المقالات
08 أبريل 2020
ما علاقة الله بصومك
ما الذي آخذه الله من صومك ؟ وما الذي أخذته أنت من الله ؟ ماذا أعطيت الله في صومك ، وماذا أعطاك ؟ هل كان صومك فتره غير عادية في حياتك ؟ أياماً 0مقدسة شعرت فيها بيقظه روحية تدعوك أن تذوق وتنظر ما أطيب الرب ؟ هل اختبرت فيها كيف تسلك حسب الروح وليس حسب الجسد ؟
ليس الصوم هو تغيير طعام بطعام وليس هو امتناع فتره معينة عن الطعام كل هذه مجرد وسائل ، ولكنها ليست هي جوهر الصوم فجوهر الصوم هو انطلاق الروح من مطالب هذا الجسد ، لكي يسمو الجسد معها ، ويرتفع الإنسان بعيداً عن ثقل المادة ، متجهين معاً في اتجاه واحد هو محبة الله ، والتمتع بعشرته . هذا هو الصوم المقدس ، أي المخصص لله ثلاثة أشياء لابد أن تخصصها لله في صومك ، إن أردت ان تقدس هذا الصوم لله في الصوم تخصص القلب و الفكر والإرادة لله فلا يكون كل صومك هو انشغال بالأكل والشرب وإنما امتناعك عن الأكل والشرب ، وضبطك فيما تآكل وتشرب ، إنما هو تدريب لهذه الإرادة كيف تقوي ، ولا تكون قاصرة علي موضوع الطعام فحسب ، وغنما إرادتك التي نجحت في السيطرة علي الطعام ، تقدم ذاتها لله في كل شئ فلا تريد إلا ما يريده الله وهذه هي الحكمة من الصوم أن منع النفس عن الكل ، يمتد إلي أن يصير منعاً عاماً عن كل ما يغضب الله فلا يكفي أن تمنع نفسك عن الأطعمة الحيوانية ، أو عن الكل عموماً ، وتبقي بلا ضابط في خطايا معينة ! إنما في صومك قدم إرادتك لله في كل تصرفاتك وقل له " لتكن لا إرادتي بل إرادتك "إبحث إذن أين تشرد إرادتك بعيدا عن الله وركز علي هذه النقطة بالذات لكي تنجح فيها ، وتقدم لله إرادة صالحة ترضيه وهذا التدريب الذي تسلك فيه أثناء الصم ، وف يصحبك بعده أيضاً لأنه من غير المعقول أن تضبط نفسك في البعد عن خطايا معينه أثناء الصوم ، ثم تبيح هذا الأمر لنفسك عندما ينتهي الصوم ! وإلا فما الذي تكون قد استفدته من صومك ؟! أحرص أن يكون الصوم قد غير فيك شيئاً لا تأخذ من الصوم مجرد تغيير الطعام ، إنما تغيير الحياة إلي أفضل تغيير النقائص التي فيك ، والضعفات التي تحسها في علاقتك مع الله و الناس لأنه ماذا تستفيد أن قهرت نفسك خلال خمسة وخمسين يوماً في الصوم الكبير ، وخرجت من الصوم كما كنت تماماً قبله ، دون أن تكون علاقة حب مع الله ، وعلاقة حب مع الله ، وعلاقة ثابت فيه ؟!
تأمل كم صوماً مر عليك ، وأنت كما ! كم هي الأصوام ، التي صمتها ، منذ أن عرفت الله حتي الآن ؟ كم سنة مرت عليك ، وفي كل سنة عدد من الصوام ، مع أربعاء وجمعة في كل أسبوع تأمل لو كنت في كل صوم منها تنجح إرادتك ، ولو في الانتصار علي نقطة ضعف معينه حتي تصطلح مع الله فيها وتذوق حلاوه مشيئته تري لو سلكت هكذا ، كم كنت تري حصاد حياتك وفيراً في الروحيات ، وكم كانت علاقتك بالله تزيد وتتعمق لا تأخذ من الصوم شكلياته ، بل ادخل إلي العمق فليس الصوم مجرد شكليات ورسميات ، ولا هو مجرد فروض أو طقوس ، إنما هو نعمة أعطت لنا من الله ، ونظمتها الكنيسة لخيرنا الروحي . لأجل تنشيط أرواحنا ، وتذكيرنا بالمثالية التي ينبغي أن نسلك فيها ، وتدريبنا علي " القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب "( عب 12: 14) الصوم إذن فترة مقدسة مثالية غير عادية يحتاج إلي تدبير روحي من نوع خاص يتفق مع قدسيتها حالماً يبدأ الصوم نشعر أننا دخلنا في حياة لها سموها ، وفي أيام غير عادية نتدرب فيها علي حياة الكمال ولذلك لا يجوز أن تمر علينا شأنها كباقي الأيام إنها صفحة جديدة في علاقتنا مع الله ، ندخلها بشعور جديد وبروح جديدة حقاً إن كل أيام حياتنا ينبغي أن تكون مقدسة ولكن فترة الصوم هي أيام مقدسة غير عادية وإن سلكنا فيها حسناً ، سنصل غلي قدسية الحياة كلها إنها فتره نتفرغ فيها لله علي قدر إمكاننا ، ونعمق علاقتنا به هل سمعتم عن الصوم الذي يخرج الشياطين ؟ وكيف قال الرب عن الشياطين " هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم ( مت 17: 21) فأي صوم هذا الذي لا تستطيع الشياطين أن تحتمله فتخرج ؟ أهو مجرد الامتناع عن الطعام ؟ كلا بلا شك بل إنها العلاقة القوية التي تربط الصائم بالله ، هذه التي لا يحتملها الشيطان الدالة التي بين الإنسان والله ، دالة الحب وصلة الروح التي حرم منها الشيطان ، ما ان يراها حتي يتعب ويذهب القلب الملتصق بالله في الصوم ، هذا يراه الشيطان فيهرب فهل قلبك ملتصق بالله في الصوم ؟
هل تعطية قلبك كما تعطية إرادتك ؟ وهل تشعر بحبه أثناء الصوم ؟ هل هذا الحب طابع واضح في صلواتك وتاملاتك اثناء الصوم ؟ وهل من أجل محبته نسيت طعامك وشرابك ، ولم تعد تهتم بشيء من هذا ؟
وكأنك تقول لجسدك أثناء صومك أنا لست متفرغاً لك الآن أكلت أو لم تأكل ، هذا موضوع لم يعد يشغلني أو يهمني " لكل شئ تحت السموات وقت " وليس هذا هو وقتك أنا الآن مشغول بعمل روحي مع الله فتعال اشترك معنا ، أن أردت أن يكون لك كيان في هذا الصوم أما الطعام فليس الان مجاله طعامي الآن هو كل كلمة تخرج من فم الله هذه هي مشاعر من يقول في صومه مع القديس يوحنا الرائي كنت في الروح في يوم الرب ( رؤ 1: 10) ولا شك أن يوم الصوم هو يوم للرب . فهل انت " في الروح " أثناء صومك ؟ هل نسيت جسدك تماماً بكل ماله من رغبات ومطالب واحتياجات ، وفضلت أن تحيا في الروح خلال فترة الصوم ؟ ليس للجسد عندك سوي الضروريات التي لا قيام له بدونها وكأنك تقول مع بولس الرسول " في الجسد أم خارج الجسد ، ليست أعلم . الله يعلم "( 2كو 12: 3) هل يكون فكرك منشغلاً بالله في صومك ؟ في أثناء القداس الإلهي ينادي الأب الكاهن قائلاً " أين هي عقولكم "؟ ويجيب الشعب " هي عند الرب " وانا اريد ان أسأل نفس السؤال أثناء الصوم " أين هي عقولكم " ؟ أتستطيع ان تجيب " هي عند الرب "؟ أليس الصوم فترة مقدسة لله ، مخصصة له ، يجب فيها ان ينشغل الفكر بالله وحده ؟ افحص يا أخي نفسك ، وأبحث عن أفكارك اين هي أثناء الصوم .
هل مشاغل الدنيا تملأ فكرك اثناء الصوم ؟
فأنت في دوامه العمل ، وفي دوامة الأخبار ، وفي دوامة الأحاديث مع الناس ، لا تجد وقتاً لله تعطيه فيه فكرك ! وربما تصوم حتى الغروب ، وفكرك ليس مع الله ، قد أرهقه الجولان في الأرض و التمشي فيها! وربما تفكر في التافهات ، وتتكلم عن التافهات ، والله ليس علي فكرك ، ولا تذكره إلا حينما تجلس لتآكل ، فنصلي قبل الأكل ، وتذكر الله وتذكر انك كنت صائماً ! هل هذا صوم روحي يريح ضميرك ؟! ليتك إذن تذكر قول داود النبي جعلت الرب أمامي في كل حين هو امامي في كل عمل أعمله ، وفي كل كلمة أقولها إنه شاهد علي كل شئ وأيضاً جعلته أمامي لأنه هدفي الذي لا أريد أن اتحول عنه لحظه واحدة وهو امامي لأنني من أجله وحده أصوم لكي لا أنشغل عنه بل اجعله أمامي كل حين أن كنت في الأيام العادية ، ينبغي أن تضع الله أمامك في كل حين ، فكم بالأكثر في فترات الصوم التي هي مخصصة لله ومقدسة له ؟ إن كان الله ليس علي فكرك ، فلست صائماً يوم الصوم الذي لاتفكر فيه في الله ، اشطبه من أيام صومك ، إنه لا يمكن أن يدخل تحت عنوان " قدسوا صوماً" ولكن لعل البعض يسأل : كيف يمكنني تنفيذ هذا الأمر ، وأنا أعيش في العالم ، ولي مسئوليات كثيرة ينبغي أن أفكر فيها ؟
إذن إحفظ التوازن ، وأمامك ثلاث قواعد :-
1- لا تجعل مسئولياتك تطغي ، بحيث تستقطب كل أفكارك ، ولا تبقي في ذهنك موضعاً لله .. أجعل لمسئولياتك حدوداً ، وأعط لربك مجالاً .
2- كل فكر لا يرضي الله إبعده عنك ، فهو لا يتفق مع المجال القدسي الذي تعيش فيه . وكما يقول القديس بولس الرسول " مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح "( 2 كو 10: 5) . لذلك لا تنجس صومك بفكر خاطئ . فالفكر الذي يطيع المسيح استبقه معك ، والذي لا يطيع اطرده عنك .
3- إشرك الله معك في أفكارك ، وفي أهداف أفكارك . وقل :
أنا من أجل الله أفكر في هذا الموضوع .
أنت تفكر في مسئولياتك حسناً تفعل ولكن لا تجعلها منفصلة عن الله الله هو الذي أعطاك هذه المسئوليات وأنت من أجل تفكر فيها ولا يكون فكرك فيها منفصلاً عن الله من أجل الله تفكر في شئون عملك ومن أجله تفكر في دروسك ومذكراتك ومن اجله تفكر في خدمتك وفي مسئوليتك العائلية بشرط أن هذا التفكير كله لا يبعدك عن الله الذي هو الأصل والأساس فكر في مسئولياتك العائلية بشرط أن هذا التفكير كله لا يبعد عن الله الذي هو الأصل والأساس فكر في مسئولياتك وقل للرب أثناء ذلك إشترك في العمل مع عبيدك طالب مثلاً يذاكر أثناء الصيام والله يشترك معه هو يذاكر والله يعطيه الفهم ، ويثبت المعلومات في ذهنة وفي ذاكرته وهذا التلميذ يقول للرب " أنا يارب لا أستطيع أن أفهم من ذاتي أنت تجلس معي وتفهمني ،و أشكرك بعد ذلك لأنك كنت معي وأنا أذاكر يارب ، ليس من اجل العلم ، ولا من أجل مستقبلي ، إنما من أجلك أنت ، لكي يعرف الكل أن أولادك ناجحون ، وأن كل عمل يقومون به يكونون أمناء فيه ، ويكون الرب معهم ويأخذ بيدهم ، فيحبك الناس بسببهم " تقول لله من أجلك آكل ، ومن أجلك أصوم من أجلك آكل ، لكي آخذ قوة أقف بها في الصلاة ، وأسهر بها في التأمل ، وأخدم بها أولادك ، ويأخذ بها الناس فكرة أن أولادك أمناء في عملهم وأنا اصوم ، لكي يمكن لروحي أن تلتصق بك دون عائق من الجسد . هكذا تكون في الصوم مع الله في كل عمل تعمله .
وتدخل في شركة مع المسيح الذي صام .
تشترك معه في الصوم ، علي قدر ما تستطيع طبيعتك الضعيفة أن تحتمل هو صام عنك ، فعلي الأقل تصوم عن نفسك وهو قد رفض هذا الخبز المادي ، وأنت تشترك معه في رفض هذا الطعام البائد وهو كان يتغذي بحبه للآب وعشرته معه ، وأنت أيضاً تكون كذلك وهو انتصر علي الشيطان أثناء صومه ، وأنت تطلب إليه ان يقودك في موكب نصرته وبهذا يكون الصوم فترة غذاء روحي لك أخطر ما يتعب البعض في الصوم ، أن يكون الجسد لا يتغذي و الروح أيضاً لا تتغذي وهذا الوضع يجعل الصوم فترة حرمان أو تعذيب ، وليس هذا هو المعني الروحي للصوم بل إن هذا الحرمان يعطي صورة قاتمه للصوم ، إذ يقتصر علي حرمان الجسد ( سلبياً ويترك غذاء الروح من الناحية الإيجابية وغذاء الروح معروف وهو الصلاة ، والتأمل ، وقراءة الكتاب المقدس ، وكل القراءات الروحية كأقوال الآباء وسير القديسين ، والألحان والتسابيح ، والإجتماعات والأحاديث الروحية و المطانيات وما أشبة وغذاء الروح يشمل أيضاً المشاعر الروحية ، ومحبة الله التي تتغذي بها الروح وكل أخبار الأبدية والروح إذا تغذي ، تستطيع أن تحمل الجسد وهذا نراه واضحاً جداً في أسبوع الآلام ، إذ تكون درجة النسك فيه شديدة وفترة الإنقطاع طويلة . ولكن الجسد يحتمل دون تعب ، بسبب الغذاء التي تأخذه الروح خلال هذا الأسبوع من ذكريات آلام المسيح ، ومن القراءات والألحان والطقوس الخاصة بالبصخة ، وتركيز العقل في الرب وآلامه وكثيراً ما يقرأ الإنسان ، ويشبع بالقراءة ولذتها ، ويحين موعد الطعام ، فلا يجد رغبة في أن يكمل القراءة لأن الروح تغذت فحملت الجسد فلم يشعر بجوع إذن اعط الروح غذاءها أثنا الصوم وكن واتقاً إن غذاء الروح سيعطي الجسد قوة يحتمل بها الصوم كما أن صوم الجسد يعطي عمل الروح قوة إذ يكون عملا روحياً بزهد الجسد وزهد الفكر ولذلك نجد صلوات الصوم اعمق ، وقداسات الصوم أعمق هي صلوات خارجة من جسد صائم قد أسلم قيادته للروح وهي صلوات خارجه من قلب صائم عن الماديات ، ومن روح صائمه عن كل شهوة عالمية لذلك تكون صلاة قوية كصلوات الليل ونصف الليل التي يصليها الإنسان بجسد خفيف بعيد عن الأكل آباؤنا في أصوامهم كانوا يهتمون بعمل الروح فماذا عن أكلهم ؟ كانوا أيضاً في تناول الطعام يهتمون بعمل الروح وذلك انهم كانوا يكلفون واحدا منهم يقرأ لهم شيئاً من سير القديسين وأقوال الآباء أثناء تناولهم للطعام ، حتي لا ينشغلون بالأكل المادي ولا يتفرغون له ، وحتي يكون لهم غذاؤهم الروحي أيضاً أثناء تناولهم غذاء الجسد وهكذا تعودوا عدم التفرغ لعمل الجسد ، وتعودوا سيطرة الروح علي كل عمل من أعمال الجسد هناك وصايا تامر بالصوم ولكن آباءنا لم يصوموا بسبب المر لم يصوموا طاعة و للوصية ، إنما محبة للوصية الطاعة درجة المبتدئين ولكن الحب هو درجة الناضجين و الكاملين وآباؤنا لم يكن الصوم بالنسبة إليهم أمراً ولا فرضاً ولا طقساً ، إنما كان لذه روحية ، وجدوا فيها شبعاً ، ووجدوا فيها راحة نفوسهم وأجسادهم وفي الصوم لم يقف آباؤنا عند حدود طاعة الوصية ، وإنما دخلوا في روحانية الوصية وروحانية الوصية الخاصة بالصوم هو لخيرنا ، ولولا ذلك ما أمرنا الله بالصوم وبالأضافة إلي ما قلناه ، سنشرح هذا الأمر بالتفصيل بمشيئة الرب في الفصل المقبل الخاص ( بالفضائل المصاحبه للصوم ) اما ألان فسنتحدث عن أقدس أصوام السنة وهو الصوم الكبير
الصوم الكبير
الصوم الكبير عبارة عن ثلاثة أصوام :-
الأربعين المقدسة في الوسط يسبقها أسبوع إما أن نعتبره تمهيدياً للأربعين المقدسة ، أو تعويضياً عن أيام السبوت التي لا يجوز فيها الإنقطاع عن الطعام يعقب ذلك أسبوع الآلام وكان في بداية العصر الرسولي صوماً قائماً بذاته غير مرتبط بالصوم الكبير .
والصوم الكبير أقدس أصوام السنة وأيامه هي أقدس أيام السنة ، ويمكن أن نقول عنه إنه صوم سيدي ، لأن سيدنا يسوع المسيح قد صامه وهو صوم من الدرجة الأولي ، إن قسمت أصوام الكنيسة إلي درجات هو فترة تخزين روحي للعام كله فالذي لا يستفيد روحياً من الصوم الكبير ، من الصعب أن يستفيد من ايام أخري أقل روحانية والذي يقضي أيام الصوم الكبير باستهانة ، من الصعب عليه يدقق في باقي أيام السنة حاول أن تستفيد من هذا الصوم في ألحانه وقراءاته وطقوسه وروحياته الخاصة وقداساته التي تقام بعد الظهر كان الآباء يتخذون الصوم الكبير مجالاً للوعظ لأن الناس يكونون خلاله في حالة روحية مستعده لقبول الكلمة حقاً عن الوعظ مرتب في كل أيام السنة ولكن عظا الصوم الكبير لها عمق أكثر وهكذا فإن كثيراً من كتب القديس يوحنا ذهبي الفم ، كانت عظات له ألقاها في الصوم الكبير ، وكذلك كثير من كتب القديس أوغسطينوس بل أن الكنيسة كانت تجعل أيام الصوم الكبير فترة لإعداد المقبلين للإيمان فتعدهم بالوعظ في الصوم الكبير ليتقبلوا نعمة المعمودية فكانت تقام فصول للموعوظين خلال هذا الصوم تلقي فيها عليهم عظات لتعليمهم قواعد الإيمان وتثبيتهم فيها وهكذا ينالون العماد في يوم أحد التناصير ، لكي يعيدوا مع المؤمنين الأحد التالي أحد الشعانين ويشتركون معهم في صلوات البصخة وأفراح عيد القيامة ومن أمثلة ذلك عظات القديس كيرلس الأورشليمي إعداد الموعظين للإيمان بشرحه لهم قانون الإيمان في أيام الصوم الكبير ولاهتمام الكنيسة بالصوم الكبير جعلت له طقساً خاصاً فله ألحان خاصة ، فترة إنقطاع أكبر وله قراءات خاصة ، ومردات خاصة ، وطقس خاص في رفع بخور باكر ، ومطانات خاصة في القداس قبل تحليل الخدام نقول فيها ( اكلينومين تاغوناطا )ولهذا يوجد للصوم الكبير قطمارس خاص كما انه تقرأ فيه قراءات من العهد القديم وهكذا يكون له جو روحي خاص وقد علت الكنيسة له أسبوعاً تمهيدياً يسبقة حتي لا يدخل الناس إلي الربعين المقدسة مباشرة بدون استعداد وإنما هذا الأسبوع السابق ، يمهد الناس للدخول في هذا الصوم المقدس ، وفي نفس الوقت يعوض عن إفطارنا في السبوت التي لا يجوز الانقطاع فيها بل الكنيسة مهدت له أيضا بصوم يونان فصوم يونان ، أو صوم نينوي يسبق الصوم الكبير بأسبوعين ، ويكون بنفس الطقس تقريباً وبنفس الألحان ، حتي يتنبه الناس لقدوم الصوم الكبير ويستعدون له بالتوبة التي هي جوهر صوم نينوي وكما اهتمت الكنيسة بإعداد أولادها للصوم الكبير ، هكذا ينبغي علينا نحن أيضا أن نلاقيه بنفس الاهتمام وإن كان السيد المسيح قد صار هذا الصوم عنا ،وهو في غير حاجة إلي الصوم ، فكم ينبغي أن نصوم نحن في مسيس الحاجة إلي الصوم لكي نكمل كل بر ، كما فعل المسيح ومن اهتمام الكنيسة بهذا الصوم أنها اسمته الصوم الكبير فهو الصوم الكبير في مدته ، والكبير في قدسيته إنه اكبر الأصوام في مدته التي هي خمسة وخمسون يوماً وهو اكبرها في قدسيته ، لأنه صوم المسيح له المجد مع تذكاراً آلامه المقدسة لذلك فالخطية في الصوم الكبير شاعة حقاً ان الخطية هي الخطية ولكنها أكثر بشاعة في الصوم الكبير مما في باقي الأيام العادية لأنن الذي يخطئ في الصوم عموماً ، وفي الصوم الكبير خصوصاً ، هو في الواقع يرتكب خطية مزدوجة بشاعة الخطية ذاتها ، يضاف إليها الاستهانة بقدسية هذه الأيام إذن هما خطيئتان وليس واحدة والاستهانة بقدسية الأيام ، دليل علي قساوة القلب فالقلب الذي لا يتأثر بروحانية هذه الأيام المقدسة ، لا شك أنه من الناحية الروحية قلب قاس يخطئ في الصوم ، ينطبق عليه قول السيد المسيح " إن كان النور الذي فيك ظلاماً ، فالظلام كم يكون " ( مت 6:23) أي إن كانت هذه الأيام المقدسة المنيرة فترة للظلام ، فالأيام العادية كم تكون ؟!وقد اهتم الآباء الرهبان القديسون بالصوم الكبير حياتهم كلها كانت صوماً ولكن إيام الصوم الكبير كانت لها قدسية خاصة في الأجيال الأولي ، حيث كانوا يخرجون من الأديرة في الأربعين المقدسة ويتوحدون في الجبال ولعلنا نجد مثالاً لهذا في قصة القديس ولقائه بالقديسة مريم القبطية التائبة وهكذا كان أيضاً نفس الاهتمام في رهبنة القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين ، وفي كثير أثيوبيا .
فلنهتم نحن أيضاً بهذه الأيام المقدسة أن كنا لا نستطيع أن نطوي الأيام كما كان يفعل السيد المسيح له المجد فعلي الأقل فلنسلك بالزهد الممكن ، وبالنسك الذي نستطيع أن نحتمله وأن كنا لا نستطيع أن ننتهر الشيطان ونهزمة بقوة كما فعل الرب ، فعلي الأقل فلنستعد لمقاومته ولنذكر ما قاله القديس بولس الرسول في رسالته إلي العبرانيين معاتباً " لم تقاوموا بعد حتي الدم مجاهدين ضد الخطية "( عب 12: 4) مفروض إذن أن يجاهد الإنسان حتي الدم في مقاومة الخطية . إن كانت ثلاثة أيام صامتها استير وشعبها ، وكان لها مفعولها القوي ن فكم بالأولي خمسة وخمسون هنا واقول لنفسنا في عتاب كم صوم الكبير مر علينا في حياتنا ، بكل ما في الصوم الكبير من روحيات ؟ لو كنا نجني فائدة روحية في كل صوم ، فما حصاد هذه السنين كلها في أصوامها الكبيرة التي صمنها ، وباقي الأصوام الأخري أيضاً ؟ إن المسأله تحتاج إلي جدية في الصوم ، وإلي روحانية في الصوم ، ولا نأخذ الأمر في روتينية أو بلا مبالاة .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
01 أبريل 2020
قدسوا صوماً
قال الرب علي لسان يوئيل النبي " قدسوا صوماً ، نادوا باعتكاف " ( يوئيل 1:14، 2:15) فما معني تقديسنا للصوم ؟ وكيف يكون ؟
معنى عبارة " قدسوا صوما ً"
كلمه " تقديس " كانت في أصلها اليوناني تعني التخصيص فلما قال الرب لموسى " قدس لي كل بكر ، كل فاتح رحم إنه لي " ( خر 13: 2) كان يعني خصص لي هؤلاء الأبكار ، فلا يصيرون لغرض آخ : أبكار الناس كانوا يتفرغون لخدمة الرب قبل اختيار هرون وأولاده وأبكار البهائم كانت تقدم ذبائح والثياب المقدسة هي المخصصه للرب لخدمه الكهنوت وفي هذا قال الرب لموسى النبي " فيصنعون ثياباً مقدسة لهرون أخيك ولبنية ، ليكهن لي "( خر 28: 5) أواني المذبح هي أوان مقدسة للرب ، لأنها مخصصة لخدمته ، لا يمكن أن تستخدم في غرض آخر وتقديس بيت للرب معناها تخصيص بيت للرب ، فلا يمكن أن يستخدم في أي غرض آخر سوي عبادة الرب " بيتي بيت الصلاة يدعي " ( مت 21: 13) ولعل البعض يسأل ما معني قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم أقدس انا ذاتي" ( يو 17: 19) ؟ معناها قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم ، أي لأجل الكنيسة ، لأني جئت لأقدي هؤلاء وبهذه تكون المقدسات هي المخصصات للرب أي أنها أشياء للرب وحده وليس لغيره ، هي مخصصه للرب ، مثل البكور مثلاً وفي هذا يقول الرب علي لسان حزقيال النبي " هناك أطلب تقدمانكم وباكورات جزاكم جميع مقدستكم " ( حز 20: 40) ويقول عن بكور كل شجرة مثمرة " وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدساً لتمجيد الرب " ( لا 19: 24) أي يكون ثمرها مخصصاً للرب ، يعطي لكهنة الرب ( حز 44: 30) والموال التي تدخل إلي خزانه الرب في الهيكل ، قيل عنها " تكون قدساً للرب ، وتدخل في خزانه الرب "( يش 6: 19 ) . أي تخصص للرب وبنفس المعني كان تقديس الأيام أي تكون مخصصه للرب فعبارة " أذر يوم السبت لتقديسه " ( خر 20: 8) أي تخصص هذا اليوم للرب " لا تعمل فيه عملاً ما " إنه للرب وبنفس المعني تقديس كل مواسم الرب ، كل أعياده تقام فيها محافل مقدسة ، وتخصص تلك الأيام للرب لا تعمل فيها أي عمل ( لا 23: 7، 8، 21، 25، 31، 36) وهكذا تقدس الصوم معناه تخصيصه للرب تكون أيام الصوم مقدسه ، أي مخصصة للرب هي أيام ليست من نصيب العالم ، ولكنها نصيب الرب ، قدس للرب ولهذا وضح الوحي الإلهي هذا المعني بقوله " قدسوا صوماً نادوا باعتكاف "لأن الاعتكاف يليق بسبب أعمالك الرسمية أعتكف ما تستطيعة من الوقت لكي تتفرغ للب وإن ضاق وقتك علي الرغم منك ، فهناك معني آخر للتخصيص علي الأقل خصص هدف الصوم للرب وهكذا يكون صوماً مقدساً أي مخصصاً للرب في هدفه ، وفي سلوكه بهذا ندخل في المعني المتداول لكلمة مقدس ، أي طاهر ، لأنه للرب فهل هدف صومك هو الرب .
ما هو هدف صومك؟
لماذا نصوم ؟ ما و هدفنا من الصوم ؟ لأنه بناء علي هدف الإنسان ، تتحدد وسيلته وأيضاً بناء علي الهدف تكون النتيجة هل نحن نصوم ، لمجرد أن الطقس هكذا ؟
لمجرد أنه ورد في القطمارس ، أو التقويم ( النتيجة ) ، أن الصوم قد بدأ ، أو قد أعلنت الكنيسة هذا الأمر ؟ إذن فالعامل الفلبي الجواني غير متكامل طبعاً طاعة الكنيسة آمر لازم ، وطاعة الوصية أمر لازم . ولكننا حينما نطيع الوصية ، ينبغي أن نطيعها في روحانية وليس في سطحية وان كانت الكنيسة قد رتبت لنا هذا الصوم ، فقد رتبته من أجل العمق الروحي الذي فيه . فما هو هذا العمق الروحي ؟ ؟ وما هدفنا من الصوم ؟
هل هدفنا هو مجرد حرمان الجسد وإذلاله في الواقع إن الحرمان الجسد ليس فضيلة في ذاته ، إنما هو مجرد وسيلة لفضيلة وهي أن تأخذ الروح مجالها . فهل نقتصر علي الوسيلة ، أم ندخل في الهدف منها وهو إعطاء الروح مجالها ؟ ما اكثر الأهداف الخاطئة التي تقف أمام الإنسان في صومه !
فقد يصوم البعض لمجرد أن يرضي عن نفسه لكي يشعر أنه إنسان بار ، يسلك في الوسائط الروحية ، ولا يقصر في آيه وصية أو قد يصوم لكي ينال مديحاً لكي ينال مديحاً من الناس في صومه ، أو في درجة صومه وهكذا يدخل في مجال المجد الباطل ، أي يدخل في خطية ! ما هو إذن الهدف السليم من الصوم ؟
الهدف السليم أننا نصوم من أجل محبتنا لله من أجل محبتنا ، نريد أن تكون أرواحنا ملتصقة بالله . ولا نشاء أن تكون أجسادنا عائقاً في طريق الروح . لذلك نخضعها بالصوم لكي تتمشي مع الروح في عملها . وهكذا نود في الصوم ، أن نرتفع عن المستوي المادي وعن المستوي الجسداني ، لكي نحيا في الروح ، ولكي تكون هناك فرصه لأرواحنا البشرية أن تشترك في العمل مع روح الله ، وان تتمتع بمحبة الله وبعشرته . حقاً ان التمتع بمحبة الله وحلاوة عشرته ، من المفروض أن يكون أسلوب الحياة كلها . ولكن لا ننسي أننا ننال ذلك بصورة مركزه في الصوم ، فيها عمق اكثر ، وحرص أكثر ، كتدريب وكتمهيد لكي تكون هذه المتعه بالله هي أسلوب الحياة كلها فنحن نصوم لأن الصوم يقربنا إلي الله الصوم فيه اعتكاف ، والاعتكاف فرصة للصلاة والقراءة الروحية والتأمل والصوم يساعد علي السهر وعلي المطانيات والسهر والمطانيات مجال للصلاة . والصوم فيه ضبط للإرادة وانتصار علي الرغبات وهذا يساعد علي التوبة التي هي الطريق إلي الله وإلي الصلح معه ونحن نصوم وفي صومنا تتغذي علي كل كلمة تخرج من فم الله ( مت 4) إذن من اجل محبة الله وعشرته ، نحن نصوم نصوم ، لأن الصوم يساعد علي الزهد في العالميات والموت عن الماديات وهذا يقوينا علي الاستعداد للأبدي والالتصاق بالله إن كان الصوم إذن هو أيام مخصصه لله وحده ، وإن كنا نصوم من اجل الله ومحبته ، فإن سؤالاً يطرح نفسه علينا وهو
هل هناك اصوام غير خصصه لله ؟
نعم ، قد توجد أصوام للبعض لا نصيب لله فيا كإنسان يصوم ولا نصيب لله في حياته علي الرغم من صومه ! يصوم وهو كما هو ، بكل أخطائه ، لم يتغير فيه شئ ! أو يصوم كعادة ، أو خوفاً من الإحراج لأجل سمعته كخادم أو أن صيامه مجرد صوم جسداني كله علاقة بالجسد ، ولا دخل للروح فيه ! أو هو صوم لمجرد إظهار المهارة ، والقدرة علي الأمتناع عن الطعام أو قد يكون صوماً عن الطعام ، وفي نفس الوقت يمتع نفسه بشهوات أخري لا يقوي علي الأمتناع عنها! يظن البعض أن الصوم مجرد علاقة بين الإنسان وبين الطعام ، دون أن يكون الله طرفاً ثالثاً فيها كل اهتماماته في صومه هي هذه ما هي فترة الأنقطاع ؟ متي يأكل ؟ وكيف ينمو في أطاله فترة إنقطاعه ؟ وماذا يأكل ؟ وكيف يمنع نفسه عن أصناف معينه من الطعام ؟ وكيف يطوي أياماً ؟ كأن الصوم بين طرفين هو و الطعام ، أو هو والجسد ! دون أن يكون الله طرفاً في هذا الصوم بأيه صورة من الصور !! أحقاً هذا صوم ؟! إن الصوم ليس هو مجرد تعامل مع الجسد بل هو تعامل مع الله والصوم الذي لا يكون الله فيه ، ليس هو صوماً علي الأطلاق نحن من أجل الله نأكل ، ومن أجله نصوم من اجل الله نأكل ، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله ، وأن يكون أميناً في واجباته تجاه الناس ونحن من أجل الله نجوع لكي نخضع الجسد فلا يخطئ إلي الله ولكن يكون الجسد تحت سيطرتنا ، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد ، لكي لا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدتنا في تصرفاتنا وإنما نسلك حسب الروح وليس حسب الجسد ، من أجل محبتنا لله ، وحفاظاً علي شركتنا مع روحه القدوس اما في غير ذلك فيكون الصوم مرفوضاً من الله .
أصوام باطلة ومرفوضة :-
ليس كل صوم مقبولاً من الله . فهناك أصوام باطلة ، لا تعتبر بالحقيقة أصوامأ ، وهي مرفوضة من الله . وقد قدم لنا الكتاب أمثلة من هذه الأصوام المرفوضة منها
1- الصوم الذي لكسب مديح الناس الصوم المكشوف الظاهر ، الذي يشاء أن يكون مكشوفاً لكي يراه الناس ويمتدحوه وعن هذا الصوم قال السيد الرب في عظته علي الجبل " ومتي صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ، فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتي صمت ، فادهن رأسك واغسل وجهك ، لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخطاء فأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية "( مت 6: 16-18 ) هذا الصوم الذي لمديح الناس ، ليس لأجل الله ، ولا نصيب لله فيه لذلك هو صوم باطل
2- وصوم الفريسي الذي وقف مثال آخر لصوم غير مقبول هذا الفريسي الذي وقف أمام الله يتباهي بفضائله ويقول " أصوم يومين في الأسبوع وأعشر جميع أموالي "وفي نفس الوقت كان يدين العشار قائلاً عن نفسه " لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناه ولا مثل هذا العشار " لذلك لم يخرج من الهيكل مبرراً، مثلما خرج العشار المنسحق القلب ( لو 18: 9-14) وهذا المثل يرينا ان الصوم الذي لا يمتزج بالتواضع والانسحاق هو صوم مرفوض من الله لأن صاحبه يظن في نفسه أنه بار ، ويحتقر الآخرين ( لو 18: 9) .
2- الصوم الذي هدفه خاطئ ، صوم غير مقبول .
ومن أمثله هذا الصوم أولئك اليهود الذين صنعوا اتفاقاً فيما بينهم " وحرموا أنفسهم قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتي يقتلوا بولس . وكان الذين صنعوا هذا التحالف نحو الأربعين " أع 23: 12، 13) وطبعاً كان صومهم هذا خطية بل لا نستطيع أن نسمية صوماً بالمعني الروحي .
4- صوم الشعب الخاطئ أيام ارمياء النبي .
هؤلاء لم يقبل الرب صومهم بل قال عنهم لأرميا النبي " لا تصل لأجل هذا الشعب للخير حين يصومون لا أسمع صراخهم وحين يصعدون محرقه وتقدمه لا أقبلهم بل بالسيف والجوع والوبأ أنا أفنيهم "( أر 14 : 11، 12)هؤلاء لم يقبل الرب أصوامهم ولا صلواتهم ولا محرقاتهم ، لأنهم كانوا يعيشون في الشر ، وقلوبهم لم تكن طاهرة قدامه أذن الصوم البعيد عن التوبة هو صوم غير مقبول فالله يريد القلب النقي ، أكثر مما يريد الجسد الجائع والإنسان الذي يصوم فمه عن الطعام ، ولا يصوم قلبه عن الخطايا ، ولا يصوم لسانه عن الأباطير ، فصوم هذا الإنسان باطل ، حتي إن يسلم جسده ليحترق فلا ينتفع شيئاً ( 1 كو 13: 3)
5- والصوم العيد عن الرحمة و الصدقة ، غير مقبول وقد شرح الرب هذا الأمر لإشعياء النبي ، فقال له " يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ؟ ها إنكم للخصومة و لنزاع تصومون أمثل هذا يكون صوم اختاره هل تسمي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب ؟! أليس هذا صوماً أختاره حل قيود الشر ، فك عقد النير ، وإطلاق المسحوقين أحرارا أليس أن تكسر للجائع خبزك ، وأن تدخل الماسكين التائهين إلي بيتك " ( أش 58: 3- 7) فالذي يصوم ، حتي ولو كان صوماً بتذللك بالمسوح و الرماد ، يحني فيه كالأسلة رأسة ، هو صوم غير مقبول ، أ لم يكن ممتزجاً بأعمال الرحمة وبنقاوة القلب.
6- والصوم الذي ليس لأجل الله ، صوم باطل فقد يصوم إنسان ، لأن الأطباء أمروه بهذا وقد يصوم آخر من أجل رشاقة جسده وحسن منظرة وكلاهما ليس من أجل الله ، ولا ينتفع روحياً بصومه وقدوم إنسان ثالث ، بأسلوب إضراب عن الطعام ، وليس بهدف روحي ، ولا من أجل الله كما يمتنع رابع عن الطعام حزناً أو يأساً ، ولا نستطيع أن نعتبر أحداً من هؤلاء صائماً بالحقيقة نعود ونقول كل صوم ليس هو من أجل الله ، وليس هو بسبب روحي ، لا يمكن أن نعتبره صوماً علي الأطلاق ، ولا يقبله الله .
فما هو الصوم الروحي المقبول أمام الله ؟
هو الصوم الذي تكون فيه علاقة عميقة مع الله الصوم الذي تشعر فيه بالله في حياتك ، هو الفترة المقدسة التي تشعر أن الله يملكها ، وأنها مخصصة كلها لله ، وان وجود الله ظاهراً جداً خلالها في كل تصرفاتك ، وعلاقتك بالله تزداد وتنمو في كل يوم من أيام الصوم ، بمتعة روحية تشتهي بسببها أن يطول صومك ولا ينتهي لعل هذا يجعلنا نفحص سؤال هاماً وهو ما علاقة الله بصومك وهذا ما نجيب عليه فى المقاله القادمة
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
25 مارس 2020
فائدة الصوم للجسد
للصوم فوائد عديدة للجسد ، نذكر بعضاً منها فيما يلي :-
- الصوم فترة راحة لبعض أجهزة الجسد إنها فترة تستريح فيها كل الأجهزة الخاصة بالهضم و التمثيل ، كالمعدة والأمعاء و الكبد والمرارة ، هذه التي يرهقها الأكل الكثير ، والطعام المعقد في تركيبه و بخاصة الأكل المتواصل أ, الذي في غير مواعيد منتظمة ، كمن يأكل ويشرب بين الوجبات ، في الضيفات وفي تنازل المسليات و الترفيهات وما أشبه فترتبك أجهزته إذ يدخل طعام جديد يحتاج إلي هضم ، علي طعام نصف مهضوم ،علي طعام أوشك أن ينتهي هضمة! أما في الصوم ففي خلال فترة الانقطاع تستريح أجهزة الجسم هذه وفي تناول الطعام تصلها أطعمة خفيفة لا تتعبها وكذلك يريحنا في الصوم تدريب ( عدم الأكل بين الوجبات ) وما أجمل ان يتعود الصائم هذه التدريب ، ويتخذه كمنهج دائم حتى في غير أوقات الصوم ، إلا في الحالات الاستثنائية . من فوائد الصوم أيضا للجسد أن :
- الطعام النباتي يريح من مشكلة الكوليسترول ما أخطر اللحوم بشحومها ودهونها في أزادة نسبة الكوليستيرول في الدم ، وخطر ذلك في تكوين الجلطات ، حتى ان الأطباء يشددون جداً في هذا المر ، ويقدمون النصائح في البعد عن دسم اللحم و البيض والسمن وما إلي ذلك ، حرصاً علي صحة الجسد ، وبخاصة بعد سن معينة وفي حالات خاصة ، وينصحون أيضاً بالطعام النباتي ، ويحاولون علي قدر الطاقة إرجاع الإنسان إلي طبيعته الأولي وإلي طعام جنه عدن ومن فوائد الصوم أيضاً للجسد أنه :
- بالصوم يتخلص الصائم من السمنة و البدانه و الترهل هذه البدانه التي يحمل فيها الإنسان كمية من الشحوم و الدهون ، ترهقه وتتعب قلبه الذي يضطر أيضاً أن يوصل الدم إلي كتل من الأنسجة فوق المعدل الذي أراد له الله أن يعوله بالإضافة إلي ما تسببه السمنة من أمراض عديدة للجسد ويصر الأطباء من أجل صحة الجسد علي إنقاص وزنه ويضعون له حكماً لابد أن يسير عليه يسمونه الريجيم . Regime ، ويأمرون الإنسان البدين - الذي يعتبرونه مريضاً - بان يضبط نفسه في الأكل ، بعد أن كان يأكل بلا ضابط .
- إن الصائم الذي يضبط نفسه ، لا يحتاج إلي ريجيم والصوم كعلاج روحي ، أسمي من العلاج الجسدي ، لنه في نفس الوقت يعالج الروح و الجسد و النفس معاً ليت الإنسان يصوم بهدف روحي ، من اجل محبته لله ، وسنصلح جسده تلقائياً أثناء صومه فهذا افضل من ان يصوم بأمر الطبيب لكي ينقص وزنه حقاً إنها لماساه ، أن الإنسان يقضي جزاءاً كبيراً من عمره ، يربي أنسجة لجسمة ، ويكدس في هذا الجسم دهوناً وشحوماً ثم يقضي جزواءاً آخر من عمره في التخلص من هذه الكتل التي تعب كثيراً في تكوينها واقتنائها ! ولو كان معتدلاً ، ولو عرف من البدء قيمة الصوم و نفعه ، ما أحتاج إلي كل هذا الجهد في البناء و الهدم لعل هذا يذكرني بالتي تظل تأكل إلي أن يفقد جسدها رونقه ثم ينصحها الأطباء ان تصوم وتقلل الكل وتتبع الريجيم وهكذا تقلل الأكل ، ليس من اجل الله ، وإنما من أجل جمال الجسد فهي لا تآكل ، وفي نفس الوقت لا تأخذ بركة الصوم ، لأنها ليست محبة في الله تفعل هذا! أما كان الجدار بكل هؤلاء أن يصوموا ، فتستفيد أجسادهم صحياً ، ولا تفقد رونقها ، وفي نفس الوقت تسمو الروح وتقترب غلي الله صوموا إذن لأجل الله ، قبل أن يرغمكم العالم علي الصوم بدون نفع روحي ولعلمن فوائد الصوم أيضاً ، وبخاصة فترات الانقطاع و الجوع ، أن :
- الصوم يساعد علي علاج كثير من الأمراض من أهم الكتب التي قرأتها في هذا المجال ، كتاب ترجم إلي العربية سنة 1930 باسم ( التطبيب بالصوم ) للعالم الروسي ألكسي سوفورين وقد ذكر هذا العالم أن الصوم يساعد علي طرد السموم من الجسم بعمليات الأخراج المختلفة، إلا أن جزءاً قد يتبقي الصوم لطرده ويقول هذا العالم أيضاً إن الجسم في صومه ، إذ لا يجد ما يكفيه من غذاء ، تتحلل بعض أنسجته ، وأولها الدهون و الشحوم والأنسجة المصابة و المتقيحة ، وهكذا يتخلص منها الجسد وقد جاء هذا العالم أن الصوم الإنقطاعي الطويل المدي ، بنظام خاص ، يعالج كثيراً من الأمراض وغني اعرض بحثه للدراسة كرأي لعالم إختبر ما ورد في كتابه هل هناك فوائد أخري يقدمها الصوم للجسد ؟ نعم :
- الصوم يجعل الجسد خفيفاً ونشيطاً آباؤنا الذين أتقنوا الصوم ، كانت أجسادهم خفيفة ، وأرواحهم منطلقة . كانت حركاتهم نشطة وقلوبهم قوية ، كانوا يقدرون علي المشي في اليوم عشرات الكيلومترات دون تعب يتحركون في البرية كالأياثل . ولم تثقل أذهانهم بل كانت صافيه جداً وهكذا منحهم الصوم نشاطاً للجسد و للروح وللذهن وقد وجدوا في الصوم راحتهم ، وودجدوا فيه لذتهم ، فصارت حياتهم كلها صوماً لا يقل أحد إذن إن الصوم أو الطعام النباتي يضعف الصحة ، لنه في الواقع يقويها أليس الصوم مجرد علاج للروح ، إنما هو علاج للجسد أيضاً ولم نسمع ابداً ان الطعام النباتي قد أضعف أحدا إن دانيال و الثلاثة فتية لم يأكلوا لحماً من مائدة الملك ، واكتفوا بأكل البقول فصارت صحتهم أفضل من غيرهم ( دا 1: 15) والآباء السواح ، وآباء الرهبنة الكبار ، كانوا متشددين جداً في صومهم ، ولم نسمع أبداً أن الصوم أضعف صحتهم ، بل كانت قوية حتى في سن الشيخوخة وأبونا آدم لم يقل أحد إنه مرض وضعف بسبب الطعام النباتي ، وكذلك أمنا حواء ، وكل الآباء قبل فلك نوح فاطمئنوا إذن علي صحتكم الجسدية
- الذي يتعب الجسد ليس هو الصوم ، بل الأكل تتعب الجسد كثرة الأكل ، والتخمة ، وعدم الضوابط في الطعام ، وكثرة الخلاط غير المتجانسة في الطعام ، ودخول أكل جديد علي أكل لم يهضم داخل الجسد كما يتعب الجسد أيضا الطاقات الحرارية الزائدة التي تأتي من أغذية فوق حاجة الإنسان وما اكثر الأمراض التي سببها الأكل لذلك يجب أن تتحرروا من فكرة أن الصوم يتعب الصحة إنها فكرة خاطئة ، ربما نبتت أولاً من حنو الأمهات الزائد علي صحة أبنائهن حينما كانت الأم تفرح إذ تري إبنها سميناً وممتلئ الجسم ، وتظن أن هذه هي الصحة ! بينما قد يكون السمين أضعف صحة من الرفيع حنو الأمهات الخاطئ كان يمنع الأبناء من الصوم ، أو كان يخيفهم من الصوم ونقول إنه حنو خاطئ ، لأنه لا يهتم بروح الإبن كما يهتم بجسده ، كما لو كانت أولئك الأمهات أمهات لأجساد أبنائهن فقط وفي إشفاق الأم علي جسد إبنها كانت تهتم بغذاء هذا الجسد ، دون أن تلتفت إلي غذاء روحه !ومع ذلك سمعنا عن أطفال قديسين كانوا يصومون ولعل من أمثله هؤلاء القديس مرقس المتوحد بجبل أنطونيوس الذي بدأ صومه منذ طفولته المبكرة ، واستمر معه كمنهج حياة . وكذلك القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين الذي كان في طفولته يعطي طعامه للرعاه ويظل منتصباً في الصلاة وهو صائم حتي الغروب وهو بعد التاسعة من عمره كان الصوم للكل كباراً وصغاراً منحهم صحة وقوة وقد خلص أجسادهم من الدهن و الماء الزائدين وهكذا حفظت لنا كثير من اجساد القديسين دون أن تتعفن بسبب البركة التي حفظ بها الرب هذه الأجساد مكافأة علي قداستها ، هذا من جهة ومن جهة أخري لأن الأجساد كانت بعيدة عن أسباب التعفن ، بسبب التعفن قلة ما فيها من رطوبة ومن دهن قد تحفظ اللحوم فترة طويلة بلا تعفن ، إذا شوحوها ( قدوها) أي عرضوها للحرارة التي تطرد ما فيها من ماء وتذيب ما فيها من دهن ، فتصبح في جفاف يساعد علي حفظها إلي حد ما هكذا كانت أجساد القديسين بالصوم ، بلا دهن بلا ماء زائد ، فلم يجد التلف طريقاً إليها ولكن لماذا نركز علي الجسد ؟ هل الصوم فضيلة للجسد فقط ؟
الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد:-
الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد بعيداً عن الروح فكل عمل لا تشترك فيه الروح لا يعتبر فضيلة علي الإطلاق فما هو عمل الجسد في الصوم ؟ وما هو عمل الروح ؟ الصوم الحقيقي هو عمل روحي داخل القلب أولاً وعمل الجسد في الصوم ، هو تمهيد لعمل الروح أو هو تعبير عن مشاعر الروح الروح تسمو فوق مستوي المادة و الطعام ، وفوق مستوي الجسد معها في موكب نصرتها ، وفي رغباتها الروحية ويعبر الجسد عن هذا بممارسة الصوم إن قصرنا تعريفنا للصوم علي إنه إذلال للجسد بالجوع و الأمتناع عما يشتهي ، نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته ، وتركنا عمله الإيجابي الروحي الصوم ليس جوعاً للجسد ، بل هو غذاء للروح ليس الصوم تعذيباً للجسد ، او استشهاداً للجسد ، أو صليباً له ، كما يظن البعض ، إنما الصوم هو تسامي الجسد ليصل إلي المستوي الذي يتعاون فيه مع الروح ونحن في الصوم لا نقصد أن نعذب الجسد ، إنما نقصد ألا نسلك حسبي الجسد ، فيكون الصائم إنساناً روحياً وليس إنساناً جسدانياً الصوم هو روح زاهده ، تشرك الجسد معها في الزهد والصوم ليس هو الجسد الجائع ، بل الجسد الزاهد وليس الصوم هو جوع الجسد ، إنما بالأكثر هو تسامي الجسد وطهارة الجسد ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل ، بل الذي يتخلص من شهوة الكل ويفقد الأكل قيمته في نظره الصوم فترة ترفع فيها الروح ، وتجذب الجسد معها تخلصه من أعماله واثقاله ، وتجذبه معها إلي فوق ، لكي يعمل معها الرب بلا عائق والجسد الروحي يكون سعيداً بهذا الصوم هو فترة روحية ، يقضيها الجسد و الروح معاً في عمل روحي يشترك الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح يشترك معها في الصلاة و التأمل و التسبيح و العشرة الإلهية .
نصلي ليس فقط بجسد صائم ، أنما أيضا بنفس صائمة بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات ، وبروح صائمه عن محبة العالم ، فهي ميته عنه ، وكلها حياة مع الله ، تتغذي به وبمحبته الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل الروحي هو الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه ، بقلبه وروحه وفكره وحواسة وعواطفه الصوم هو تعبير الجسد عن زهده في المادة و الماديات ، واشتياقه إلي الحياة مع الله وهذا الزهد دليل علي اشتراك الجسد في عمل الروح ، وفي صفاتها الروحية وبه يصبح الجسد روحياً في منهجه ، وتكون له صورة الروح في الصوم لا يهتم الإنسان بما للجسد به أيضاً في حالته الروحية .
لا تهتموا بما للجسد:-
في حديث الرب عن الغذاء الروحي ، نسمعه يقول إعملوا لا للطعام البائد ، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية ( يو 6: 27 ) وبعد هذا يحدثهم عن الخبز النازل من السماء ، الخبز الحقيقي ، خبز الله ، خبز الحياة ( يو 6: 32 - 35) إنه هنا يوجه إلي الروح وغذائها ويقود تفكيرنا في اتجاه روحي ، حتي لا ننشغل بالجسد وطعامه وحينما ذكر عبارة " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( مت 4: 4) إنما أراد بهذا أنه ينبغي للإنسان ألا يحيا جسدانياً يعتمد علي الخبز كطعام له ، ناسياً الروح وطعامها . وعن طعام الروح هذا قال لتلاميذه " لي طعام لآكل لستم تعرفونه " ( يو 4: 32 ) . وهنا يخطر علي فكرنا سؤال هو هل كان المسيح علي الجبل صائماً أو يتغذي والجواب هو كان صائماً من جهة الجسد . وكان يتغذي من جهة الروح كان له طعام آخر لا يعرفه الناس وبهذا الطعام استطاعت الروح أن تحمل الجسد الصائم طوال الأربعين يوماً ، التي لم يهتم فيها الرب بطعام الجسد ، أو ترك الجسد يتغذي بطعام الروح إنه يعطينا درساً أن نهتم بما للروح ، وليس بما للجسد وفي هذا المجال نضع أمامنا كلام الوحي الإلهي علي فم معلمنا القديس بولس الرسول إذ بشرح موضوع الاهتمام بما للجسد وما للروح فيقول " أذن لا شي من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع ، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح " وهذا ما نريد أن نسلك فيه في الصوم وفي كل حياتنا ويتابع الرسول شرحه فيقول ( فإن الذين هم حسب الجسد ، فبما للجسد يهتمون ولكن الذين هم حسب الروح ، فبما للروح يهتمون " ( رو 8: 5 ) .
فهل أنت يهتم بما للروح أم بما للجسد ؟
هل يهمك نموك الروحي ، أم رفاهية بصحة الروح ، فسيمنحك الرب صحة الجسد أيضاً في فترة الصوم كما شرحنا قبلاً ولكن الخطورة في الاهتمام بالجسد هي تلك العبارات الصعبة لأن اهتمام الجسد هو موت ، لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله ( رو 8: 6، 7) من يستطيع |أن يحتمل هذا الكلام ، ويظل سالكاً حسب الجسد ؟! هوذا الرسول يقول أيضاً " فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله " ( رو 8: ) " فإذن أيها الأخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد " لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون " " أما إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فسستحيون "( رو 8: 12 ، 13) حسن قول الرسول هذا فنحن في الصوم لا نميت الجسد ، إنما نميت أعمال الجسد ، نميتها بالروح لنحيا نحن لا نعذب الجسد ، أنما لا نسلك حسب الجسدلا نعطي للجسد نعطي للجسد شهوات ورغبات ، إنما نعطيه تسمياً ، وأرتفاعاً عن المادة ، وتسليم ذاته لروح لن الرسول يقول " ولكن إهتماماً الجسد هو حياة وسلام "( رو 8: 6) هذا هو الصوم . لذلك أمام عبارات الرسول نسأل هل أنت في الصوم تهتم بما للروح ؟ هذا ما نود إن نخصص له الفصول المقبلة ، لكي يكون صومنا روحانياً ومقبولاً أمام الله . ولكي لا نركز إهتماماً في الجانب الجسدي من الصوم ، ونغفل العمل الروحي ، ولكي نفهم الصوم بطريقة روحية ، ويكون لنا فيه منهج روحي لنفعنا وإن كان الصوم ليس هو مجرد جوع للجسد ، إنما هو بالأحرى غذاء للروح فلنبحث عن أغذية الروح خما هي ؟ وهل تنالها الصوم أم لا ؟
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
20 مارس 2020
تعريف الصوم
تعريف الصوم من الناحية الروحية سنذكره بالتفصيل فيما بعد ولكن ما هو تعريف الصوم من الناحية الجسدية ؟ الصوم هو إنقطاع عن الطعام فترة من الوقت ، يعقبها طعام خال من الدسم الحيواني .
فترة الإنقطاع:-
لابد من فترة إنقطاع ، لأننا لو اكلنا من بدء اليوم بدون انقطاع ، لصرنا نباتيين وليس صائمين وحتي الصوم في اللغه هو الإمتناع أو الإنقطاع فلا بد إذن أن نمتنع عن الطعام لفترة معينة فترة الإنقطاع عن الطعام تختلف من شخص لآخر وذلك لأسباب كثيرة نذكر من بينها :-
- يختلف الناس في درجتهم الروحية فهناك المبتدئ الذي لا يستطيع أن ينقطع عن الطعام لفترة طويلة واكثر من هؤلاء الناسك الذي يستطيع ان يطوي الأيام صوماً ،كما كان يفعل آباؤنا الرهبان و المتوحدون و السواح .
- يختلف الصائمون في سنهم فمستوي الطفل أو الصبي في الصوم ،غير مستوي الشاب أو الرجل الناضج ،غير ما يستطيعه الشيخ أو الكهل .
- يختلف الصائمون أيضاً في صحتهم ، فما يحتمله القوي غير ما يحتمله الضعيف كما أن المرضي قد يكون لهم نظام خاص ،أو يعفون من الانقطاع حسبما تكون نوعية امراضهم وطريقة علاجهم .
- يختلف الصائمون كذلك في نوعية عملهم فالعض يقومون بأعمال تحتاج إلي مجهود جسدي كبير والبعض أعمالهم مريحة يجلسون فيها إلي مكاتبهم بضع ساعات في اليوم واحتمال هؤلاء للانقطاع غير احتمال أولئك .
- هناك أيضا نظام التدرج فقد يبدأ الصائم الأسبوع الأول من صومه بدرجة إنقطاع معينة ، تزداد علي مر الأسابيع ، حتي يكون إنقطاعه في آخر الصوم أعلي بكثير من نقطه البدء وهذا التدرج نافع وينصح به الآباء الروحيون علي انه قد يوجد حد ادني لهذا الإنقطاع وربما يختلف هذا الحد الأدنى من صوم إلي آخر فالصوم الكبير مثلاً يكون حده الأدني أعلي من باقي الأصوام والحد الأدني في أسبوع الآلام يكون أعلي مما في الصوم الكبير نفسه والبعض كانوا يطوون الفترة من بعد خميس العهد إلي قداس العيد وأيام البرامون في أصلها تطوي أيضا أما الضعفاء فلهم تسهيل خاص ومع كل ذلك ، فيمكننا ان نضع قاعدة هامة وهي :-
فترة الإنقطاع تكون حسب إرشاد أب الاعتراف وذلك حتى لا يبالغ فيها البعض فتتبعهم جسدياً ، وقد تتعبهم روحياً أيضا إذ تجلب لهم أفكارًاً من المجد الباطل كما أن العض من الناحية الإخري قد يتهاون بطريقة تفقده فائدة الصوم والأفضل ان يشرف أب اعتراف علي هذا الأمر علي أنه من جهة النظام العام للكنيسة في فترة الإنقطاع ، نود أن نسأل سؤالاً هل هناك علاقة بين الإنقطاع عن الطعام والساعة التاسعة ؟ يبدو أن هناك علاقة لانه في طقس الكنيسة الخاص بصلاة الساعة التاسعة نلاحظ إختيار فصل الإنجيل الخاص بمباركة الطعام بعد قترة من الجوع ( لو 9 : 10-17) وواضح أننا في صلاة الساعة التاسعة نذكر موت السيد المسيح علي الصليب ، فلماذا إذن هذا الفصل من الإنجيل الخاص بمباركة الطعام ؟ يبدوا أن نظام الإنقطاع كان عموماً إلي الساعة التاسعة ، فيصلي الناس هذه الساعة بإنجيلها المناسب ، ثم يتناولون طعامهم ولما كانت غالبية السنة صوماً ، ولكي لا يتغير نظام الصلاة اليومية بين الإفطار و الصوم ، بقي هذا الفصل من الإنجيل علي مدار السنة حتي في الأيام التي ليس فيها إنقطاع ، يذكرنا بمباركة الرب للطعام قبل الكل أياً كان الموعد و المعروف ان الساعة التاسعة من النهار هي الثالثة بعد الظهر ،علي اعتبار أن النهار يبدأ علي الأغلب من السادسة صباحا وعلي آيه الحالات ، لا داعي لاستفاضة في بحث هذه النقطة ، مادامت فترة الإنقطاع تتغير من شخص إلي آخر ، كما إننا تركنا تحديدها لأب الإعتراف ولحالة الصائم الروحية والمهم عندنا هو الوضع الروحي لفترة الانقطاع فلا نريد ان ندخل في شكليات أو في قوانين خاصه بفترة الانقطاع ، إنما نريد أن نتحدث عن الطريقة التي يستفيد بها الإنسان روحياً من فترة إنقطاعه عن الطعام لانه قد ينقطع إنسان عن الطعام إلي التاسعة من النهار أو غلي الغروب أو إلي ظهور النجم ، ولا يستفيد روحياً ، إذ كان قد سلك بطريقة غير روحية فما هي الطريقة الروحية إذن ؟
- ينبغي أن تكون أن تكون فترة الانقطاع فترة زهد ونسك فلا تهتم فيها بما للجسد أي لا تكون منقطعاً عن الطعام ، وتظل تفكر متي تأكل إنما ينبغي أن تكون فترة الإنقطاع فترة زاهدة ناسكة ، ترتفع فيها تماماً عن مستوي الكل وعن مستوي المادة وعن مستوي الطعام .
- وبعد فترة الإنقطاع لا تأكل بشهوة فالذي ينقطع عن الطعام ، ثم يأكل بعد ذلك ما يشتهيه ، او يتخير أصنافاً معينة تلذ له ، هذا لا يكون قد أخضع جسده او أمات شهواته وإذ يأكل بشهوة ، أو إذ يأكل ما يشتهي ، يدل علي انه لم يستفيد روحياً من فترة الإنقطاع ، ولم يتعلم منها الزهد و النسك! أنظر ما قاله دانيال النبي عن صومه " لم آكل طعاماً شهياً "( دا 10:3) وهكذا يكون يهدم ما يبنيه ، بلا فائدة! وليس الصوم هو أن نبني ونهدم ثم نبني ثم نهدم ، بغير قيام!
- ولا تترقب نهاية فترة الانقطاع ، لتأكل أن جاء موعد الكل ، فلا تسرع إليه وحبذا لو قاومت نفسك ، ولو دقائق قليلة وانتظرت أو إن حل موعد تناولك للطعام ، قل لنفسك نصلي بعض الوقت ثم نأكل ، أو نقرأ الكتاب ونتأمل بعض الوقت ثم نأكل ، ولا تتهافت علي الطعام الزهد الذي كان لك أثناء فترة الإنقطاع ، فليستمر معك بعدها فهذه هي الفائدة الروحية التي تنالها .
- أجعل روحياتك هي التي تقودك ، وليس الساعة وادخل إلي العمق العمق الذي في الامتناع عن الطعام الذي الإرتفاع عن مستوي الكل ، وعن مستوي الماده ، وعن مستوي الجسد وبالنسبة إلي فترة الإنقطاع وموعدها ، حبذا لو وصلت بك إلي الشعور بالجوع فهذا أفيد جداًهنا ونحدثك عن عنصر الجوع في الصوم .
عنصر الجوع:-
كثيرون ينقطعون عن الطعام ، ثم يأكلون دون أن يشعروا بالاحتياج إلي الطعام ، ودون أن يشعروا بالاحتياج إلي الطعام ، ودون أن يصلوا إلي الشعور بالجوع ، وغلي احتمال الجوع والصبر عليه واخذ ما فيه من فوائد روحية . وقدم لنا الكتاب أمثله للجوع في الصوم :-
- السيد المسيح صام حتى جاع ، وكذلك الرسل قيل عن السيد المسيح له المجد في صومه الأربعيني إنه " جاع أخيرا " ( مت 4: 2) وحسب روايه معلمنا لوقا البشير" لم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيراً " ( لو 4: 2) وذكر عن السيد المسيح أنه جاع ، في مناسبة أخري ، في أثنين البصخة ( مر11: 12) ولكت لعل البعض يقول أن مستوي صوم السيد صعب علينا ، فلنتحدث عن صوم البشر ، وفيه أيضاً عنصر الجوع قيل عن القديس بطرس الرسول إنه " جاع كثيرً واشتهي أن يأكل "( أع 10: 1) وفي حديث القديس بولس الرسول عن خدمته هو وزملائه ، قال " في تعب وكد ، في أسهار مراراً كثيرة ، في جوع وعطش ، في أصوام مراراً كثيرة "( 2كو 11: 27) وقال أيضا " تدربت ان اشبع وان أجوع "( في 4: 12) .
- وقد طوب الله حالة الجوع فقال " طوباكم أيها الجياع الآن ، لأنكم ستشبعون "( لو 6: 21) وأن كان جوع لعازر المسكين قد أهله للجلوس في حضن أبينا إبراهيم ، علي اعتبار أنه استوفي تعبه علي الأرض علي الرغم من أن ذلك كان بغير إرادته ، فكم بالأكثر ينال خيراً في الأبدية من قد جاع ههنا بإرادته ، نسكاً وزهداً ،وتقرباً إلي الله .
- وقد درب الرب شعبه في البرية بالجوع وقال لهذا الشعب " وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب هذه الأربعين سنه في القفز فإذنك واجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك لكي يعلمك انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل ما خرج من فم الرب يحيا الإنسان "( تث 8:2،3) إن الذي يهرب من عبارة " أذلك وأجاعك "، ستهرب منه عبارة " واطعمك المن في البرية " علي أن بني إسرائيل تذمروا علي تدريب الجوع ، فهلكوا في البرية
- إن الصوم يصل إلي كماله ، في الجوع واحتماله فإن كنت لا تجوع ، فأنت لم تصل إلي عمق الصوم بعد وإن اطلت فترة إنقطاعك حتى وصلت غلي الجوع ، ثم آكلت مباشرة ، فأنت إذن لم تحتمل الجوع ولم تمارسه وبالتالي لم تنل الفوائد الروحية التي يحملها الجوع .
فما هي الفضائل الروحية التي يحملها الجوع ؟
الذي يمارس الجوع ، يشعر بضعفه عن الغرور و الشعور بالقوة والثقة يذل الجسد ، فتذل النفس ، وتشعر بحاجتها إلي قوة تسندها ، فتلجأ غلي الله بالصلاة وتقول له أسند يارب ضعفي بقوتك الإلهية ، فأنا بذاتي لا أستطيع شيئا
- صلاة الإنسان وهو جائع ، صلاة اكثر عمقا أن الجسد الممتلئ بالطعام ، لا تخرج منه صلوات ممتلئة بالروح ولذلك دائماً تمتزج الصلاة بالصوم ، ويمتزج الصوم و الصلاة وحينما يريد الناس ان يصلوا في عمق ، نراهم يصومون وهكذا صلوات الناس في أسبوع الآلام لها عمقها ، وحتي القراءات كذلك حينما تقال بصوت خافت من الجوع إن تسجيل لحن من ألحان البصخة ، خلال أسبوع الآلام ، يكون له عمق لن الذي سجله كان صائماً ، وله روحيات الصوم وتسجيل نفس اللحن في غير أيام الصوم ، وصاحبة مفطر ، يجعل اللحن يفقد الكثير من عمقه الروحي ، وربما يتحول إلي مجرد أنغام وموسيقي إن الله يحب أن يشعر الإنسان بضعفه ، لكيما ينسحق قلبه والجوع يساعد علي الشعور بالضعف ولذلك تصلح فيه المطانيات ، ولا تصلح لمن هو ممتلئ بالطعام نصيحتي لك أن شعرت بالجوع فلا تأكل وإنما أحتمل وخذ بركة الجوع إن السيد المسيح صام أربعين يوماً وجاع أخيرا ولما نصحه الشيطان ان يأكل رفض أن يأكل علي الرغم من جوعه واعطانا بذلك درسا لذلك أحتمل الجوع وأيضا :
- إن شعرت بالجوع ، لا تهرب منه لا تهرب من الشعور بالجوع ، عن طريق الإنشغال ببعض الإحاديث ، أو ببعض المسليات ، أو عن طريق النوم ، لكي تمضي فترة الجوع دون ان تشعر بها فإنك بالهروب من الجوع ، إنما تهرب من بركاته ومن فوائده الروحية ، وتهرب من التدريب علي فضيلة الإحتمال وفضيلة قهر الجسد إننا نريد أن نستفيد من الجوع ، وليس أن نهرب منه .
- إن ضغط عليك الجوع ، قل إنك لا تستحق الأكل قل لنفسك أنا لا أستحق آكل بسبب خطاياي وهكذا تنسحق فسك من الداخل ، في الوقت الذي يسحقها فيه أيضاً تعب الجسد وهكذا تتخلي عنك الكبرياء والخيلاء والعجب بالذات وإن يصلي أما الشبعان كثيراً ما ينسي الصلاة ولذلك غالبية المتدينين يصلون قبل الأكل وقليلون هم الذين يصلون بعد الانتهاء من الأكل أيضاً ، إلا في الرسميات .
- تدريب الجوع في الصوم ، ينبغي أن يكون بحكمة حقاً إن الذين شعروا بالفائدة الروحية التي تأتي من الجوع ، كانوا يطيلون مدته علي إني لا أقصد بهذا التدريب المبالغة فيه ، بحيث يصل الصائم إلي وضع لا يستطيع أن يقف فيه علي قدمية للصلاة من شدة الإعياء وقد يفضل أن يصلي وهو ساجد ، ليس عن خشوع وإنما طلباً للراحة واسترخاء الجسد في تعب إنما يجب السلوك في هذا التدريب بحكمة ، في حدود احتمال الجسد ومع ذلك أقول لك كلمة صريحة وهي :
- لا تخف من الجوع ، فهو لا يستمر معك فالمعدة كلما تعطيها أزيد من احتياجها تتسع لتحتمل ما هو اكثر ويزداد اتساعها في حالا الترهل ، مع ضعف جدران المعدة وإن لم تعطها ما يصل بها إلي الامتلاء تشعر بالجوع ،فإن صبرت علي الجوع ولم تعط المعدة ما يملؤها ، تبدأ في أن تكيف نفسها وتنكمش وبتوالي التدريب لا تعود تتسع لكثير ولا يستمر الجوع ، فالقليل يشعرها بالشبع والإنسان الحكيم هو الذي يضبط نفسه ، ويحفظ نظام معدته ، فهو لا يكثر من تناول الطعام حتي تترهل معدته ، ولا يبالغ في منع الطعام عنها بحيث تنكمش إلي وضع أقل من احتياج جسده فالإعتدال في هذا الأمر نافع وفيه حكمة .
الصوم والسهر:-
الامتلاء بالطعام يساعد علي ثقل الجسد ، وبالتالي علي النوم أما الصائم فيكون جسده خفيفاً ، غير مثقل بعمليات الهضم ، ويمكنه السهر و الصوم مع السهر يعطي استضاءة للفكر وكل القديسين الذين اتقوا الصوم ، اشتهروا أيضاً بالسهر نلاحظ ان التلاميذ بعد العشاءين ، ثقلت عيونهم بالنوم وهم في البستان ، ولم يستطيعوا أن يسهروا مع الرب ولا ساعة واحدة ( مت 26 : 40 ) وأنت يا اخي ، ليس من صالحك أن يأتي الختن في نصف الليل فيجدك نائماً ، بينما الكتاب يقول " طوبي لأملئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ( لو 12: 37) تدريب إذن علي الصوم ، فالصوم يتمشي مع السهر ونقصد بالسهر ، السهر مع الله ، وقضاء الليل في الصلاة .
نوع الطعام:-
تحدثنا في الصوم عن الجوع وفترة الإنقطاع ، بقي أن أحدثكم عن نوع الطعام ويهمني هنا أن اذكركم بقول دانيال النبي عن صومه " لم آكل طعاماً شهياً "( دا 10: 3) لذلك إن صمت ، أعطيت جسدك ما يشتهيه ، لا تكون قد صمت بالحقيقة إبعد إذن عن المشتهيات لكي تقهر جسدك وتخضعه لإرادتك لا تطلب صنفاً مختاراً بالذات ، ولا تطلب أن تكون طريقه صنع الطعام بالأسلوب الذي يلذ لك وإن وضع أمامك - دون أن تطلب - صنف من الذي تحبه نفسك ، لا تكثر منه في أكلك ولا أريد أن أقول لك كما قال أحد الآباء القديسين " إن وضع أمامك طعام تشتهيه ، فافسده قليلاً ثم كله "و لعله يقصد بإفساده ، أن تضيف عليه كمثال شيئاً يغير طعمه علي الأقل مثل هذا الصنف المشتهي ، لاتاكل كل ما يقدم لك منه وكما قال أحد الآباء " إرفع يدك عنه ، ونفسك ما تزال تشتهيه "أي أن جسدك يطلب أن يكمل أكله من هذا الصنف ، وأنت تضبط نفسك وتمنعها عنه هنا ونقف أمام أسئلة كثيرة يقدمها البعض هل النباتين و المسل الصناعي يحل آكله في الصوم أو لا ؟ هل الجبنه الديمكس طعام صيامي أم فطاري ؟ هل السمك نأكله في هذا الصوم أم لا نأكله ؟ ما رأيك في الشوكولاته الصيامي ؟ إلخ أسئله كثيرة يمكن الإجابة عليها من جهة تركيب تلك الإطعمه ، ويمكن من ناحية أخرى أن تبحث روحيا فالسمن النباتي ، إن كانت مجرد زيت نباتي مهدرج تكون طعاماً نباتياً يتفق مع حرفية الصوم أما عن كنت تأكلها شهوة منك في طعام السمن ، فالأمر يختلف تكون من الناحية الشكلية صائماً ، ومن الناحية الروحية غير مستفيد ونحن لا نريد ان ناخذ من الصوم شكلياته كذلك الجبنة الديمكس ، المقياس هو هل يوجد في تركيبها عنصر حيواني ؟هذا من الناحية الشكلية ولكن روحياً هل أنت تحب الجبنة وتصر علي أكلها منفذاً رغبات جسدك في الصوم ؟ وكذلك بالنسبة للشوكولاته الصيامي هل أنت تشتهي هذا الصنف بالذات ؟ ولماذا لا تستبدله بكوب من الكاكاو ؟ أما السمك ،فهو أصلاً طعام حيواني وقد صرح به للضعفاء الذين لا يحتملون كثرة الأصوام ولكن لا يصرح به في أصوام الدرجة الولي ومع ذلك إن اشتهي جسدك سمكاً في الصوم ، إي صوم ، فلا تعطه ليس فقط السمك ، بل كل المشتهيات مهما كانت حلالاً لأنك في الصوم تضبط شهواتك أليس الزواج حلالاً ؟ ولكن الصائمين يبعدون عن المعاشرات الجسدية في الصوم ضبطاً لأنفسهم ( 1 كو 7:5) بل هكذا فعل أيضاً الملك دار يوس الأممي ( دا 6:8) .
الطعام النباتى:-
تحدثنا في الصوم عن فترة الإنقطاع وعن الجوع ، بقي ان نتحدث عن الطعام النباتي في الصوم ، ونشرح كيف انه نظام إلهي ، وأنه الأصل في الطبيعة ، إذ أن أبانا آدم كان نباتياً ، وامنا حواء كانت نباتية . وكذلك أولادهما إلي نوح إن الله خلق الإنسان نباتياً فلم يكن آدم وحواء يأكلان في الجنة سوي النباتات البقول والثمار وهكذا قال الله لآدم وحواء " إني قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذراً علي وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذراً ، لكم يكون طعاماً "( تك 1: 29) بل حتى الحيوانات إلي ذلك الحين كانت نباتية أيضا ، إذ قال الرب " ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء ، وكل دابة علي الأرض فيها نفس حية ، أعطيت كل عشب أخضر طعاماً ( تك 1: 30) وبعد طرد الإنسان من الجنه ، بقي أيضاً نباتياً ولكنه إلي جوار البقول وثمار الأرض ، أعطي أن يأكل من عشب الأرض ، أي من الخضراوات ، فقال له الرب بعد الخطية " وتأكل عشب الحقل "( تك 3: 18) ولم نسمع أن أبانا آدم مرض بسب سوء التغذية ، ولا امنا حواء بل نسمع ان أبانا آدم - وهو نباتي - عاش 930 سنة ( تك 5:5) وهكذا طالت أعمار أبنائه وأبناء أبنائه في هذه الأجيال النباتية( تك5) ولم يصرح للإنسان بأكل اللحم بعد فلك نوح وحدث ذلك في زمن مظلم كان فيه " شر الإنسان قد كثر علي الأرض " حتي " حزن الرب أنه عمل الإنسان وتأس في قلبه " ، واغرق العالم بالطوفان ( تك 6:5، 6) وهكذا بعد رسو الفلك ، قال الله لأبينا نوح وبنيه " كل دابه حية تكون لكم طعاماً ، كالعشب الأخضر ، دفعت إليكم الجميع غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه " ( تك 9:3،4) ولما قاد الله شعبه في البرية ، إطعامه طعاماً نباتياً وكان هذا الطعام النباتي هو المن " وهو كبذر الكزبره أبيض ، وطعمه كرقاق بعسل " ( خر 16: 31) وكان الشعب يلتقطونه ويطحنونه أو يدفونه في الهاون كما كانوا أيضاً يطبخونه في القدور ويعملونه ملأت وكان طعمه كطعم قطايف بزيت ( عدد 11: 8) ولما صرح لهم باللحم ، فعل ذلك بغضب وكان ذلك التصريح بسبب شهوتهم ، وتذمرهم علي الطعام وطلبهم اللحم بدموع فأعطاهم الرب شهوتهم ، وضربهم ضربه عظيمة " وإذ كان اللحم بعد بين أسنانهم قبل أن ينقطع ، حمي غضب الرب علي شعب ، وضربهم ضربة عظيمة جداً ، فدعي أسم ذلك الموضوع قبروت هتأوة ( أي قبور الشهوة ) لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا "( عدد11، 33، 34) والأكل النباتي كانا أيضاً طعام دانيال النبي وأصحابة إذ كانوا يأكلون القطاني أي البقول ( دا 1 :12) ،هؤلاء الذين وضعوا في قلوبهم ألا يتنجسوا بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه ( دا 10: 3) وكان الطعام النباتي آكل حزقيال النبي في صومه وفعل ذلك بأمر إلهي ، إذ قال له الرب " وخذ أنت لنفسك قمحاً وشعيراً وفولاً وعدساً ودخناً وكرسنة ( حز 4:9) والطعام النباتي طعام خفيف ، هادئ ومهدئ ليس فيه ثقل اللحوم ،دهونها وشحومها ، بكل تأثير ذلك علي صحة الجسد ونلاحظ أنه حتى في الحيوانات المتوحشة منها هي آكله اللحوم ، والأليفة منها هي آكله النباتات والمعروف أن النباتيين أكثر هدوء في طباعهم من آكلي اللحوم والعجيب أن غالبية الحيوانات التي نأكلها هي من الحيوانات آكله النباتات كالبهائم والغنام و الماعز و الطيور الداجنة وتلك الحيوانات النباتية لم تضعف بالطعام النباتي بل إننا قد نصف الإنسان بأن صحته كالجمل أو كالحصان ،وهما نباتيان وكانوا قديماً يقيمون رياضة هي مصارعة الثيران،لإثبات القوة بمصارعة هذه الحيوانات الجبارة في قوتها،وهي نباتية إذن أكل النبات لا يضعف الأجساد .
وقد طالت أعمار النباتيين ، ومنهم المتوحدون و السواح كان برنلرد شو الكاتب المشهور نباتياً ، وقد عاش 94 سنة ولم يصبه أي مرض طوال حياته وما أكثر النباتيين الذين طالت أعمارهم والقديس الأنبا بولا اول السواح ،عاش ثمانين سنة كسائح لم ير خلالها وجه إنسان ، أي عاش حوالي المائة سنة وغالبية السواح عاشوا اعماراً طويلة ولم يكن هؤلاء نباتيين فحسب ، بل كانت حياتهم كلها زهداً ،وكانت أطعمتهم زهيدة ومع ذلك كانت صحتهم قوية والقديس الأنبا انطونيوس أب جميع الرهبان عاش 105 سنة ،وكانت حياته صوماً مستمراً ، وكان قوياً في صحته يمشي عشرات الأميال ولا يتعب موضوع الطعام النباتي لا أريد أن أبحثه علمياً بل عملياً ، في حياة البشرية منذ آدم حقاً إن الأحماض الأمينية الرئيسية موجودة بغني في البروتين الحيواني أكثر مما في البروتين النباتي ، التي توجد فيه علي أية الحالات بنسب أقل ، ولكنها كانت كافية لكل الذين ذكروناهم ، وعاش بها الرهبان و النباتيون في صحة قوية ومع ذلك لاننسي أن الكنيسة تسمح في بعض الأصوام بالسمك ، ولا شك أنه يحوي بروتيناً حيواناً كما ان هناك فترات طويلة من الإفطار .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
11 مارس 2020
الصوم يسبق كل نعمة وخدمة
كل بركة يقدمها لنا الله ، نستقبلها بالصوم ، لكي نكون في حالة روحية تليق بتلك البركة الأعياد تحمل لنا بركات معينة لذلك كل عيد يسبقه صوم و التناول يحمل لنا بركة خاصة لذلك نستعد لها بالصوم والرسامات الكهنوتية تحمل بركة لذلك نستقبلها بالصوم فالأسقف الذي يقوم بالسيامة يكون صائماً ، والمرشح لدرجة الكهنوت يكون أيضاً صائماً ، كذلك كل من يشترك في هذه الصلوات واختيار الخدام في عهد الآباء الرسل كان مصحوباً بالصوم " ففيما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس إفرزوا لي برنابا وشاول فصاموا حينئذ وصلوا ، ووضعوا عليهما اليادي "( اع 13: 2، 3) .
والصوم أيضاً يسبق الخدمة
والسيد المسيح قبل ان يبدأ خدمنه الجهارية ، صار أربعين يوماً ، في فترة خلوة قضاها مع الآب علي الجبل وفي سيامة كل كاهن جديد ، نعطية بالمثل فترة يوماً يقضيها في صوم وفي خلوة في أحد الأديرة مثلاً ، قلب ان يبدأ خدمته وآباؤنا الرسل بدأوا خدمتهم بدأت بحلول القدس وكان صومهم مصاحباً لخدمتهم ، لتكون خدمة روحية مقبولة والخادم يصوم ، ليكون في حالة روحية ، ولكي ينال معونة من الله ، ولكي يحنن قلب الله بالصوم ليشترك معه في خدمته ولعلنا نري في حياة يوحنا المعمدان ، انه عاش حياته بالصوم و الخلوة في البرية ، قبل أن يبدأ خدمته داعياً الناس إلي التوبة وليست الخدمة فقط يسبقها الصوم ، بل أيضاً
أسرار الكنيسة يسبقها الصوم:-
سر المعمودية ، يستقبله المعمد وهو صائم ، ويكون إشبينه أيضاً صائماً ، والكاهن الذي يجربة يكون صائماً كذلك . الكل في صوم لاستقبال هذا الميلاد الروحي الجديد ونفس الكلام نقوله عن سر الميرون ، سر قبول الروح القدس الذي يلي المعمودية سر الأفخارستيا ، التناول ، يمارسه الكل وهو صائمون سر مسحة المرضي ( صلاة القنديل ) يكون فيه الكاهن صائماً أيضاً ولكن يستثني المرضي العاجزون عن الصوم ، الذين يعفون من الصوم حتى في سر التناول وسر الكهنوت كما قلنا ، يمارس بالصوم لم يبق سوي سر الأعتراف ، وسر الزواج وما اجمل ان يأتي المعترف ليعترف بخطاياه وهو صائم ومنسحق ولكن لن الكنيسة تسعي وراء الخاطئ في كل وقت ، لتقبل توبته في أي وقت ، لذلك لم تشترط الصوم أما سر الزواج فقد أعفاه السيد المسيح بقوله " لا يستطيع بنو العرس ان يصوموا مادام العريس معهم " ( مر 2 : 19) ومع ذلك ففي الكنيسة الناسكة الولي ويستمران ذلك اليوم في صوم حالياً طبعاً لا يحدث هذا إن بركات الروح القدس التي ينالها المؤمنون في الأسرار الكنيسة كانت تستقبل بالصوم ، إلا في حالات الإستثنائية وكما عرفت الكنيسة الصوم في حياة العبادة ، وفي حياة الخدمة ، كذلك عرفته في وقت الضيق ، وخرجت بقاعدة روحية وهي :
بالصوم يتدخل الله:-
لقد جرب هذا الأمر نحميا ، وعزرا ودانيال وجربته الملكة أستير من اجل الشعب كله وجربته الكنيسة في الرابع في عمق مشكلة آريوس وجربته الأجيال كلها وأصبح عقيدة راسخة في ضمير الكنيسة ، تصليها في صلاة القسمة في الصوم الكبير ، مؤمنه إيماناً راسخاً أن الصوم يحل المشاكل الإنسان الواثق بقوته وذكائه أما الشاعر بضعفه ، فإه في مشاكله ، يلجأ إلي الله بالصوم في الصوم يتذلل أمام الله ، ويطلب رحمته وتدخله قائلاً " قم أيها الرب الإله " وفي ذلك ينصت إلي قول الرب في المزمور " من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين ، الآن أقوم - يقول الرب - أصنع الخلاص علانية "( مز 11) الصوم هو فترة صالحة ، لإدخال الله في كل مشكلة فترة ينادي فيها القلب المنسحق ، ويستمع فيها الله فترة يقترب فيها الناس إلي الله ، ويقترب فيها الله من الناس ، يستمع حنينهم وإلي أنينهم ، ويعمل طالما يكون الناس منصرفين إلي رغباتهم وشهواتهم ، ومنشغلين بالجسد و المادة فإنهم يشعرون أن الله يقف بعيداً لا لأنه يريد أن يبعد ، وإنما لأننا أبعدناه ، أو رفضناه ، أو رفضنا أن نقترب منه علي وجه أصح أما في فترات الصوم الممزوج بالصلاة ، فإن الإنسان يقترب إلي الله ، ويقول له إشترك في العمل مع عبيدك إنه صراخ القلب إلي الله ، لكي يدخل مع الإنسان في الحياة يمكن ان يكون في أي وقت . ولكنه في فترة الصوم يكون أعمق ، ويكون أصدق ويكون أقوي فبالصوم الحقيقي يستطيع الإنسان أن يحنن قلب الله والذي يدرك فوائد الصوم ، وفاعليه الصوم في حياته ، وفي علاقته بالله ، إنما يفرح بالصوم .
الفرح بالصوم:-
إننا لسنا من النوع الذي يصوم ، وفي أثناء الصوم يشتهي متي يأتي وقت الإفطار إنما نحن حينما نكون مفطرين ،نشتهي الوقت الذي يعود فيه الصوم من جديد الإنسان الروحي يفرح بفترات الصوم ، أكثر مما يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب كثيرون يشتهون الصوم في فترة الخمسين المقدسة التي يأتي بعد القيامة ، والتي لا صوم فيها ولا مطانيات وفيها يشتاق الكثيرون إلي الصوم اشتياقاً ، لذلك يفرحون جداً عندما يحل صوم الرسل ، إذ قد حرموا من لذه الصوم خمسين يوماً من قبله ومن فرح الروحيين بالصوم ، لا يكتفون بالأصوام العامة ، إنما يضيفون إليها أصواماً خاصة بهم ويلحون هلي آباء اعترافهم أن يصرخوا لهم بتلك الأصوام الخاصة ،مؤيدين طلبهم بأن روحياتهم تكون أقوي في فترة الصوم ، بل أن صحتهم الجسدية أيضاً تكون أقوي ،وأجسادهم تكون خفيفة إن الذين يطلبون تقصير الأصوام وتقليلها ،هؤلاء يشهدون علي أنفسهم أنهم لم يشعروا بلذة الصوم أو فائدته وسنتحدث بمشيئة الرب في الفصول المقبلة عن فوائد الصوم ، التي من اجلها صار فرحاً للروحيين ، وصار للرهبان منهج حياة …
منهج حياة:-
من محبة آبائنا الرهبان للصوم ، جعلوه منهج حياة صارت حياتهم كلها صوماً ماعدا أيام الأعياد ، ووجدوا في ذلك لذة روحية ولم يشعروا بأي تعب جسدي بل استراحوا للصوم وتعودوه وروي أنه لما حل الصوم الكبير في احدي البراري ، أرسلوا من ينادي في البرية لينبه الرهبان إلي حلول هذا الصوم المقدس ، فلما سمع أحد الشيوخ من المنادي هذا التنبية ، قال له ما هو يا أبني هذا الصوم الذي تقول عنه ؟ لست أشعر به الآن أيام حياتي كلها واحدة ( لأنها كلها كانت صوماً ) والقديس الأنبا بولا السائح ، كان يأكل نصف خبزة يومياً ، وفي وقت الغروب كنظام حياة ثابت وبعض الرهبان كان يصوم كل أيامه حتي الغروب ، مثل ذلك الراهب القديس الذي قال مرت علي ثلاثون سنة ، لم تبصرني فيها الشمس آكلاً وبعض الرهبان كانوا يطوون الأيام صوماً والقديس مقاريوس الإسكندري لما زار أديرة القديس باخوميوس كان يأكل في يوم واحد من الأسبوع طوال أسابيع الصوم الكبير ، وكان يطوي باقي الأيام ولم يقتصر صوم أولئك الآباء علي طول فترات الصوم ، أو طي الأيام ، إنما شمل النسك أيضاً نوع طعامهم أبا نفر السائح كان يتغذي بالبلح من نخله في مكان توحده ، والأنبا موسى السائح كان يقتات بحشائش البرية ، وكذلك كان الأنبا بيجيمي السائح . وكان يشرب من الندي هذا الصوم الدائم كان يجعل حياة الآباء منتظمة في الواقع أن حاله الرهبان من هذه الناحية مستقرة علي وضع ثابت ، إستراحت له أجسادهم ، واستراحت له أرواحهم وضع لا تغيير فيه إعتادوه ونظموا حياتهم تبعاً له أما العلمانيون فهم مساكين ، أقصد هؤلاء الذين ينتقلون من النقيض إلي النقيض من صوم يمنعون فيه أنفسهم ، إلي فطر يأخذون فيه ما يشتهون يضبطون أنفسهم فتره ، ثم يمنحونها ما تشاء فترة أخري ، ثم يرجعون إلي المنع ، ويتأرجحون بين المنع و المنح فترات وفترات يبنون ثم يهدمون ، ثم يعدون إلي بناء يعقبه هدم إلي غير قيام أما الصوم الحقيقي الذي يتدرب فيه الصائم علي ضبط النفس ويستمر معه ضبط النفس كمنهج حياة فيضبط نفه في أيام الفطر كما في أيام الصوم ، علي الرغم من اختلاف أنواع الأعمة ومواعيد الأكل وهكذا يكون الصوم نافعاً له ، ويعتبر بركة لحياته وبهذا المعني لا يكون الصوم عقوبة ، بل نعمة كانت أكبر عقوبة توقع علي أحد الروحيين ، أن يأمره أب اعترافه بان يأكل مبكراً ، أو يأكل لحماً أو طعاماً شهياً وكان أب الإعتراف يفعل هذا إن رأي أبنه الروحي قد بدأ يرتفع قلبه أو يظن في نفسه أنه قد صار ناسكاً أو زاهداً فيخفض كبرياءه بالأكل ، فتنكسر نفسه ، وبذلك يتخلص من أفكار المجد الباطل الصوم والإستشهاد:-
طبيعي أن الذي لا يستطيع الاستغناء عن أكله ، يكون من الصعب عليه أن يستغني عن الحياة كلها أما النفوس القوية التي تتدرب علي احتمال الجوع والعطش ، والتي تستطيع ان تخضع أجسادها وتقهر رغباتها وشهواتها ، هذه بتوالي التداريب ، و بعدم الاهتمام بالجسد واحتياجاته ، يمكنها في وقت الاستشهاد ان تحتمل متاعب السجون وآلام العذاب ، وتستطيع بنعمة الله أن تقدم أجسادها للموت لهذا كان الصوم مدرسة روحية تدرب فيها الشهداء ليس من جهة الجسد فقط ، وإنما أيضاَ من جهة روحانيه الصوم لأنه إذ تكون أيام الصوم مجالاً للعمل الروحي والتوبة والاقتراب إلي الله ، تساعد هذه المشاعر علي محبة الأبدية و عشرة الله ، و بالتالي لا يخاف الإنسان من التقدم إلي الموت ، إذ يكون مستعدا للقائه ، بل أنه يكون فرحاً بالتخلص من الجسد للالتقاء بالله ، ويقول " لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ، فذاك أفضل جداً "( في 1: 23) بالصوم كانت الكنيسة تدرب أولادها علي الزهد وبالزهد كانت تدربهم علي ترك الدنيا والاستشهاد فالذين استشهدوا كانوا في غالبيتهم أهل صوم وصلاة وزهد في العالم . وكما قال القديس بولس الرسول " يكون الذين يستعملون العالم ، كأنهم لا يستعملونه ، لأن هيئة هذا العالم تزول "( 1 كو 7: 31) .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
04 مارس 2020
أهمية الصوم
على جبل التجلى:-
علي جبل التجلي ، وقف ثلاثة يضيئون بنور مجيد وكانوا ثلاثتهم ممن أتقنوا الصوم إذ صام كل منهم أربعين يوماً وأربعين ليلة إنهم السيد المسيح له المجد ( متي 4: 2) ، وموسي ( خر 40 : 28 )، وإيليا ( 1 مل 19: 8) ،فهل يختفي وراء هذا المنظر البهي معني هام وهو انه بقهر الجسد في الصوم ، تتجلي الروح ، ويتجلي الجسد ؟ هل اختار السيد المسيح معه في التجلي إثنين من الصوامين ، ليرينا أن الطبيعة التي ستتجلي في الأبدية ، هي التي قهرت الجسد بالصوم ؟ تري ماذا قيل عن الصوم أيضاً ؟ لقد قيل :
الصوم أقدم وصية :-
الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية ، فقد كانت الوصية التي أعطاها الله لأبينا آدم ، هي أن يمتنع عن الأكل من صنف معين بالذات ، من شجرة معينة ( تك 2: 16، 17) ، بينما يمكن أن يأكل من باقي الأصناف وبهذا وضع الله حدوداً للجسد لا يتعداها فهو ليس مطلق الحرية ، يأخذ من كل ما يراه ، ومن كل ما يهواه بل هناك ما يجب أن يمتنع عنه ، أي أن يضبط إرادته من جهته وهكذا كان علي الإنسان منذ البدء أن يضبط جسده . فقد تكون الشجرة " جيدة للكل ، وبهجة للعيون ، وشهية للنظر "( تك 3: 60) ومع ذلك يجب الإمتناع عنها وبالإمتناع عن الأكل ، يرتفع الإنسان فوق مستوي والجسد ، ويرتفع أيضاً فوق مستوي المادة ، وهذه هي حكمة الصوم ولو نجح الإنسان الأول في هذا الاختبار ، وانتصر علي رغبة جسده في الكل ، وانتصر علي حواس جسده التي رات الشجرة فإذا هي شهية للنظر لو نجح في تلك التجربة ، لكان ذلك برهاناً علي أن روحه قد غلبت شهوات جسده ، وحينئذ كان يستحق أن يأكل من شجرة الحياة ولكنه انهزم أمام الجسد ، فأخذ الجسد سلطانا عليه وظل الإنسان يقع في خطايا عديدة من خطايا الجسد ، واحدة تلو الأخري ، حتى أصبحت دينونة له أن يسلك حسب الجسد وليس حسب الروح ( رو 8: 1) وجاء السيد المسيح ، ليرد الإنسان إلي رتبته الولي ولما كان الإنسان الأول قد سقط في خطية الكل من ثمرة محرمة خاضعاً لجسده ، لذلك بدا المسيح تجاربه بالإنتصار في هذه النقطة بالذات ، بالانتصار علي الكل عموماً حتي المحلل منه بدأ المسيح خدمته بالصوم ، ورفض إغراء الشيطان بالكل لحياة الجسد ، أظهر له السيد المسيح ان الإنسان ليس مجرد جسد إنما فيه عنصر آخر هو الروح . وطعام الروح هو كل كلمة تخرج من فم الله ، فقال له " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله " ( متي 4:4) ولم تكن هذه قاعدة روحية جديدة ، أتي بها العهد الجديد ، إنما كانت وصية قديمة أعطيت للإنسان في اول شريعة مكتوبة ( تث 8: 3) . وقد قيل عن حنه النبية إنها كانت " لاتفارق الهيكل عابده بأصوام وطلبات "( لو 2: 37)
وصام الرسل:-
في العهد الجديد ، كما صام المسيح ، صار رسله أيضاً وقد قال السيد المسيح في ذلك " حينما يرفع عنهم العريس حينئذ يصومون " ( متي 9: 15)وقد صاموا فعلاً وهكذا كان صوم الرسل أقدم وأول صوم صامته الكنيسة المسيحية وقيل عن بطرس الرسول إنه كان صائماً حتى جاع كثيراً واشتهي ان يأكل ( أع 10: 10) فظهرت له الرؤيا الخاصة بقبول الأمم وهكذا كان إعلان قبول الأمم في أثناء الصوم وليس الرسل كان يخدم الرب " في اتعاب في أسهار في أصوام "( 2 كو 6: 5) ، بل قيل عنه " في أصوام مراراً كثيرة " ( 2 كو 11: 27 ) وقيل إنه صام ومعه برنابا ( اع 14: 23) وفي أثناء صوم الرسل ظن كلمهم الروح القدس إذ يقول الكتاب " وفيما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس إفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الايادي "( أع 13: 2، 3) وما اجمل ما قاله الرب للرسل عن الصوم وعلاقته بإخراج الشياطين " هذا الجنس لا يخرج بشئ ، إلا بالصلاة و الصوم " ( مت 17: 21) إلي هذه الدرجة بلغت قوة الصوم في إرعاب الشياطين . وبم يكن الصوم قاصراً علي الأفراد ، إنما كان الشعب كله يصوم .
صوم الشعب كله:-
ويدخل في العبادة الجماعية ( وهو غير الصوام الخاصة ).
فيه تجتمع كل قلوب الشعب معاً ، في تذلل امام الله وكما اعتاد الناس أن يصلوا معاً واحدة ، وبنفس واحدة ، في صلاة جماعية يقدمونها لله ( أع 4: 24) ، وهذه غير الصلوات الخاصة التي في المخدع المغلق ، كذلك في الصوم هناك أصوام ، لها أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس :
يشترك فيها جميع المؤمنين معاً ، بروح واحدة ، يقدمون صوماً واحداً لله إنه صوم للكنيسة كلها ولعل أبرز مثال له الصوم الذي صامه كل الشعب لما وقع في ضيقة أيام الملكة أستير حتي يصنع الرب رحمة ( إس 4: 3، 16) وصام الجميع بالمسوح و الرماد والبكاء ، وسمع الرب لهم وأنقذهم وكما صام الشعب كله بنداء عزرا الكاهن علي نهر أهوا متذللين أمام الرب ( عز 8: 21، 23) ، كذلك إجتمعوا كلهم بالصوم مع نحميا وعليهم مسوح وتراب ( نج 9: 1) وكذلك صام الشعب أيام يهوشافاط ( 2 أي 20: 3) ويحدثنا سفر أرمياء النبي عن صوم الشعب في أيام يهوياقيم بن يوشيا ( أر 36: 9) وصوم آخر جماعي في أيام يوئيل النبي ( يوئيل 3: 5) . ومن الأصوام الجماعية أيضاً :" صوم الشهر الرابع ، وصوم الخامس ،وصوم الخامس ، وصوم السابع ، وصوم العاشر "( زك 8: 19) والصوم معروف في كل ديانة وقد صام الأمم.
صوم الأممين أيضاً:-
ولعل أبرز مثال له صيام أهل نينوي ( يون 3) وكيف أن الله قبل صومهم ، وغفرلهم خطاياهم وكذلك كرنيليوس قائد المائة ( أع 10: 30)) وكيف قبل الله صومه ، وارسل إليه بطرس الرسول الذي وعظه وعمده ويحدثنا العهد القديم عن صوم داريوس الملك أثناء تجربة دانيال النبي، وكيف " بات صائماً ، ولم يؤت قدامه بسراريه " ( دا 6: 18) الصوم معروف في كل ديانة ، حتى الديانات الوثنية و البدائية مما هلي أنه معروف منذ القدم قبل أن يفترق الناس والذي يقرأ عن البوذية و البراهمية و الكنفوشيوسية ، وعن اليوجا أيضاً ،يري أمثلة قوية عن الصوم ، وعن قهر الجسد لكي تأخذ الروح مجالها والصوم عندهم تدريب للجسد وللروح أيضاً وفي حياة المهاتما غاندي الزعيم الروحي الشهير للهند ، نري الصوم من أبرز الممارسات الواضحة في حياته وكثيراً ما كان يواجه به المشاكل وقد صام مرة حتي قال الأطباء عن دمه بدأ يتحلل وبالصوم اكتشف اليوجا بعض طاقات الروح هذه الطاقة الروحية التي كانت محتجبة وراء الاهتمام بالجسد وقد عاقها الجسد عن الظهور ولم يكتشفوها إلا بالصوم ويري الهندوس أن غاية ما يصلون إليه هو حاله ( النرفانا ) أي انطلاق الروح من الجسد للإتحاد بالله ، لا يمكن أن يدركوها إلا بالنسك الشديد والزهد و الصوم وهكذا نجد أنه حتى الروح البعيده عن عمل الروح القدس ، التي هي مجرد روح تنطلق من رغبات الجسد ومن سيطرته بالتداريب ، تكون روحاً قوية ، تصل إلي بعض طاقاتها الطبيعية ، فكم بالحري التي إلي جوار هذه القوة الطبيعية تكون مشتركة مع روح الله …؟
الصوم هبة:-
وإن عرفنا فوائد الصوم ، نجد أنه هبة من الله نعم ، ليس الصوم مجرد وصية من الله إنما هو هبة إلهية إنه هبة ونعمة وبركة إن الله الذي خلقنا من جسد ومن روح ، إذ يعرف أننا محتاجون إلي الصوم ، وان الصوم يلزم حياتنا الروحية لأجل منفعتها ولأجل نمونا الروحي وأبدتنا لذلك منحنا ان نعرف الصوم ونمارسه وأوصانا به كأب حنون وكمعلم حكيم.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
28 ديسمبر 2019
قلبا ُجديداُ وروحا ُ جديدة
نريد أن تكون هذه السنه جديدة في كل شئ . جديدة في الحياة ، في الأسلوب ، في السيرة ، في الطباع يشعر فيها كل منا ، أن حياته قد تغيرت حقاً إبي أفضل وكما قال الرسول " الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً "( 2كو 5: 17) . هناك أشخاص يعترفون ، ويتناولون ويقرأون الكتاب ، ويواظبون علي حضور الكنيسة والاجتماعات الروحية ، ويمارسون كثيراً من وسائط النعمة ومع كل هذه الممارسات الروحية ، ضعفاتهم ونقائصهم هي هي مازالت لهم نفس الطباع ، ونفس العيوب ، ونفس الشخصية لم يتغير في حياتهم شئ تراهم اليوم كما هو بالأمس لا فارق ! وفي السنة الجديدة كما في السنة الماضية لاتغيير ! الإعتراف عندهم هو تصفية حساب قديم ، ليبدأ حساب جديد ، بنفس النوع وبنفس الأخطاء ، ونفس العيوب و النقائض و السقوط ! ونحن لا ننكر قيمة الأسرار الكنسية وفاعليتها ، لمن يسلك فيها بطريقة روحية سليمة فبلا شك الإعتراف له عمله ، و التناول له فاعليتها ، لمن يسلك فيها بطريقة روحية سليمة فبلا شك الإعتراف له عمله ، و التناول له فاعليته ، وحضور الكنيسة له تأثيره ولكن هؤلاء الأشخاص لم يأخذوا القوة الموجودة في الأسرار ، أنما رأوها وجازوا مقابلها!ونحن نريد أن نستغل هذا العام الجديد ، لنعمل فيه عملاً لأجل الرب ويعمل الرب فيه عملاً لأجلنا ونقول فيه كفي يارب علينا السنوات القديمة التي أكلها الجراد تكفي السبع سنوات العجاف التي مرت علينا بلا ثمر ولا داعي لأن تستمر الضعفات القديمة نريد أن نبدأ معك عهداً جديده ، نفرح بك وبسكناك في قلوبنا ، وتجدد مثل النسر شبابنا فيهتف كل منا امنحني بهجة خلاصك قلباً نقياً أخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدد في أحشائي ( مز 50) .
أنه عمل إلهى :-
وأريد بهذه المناسبة أن أقرأ معكم بعض آيات هامة جداً في هذا الموضوع من سفر حزقيال النبي ولاحظوا في هذه الآيات ، أن الرب يحدثنا عن الدور الذي يقوم به هو من أجلنا ، وليس عن عملنا نحن إنه يقول أرش عليكم ماء طاهراً ، فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم ، وأعطيكم قلب لحم وأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي ، وتحفظون أحكامي وتعلمون بها وتكون لي شعباً ، وانا أكون لكم إلهاً وأخلصكم من كل نجاستكم ( حزقيال 36: 25- 29) إذن الله نفسه ، هو الذي سيعمل فينا هذا التغييرهو الذي سينزع القلب الحجري ، وهو الذي سيعطي القلب الجديد وهو الذي سيسكن روحه القدوس في قلوبنا وهو الذي سيطهرنا من نجاساتنا ، ويخلصنا منها كل ذلك عبارة عن عمل إلهي هو حقاً إننا نتوه في الحياة ، أن كان لي عمل التوبة في نظرنا ، هو عمل ذراعنا البشري الذي نتكل عليه
ويقف الأمر عند هذا الحد وهكذا كلت وضعفت وأنهارت كل أذرعتنا البشرية ، ولم يتغير فينا شئ ، ولم نكمل الطريق ونسينا قول الرب لنا " تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريكم ( مت 11: 28) أنا أريحكم من كل نجاستكم أنزع منكم قلب الحجر وأعطيكم قلباً جديداً وروحاً جديدة وأسكن في قلوبكم إنه عمل إلهي إن تركتموه ، وأعتمدتم علي سواعدكم البشرية ، ستظلون كما أنتم متعبين ، وثقيلي الأحمال لذلك حسناً قال مار اسحق عن عمل الله في التوبة " الذي يظن أن هناك طريقاً آخر للتوبة غير الصلاة ، هو مخدوع من الشياطين " لا شك أن عدونا قوي طرح كثيرين جرحي ، وكل قتلاه أقوياء ( أم 7: 26) ولكن الله أقوي من عدونا هذا وهو قادر أن يغلبه فينا ، ويخلصنا من كل نجاساتنا ، أن كنا نلجأ إلي معونته الإلهية لذلك فلنمسك بالرب في بداية هذا العام الجديد نمسك به من أعماقنا ، ونقول له أنت لا تقبل يارب مطلقاً ، أن يكون العام الجديد بنفس ضعفات وسقطات العام الماضي مستحيل يارب أن ترضي بهذا مستحيل إذن فاعطنا قوة لكي ننتصر بها إننا سنتمسك بمواعيدك التي ذكرتها في سفر حزقيال النبي لقد وعدتنا وأنت أمين في مواعيدك حقق وعودك لنا .
حياة جديدة:-
قلت لنا علي فم عبدك حزقيال " أعطيكم قلباً جديداً " فأين هو هذا القلب الجديد ؟ وقلت " أنزع منكم قلب الحجر " وللآن لم ينتزع فأعمل يارب عملاً نفذ وعودك فلح هذه الأرض وكما قلت في القديم ليكن نور ورأيت النور أنه حسن قل أيضاً هذه العبارة مرة أخري " أرنا يارب رحمتك ، وأعطنا خلاصك "( مز 85: 7) أعطنا هذا القلب الجديد ، وأعطنا تجديد أذهاننا ( رو 12: 2) ما أكثر الذين ساروا مع الرب ، وأعطاهم أسماء جديدة ، وكان ذلك رمزاً للحياة الجديدة ، التي عاشوها معه
إبرآم : أعطاه الرب اسما جديداً هو إبراهيم ،وساراي : أعطاها الرب إسماً جديداً هو سارة ،وشاول الطرسوسى : صار له إسم جديد هو بولس ،وسمعان : صار أسمه الجديد هو بطرس ،ولاوي : أعطاه الرب إسماً جديداً هو متي وكان كل ذلك رمزا للحياة الجديدة التي عاشها كل هؤلاء القديسين مع الرب وكان الاسم الجديد يذكرهم بها مثلما نرسم كاهناً ، ونطيعه اسماً جديداً في الكهنوت لكي يشعر أنه دخل في حياة جديدة مكرسة للرب ، غير حياته الأولي . وانه نال نعمة جديدة لم تكن عنده ، وأخذ سلطاناً جديداً لم يكن له وصارت له مسئوليات جديدة قد وضعت عاتقه بل حتي شكله يتغير من الخارج ، وملابسه تتغير ويشعر أن شيئاً جديداً قد دخل في حياته جعل هذه الحياة تتغير في طبعها وأسلوبها ومسئولياتها وأنت في السنة الجديدة ، هل تشعر بتغيير في حياتك ؟ لا تجعل هذه السنة تمر عليك ، وكل ما فيها من التغيير هو بعض التفاصيل البسيطة لا ، فالكتاب لم يقل تفاصيل وإنما قال " أنزع قلب الحجر ، وأعطيكم قلباً جديداً " والسيد المسيح يشرح لما طبيعة هذا التغيير ،فيقول " ليس أحد يجعل رقعة من قطعة جديدة علي ثوب عتيق لأن الملء يأخذ من الثوب ، فيصير الحزق أرادا " " ولا يجعلون خمراً جديدة في زقاق عتيقة لئلا تنشق الزقاق ، فالخمر تنصب ، و الزقاق تتلف بل يجعلون خمراً جديدة في زقاق جديدة ، فتحفظ جميعاً " ( مت 9 : 16 ، 17 ) إذن لا نضع رقعة جديدة علي ثوب عتيق أي لا تكون كل الجدة في هذه السنة ، أن نضع تصرفاً روحياً ، أو تدريباً روحياً أو سلوكا جديداً في نقطة ما كل ذلك علي نفس النفسية ونفس الطباع ، ونفس النقائص و الضعفات ويبدو هذا التصرف منا جديدة علي ثوب عتيق المطلوب إذن ، هو أن يتغير الثوب كله تخلع الثوب العتيق ، الذي هو قلبك الحالي بكل أخطائه قلبك الخالي من محبة الله ، الخالي من النقاوة و الطهارة ، بل الخالي حتي من مخافة الله ، إذ تسكنه محبة العالم هذا القلب كله ، يجب أن ينزع من داخلك ، ويحل محله قلب جديد كلما نقول في صلواتنا ، ونحن نصلي المزمور الخمسين " قلباً نقياً إخلق في يا الله "ما معني كلمة إخلق ؟ ولماذا لم نقل رمم هذا القلب ، أو أصلحه ، أو جمله ؟ لماذا نقول " قلباً نقياً إخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدده في أحشائي "؟ أليس المعني هو أننا نريد شيئاً جديداً وليس مجرد رقعة من سلوك معين توضع إلي جوار طباعنا الحالية الخاطئة ؟ إنها عملية تجديد مستمرة نطلبها في حياتنا كل يوم تجديد الطبيعة نأخذه في المعمودية ( غل 3: 27) ، رو6: 3، 4) أما تجديد السيرة ، وتجديد الذهن ( رو 12: 2) فنأخذه في التوبة باستمرار فنقول " روحاً مستقيماً جدده في أحشائي "( مز 50) ويرد علينا " يجدد مثل النسر شبابك "( مر 103: 5) إنها عملية تجديد مستمرة ، يعلمها الرب في حياتنا ، ونطلبها كل يوم في مزاميرنا وليست مجرد حادثة عارضة نذكرها في تاريخ معين إنه تجديد يشمل القلب كله ، والحياة كلها ومن الأمثلة التي تناسبنا هنا مثال الفحمة و الجمرة تصور مثلاً قطعة سوداء من الفحم ، كل من يلمسها يتسخ منها هذه الفحمة دخلت في المجمرة ( الشوريا ) وتحولت من فحمة إلي جمرة أخذت حرارة لم تكن فيها وأخذت ضياء ولهيباً وإشراقاً لم يكن لها بل حتي لونها الأسود صار يحمر ويتوهج ويعد أن كانت وهي فحمة توسخ كل من يلمسها ، أصبحت وهي جمرة تطهر مثال ذلك ما قيل من أن واحداً من السارافيم ، لما سمع أشعياء يقول " ويل لي قد هلكت ، لأني إنسان نجس الشفتين " ، اخذ جمرة من علي المذبح ، ومس بها فم أشعياء ، وقال له " هذه قد مست شفتيك ، فانتزع إثمك " ( أش 6: 7) لأن النار تطهر كل شئ النار التي ترمز إلي روح الله فهل أنت في حياتك فحمة أم جمرة ؟ هل دخل في طبيعتك شئ جديد ، يعمل روح الله الناري فيه ؟ هل في هذا العام الجديد ، وضعك الله في مجمرته المقدسة ، وأصبحت تخرج منك رائحة بخور هل تحس سكني الله فيك ؟إن لم يعمل الله فيك ، فباطل كل ما تعمله لابد أن يسكن النور فيك ، فلا تعود بعد ظلمة ولا أن يسكن الحق فيك ، فلا تكون باطلاً لابد أن تسكن فيك الحرارة ، فلا تكون بارداً ولا فاتراً وهذه السكني تغير حياتك كلها .
كيف يحدث التغيير:-
كيف يدخل هذا التغيير إلي حياتك ؟ إنك لن تتغيير بحق ، إلا إذا دخلت محبة الله إلي قلبك إسأل نفسك بصراحة : ما سر عدم الثبات في حياتك ؟ لماذا تقوم وتسقط ، وتعلو وتهبط ؟ ما السبب ؟ ما هي مشكلتك الحقيقية في حياتك الروحية ؟ أن مشكلتك هي بكل صراحة إنك تريد أن تحب الله ، مع بقاء محبة العالم في قلبك فأنت تحب العالم ، ولك فيه شهوات تعرفها غير انك من أجل الله - تحاول أن تقاوم هذه الشهوات تقاومها من جهة الفعل ، مع بقائها من جهة الحب في قلبك إثنان لا واحد ينطبق عليك قول أحد الأدباء " وكنت خلال ذلك ، أصارع نفسي وأجاهد ، حتي كأنني إثنان في واحد هذا يدفعني وذاك يمنعني "مشكلتك إذن ، هي هذه الثنائية التي تعيشها هذا الصراع الذي فيك بين محبة العالم ، بين الخير والشر ، البر والفساد ، الحلال والحرام ذلك لأن محبة الله لم تستقر بعد قلبك لا تتمسك إذن بالتفاصيل ، وتترك هذا الجوهر ، أعني محبة الله صارع مع الله في بداية هذا العام ، وقل له " أريد يارب أن أحبك أريد أن محبتك تسكن في قلبي أنا محتاج أن أحب الخير والقداسة ، أن أحب الفضيلة والحق "" لا أريد أن أضع أمامي الخير كوصية ، وإنما كحب " " لا أريد أن تكون الخير وصية ، أكافح نفسي لكي أصل إليها إنما أريد أن يكون الخير حباً ، أتمتع به أريد أن تكون وصيتك محبوبة لدي أجد فيها لذة أذوقها فتشبع نفسي مثلما قال داود النبي " باسمك أرفع يدي ، فتشبع نفس كما من لحم ودسم "( مز 62) ، محبوب هو اسمك يارب ، فهو طول النهار تلاوتي " (مز 119) ، " أحببت وصاياك أكثر من الجوهر الكثير الثمن "( مز 119 ) ، " وجدت كلامك كالشهد فأكلته أحلي من العسل و الشهد في فمي "( مز 119 ) هذا الأساس المتين ، الذي تبني عليه حياتك الروحية من الصعب ومن المؤلم ، أن تكون حياتك صراعاً متوصلاً قيام وسقوط ، توبة ورجوع ، حياة مع الله وحياة مع العالم إذن قف وقل له أنزع مني يارب هذه الشهوات الباطلة أنزعها أنت بنعمتك ، بقوتك الإلهية ، بفعل روحك القدوس أنزع مني محبة العالم أنزع مني القلب الحجر أنا أضعف من أن أقاوم وقد دلت الخبرة علي سقوطي في كل حرب مهما كانت بسيطة ليست لدي آيه قوة ولست لدي أية قوة ولست مستطيعاً أن أعتمد علي نفسي فادخل أنت إلي حياتي وانقذني أنني مثل إنسان مهدد بالموت ، فماذا بالموت ، فماذا أفعل ؟ أنني امسك بقرون المذبح ، في مدينة الملجأ ، لأجد حياة لأنني لو تركت قرون المذبح ، أقاد إلي القتل ، ولا قوة لي أن قلبي الذي يحبك ، أو الذي يريد أن يحبك ، لا تزال فيه محبة الخطية لا تزال فيه الشهوة الفلانية تتعبه وها أنا قد أمسكت بك ولن أتركك حتي أتمتع بالآية القائلة أبيض أكثر من الثلج ومتي أبيض أكثر من الثلج ؟ عندما تغسلني أنت إذن " إنضح علي بزوفاك فأطهر وأغسلني فأبيض أكثر من الثلج ( مز 50) نعم هذا الذي نقولة في الكنيسة ، في صلوات القداس الإلهي " طهر نفوسنا ، وأجسادنا ، وأرواحنا " أنت الذي تطهرها ، لأنها لا يمكن أن تطهر بدونك أنت الذي ستطهر فينا النفس و الجسد و الروح أنت الذي ستنزع هذه النفس الساقطة الخاطئة الملوثة ، وتعطينا بدلاً منها نفساً جديدة تعطينا روحاً جديدة ، قلباً جديداً ، وتر علينا ماء طاهراً فنطهر أنت يارب منذ زمان ،رششت علي ماء طاهراً فطهرت ، ثم رجعت فلوثت نفسي لكن لي أملاً في قولك المعزي من كل نجاساتكم ، ومن كل أصنامكم ، أطهركم وأعطيكم قلباً جديداً ، وأجعل روحاً جديدة في داخلكم نعم يا أخوتي ، ليتكم تحفظون هذه الآيات وتصارعون بها مع الله .
صراع مع الله:-
لتكن هذه السنة الجديدة ، سنة صراع مع الله تمسك بالرب ولا ترخه ( نش 3: 4)وقل له كما قال أبونا يعقوب : لن أتركك لن أتركك حتي تباركني ( تك 32: 26) ما معني عبارة " لا أتركك "؟ معناها أن تكون طويل الروح في الصلاة لا تمل بسرعة من الطلبة ، ولا تضجر ، ولا تيأس مهما تأخر الرب عليك بل أمسك بالرب بقوة بدموع ، بمطانيات ، بابتهالات بلجاجة ، بصراع مع الله قل له أنا يارب عاجز عن مقاتلة الشيطان ، الذي من قبل أن يسقط قديسين وأنبياء لا تتركني أنا الإنسان الترابي ، لأقاتل شيطاناً هو روح ونار أليس الشيطان ملاكاً قد سقط وقد قال الكتاب " الذي خلق ملائكته أرواحاً ، وخدامه ناراً تلتهب "( مز 104 : 4) والشيطان وإن كان قد فقد قداسته ، إلا أنه لم يفقد طبيعته ، فمازال روحاً وناراً ، بكل ما للملاك من قوة فمن أنا حتي أحاربه ؟ ! إن كان القديس العظيم الأنبا أنطونيوس ، قد قال للشيطان " أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم " فمن أنا حتي أدعي القوة وأقف وحدي لآقاتلهم ؟! بصراحة تامة أنا يارب لا أقدر فإن لم تدخل يدك الإلهية لتنقذ وتخلص إن لم تعمل روحك القدوس في داخلي إن لم تنزع مني قلب الحجر ، وتعطيني قلباً جديداً وروحاً جديدة غن لم تنضح علي بزوفاك فأطهر ، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج إن لم تحقق مواعيدك ، فلن أتركك في هذه الليلة هكذا صارع مع الله فكل الذين صارعوا معه ، نالوا ما يطلبون قل له أنا لن أتركك يارب في هذا العام ، دون أن أنال قوة انتصر بها حتي لو تركتني أنت فلن أتركك أنا وإن تخليت عني ، لن أتخلي عنك قل له أنا واقف لك في هذه الليلة لن أبرح سهرة رأس السنة ، دون أن أشعر بتغيير في داخلي ، وآخذ قلباً جديداً إن لم تتصارع مع الله ، لا يشعر أنك جاد في طلبك هذه اللجاجة في الصلاة ، هي التي تقتدر كثيراً في فعلها أما أن تبحث في بداية العام الجديد عن إرادتك وعن عزيمتك ، وتصدر قرارات من جهة ضعفاتك ونقائصك فهذا كله لن يفلح في شئ ، أن لم يدخل الله معك فأكبر جهاد لك إذن تفتتح به هذا العام الجديد ، هو الصراع مع الله إن جاهدت مع الله ، لا تحتاج أن تجاهد مع نفسك لأنك في صراعك مع الله ، سينزع منك الحجر ويعطيك قلباً جديداً وروحاً جديداً وحينئذ لا يحتاج أن تصارع ضد القلب الحجر ، إذ قد نزعه الرب منك وأرواحك من متاعبه وحينئذ يشعر قلبك الجديد بلذة الحياة الروحية ، فتذوق الله ، وتستطعمه وتحيا حياة جديدة ليتنا نأخذ الحياة الروحية بطريقة جدية وطلباتنا إلي الله تكون طلبات جدية بإلحاح شديد برغبة قلب ، بحرارة ، بدموع ، بصلابة، بشدة، بطلب مستمر ونمسك بالرب ونقول له " لن أطلقك " ونأخذ منه معونة ولنأخذ لنا مثالاً صلوات داود النبي كان لا يترك الصلاة حتي يأخذ ، فيحول الطلبة إلي شكر كان يكلم الله بدالة وفي أثناء الصلاة يشعر بالإستجابة يشعر بالإيمان أن الله قد عمل معه عملاً ، وأنه قد أعطاه ما يريد ، فيشكره وهو مازال يطلب لقد جرب داود في مزامير كيف يصارع الله باللجاجة ، بالمودة ، بالإقناع جرب كيف يحنن قلب الله ، وكيف يحنن قلب الله وكيف يعاتبه في دالة ويقول له لماذا يارب تقف بعيداً ؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق ( مز 10) جرب داود كيف يحنن قلب الله بالدموع ويقول للرب " في كل ليلة أعوم سريري ، وبدموعي أبل فراشي " (مز 6) . ويقول له " أنصت إلي دموعي "أختبر أيضاً النقاش مع الله ، بأنواع وطرق شتي نحن نحتاج في بداية العام الجديد أن نطلب معونة إن كان الإنسان الذي تحاربه خطية واحدة ، يحتاج إلي معونة للتخلص من هذه الخطية ، فكم بالأولي أنا الذي تحاربني خطايا عديدة لذلك أنا يارب محتاج إلي شحنة قوية أكثر من جميع الناس حسن أن أليشع النبي ، طلب اثنتين من روح إيليا وليس واحدة ( 2مل 2: 9) وأنا يارب مثله أريد معونة مضاعفة معونة تغطي علي السلبيات ، وأخري تساعد علي العمل الإيجابي الانتصار علي الخطية يحتاج بلا شك إلي معونة والسير في الطريق الروحي وفي عمل البر يحتاج أيضاً إي معونة معونة ونحن نطلب الأمرين معاً في بداية العام الجديد وإن أرادهما الله في عمل واحد من أعمال روحه القدوس ، فليكن لنا كقولة وماذا عن طلباتنا أيضاً في العام الجديد ؟ لا شك نريد ثباتاً نريد فيه تصميماً علي الحياة مع الله ، تصميماً بلا رجعة .
تصميم بلا رجعة:-
فلا تدخل إلي العام الجديد ، وعيناك لاصقتان بالعام القديم في كل شهواته وأخطائه ونقائصه لا تكن مثل إمرأة لوط ، التي خرجت جسدياً من أرض سادوم ، وقد تركت فيها هناك ، وعيناها لا تزالان متجهتين نحو سادوم ولا تكن أيضاً مثل بني إسرائيل ، الذين عبروا البحر الأحمر ، وخرجوا من أرض مصر ولكن عقلهم لا يزال متعلقاً بقدور اللحم التي في مصر ، وبالبطيخ و الكرات لكن أخرج من خطايا ذلك العام بغير رجعة وفي بداية هذا العام الجديد ، أحتفظ في أذنيك وداخل قلبك بالعبارة التي قالها الملاكان للوط وهم يخرجونه مع أسرته من سادوم " لا تقف في كل الدائرة اهرب لحياتك "( تك 19 : 17) نعم ، لا تقف في كل الدائرة القديمة ، بكل ما تحوي من خطايا وعثرات وبكل ما فيها من ضعفات وسقطات أهرب لحياتك لا تنظر إلي الوراء ، ولا تمس نجساً وقل للرب عن العام الماضي كله هذه العام الماضي كله ، سأدفنه يارب عند مراحمك الكثيرة سألقيه كله في لجة محبتك . سأتركه في المغسل الإلهي ، حيث يغسل الرب نفسي فتبيض أكثر من الثلج لست أريد من ذلك العام شيئاً أنا متنازل عنه كله حتي أن كانت لي فيه فضيلة معينة ، فهذه أيضاً لا أريدها كل ما أريده يارب ، هو أن أبدأ معك من جديد أريد أن انسي ما هو وراء ، وامتد إلي قدام ( في 3: 13) أريد أن أبدأ معك بداية جديدة ، كما بدأت بنعمتك مع نوح ، بعد أن أزلت الماضي القديم كله ، وغسلت الأرض من أدناسها هذا الماضي القديم كله ، أنا متنازل عنه . يكفي اليوم شره ( مت 6 : 34) أما العام الجديد ، فأريد أن أبدأه بالرجاء ربما يحاربني الشيطان باليأس ويقول أنت هو أنت ، في يدي ، لا تخرج ولن تستطيع أن تغير طباعك القديمة أو تتخلص من نقائصك ! نعم ، أن لا أقدر ولكن الله يقدر وأنا لي رجاء في الله ، وفي عمله معي وأنا لست وحدي في هذا العالم الجديد ، لأن الآب السماوي معي سأبدأ هذا العام الجديد ، معي روح الله القدوس ومعي نعمة ربنا يسوع المسيح ومعي من ملائكة ومن أرواح القديسين ومن صلوات الكنيسة المنتصرة ومعي أيضاً وعود الله الصادقة معي وعود الله المحب الرؤف والله أمين في كل مواعيده ، لا يرجع عن شئ منها وأنا سأتمسك بوعود الله ، وأطالبه بها ، وعداً وعداً يكفيني أن أضع أمام الله ما وعد به في سفر حزقيال النبي وأقول له في دالة الحب ألست أنت القائل " أعطيكم قلباً جديداً واجعل روحاً جديدة في داخلكم "( حز 36: 26) أين هو هذا القلب الجديد ، الذي وعدت به يارب ؟ وأين هذه الروح الجديدة ؟ سامحني يارب واغفر لي ، أن قلت وأنا تحت إقدامك أنت مديون لي بهذه المواعيد وأنا سأطلبك بكلامك حقاً إنني مسكين وفقير ولا أملك شيئاً ولكني أملك مواعيد أملك محبتك المجانية التي وهبتني إياها أملك عهدك معي ، وقولك الإلهي " من كل نجاساتكم ومن كل أصنامكم أطهركم " ، أجعل روحي في داخلكم ، وأجعلكم تسلكون في فرائضي " ( حز 36: 25، 27) ولعل الرب يقول أعطيتك قلباً جديداً ، فرفضت أن تأخذ ! أو لعله يقول " جعلت روحي في داخلك ولكنك أحزنت الروح ، وأطفأت الروح وقاومت الروح " فأنت المديون بهذا كله نعم يارب أنا أعترف بهذا ولكن لا تتركني لضعفاتي وأن أخطأت ، فلا تتركني لخطاياي ولا تحاسبني عليها ، وإنما أنقذني منها فأنت الذي قلت عن سلبياتنا " من كل نجاستكم أطهركم " وأنت الذي قلت عن الإيجابيات " وأجعلكم تسلكون في فرائضي " وأنا متمسك بكل هذا وأن كنت أنا ضعيفاً عن حفظ ملكوتك في داخلي ، وأن كنت مديوناً لك ، إلا أني أقول لك تقلد سيفك علي فخك أيها الجبار ، أستله وأنجح وأملك العمل ليس عملي ، وإنما عملك أنت تعال إذن وأملك أنزع بنفسك القلب الحجر ، وامنح القلب الجديد ، واعطني أن أستسلم لعملك في ، كما يستسلم المريض لمشرط الطبيب ، فيقطع منه ما يلزم قطعه ، ويصل ما يحسن وصله وهو بلا إرادة ولا وعي تحت مشرطه فلاكن يارب هكذا معك ، وأعطني قلباً جدياً .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كيف نبدأعاماً جديدا
المزيد
25 ديسمبر 2019
بشرى مفرحة
أود في نهاية عام و بداية العام الجديد ، أن أكلمكم بكلمة أمل ورجاء أود أن يشرق علينا هذا العام كنور ، برسالة فرح من السماء لأنه بميلاد ربنا يسوع المسيح ، وولد السلام وكان ميلاد الرب بشري فرح للجميع وفي يوم ميلاده وقف الملاك يقول للرعاة " ها أنا أبشركم بفرح عظيم ، يكون لجميع الشعب " " إنه ولد لكم اليوم مخلص "( لو 2: 10، 11) ها أنا أبشركم بفرح عظيم " في هذه العبارة نجد رسالة المسيحية كلها لقد جاءت المسيحية لكي تبشر الناس بالفرح العظيم الذي يكون لجميع الشعب لذلك فكلمة إنجيل معناها بشارة مفرحة ، أخبار سارة وكان الرسل يبشرون ، أي ينقلون هذه الأخبار السارة إلي جميع الناس فيقولون لهم أتي الخلاص ويوحنا المعمدان ، الذي هيأ الطريق أمام ربنا يسوع المسيح ، كان يبشر الناس بأنه قد " أقترب ملكوت الله "( مت 3: 2) ونحن كرجال دين ، وليس لنا عمل سوي أن نبشر الناس بهذا الفرح العظيم ورسالتكم أنتم هي هذه ، أن تبشروا الناس بهذا الفرح وأن تفرحوا معهم وأن تفرحوا معهم وأي فرح ؟أن المسيح أتي بديانة مفرحة لجميع الناس ، تحمل لهم الخلاص وتحمل لهم الفداء ، وتكسر أبواب الجحيم ، وتفتح أبواب الفردوس أتي المسيح برسالة تقول للص وهو علي الصليب " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو 23: 43) رسالة تقول لرئيس العشارين الخاطئ ، مثال الظلم و الشر في حيله ، تقول له اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت ، إذ هو أيضاً أبن لإبراهيم ( لو 19: 9 ) إنها رسالة تبشر الأمم الغرباء ، البعدين عن رعوية الله في ذلك الحين ، الذين كانوا محتقرين من إسرائيل ، فتقول عنهم يأتون من المشارق و المغارب ، ويتكئون في أحضان إبراهيم في ملكوت الله ( مت 8: 11، لو 13: 29) الدين عموماً هو رسالة مفرحة للناس ، وبشارة فرح لهم .
أسباب للفرح:-
" إفرحوا في الرب كل حين . وأقول أيضاً إفرحوا "( في 4: 4) " إفرحوا في الرب "( في 3: 1) إفرحوا بالصلح الذي تم بين السماء والأرض إفرحوا في الرب يسوع المسيح ، الذي أتي ليصالح السمائيين مع الأرضيين ، ويجعل الاثنين واحداً ، ويكمل التدبير بالجسد إفرحوا لأن خطاياكم ستمحي والرب لا يعود يذكرها ( أر31: 34 ) .
أفرحوا لأن الرب سيغسلكم ، فتبيضون أكثر من الثلج .
حقاً إنها بشري مفرحة للناس بشري بالخلاص من خطاياهم ، يقول فيها الرب " أعطيهم قلباً ليعرفوني إني أنا الرب ، فيكونوا لي شعباً ، وأنا أكون لهم إلهاً ، لأنهم يرجعون إلي بكل قلبهم " أر 24: 7) يقول أيضاً " أجعل شريعتي في داخلهم ، وأكتبها علي قلوبكم " ( أر 31 : 33) وماذا أيضاً يارب في كلامك المفرح هذا ؟ يقول " لأني أصفح عن إثمهم . ولا أذكر خطيتهم بعد " ( أر 31 : 34) حقاً مبارك هو الرب ، في كل عهوده المفرحة ، التي ذكرها في العهد القديم نبوءة عما سيفعله معنا في هذا العهد الجديد ونحن في هذه السنة الميلادية الجديدة ، التي نذكر فيها أنه قد ولد لنا مخلص هو المسيح الرب ( لو 2 : 11 ) ، " يخلص شعبه من خطاياهم" ( مت 1 : 21 ) .
يلذ لنا أن نذكر عمله المفرح ، كما رواه أشعياء النبي قال روح الرب علي ونحن لماذا ؟ لأية رسالة ؟ فيجيب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب ، لأنادي للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالإطلاق ، لأنادي بسنة مقبولة للرب ، لأعزي كل النائحين لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد ، ورداء تسبيح ، عوضاً عن الروح اليائسة ( أش 61: 1- 3)
نعم ما أجملها رسالة مفرحة ، تبشر المساكين والمنكسري القلوب تنادي للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالإطلاق وكلمة المأسورين تعنينا كلنا فكلنا كنا في أسر إبليس ، مأسورين بالخطايا والذنوب وكان الشيطان له سلطان ، قال عنه الرب لليهود " هذه ساعتكم وسلطان الظلام "( لو 22: 53) ثم جاء المخلص ، الذي ينادي بالإطلاق ، فهتف الملاك قائلاً للرعاة " ها أنا أبشركم بفرح عظيم ".
نظرة مستبشرة:-
لذلك نريد في هذه السنة ، أن تكون لنا النظرة المستبشرة تكون لنا النظرة المتفائلة ، المملوءة رجاء ، التي دائماً تري الفرح في كل شئ لأنه كثيراً ما يوجد أشخاص يعقدون الأمور ، ويشعرون اليأس ، ويغلقون أبواب الرجاء المفتوحة ، ويكونون كالبوم التي تنعق منذرة بالخراب! وهؤلاء ليس لهم صوت لأن صوت الله يقول ينادي للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالإطلاق يبشر المساكين ، ويعطيهم فرحاً عوضاً عن النوح ولهذا يقول سفر أشعياء أيضاً ما أجمل قدمي المبشر بالسلام ، المبشر بالخير ، المخبر بالخلاص ( أش 52: 7) حقاً ما أجمل أقدام المبشرين بالخير ، المبشرين بالخير ، المبشرين بالسلام ، الذين يغرسون الفرح في قلوب الناس ، وينزعون الحزن من القلوب المكتئبة ، ويجعلونها تمتلئ بالفرح وهذه هي رسالة أولاد الله وقد كان هذا هو عمل المسيح له المجد ، يملاً الدنيا فرحاً وسلاماً ، يبهج قلوب الناس ، ويمسح كل دمعة من عيونهم ( رؤ 7: 17) كان يجول يصنع خيراً ( أع 10 : 38) يفرح قلب السامرية ، والمرأة الخاطئة ، والمضبوطة في ذات الفعل ، ويفرح قلوب العشارين و الخطاة ، ويرفع معنوياتهم بأن يحضر ولائمهم ويبشر الناس بأن النور قد أضاء في الظلمة ، وأنهم في فجر جديد وقد تعلم الرسل هذا الأسلوب من السيد المسيح ، وإذا ببولس الرسول يقول " ثمر الروح محبة ، فرح ، سلام "( غل 5: 22) واضعاً الفرح في مقدمة ثمار الروح ويدعوا الناس إلي الفرح الدائم ، قائلاً لهم " إفرحوا كل حين "( 1تس 5: 16) ،" إفرحوا في الرب كل حين "( في 4: 4) أو ليس هذا أيضاً هو ما قاله لتلاميذه "تفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم "( يو 16: 22)إذن انشروا رسالة الفرح .
أفرحوا الناس:-
ارسموا ابتسامة علي كل شفة واغرسوا الأمل و الرجاء لا تشيعوا الكآبة فإن الله لا يريدكم أن تحيوا في كآبة ،هذا الذي أرسل ملاكه ليبشركم بفرح عظيم ولكن لعل إنسانا يسأل كيف يستطيع القلب أن يفرح ، وهناك أسباب كثيرة تدعوه إلي الحزن و التعب أبواب مغلقة ، ومشاكل معقدة ، وخطايا تبعد عن الله ؟ وأنا أقول أن الرجاء يحل كل هذا فقولوا للناس كل مشكلة لها حل وكل باب مغلق له مفتاح وما أسهل أن تكون لكل خطية توبة ، ولكل خطية غفران وكل خصومة مع الله تساعد النعمة أن توجد لها صلحاً لذلك عيشوا باستمرار في الرجاء دربوا أنفسكم أن تكونوا كما قال الرسول " فرحين في الرجاء "( رو 12: 12) وكونوا أنشودة فرح في قلوب الجميع لا تجعلوا إنساناً ييأس مهما كانت الأسباب وإن سدت الأبواب أمامه ، افتحوا له طاقة من نور واعطوه رجاء في كل فروع الحياة ، مادية أو روحية كونوا مبشرين بالخير ، ومبشرين بالسلام قولوا لكل ضعيف هناك قوة إلهية تسندك وقولوا لكل خاطئ إن الله مستعد أن يخلصك " لأن الله يريد أن جميع الناس يخلصون ، وإلي معرفة الحق يقبلون "( 2تي 2: 4) قولوا له أن الله مستعدك فروحه القدوس يعمل معك ، ونعمته واقفة علي بابك تقرعه وملائكة الله حالة حولك لتنقذك ، وأرواح القديسين تشفع فيك ووسائط النعمة ستأتي بفاعليتها كونوا رسالة رجاء ، ورسالة سلام ، وأفرحوا الكل قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة ( عب 12: 12 ) وقد اخذ معلمنا بولس هذه النصيحة من قول الوحي الإلهي في العهد القديم لسان أشعياء النبي " شددوا الأيادي المسترخية والركب المرتعشة ثبتوها قولوا لخائفي القلوب تشدوا لا تخافوا هوذا إلهكم هو سيأتي ويخلصكم ( أش 35 : 3، 4) أريحوا الناس من متاعبهم علي قدر ما تستطيعون ، فهكذا كان يفعل السيد المسيح الذي قال " تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الحمال ، وأنا أريحكم " ( مت 11: 28 ) تعالوا إلي ، فأنا قد جئت إلي العالم لأحمل تعب الناس كما قال عني أشعياء " أحزاننا حملها ، وأوجاعنا تحملها "( أش 53: 4) لقد جئت لأبشر المتعبين بالراحة . أتيت لأعصب منكسري القلوب ، لأبشر المساكين حتي القصبة المرضوضة ، و الفتيلة المدخنة قبل عن الرب " قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيله مدخنة لا يطفئ " ( مت 12: 20) إنه يعطي رجاء للكل هذه القصبة المرضوضة يعصبها ربما تشتد وتستقيم وهذه الفتيلة المدخنة قد ينفخ فيها فتعود وتشتعل إن السيد المسيح أراد أن يقدم لنا رسالة فرح ، ديانة فرح بشري كلها رجاء بأن الملكوت قريب ، والخلاص قريب إني أعجب من الذين تملكهم الكآبة في الجو الديني !وتصبح الكآبة هي الطابع الذي تتميز به روحياتهم باستمرار . ولا يجدون في الكتاب المقدس كله من أوله إلي آخره ، من التكوين إلي الرؤيا ، من أول " في البدء خلق الله السموات والأرض " إلي " أمين تعال أيها الرب يسوع " لا يجدون في كل هذا سوي قول سليمان الحكيم " بكآبة الوجه يصلح القلب "( جا 7: 3) وإن أرادا أن يضيفوا عليها شيئاً يضيفون " طوبي للباكين الآن "( لو 6: 21) ونحن نريد أن نقول لهؤلاء حتي البكاء و الحزن في المسيحية ، ممزوجان بالفرح !وقد قال السيد المسيح لتلاميذه " أنتم ستحزنون ، ولكن حزنكم سيتحول إلي فرح عندكم الآن حزن ولكني سأراكم فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم " ( يو 16: 20، 22) . وما أجمل قول القديس بولس الرسول ، التي يلخص فيها متاعبه وضيقاته هو وكل العاملين معه ، فيقول كحزانى ، ونحن دائماً فرحون " ( 2كو 6: 10) إنه فرح يميز كل أولاد الله في كل ظروف حياتهم ، فرح في الرب ، فرح لا ينطق به ومجيد ( 1بط 1: 8) ، فرح من النوع السامي ، فرح روحاني ، فرح إلهي ، فرح لا ينتهي فرح كل حين .
فرح مهما كانت المتاعب :-
حياة أولاد الله لا تخلو من المتاعب ، لأنهم يحملون صليباً ولكنهم يفرحون في وسط متاعبهم لأن المتاعب شئ ، والحزن شئ آخر السيد المسيح كان أمامه الصليب ومع ذلك قيل عن في الصليب وآلامه وخزيه " من اجل السرور الموضوع أمامه ، أحتمل الصليب مستهيناً بالخزي "( عب 12: 2) وقد قال بولس الرسول " لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والضيقات لأجل المسيح "( 2كو 12: 10) أولاد الله يفرحون بالتعب ، أذ يرون في التعب إكليلاً لا تضغطهم المتاعب ، بل يفرحون بها ، عارفين أن كل إنسان ينال أجرته من الله بحسب تعبه ( 1كو 3: 8) والقديس يعقوب الرسول يقول " احسبوه كل فرح يا أخوتي ، حينما تقعون في تجارب متنوعة "( يع 1: 2) وأولاد الله لا يرون في التجارب والمتاعب شيئاً من التخلي ، بل يرون أن الله يفتقد بها أولاده لكي يهبهم نعماً الشهداء كانوا يفرحون ويغنون ، وهم ذاهبون للإستشهاد كما كانوا يحبون في فرح ، كانوا في فرح أيضاً يستقبلون الموت ، شاعرين إن الرباطات التي تربطهم الزائل قد تمزقت لذلك فهم فرحون أن يلتقوا بالله ، وفرحون بالإكليل ، وفرحون بإتمام جهادهم علي الأرض ، وفرحون بالقوة التي جعلتهم يثبتون في الإيمان بولس الرسول كان فرحاً ، وهو في السجن الضيقة دائماً خارجهم ، لا يمكن أن تدخل إلي قلوبهم لذلك فقلوبهم فرحة وفي عزاء لأن العزاء يأخذونه من داخلهم وليس من خارجهم وفي داخلهم يوجد الإيمان بالله المحب الراعي المهتم بالكل الذي قال الكتاب عن اهتمامه ومحبته وحفظه " أما أنتم ، فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة "( لو 12: 7) لا تسقط شعرة واحدة منها بدون إذن أبيكم ، الذي نقشكم علي كفه الله الذي يحافظ حتي علي العصافير ، فلا يسقط واحد منها بدون إذنه ، وأنتم أفضل من عصافير كثيرة ( مت 10: 29- 31) . لذلك كان أولاد الله في كل ضعفاتهم ، يغنون للرب أغنية فرح ، ويسبحونه تسبيحه جديدة ... ويأخذون بركة هذه الضغطات . قيل عن الآباء الرسل الإثني عشر ، بعد أن يجلدوهم ، أنهم مضوا " فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهابوا لأجل إسمه "( أع 5: 41) وأولاد الله كما يفرحون في المتاعب ، يفرحون مهما كانت العوامل الخارجية تدعو إلي اليأس كما في ترنيمة العاقر .
ترنيمة العاقر:-
إنها قطعة عجيبة في الكتاب ، في نبوءة أشعياء ، تدعو إلي الرجاء العجيب ، وإلي الفرح بالرب ، مهما كانت الظروف الخارجية فهل هناك أصعب من ظروف العقار التي لا رجاء لها في إنجاب البنين ! أنظر ماذا يقول الكتاب لها يقول وهو يحمل لها بشري الفرح " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد أشيدي بالترنيم " ( أش 54: 1) كيف تترنم هذه ؟ وما دواعي الفرح أمامها ؟ فيجيب ترنمي ليس بما هو كائن ، إنما بما سوف يكون وما الذي سوف يكون يارب ؟ يجيب في رجاء " أوسعي مكان خيمتك ، ولتبسط شقق مساكنك "، " لا تمسكي . أطيلي أطنابك ، وشددي أوتادك "، لأنك تمتدين إلي اليمين وإلي اليسار "، ويرث نسلك أمماً ، ويعمر مدناً خربة "( أش 53) ويختم الرب هذه الأنشودة الجميلة بقوله " لحيظة تركتك . وبمراحم عظيمة سأجمعك "( أش 53: 7) إذن بالإيمان " أوسعي مكان خيمتك " سيكون لك أولاد ، وسيكثرون وتمتدين إلي اليمين وإلي اليسار ألا يدعو هذا إلي فرح الرجاء ، الرجاء في وعود الرب لذلك أولاد الله في فرحهم يكونون " غير ناظرين إلي الأشياء التي تري ، بل إلي التي لا تري "( 2كو 4 : 18 ) إنهم يفرحون لأنهم يحيون بالإيمان . وما هو الإيمان ؟ أنه الثقة بما يرجي ، والإيقان بأمور لا تري " ( عب 11: 1 ) ونحن نفرح بهذا الذي لا يري وبالإيمان نغني أيضاً بترنيمة هذا العاقر ، التي تكررت قصتها مع عاقر أخري هي سارة إمرأة أبينا إبراهيم ولم يكن لهما ولد ، حتي أنها حينما سمعت وعد الرب ، ضحكت في داخلها ،وفي يأس قالت " أبعد فنائي يكون لي تنعم ، وسيدي قد شاخ " ( تك 18: 12)ولكن الغير مستطاع عند الناس ، مستطاع عند الله ( مر 10 : 27 ) هكذا قال الرب ( لو 18: 27 ) ، ليجعلنا نرجو ونفرح ولكي يثبت هذا لأبينا إبراهيم وزوجته العاقر قال له نسلك سيكون كنجوم السماء وكرمل البحر إن استطعت أن تعد رمل البحر ، تستطيع أن تعد نسلك وكأن سارة تقول أنا لست أجد أبنا واحداً فقط أفيكون لي نسل كعدد نجوم السماء ؟! هذا عجيب نعم ، في الرجاء " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلك أشيدي بالترنيم لا يأس في الحياة مع الله أنه الرب المعطي بسخاء ، الذي يفتح لنا كوي السماء الذي يفيض من محبته ورعايته علي كل أحد ، الذي قال جئت لأعصب منكسري القلوب ، وأبشر المساكين ، وماذا أيضاً ؟ يقول :
أبشر بسنة الله المقبولة:-
ما هي البشري الطبية التي تحملها في هذه السنة المقبولة أمام الله ؟ ما هي بشراك يارب ، وكل سنواتك مقبولة ؟ جئت لأبشر شاول مضطهد الكنيسة بأنه سيصير بولس الكارز العظيم وجئت أبشر كثيرين من أمثاله أبشر موسي الأسود ، القاتل السارق الشرير ، بأنه سيصير القس موسي العظيم ، أب الرهبنة ، وصاحب القلب الحاني الطيب الوديع أيضاً أبشره بأنه سيكون شهيداً جئت لأبشر اوغسطنيوس الفاسد ، الذي تبكي عليه أمه ، بأنه سيصبح كنز الروحيات و التأملات الذي تنتفع به أجيال كثيرة جئت لأبشر مريم القبطية الزانية بأنه ستصبح سائحة قديسة ، يتبارك منها الأنبا زوسيما القس جئت لأبشر المسبيين بالعتق ، والمأسورين بالإطلاق ، جئت لأبشركم بسنة سعيدة مقدسة مقبولة أمام الله ، وأقول لكم إنه لا يوجد شئ غير مستطاع عند الله ولا توجد مشكلة يعصي حلها علي خالقها العظيم ، الذي يفتح ولا احد يغلق ( رؤ 3 : 7) جئت لأبشر الأرض المظلمة الخربة المغمورة بالمياه الأرض التي قيل عنها في سفر التكوين أنها خربة وخاوية ومغمورة بالماء ، وعلي وجه الغمر ظلمة ( تك 1: 2) جئت أبشر هذه الخربة بأن روح الله يرف علي وجه المياه ، وأن الله سينيرها ، ويقيم فيها كل نفس حية ، مع جنات وبساتين ، ويجعل فيها أزهاراً وزنابق ، ولا سليمان في كل مجده كواحدة منها وستكون هذه الأرض رمزاً لكل نفس خربة وخالية هذا هو الله المحب القادر ، وهذه هي بشارته المفرحة لذلك كل من يعقد الطريق أمامك ، لم يفهم الله بعد الذي لا يذكر لك سوي الجحيم وجهنم و العذاب والبحيرة المتقدة بالنار و الكبريت ، ويعطيك صورة مسودة عن الأبدية ، هذا لم يعرف الله بعد ، وكلامه غير مقبول في بداية سنة جديدة ، نريد فيها بشري طيبة الأولي إذن أن نبشركم بإلهنا الطيب الحنون ، الذي غني بمراحمه وإحساناته داود النبي ، فقال في مزمور 103 كلاماً جميلاً محبباً إلي النفس ، نقتبس منه قوله باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته "ويتذكر المرتل في فرح إحسانات الله إليه ، ويذكر بها نفسه فيقول الذي يغفر جميع ذنوك ، الذي يشفي كل أمراضك ، الذي يفدي من الحفرة حياتك ، الذي يكللك بالرحمة والرأفة ، الذي يشبع بالخير عمرك ، فيتجدد مثل النسر شبابك ( مز 103 ) ثم يذكر المرتل إحسانات الرب من جهة مغفرة الخطايا ، فيقول لا يحاكم إلي الأبد ، ولا يحقد إلي الدهر لم يصنع حسب خطايانا ، ولم يجازنا حسب آثامنا لأنه مثل ارتفاع السموات والأرض ، قويت رحمته علي خائفيه كبعد المشرق عن المغرب ، أبعد معصينا إذن ليس هو إلهاً يترصد الخطايا ، ليدخل الناس إلي جهنم أنه رحيم ورؤوف ، طويل الروح وكثير الرحمة ، يتراءف علي خائفية ، كما يترأف الأب علي بنيه ومادام هكذا فلنفرح إذن بالرب علينا أذن أن نفرح الناس ، لكي يطمئنوا إلي إله أخذ الذي لنا ، ليعطينا من الذي له صار أبنا للإنسان ، ليجعلنا أولاداً الله هذا الذي أتي ليخلص شعبه من خطاياهم كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلي طريقه والرب وضع عليه إثم جميعاً "( أش 53: 6) هناك أشخاص أفكارهم سوداء كلها قسوة وعنف وعدم مغفرة ويلقون ثيابهم السوداء ، ليلبس كواحد منهم ولكن الرب ، كل ما فيه أبيض ناصع ، ما أبعده عن أفكار الناس السوداء ونشكر الله أنه حتي الملائكة الذين ظهروا ، ظهروا بثياب بيض ، ثياب من نور إلهنا إله طيب وتأكد أنه سيفتح له طريق الخلاص ، وأنه سيخلصك من جميع خطاياك إنه لابد سيفتقدك ، ولو في آخر الزمان ولو في الهزيع الأخير من الليل ، ولو بعد أن يضطرب البحر ، ويخيل إليك أن السفينة ستنقلب إنه لن يتركك ، بل ستدركك رحمته ، ولو ساعة الموت أو قبيل ذلك بقليل نعم لن يتركك أن كانت الخطية أقوي منك ، فرحمة الله أقوي من الخطية إن كانت الخطية تزداد ، فالنعمة تكثر جداً إن خفت من الذين قاموا عليك ، فاعرف أن " الذين معنا أكثر من الذين علينا "( 2مل 6: 6 ) إننا نحب أن نعيش في فرح دائم تهب الأمواج ، وته الرياح ، وتسيل الأمطار ، وتتزلزل الجبال أما نحن فنسبح الرب تسبيحه جديدة نغني أغنية جديدة للرب نعيش في فرح "" راسخين غير متزعزين " ( 1كو 15 : 58 ) ، واضعين في أنفسنا حقيقة هامة ، وهي أن الله يتدخل في كل مشكلة ، ليحلها الله يتدخل والله أقوي من العالم .
الله سينتصر فيك:-
أن الله قد غلب العالم . وقال لنا " في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبات العالم " ( يو 16 : 33) لقد غلبه في القديم والحاضر وفي كل حين وهو قادر أن يغلب العالم فيك ، وبك وهو مستعد أن يغلبه في كل معركة روحية تقوم ضدك إنه لا يترك عصا الخطاة تستقر علي نصيب الصديقين " ( مز 124 ) إنما يعوزك فقط أن تقول له أرنا يارب رحمتك ( مز 84) أمنحنا بهجة خلاصك ( مز 50 ) جميلة هي عبارة " بهجة خلاصك " أن الرب قد جاء يقدم الخلاص ، ويقدم معه أيضاً بهجة خلاصه لذلك نحن نبشر بسنة مفرحة ، بسنة الله المقبولة سنة يعمل الله فيها عملاً مفرحاً وقوياً نبشر بإله قوي ، أقوي من العالم ومن الشيطان ومن الخطية إله أنتصر في حروب أولاده في القديم ، وينتصر الآن وفي كل زمان إله يعطي المعيي قوة ( أش 40 : 29 ) ويجدد مثل النسر شبابه إله أفرح كل الذين تبعوه ، وقادهم في موكب نصرته ( 2كو 3: 14 ) هذه هي البشري التي نقدمها في سنة جديدة فحاذر أن تنظر إلي العالم الجديد بمنظار قاتم حاذر أن تنظر إليه بمنظار اليأس أو الخوف أو القلق ولا تظن أن الأبواب مسدودة موصدة أخشى أن تكون نفسك هي المسدودة أفتح أذن حواسك الروحية ، لتري مراحم الله ومعونة الله ومعونة الله وتفرح وتبتهج وأطلب من أليشع النبي أن يصلي من أجلك ، كما صلي من أجل تلميذه جيحزي ، ويقول افتح يارب عيني الغلام ، فيري ( 2مل 6: 17 ) وستري جبل الله مملوءاً خيلاً ومركبات ، فتطمئن نفسك وتفرح وستجد الرب قد فتح لك طريقاً في البحر فتفرح وستسمع داود النبي يرتل في أذنيك قائلاً " نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الشياطين الفخ انكسر ونحن نجونا "( مز 123 ) ستسمع هذا من فم داود فتفرح إن القوة الإلهية موجودة . ولكن يعوزك أن تراها لا تقل في بداية العام " لا توجد معونة " أو " أعطني يارب معونة " ، إنما قل أعطني يارب أن أري المعونة الموجودة فأمجدك " أرنا يارب رحمتك "( مز 84 ) أذن رسالة هذه السنة الجديدة ، هي أن نبشر الله المقبلة نبشر الناس بفرح عظيم ، نبشرهم بخلاص الرب نبشر الضعيف بقوة تحيط به من فوق نبشر اليائس بالأمل والرجاء ونبشر الخاطئ بعمل النعمة فيه ، وبافتقاد من الروح القدس ليتوب ويرجع غلي الله نبشر الكل بأن الله يجول يعمل خيراً ، يجول في كل مكان يشبع كل حي من رضاه ، ويمسح كل دمعة يراها في عين كل إنسان هذه هي طريقة الرب ، الذي خلقنا للفرح ، وأعدنا لنعيم أبدي لذلك فالأبدية هي مكان للنعيم والأبدية تعمل فينا نقول عن الأبدية في صلواتنا " الموضع الذي هرب منه الحزن و الكآبة والتنهد "والأرض أيضاً مكان خلقه الله لفرح " فرح للمستقيمين بقلوبهم " وعبارة " أفرحوا في الرب كل حين "
الفرح صورة مشرقة للدين:-
ليست هي مجرد نصيحة ، إنما هي أمر من الوحي الإلهي إن سرت في طريق الله ، فملكت الكآبة ، ستعطي صورة كئيبة عن الدين و الحياة الروحية ، ويقول كل من يراك هذا الإنسان كان هادئاً ومطمئناً ، وقلبه عامر بالحب والسلام ولكن منذ أن تدين صار متجهم الملامح ، عابس الوجه ، يسير وهموم الدنيا كلها علي كتفيه ، وأحزان العالم كله فوق رأسه وهكذا يعثرون بسببك ، ويخافون من الحياة مع الله ومن الطريق الروحي فلماذا هذا الإتلاف ؟ أعط الناس دروساً بفرحك علمهم أن أولاد الله فرحون ، لأنهم وجدوا الله وعرفوه وعاشروه إنهم فرحون بملكوت الله داخلهم ، فرحون بعمل الروح القدس فيهم فرحون بخروجهم من أسر إبليس وتخلصهم من خطايا عديدة فرحون بالحياة الجديدة بالحديث مع الله ، والتأمل في الإلهيات فرحون بانطلاق أرواحهم من سلطان الجسد والمادة فرحون لأنهم صار تحت قيادة الله المباشرة وتحت رعايته ، وقد ذاقوا ونظروا ما أطيب الرب ، واختبروا جمال الحياة معه وهم فرحون أيضاً لأنهم قد لبسوا ثوباً جديداً من الرب ، بل قد لبسوا المسيح ( غل 3 : 27 )هذه هي أسابا الفرح بالرب التي نبشركم بها أن وضعت كل هذا في ذهنك فستفرح بالرب أما إن ملكت الخوف من المستقبل والخوف من الخطية ، والخوف من السقوط ، فهذا دليل علي أنك نسيت عمل الله معك وعمل فيه ، وبشراه لخلاصك وأعرف هذا إذن إن كل قلق وخوف واضطراب ويأس ، هو من عمل الشيطان هذا هو أسلوبه ، يريد أن يزعجك ويخفيك ، لكي تتسلم له وتترك جهادك الروحي ، وتفشل فلا تسمع له فنحن لا نجهل أفكاره ( 2كو 2: 11) أما ثمار الروح فهي فرح وسلام لذلك لما بشر الملائكة بميلاد المسيح قالوا "علي الأرض السلام ، وفي الناس المسرة "فلتكن المسرة إذن في قلوب الناس ، ولنعش في حياة الفرح الدائم ، نفرح بالرب كل حين ، شاكرين في كل حين ، علي كل شئ ( أف 5 : 20 ) .
أرجو لكم :-
أرجو لكم سنة سعيدة مباركة ثابتة في الرب ، تكونون فرحين فيها ، مملؤين من الرجاء والبهجة ، شاعرين بعمل الله فيكم ، وعمل الله لأجلكم ,وشاعرين أن قوة الله تظللكم ، وأن يده فوق أيديكم ، تمسك بأيديكم ، تمسك بأيديكم ، وتعمل به ، وتقود خطواتكم إليه وبهذه الروح تستقبلون العام الجديد ، وأنتم لستم وحدكم ، وإنما الله معكم ، مصلين أن يكون عامنا الجيد عاماً سعيداً مباركاً وفي نفس :-
نحن نعلم أنه حسبما نكون ، هكذا يكون عامنا كثير من أحداثه وأخباره وتاريخه ، هي من ضعفنا نحن بإمكننا بنعمة الله العاملة فينا أن نملأ هذا العام خيراً وبراً فيكون كذلك أن حياتنا في أيدينا ليست مفروضة علينا نحن نصنعها بحرية الإرادة الموهوبة لنا من الله ، لنسير في الطريق التي نشاء فهكذا ترك لنا الحرية التي نقرر بها مصيرنا وماذا عن عمله الإلهي إذن في هذا العام ؟
إن نعمته مستعدة أن تعمل معنا الأعاجيب ، أن استسلمنا لعملها فينا ، ولم نقاوم الروح القدس الذي يريد لنا الخير الله يريد لنا الخير ، وبقي أن نريده نحن كذلك ، فتتحد مشيئتنا مع مشيئة الله الصالحة حينئذ تصير حياتنا كلنا خيراً حتي أن صادفتنا عقبات أو تجارب أو ضيقات ، تكون كلها للخير أيضاً لسنا محتاجين في حياتنا الروحية إلي من يتنبأ لنا كيف يكون عامنا الجديد إنما نحن محتاجون أن نفحص قلوبنا لنعرف قلوبنا هي مرآة المستقبل هي التي ترسم صورة مستقبلنا القلب القوي النقي هو نبوءة عن مستقبل قوي نقي و القلب الضعيف هو نبوءة عن مستقبل ضعيف فلنصل إلي الله أن يعطينا قلوباً طاهرة وقلوباً صامدة ولنطلب إليه من أجل بلدنا وشعبنا ، ليكون هذا العام عاماً سعيداً ، مهما حاول عدو الخير أن يعرقل عمل النعمة فيه ليكن عاماً كله فرح وكل عام وجميعكم بخير
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كيف نبدأعاماً جديدا
المزيد
18 ديسمبر 2019
الوقت
يا أخوتي ، في بداية عام جديد ،أود أن نتذكر حقيقة هامة وهي الحياة هي وقت والذي يضيع وقته ، يضيع حياته كما أن الذي يستفيد من الوقت،إنما يستفيد من حياته حياتك هي أيام وساعات ودقائق . وكما قال الشاعر :
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني
وأنا اليوم أود أن أقول لكم : كل عام وأنتم بخير وها قد مضي عام ، ونحن نستقبل عاماً جديداً ولست أدري ، هل أبارك لكم في العام الجديد ، أم أعزيكم بمناسبة العام الذي مضي ؟! فالعام المنقضي ، هو عام من حياة كل إنسان قد أنقضي ، هو جزء من حياته قد مضي هو خطوة قد خطاها نحو الأبدية ، وأقترب بها نحو العالم الآخر هو سجل من صفحات حياته سوف يعطي حساباً عنه أمام الله وملائكته وكل عام يمضي من حياتنا ، لا نستطيع أن نسترجعه مرة أخري أصبح أمراً واقعاً ، مستحيلاً علينا ، لا نستطيع تغييره ربما كانت لنا في العام الماضي أخطاء قد نندم عليها ، أو نتبرم بها ، أو نتركها ، أو نتوب عنها وتغفر لنا ولكن مع ذلك لا نستطيع أن نلغي حدوثها لقد حدثت وانتهي الأمر ، ولا نستطيع أن نغير هذا أو ننكره لقد أصبح تاريخاً ، ولم يعد في إمكاننا أن نتصرف فيه لقد أنكر بطرس سيده وتاب ، وغفرت له هذه الخطية . ولكنها أصبحت تاريخاً غفرانها لم يمنع أنها حدثت ، بل يثبت حدوثها وقد عاش أوغسطنيوس حياة فاسدة ثم تاب وتغيرت حياته إلي العكس وأصبح كنزاً من روحيات ولكن هذه التوبة وهذه القداسة لم تمنع ما قد تسجل في صفحات تاريخه لذلك علينا أن ندقق في كل دقيقة وكل تصرف فكل دقيقة هي جزء من حياتنا وكل تصرف هو جزء من تاريخنا وكل دقيقة تمضي ، لا نستطيع ان نسترجعها وكل تاريخ لنا ، لا نستطيع أن نلغيه أو ننكر وقوعه ولقد أعطانا الله العمر ، لكي نستغله للخير ، ونحب الله فيه وأعطانا هذا العام الجديد ، ليكون عاماً للحب والخير وإذا ضاع هذا العام بغير ثمر ، يكون هدف الله من إعطائه لنا لم يتحقق تري كيف سنسلك في هذا العام ؟هو صفحة بيضاء ، لم نكتب فيها شيئاً بعد تري ما الذي سنكتبه في هذه الصفحة من صفحات تاريخنا ؟ ماذا سنسجله علي أنفسنا ؟ ماذا سنحاسب عليه ، عندما يقول الله لكل منا " أنا عارف أعمالك " ( رؤ 2: 2) ؟ هل سنرضيه في السنة المقبلة ، ونفعل مشيئته ، نكون أفضل حالاً مما سبق ؟ هل سنعتبر العام الجديد ، وزنه نتاجر بها ونربح ؟ هل ستكون كل دقيقة من دقائقه دسمة ومثمرة ، ومملوءة بالخير والبركة ، لنا وللآخرين ؟ أترانا حريصين علي كل دقيقة تمر من عمرنا ؟ وهل كل ساعة من حياتنا ثمينة في نظرنا ، عزيزة علينا ؟
هل نعتبر أنفسنا مجرد وكلاء علي هذه الحياة ؟
هذه الحياة ، حياتنا ، ليست ملكاً لنا ، إنما هي ملك لله ، وهبها لنا ونحن مجرد وكلاء عليها إنها مجرد وديعة منه في أيدينا ، ينبغي أن نكون أمناء عليها وسنقدم حساباً عنها - جملة وتفصيلاً - حينما يقول لكل منا " أعطني حساب وكالتك " ( لو 16: 2) فلنراجع أنفسنا إذن ، ولننظر إلي حياتنا كيف هي ؟ كل وقت مملوء بالخير ، هو الذي سيحسب من عمرنا هو الوقت الحي في حياتنا أما الأوقات التي لا تستغل في الخير ، فهي ميتة لا تحسب من الحياة ، بل قد تميت غيرها معها فعلي ذلك أسألكم كم هي الأوقات التي ضاعت من عمركم ولم تحسب لكم وكم هي الأوقات المحسوبة من عمركم ، الحية المثمرة ؟كم هي سنو حياتكم الحقيقة علي الأرض ؟أنظروا إلي حياتكم ، وليسأل كل منكم نفسه كم ساعة من العمر كانت لي مع الله ؟ وكم ساعة كانت للشيطان وللمادة وللجسد ؟ كم ساعة كانت مثمرة ، خيرة نيرة ؟ ليتنا نواجه أنفسنا في صراحة وصدق ونسألها : كم هو الوقت الذي كان لنا في عمرنا ، وكم هو الوقت الذي كان علينا وضدنا ؟ أني أعجب ممن يبحث عن طريقه لقتل الوقت ! الذي يقتل الوقت ، إنما يقتل حياته ، لأن حياته هي بهذا الوقت مثل هذا الإنسان الذي يبحث عن أية طريقة يقضي بها وقته ، لكي يمر الوقت عليه بلا ملل مثل هذا الإنسان ، لا يشعر بأن هناك قيمة لحياته ! إنه يعيش بلا هدف ، وبلا رسالة حياته رخيصة في عينيه ، لذلك يبحث عن وسيلة يقتل بها وقته ! وعكس ذلك الذين يقدرون حياتهم ، فيكون وقتهم مثمراً هناك قديسون عاشوا فترة قصيرة جداً علي الأرض ولكنها فترة عجيبة الثمر ، إقتدرت كثيراً في فعلها كل دقيقة من حياتهم ، كانت لها قيمة وكان الله يعمل فيها خذوا مثالاً لذلك القديس يوحنا المعمدان لقد بدأ رسالته وهو في سن الثلاثين ، قبل بدء خدمة السيد المسيح بسته أشهر ، وانتهت خدمته باستشهاده بعد ذلك بقليل كم كانت فترة خدمته إذن ؟ حوالي سنة علي الأكثر وفي هذه الفترة القصيرة ، استطاع أن يعد الطريق للرب ، ويهيئ له شعباً مستعداً ، ويكرز بمعمودية التوبة ، ويعمد آلافاً من الناس ، ويشهد للحق ويموت شهيداً ويستحق أن يدعي " أعظم من ولدته النساء "( مت 11: 11) ، كما دعي ملاكاً إن الشهور التي قضاها يوحنا في الخدمة ، كانت أثمن وأعكق بكثير من عشرات السنوات في حياة خدام آخرين كان وقته غالباً جداً ومثمراً ، ونافعاً لجيله كله متوشالح الذي عاش 969 سنة ، أطول عمر لإنسان علي الأرض ، لم نسمع عنه أنه عمل أعمالاً عظيمة خلال مئات السنوات ، كبعض أعمال يوحنا المعمدان في شهور ! وكما تحدثت عن الحياة المثمرة القصيرة التي للمعمدان ، يمكن أن أتحدث عن قديسين آخرين كبوليس الرسول الذي لو أتيح له أن يزور عالمنا ، ولو ليوم واحد ، لاستطاع في هذا اليوم الواحد أن يعمل عملاً لا نستطيع نحن مثله في مئات السنين هذا القديس الذي تعب أكثر من جميع الرسل ( 1كو 15: 10) ، وأسس كنائس عديدة في أقطار كثيرة ، ونشر الإيمان وكان يكتب الرسائل حتي وهو في السجن كم كان وقت هذا القديس ثميناً ، له وللكنيسة كلها ، عبر الأجيال الطويلة خذوا مثالاً أخر لساعة واحدة من حياة بطرس الرسول ، ألقي فيها عظة فآمن علي يدية ثلاث آلاف من اليهود ، واعتمدوا ( أع 2) كم كانت تلك الساعة ثمنية ، ليست مثل باقي ساعات الناس ، وفاعليتها أكثر من فاعليه سنوات في حياة الآخرين
وهناك قديسون قضوا أوقاتهم بجدية فنموا نمواً مبكراً :-
كالقديس تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس ، الذي صار مرشداً لكثيرين وهو لا يزال شاباً وفي سنه الصغير أسس عدداً كبيراً من الديرة وأشرف عليها ، وصار الساعد الأيمن للقديس باخوميوس ، وأعتبره الكل كطاقة روحية جبارة ، وهو بعد شاب ويشبهه في نمو المبكر القديس يوحنا القصير ، الذي قيل عنه إن الإسقيط كله كان متعلقاً بأصابعه ، وكان شاباً ، ومرشداً لكثيرين نعم كثيرون كهؤلاء عاشوا حياة قصيرة ولكنها غالية عاشوا حياة مثالية ، قدموا فيها صورة حية لأولاد الله ، وأدوا فيها رسالات عظيمة ، وقدموا للعالم قدوة ومثالاً ونفعاً . وقيست حياتهم بمفعولها وليس بطولها .وكان مفعولها عجيباً ومثل تادرس ويوحنا القصير ، نذكر الأنبا ميصائيل السائح هذا الذي كانت كل دقيقة من حياته الرهبانية لها عمقها الروحي وفاعليتها ، حتي انه صار سائحاً وهو في حوالي الثامنة عشرة من عمره وهكذا نما بسرعة كبيرة ، لأن وقته كان ثميناً ، لم يضيعه ، بل استغله في حياة النمو ، بجدية لا تعرف التهاون مطلقاً ولعلكم وسط هذه الأمثلة تسألون ما هو أعجب وقت عرفه التاريخ في تأثيره وفاعليته ، فأجيبكم إنها الثلاث ساعات التي قضاها المسيح علي الصليب ، من السادسة إلي التاسعة :
ثلاث ساعات علي الصليب ، كانت كافية لخلاص العالم !
لا يوجد بالنسبة إلينا ، وقت أثمن من هذه الساعات الثلاث ، التي فيها سفك السيد المسيح دمه وقدم حياته كفارة عن خلاص العالم كله إن آلاف السنين لا يمكن أن تتوازن مع هذه الساعات الثلاث ، التي كانت بكرة لكل الأجيال من آدم إلي آخر الدهور ، والتي محيت فيها خطايا العالم كله ، التي حملها المسيح عمن آمنوا به حقاً هذه الساعات الثلاث لا توازيها أجيال البشرية كلها وجزء من هذ ه الساعات ، كان لخلاص اللص اليمين إن كل العمر الذي عاشه ديماس اللص ، لا يمكن أ، يقارن بهذه الساعات التي قضاها مع المسيح علي الصليب وكل أنواع اللذة والسعادة التي تمتع بها في حياته ، لا يمكن أن تقاس باللحظة التي سمع فيها من فم الرب عبارة " اليوم تكون معي في الفردوس "إنها أسعد لحظة في حياته عمره كله لا يساويها حقاً أن مقاييس الوقت ، تختلف في طولها وعمقها إن ساعات قليلة من حياة إنسان ، قد تكون أطول وأعمق في مفعولها ، من عمر كامل لإنسان آخر ، سواء من جهة الخير أو الشر ، النفع أو الضرر ساعة من حياة بطرس الرسول ، كانت سبباً لخلاص ثلاثة آلاف وساعة عكسية في حياة داود النبي ، أخطأ فيها ، وظل يبكي بسببها حياته كلها ، ويبلل فراشه بدموعه ، وصارت دموعه شراباً له نهاراً وليلاً وأنت هل وقتك صديق لك أم عدو ؟ هل هو لك أم عليك ؟ هل تكسب فيه الحياة أم تخسرها ؟ هل تنمو فيه روحياً ، أم ترجع فيه إلي الوراء ؟ أسأل نفسك هل مر عليك يوم قلت عنه ندم ليت هذا اليوم لم يكن من حياتي فمشاكلي طول العمر هي من نتاج هذا اليوم ، الذي فيه ضيعت عمري!ومن الناحية الأخري هل مر عليك وقت آخر كان له تأثيره الجميل في حياتك وحياة الناس ! هناك أناس كانت حياتهم بركة لأجيالهم لدرجة تجعل بعض الناس يقولون " لقد عشنا في زمن فلان ، عشنا في جيله وعاصرناه "فهل أنت هكذا ، يفرح الناس لأنهم عاشوا في أيامك وعاصروك وتأثروا بك ؟ هل لك تأثير وفاعلية وبركة ؟ هل وقتك ترك خاتمة علي غيرك ؟ كثيراً ما يرتبط الجيل بالشخص ، وتسمي بإسمه ، كما قلنا ليس في النطاق الروحي فقط ، بل والمدني أيضاً فكثيرون يذكرون مثلاً عصر شكسبير ، الشاعر المعروف ، دون أن يعرفوا القادة الذين عاشوا في عصره ، إلا الذين أرتبط بهم تاريخه ، فأعطاهم تاريخه شهرة أو قد يتحدث البعض عن عصر مايكل أنجلو الرسام الإيطالي المعروف ، دون أن يعرفوا البابوات الذين عاشوا في زمنه ، أو الأباطرة الذين عاصروه لقد كان هو أشهر من في الجيل كله ، فعرف الجيل كله به ، لأن وقت ميشيل أنجلو ترك آثاراً عميقة إستمرت حتي جيلنا هذا نقول هذا هؤلاء المشهورين ، ونقول من الناحية الأخري هناك أشخاص آخرون ، عاشوا وكأنهم لم يولودا ! قضوا فترة علي الأرض ، وكأنهم غير موجودين ، كأنهم لم يخلقوا لم يستفد العالم شيئاً من وجودهم ، ولم يحدثوا تأثيراً حتي في الدائرة الضيقة التي عاشوا فيها كان وقتهم بلا ثمر ، لم يستغلوه لمنفعتهم ولا لمنفعة أحد لذلك صارت حياتهم فراغاً .فحاذروا أن تكونوا من هذا النوع ، بل استفيدوا من وقتكم ، لبنيانكم وبنيان الآخرين ولا أقصد أن يكون تأثيركم في المجتمع الذي تعيشون فيه ، هو من أجل لفت الأنظار ، إنما من أجل أيمانكم بأن تكون لكم رسالة ، في بناء ملكوت الله علي الأرض إن كانت أيامكم السابقة بهذا الثمر ، فطوبكم وإن لم تكن فاهتموا من بداية هذا العام الجديد ان تكون حياتكم مثمرة ، وأن يكون وقتكم غالباً ، وله فاعليته احرصوا أن يكون هذا العام مثالي.
عام مثالى:-
لو كانت أعوام حياتكم تتنافس فيما بينهما ، فأي عام من هذه الأعوام يكون أفضلها ؟لا تتبعوا أنفسكم في فحص الماضي ، إنما ليت هذا العام الجديد يكون هو الأفضل وهو العام المثالي ليت هذه السنة الجديدة تكون أحسن سنوات العمر وليتنا نقول هذه العبارة في كل عام جديد يطل علينا وكما يدرب البعض أنفسهم علي يوم مثالي يقضونه في أجمل وضع روحي ، هكذا فليكن لنا تدريب العام المثالي ، كل يوم من أيام هذا العام المثالي ، لنجعل كل يوم من أيام هذه العام يوماً مثالياً ، وكل ساعة فلتكن ساعة مثالية فليعطينا الرب هذه النعمة ، له المجد الدائم إلي الأبد آمين
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كيف نبدأعاماً جديدا
المزيد