المقالات

26 يناير 2025

انجيل قداس الأحد الثالث من شهر طوبة

تتضمن ذم رذيلة الحسد مرتبة على قول تلاميذ يوحنا المعمدان له بفصل انجيل اليوم "يا معلم هوذا الذى كان معك في معبر الأردن الذى أنت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون إليه فقال لهم أنتم أنفسكم تشهدون لى أنى قلت لست أنا المسيح بل اني مرسل امامه ينبغى أن ذلك يزيدةوأنى أنا أنقص " ( يو ٣ : ٢٢ - ٣٦ ) إن تلاميذ يوحنا لما رأوا أقبال الناس على المسيح لنوال معموديتة. تباحثوا مع بعض اليهود المتتلمذين للمسيح قائلين " هل معمودية المسيح أفضل من معمودية يوحنا أو بالعكس وأيهما أوفر قداسة وتطهيرا ؟ وذلك لخوفهم على مركز معلمهم ولحرصهم على شرفه وغيرة منهم جاءوا إليه وقالوا له " يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الأردن الذى أنت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون اليه " أملين أنه يمنعه من أن يعمد فأجابهم يوحنا مذللا عجرفتهم ومؤيدا ما كان قد قاله قبلا " لا يقدر انسان أن يأخذ شيئا إن لم يكن قد أعطى من السماء " أي أن يسوع قد أعطى ذلك من الله وأنا يكفيني أن الله أعطاني أن اكون سابقا له ومعدا طريقه وأني اسر واريد أن أحيا وأموت كذلك فلا تظنوا أنى أحسده ألا تعلمون هذا وأنتم أنفسكم تشهدون لى أني قلت لكم أنى لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه لأعـــــد الناس لسماع إنذاره وأعلمهم الاعتقاد به و" ينبغى أن ذلك يزيد وأني أنا انقص " أي يجب أن يعظم قدر المسيح بتقاطر الناس إليه وبشهرته وتعليمه وسلطته وكثرة عجائبه وعلو مجده ليعلم العالم أنه المسيح فيحبه ويتبعه ويعبده أما أنا فينبغي لــــي أن أنقص إذ يعرف العالم أنى خادم وسابق له كنجمة الصبح التي يأخذ ضوءها بالانتقاص كلما زاد بزوغ الشمس فإن قلت وما الذى دفع تلاميذ يوحنا لأن يقولوا له " هوذا الذي كان معك يعمد والجميع يأتون اليه " أجبتك إنما هو الغيرة أو هو الحسد إذن لا توجد خطية تفرق الإنسان من الله والناس مثل خطية الحسد لأن هذا المرض هو أشد خبثا من محبة الفضة لكون محب الفضة يفرح متى ربح شيئاً أما الحسود فيفرح متى خسر أحد شيئا أو ضاع تعبه سدى ويحسب عسر الغير وخسرانهم ربحا له فهل يوجد أشر من هذا؟ انظر كيف أن الحسود يهمل شروره وببحث عن شرور الآخرين ؟ولا يحصل له من ذلك غير التحرق والاضطراب ويحرم ذاته من ذاك التعيم الشهى في الفردوس و مالي أقول الفردوس فإنه في هذا العالم أيضاً لا يحصل له خير ولا نعيم وكما أن الأرضه تأكل الخشب والعث يفسد الصوف هكذا الحسد فإنه يذيب عظام الحسودين ونفوسهم ويفنيها معاً أولئك الذين هم أشر من الوحوش وأخبث من الأبالسة لأن غضب الوحوش يكون إما من احتياجهم للغذاء أو من اضطرابهم وقلقهم منا لكن الحسودين إن أحسن اليهم أحد يكون كأنه ظلمهم أما الأبالسة فإنهم يكونون أعداء ألداء شديدي الخضومة نحو أبناء البشر ولكنهم مع امثالهم وشركائهم لهم محبة مفرطة وذلك بخلاف الحسودين فإنهم يهربون من مكالمة أهل طبيعتهم وبالأكثر انهم لا يحبون خلاصهم فلهذا وغيره أقول لكم إنه ولو كان أحدنا يصنع الآيات والعجائب أو يكون حافظاً للبتولية أو كثير الصوم او يكون باسطاً كفيه بالرحمة، أو ينام على الحضيض أو غير ذلك مما يوصله إلى فضيلة الملائكة وكانت فيه ألام الحسد فهذا لا محالة يكون أشر جميع الخطاة لأننا إذا كنا نحب من يحبنا وليس لنا أجر أكثر من الأمم فكيف إذن يكون حال من يبغض الذى يحبه ويحسده؟ وأين يكون مستقره ؟. غير ممكن أن تتواتر الأخبار عن أحد يأنه شرير ما لم يسبب هو بذاته تلك الاسباب لأن كثيرين من هؤلاء يسقطون فى اليأس فنمتلئ نفوسهم اكتئابا وتمزقهم أسواط غيظهم وألمهم وكلما محسودهم زادت غصتهم ونسوا ماهم فيه من النعمة واسباب الهناء وتشاغلوا في ذكر ألاء محسودهم ثم عادوا يستكبرونها ويتألمون منها كانها نصال حادة تجرح فؤادهم فيبيتون والأرق مصاحبهم ويصبحون والأسى ملازمهم كل ذلك والحسود في دعة من العيش لا يشعر بشئ من هذه الألام فما أعدل الحسد لأنه يقتل الحسود قبل أن يصل إلى المحسود فاستيقظ أذن أيها الحسود من نومك وانتبه إلى ما صرت اليه فإن الحسد قد جعلك تسر بضرر أخيك بالطبيعة وتحزن لحصوله على الخير بهذا قد جردت نفسك من الانسانية وصرت شبيها بالخنافس التي تضرها رياح الورد وتنعشها روائح المزابل وإلا فقل لى إذا كنت قد ظلمت من أولئك فلماذا تظلم أنت نفسك أيضا! اما تعلم أن من جازى شرا بشر ففى ذاته يجوز السيف فإن أثرت انتفاع نفسك والإحسان إلى ذاتك فقل للذي ظلمك إنك وإن تكلمت على شرا فانا لا اعتقد أنك عدو لي ولا تتكلم على أحد بالردى أبدا لئلا تدنس ذاتك وتهلك نفسك إن الحسد أرسل هابيل سريعا من غير اختياره ليمثل بين يدي الله عندما قتله قايين أخوه ما الذى أضر بيعقوب حينما حسده أخوه عيسو لقد كان يعقوب ممتلئا من الخيرات أما عيسو فقد كان مطرودا من وطنه يجول البلاد الغريبة ولم يصحبه سوى الحسد وما الذي استطاع أن يفعله أولاد يعقوب بيوسف المحسود منهم وقد وصلوا إلى سفك الدم أليس أنهم كادوا يموتون جوعا وقد أصابتهم كل مصيبة أما يوسف فقد صار ملكا متسلطا على مصر وكل تخومها؟ إلا تعلم أيها الحسود انك بمقدار ما تحسد أخاك الانسان تسبب له خيرات جزيلة وتعد لنفسك عقابا مؤلما مع الشيطان مدبرك لأن الله فاحص القلوب والكلى ينظر أفعالنا جميعا سواء كانت شريرة أم صالحة فإذا رأى المظلوم صابرا شاكرا ضاعف له الاحسان أكثر من الأخرين وعاقب الظالمين بزيادة وإذا كان عقابه يعم البخلاء والقساة فكم بالحرى يكون عقابة للحسودين؟ وإن كنت تحب من يحبك فأى فضل لك؟ إذ ان العشارين والخطاة يصنعون مثل ذلك وإن أبغضت من يحبك فأى عفو أو غفران يحصل لك؟ لا عفو ولا غفران لك لأنك تحزن لأجل الخير الواصل لأخيك وقد كان يجب عليك أن تحزن على الذين يصيبهم شر لا على الذين يحصل لهم الخير فيا للعجب !!! لإن الزاني يتورط فى الخطا طمعا في لذة جزئية والسارق يستند على الحاجة والفقر فأى عذر لك تقدمه أيها الحسود؟ لا شئ بل إنما هو مضرة وشر عظيم إن الشيطان لا يحسد الشيطان بل يحسد الناس فقط أمام الانسان فأنه يحسد الانسان فالحسد إذن خطية عظيمة وهو يؤول غالبا لخير المحسود ولنور لكم ما يثبت ذلك:- ١- خبر قتل قايين لهابيل أخيه الوارد ذكره في الاصحاح الرابع من سفر التكوين. ٢- خبر يوسف الذى كان أبوه يعقوب يحبه أكثر من جميع أخوته ولذلك حسدوه وأبغضوه حتى أنهم ما كانوا يكلمونه ولا بكلمة السلام ثم طرحوه في بئر لا ماء فيها فأخذته قافلة الاسماعيليين وباعته لخصى فرعون فنال حظوة فى عينى سيده وبالاجمال اتصل خبره بفرعون فجعله سيدا على كل أرض مصر وجاء أخوته وسجدوا له وهم لا يعرفون. ٣- خبر شاول الذى لما سمع بنات اسرائيل يغنين لداود لدى رجوعه من قتل جليات الجبار قائلا: " قتل شاول ألوفه وداود الربوات " غضب وأضمر له شرا من ذلك الحين ولكنه لم يصبه بشر لأن الله كان معه وأخيرا مات شاول وجلس داود على أريكة الملك عوضا عنه.وغير هذا كثير من الحوادث التي تنبئنا بأن الحسود لا يسود أبدا ولا ينال من حسده لغيره سوى الاضطراب الدائم والحزن الشديد ثم الموت مغبوطا عليه في الدنيا والآخرة فسبيلنا أيها الاحباء أن نقاتل هذه الرذيلة بالتواضع ومحبة القريب والابتهال اليه تعالى بتواتر أن يقلع جذور خطية الحسد من قلوبنا حتى تنجو نفوسنا من شرها له المجد إلى أخر الدهور كلها أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
25 يناير 2025

قراءة في حياة آباء الرهبنة القديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس

إن القداسة التي نقرا عنها كثيرا لا ترتبط بطول العمر والسنيين ولكن بالجدية والاتضاع ومعهما الغربة عن كل شيء. المثل الواضح الحقيقي لهذه القداسة المبكرة ما نقرأه عن الشابان الصغيران الروميان مكسيموس ودوماديوس أولاد الملك فالنتينوس فقد أكملا حياتهما المملوءة بكل فضيلة بعد أن أتمَّا كل وصايا الإنجيل كما ذكر عنهم فهم طبقوا المقولة الصغيرة "فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح" (في 27:1) فالحياة حسب إنجيل المسيح تستلزم (المحبة – إنكار الذات – الاحتمال – الصبر علي الضيقات – الوداعة – طول الأناة – الاتضاع – المغفرة – المصالحة – السلام الداخلي – محبة الأعداء – الجهاد علي الدم – نقاوة النفس والفكر – طهارة الجسد والسيرة – الشكر – ضيافة الغرباء – كل ما ذكر في ( رو 12) – تعليم المسيح في (مت 5 و6 و7) إذا فالحياة حسب الإنجيل هي تعني حياه القداسة ولذلك كان الإنجيل لهج لسان القديسين ليل ونهار. عاشوا ما فيه قبل أن يحفظوا كلماته ويتكلموا بها... عاشوا الجنة المغلقة والينبوع المختوم لذلك حينما سئل القديس فيلوكسينوس عن ملك هؤلاء الشابين الصغيرين ولماذا كان لا يذهبا إلى القديس أبو مقار المدبر الروحي لهم وكانوا يذهبون يوم الأحد لحضور القداس والتناول من الأسرار المقدسة في صمت تام ثم يرجعوا إلى مغارتهم في هدوء الملائكة لمده ثلاث سنين قال (لأن الكبير كان عمَّالًا كاملا متضعًا ولو كان قد مضي إليه لظهر كماله كما فكان يمجده، وأما الصغير فكان يتعلم من الكبير). هي عبارة من عده كلمات ولكنها تحوي الكثير من المعاني العميقة وتعبر عن فلسفه حياتهما المخفية وعن الحكمة السماوية التي تكلم عنها معلمنا يعقوب الرسول كان عمالًا ليس في عمل اليدين فقط ولكن عمالا في فلاحه الملكوت في أرضه القلبية ينتهي ويفرز ما هو جيد ويروي بدموع عيني قلبه وتوبته المستمرة ويسهر يرعي البذرة النبتة إلى أن تصبح شجره (فضيلة) فارعه الجزع كثيرة الورق ومتعددة الثمار الناضجة أي ثمار الفضيلة وكان كاملا فالكمال المطلق هو لله وحده ولكن كلنا نعلم الفارق بين النسبي (البشري) والمطلق (الإلهي). فقد طلب السيد المسيح منا "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 28:5). ولقد جاهد القديس مكسيموس الشاب ذو العشرين عامًا في تحقيق الآية والوصية التي أعطاها معلمنا بولس الرسول إلى أهل كورونثوس في قوله "أيها الإخوة لا تكونوا أولادا في أذهانكم بل كونوا أولادًا في الشر وأما في الأذهان فكونوا كاملين" (1كو 20:14) فالكمال البشري يتحقق في كمال تنفيذ وصيه السيد المسيح والحياة حسب الناموس الروحي الذي يبني الإنسان بناء روحيًا شامخًا وراسخًا علي قاعدتيّ الإنجيل وسيد الآباء الأوليين،فهذين هما ضفتي النهر الذين يحفظان مياهه من الضياع .. فعاشا في العمل الروحي الذي يعضده وصيه الإنجيل المحيية وتعاليم الآباء الشيوخ ليصل إلى الكمال المطلوب في نمو مستمر بسبب الاتضاع الذي كان نهجًا مشتركًا بينهما بل عاشوا بعمق ما قاله لسان العطر بولس "ولكنني اطلب إليكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولا واحدا ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأى واحد (1كو 10:1) و لذلك كان الأصغر مطيعا للأكبر يتعلم منه كماله واتضاعه ويذكر الأب بيشوي كاتب سيرتهما والذي كان يعرفهما فتره من الزمن ( متى كان هذان القديسان يذهبان إلى الكنيسة لو يكونا يرفعان بعدها لينظرا وجه احد، بل كان وجهيهما إلى أسفل علي الدوام حتى يعودا إلى مغارتهما بسرعة وانتباه ولو رايتهما بهذا المنظر لقلت أن الله بالحقيقة يسكن في هذين الرجلين وفي الحقيقة كانا مثل إيليا ويوحنا المعمدان تسكن فيهما نار الروح القدس التي تحرق الشيطان الفاسد الذي للأرواح الشريرة التي تحارب جنسنا كل وقت دون خجل .... فحقا لساني ينطق ويقول طوباكم يا أبهات .. يا أولاد مقاريوس.. يا كواكب جبل شيهات ومصابيح دير البرموس. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
23 يناير 2025

بدعة بولس السميساطي أسقف أنطاكية

مؤسس البدعة السيموساطية هو بولس السميساطى وأدخلها فى أنطاكية من هو بولس السيموساطي؟ ولد بولس فى بلدة تدعى سيمساط (وهى مدينة صغيرة ما بين النهرين)عن والدين فقيرين،وقد أصبح واسع الغنى بوسائل محرمة،ولا يعلم بأى طريقة أستطاع بها أن يصبح بطريركاً على الكرسى الأنطاكى إلا أنه يمكن القول أنه بجانب غناة وسلطته فقد كان بولس السيموساطي خطيباً مفوّهاً وسياسياً ماهراً ماكراً فإستطاع أن يحتل مركزاً مرموقاً في مملكة الملكة زينوبيا التي كانت تعرف بميلها لليهود فقد وكلت إليه جباية الخراج (الضرائب) فتقلد منصب دوسناريوس (أى والى مدنى من الدرجة الولى ذو مرتب سنوى 280 سترشيا عملة ذلك الوقت)، ورغبة منها في الانفصال عن روما فقد ساعدت بنفوذها بولس السيموساطي حتى يجلس على كرسى أسقفية إنطاكية عام 260م الذى كان يشاركها فى الميل لمناصبة روما العداء، وكان يحرص على وظيفته المدنية حرصاً شديداً لأنها كانت فرصة لأذلال شعبه كما كانت سلاحاً يستخدمه ضد الإكليروس عند مقاومتهم له نتيجة لهرطقته وسلوكه الشائن. أخلاق بولس السيماساطى ولما أثرى بعد فقر مدقع وشديد، وأنبسطت طالت يدة بعد أن كانت مغلولة فإنهمك فى الملذات والشهوات، فكان يصحب معه فى أى مكان يذهب إليه إمرأتين جميلتين يقضى معهما أكثر أوقاته، وكان مغرماً بالرفاهية والعظمة فلم يكن يسير فى الطرقات إلا ومائة من الخدم يتقدمونه ومائة أخرى يتبعونة يلبسون أفخر الثياب - وأبدل التراتيل التى تقال فى الكنيسة لتمجيد الرب الإله بنشائد تمجده وكلف بإنشادها فى الكنيسة بعض النسوة - وكان إذا خطب أو وعظ يجعل الناس تصفق له فى آخر كل عظة. محتوى بدعة بولس السيموساطي: كان بولس السيموساطي يعلم بأن الله واحد، أي أقنوم واحد، وفي هذا الأقنوم يمكننا أن نميز بين اللوجوس والحكمة، وهما عبارة عن صفتين وليسا أقنومين. خرج اللوجوس من الله أو انبثق منه منذ الأزل، وهو الذي كان يعمل في الأنبياء، وأيضاً في يسوع الذي وُلد من العذراء، أي أن يسوع إنسان مثلنا تماماً، مع أنه أعظم من موسى والأنبياء، ولكنه إنسان كامل، وقد حلّ اللوجوس في هذا الإنسان يسوع لذا لابد من التمييز بينه وبين يسوع. فاللوجوس أعظم من يسوع لأن يسوع بشري مثلنا، ويقول أن كلمة الإله حل فيه بعد ولدته من العذراء ونشط بعد حلول اللوجوس على يسوع وقت عماده وارتبط به برباط المحبة القوية. وبفضل رباط المحبة هذه استطاع يسوع أن ينتصر ليس فقط على الخطيئة بل أيضاً على خطيئة أجداده، لذا أصبح فادياً ومخلصاً لأنه تمّم مشيئة الله بطريقة كاملة، وبسبب أتحاد الكلمة الإلهية بهذا النسان يمكن القول أن المسيح هو الإله وليس بمعناها الحقيقى، ونشأ عن هذه البدعة والهرطقة فكر آخر وهو أنه كان فى المسيح أقنومان وأبنان للأله أحدهما بالطبيعة والآخر بالتبنى، وبذلك أنضم غلى سابيليوس فى انكار الثالوث الأقدس بقوله يوجد إله واحد تحسبه الكتب المقدسة بالآب وأن حكمته زكلمته ليست اقنوماً بل أنها فى العقل الإلهى بمقام الفهم فى العقل الإنسانى. الكنيسة تحرم بولس السيموساطي: وظهر فى ذلك الوقت كاهناً يُدعى ملخيون لإظهار أضاليل بولس ودحض بدعته وانضم إليه عدد من الكهنة والأساقفة منهم لينوس أسقف طرسوس، فدعا لعقد مجمع محلي في إنطاكية عام 264،ولكن هذا المجمع لم يصل لأية نتيجة لتدخل الملكة زينوبيا، وقد أعقبه مجمع آخر في إنطاكية ولم يصل أيضاً لنتيجة أيضاً،ولكن لم يمل أصحاب الإيمان القويم واستمروا في نضالهم ضد بولس السيموساطي،وبلغ البابا ديونيسيوس أخبار هذا الهرطوقى المخالف للعقيدة والأخلاق أرسل إليه العديد من الرسائل ووضح فيها مخالفة أفكاره لنصوص الكتاب المقدس وشهادات الآباء وقد أجاب بولس على رسائله موارباً وموارياً على ضلالته، ولأجل بدعته عقد فى أنطاكية مجمعاً وتكرر أنعقادة ويقول الأنبا ساويرس فى تاريخ البطاركة: " ولما طعن البابا ديونيسيوس فى ايامه ضعف جسده من كثرة ما لحقة من أضطهاد ولم يفتر مع هذا ليلة واحدة من قراءة الكتب المقدسة فلما علم الرب محبته للكتب أنعم عليه بقوة بصره حتى أنه صار يبصر كما كان فى ايام شبابه، ولما لم يقدر أن يذهب إلى مجمع أنطاكية الذى أجتمع فيه لمناقشة ما يقوله بولس السيماساطى أرسل برسالة مملوئة حكمة وتعاليم إلى ألساقفة المجتمعين به، لأن بوله كان كالقشب الذى يهر على الخراف، فمضى أساقفة المجمع مسرعين إلى أنطاكية بمجد السيد المسيح ومن جملة من حضر المجمع برمليانوي أسقف قيسارية قبادوقية، وغريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة وأخوه أيثنوذوروس، وايلينوس أسقف طربيوس، ونيقيدوموس أسقف أبقونيا، وأيماناوس أسقف أورشليم، ومكسيموس أسق وسطراً وجماعة معهم أساقفة وقسوس وشمامسة "وكان بولس السيماساطى حينما يحضر المجمع يراوغ كثيراً فى أقواله، فكان تارة يستغيث من قساوة الأساقفة عليه، فمن جهة لا يبوح بحقيقة هرطقته وأفكاره،وتارة ينكر ما عزى إليه من ضلال، ثم يظهر موافقته للمجمع بما يطلب التصريح به، ولكن يرجع مرة ثانية لبدعته لهذا ينطبق عليه المثل " الكلب يرجع لقيئة " ولما أتنفذ فرص توبته ولم يرتدع كتب اعضاء المجلس كتب أعضاء المجمع إلى البابا مكسيموس البطريرك الأسكندرى وديونيسيوس أسقف روما يسردون فيها نقائص وعيوب بولس السيماساطى وإصرارة على بدعته وضلاله، ثم عقدوا بشأن ضلالته مجمعاً آخر أكبر حضره أساقفة أكثر وعُقد هذا المجمع في انطاكية عام 268م وقد قام ملخيون باستجواب بولس في هذا المجمع حتى استطاع إظهار ضلالته أمام الجميع ، وقام آباء المجمع بالكتابة إلى أسقفي روما والإسكندرية وأساقفة الكنائس الأخرى شارحين ضلالة بولس السيموساطي. فخلعوا بولس السيماساطى من بطريركية أنطاكية قلم يرضخ بالحكم وأعتصم بالدار البطريركية رافضاً الخروج منها وأستعان بقوة تدمر الحربية وواصل بولس البقاء في منصبه كأسقف رافضاً قرار المجمع وذلك بسبب مساندة الملكة زينبيا له، واستمر الحال هكذا لمدة أربع سنوات حتى سقطت الملكة وسقط معها بولس وكل تعاليمه.وبعد خلع بولس السيماساطى من من بطريركية الكرسى الأنطاكى وأقاموا بدلاً منه دمنوس، فعرض الأساقفة أمره إلى القيصر الرومانى أورليان فحكم بأن تعطى الأسقفية لمن أنتخبه المجمع ونفى بولس السيماساطى ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة بدعة بولس السميساطى تحت عنوان " بولس السميساطى والبدعة التى أدخلها إلى أنطاكية" فقال: 1 - بعد أن رأس زيستزس كنيسة روما أحدى عشرة سنة خلفه ديونيسيوس سمى ديونيسيوس الأسكندرى، وحوالى نفس الوقت مات ديمتريانوس فى أنطاكية ونال تلك السقفية بولس السميساطى . 2 - ولأنه كان يعتقد أعتقادات وضيعة عن المسيح - مخالفة لتعاليم الكنيسة - أى أنه كان فى طبيعته إنساناً عادياً، فقد توسلوا إلى ديونيسيوس الأسكندرى ليحضر المجمع، ولما لم يتمكن من الحضور بسبب تقدمه فى السن وضعف جسمه أعطى رأيه فى الموضوع الذى تحت البحث برسالة أرسلها إليهم، ولكن جميع رعاة الكنائس من كل جهة أسرعوا ليجتمعوا فى انطاكية كأنهم قد أجتمعوا ضد مبدد قطيع المسيح ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 28) (عن الأساقفة الذين ذهبوا لدحض بدعة بولس السميساطى تحت عنوان " أساقفة ذلك العصر البارزون " فقال: 1 - من بين هؤلاء كان فرمليانوس (ك6 ف 26) العظيم أسقف قيصرية كبادوكية، وألخوان غريغوريوس (غريغوريوس صانع العجائب ك6 ف 30) وأثينودورس، وبعض الرعاة من كنائس بنطس وهيلينوس (ك6 ف 46: 3) أسقف أيبروشية طرسوس ونيكوماس أسقف أيقونية، وعلاوة على هؤلاء هيميناس (ك7 ف 14) أسقف كنيسة أورشليم وثيوتكنس أسقف كنيسة قيصرية المجاورة، يضاف إلى هؤلاء مكسيموس الذى رأس ألخوة فى بوسترا (ك6 ف 33) بكيفية ممتازة وإن أراد أحد إحصائهم لوجد آخرين كثيرين علاوة على القسوس والشمامسة الذين أجتمعوا وقتئذ لنفس الغرض فى المدينة السابق ذكرها (أنطاكية) ولكن هؤلاء كانوا أبرزهم. 2 - وحينما أجتمع كل هؤلاء فى أوقات مختلفة لبحث هذه المواضيع كانت الحجج والأسئلة تناقش فى كل إجتماع، وكان أنصار السميساطى يحاولون أن يداروا ويخفوا هرطقته، وحاول الآخرون بكل غيرة أن يفضحوا ويعلنوا هرطقته وتجديفه على المسيح. 3 - وفى نفس الوقت مات ديونيسيوس فى السنة الثانية عشرة من حكم جالينوس بعد أن لبث أسقفاً 17 سنة وخلفه مكسيموس. 4 - وبعد أن لبث جالينوس فى الحكم 15 سنة خلفه كلوديوس الذى سلم الحكم إلى أوريليان بعد سنتين. ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 29) عن حرم بولس السميساطى تحت عنوان " وبعد أن دحض ملخيون (أحد القسوس الفلاسفة) آراء بولس صدر الحكم بحرمة " فقال: 1 - وفى أثناء حكمة عقد مجمعاً آخر مؤلف من أساقفة كثيرين، وكشف عن منشئ الهرطقة فى أنطاكية، وفضحت تعاليمه الكاذبة أمام الجميع، فحرم من الكنيسة الجامعة تحت السماء. 2 - وقد أخرجه ملخيون من مخبه ودحض آراءه، وهذا كان رجلاً متعلماً فى نواح أخرى، وكان رئيساً لمدرسة الفلسفة اليونانية فى أنطاكية، ونظراً لسمو إيمانه بالمسيح، رسم قساً لتلك الأيبروشية، وإذ ناقشة هذا الرجل مناقشة خطيرة دونها الكتاب الحاضرون، ولا زالت باقية إلى ألان، أستطاع وحده أن يكشف حقيقة الرجل الذى ضلل وخدع ألاخرين ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 30) عن رسالة الأساقفة ضد بولس السميساطى فقال: 1 - أما الرعاة الذين اجتمعوا من أجل هذا الأمر فقد أعدوا بإجماع الآراء رسالة موجهة إلى ديونيسيوس أسقف روما ومكسيموس أسقف الأسكندرية وأرسلوها إلى جميع الأقطار، وفى هذه بينوا للجميع غيرتهم وهرطقة بولس، والحجج والمناقشات التى دارت معه، كما بينوا حياة الرجل وتصرفاته، وخليق بنا أن ندون فى الوقت الحاضر الأقتباسات التالية من كتاباتهم: 2 - " إلى ديونيسيوس ومكسيموس، وإلى زملائنا الخدام فى كل العالم، ألساقفة والقسوس والشمامسة، وإلى كل الكنيسة الجامعة تحت السماء، هيلينوس وهيميناس وثيوفيلس وثيوتكنس ومكسيموس وبروكلوس ونيكوماس وأليانوس وبولس وبولانس وبروتوجينيس وهيرالكس وأوطاخى وثيودوروس وملخيون ولوسيوس وجميع الباقيين المقيمين معنا فى المدن والأمم المجاورة، أساقفة وقسوس وشمامسة، وكنائس الرب الأله سلام للأخوة المحبوبين فى الرب " 3 - وبعد ذلك بقليل بدأوا قائلين: " لقد ارسلنا ودعونا أساقفة كثيرين من أماكن بعيده ليخلصونا من هذه التعاليم المميتة كديونسيوس السكندرى وفرمليانوس الكبادوكى، هذين المباركين، أما ألول فإذ أعتبر منشئ هذه البدعة غير جدير بأن يوجه إليه أى خطاب أرسل رسالة إلى أنطاكية موجهة لا إليه بل إلى كل الإيبروشية، وقد أثبتنا صورتها فيما بعد. 4 - وأما فرمليانوس فقد اتى مرتين، وشجب بدعته، كما تعرف، ونشهد نحن الذين كنا موجودين، وكما يعرف آخرون كثيرون، ولكنه إذ وعد بتغيير آرائه صدقه، ورجا أن تتخذ الأجراءات اللازمة دون أن تلحق أيه إهانة للكلمة، ولذلك أرجأ الأمر إذ خدعه ذاك الذى أنكر حتى إلهه وربه، ولم يحفظ الإيمان الذى كان يعتقده سابقاً. 5 - ولقد كان فرمليانوس ألان فى طريقة ثانية إلى أنطاكية، ووصل حتى طرسوس، لأنه علم بالأختبار شرة وأنكاره للرب، ولكنه مات بينما كنا مجتمعين ومنتظرين وصوله. 6 - وبعد التحدث عن امور اخرى وصفوا فيما يلى نوع الحياة التى عاشها: " ولأنه قد انحرف عن جادة الإيمان، وأرتد بعد المناداة بتعاليم وضيعة زائفة، فليس من الضرورى - طالما كان قد أخرج خارجاً _ إصدار لأى حكم على تصرفاته. 7 - فمثلاً مع انه كان سابقاً فقيراً معدماً، لم يرث أيه ثروة من آبائه، ولم يجن أى ثروة من تجارة أو أى عمل آخر، إلا أنه الآن أصبح يمتلك ثروة طائلة بسبب شروره وأنتهاكه حرمة المعابد وسلبه للأخوة، وحرمان المظلومين من حقوقهم، ووعده لهم بمساعدتهم نظير أجر معين مع أنه يضللهم، وينهب أولئك الذين فى ضيقهم يكونون مستعدين أن يعطوا ليصطلحوا مع ظالميهم، ظانين أن التقوى تجارة (1 تى 6: 5) 8 - أو كغطرسته وكبريائه وإنتفاخه وإدعائه الكرامة العالمية، مفضلاً أن يدعى نائب الملكة عن أن يدعى أسقفاً، وزهوه وهو يسير فى السواق قارئاً بعض الرسائل بصوت مسموع وهو يمشى علناً يحف به حرس وتتقدمه وتتبعه الجماهير، حتى أصبح الإيمان مكروهاً بسبب كبريائه وغطرسة قلبه. 9 - أو كممارسة الألاعيب الخداعة فى الإجتماعات الكنسية، محاولاً تمجيد نفسه وتضليل الآخرين وإذهال عقول البسطاء، معداً نفسه محكمة وعرشاً مرتفعاً، الأمر الذى لا يليق به كتلميذ للمسيح، ومكاناً سرياً كحكام العالم، ضارباً بيده على فخذه وبقدميه عند دخول المحكمة أو كتوبيخه وأهانته لمن لا يصفقون له، ويلوحون بمناديلهم، كما يحدث فى المسارح، ولا يصيحون ويقفزون كالرجال والنساء المحيطين به، الذين يصغون إليه بهذه الطريقة الشائنة، بل يصغون بوقار كأنهم فى بيت الرب، أو كمهاجمته العنيفه العلانية لمفسرى الكلمة ممن غادروا هذه الحياة وتعظيمه لنفسه لا كأسقف بل كفيلسوف ومشعوذ. 10 - وإبطاله الترانيم الموجهة إلى ربنا يسوع المسيح كأنها إختراعات عصرية للرجال العصريين، وتدريبه النسوة لأنشاد الترانيم لشخصه وسط الكنيسة يوم عيد الفصح العظيم، مما تقشعر الأبدان عند سماعها، ومحاولته أقناع الساقفة والقسوس فى ألقاليم والمدن المجاورة الذين يتملقونه لعلهم يتبعون نفس الخطة فى أختلاطهم بالشعب. 11 - وقد رفض الأعتراف بأن ابن الله نزل من السماء، وهذا ما سنبينه فيما بعد، وليس هذا مجرد كلام، بل قد قامت عليه ألدلة الكثيرة من الكتابات التى أرسلناها إليكم، وألأدهى من هذا قوله أن يسوع المسيح من أسفل (قارن مع يو 3: 31 لبذى يأتى من فوق هو فوق الجميع)، أما من يرنمون له ويمدحونه بين الشعب فيقولون أن معلمهم الفاجر نزل ملاكاً من السماء، وذلك المتغطرس لم يأمر بمنع هذه، بل لا يستنكف حينما تقال بحضوره. 12 - وهنالك النساء اللاتى يسميهن أهل أنطاكية " أمينات الدار " المنتميات له وللقسوس والشمامسة الذين معه، وبالرغمن من أنه يعرف هؤلاء الأشخاص وأثبت عليهم جريمتهم، إلا أنه تستر على هذه هذه الخطية وخطاياهم الأخرى الشنيعة، ولكى يكونوا مدينين له، ولكى ى يجرأوا على أتهامه بسبب أقواله وأفعاله الخبيثة خوفاً على أنفسهم، على أنه قد جعلهم أيضاً أثرياء، لهذا أحبه الطامعون فى هذا الثراء وأعجبوا به. 13 - نحن نعلم أيها الأحباء أن ألسقف وكل الأكليروس يجب ان يكونوا أمثلة للشعب فى كل العمال الصالحة، ونحن لا نجهل كم من أشخاص قد سقطوا، أو تشككوا، بسبب النسوة اللاتى أتوا بهن، لذلك فحتى لو أفترضنا أنه لم يرتكب أى عمل خاطئ إلا أنه كان يجب أن يتجنب التشكك الناشئ من أمر كهذا لئلا يعثر أحد، أو يدفع الآخرين للأقتداء به. 14 - وكيف يستطيع توبيخ أو تحذير أى شخص آخر من الأختلاط الكثير بالنساء لئلا يسقط كما هو مكتوب (حكمة يشوع بن سيراخ ص 25), إن كان هو نفسه قد طرد واحده، ومعه ألآن أثنتان جميلتان متوردتان الوجه، يأخذهما معه أينما ذهب، وفى نفس الوقت يعيش فى البذخ والتنعم!! 15 - وبسبب هذه ألمور يكتئب الجميع وينوحون، ولكنهم إذ يخشون ظلمه وبطشه، ولا يجرؤون على أتهامه. 16 - لكن كما قلنا إذ كان يجوز للمرء أستدعاء الرجل لمحاسبته عن هذه التصرفات لو كانت عقيدته سليمة، ولو كان معدوداً معنا، فإننا لا نراه من الضرورى أن نطلب منه تفسيراً لهذه الأمور طالما كان قد أهان السر، وطالما كان يتمشدق مفاخراً بهرطقة أرتيماس (راجع تاريخ الكنيسة - يوسابيوس القيصرى ك5 ق 28) (لأنه لماذا لا نذكر أباه؟) 17 - وبعد ذلك اضافوا هذه الكلمات فى ختام الرسالة: " لذلك أضطررنا لحرمه طالما كان مقاوماً للرب الإله، ورافضاً الطاعة، وأضطررنا لأقامة أسقف آخر للكنيسة الجامعة بدلاً منه، ونعتقد أننا بإرشاد إلهى قد اقمنا دومنوس المتزين بكل الصفات اللائقة بأسقف، وهو أبن لديمتريانوس المبارك، الذى سبق أن رأس نفس الأيبروشية بكيفية ممتازة، وقد أعلمناكم بهذا لكى تكتبوا إليه وتتقبلوا الرسائل منه، ولكن ليكتب ذلك الرجل إلى أرتيماس، وليكتب إليه المشايعون لأرتيماس. 18 - وحالما سقط بولس من ألسقفية، ومن أفيمان المستقيم، أقيم دومنوس _ كما قيل - أسقفاً لأنطاكية. 19 - ولكن رفض بولس تسليم بناء الكنيسة إلتجئ إلى المبراطور أوريليان، فحسم المر بالعدل، وامر بتسليم البناء لمن يراه أساقفة إيطاليا ومدينة روما، وهكذا طرد هذا الشخص من الكنيسة، بفضيحة شنيعة بأمر السلطات العالمية. 20 - هكذا كانت معاملة أوريليان لنا وقتئذ، ولكنه فى أثناء حكمه غير تفكيره من جهتنا، واوحى أليه بعض المستشارين ليثير علينا أضطهاداً وصارت مباحثة كبيرة عن هذا من كل جانب. 21 - وإذ كان على وشك تنفيذ هذا، وكان على أهبه التوقيع على ألوامر ضدنا، حلت به الدينونة الإلهية، ومنعته من اتمام غرضه وهو على حافة تنفيذه، وبذلك بين الرب بكيفية ظاهرة يراها الجميع بوضوح أن حكام هذا العالم لم يستطيعوا مقاومة كنائس المسيح، إلا أن سمحت بذلك اليد التى تحميها، بتدبير سماوى، من أجل التأديب والتقويم، وفى الأوقات التى تراها مناسبة. 22 - وبعد أن حكم أوريليان ست سنوات (4) خلفه بروبس، وهذا حكم عددا من السنين وخلفه كاروس وأبناه كارينوس ونيوميريانوس، وبعد أن حكموا أقل من 3 سنوات آل الحكم إلى دقليديانوس وشركائه (5)، وفى عصرهم حدث الأضطهاد الذى نعانى مرارته، مع ما تبعه من هدم الكنائس. 23 - وقبل ذلك بوقت قصير مات ديونيسيوس أسقف روما بعد أن ظل فى مركزه 9 سنوات وخلفه فيلكس. المجمعين الأنطاكييّن الثاني والثالث تدخل الأساقفة: وهكذا انقسمت أنطاكية واتسع الشق فتدخل أساقفة الكنائس المجاورة، إذ اشتدت المشادة في أنطاكية دعا الينوس أسقف طرسوس أخوته الأساقفة في كنيسة أنطاكية إلى اجتماع في أنطاكية للنظر في قضية أسقفها. فلبى الدعوة كثيرون ومن أشهرهم كما يقول أفسابيوس، فرميليانوس أسقف قيصرية قبدوقية وغريغوريوس العجائبي أسقف قيصرية الجديدة في بلاد البونط -إذ كانت بلاد البونط حتى مجمع نيقية تتبع لأنطاكية- وأخوه اثينودوروس ونيقوماوس اسقف ايقونية وهيميناوس أسقف أورشليم وثيوتيقنوس أسقف قيصرية فلسطين ومكسيموس أسقف بصرى حوران. وأرسلوا دعوة إلى ديونيسيوس أسقف الاسكندرية لما عُرِف عنه من حكمة ودراية ودفاعه. وأراد أن يحضر الاجتماع إلا أنه اعتذر لتقدمه في السن. فأرسل لهم أفسابيوس الشماس الاسكندري لينقل لهم رسالته في مسألة بولس. وهذا الشماس كان معروفاً بتمسكه بالإيمان القويم وتضحيته في سبيل المحافظة على نقاوة الإيمان. هرطقة بولس: يذكر علماء الكنيسة اهتمام الآباء -خصوصاً- في القرن الثالث بالثالوث الأقدس-له المجد- وسعيهم للتوفيق بين وحدانية الله في التوراة وألوهية المسيح في الإنجيل. واختلافهم في هذا التوفيق. ثم يذكرون فكرة التبني Adoptianism التي قال بها ثيودوتوس وأرطمون وفكرة المونارخية التي نادى بها براكسياس في القرن الثاني ثم سبيليوس في القرن الثالث، ويقرأ -العلماء- في تاريخ افسابيوس أن الأساقفة المجتمعين اتهموا بولس بالأرطمة. وفي أقوال القديسين هيلاريوس وباسيليوس يجدون في موضوع بولس اعتراضاً على لجوئه إلى اللفظ اليوناني Homoousios للتعبير عن علاقة المسيح بالآب. فيقول الدارسين أن بولس زعم أن الله اقنوم واحد وأن الله تبنى المسيح تبني. المجمع الأنطاكي الثاني: (264)عقد المجمع جلساته كما أسلفنا في أنطاكية. وكثر الجدل فيه. وأخفى البولسيون هرطقتهم. وحاول الأحبار أن يظهروها إلا أنهم لم يفلحو، ورقد بالرب ديونيسيوس الاسكندري، فخسروا الأحبار سنداً لا يوجد فيما بينهم من هو بحزمه وعزمه. وكانت زينب لا تزال في مركزها وفي أوج عزها ومجدها. وأيّد بولس جميع أعداء رومة. واعترف بولس بأنه قال قولاً جديداً وقطع العهود على نفسه بالعودة إلى الإيمان القويم. المجمع الأنطاكي الثالث: (268) عاد بولس إلى سيرته الأولى، ضارباً عرض الحائط الوعود التي قطعها على نفسه. فكتب إليه الأساقفة رادعين واعظين، لكن دون جدوى. ففكروا بالعودة إلى أنطاكية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. فدعى الينوس مرة ثالثة إلى اجتماع في أنطاكية في سنة 268 فأمَّ عاصمة الشرق عدد كبير من الأساقفة. لعل عددهم وصل إلى السبع وثمانين وخلا مكان غريغوريوس العجائبي. وتوفيَ فرميليانوس بعده وهو في طريقه إلى أنطاكية. فتبوأ إلينوس المكان الأول بين المجتمعين، وجاء بعده هيمنايوس ومن ثم ثيوتيقنوس وكسيموس ونيقوماس أسقف أيقونية وثيوفيلوس أسقف صور وبروكلوس ونيقوماس واليانوس وبولس وبولاتوس وبروتوجينس وهيراكس وافتيخيوس وثيودوروس وملكيون ولوقيوس. أما أسامي الأساقفة الباقين فهم غير مذكورين في المراجع وخشي الأساقفة ألا يقارعوا بولس في فصاحته ودهاءه. فوكلوا أمر المقارعة إلى ملكيون -كما فعل غيرهم في ظروف مماثلة-. واستقدموا عدداً من الكتّاب لتدوين المناقشة. وناقش ملكيون بولس في العقيدة وأثبت -ملكيون- رأيه فثبت وقوع بولس في الهرطقة أدان المجمع بولس ووصمه بالهرطقة لأنه "امتنع عن القول بأن ابن الله نزل من السماء وتجسد، ولأنه قال بأن يسوع المسيح بشر وإنسان". وأكد المجمع شذوذ بولس في حب المال والجاه والفخفخة. وشجب المجمع أيضاً اقدامه على مساكنة النساء والسماح لبعضعن أن يرتلن في الكنيسة -تقاريظه ومديحه-. وصرَّح المجمع أيضاً أن إصلاح من يشعر بوحدة الكنيسة ويعد نفسه منها ممكن. ولكن ذلك الذي يستهزئ بسر التقوى -1Ti 3: 16 وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ،- ويفخر بهرطقة أرطمون المنتنة لا فائدة من محاسبته وخلع المجمع الأنطاكي الثالث بولس وانتخب دومنوس ابن ديمتريانوس سلف بولس اسقفاً على أنطاكية. وكتب بذلك رسالة إلى أسقف رومة ديونيسيوس ومكسيموس أسقف الاسكندرية وجميع الأخوة الأساقفة والكهنة والشمامسة وإلى كل الكنيسة الجامعة. ليكتب هؤلاء بدورهم إلى دومنوس معترفين برئاسته على كرسي أنطاكية جاء في المراجع المتأخرة أن مكسيموس الاسكندري وخليفة ديونيسيوس الروماني الاسقف فيليكس اتصلا بدومنوس واعترفا برئاسته في سنة 269. التي لم تدم أكثر من ثلاث سنوات وخلفه تيمايوس في السنة الأولى من حكم اوريليانوس 270-271. امتناع بولس عن الطاعة: ومع ذلك -اعتراف الكنيسة الجامعة برئاسة دومنوس- امتنع بولس عن طاعة المجمع المقدس، وظلَّ يعتبر نفسه رئيساً على كنيسة أنطاكية. وطاوعه في ذلك أتباعه، وأيدته زينب صاحبة السلطة، فظلت أوامره نافذة. وجلَّ ماربحه المؤمنون أنه أصبح لهم أسقفاً سليم العقيدة تقياً يلتفون حوله بإيمان وخشوع، ويمارسون الطقوس كسائر أبناء الكنيسة الجامعة. ولكن السلطات التدمرية لم تعترف بهم. وراحوا يعقدون معظم اجتماعاتهم في السرّ، وفي بعض الكنائس الصغيرة المنسية. زوال بولس: في سنة 268 سقط غاليانوس ضد أوريولوس، ولكن كان ولاء الجنود ل بكلوديوس الثاني. فقتل غاليانوس وما لبث أن مات بالطاعون فخلفه أوريليانوس في أواخر سنة 270 وأوائل 271 أنفذت زينب زبدة قائد قواتها إلى مصر ليستولي عليه، وكان حاكم مصر الروماني بروبوس قد خرج ليؤدب بعض العصاة في ليبية وقرطاجة وتطهير بحر الأرخبيل من القوط، ففعل زبدة واستولى على مصر وترك فيها حامية وعاد إلى سورية. ولما عاد بروبوس إلى مصر بعد خروج زبدة منه، حارب الحامية التدمرية ومن ناصرها من المصريين، فمات محارباً. وهنا أضحت زينب في حرب ضد رومة وكانت زينب قد أرسلت جيشها عبر طوروس إلى آسية الصغرى واحتلت أنقرة ثم بيثينية. ووصلت طلائع الجيش إلى خلقيدونية. وكان وقتها قد وصل إلى خلقيدونية اعتلاء اوريليانوس العرش الروماني، فصمد الخلقيدونيين في وجه التدمريين وقام اوريليانوس في صيف 271 من إيطاليا إلى البلقان، ثم إلى آسية الصغرى. فتراجع جيش زينب إلى سورية الشمالية، وصمد في أنطاكية. ولما وصل اوريليانوس إلى أنطاكية لجأ إلى حيلة انتصر على اثرها على التدمريين مما جعل زبدة أن يهرب من أنطاكية إلى حمص، حيث كانت زينب، ومعه بعض الأنطاكيين الموالين لزينب بالهروب معه. فلحق به اوريليانوس إلى حمص واصطدم هناك معه وانتصر عليه. فتراجعت زينب إلى تدمر. ولحق بها اوريليانوس وقتل البدو حتى وصل إلى تدمر بعد أسبوع واحد. وشدد الحصار على تدمر. فطلبت زينب من بشابور الساساني معونته، فأنجده، إلا أن اوريليانوس تمكن القضاء على هذه النجدة قبل وصولها إلى تدمر. فتخفت زينب وذهب لتطلب النجدة من الفرات. إلا أن الرومان أدركوها عند نهر الفرات وعادوا بها إلى معسكر اوريليانوس. فدخل تدمر ظافراً. وجر وراءه زينب وابنها ومستشارها لونجينوس. وقد حاكم هذا الأخير في حمص وأمر بقتله وبزوال الحكم التدمري زال نفوذ بولس السميساطي وقويت شوكة تيمايوس وجمهور المؤمنين. فتقدم الاسقف تيمايوس بطلب للأمبراطور أن يخرج بولس من قلاية الأسقفية ويكف يده عنها. فأمر بأن تعطى القلاية إلى أولئك الذين على صلة بالمكاتبة بأساقفة العقيدة المسيحية في ايطاليا ومدينة روما وأما مصير بولس بعد الخلع لا نعلم عنه شيئاً. زينب التدمرية: بعد أن غلب الأمبراطور فاليريانوس على يد الفرس في سنة 260 وأُسر،وجلس على العرش ابنه غاليانوس. استطاع لاذينة صاحب تدمر أن يثبت مقدرته في الحرب والسياسة، فجعله غاليانوس امبراطوراً على الولايات الشرقية. إلى أن اغتاله أحد أقربائه. فحلَّ محله ابنه وهبة اللات من زوجته زينب. إلا أنه كان صغيراً وقاصر، تولّت الحكم عنه والدته. واتسعت رقعة سلطته، فشملت كل سورية ولبنان ومصر وقسماً من آسية الصغرى. وفي منتصف سنة 271 أعلنت زينب استقلالها عن الإمبراطورية الرومانية. وكان وقتها الامبراطور اوريليانوس، فهب إلى قتالها واسترجاع تدمر تحت العرش الروماني. فدخل تدمر وأسر زينب واقتادها إلى رومة من السنة نفسها. وفي هذا الوقت كان بولس السميساطي أسقفاً على أنطاكية. بولس السميساطي أسقفاً على أنطاكية: (260-268). أصله من مدينة سميساط. ويفترض به أنه كان يعرف عن اليهود ودينهم والتوراة قبل وصوله إلى الكرسي. وأن زينب اشتهرت بعطفها على اليهود. وساعدته على الوصول للكرسي الرسولي الأنطاكي. لتضمن نوعاً من التعاون بينها وبين مسيحيي عاصمة الشرق. ولما وصل إلى السدة، جعلت منه زينب موظفاً مدنياً عالياً وأسندت له مهام مالية وإشرافية ولقبته ب "ذوقيناريوس". وازدادت سلطته فأصبح ممثل ملوك تدمر في أنطاكية. حتى قال فيه الأساقفة الذين نظروا بأمره فيما بعد-كما سنرى- أنه لم يكن بمقدور أحد أن يجرؤ فيشكو جور هذا الأسقف فتاه بولس بنفسه وتكبر. وصنع لنفسه عرشاً عالياً في الكنيسة وأذن لمريديه بتقريظه. ومنع تسابيح السيد في في الكنيسة. مدعياً أنها -التسابيح- من وضع إنسان متأخر، واستعاض عنه بمزامبر داود وتسابيح خصوصية أُعدّت لتمجيده، تم إنشادها في الكنيسة. وراح ينتقد الآباء الأولين، ولعله خصَّ أوريجانوس أكثر من غيره مما أثار حقد الأساقفة من حوله إذ كان أوريحانوس قد علّم في أنطاكية وكان كثيرين من الأساقفة في عصر بولس تلاميذ عند أوريجانوس العلامة الكبير. ومما أثار انتباه الأساقفة أن بولس نشأ فقيراً واغتنى بطريقة غير شرعية. وخامرهم الشك بإقامته علاقات مع نساء، إذ ساكن النساء واصطحب بعضهن على الرغم من حداثتهن ومظهرهن المغري تمكن بلباقته وخطابه البليغ أن ينشئ حزب حوله. وكان فيه عدد من أساقفة وكهنة وشمامسة الريف. مما أدى إلى شق كنيسة أنطاكية إلى معسكرين أبناء الريف وأمهات المدن وأبناء المدن الكبرى، وبعبارة أدق، إلى وطنيين شرقيين من سريان وعرب وإلى يونانيين ورومانيين ومتهلنين. فكان من الطبيعي أن يرى المعسكر الأول في زينب زعيمة تسعى إلى التحرر من سلطة الرومان وكل ما يمت للغرب بصلة. وصفَّ بعض اليهود والوثنيون إلى جانبهم واظهروا استعطافهم عليهم وناصروا زينب في حركتها (التحررية). بولس ولونجينوس: أرسلت زينب في طلب لونجينوس الحمصي من أثينا ليأتي إلى تدمر ويتسلم زمام الأمور في الدفاع عن موقفها. بما عُرِف عنه من حجة وفصاحة ورجاحة، فأصغت إلى إرشاداته في السياسة. ومن المحتمل أن يكون بولس قد عرف لونجينوس وتأثر بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة. الذين يعطفون على توحيد اليهود وينكرون ألوهية المسيح. من هنا نستطيع أن نفهم ضلالة بولس في قوله أن المسيح "مخلوق" صالح، حمل روح الله في أحشائه. وتمسك بولس بظاهر التوراة ورفض التأويل الاسكندري. مقاومة أنطاكية بولس: حاول بولس أن يقاوم كل من أيّد رومة والحضارة اليونانية، والذين كانوا كثراً في أنطاكية. وحاولت زينب بدورها عن طريق لونجينوس أن تسميل هؤلاء بفصاحته. إلا أنهم ظلوا يعتبرونها بربرية ومتطفلة على الحضارة. وبالنسبة لليهود لم يُفضل البعض حكم زينب القريب على حكم رومة البعيد. بالرغم من استمالة بولس إلى عدد لا بأس به من الأساقفة إلى صفّه إلا أن كنيسة المسيح في أنطاكية كان ولا يزال فيها أساقفة أبرار حافظوا ويحافظون على تعاليم الرسل ودافعوا عن الإيمان ببسالة. وبهذا المقامة التي كانت ضد بولس كانت في صميمها مقاومة عقائدية، تهدف إلى تطهير كنيسة مدينة الله العظمى من بدعة بولس الفاسدة فتزعم هذه المقاومة الروحية في أنطاكية اثنان من أبناءها وهما دومنوس ابن ديمتريانوس الأسقف السابق وملكيون أحد معلمي الفلسفة والمنطق والفصاحة والبيان في مدارس أنطاكية الهلينية، وأحد أبناء كنيسة أنطاكية الأبرار. وهو الذي -كما حفظ لنا بطرس الشماس- تولى أمر المناقشة الرسمية في المجمع لاحقاً.
المزيد
22 يناير 2025

عُرس قانا الجليل

المعجزة: لقد قصدت العذراء أن تعلن ابنها للعالم بصفته المسيَّا، وكانت تستعجل مجده لأنها كانت تعلم ذلك بيقين، وتتحيَّن الفرصة باشتياق بالغ الشدَّة لكي تُشرك كل إسرائيل فيما أدركته وتحقَّقته من سر مجد المسيح رجاء الدهور كلها ولكن لم تكن العذراء الطيبة تُدرك أن بدء استعلان المسيح هو هو بدء ظهور شبح الصليب، ويوم الإعلان عن حقيقته ومجده هو هو بدء العد التنازلي لأسبوع الآلام!! «ما لي ولك يا امرأة لم تأتِ ساعتي بعد!» (يو2: 4). وما كان ألزم للعذراء جدًّا في نظر المسيح أن تبتعد عن سكة الصليب! وما كان أحوجها جدًّا في نظره أن لا تكون هي نفسها سبباً معجِّلاً للسيف الذي سيجوز في نفسها عندما تراه معلقاً على الصليب!ولكن من أجل إيمانها وثقتها المطلقة فيه ومن أجل تقديره الخاص لها، لم يردها عن سؤالها. وبعد عتاب قصير ومختصر استجاب لها، فكان بداية مجده وبداية آلامه معاً وعلى حد سواء!!ولكي نرفع الغموض الذي يحيط بمخاطبة الرب للعذراء قائلاً لها: «يا امرأة»، ينبغي أن ندرك أن المسيح يتكلَّم هنا من موقع الألوهة فهو على وشك إتيان معجزة خلق فائق الطبيعة، فهنا ابن الله يخاطب أماً بشرية!! وفي هذا الأسلوب يشير المسيح إشارة بليغة للعذراء أنه قد دخل في مجاله الإلهي لبدء خدمته العليا التي لا تحتمل بأي حال من الأحوال مشورة امرأة أو أي بشر، لقد قال لها مرَّة وهو ابن اثنتي عشرة سنة «ينبغي أن أكون فيما لأبي» (لو 2: 49)، أما هنا فقد دخل، وإلى الأبد، في علاقته السرية مع الآب، حيث ليست مشورة إلا من الآب فقط!!كذلك لا نستطيع أن نعبر بسهولة على طريقة العذراء القديسة في عرضها لسؤالها «ليس لهم خمر» (يو 2: 3). فهنا سؤال هو هو الصلاة بعينها، ولعلها أقصر صلاة وردت في الكتاب المقدَّس كله وأكثرها وثوقاً وتأكيداً وأمانة.ليت صلاتنا تكون هكذا مختصرة أشد الاختصار، واثقة أشد الوثوق، لا تزيد عن عرض واقعي لما هو حادث «ليس لهم خمر»!وبالرغم من رد المسيح الذي يكاد أن يحمل عدم الاستجابة أو على الأقل استنكاراً لسؤالها، إلا أن العذراء القديسة كانت تدرك أعماق المسيح الوديع، فلم يهتز يقينها من جهة استجابته لأعواز الناس، هذا ما تحقَّقت منه العذراء تماماً مدَّة ثلاثين سنة معه «مهما قال لكم فافعلوه» (يو 2: 5). وهنا ينكشف مدى قناعة العذراء في استطاعة المسيح اللانهائية، ويكشف مدى إدراكها لسر المسيح في استعداده المطلق للاستجابة!! ماء التطهير: الماء هنا للتطهير بغسل الأيدي والكؤوس والأباريق والصحائف النحاسية، ستة أجران، وليس سبعة، إشارة إلى أن استهلاكها يمتد على مدى ستَّة أيام الأسبوع فقط، أما السابع - السبت - فهو راحة، ولا يحتمل إجراءات التطهير، والجرن الواحد الحجري يسع من صفيحتين إلى ثلاثة، إذن فهي مساوية حجماً للأزيار الصغيرة المُستخدَمة الآن المسيح يجد في ماء التطهير مصدراً حسناً لإجراء المعجزة، لكي يوقف معنى التطهير الشكلي، فالماء تحوَّل كله إلى خمر. لقد انتهى الماء من الأجران، وبالتالي انتهى عصر التطهير بالماء في حياة الإنسان. الخمر في أجران وليمة العُرس هنا إشارة سريَّة تمتُّ بصلة وثيقة إلى خمر ليلة العشاء الأخير المقدَّم بوصفه الدم المزمع أن يسفكه على الصليب للتطهير الحقيقي بمغفرة الخطايا تحول ماء التطهير إلى خمر هنا هو عملية تمهيدية، أكملها المسيح ليلة العشاء بتحويل الخمر إلى دم حقيقي لمغفرة الخطايا إذن فالمسيح بتحويله ماء التطهير كله إلى خمر، كان يشير في الحقيقة إلى نفسه كمصدر حقيقي للتطهير «بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي» (عب 1: 3) كذلك فإن عملية تحويل الماء إلى خمر كأول عمل يأتيه المسيح بمعجزة في بداية خدمته الخلاصية، كانت عملية تنبيه عميقة لأذهان المترجِّين لخلاص إسرائيل، فهنا عصر موسى من جديد، عصر الخلاص، موسى الذي حوَّل الماء في أنهار مصر إلى دم، وفي بداية خدمته أيضاً، لإظهار قوة الله ومجده على يديه، لعل شعبه يؤمن به ويستجيب لعمل الخلاص المزمع أن يقودهم فيه، لذلك يشير إنجيل يوحنا إلى ذلك خفيًّا عند قوله: «وأظهر مجده فآمن به تلاميذه.» (يو 2: 11) وينبغي هنا أن نلفت نظر الباحث إلى أن يوحنا الحبيب وحده هو الذي سجَّل لنا هذه الحادثة في إنجيله، والعلَّة في ذلك ظاهرة لأن التلاميذ لم يكن عددهم قد تكامل بعد عند إجراء هذه المعجزة، فالذي حضرها على وجه التحقيق خمسة تلاميذ كان أولهم يوحنا. ومعلوم أن يوحنا الرسول فوق أنه كان شاهد عيان لهذه المعجزة، فهو الوحيد أيضاً الذي اطَّلع على دقائق الحوار الذي حدث بين المسيح والعذراء سرًّا، وذلك بسبب تواجد العذراء معه وفي بيته مدَّة طويلة بعد الصليب، وهي التي أخبرته بكل الأمور كذلك ينبغي للقارئ أن يكون على بيِّنة من الأسلوب السرِّي العجيب الذي يكتب به يوحنا الرسول إنجيله، فهو يطرح الحديث والقصة والمعجزة ببساطة متناهية، ولكن مقاصده عميقة وأهدافه جليلة للغاية. وهنا في قصة عُرس قانا الجليل إشارتان خطيرتان تهدف إليهما القصة من أولها لآخرها: الإشارة الأولى تختص بالمسيح العريس أو ”الختن“ الحقيقي معلَناً من خلال ”وليمة المسيَّا“. والإشارة الثانية «الخمر الجيد» الإفخارستيا، وسر الكنيسة، ومحور الخلاص، والفداء الكنيسة انتبهت منذ البدء للخلفية السريَّة التي تتحرَّك في إطارها قصة عُرس قانا، فربطت الكنيسة في تعاليمها وفي أيقوناتها بين معجزة عُرس قانا الجليل (الخمر فرغ) وبين معجزة الخمس خبزات والسمكتين (الجموع الجائعة)، باعتبارهما التفسير الحي الواقعي الذي قدَّمه الإنجيل لمفهوم الإفخارستيا الروحي والإيماني، حيث يتركَّز في عُرس قانا مفهوم ”التحوُّل“ على أعلى وأوضح مستوى من التفسير. أما في معجزة الخمس خبزات فيتركَّز مفهوم اللامحدودية واللانهائية في سر الخبز (الجسد)، حيث الشبع المتولد منه والفائض يفوقان الأصل المنظور والمحسوس بدون قياس ويلاحظ في المعجزتين أن الحاجة والجوع كانا الدافع لإجراء المعجزة، والإشارة هنا إلى الحالة الداخلية. فالحاجة إلى الخمر إشارة إلى الحاجة إلى الروح القدس للعزاء والسرور ورفع الهموم والغموم، والجوع الشديد إشارة إلى العوز إلى ”الجسد“ أي الكلمة طعام الحق للحياة الأبدية. المسيح في كلتا الحالتين وقف يسد أعوازنا كمصدر حقيقي للملء والسرور حتى الشبع، وهو لا يرضى أبداً أن يكون فرحنا وملؤنا من السوق، سوق العالم، مهما كان معنا من ألوف الدينارات!! «لا يكفيهم خبز بمئتي دينار.» (يو 6: 7) كذلك فإن التركيز على تحويل ماء التطهير إلى خمر ”جديدة“ في عُرس قانا لا يجعل العقل يفلت من إدراك قصد المسيح في اختيار عُرس قانا لبدء الإشارة إلى العهد الجديد «لأن الناموس بموسى أُعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا.» (يو 1: 17) وإنجيل يوحنا لا يطرح القصة بدون تمهيد إلهامي مثير للدهشة، إذ يبدأها بقوله: «وفي اليوم الثالث كان عُرس في قانا» (يو 2: 1). أما الذهن الروحي النشيط فلا يمكن أن يعبر على هذه اللفتة دون أن يدرك قصد الإنجيل. فاليوم الثالث في بداية هذا الأصحاح لا يعني شيئاً بحسب الحرف، أما عند المسيح والكنيسة كلها بل وبمقتضى نبوَّات العهد القديم فهو يشير إلى القيامة. إذن فقصَّة عُرس قانا بجملتها يضعها الروح بمحاذاة ”مجد“ القيامة، المسيح في إنجيل يوحنا يحقِّق قيامته منذ أول خدمته!! والمسيحي كذلك يدخل إلى مجد القيامة مع ”بني العُرس“ بعد سر المعمودية مباشرة. والكنيسة، بمقتضى الطقس، تحسب المسيح أنه عريسها لا منذ بدء معموديته، بل منذ أخذ اسمه ”يسوع“ المخلِّص شعبه، وذلك في يوم ختانته حيث الختانة هي التأهيل الطقسي لصلاحية العريس. لذلك فالكنيسة تسمِّي المسيح ”الختن“ الحقيقي، أي العريس الطقسي بالنسبة لها، فالكنيسة هي «امرأة الخروف» الذي ذُبح المسيح من أجل فدائها وتقديسها وهي الآن تتزيَّن له (رؤ 21: 2 و9). فـ”الختن“ و”العريس“ كلمتان مترادفتان في اللغة الأرامية التي كان يتكلَّم بها المسيح! «حينئذ قالت عريس دم، من أجل الختان» (خر 4: 26). والتشديد في قصة ”قانا الجليل“ يتركَّز على ”العُرس“ للإشارة إلى من أي مكان يبدأ المسيح خدمته: من حفلة عرس ليعلن نفسه كمصدر فرح للبشرية، وكإشارة إلى مركزه ”كعريس“ للبشرية المفدية. يوحنا المعمدان أيضاً يبدأ خدمته بالنسبة للمسيح، بالإشارة إلى المسيح كعريس، وإلى نفسه كصديق للعريس: «كشارب خمر (بالروح)» مع بني العرس، أي كشريك فرح (سمائي) ولكن ليس «كصاحب أو كمصدر الفرح». تحويل الماء إلى خمر جيد يشير إلى تحويل أحزان البشرية وعرق تعبها وكدها إلى فرح حقيقي: «مَنْ له العروس فهو العريس. وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس. إذاً فرحي هذا قد كمل.» (يو 3: 29) إذن فعرس قانا الجليل بالنسبة لنا هو حياتنا الجديدة، هو مصدر الفرح الحقيقي والدائم، حيث ينبع فرحنا باستمرار من ”صوت العريس“، عندما يأمر كل يوم أن يتحوَّل ماؤنا ودموعنا إلى خمر جيد، ليس في أجران متسعة، ولكن في ”كأس“، لأن الشبع والملء هما الآن على مستوى السر والروح. الكنيسة في كل يوم أحد هي في حفلة عُرس، وكأنها تقيم في قانا الجليل! إنجيل يوحنا يركِّز أيضاً على أن المسيح لا يبدأ المعجزة من فراغ أو من دائرة أبعد أو أرفع أو أقل من عالمنا، فهو لم يخلق الخمر من لا شيء، كما سبق ورفض أن يحوِّل الحجارة إلى خبز. ولكن من صميم مائنا يجري ”التحوُّل“، ومن صميم خبزنا يدخل ”البركة“. القصد هنا ينصبُّ على تقييم معنى وأسلوب حياتنا مع الله في العهد الجديد، على أساس عدم نقض أو إلغاء الواقع المادي أو الترفُّع عنه، ولكن تغييره إلى ما هو جديد وحق؛ وعلى عدم احتقار الموجود والمحدود، بل تكثيره بسر الشكر والبركة إلى ما يفوق العقل والحدود. والمسيح هو في سر التحوُّل حتى الملء وفي سر البركة والنعمة حتى الكمال «ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا. ونعمة فوق نعمة» (يو 1: 16)، «فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين.» (يو 6: 13) فماء اليهود الذي للتطهير المحلي والجزئي على مستوى اليد والكأس، حوَّله المسيح لنا إلى خمر الإنجيل، أساس سر الدم والفداء الذي يطهِّر ضمير العالم كله. وخبز العرق والدموع الذي حمله الصبيان معهم لحاجة رحلتهم القصيرة عبر بحيرة طبرية أخذه المسيح في يديه وغرس فيه البركة، وجعله مصدر شبع وفيض للعالم كله، منذ ذلك اليوم إلى منتهى أجيال الدهور!! «الطعام الباقي للحياة الأبدية.» (يو 6: 27) وعطية المسيح دائماً يبدو جمالها وتبدو جودتها في النهاية بعكس عطية العالم: «كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً ... أما أنت فقط أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن.» (يو 2: 10) وليس عبثاً أن يذكر إنجيل يوحنا كيف يبدأ المسيح خدمته في عُرس قانا بحضور أُمه العذراء وينهي خدمته بحضورها أيضاً على الصليب، لأنه كان هو بنفسه شريكاً معها في هذا وفي ذاك، فهو تلميذ حضن يسوع أما هي فأُم العريس بالدرجة الأُولى وشريكة في فرحه وآلامه بالضرورة، حيث لا يمكن فصل مجده في فرحه عن مجده في آلامه لأن في هذا يتمجَّد وبذلك يتمجَّد. لأنه في عرس قانا أظهر مجده، وعلى الصليب أكمل مجده!! في عرس قانا تمجد، وفي أحزان بيت عنيا تمجد!! المسيح إذن هو مجدنا في الفرح والحزن سواءً بسواء! فالمجد يتبع المسيح أينما سار. وأظهر مجده فآمن به تلاميذه: لقد تحيَّر المفسِّرون، وما هو مجده في آية تحويل الماء إلى خمر؟ أهو في المعجزة ذاتها أم في الظروف التي أحاطت بها؟ فإن كانت في المعجزة ذاتها فالذي آمن به هم تلاميذه فقط، إذن فالمعجزة لم تكن بالدرجة الكافية لتبهر غير الأخصَّاء. أما الظروف المحيطة بالمعجزة فهي لا تزيد عن كونها مشاركة اجتماعية مفروضة على ذوي الولاية من القربى أو من رجال الدين. إذن فأين يكمن مظهر المجد الذي استُعلن لتلاميذه من هذه الآية حتى آمنوا به؟ هنا يلزمنا أن ندرك أن أعمال الله تحتاج إلى أُذن مفتوحة مهيَّأة للسمع وعين مُبصرة مستعدة للرؤيا ... أُذن التلاميذ كانت مفتوحة وعيونهم كانت على أعلى درجة من الترقُّب للرؤيا، لأن علاقتهم بالمسيح لم تكن قد تجاوزت في جملتها أكثر من أسبوع واحد. إذن فالمعلِّم كان تحت الفحص الدقيق والملاحظة الشديدة والترقُّب المستبشر جدًّا والمستعد لإدراك أقل حركة فائقة وترجمة أي عمل خارق، وذلك بحساسية مرهفة غاية الإرهاف. لهذا عندما رأوا بعيونهم الماء وهو يُصبُّ في الأجران أمامهم، ثم رأوه يُرفع هو نفسه خمراً، وذاقوه وتحقَّقوه، حدثت في الحال المعجزة، لا معجزة تحويل الماء إلى خمر بل معجزة إيمانهم!! لقد آمنوا بالمسيح كليَّة!! إذ رأوا في هذا العمل أقصى ما يمكن أن يتمنوه أو يتصوَّروه وهو اختراق معلِّمهم لحاجز المادة. إذن، فهذا هو المسيَّا بكل ثقة وتأكيد. لقد انطبقت في أذهانهم كل كلماته العذبة وتعاليمه السابقة المنيرة على هذه القدرة الخارقة! لذلك كانت آية عُرس قانا الجليل آية المجد الأُولى لمعلِّمهم وأعظم الآيات طُرًّا في حياة التلاميذ الخمسة الأوائل، ويوحنا بالدرجة الأُولى!! ولكن ما كان أحوج التلاميذ، وما أحوجنا معهم أن نكون دائماً على هذا المستوى من الحساسية والإرهاف الشديد في تتبُّع أعمال المسيح في حياتنا ودنيانا. إنه كل يوم يحوِّل كل شيء أمامنا وفي حياتنا، ولكن الحاجة أشد الحاجة إلى الأُذن التي تسمع والعين التي تُبصر! إن كل شجرة - وليست العُلَّيقة وحدها - مشتعلة بالنار الإلهية ولا تحترق، ولكن ذا العين المفتوحة هو وحده الذي يرى وهو وحده الذي يخلع نعليه! وماؤنا يتحوَّل كل يوم إلى خمر، وخمرنا إلى قداسة وإلى حياة أبدية، والقريبون المترقِّبون هم وحدهم الذين ينظرون ويذوقون الرب ويتهلَّلون ... القمص المتنيح متى المسكين
المزيد
21 يناير 2025

عُرس قانا الجليل

هذا العيد محسوب من أعياد الإبيفانيا التي كانت تعيِّد لها الكنيسة معاً: الميلاد، وزيارة المجوس، والختان، والعماد، وعُرس قانا الجليل كذلك بخصوص هذا العيد السيدي يسجِّل لنا القديس إبيفانيوس أسقف قبرص (315 - 403م) لمحة عن اهتمام الكنيسة القبطية بالتعييد له مع عيد الغطاس منذ القديم في قوله:[وتقيم الكنيسة القبطية عيد عُرس قانا الجليل في 11 طوبة (مع عيد الغطاس) حيث يعتقد الشعب بإمكانية تحوُّل مياه الينابيع ومياه النيل بحسب الإيمان الطيب الصادق إلى خمر، كذكرى سنوية لمعجزة المسيح]( 1). قانا الجليل تبعد ستة أميال شمال شرق الناصرة، أي على بُعد ساعتين مشياً على الأقدام. العذراء مريم سبقت المسيح وتلاميذه كعادة تواجد النساء معاً منذ بداية العُرس (مدته 7 أيام)، والمسيح يحضر في الوقت المناسب دائماً (بعد فراغ الخمر)، مع تلاميذه الذين لم يكتمل عددهم إذ لم يكن قد مضى سوى ثلاثة أيام على دعوة نثنائيل، وفيلبس قبله بقليل، وأربعة أيام على دعوة أندراوس وبطرس، أما يوحنا فلم يتجاوز الأسبوع منذ أن انتقل من مرافقة يوحنا المعمدان إلى مرافقة يسوع. إذن، فلم يتجاوز عدد التلاميذ يوم عُرس قانا الجليل عدد أصابع اليد الواحدة تأتي هذه المعجزة كبداية آيات وبداية خدمة المسيح، بعد معموديته، كما تأتي كأول مقابل لخدمة يوحنا المعمدان، لأنها تعطي أوضح صورة للمسيح «ابن الإنسان»: هذا بالماء والنسك والامتناع الكلِّي عن الخمر وحياة البراري، وهذا بعرس قانا الجليل وبتحويل الماء إلى خمر، حيث التنبيه الذي تستحدثه المعجزة هنا يتركَّز في الدعوة إلى الانتقال من الماء - رأسمال يوحنا المعمدان - كقوَّة للتطهير وللتغيير بالتوبة والسلوك، إلى المسيح نفسه كقوَّة فائقة عُظمى للتغيير في صميم الطبيعة وبالتالي في سلوكها!!فالمسيح هنا إذ يُخضع الماء ويحوِّله إلى ما ليس ماءً بسلطان كلمته، ينبِّه بشدَّة إلى أن القوة التي يتوق إليها الإنسان للتغيير والتوبة والفرح والعزاء كائنة أصلاً في المسيح وفي كلمته!!كما أن المعجزة تشير كذلك إشارة خفية مُبدعة إلى أن الخمر، بحضرة المسيح، لم يعد هو مصدر الانتعاش والانتقال من الكآبة والهم إلى الفرح والتهليل، إذ يوجد الآن مَنْ هو أقوى فعلاً وأثراً من الخمر، المسيح الذي يخلق طبيعة الخمر ذاتها خلقاً!! وبالتالي كل ما في الخمر من قوَّة، وأكثر!! «(حُبَّك) حبيبي أطيب من الخمر»!! (نش 1: 2)التركيز إذن في هذه المعجزة ينصبُّ في كلمة واحدة: المسيح كمصدر ”التحوُّل“. المسيح ينبِّهنا في بداية آياته وبداية خدمته أنه جاء ليكون هو وحده ”مصدر التحوُّل“ في حياة الإنسان: إذن لا بالنسك ولا بالبراري يكمن سر التغيير، ولا بالتطهيرات بالماء أو بالدعاء، ولا في إيليا ولا يوحنا ولا بالأنبياء، ولكن في المسيح يتم تحوُّل الإنسان، كما تحوَّل الماء سرًّا وبدون أي صلاة أو دعاء أو أي حركة ما، إلى ما ليس ماءً، إلى خمر جديد جيِّد، هذا الذي كان يتوهَّم الإنسان أن فيه راحته. معنى العُرس في التقليد العبري: مراسيم العُرس في التقليد العبري الأصيل وما يلازمه من احتفالات، تحمل معاني أعمق بكثير من كونه ”فرحاً“ أو حفلة أو مناسبة اجتماعية للسرور والمجاملات. والذي ننقله إلى القارئ من تقليد العُرس العبري في أيام المسيح هو من التلمود وكتب اليهود الطقسية القديمة كما يقدِّمها لنا أحد الحاخامات المتنصِّرين(2). وخلاصة القول أن العُرس كان يُعتبر نقطة حاسمة في حياة الشاب والشابة، يصوم كلاهما قبل التقدُّم إليه ويعترف كل منهما بخطاياه. فالزواج كان يُقدَّر في التقليد العبري على كونه بمثابة ”سر“، حتى أنه بمجرَّد تتميم عقد الزواج يحدث غفران تلقائي لكل خطايا الإنسان السالفة. ويعطينا سفر التكوين صورة واقعية بهذا المعنى، فامرأة عيسو التي كان اسمها قبل الزواج ”بسمة“ ونُطقها العبري الصحيح ”باسيمات“ (تك 36: 3) صار اسمها بعد الزواج ”محلة“ ونُطقها العبري الصحيح ”ماحلات“ (تك 28: 9) ومعناها ”محالة الخطايا“ أو ”مغفورة الخطايا“. وكان المعروف أن العلاقة التي تربط العريس بالعروس هي على نمط ما هو قائم بين يهوه وشعبه ككل!! وهذا يردِّده الكتاب المقدَّس مراراً وتكراراً حتى صار من صميم تعاليم الربِّيين. وهكذا كان ارتباط العريس بالعروس يوم القران - في مفهوم الشعب - يقوم على أساس ارتباط الله بإسرائيل. لذلك كان الاهتمام الشديد لحضور أي حفلة عُرس بالنسبة للشعب وقادته ينبع من مفهوم الشركة في تعميق سر ارتباط الله مع شعبه، وتكريم قيام وثبوت وعود الله الخاصة بازدهار الأُمة! بهذا المعنى كانت حفلة العرس يُعتنى بتنسيقها جدًّا، وبتوفير مصادر الفرح لها من قِبَل الأغنياء ورجال المجمع، إذا كان الزوجان فقيرين، لأن ذلك يُحسب تكريماً للعلاقة التي تربط الله بالمجمع وبالشعب!! وبالتالي كانت مراسيم الزواج المفعمة بالخشوع والتقوى والإحساس الديني تتخلَّل حفلة العرس ذاتها من أول لحظة إلى آخرها كحفلة مقدَّسة، حيث يكون السرور والفرح والرقص والتصفيق باليدين وشرب الخمر، بعد الصلاة بالبركة عليه(3 ). كل هذا، على المستوى الديني، لا تشوبه أي شائبة انحلالية، بل كأعمال مقدَّسة تكريماً للرب ”يهوه“. بل إن مجرَّد الخطوبة التي تسبق الزواج والتي نسمِّيها الآن؛ ”جي بنيوت“، أي قراءة «أبانا الذي»، كانت تسمَّى بالعبرية ”عروسين قدوشين“، أي دخول العروسين في القداسة!! وحين كان يقف أحد المسئولين أو الكهنة ليعدِّد أوصاف وفضائل وجمال العروس كان هذا يُحسب ضمن الطقوس المقدَّسة!! كل هذا يجعل حضور المسيح حفلة عُرس لعريسين فقيرين «ليس لهم خمر»، أمراً طبيعياً يدخل في صميم رسالته كعريس حقيقي لكل نفس، خاصة وأنه أول عمل يأتيه مدعَّماً بآية. فإن كان حضور العُرس محسوباً أنه خدمة دينية وواجب لكل إسرائيلي ولكل ذي غيرة، فإنه بالنسبة للمسيح هو بمثابة تقييم جديد لمعنى العُرس في العهد الجديد. إذ بحضوره تمَّ حضور الله. وهكذا أصبح الزواج المسيحي مدموغاً منذ عرس قانا حتى اليوم بطابع ”السر الإلهي“، حيث مفهوم سر الزيجة ينحصر في معنى ”حضور المسيح“، لجعل رباط الزيجة قائماً ودائماً بين ثلاثة وليس بين اثنين «فالذي جَمَعَهُ الله لا يُفرِّقه إنسان» (مت 19: 6)!! حيث المسيح في كل زيجة هو مقيم الوعد وضمين العهد بين الزوجين، لتحويل الحياة من مستواها الزمني العادي إلى مستواها الخالد والأبدي، بسر حضور الله (على مستوى تحويل الماء إلى خمر)! وعندما قصد المسيح أن تكون بداية خدمته واستعلان مجده من داخل عُرس، لم يكن إلا مشيراً بإصبع المناسبة والآية إلى نهاية خدمته، حينما يستدعينا جميعاً إلى عُرسه الخصوصي لحضور «عشاء عُرس الخروف» (رؤ 19: 9)، حيث نكون نحن موضوع هذا العُرس، وموضعنا موضع العروس!! «لأني خطبتكم لرجُلٍ واحد لأقدِّم عذراء عفيفة للمسيح.» (2كو 11: 2) إذن فآية عُرس قانا الجليل تعود أيضاً ومن طرف خفي لتنبهنا إلى مكانة المسيح الحقيقية سواء في ”قانا“ أو في حياتنا، فهو العريس الحقيقي أينما حضر، ونحن معه دوماً أينما كان وأينما كُنَّا، كعروس تتبع دائماً عريسها، إذن فعُرس قانا هو عُرسنا، والعريس فيه هو عريسنا، والعروس فيه هي نفسنا آه يا نفسي متى تدركين موقعك من المذود والأردن، ومن قانا والصليب، والقبر والسماء؟ القمص المتنيح متى المسكين وللحديث بقية
المزيد
20 يناير 2025

تأملات في عيد الغطاس المجيد

إنه عید الغطاس أو عید العماد ھذا العید یسمونه أیضًا بعید الظھور الإلھي (الثیئوفانیا) إذ فیه ظھر الثالوث القدوس الابن یعتمد،والآب من السماء یقول"ھذَا ھُوَ ابْني الْحَبِیبُ الَّذِي بِھِ سُرِرْتُ" (مت ۳: ۱۷ )، والروح القدس "نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِیًا عَلَیْھِ" (مت ۳: ۱٦ ). لذلك فإن عماد السید المسیح یظھر عقیدة الثالوث. وھكذا یكون العماد دائمًا باسم الثالوث حسب قول الرب لتلامیذه قبل صعوده "فَاذْھَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِیعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوھُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت ۲۸: ۱۹ ) ولم یقل بأسماء، لأن الثلاثة واحد كما ورد في ( ۱یو ٥: ۷) "الَّذِینَ یَشْھَدُونَ فِي السَّمَاءِ ھُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ،وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ وَھؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ ھُمْ وَاحِدٌ" وحسنًا أن الكنیسة سمت ھذا العید بعید الغطاس لأنھا بذلك تذكِّر الشعب فیه أن السید المسیح تعمد بالتغطیس، كما قیل إنه لما اعتمد "صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ" (مت ۳: ۱٦ ). وتذكرھم أیضًا أن المؤمنین في العھد الجدید یتعمدون بالتغطیس وھكذا تعمد الخصي الحبشي في بدایة العصر الرسولي على ید فیلبس "وَلَمَّا صَعِدَا مِنَ الْمَاءِ،خَطِفَ رُوحُ الرَّبِّ فِیلُبُّسَ" (أع ۸: ۳۹) وأیضًا لأن المعمودیة صبغة (باللاتینیة Baptisma ) والصبغة تتم بالتغطیس. ولأن المعمودیة دفن مع المسیح (كو ۲: ۱۲ )، والدفن یتم بالتغطیس في القبر كذلك في كل الآثار القدیمة، نجد أن العماد كان یتم في جرن یسمى(جرن المعمودیة) وھذا یدل على أن المعمودیة كانت بالتغطیس نذكر أیضًا أن السید الرب تقد م إلى معمودیة یوحنا وھو غیر محتاج إلیھا معمودیة یوحنا كانت معمودیة التوبة. ولم یكن السید المسیح محتاجًا إلى توبة فلماذا تعمد؟ تعمد نائبًا عن البشریة في الدخول إلى معمودیة التوبة كما صام عنا، وھو غیر محتاج إلى صوم، وكما مات عنا وھو غیرمستحق للموت كل ذلك لیدفع ثمن خطایانا ھو أیضًا تقدَّم إلى المعمودیة لكي یكمل كل بر (مت ۳: ۱٥ )، لكي لا یبكته أحد على خطیة لكي یكون أمام الكل خاضعًا للناموس، مع إنه فوق الناموس إن السید المسیح ما كان خاطئًا لیتقدم إلى معمودیة التوبة. ولكنه كان (حامل خطایا). حمل خطایا العالم كله. وبھذا شھد عنه یوحنا الذي عمده (یو ۱: 19) لقد حمل السید خطایا العالم، ونزل بھا إلى المعمودیة. وكذلك حمل ھذه الخطایا على الصلیب، ومحاھا بدمه "كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِیقِه، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَیْه إِثْمَ جَمِیعِنَا" (إش ٥۳: ٦) السید المسیح مع أنه بار بلا خطیة، وقد تحدى الیھود فیما بعد قائلاً "مَنْ مِنْكُمْ یُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِیَّةٍ؟" (یو ۸: ٤٦ )، لكنه تمم طقس معمودیة التوبة فوجدناه یسیر كما سار باقي الشعب الخاطئ متقدمًا نحو معمودیة التوبة كلھم تعمدوا معترفین بخطایاھم أما ھو فتعمد حاملاً خطایا الشعب كله ومن تواضع الرب أیضًا أنه نال العماد من یوحنا رئیس الكھنة الأعظم، ومانح الكھنوت، ینال المعمودیة من أحد كھنته من إنسان اعترف قائلاً له "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ" (مت ۳: ۱٤ )، كما اعترف قائلاً "لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُیُورَ حِذَائِه" (یو ۱: 2٦). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
19 يناير 2025

الظهور الإلهي عند ق. يوحنا ذهبي الفم

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن كثيرين يحتفلون ويعرفون أسماء الأعياد، ولكنهم يجهلون الأسباب التي من أجلها صارت هذه الأعياد إن احتفال اليوم كما يقول، يسمى "أبيفانيا" أي ظهور، وهو معروف للجميع، ولكن هذه الأبيفانيا، هل هي واحدة أم أثنين. هذا ما لا يعرفونه. فبينما يحتفلون بهذا العيد كل عام، إلاّ أنهم يجهلون أمره هكذا أراد القديس يوحنا ذهبي الفم أن يوضح بعض الحقائق الغائبة عن الشعب فيما يختص بعيد الظهور الإلهي. فالأمر بحسب رؤيته لا يتعلق بظهور واحد، بل بظهورين، واحد هو الذي حدث في مثل هذا اليوم، والثاني سيحدث بطريقة مجيدة في المستقبل، في المجيء الثاني. ويستند في هذا إلى ما قاله الرسول بولس، عن كل ظهور من الاثنين. فيما يختص بالظهور الأول، يقول: " لأنه قد ظهرت نعمة الله المُخلِّصة لجميع الناس معلِّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر" وعن الظهور الثاني في المجيء الثاني يكتب "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تي11:2ـ13) ويقول يوئيل النبي وعن هذا الظهور الثاني " تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف" (يوئيل2ـ31) ثم يتساءل ق. يوحنا ذهبي الفم لأي سبب سُمى ”أبيفانيا“؟ يقول بسبب أن المسيح صار معروفاً للجميع، عندما تعمد، لأنه حتى ذلك اليوم، لم يكن معروفاً من الكثيرين. هذا ما يتضح من قول يوحنا المعمدان " وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي. الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس" (يو1ـ33). ثم يطرح القديس يوحنا ذهبي الفم تساءل أخر، وهو لأي سبب آتى المسيح ليعتمد، وما هو نوع معموديته؟ ويجيب على ذلك بالآتي كانت توجد المعمودية اليهودية، وهذه المعمودية كانت معنية بنظافة الجسد فقط، وليس بخطايا الضمير، مثل مس عظام الأموات، تناول الأطعمة المحرمة، الاقتراب من الأموات، مثل هذا كان عليه أن يغتسل، ويبقي دنساً حتى المساء، بعد ذلك يتطهر، هكذا جاء بسفر اللاويين " من مس فراشه (الذي له السيل) يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء" (لا15ـ5). وبعد ذلك يتطهر. وقد أعدهم الله بهذه الممارسات لتلك اللحظة، لكي يكونوا أكثر استعداداً، وفي صورة أفضل لفهم الأمور الأكثر سمواً إذاً فالمعمودية اليهودية لم تكن تخلِّص من الخطايا، ولكنها فقط كانت معنية بالتطهير من النجاسة الجسدية. ثم كانت هناك معمودية يوحنا والتي هي بالتأكيد أفضل من المعمودية اليهودية، لكنها أقل من معموديتنا فهي بمعنى ما تمثل جسراً بين المعموديتين. لأن يوحنا لم يقد الشعب نحو حفظ التطهيرات الجسدية، لكنه نصحهم ووعظهم أن يبتعدوا عن هذه الأمور (الخاصة بالجسد فقط) وعن الخطية، ويعودوا إلى الفضيلة، وأن يعتمدوا، ويترجون خلاصهم بالأعمال الحسنة وليس بنظافة الجسد بالماء. فهو لم ينصح بغسل الملابس وغسل الجسد، لكي يصيروا في حالة نظيفة، بل قال: " أصنعوا ثماراً تليق بالتوبة" (مت8:3) أما من جهة أن معمودية يوحنا هي أفضل من المعمودية اليهودية، وأقل من معموديتنا نحن، فهذا راجع إلى أن معمودية يوحنا لا تمنح الروح القدس، ولا تهب غفران الخطايا، الذي يعطى بالنعمة الإلهية، لأن يوحنا كان يكرز بالتوبة فقط، ولا يملك سلطان غفران الخطايا. ومن أجل هذا قال: " أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت11:3) وهنا تحديداً يطرح سؤال آخر، حول معنى عبارة " بالروح القدس ونار"؟ في الحقيقة هذا الأمر مرتبط بحادثة حلول الروح القدس يوم الخمسين، حيث ظهرت ألسنة من نار أمام الرسل وحلّتْ على كل واحد منهم أما من جهة أن معمودية يوحنا لم تكن تملك منح الروح القدس، ولا غفران الخطايا، فهذا واضح من اللقاء الذي تم بين الرسول بولس وبعض التلاميذ، فعندما سألهم: " هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم. قالوا ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم فبماذا اعتمدتم. فقالوا بمعمودية يوحنا. فقال بولس إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة" (أع2:19ـ4) هكذا يظهر من هذا الحوار القصير، أن معمودية يوحنا، كانت للتوبة فقط، ولم تكن معمودية غفران. السؤال الآخر المطروح، لأي هدف كان يوحنا يعمد؟ كان يوحنا يعمد تمهيداً لمجيء المسيح الذي كان يعمد بالروح بحسب شهادته هو شخصيًا " الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض فهو أرضي ومن الأرض يتكلم" (يو31:3). ثم يكمل " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو36:3) ولذلك يخبرنا سفر الأعمال، في الحوار الذي أشرنا إليه، والذي دار بين ق. بولس والتلاميذ، أن التلاميذ " لما سمعوا من بولس اعتمدوا باسم الرب يسوع ولما وضع يديه عليهم حل الروح القدس عليهم" (أع4:19ـ6). وهكذا كما هو واضح أن معمودية يوحنا كانت ناقصة، وإلاّ لما كان ق بولس قد عمّدهم ووضع عليهم يديه. د. سعيد حكيم يعقوب
المزيد
18 يناير 2025

يوحنا المعمدان ليلة عيد الغطاس

هذا اليوم يا أحبائىِ يوم عيد الظهور الإِلهىِ الذى تُعطيه الكنيسة مقام عالىِ جدا وتجعلهُ أحد الأعياد السيّديّة الكُبرى وتجعل لهُ إحتفال وصلوات خاصة بهِ بِطقس فرايحىِ فهى مُناسبة كُلّها فرح وكُلّها سرور لأنّ الله صار كواحد منّا وبِكر بين الخليقة ومن خلال صلوات عيد الغُطاس نشعُر أنّ الكنيسة بتُشير بقّوة جداً لِشخصية يوحنا المعمدان والكنيسة بتضع يوحنا المعمدان فىِ رُتبة عالية جداً0 عظمة يوحنا المعمدان :- فنحنُ نجد أنّ كُل القديسين بنطُلب صلواتهُم أمّا الشفاعة فنطلُبها من الست العدرا ويوحنا المعمدان ، يكفىِ شِهادة الرب يسوع نفسهُ إنّهُ أعظم مواليد النساء وأعظم من نبىِ والكنيسة بِتضعهُ بعد أيقونة السيد المسيح والكنيسة تُلّقبهُ بالسابق فهو الذى مهدّ لربنا يسوع المسيح وكانوا يسألوهُ هل أنت إِيليّا مَن أنت فواضح من السؤال أنّهُ كان شاغلهُم " ماذا تقول عن نفسك " فكان شخصية مُحيّرة جداً لدرجة أنّهُ مَن بِداية ميلادهُ يقولوا أنّهُ " وقع خوف على كُل جيرانهُم " ومَن بطن أُمهِ إمتلأ بالروح القُدس " وكان ينمو ويتقّوى بالروح وكان فىِ البرارىِ إلى يوم ظُهورهِ لإسرائيل " ( لو 1 : 80 ) " ويتقدّم أمامهُ بروح إيليّا وقّوتهِ ليرُدّ قلوب الآباء إلى الأبناء والعُصاة إلى فِكر الأبرار لكى يُهيّىء للرّب شعباً مُستعداً "( لو 1 : 17 ) فهو أتى ليُهيّىء للرّب شعباً مُستعداً لِذلك نشعُر أنّ الكِتاب المُقدّس يُكرمهُ وحياتهُ تُكرمهُ لأنّهُ نبىِ وأعظم من نبىِ فكُلّما نقترب من يوحنا المعمدان نشعُر بِعظمتهُ ، عظمتهُ فىِ مولدهِ ، لدرجة أنّهُ يتكلّم مع هيرودس بجبروت ، لأنّ الحق الذى بِداخلهُ حق لابُد أن يُعلن لا يستطيع أن يكتمهُ ، فضلّ أن يكون بِلا رأس على أن يكون بِلا ضمير ، لم يُفضلّ السكينة والطُمأنينة ، وهو لم يكُن فقط وبخّ هيرودس لسبب هيروديّا إمرأة فيلُبّس أخيهِ ولكن " لسبب جميع الشرور التى كان هيرودس يفعلها " ( لو 3 : 9 ) فالكُل عارف وساكت لكن يوحنا لا يستطيع أن يكتم ، ولكن الحق تجدهُ بيعلنهُ وبِجبروت ، إنّهُ أعظم من كُل الأنبياء ، فإنّهُ يوجد أنبياء عُظماء جداً ولكن يوحنا جاء" ليُعدّ طريق الرب " فهو جاء ليفرش للملك ، جاء ليُهيّىء القلوب " أعدّوا طريق الرب إصنعوا سُبلهُ مُستقيمة " وأشعياء قال " صوت صارخ فىِ البريّة " ومَن هو الصوت ؟! هو يوحنا المعمدان ، وكان يعيش فىِ البرارى وإختفى فىِ البريّة إلى يوم ظهورهُ لإسرائيل وبالتأكيد إكتسب من البريّة أشياء كثيرة ، لِذلك فهى أعطتهُ عظمة ، أعطتةُ قوة " كُل وادٍ يمتلىء وكُل جبلٍ وأكمه ينخفض وتصير المُعّوجات مُستقيمة والُشعاب طُرقاً سهلة ويبُصر كُل بشرٍ خلاص الله " إبتدأ يُكلّمهُم بكُل قوة " والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجرة0 فكُلّ شجرةٍ لا تصنعُ ثمراً جيّداً تُقطع وتُلقى فىِ النار " ( لو 3 : 9 ) ، ما هذا الكلام القوى فهذا هو يوحنا المعمدان ، صوت مُوبّخ لكُلّ نفس تعيش فىِ كسل وفىِ عدم مخافة الله والكنيسة تُرّكز على حادثة يوحنا المعمدان ، لأنّ لو لم يكُن يوحنا صوت صارخ لغُفران الخطايا ما إستطعنا أن نستقبل ربنا يسوع المسيح ، فهو صوت صارخ فىِ كُل قلب ، صوت يوحنا لابُد أن يدوىِ فىِ بريّة نفسىِ الموحشة " تُب " 0 لابُد أنّ حياتىِ تكون مرضيّة لربنا وشجرتىِ يكون فيها ثمر ، فأشعياء قال " صوت صارخ فىِ البريّة " ، وهذا الكلام قالهُ رب المجد عن يوحنا المعمدان مُنذُ 850 سنة ، ففىِ سِفر ملاخىِ يقول " هأنذا أُرسل ملاكىِ فيُهيّىء الطريق أمامىِ "( ملا 3 : 1 ) ، فملاخىِ تنبّأ عن مجيئهُ مُنذُ مِئات السنين ، تنبّأ عن مجىء هذا العظيم الصوت الصارخ لِدرجة إن زكريّا الكاهن فىِ لوقا يقول عنهُ " وأنت أيُّها الصبىّ نبىِّ العلىّ تُدعى لأنّك تتقدّم أمام وجه الرّب لتُعدّ طُرُقهُ " ( لو 1 : 76 ) لهذهِ الدرجة ؟! " نبىِّ العلىّ تُدعى تتقدّم أمام وجه الرب لتُعدّ طُرُقهُ لتُعطىِ شعبهُ معرفة الخلاص بِمغفرة خطاياهُم " ، والقديسين كثيراً ما يربطوا بين يوحنا المعمدان وإيليّا النبىِ فىِ القوة فنجد إيليّا ظهر فجأة ووقف أمام أخآب الملك ( 1 مل 18 : 17 ، 18 ) ويوحنا نجدهُ كبر وظهر فجأة من البرّية إيليّا النبىِ كانت هُناك إمرأة إسمها إيزابل كانت بِتكمن لهُ شرور وهدّدتهُ بالقتل ( 1 مل 19 : 1 ، 2 ) ، كذلك يوحنا توجد إمرأة كانت تُكمن لهُ شرور وطلبت رأسهُ ( مت 14 : 6 – 11 ) يوحنا المعمدان يحمل روح قوية ، روح موبّخة ، روح مؤنّبة ، قال للعشارين " لا تستوفوا أكثر ممّا فُرض لكُم " ( لو 3 : 13 )، وكان يأتىِ إليهِ الجنود ويقولوا لهُ ماذا نفعل فكان يقول لهُم " لا تظلموا أحداً ولا تشوا بأحدٍ وأكتفوا بعلائفكُم " ،وكان يقول للناس " فأصنعوا أثماراً تليق بالتوبة " ( لو 3 : 8 ) إبتدأ يُعلّم كُل فئة كيف تقترب من الله من خلال حياتها العمليّة هيروديّا لم تستطع أن تحتمل صوت ربنا الذى يُوبّخها ، لِذلك النفس البعيدة عن ربنا تُريد أن تتجنّب صوت ربنا وتنساه وتكون ملهيّة عن ربنا الضمير بيفقد حساسيتهُ والنفس بتهرب من الفأس الموضوعة على أصل الشجرة لِذلك قُلّ لهُ يارب أعطينىِ زمان فأنت لست مُحتاج أن يحلّ الروح عليك ولا الحمامة تستقر عليك ،وأنت فىِ نهر الأردُن أنا كُنت فيك ، فالحمامة والروح إستقر علىّ فالقديس يوحنا المعمدان هو نبىِ بل أعظم من نبىِ ، عاش فىِ البريّة ، عاش فىِ حياة كُلّها بِر وكُلّها تقّوى 0 سر عظمة يوحنا المعمدان :- وهى نُقطتين فقط :- أول نُقطة مُهمة جداً عندما نأتىِ بِسيرة يوحنا المعمدان نتكلّم عن :- 1- بيت يوحنا المعمدان:- الذى صنع يوحنا المعمدان تقّوى أبوه وأُمه " زكريّا وأليصابات " الإنجيل يقول عنهُما " وكانا كلاهُما بارّين أمام الله سالكين فىِ جميع وصايا الرّبّ وأحكامِهِ بلا لومٍ "( لو 1 : 6 ) الأب والأُم فىِ البيت بارّين أمام ( الله ) وليس أمام ( الناس ) فالإنسان مُمكن يكون برّهُ أمام الناس بِر شكلىِ وبِر نسبىِ ، ولكن هُم بارّين أمام الله الذى يفحص القلوب لابُد أن نبحث عن بِرّنا الحقيقىِ ، فنحنُ مُمكن أن نكون فىِ الكنيسة شىء وفىِ البيت شىء آخر ، لماذا نحنُ نكون فىِ البيت شخصيّة غير الشخصيّة التى فىِ الكنيسة؟ لماذا يملُك علينا فىِ البيت الصوت العالىِ والعصبيّة والغضب وعدم الطاعة ؟ فالقديس يوحنا فم الذهب يقول " فالأولاد مهما أخذوا من دروس بالمدرسة يعودون ويستذكرونها باقىِ النهارفلنحرص على ما نسمعهُ حرصنا على نقودنا ومُقتنياتنا لأننّا أُعطينا كلِمات أثمن من الذهب والأحجار الكريمة وقبلنا الروح القُدس " فالأولاد لابُد أن يرجعوا البيت ويذاكروا الدروس ، فلماذا حياتنا بعيدة عن الوصيّة ولم نجد فىِ أولادنا الثمر الذى المفروض أن نجدهُ فأنسب شىء فىِ الحياة المسيحيّة أن لا نتكلّم عن الصلاة بدون أن نُصلّىِ ، علّمنىِ بِحياتك قبل كلامك لىّ ، فهل نحنُ نُصلّىِ بأنتظام ؟! هل نحنُ حريصين على الحضور فىِ بيت ربنا ؟ هل حريصين على زرع المحبة فىِ داخلهُم ؟ فعادةً نقول لهُم إيّاك أنّ فُلان يحصُل على درجات أعلى منّك ، فإن كان البيت بيزرع مخافة ربنا فلو نجد زكريّا وأليصابات سنجد يوحنا فلا تعتقدوا أنّ الحياة أيامهُم كانت مِثاليّة لا زكريّا كان بار فىِ جو ليس فيهِ بِر ، فإنّهُ صعب أنّ زكريّا أرضى الله فىِ جو رُبما كُل المُحيطين بهِ كان فاسد ولا تقولوا أنّهُ لم يكُن عِندهُم مُشكلة ، فعُقم اليصابات كان مُشكلة كبيرة عِندهُم ، لدرجة أنّهُ الملاك عندما ظهر لزكريّا قال لهُ " طِلبتك قد سُمعت " وهذا دليل على أنّها كانت طِلبتهُم بإستمرار ، وأيضاً زكريّا فضلّ أن لا يتزوج بإمرأة أُخرى بالرغم من أنّ الناموس يُشرّع لهُ الزواج ، فزكريّا بِتقواه إرتقى فوق الناموس ففىِ البيت نهتم جداً بأكل الأولاد وشُربهُم ، وكما يقول أحد الآباء " نحنُ لم نُقدّم مشروع تسمين فىِ البيت " فأكل طالع وأكل داخل ، والأكل الروحىِ هو الأهّم ، هو الأبقى ، فأحد الآباء يقول" إنّ البطن لا تستطيع أن تحتفظ بالأطعمة " ، تخيلّوا أننّا مُهتمين بالأكل وبالمظهر مَن مُهتم أن يحتفل بالقديسين فىِ بيتهُ ، مَن يحتفل بالست العدرا فىِ بيتهُ الإحتفال الأجمل هو الذى فىِ البيت مَن الذى يأخُذ أولادهُ مَن بِداية النهار للقُدّاس ؟ وأسألهُم ماذا كان يقول الأبركسيس ؟ فأنا لىّ رِسالة من جهتهُم ، ربنا بيُعطينا عجينة جميلة الزمن بيخرّبها ولكن ماذا نعمل نحنُ لهُم ؟ " الكنيسة التى فىِ بيتك الإيمان العديم الغِش " القديس بولس الرسول يقول لتلميذهُ تيموثاوس أنا مُطمئن عليك لأنّ عِندك الإيمان العديم الغش فيجب أن تهتم بروحياتهُم ، فهل عِندنا نفس الغيرة ونفس الإهتمام ؟ هل أحرص أن يكون فىِ البيت مكتبة تُناسب سِن الإبن ؟ هل أشُعر إن أنا لىّ دور أن أُدخل هذهِ النفس للملكوت ؟ فمُمكن أن يصير إبنىِ دكتور ويكون غير مُوفّق فىِ حياتهُ فأبونا بيشوى كامل ذهب لواحد ليفتقدهُ فأبوه قال لهُ إن إبنىِ فىِ هذهِ السنة لم يكُن عِندهُ وقت فهو فىِ ثانويّة عامّة وبيأخُذ دروس ، وكان بيطلُب منهُ الخادم أن يجلس معهُ ولو لوقت بسيط ، فكان يقول لهُ لا يوجد عِندهُ وقت لِذلك تمُرّ السنين ويُصبح الخادم كاهن ويأتىِ إِليهِ الأب ويقول لهُ أنا إبنىِ أصبح دكتور فىِ المُستشفى وإرتبط بِممُرّضة فىِ المُستشفى وأنا غير قادر أن أُقف مشاعرةُ فالسماء لا يوجد فيها شِهادات ، فلا نُهمل حياتهُم الداخليّة ، فهل ربنا سيسألنىِ هل هو مُدرّس أم دكتور ولكن ربنا سيسألنىِ عن الأمانة التى أعطتها لك ماذا فعلت بِها ؟! ، فالجو الذى نُرّبىِ فيهِ أولادنا صعب ، ولِذلك نجد أنّ القديس أوغسطينوس مديون لدموع مونيكا ، فدموع مونيكا هى التى صنعت أوغسطينوس ، فالقديس بولس الرسول يقول ثلاث سنين لم أفتُر ليلاً ونهاراً عن أن أُنذركُم بِدموعىِ ، فهو يُنذر بالدموع ، فأنا إبنىِ مُمكن أن أُنذرهُ بِدموعىِ وهى ستُنذرهُ أكثر من كلامىِ0 2- روح قويّة:- البرّيّة جعلتهُ أن يكون إنسان بسيط لا يُحب المظاهر لا ينقاد لِخداع العالم فهو خرج لابس وبر الأبل ، وكأنّهُ يقول أنا سألبس الذى يستُر جسدىِ فقط فنحنُ جيل المظاهر والمظهر عِندهُ أهم من الروحيّات بكثير ، وعُلماء النفس يقولوا أنّ الإنسان كُلّما يهتم أن يُحسّن بالمظهر الخارجىِ دلّ ذلك على أنّهُ فىِ داخلهُ يوجد شىء يُريد أن يُخبئّهُ تأمّلوا الأنبا بولا كان لابس ثوب من ليف النخيل أو من سعفهُ ، والأنبا أنطونيوس كان لابس جلاّبيّه ولكن من الداخل قّوة جبّارة ويوحنا المعمدان يقولوا أنّ هيرودس كان يهابهُ ، القديس العظيم الأنبا أنطونيوس عِندما كان سيُقابل الملك فقال لهُ تلاميذهُ أن يرتدىِ ملابس تليق بِمقابلة الملك فقال لهُم " أنا أنطونيوس ذهبت أو لم أذهب فماذا يكون الملك " ؟!! ، فجمال النفس فىِ الداخل كُنت عِند ناس وكان عِندهُم مُشكلة إن إبنهُم طالب موبايل لأنّهُ شعر أنّ قيمتىِ ستأتىِ من الأشياء التى معىِ ، وذلك يدُل على إن أنا فقير ومريض من داخلىِ ولكن أنا لا تفرق عِندىِ هذهِ الأشياء فأين ذهبت قّوة أولاد الله ؟ أين ذهبت قّوة الآباء ؟ ونحنُ بنسعى وراء شهوات باطلة وأمور تافهه لا تُقاس بِمجد السماء ، لِذلك القديس يوحنا المعمدان يُوبّخنا بِمظهرهُ ، ليتهُ يُوبّخنا بسيرتهُ لأنّ ربنا قال " إن سمعتُم صوتهُ فلا تُقسّوا قلوبكُم " ربنا يسند كُل ضعف فينا بنعمتهُ ولإِلهنا المجد دائماً أبدياً أمين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
17 يناير 2025

عيد الغطاس

أهنئكم أيها الأحباء بعيد الغطاس اﻟﻤجيد أوعيد الظهور الإلهى،وهو أحد الأعياد السيدية اﻟﺜابتة ( ١١ طوبه من ﻛﻞ ﻋﺎم) ھذا العید له مدلولاته ومعانیه الكثیرة في حیاتنا،ویكفي أننا ارتبطنا وعشنا في الكنیسة من خلال السر الأول "سر المعمودیة" الذي ھو على مثال معمودیة السید المسیح ھذا العید له تسمیات كثیرة لكن یمكن أن نسمیه "عید تجدید خلقتنا" فاﻟﻠﮫ بعدما خلق الإنسان وأراده أن یكون إنسانًا ناجحًا، سقط في المعصیة والخطیة وانحرف وطرد من الجنة وصار محتاجًا للخلاص ومحتاجًا لمن یفدیه وتوالت الأجیال، حتى جاء السید المسیح ودخل إلى العالم من باب الفقروالاتضاع،وقد احتفلنا بعید المیلاد منذ أیام قلیلة،وبعده عید الختان، والیوم نحتفل بعید الغطاس تعمد السید المسیح وعمره ثلاثین عامًا على ید یوحنا المعمدان، وكانت المعمودیة ھي بدایة خدمته الجھاریة لأنھم في المجتمع الیھودي لا یستمعوالأحد إلا إذا كان عمره ثلاثین سنة أو أكثر ﻓﻲ هذه اﻟﻤناسبة أريد أن أتامل معكم ﻓﻲ ثلاث نقاط: ۱- النھر: وھو نھر الأردن، وكلمة "أردن" لھا معانٍ كثیرة، أحد معانیھا من أصل ھندي ومعناه "الخالد أو المنحدر". وھذا النھر طوله ۲٥۰ كیلومتر فقط، وعرضه ٥ أمتار أي مسافة صغیرة،وھو لیس عمیقًا فیمكن أن یعبر الناس فیه بأقدامھم ینبع من ھضبة الجولان، ویمر في خمس دول سوریا ولبنان وفلسطین والأردن وإسرائیل،ثم ینتھي بأن یصب في البحر المیت (بحر مغلق وبالتالي أملاحه عالیة جدًا فلا تعیش فیه الكائنات الحیة) والناس یسمونه "بحر الشریعة" باعتبار أن السید المسیح تعمد فیه وباعتبار أن بني إسرائیل عبروا من خلاله في طریقھم لیرثوا الأرض في عبر الأردن كان عماد السید المسیح،وفي دولة الأردن یسمون الموضع الذي تعمد فیه السید المسیح "المغطس". ۲- الشخص: وھو یوحنا المعمدان الذي من أسرة بارة مباركة، أبوه زكریا الكاھن وأمه القدیسة ألیصابات، كانا كلاھما بارین یرفعان صلوات دائمة من أجل أن یعطیھما الله نسلاً ثم ظھر الملاك لزكریا وبشره بأنه سیكون له ابن، وعندما لم یصدق أصابه الخرس والصمت وھذا الصمت تعبیر عن أن السماء كانت صامتة لا تستجیب لصلواته،وأیضًا تعبیر عن زوجته التي تقدمت بھا الأیام وصارت صامتة لا تنجب ولكن في الوقت المعین أرسل الله ھذا الابن الذي صار فیما بعد أعظم موالید النساء بشھادة من المسیح، وانفتح فم زكریا ونطق فرحًا،وانفتح رحم ألیصابات وولدت یوحنا یعتبر یوحنا المعمدان ھو ھمزة الوصل بین العھد القدیم والعھد الجدید (مثل مفصلة الباب التي تصل بین الضلع ثابت الذي یمثل العھد القدیم والباب المتحرك الذي یمثل العھد الجدید) ولذلك نال یوحنا المعمدان ثلاثة ألقاب، السابق والصابغ والشھید "السابق" زمنیًا قبل میلاد المسیح بستة أشھر، و"الصابغ" لأنه قام بعماد السید المسیح،و"الشھید" لأن حیاته انتھت بالاستشھاد عاش یوحنا المعمدان في البریة، ناسكًا، في ھدوء البریة مصلیًا، بسیطًا جدًا في ملبسه وحیاته وطعامه، وكان إنسانًا مھوبًا ثم خرج وبدأ ینادي للجمیع بمعمودیة الماء وھذه المعمودیة – بحسب مفھوم ذلك الوقت- ھي التي تساعدھم في مسح وغسل الخطایا فاجتمعت إلیه الجموع،إلى أن أتى الیوم الذي جاءه فیه السید المسیح فارتبك وقال "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ"(مت ۳ : ۱٤) فقال له: "اسْمَحِ الآنَ"(مت 15:3)فأطاع وقام بمعمودیة المسیح وفي وقت معمودیة السید المسیح حدث أمر جلیل وھو الظھور الإلھي الآب من السماء یشھد "ھذَا ھُوَ ابْني الْحَبِیبُ الَّذِي بِه سُرِرْتُ" (مت ۳: 17) والابن في میاه نھر الأردن، والروح القدس مستقرًا علیه مثل حمامة. ۳- الصوت: إذا سألتك "من أنت؟" تقول اسمك وتذكر ألقاب كثیرة. أما یوحنا المعمدان فعندما سُئِل من ھو، قال "أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّیَّةِ" (یو1: 23 ) "أَعِدُّوا طَرِیقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَه مُسْتَقِیمَةً"(مت ۳:3) أنا مجرد صوت لأن أقنوم الكلمة الحقیقي شخص المسیح "أَعِدُّوا طَرِیقَ الرَّبِّ" فأنا الملاك المھیئ لحضور المسیح "اصْنَعُوا سُبُلَه (طرقه) مُسْتَقِیمَةً"، فمن یرید أن یعیش مع المسیح لابد أن تكون طرقه مستقیمة غیر معوجة. أربعه معانى للصوت أرید الیوم أن أتأمل معكم في أربعة معاني للصوت، وكیف نأخذھا لنفوسنا ونستفید بھا، فقد كان صوت یوحنا: ۱- صوتًا نبویًا: یحمل نبوات العھد القدیم كلھا، فقد نطق بالعبارة التالیة وھو یشیر إلى المسیح "ھُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي یَرْفَعُ خَطِیَّةَ الْعَالَمِ" (یو ۱: ۲۹ ) "حَمَلُ" أي ذبیحة، و"یَرْفَعُ" أي "صلیب" یزیل خطیة الإنسان وأنت یجب أن یكون صوتك صوتًا كتابیًا إنجیلیًا "كتابیًا" بمعنى أن یكون صوتك وكلامك وأفكارك كلھا من الكتاب المقدس و"إنجیلیًا" بمعنى أن یكون مفرحًا فكلمة "إنجیل" تعني بشارة مفرحة، لأن المسیح ھو مخلص للعالم كله لأن "دَمُ یَسُوعَ الْمَسِیحِ ابْنه یطُھِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِیَّة"ٍ ( ۱یو7:1) ۲- صوتًا حكیمًا: یتكلم بحكمة ویزن الكلمة قبل أن ینطق بھا فقد قال عبارة قویة وھو یشیر إلى المسیح، في الوقت الذي كان فیه مشھورًا بینما المسیح لم یكن قد بدأ خدمته بعد، قال "یَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ یَزِیدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (یو ۳: ۳۰ ) ھذا صوت حكمة فسبب المشكلات ھو أن كل فرد یرید أن یكون ھو الأول لابد أن كل أب وأم مع أولادھما وكذلك كل خادم مع المخدومین یقولون ھذه العبارة إنھا حكمة المعاملات والعلاقات بین الناس، وھي تریحك كثیرًا في حیاتك وفي عملك. ۳- صوتًا ودیعًا: فقد كان یعیش حیاة صارمة في البریة، وكان صارمًا في ملبسه ومأكله، لكنه كان ودیعًا فیقول عن نفسه في علاقته مع المسیح "لَسْتُ أَھْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُیُورَ حِذَائِه"(مر ۱: ۷) ما ھذه الوداعة والاتضاع وما النفسیة التي تقبل ھذا؟ وقال ھذا وھو مشھور ومعروف وله تلامیذ، أما المسیح فلم یكن قد اختار تلامیذه بعد وھذا ما قاله لنا المسیح "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِیعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ" (مت ۱۱: ۲۹ ) ویقول القدیس یوحنا ذھبي الفم "الید التي خشیت أن تحل سیور حذاء المسیح،جعلھا المسیح توضع على رأسه" إنھا قاعدة ذھبیة قدیمة: إن الإنسان حینما یتضع یرفعه الهح، أما حینما یتكبر فینزل الله به. ٤- صوت حق: كان یوحنا المعمدان شخص حقاني، فحینما أخذ الملك امرأة أخیه، وقف بكل شجاعة وحق وقال له"لاَ یَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِیكَ" (مر ٦: ۱۸ ) وھو حي كان صوت حق كلفه أن تُقطع رأسه وأن یصیر شھیدًا ولكن صوت الحق یظل یتردد على الدوام ولا ینتھي بل یتكرر عبر الأجیال والأزمان ھذا ھو یوحنا المعمدان، صاحب الصوت، وھذا الصوت كان صوتًا مؤثرًا، وقویًا كان صوتًا نبویًا وحكیمًا وودیعًا وكان صوت حق. اﻟﻤعمودية وﺗﺠديد خلقتنا إن عید الغطاس ھو "عید تجدید خلقتنا" لأننا بالمعمودیة نولد من الماء والروح بخلقة جدیدة،ونصیر أبناء النور وأبناء السماء یصیر الإنسان جدیدًا لأن المعمودیة تمنحه حیاة جدیدة، وانتمائیةللسماء، فاحذر أن یغیب عنك أن لك نصیب في السماء لابد أن تحافظ علیه طوال حیاتك على الأرض نقول "قلبًا نقیًا اخلق في یا لله وروحًا مستقیمًا جدده في أحشائي" (مز ٥۰) الیوم كأننا كلنا نحتفل بمعمودیتنا التي تمت وعمرنا أسابیع تذكر الثوب الأبیض الذي ارتدیته، والزنار الأحمر رمز دم المسیح، وتذكرالدفنات الثلاث في میاه المعمودیة "مَدْفُونِینَ مَعَه فِي الْمَعْمُودِیَّةِ" (كو ۲: 12).ﻟﻴباركنا مسيحنا بكل بركة روحية وﻳﺤفظنا و يعطينا دائمًا أن تكون حياتنا مرضية أمامه إﻟﻰ اﻟﻨفس الأخير. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل