرهه لِمَنْ حوله ، لِذلِك الغيرة هى مِنْ حروب عدو الخير للإِنسان يجعلهُ يفقِد طاقِة المحبّة وَيُحوّلها لطاقِة هدم وَمُقارنة وَإِفساد ، الله أعطى الإِنسان طاقات حُب مُمكِن يحِب بِها مَنَ حوله ، وَمُمكِن يتعِب نَفْسَه بِها ، مُمكِن أحِب إِخوتِى وَأكون عُضو بنّاء وسطهُم ، أُختِى عندها صِفة تُميّزها وَأنا عِندِى أُخرى تُميّزنِى 0
أ- الغيرة المره
الغيرة فِكر لابُد أنْ نُعالِجه ، أولاً لابُد أنْ نؤمِن أنّ الله مُعطِى الإِنسان كُلّ طاقاته[ مِنْ يدك أعطيناك ] ، فَلاَبُد أنْ تكون هذِهِ الطاقات بنّاءة لِكى يكون الكُلّ واحِد ، طاقِة المحبّة تجمعنا بعضُنا حول بعض وَقَدْ رأينا نماذِج للغيرة مِثل سارة وَهاجِر ، قايين وَهابيل ، أيضاً نموذج آخر وَهُو ليئة وَراحيل ، فقد تزوّج أبونا يعقوب بليئة ثُمّ راحيل ، وَكان يُحِب راحيل ، لكِن كان الله قَدْ أغلق رحمها ، بينّما ليئة تلِد لهُ البنين ، فغارت راحيل مَنْ أُختها وَجعلت يعقوب يتزّوج بجاريتها لِيُنجِب لها بنين ، فِى ذلِك الوقت كانت ليئة قَدْ توقّفت فِترة عَنِ الإِنجاب فغارت هى أيضاً وَأعطت أبونا يعقوب جاريتها لِتلِد لها بنين وَهكذا حتّى فتح الله رحِم راحيل فولدت يوسِف وَبنيامين كان مِنَ المفروض أنْ تفرح الأُخت لأُختها ، لكِن الغيرة جعلت راحيل تقول ليعقوب [ هَب لِى بنين وَإِلاّ فأنا أموت ] ( تك 30 : 1 ) فِى قصّة يوسِف العفيف [ أمّا إِسرائيل فأحبّ يوسِف أكثر مِنْ سائِر بنيه لأنّهُ إِبن شيخوختِهِ ، فصنع لهُ قميصاً مُلّوناً ، فلّما رأى إِخوتهُ أنّ أباهُم أحبّهُ أكثر مِنْ جميع إِخوتِهِ أبغضوه وَلَمْ يستطيعوا أنْ يُكلّموه بِسلام ] ، كان العشر إِخوه يذِلّوا يوسِف فِى تعامُلهُم معهُ ، وَلمّا ذهب يوسِف ليطمئِن على سلامِة إِخوتِهِ قالوا [ هذا هُو صاحِب الأحلام هلُمْ نقتُلهُ ] ، فألقوهُ فِى البِئر وَجلسوا يأكُلون وَهُم فرِحون أيضاً مِنْ نماذِج الغيرة المُرّة قِصّة شاول الملِك وَداوُد ، عِندما قتل داوُد جُليات الجبّار صارت بنات إِسرائيل يُغنّين قائِلات [ قتل شاول ألوف وَداوُد ربوات ] ، [ فإِحتمى شاوِل جِداً وَساء هذا الكلام فِى عينيهِ ، وَقال أعطين داوُد ربوات ، أمّا أنا فأعطيننِى الأُلوف وَبعد فقط تبقى لهُ المملكة ، فكان شاول يُعايِن داوُد مِنْ ذلِك اليوم فصاعِد ] ، أىّ وضع فِكره عليه ، غيرة مُرّة شاول كان يتعقّب داوُد وَعمل معهُ مُطاردات ، وَكم مرّة حاوِل قتله لأنّهُ يُغار مِنهُ ، الغيرة مرض صعب جِداً ، قال يعقوب الرسول [ حيثُ الغيرة وَالتحزُّب هُناك التشويش وَكُلّ أمرٍ ردىءٍ ] ، " تحزُّب " أىّ كُلّ إِنسان لهُ فِكرةُ الخاص يعمل حِزب ، لأنّ المحبّة عِندما تختفِى يختفِى الله وَتُصبِح حياة الإِنسان جحيم مُر ، لِذلِك تُسمّى غيرة مُرّة يُقال عَنِ بولس الرسول [ لمّا رأوا الجمع إِمتلأوا غيرة وَجعلوا يُقاوِمون بولس مُجدِّفين ] ، أيضاً حدثت غيرة عِند تلاميذ يوحنا المعمدان مَعَ يسوع ، حيثُ كان تلاميذ يوحنا المعمدان يُعمِّدون وَلمّا جاء يسوع بدأت الجموع تلتف حولهُ فغار تلاميذ يوحنا وَقالوا لِمُعلّمهُم [ يا مُعلِّم هوذا الّذى كان معك فِى نهر الأُردُن الّذى أنت شهدت لهُ يُعمِّد وَالجميع يأتون إِليهِ ] ، أما يوحنا المعمدان فأجابهُم قائِلاً [ ينبغِى أنّ هذا يزيد وَأنا أنقُص00مَنْ لهُ العروس فهو العريس ] ، أنا مُجرّد صديق للعريس وَليس العريس نَفْسَه أيضاً السيِّد المسيح نَفْسَه وجد غيرة شديدة مِنْ الكتبة وَالفريسيين ، وَكُلّما كان يصنع مُعجِزة خاصةً فِى اليهودية كان يجِد مُقاومة شديدة ، وَأكثر مُعجِزة وجدت غيرة شديدة مُعجِزة إِقامة لِعازر الّذى ظل أربعة أيامٍ فِى القبر وَأنتن ، وَقال السيِّد المسيح الّذى لاَ يُصدّقنِى يذهب وَيسأله وَيسأل إِخوتهُ أمّا الكتبة وَالفريسيين فإِجتمعوا وَقالوا [ ماذا نصنع فإِنّ هذا الإِنسان يعمل آيات كثيرة ، وَمِنْ هذا اليوم إِبتدأوا يتشاورون لِيقتِلوه ] ، وَالإِنجيل يقول [ أنّهُم أسلموه حسداً ] ، الحسد بعد الغيرة ثُمّ بُغضة وَقتل صعب أنْ يكون فِى قلب الإِنسان غيرة مِنْ ناحية أخيهِ فتسرِق مِنهُ أىّ بركة وَنعمة ، فِى حين أنّ الكِتاب المُقدّس يقول [ حسِنة هى الغيرة فِى الحُسنى ] ، صعب أنْ يغيِر إِنسان مِنْ أخيه مِنْ أجل عطيّة مُعيّنة سمح بِها الله لهُ ، مُمكِن يكون أخِى مُميّز عنّى فِى شىء مُعيّن يشجعنِى أنْ أتميّز مِثله ، أخِى لهُ عِشرة حِلوة مَعَ الله يشجّعنِى أنْ أدخُل فِى عِشرة مَعَ الله مِثلهُ ، غيرة حسِنة للبُنيان وَليس للهدم وَالمُقاومة ، غيرة للأفضل ، أنا فرحان أنّ أخِى أفضل منّى وَأتمثلّ بِهِ أحد الرُهبان أخذ تدريب مِنْ أبيهِ الروحِى وَهُو أنْ يسهر سهرة مُعيّنة ، وَ معروف أنّ سهر الرُهبان عِبارة عَنِ جُزء مِنْ الليل تسبيح وَجُزء قِراءة إِنجيل وَجُزء صلوات وَجُزء قِراءة سير آباء قديسين ، وَبعد التدريب ذهب الراهِب لأبيهِ وَسألهُ أبوه عمّا فعلهُ فِى خِلال سهره فأجابهُ أنّهُ لَمْ يسهر لِيُصلّى أوْ يقرأ فِى الإِنجيل وَسير الآباء وَلَمْ يُسبِّح ، فوبّخهُ أبوه وَسألهُ عمّ فعلهُ خِلال سهره ، فأجابهُ الراهِب أنّهُ ظلّ الليل كُلّه يُعدِّد فضائِل أخوه الّذى بجانبِهِ فوجدهُم 36 فضيلة ، فظلّ يُجاهِد طول الليل لِكى يقتنِى تلك الفضائِل ، عِندئِذٍ أجابهُ أبوه الروحِى قائِلاً " هذِهِ الطياشة صارت لك أحلى مِنْ أىّ زكاوة " ، غيرة فِى الحُسنى ، أعدِّد فضائِل إِخوتِى لِكى أتعلّم منهُم وَأجاهِد لأكتسِبها ، وَليس للبُغضة وَللمُقاومة وَ للمذلّة ، كما كانت سارة مَعَ هاجِر وَكما كان إِخوة يوسِف معهُ المحبّة قائِمة بينِى وَبين مَنْ حولِى وَأحاوِل أنْ أقتنِى فضائِلهُم ، لابُد أنْ يكون عِندنا غيرة مُقدّسة على الوصايا وَعلى العقيدة وَعلى الإِيمان وَعلى لقبِى أنِّى مسيحِى ، مُعلّمِنا بولس الرسول يقول [ أغار عليكُم فِى الرّبّ ] ، أىّ يغير عليهُم حتّى لاَ يذهبوا لآخر غير المسيح ، أيضا مُعلّمِنا يعقوب الرسول يقول [ الرّوح الّذى حلَّ فينا يشتاقُ إِلّى الحسدِ ] ، أىّ روح الله الّذى بِداخِلنا يغير علينا حتّى لاَ نكون مِلك لآخر غير الله ، [ خطبتكُم لِرجُلٍ واحِدٍ لأُقدِّم عذراء عفيفةً للمسيح ] ، إِذاً المسيح نَفْسَه يغير علينا غيرة حسِنة حتّى لاَ نكون لآخر غيره 0
ب- أضرار الغيرة
الغيرة جعلت الإِخوة يُبغِضون بعضهُم بعض ،وَجعلت سارة تذِل هاجِر،وآخر مِثل شاول يُدبِر مكائِد لداوُد ، رأينا سارة تقول لإِبراهيم ظُلمِى عليك ، هذا دليل أنّ النَفْسَ مُرّة وَمريضة الغيرة تجعل المحبّة تتآكل بآفة صغيرة ، المحبّة التّى هى سِر التعاون وَالبُنيان تُصبِح طاقة هدم وَصِراع ، الغيرة تُلِّوث المشاعِر ، تخيّلوا أنّ راحيل وَليئة أُختين تحيان معاً فِى بيت واحِد وَتغيران مِنْ بعضهُما ، فكيف كانتا تتعاملان معاً الغيرة تجعل الإِخوة ينقسِموا ، تجعل الإِنسان ينظُر لغيره وَليس لِنَفْسَه ، الغيرة تُضيِّع هدف الإِنسان وَتُصبِح الغيرة نَفْسَها هى هدف الإِنسان ، بالغيرة عدو الخير يقطُف أجمل ثِمار فِى حياتنا ، الّذى قال [ صيّرنا أطهاراً بروحك القُدّوس ] ، هذا الرّوح نجعلهُ حزين بالغيرة لنرى صِراعات شاول وَداوُد كانت صِراعات مريرة حتّى أنّها أنست شاول بُناء المملكة رغم أنّهُ كان مِنْ المُمكِن أنْ تكون هدفه أوضح مِنْ هذِهِ الصراعات التّى أضاعت عُمره وَمملكته كُلّ ما فينا هُو صالِح وَكُلّ عطايا الله صالِحة وَمُقدّسة ، أعطانا الله طاقِة حياة وَوجود وَأصدِقاء وَمحبّة ، كُلّ هذا لِبُناء النَفْسَ وَليس لهدم الآخرين ، لو شجرة بِها عُصارة كميتها ثابِتة ، إِذا أعطت الشجرة كُلّ عُصارتها لفرع واحِد لاَ يُعطِى ثمر ، فلن تُعطِى ثمر على الإِطلاق ، لابُد أنْ نُثمِر بِطاقتنا إِنْ وُجِدت غيرة تكون بين عناصِر قريبة مِنْ بعضها ، أصدِقاء ، أُخوة ، وَأجمل المشاعِر تتلّوث رغم أنّ هذِهِ المجموعة هى التّى أتعايش معها وَهى تُعطِى قوّة فكيف تتلّوث مشاعِرنا بالغيرة الغيرة تُبدِّد مِنْ الإِنسان روح البذل وَالعطاء ، الغيرة تجعل الإِنسان لهُ طاقة ذاتيّة تُفيد المصلحة فقط ، مادامت توجد محبّة إِذا كان لدىّ شىء يُفيد مَنْ حولِى أُعطيه بدون تردُد ، وَإِخوتِى كذلِك يُعطونِى محبّة وَبذل وَعطاء ، الغيرة تجعل الأُخوة يتقاتلون ، أُخوة معاً فِى نَفْسَ البيت لكِن النِفوس ضعيفة 0
ج- عِلاج الغيرة
1- لابُد أنْ يكون الله هُو سِر غِناك وَشبعك وَكِفايتك ، أىّ لو الإِنسان كان مُقتنِع أنّ الله هُو شبعه وَسِر نُصرته وَإِتكاله وَسنده وَسروره يكون مُكتفِى مهما تقدّم عنّه مَنْ حوله لاَ يغار ، كما قال مُعلّمِنا بولس الرسول [ كِفايتنا مِنْ الله ] ، الله هُو سِر غِناى ، فَلاَ أنظُر لآخربل لِتكُن مشيئة الله ، أنا غِنى بِداخِلِى حيثُ الله ساكِن وَفائِض بخيّراته وَبركاته الكثيرة علىّ ، الّذى يشعُر بالله لاَ ينظُر لِمَنْ حوله ، وَإِنْ نظر إِليّهُم يُباركهُم وَ لاَ يلعنهُم 0
2- قبول النَفْسَ
كُلّ ما بِداخِلِى جميل لأنّ الله مُعطنِى إِيّاه ، وَمهما كان بىّ عيوب لكِن بىّ أيضاً مُميّزات وَفضائِل ، عيوبِى أعالِجها وَفضائِلِى أنمّيها ، الله لاَ يترُك أحد بِدون فضائِل ، السامريّة كان بِها فضائِل وَإِشتياق للسجود ، وَالله إِكتشفها لها وَأعطاها ثِقة فِى نَفْسَها ، ليتنا لاَ ننظُر لأنَفُسَنَا بِضعفاتها فقط بل وَفضائِلها أيضاً أنا عمل الله وَبالتأكيد عوّضنِى عَنِ نقائِصِى بِفضائِل أُخرى ، فَلاَبُد أنْ أقبل نَفْسَى جُملةً ، الله يُبارِك لىّ فيما لدىّ وَيُبارِك لغيّرِى فيما عِنده ، لو كانت راحيل نظرت بِحكمة لوجدت أنّ الله عوّض ليئة عَنِ ضعف عينيها بالأولاد وَعوّضها هى عَنِ الأولاد بالجمال ، لكِنّها لَمْ تنظُر إِلَى ما لديها بل إلَى ما عِند غيرِها الله دائِماً يُعوِّض النقائِص ، فمثلاً الله مُعطِى قوّة فِى الخمس حواس ، إِذا فقد إِنسان أحد هذِهِ الحواس يُعوِّضه عنها الله فِى الأربعة الباقين ، وَكأنّ الأعمى يرى وَالأصّم يسمع ، لابُد أنْ أقبل نَفْسَى ، وَإِذا قبِلتها لن أغير مِنْ أحد لأنّ هذِهِ هى إِرادة الله 0
3- لابُد أنْ يكون لنا إِيمان بالتكامُل وَ التنّوُع
إِذا أعطى الله أخِى موهِبة لَمْ يُعطيها لىّ أنا فَلاَ أغير مِنهُ لأنّ الله عوّضنِى عنها بِموهِبة أُخرى ، إِيمان بالتنّوُع وَالتكامُل ، لِماذا نكون نُسخ مُتشابهة مِنْ بعضِنا البعض ؟ كان تلاميذ يسوع لِكُلٍّ منهُم شخصيّة مُختلِفة عَنِ الآخر ، وَلكنّهُم مُتكاملين ، الوحدانيّة هى أنّ لِكُلّ واحِد موهِبتة وَإِسلوبه وَيخدِم نَفْسَ الغرض ، مُعلّمِنا بولس الرسول لاَ يستطيع أنْ يكون يوحنا الحبيب ،وَ لاَ يكون يوحنا بولس ، الله إِستخدِم بلاغة بولس وَرِقّة يوحنا وَغيرة بُطرُس لِنَفْسَ الغرض الواحِد ، إِذا كانت المدينة كُلّها أطباء فَمَنْ يُعلِّم وَمَنْ يبنِى وَمَن العمل البسيط وَ العمل القوِى يخدِم مصلحة واحدة 0
4- ينبغِى أنّ ذاك يزيد وَأنا أنقُص
هذا أفضل دواء للغيرة ،إِذا فرحت أنّ غيّرِى أفضل منّى تنتهى الغيرة ،فكيف نقبل ذلِك ؟ لأنّ الله سِر غِنانا ، فمهما أنقُص عَنِ غيّرِى فِى شىءٍ ما لاَ أحزن لأنِّى مُكتفِى بالله ، وَمهما زاد غيّرِى عنّى فأنا كامِل بالله عِلاج مَنْ يغير منّى هُو المحبّة ، لاَ أُشعِره أنِّى فِى تسابُق معهُ ، المحبّة أقوى مَنْ الموت ، إِذا تأكّد مَنْ حولِى إِنِّى أُحِبُهُم لاَ يغيرون منّى لأنّنا نتكامل إِلَى واحِد يُحكى فِى تاريخ الكنيسة أنّ إِبنة محمد على كان بِها روح شرّير ، فأشاروا عليه أنْ يذهب بِها للبابا بُطرُس الجاولِى البطريرك لِكى يُصلّى لأجلِها ، وَلمّا ذهب بِها للبابا بُطرُس كان عِنده فِى تلك الساعة الأنبا صرابامون أبو طرحة الأُسقُف ، وَطلب البابا بُطرُس مِنْ الأنبا صرابامون أنْ يُصلّى هُو لإِبنة محمد على ، وَلكِنّه خجِل مِنْ البطريرك وَدعاه هُو للصلاة مِنْ أجلِها ، وَظلاّ هكذا فِترة حتّى إِضطر الأنبا صرابامون لِقبول دعوة البابا ، فأخذ صليب البابا بُطرُس وَصلّى بِهِ لإِبنة محمد على ، فخرج الرّوح الشرير ، فقال البابا بُطرُس أنّ الرّوح خرج بِصلاة الأنبا صرابامون ، بينّما قال الأنبا صرابامون أنّ الرّوح خرج بِصليب البابا بُطرُس 0
5- صلاة مِنْ أجل الّذين أغير منهُم
نُصلّى مِنْ أجلهُم ،وَمِنْ أجل ضعفاتنا ،عِندئِذٍ طِلبتنا تدخُل فِى الحال لحضرة الله ، صلّى مِنْ أجل حِماية محبِتك ، وَمِنْ أجل الآخرين أنْ يُزيدهُم الله بِمواهِب ، إِذا تخلّصنا مِنْ الغيرة تصير حياتنا كُلّها فرح وَمحبّة لِمَنْ حولنا ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمِتة وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد