المقالات

17 أكتوبر 2018

أَحَبَّهُمْ حَتىّ الْمُنْتَهَى (يو13: 1)

عندما يقول خاصته الذين في العالم لأنه له خاصة في السماء وليس في العالم فقط مثل الملائكة وأرواح الأبرار.أحب خاصته الذين في العالم تنطبق على العهدين القديم والجديد.حقًا الله له «الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا» (مز24: 1)، الكل خليقته وصنعة يديه لكن مع ذلك له خاصة معينة. الخاصة هذه الناس الذين عاشوا من أجله في العهد القديم مثل إبراهيم أب الآباء، يعقوب الذي قيل عنه الكتاب أحب الله يعقوب، موسى النبي، والأسباط الاثني عشر.كثير من الأنبياء كانوا خاصة ربنا.أحب خاصته الذين في العالم، بمعنى أن الله عندما أحرق سادوم قال: هل أحرق سادوم وأخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله (تك18: 17)، وأخذ يشاور عبده إبراهيم. هذه هي علاقة ربنا بخاصته.وأيضًا عندما بنو إسرائيل عبدوا العجل الذهبي وأراد الله أن يفنيهم، كلم موسى أولًا وقال له «أتركني ليحمي غضبي عليهم فأفنيهم» (خر32: 10). هل يستطيع عبدك موسى يا رب أن يدخل في إرادتك؟ ولكن الرب لم يرد أن يفنيهم إلا إذا كان موسى موافقًا، وموسى لم يكن موافقًا، «فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه» (خر32: 14). ما أعجب محبتك لخاصتك يارب!!أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى، وصلت إلى أنه بذل ذاته عنهم. ولكن أيضًا هناك محبة وهم في العالم، مثلما قال الكتاب «يا أولادي لا نحب بالكلام ولا بللسان بل بالعمل والحق» (1يو3: 18)، فهو أحبهم حتى المنتهى بالعمل والحق.خاصته في العهد القديم معروفة مثل الشخصيات الكبيرة، وفي العهد الجديد كانت خاصته الاثنا عشر رسول، ولكن لم يكونوا وحدهم بل بعد ذلك كان السبعين رسولًا، بعد ذلك شخصيات معينة، بلا شك من ضمن خاصته لعازر الذي أحبه وبكى في مكان موته.ولا شك أنه من ضمن خاصته السيدة العذراء مريم والدته.ومن ضمن خاصته بعض شخصيات من النساء اللاتي كن يتبعنه وينفقن عليه من أموالهن (لو8).بل صار من خاصته أيضًا اللص اليمين على الصليب وقال له «اليوم تكون معي في الفردوس» (لو23: 43).أيضًا الأبكار في العهد القديم كانوا من خاصة ربنا. فقال: «قدِّس لي كل بكر، كل فاتح رحم، إنه لي» (خر13: 2). وبعد ذلك استبدل الأبكار باللاويين والكهنة. هؤلاء هم خاصته.ومسحاء الرب أيضًا من خاصته.حتى الاثني عشر الذين أحبهم كان هناك ثلاثة منهم له موضع خاص بالذات، وهم يوحنا ويعقوب وبطرس، وله جلسات خاصة معهم، وفي معجزة التجلي أخذ الثلاثة بالذات، هؤلاء من ضمن خاصته الذي أحبهم حتى المنتهى.فيما بعد شاول الطرسوسي أصبح من خاصته، وظهر له الرب ودعاه وجعله رسولًا للأمم. ثم ظهر له مرة أخرى وقال له أذهب بعيدًا للأمم، ومرة ثالثة قال له أذهب إلى أورشليم، وكان هناك رؤى كثيرة بينه وبين الله.أحب خاصته الذين في العالم حتى المنتهى.أحب خاصته هؤلاء الذين تركوا كل شيء وتبعوه. تركوا الأب والأم والأخوات والبيت وذهبوا وراءه. في العهد القديم إبراهيم ذهب وراءه وهو لا يعلم إلى أين يذهب. وفي العهد الجديد الرسل تركوا الشباك والصيد، ومتّى ترك مكان الجباية، تركوا كل شيء وتبعوه. آمنوا به وصحبوه وقالوا له في إحدى المرات: «إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية هو عندك» (يو8: 68).خاصته هؤلاء سمعوا لتعاليمه وحملوا رسالته... هنا قصة خرافية يُقال إن ربنا عندما صعد إلى السماء قابلته الملائكة فقالوا له: يا رب هل نشرت الإيمان في العالم كله؟ فقال: لا. فقالوا له: هل نشرت الإيمان في اليهودية في أورشليم كلها؟ قال: لا. قالوا: ماذا فعلت؟ قال لهم أعددت 12 وهم الذين سوف ينشرون الإيمان في العالم كله. لأن هؤلاء الذين امتلأوا من كل نعمة وكل بركة وكل قوة من السيد الرب وعهد إليهم بكنيسته، لكى يبنوا ملكوت الله على الأرض. هؤلاء خاصته هم الذين كرزوا باسمه، وتألموا من أجله، ولما حوكموا قالوا: «ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس» (أع5: 29). هؤلاء كانوا أناسًا لهم روحانية خاصة وكانوا أقوياء في الروح.إلى جوارهم اختار السبعين رسولًا.وليت كل واحد منا يسأل نفسه هل أنا من خاصة ربنا؟ هل تنطبق عليّ الشروط التي كانت على التلاميذ ولو في حدود إمكانياتي، أم هل أنا من خاصة العالم، أم متمركز على نفسي بعيدًا عن الله؟أحب خاصته الذين في العالم، ولذلك في مناجاته للآب في (يو17) كرّر عبارة «هؤلاء الذين أعطيتني» اعتبرهم أنهم عطية خاصة.يا ليتنا ينطبق علينا عبارة خاصته.أحبهم حتى المنتهى وهو ذاته هو المحبة، فالله محبة.إن كان السيد المسيح قد أحب أعداءه وصلى من أجلهم وقت الصليب وقال «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون» (لو23: 34). فكم بالأكثر يحب خاصته تلك المحبة!أحبهم فأول شيء أختارهم وقال «لهم لستم أنت اخترتموني بل أنا اخترتكم» (يو15: 16).أيضًا نسأل أنفسنا هل نحن يا رب من مختاريك؟ هل اخترتنا كما اخترتهم؟ وهل تريد أن تعمل بنا عملًا كما عملت بهم عملًا؟اختارهم على الرغم من ماضيهم، وجعلهم صيادي الناس، وسماهم أصدقاءه، وسماهم وكلاء له، ودرّبهم في بعثة للخدمة أولًا، كما ورد في (مت10). أرسلهم وأعطاهم سلطانًا على جميع الشياطين وأعطاهم بعض النصائح وقال لهم «لا تحملوا ذهبًا ولا فضة ولا نحاسًا في مناطقكم» (مت10: 11)، و«مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا» (مت10: 8).والسبعون الذين أرسلهم درّبهم على الخدمة أيضًا، فعندما فرحوا وقالوا «حتى الشياطين تخضع لنا باسمك» (لو10: 17)، فقال لهم «لا تفرحوا بهذا إن الأرواح تخضع لكم، بل أفرحوا بالحرى أن أسماءكم كتبت في ملكوت السماوات» (لو10: 20).درّبهم على الخدمة في معجزة الخمس خبزات والسمكتين. علمهم أن يعطوا الناس «فأعطوهم أنتم ليأكلوا» (مت14: 16). وعلمهم النظام فقال «أتكئوهم صفوفًا صفوفًا، مئة مئة وخمسين خمسين» (مر6: 40). وعلمهم محبة الآخرين ودرّبهم أيضًا حتى على محبة الأطفال وقال لهم «من أعثر أحد هؤلاء الصغار خير له أن يُعلَّق في عنقه حجر الرحى ويُلقى في البحر» (مت18: 6)، وقال لهم «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال فلم تدخلوا الملكوت» (مت18: 3).علمهم أشياء كثيرة، علمهم العطاء، وعلمهم التواضع والوداعة، علمهم أن لا يستخدموا القوة، فقال لبطرس «رد سيفك إلى غمده، من أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ» (مت26: 52).علمهم أشياء كثيرة وكسر الحواجز التي بينهم وبينه. وعاش معهم في بساطة يأكل معهم ويشرب معهم، وقال عنه يوحنا الحبيب «الذي شاهدناه ولمسته أيدينا» (1يو1:1).عاش معهم كصديق أعطاهم فرصة أن يسمعوا جميع تعاليمهن وأعطاهم فرصة أن يروا كل معجزاته وهو يجول يصنع خيرًا، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.أعطاهم نفسه كمثال وبخاصة حينما غسل أرجلهم وقال لهم «تركت لكم مثالًا حتى كما صنعت أنا بكم فاصنعوا بعضكم مع بعض».وقال للآب عنهم «هؤلاء الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد» (يو17: 12). وقال «لا يستطيع أحد أن يخطف من يدي ولا من يد أبي أحد» (يو10: 29).وهؤلاء الذين أحبهم أعطاهم سلطانًا على جميع الشياطين، وأعطاهم مواهب، ومنحهم الروح القدس ليسكن فيهم إلى الأبد، ولكي يعلمهم كل الحق أحبهم حتى المنتهى.ومنحهم الكهنوت ومنحهم أن يقيموا سر الإفخارستيا.ومنحهم مواهب الروح القدس. بل من أعظم الكلمات التي قيلت عن أحبهم حتى المنتهى أنه قال للآب «المجد الذي أعطيتني قد أعطيتهم» (يو17: 22) طبعًا في حدود. وقال «أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي، حيث أكون أنا يكونون هم» (يو17: 24). وقال «أنا ماضٍ وأعد لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي وأخذكم إليّ حتى حيثما أكون أنا تكونون أنتم أيضًا» (يو14: 2).ليس فقط على الأرض ولكن في السماء أيضًا. قال لهم يكون لكم 12 كرسيًا تجلسون عليه وتدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر.كان معهم يحبهم حتى المنتهى، عزاهم في تعبهم وأزال عنهم شكوكهم حينما أتتهم شكوك. وحكى لهم جميع الرموز التي وردت عنه في موسى والأنبياء كما ورد في إنجيل لوقا 24. وقضى معهم بعد القيامة أربعين يومًا يحدثهم عن أسرار ملكوت الله، ووعدهم بوعود كثيرة من فرط محبته لهم.وكان يدافع عنهم، هذه هي المحبة العظيمة التي أحب بها خاصته، وكل واحد يكون من خاصة الرب سيتمتع بهذه المحبة حسب مقدار النعمة التي تُعطى له، وأيضًا النعمة التي أعطيت لهم كانت نوع من أنواع المحبة حتى أن بولس الرسول قال «لا أنا بل نعمة الله التي معي» (1كو15: 10). مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
10 أكتوبر 2018

محاسَبة النفس

أهميتهَا: في الحقيقة إن كل ما يصدر عنّا من أعمال أو أقوال أو أفكار، يقابله ثلاث محاسبات: حساب من الله، وحساب من الناس، إن كان العمل ظاهرًا للناس. وحساب من أنفسنا لأنفسنا (من الضمير). وإن كان البعض يحاولون أن يهربوا من محاسبتهم لأنفسهم، إلا أنه من الخير لنا أن نحاسب أنفسنا وندين أنفسنا. ولا نسمح خلال ذلك بأيّة اعتذارات أو تبريرات تقلل من المسئولية أو تلغيها..! قال القديس الأنبا أنطونيوس: "إن تذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله". بمعنى أن الطريقة التي تشعر بها أن الله ترك خطاياك، وما عاد يذكرها، هي أن تجعل خطاياك ثابتة في ذاكرتك.. وقال القديس الأنبا أنطونيوس أيضًا: "إن دِنّا أنفسنا، رضي الديان عنا". وقال القديس أبا مقار الكبير: "اُحكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك". إن جهاز الإدانة الذي سمح الله بوجوده فينا: وظيفته هي أن ندين به أنفسنا، لا أن ندين به الآخرين. كما أنه سمح أن توجد بين غرائزنا غريزة الغضب، لنغضب بها على أخطائنا، وعلى الخطية عمومًا، لا أن نغضب بها على الآخرين. لاحظ نفسك: قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف: «لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك. لأنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا» (1تي4: 16). تصوروا أنه يقول هذا – ليس لشخص عادي – بل لأسقف! فإن كان لابد للأسقف أن يلاحظ نفسه، فكم بالأولى باقي الناس.. ثم هو يقول له نفسك (قبل التعليم). لأنه إن لم يلاحظ نفسه، فتعليمه لن ينفع بشيء!.. أما نحن فمن عادتنا أن نلاحظ الآخرين كيف يتصرفون! ولكن الرسول يقول "لاحظ نفسك..". وملاحظة النفس معناها أن تضعها تحت مراقبة دائمة. + تلاحظ ما الذي يحدث داخل نفسك من أفكار ورغبات ونيات. وما يصدر عنك من تصرفات. وليس فقط تلاحظ نفسك في فترة محددة، وإنما "داوم على ذلك".. ولاحظ نفسك لأنها تقبل منك المراقبة والمحاسبة، بل تقبل أيضًا التبكيت والتوبيخ. وقد لا تقبل هذا من الغير.. + لاحظ نفسك من جهة الخطايا التي ترتكبها، ومن جهة الفضائل التي تنقصك، والواجبات التي عليك أن تعملها ولم تعمل. وبخاصة من جهة الفضائل الكبار كالتواضع والوداعة والإيمان، وثمار الروح التي وردت في (غل5: 22، 23). إذًا تلاحظ نفسك من جهة الإيجابيات، وليس من جهة السلبيات فقط. + لاحظ نفسك أيضًا من جهة الوقت كيف تقضيه. + لاحظ نفسك كذلك من جهة النمو في حياتك الروحية. فهل روحياتك تنمو، أم وقفت عند حدٍّ وتجمّدت؟! بينما الرب يقول «كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل» (مت5: 48). إننا نقول في الصلاة الربية كل يوم "أغفر لنا خطايانا". وربما نحن نقولها وليسب في ذهننا ما هي تلك الخطايا!! ولكننا بمحاسبة النفس ندركها. ونسردها في ذهننا أمام الله، وقد نصحبها بمطانيات. + حاسب نفسك على كل أنواع الخطايا: على خطايا الحواس، وخطايا الفكر، وخطايا العمل، وخطايا القلب كلها.. على خطاياك تجاه الآخرين، وتجاه الله، وتجاه نفسك.. + حاسب نفسك بالأكثر على الخطايا الثابتة فيك، التي تحولت إلى طباع أو عادات. التي ترتكبها باستمرار، وتشكّل جزءًا دائمًا في اعترافاتك المتكررة.. + حاسب نفسك من جهة قراءاتك، ومن جهة فهمك.. + حاسب نفسك أيضًا من جهة الخدمة وعمل المحبة نحو الآخرين: من جهة تنفيذك للآية التي تقول «كنت جوعانًا فأطعمتموني. كنت عطشانًا فسقيتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فزرتموني..» (مت25: 35، 36). والآية التي تقول: «الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامي والأرامل في ضيقهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم» (يع1: 27). وأمثال هذه الآيات.. + حاسب نفسك بكل جدية وحزم، ولا تدلل نفسك. ولا تقل الظروف كانت ضاغطة! أو كنت مضطرًا ولم يكن أمامي حلَ، أو فعلت ذلك سهوًا.. وما أشبه.. إنك إن فعلت هذا، لن تتوب! نتائج محاسَبة النفس: محاسبة النفس ومعرفة خطاياها ونقائصها، تسبّب الانسحاق. وفي انسحاق النفس يوجد التواضع والدموع والتوبة. هناك أشخاص لا يتوبون، لأنهم لا يشعرون بسوء حالتهم. وكل ذلك لأنهم لا يحاسبون أنفسهم. أما الابن الضال فلما حاسب نفسه، ووجد أنه في حالة أقل من أُجَراء أبيه، قادته هذه المحاسبة إلى التوبة، وإلى الانسحاق، فقال: «أقوم وأذهب إلى أبي. وأقول له اخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا. أجعلني كأحد أجرائك» (لو15: 18، 19). + داود النبي – في محاسبته لنفسه – كان يقول «خطيئتي أمامي في كل حين» (مز51: 3). قال ذلك بعد أن سمع بمغفرتها على فم ناثان النبي (2صم12: 13). ولكنه كان يقول «في كل ليلة أعوّم سريري، وبدموعي أبلّ فراشي» (مز6)، «مزجت شرابي بالدموع»، ويقول للرب «دموعي في زق عندك» (مز119) «أنصت إلي دموعي»... + أنظروا كم أوصلته محاسبة النفس إلى الذل والتواضع والتوبة والدموع.. ولكن البعض قد يتوبون، ثم يرجعون إلي الخطية مرة أخري. ذلك لأنهم لم يتذللوا بسبب خطاياهم. وأسرعوا إلى حياة الفرح، فنسوا خطاياهم وما عادوا يذكرونها.. + محاسبة النفس تقود إلى تبكيت النفس وإلى معاقبتها أحيانًا. إن لم ينل الإنسان عقوبة أرضية من الله بسبب خطاياه، ولا عقوبة من أب اعترافه، فإنه كثيرًا ما يعاقب نفسه: ليس فقط بتبكيت الضمير، والدموع كما فعل داود النبي.. بل أحيانًا بالأصوام والتذلل، وأحيانًا بالمطانيات، أو بمنع ذاته عن كثير مما يشتهيه. أما إن كانت محاسبة النفس، تنتهي إلى مجرد الاعتراف بها ونسيانها، وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن النفس لم تتدنس مطلقًا بالخطية، دون إذلال داخلي.. فما أسهل أن يرجع الإنسان إلى الخطية مرة أخرى، لأن ثمارها المرة لم ترسخ في أعماقه. مثل هذا الإنسان، قد يأكل من الفصح، وليس "على أعشاب مُرّة" كما أمر الرب (خر12: 8). + بمحاسبة النفس يصل الشخص إلى حياة التدقيق، وإلى الحرص، وإلى مخافة الله.. يصل إلى التدقيق، إذ كان يحاسب نفسه بتدقيق وليس بتساهل، وإذا كان يكتشف كم هي الخطية مرة، وكم تحوي بعض الخطايا المركبة العديد من الخطايا.. وبمحاسبة ذاته يصل إلى مخافة الله، إذ كان يدرك أن الخطية موجهة إلى الله، ومرتكبة بغير حياء أمامه، كما قال داود النبي للرب «إليك وحدك اخطأت، والشرّ قدامك صنعت» (مز51: 4). وكما امتنع يوسف الصديق عن الخطية قائلًا «كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله» (تك39: 9). وبوصول الإنسان إلى حياة التدقيق، يبعد عن الخطوة الأولى التي تقود إلى الخطية، ولا يدع مجالًا للثعالب الصغيرة المفسدة للكروم (نش2: 15). ولا يستهين بكلمة (رقا)، ولا بكلمة (يا أحمق)، لأن الرب قد أورد عقوبة كل منهما (مت5: 22)، ولا بمجرد النظرة الخاطئة (مت5: 28). + وبمحاسبة النفس وتذكر خطاياها، يكون الإنسان مستعدًا أن يتقبل النقد من الآخرين وإدانتهم له. حدث ذلك لداود النبي لما سبَه شمعي بن جيرا بكلمات لاذعة وشامتة وكان يرشق بالحجارة. وأراد أحد رجال داود أن ينتقم لتلك الإهانات ويتقدم لقتل شمعي بن جيرا. فمنعه داود بقوله له «دعوه يسب، لأن الرب قال له: سُبَ داود» (1صم16: 5-10) متذكرًا بذلك خطاياه وما تستحقه من عقوبة.. هذه الخطايا التي جعلها أمامه في كل حين. أما الشخص الواثق بنفسه المعتد بذاته، الذي لم يحاسب نفسه على خطاياه، فإنه لا يحتمل مطلقًا كلمة نقد، ويعتبرها جارحة لكرامته تشوَه صورة نفسه الجميلة في عينيه!! + محاسبة النفس تساعد أيضًا على إصلاح الذات وتقويمها. وكما أن معرفة المرض أو تشخيصه إنما تساعد على العلاج، فكذلك محاسبة النفس ومعرفة خطاياها ونقائصها، إنما تساعد على وضع التداريب الروحية اللازمة لمعالجة النفس، مع عرض كل ذلك على الله لأخذ معونة منه على التخلص من تلك الخطايا والنقائص. وبدون محاسبة النفس، يبقى الخاطئ حيث هو في عيوبه الروحية، لا يعرفها ولا يعالجها.. لذلك فالشيطان هو الذي يُبعد الإنسان عن محاسبة نفسه، حتى لا يتنبه للعيوب التي فيه فيعمل على تلافيها. + بمحاسبة الإنسان لنفسه ومعرفة خطاياه، تجعله يشفق على المخطئين ولا يدين غيره إن سقط.. بل يقول لنفسه: أنا أيضًا قد سقطت، وما أسهل أن أسقط مرة أخرى. فكيف أنسى خطاياي، وأركز على خطايا غيري؟! فهكذا فعل القديس موسي الأسود، حينما دُعِيَ إلى حضور مجمع لإدانة أحد الإخوة، فذهب إلي هناك وهو يحمل زمبيلًا مملوءًا بالرمل ومثقوبًا تنزل حبات الرمل منه. وكان يقول "هذه خطاياي وراء ظهري تجري، وقد جئت لأدين أخي"!! وفي هذا المجال قال القديس بولس الرسول «أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد» (عب13: 3). مناسَبات محاسَبة النفس: + حاسب نفسك كل يوم، لأنك كل يوم تخطئ. وكل يوم تقول للرب في صلاتك "اِغفر لنا خطايانا". ويقول القديس يوحنا الرسول «إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نصل أنفسنا وليس الحق فينا» (1يو1: 8). إذًا حاسب نفسك كل يوم، "وداوم على ذلك" (1تى4: 16). + حاسب نفسك بعد كل عمل مخطئ تعمله. فلتستيقظ روحك بسرعة، ولتقل كما في المزمور «أنا أستيقظ مبكرًا» (مز3). بل قبل العمل أيضًا حتى لا نخطئ. + وحاسب قبل الذهاب إلى أب اعترافك. حتى تتذكر كل خطاياك، ولا تنسَ منها شيئًا في اعترافاتك. + وحاسب نفسك كلما تفكر أن توبخ غيرك. وذَكِّر نفسك بالمثل القائل "من كان بيته من زجاج، لا يقذف الناس بالحجارة". + وحاسب نفسك على خطاياك، كلما تُحارب البر الذاتي. كلما تري نفسك جميلًا في عينيك، أو تبدو حكيمًا في عيني نفسك، أو تتذكر عملًا حسنًا عملته حينئذ تذكر خطاياك، حتى تقيم بها توازنًا مع محاربات شيطان المجد الباطل. مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
03 أكتوبر 2018

السَيد المسيح يدعُو إلىَ الكمَال

السيد المسيح له المجد كان يعلّم باستمرار. في كل مكان وفي كل وقت. وكانوا يدعونه "يا معلم" أو "أيها المعلم الصالح". وهو كمثالي في كل شيء، كان يدعو إلى المثاليات. وفي مقدمة ذلك كان يدعو إلى الكمال، إذ يقول «كونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل» (مت5: 48).+ وطبعًا الكمال الذي يدعو إليه السيد المسيح هو الكمال النسبي، لأن الكمال المُطلق هو لله وحده لا غير...والكمال النسبي نُسميه كذلك، نسبة إلى ما عند الإنسان من مقدرة وإمكانيات، ونسبة لما يمنحه الله من معونة ومن قوة للسير في الطريق الروحي، وما يعطيه أيضًا من نعمة تساعده وتقويه. وكذلك نسبة إلى مدى تجاوب الإنسان مع عمل الله فيه، ومع عمل الله معه.+ وحياة الكمال الروحي تشمل علاقة الإنسان بالله – تبارك اسمه – وعلاقته بالناس، وعلاقته بنفسه أو بذاته.أما عن علاقة الإنسان بالله، فقد لخصها بقوله «تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل فكرك» (مت22: 37)، وعبارة «من كل قلبك»، تعني أنه لا يكون في قلبك أي منافس لله. فلا تحب شيئًا ولا شخصًا ضد محبتك لله، ولا أزيد من محبتك لله. وفي ذلك يقول السيد الرب «من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنًا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني».+ ومحبتنا لله تعني أن نطيعه في كل شيء. فهو يقول «من يحبني، يحفظ وصاياي». وإن حدث وكسرنا إحدى وصاياه، فعلينا بالتوبة سريعًا. فالتوبة هي شرط لازم لمغفرة الله لنا. فهو يقول «إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون».ولكي ننال مغفرة الله لنا، علنيا أن نغفر أيضًا لمن أذنب إلينا. ونحن نقول في صلواتنا اليومية باستمرار: «اغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا لمن أذنب إلينا». وعلمنا السيد المسيح قائلًا «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم».+ وفي محبتنا لله علينا أن نطلب في كل حين ملكوته. والسيد المسيح قد تحدث كثيرًا عن ملكوت الله، وملكوت السموات. وعلمنا في صلواتنا اليومية – التي نرددها مرات عديدة كل يوم – أن نقول لله باستمرار «ليأتِ ملكوتك». وهذه الطلبة تعني العديد من المعاني: منها أن يأتي ملكوتك علينا، على قلوبنا، ومشاعرنا وحواسنا. فتملك أنت يا رب كل ما فينا. وتملك إرادتنا ونكون لك، نفعل في كل حين ما يرضيك حسبما نقول هذه الطلبة دومًا في صلاة باكر. وكلمة «ليأتِ ملكوتك» تعني أن يملك الله على سائر الناس، ويقودهم إلى حياة البر والفضيلة.+ ومن كمال محبتنا لله الصلاة الحقيقية، التي ليست من الشفتين، بل من القلب. فإن الله وبّخ الشعب قديمًا قائلًا «هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا». لذلك ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت الله، بل الذي يفعل مشيئة الله.وفي كمال الصلاة، قال السيد المسيح: صلوا كل حين ولا تملّوا، صلوا بلا انقطاع. ومعنى ذلك أنه لا يقتصر الإنسان على صلوات معينة ويكتفي بذلك، بل في كل حين يمكنه أن يرفع قلبه لله ويصلي.+ ومن كمال محبتنا لله، أن نؤمن به، ونؤمن بعنايته بنا، واهتمامه بكل أمورنا. فقال السيد المسيح له المجد «لا تهتموا بما تأكلون وما تشربون... انظروا إلى طيور السماء، إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحرى أفضل منها؟ ولماذا تهتمون بما تلبسون؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده، كان يلبس كواحدة منها!! ».. «الله يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره، وكل هذه تزدادونها»..+ أما الكلام المطلوب من الإنسان فيقول السيد المسيح: «طوبى للأنقياء القلب... طوبى لصانعي السلام... ». والقلب النقي لا يوجد فيه شر أبدًا، بل لا توجد فيه سوى محبة الله، ومحبة الناس جميعهم. والقلب النقي لا تخرج من فمه كلمة خاطئة. وفي ذلك يقول السيد المسيح: «الإنسان الصالح: من كنز قلبه الصالح، يخرج الصلاح، أما الإنسان الشرير فمن كنز قلبه الشرير، يخرج الشرور». إذًا فالكلمة الشريرة، كلمة الإهانة والشتيمة، أو كلمة القسوة، أو كلمة التحقير، وما إلى ذلك... كل هذه مصدرها القلب، فهي خطية مزدوجة: خطية قلب ثم خطية لسان... والسيد المسيح يحذر من خطايا اللسان، فيقول «بكلامك تتبرر، وبكلامك تُدان». ويقول أيضًا «كل كلمة بطالة تخرج من أفواهكم، تعطون عنها حسابًا في يوم الدين». وعبارة كلمة بطّالة لا تعني فقط الكلمة الشريرة، بل تعني أيضًا كل كلمة ليست للبنيان، أي لا تنفع بشيء...+ أما قول السيد المسيح «طوبى لصانعي السلام» فتعني أن يكون بيننا وبين الآخرين سلام. وأيضًا أن نصنع سلامًا بين الآخرين بعضهم بعضًا. وأتذكر أنني كلما كنت أزور بيتًا من بيوت أبنائنا في الغرب، كانت أول كلمة لي، وأنا أخطو أول خطوة، هي: قال ربنا يسوع المسيح: «أى بيت دخلتموه، فقولوا: سلامٌ لأهل هذا البيت»...ولكي نصل إلى كمال السلام مع الناس، وضع لنا السيد المسيح قاعدتين: أولهما الاحتمال والتسامح، والثانية هي المغفرة للمسيئين. وفي ذلك قال لنا «سمعتم أنه قيل للقدماء: عين بعين، وسن بسن. أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر... بل من أراد أن يخاصمك أو يأخذ ثوبك، فأترك له الرداء أيضًا. ومن سخرك ميلًا، فامشِ معه اثنين».+ ولعل من أكمل الوصايا التي قدمها السيد المسيح من جهة التعامل مع الأعداء أو المسيئين، هي قوله «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعينكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم... لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم؟! أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك؟!». إن المسيحية تعتبر أن عدونا الحقيقي هو الشيطان أما الأعداء من البشر، فهم ضحايا للشيطان يحتاجون أن نصلي من أجلهم، ونحتملهم ونغفر لهم...+ ومن كمال الوصايا التي وضعها السيد المسيح في التعامل مع البشر، هي وصية العطاء، التي تُسمى أحيانًا بالصدقة. فقال «من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقترض منك، فلا ترده». وهكذا رفع الناس من مستوى دفع العشور، الذي كان في العهد القديم، واعتبره السيد المسيح مجرد الحد الأدنى للعطاء. وأمر بوصية الاهتمام بالجائع والعطشان والعريان، والغريب والمسجون. وقال «مهما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم» (مت25). ورفع مستوى العطاء إلى الكمال في قوله «ليس حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه عن أحبائه».+ ومن أجمل تعاليم السيد المسيح في العلاقات مع الناس، هي قوله: «مهما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم بهم». وقوله أيضًا «بالكيل الذي به تكيلون، يُكال لكم». فهذا هو الوضع الأصيل والكامل في التعامل: أن نعمل مع الناس ما نشتهي أن يعملوه معنا...+ ومن كمال ما يريده السيد المسيح في علاقاتنا مع الأمور العالمية والمادية، هي قوله «ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه!! أو ماذا يُعطي عوضًا عن نفسه؟!». إن العالم كله. لا شيء بالنسبة إلى مصيرنا في الأبدية. مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
26 سبتمبر 2018

الحرية: أهميتها، أنواعها، ضوابطها

لقد خلق الله الإنسان حرًا. وبالحرية ميزه عن مخلوقات أخري كثيرة. وقد تغني الناس بالحرية. فقال أحد أدباء الغرب: 'لو انك فقدت كل شيء، ما عدا الحرية، فأنت لا تزال غنيًا'. وتجاه الحرية، يقف ذلك السؤال الشهير:'هل الإنسان مسير أم مخير؟'وواضح أن الإنسان مخير في كل ما يفعله. ولكي لا ينحرف بحريته فيخطئ، زوده الله بالعقل الذي ينير أمامه الطريق، وأيضًا بالضمير لكي يميز بين الخير والشر. كما زوده كذلك بالوصية الإلهية لكي يلتزم بها في كل تصرفات حياته والدليل علي حرية الإنسان، إن الحرية ترتبط دائما بالمسئولية، فإن لم يكن الشخص حر الإرادة، فلا مسئولية عليه، وان لم يكن حرا، فكيف يلتزم بوصايا الله؟! وما لزوم أمور عديدة ينهاه الله عنها، إن لم تكن له حرية إرادة؟ وإلا انطبق عليه قول الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء كذلك فإن ارتكاب الخطيئة دليل علي أن الإنسان مخير.. لأن الله لا يسير أحدا في طريق خاطئ.. إنما المخطئ يرتكب الخطأ عن طريق اختياره له وأيضًا أن لم تكن هناك حرية، فلا حساب إذن ولا دينونة في الآخرة ولا ثواب ولا عقاب الإنسان إذن مخير لا مسير.. فهل هو مخير في كل شيء؟طبعا لم يكن أي شخص مخيرًا من جهة البلد الذي ولد فيه، ولا من جهة الجنس الذي ينتمي إليه. ولم يكن مخيرًا في نوع شكله وملامحه، وفي فصيلة دمه، وفي كثير من المواهب التي أعطيت له، أو التي حرم منها.. لم يكن مخيرا في نشأته، ولا في اختيار أسرته، ولا فيما ورثه عن تلك الأسرة من دم ومن عقل، وأمور اجتماعية ولكنه علي الرغم من كل هذا هو مخير في تصرفاته، ومخير في أن يصلح بقدر الإمكان من مستوي نشأته، كما في تغيير مستواه في أمور عديدة. هنا ونسأل: هل الإنسان حر في أحلامه؟ وللإجابة علي هذا السؤال، نقول أن هناك أنواعًا من الأحلام فقد توجد أحلام عبارة عن إعلان من الله، مثل الأحلام التي فسرها يوسف الصديق لفرعون. وهناك أحلام أخري عبارة عن حروب من الشياطين. وهذان النوعان لا إرادة للإنسان فيهما ولا حرية، وبالتالي لا مسئولية غير أن هناك أحلامًا ناتجة عما يخزنه كل شخص في عقله الباطن من شهوات أو رغبات أو أفكار أو مخاوف.. وما تجمعه الحواس من نظر وسمع.. وهذه قد تظهر له بصورة أحلام. ويبدو انه لا حرية للإنسان فيها. ولكنها ناتجة عن حرية سابقة، فيما خزنه لنفسه.. وهي لا تدخل في نطاق الأمور الإرادية، إنما في شبه الإرادية أو نصف الإرادية. وعليه مسئولية تجاهها، علي الأقل من جهة الأسباب التي أوصلتها إليه ولهذا، فإن كان الإنسان أمينا علي نفسه وروحياته أثناء الصحو، ستكون أحلامه أمينة له أثناء نومه. ضوابط الحرية وحدودها:- إن الإنسان فيما هو مخير فيما يفعل، لكنه ليس مخيرا بطريقة مطلقة، إنما تحد من حريته أمور مهمة تنطبق علي الكل فله أن يستخدم حريته، بحيث لا يعتدي علي حريات الآخرين وحقوقهم، فلا تستخدم الحرية في إهانة الغير، ولا في السب والقذف، ولا أن تبني راحته علي تعب الآخرين. وليس هو حرا في استخدام العنف ضد غيره وهو أيضا حر في حدود الالتزام بالنظام العام، والالتزام بالآداب العامة، وبقوانين البلد الذي يعيش. مثال ذلك فإنه في أكثر البلاد تمسكًا بالحرية، لا يستطيع أحد أن يكسر قواعد المرور وإشاراته، ويقول: أنا حر أفعل ما أشاء!هو أيضا حر في حدود وصايا الله، فلا يعصاها ويسلك حسب هواه. وهكذا فإن المؤمنين بالحرية، ينادون بالحرية المنضبطة، وليس بالحرية المطلقة ولهذا، فإن الذي يتجاوز حدود حريته، ولا يلتزم بالوضع السليم، فإن القانون يلزمه بذلك، والعقوبة تردعه.. بل أن حرية الإنسان ينبغي ضبطها منذ الصغر. وهنا يبرز لزوم التربية والتعليم. ويقوم واجب الأسرة في ضبط حرية الطفل، بحكمة، حتى لا ينحرف. ثم واجب المدرسة أيضا في تعليم الطلبة قواعد الحرية وحدودها وضوابطها. كذلك ليس الإنسان حرا في إيذاء نفسه:- فلا يقع الإنسان في إدمان الخمر أو المخدرات أو التدخين، ويتلف صحته وإرادته، ويضيع ماله فيما يضره. ويقول أنا حر!.. كلا، ليس هو حرا فيما يجلب له الأذى. فصحته وديعة في يديه، لا يملكها وحده، بل يملكها أيضا المجتمع الذي رباه ورعاه، والذي هو مكلف بخدمته وأداء واجبه نحوه.. كذلك ليس الإنسان حرًا في أن يقتل نفسه، أي ينتحر بطريقة ما. فحياته ليست ملكا له وحده. كما انه ليس حرا في كسر وصية الله القائلة 'لا تقتل'. والتي تنطبق أيضا عليه من جهة نفسه كما من جهة غيره. أنواع الحرية:- في نطاق الحرية المنضبطة، توجد أنواع من الحرية، منها الحرية الشخصية، حرية الإرادة، وحرية الفكر، وحرية إبداء الرأي، وحرية الاجتماع، وحرية العقيدة، والحرية السياسية فالإنسان من حقه أن يفكر بحرية كما يشاء. ولكن بضوابط: فليس من حريته أن يسرح في أفكار ظالمة، أو في أفكار نجسة، وان كانت قوانين الدولة لا تردعه من جهة هذا الفكر، فإن الضمير يوبخه، ويأمره أن يضبط فكره حتى لا يدنس نفسه.. ثم هل في حريته أن يعتنق فكرا هداما؟! وان اختار بحريته هذا الفكر، فليس من حقه أن ينشره. وإلا فإنه يؤذي المجتمع الذي يعيش فيه. وهنا من حق الدولة أن تضبط الأفكار الهدامة التي تبلبل أذهان الناس وتقود تصرفاتهم في اتجاه ضار الإنسان له حرية العقيدة، من جهة الدين والتدين، وما يتبع ذلك من حرية العبادة وقد تمادي البعض في هذه الحرية، حتى وصلوا في بعض البلاد إلي الإلحاد. كما وصلوا إلي كثير من الانحرافات العقيدية وإلي تشويش أذهان الآخرين، ونشر الشكوك في الثوابت من الأمور الإيمانية. وتجرأ بعضهم في بلاد الغرب إلي مطالبتهم بعدم تدريس الدين، لأنه لا يوافق معتقداتهم. كذلك وصل بهم الأمر إلي الشذوذ الجنسي والمطالبة باعتماد قانون من الدولة. وبعض الدول سمحت لهم بهذا كما في كندا. كما ضغطوا علي بعض الهيئات الدينية لاعتماد الشذوذ. وطالبوا لأنفسهم بحقوق كشواذ. أما عن الحرية السياسية فللإنسان الحق في اختيار النهج السياسي الذي يوافقه، والحزب السياسي الذي يستريح لمبادئه كما أن له حق الانتخاب وحق الترشيح في حدود القانون. ولكن الحرية السياسية ينبغي أن تكون منضبطة أيضا. فلا ينضم أحد إلي نهج سياسي مدمر، ولا ينضم إلي حزب متمرد علي النظام، يثير الشقاق ويدعو إلي التخريب وإلي محاولة قلب نظام الحكم وفي نطاق الحرية السياسية، تدخل حرية الصحافة وحرية النشر والمفروض في هذه الحرية أن تكون منضبطة أيضًا، بحيث لا تكون أداة تشهير بالناس، وسب البعض وقذفهم بحجة حرية الرأي. ولا يجوز للصحافة أن تخرج من الناحية الموضوعية إلي النواحي الشخصية، التي تمس أعراض الناس وسمعتهم وأمورهم الشخصية إن الحرية سلاح ذو حدين، فهي نافعة ولازمة أن سارت في طريق سليم. وإلا إذا انحرفت فإنها تضر الإنسان ومن حوله. الحرية الحقيقية:- ختاما ما هي الحرية الحقيقية؟ ذلك لأن هناك بعض الناس يسمون أنفسهم أي متحررين، وهم يسيرون حسب هواهم في طريق خاطئ، يتحررون فيه من القيم والثوابت..! أما الحرية الحقيقية، فهي أن يتحرر الإنسان من كل فكر خاطئ، ومن كل طبع رديء، ومن كل شهوة منحرفة، ومن كل خطيئة مثل هذا الإنسان إذا منح الحرية فإنه سيسلك فيها بأسلوب سليم نافع له ولغيره لذلك علي طالب الحرية، أن يتحرر أولا من الداخل.. وبهذا يمكنه أن يستخدم الحرية للخير. قداسة مثلث الرحمات انبا شنودة الثالث
المزيد
19 سبتمبر 2018

العمل الإيجابي البناء

ما أجمل وأعمق ذلك المثل الصيني الذي يقول:'بدلًا من أن تلعنوا الظلام، أضيئوا شمعة' حقًا، إن مجرد لعن الظلام لا ينقذ أحدًا من ظلمته. ولكن الظلام ينقشع من تلقاء ذاته، بعمل ايجابي هو نشر النور، ولو علي الأقل بإضاءة شمعة وهكذا في أي مجتمع قد توجد أخطاء أو نقائص أو مشاكل. وإذا بمحبي الإصلاح يتجهون إلي اتجاهين: احدهما يضج ويصيح لكي يفضح هذه الأخطاء، أو انه يبكي بسببها وينوح وينعي الخير الذي ضاع أما الاتجاه الآخر، فهو العمل الايجابي الذي يكتب صفحة جديدة ناصعة في تاريخ المجتمع، في هدوء وفي قوة.. وهذا هو الأكثر ثباتًا وتفهمًا اثنان ينظران نارا تشتعل في مبني.. فيقيم احدهما ضجة بسبب هذا الحريق.. أما الآخر ففي ايجابية يبذل كل الجهد في إطفاء الناراثنان يمران بشاطئ البحر.. وإذا بشخص في خطر يكاد يشرف علي الغرق.. فيظل احدهما يوبخه: كيف ينزل إلي البحر وهو لا يجيد السباحة؟! أما الآخر فينزل بسرعة لكي ينقذ ذلك الإنسان من الغرق.. وفي كل ذلك يبدو الفرق بين المنشغل بالسلبيات وبين العمل الايجابي البناءغالبية الناس يركزون جهدهم الإصلاحي في أن يلعنوا الفساد.. و هذا أمر سهل يقدر عليه كل احد. ولكن من بين كل هؤلاء من يهتم بشرح الأسلوب العملي الايجابي للقضاء علي الفساد سهل جدًا أن توبخ فكرة خاطئة. ولكن الأصلح ايجابيًا أن تقدم الفكرة الصائبة، وتشرح أسلوب تنفيذهاأتذكر وأنا شاب صغير أنه كان لي زميل في الدراسة يسرف في التدخين.. فأخذت أنصحه كثيرًا، وأحدثه عن مضار التدخين الذي فيه يفقد صحته وإرادته وماله.. وإذا بهذا الزميل يقول لي 'لا تتعب نفسك كثيرًا في الشرح.. فأنا بالخبرة أعرف أضرار التدخين أكثر منك ولكن المشكلة هي كيف يمكنني أن أتخلص عمليا من هذه العادة؟!نعم، إن الحديث عن الأخطاء سهل. أما العمل علي علاج تلك الأخطاء، فهو العمل الايجابي البناء.. والكلام الموجع ليس هو الذي يصلح الأخطاء.. إنما تصلحها الخطة الايجابية العملية الممكنة التنفيذكذلك هناك فرق بين شرح الخطأ للوقاية منه، وبين الحديث عن الأخطاء للتشهير بالمخطئين بأسلوب لا يصلحهم بل يثيرهم هناك فرق جوهري بين الفأس التي تقلب الأرض لزراعتها، و الفأس التي تضرب في البناء لتهدمه..!ما أسهل الإدانة والشجب بإمكان كل شخص أن يدين وأن يشجب.. أما المساهمة الإيجابية في الإصلاح، فهي العمل النافع.. النقد سهل.. وقد يكون النقض أيضًا سهلًاإن كاتبا بسيطا يمكنه أن ينقد قصيدة لشاعر مشهور. .ولكن هذا الناقد ربما لا يستطيع أن يكتب بيتًا واحدًا من الشعر!وكثيرون من الذين يستهزئون بعمل غيرهم، هم أنفسهم لا يعملون! قد يدعي القدرة علي العوم أولئك الذين يقفون علي الشاطئ..فإن نزلوا إلي البحر وسط أمواجه حينئذ يختبر ادعاؤهم إن السلبيات قد تهدم.. أما الايجابيات فهي التي تبني.. والهدم عمل سهل.. أما البناء فيحتاج إلي مهارة ووقت.. يستطيع شخص بقنبلة أن يهدم في لحظات عمارة شاهقة.. ولكن بناء أية عمارة يحتاج إلي هندسة وفن ومدي زمني.. وهذا البناء عمل انفع وابقي وكما أن نقد الأخطاء لا يصححها، ولا التشهير بها يصلحها.. كذلك الحزن علي المشاكل لا يحلها.. بل يحلها العمل الايجابي. إن الحزن علي المريض لا يشفيه من مرضه.. إنما يكون الشفاء عن طريق وصف العلاج وتقديم الدواء. والحزن بسبب انتشار الجهل أو الأمية لا يفيد شيئًا، بل النافع هو نشر التعليم ومحو الأمية ويوسف الصديق لم يحزن من فرعون علي سنوات الجوع القادمة. إنما قدم الحل الايجابي وهو تخزين القمح ليكون تموينا لسد احتياجات تلك السنوات. وكان هذا هو النافع عمليا والمعروف أن كثيرين قد بكوا وحزنوا بسبب تجريف بعض الأراضي الزراعية واستخدامها في إقامة المباني. ولكن الحزن لم يحل تلك المشكلة.. إنما كان حلها بالعمل الايجابي الفعال، الذي تمثل في مشروع تعمير الصحاري واستصلاح الأراضي وحفر الآبار، وما نتج عنه من إضافة مئات الآلاف من الأفدنة إلي الرقعة الزراعية في بلادنا، مع ما صاحب ذلك من أعمال التنمية كذلك إن كنا ذاهبين إلي مكان ما، ووجدنا قناة أو مجري من الماء يعوقنا عن الوصول: هل الحزن في هذه الحالة ينفعنا؟! أم أن الذي ينفعنا هو إقامة جسر نصل به إلي المكان الذي نريده؟هذا هو العمل الايجابي الذي يلزمنا في كل أمور حياتنا، أكثر من الضجيج والنقد والشجب والسخرية والذين سجلت أسماؤهم في التاريخ، هم الذين انشغلوا بالعمل الايجابي البناء ، قد نجحوا فيه ولعل أولهم في تاريخ مصر هو الملك مينا الذي وحد القطرين وانشأ أول مملكة مصرية في عهد الفراعنة ونحن نذكر بالخير كل الذين ساهموا في العمل البناء في تاريخ مصر الحديث. ومن بينهم طلعت حرب الذي ساهم في بناء اقتصاد مصر، وأسس البنوك والشركات. وسعد زغلول الذي جاهد حتى صدر دستور سنة 1923 وقاسم أمين الذي جاهد لتحرير المرأة.. واحمد لطفي السيد الذي عمل لإنشاء الجامعة، وغيرهم من البنائين المهرة إن العمل الايجابي هو دائما العمل المفيد، وهو المقبول من الجميع، ولا يعترض عليه احد هناك مؤرخون كتبوا التاريخ.. ولكن أعظم منهم من صنع التاريخ.. صناع التاريخ لا يمكن نسيانهم، سواء في مجال السياسة أو العلم.. قد يكتب المؤرخون عن استقلال الهند بعد خضوعها فترة للاحتلال البريطاني.. أما صانع هذا التاريخ فهو المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند، الذي لم يقم إطلاقًا بإيذاء احد. إنما بالعمل الايجابي البناء، أوصل الهند إلي الاستقلال، وصارت لها حكومة وطنية وبرلمان كذلك لا يستطيع التاريخ أن ينسي برايل، الذي استطاع أن يخترع طريقة الكتابة علي البارز، للمكفوفين يستطيعون بها القراءة والكتابة.. وأيضًا كل الذين قاموا بعمل ايجابي بناء في مجال الطب والدواء لا يمكن أن ينساهم التاريخ ونحن نري في مجتمعنا بعض مشاكل لا يمكن أن يحلها الصياح ولا الضجيج ولا التشهير.. إنما تحتاج إلي عمل ايجابي بناء هناك مشاكل اقتصادية. مشاكل تختص بالبطالة وبارتفاع الأسعار. كذلك مشكلة التضخم السكاني، ومشكلة الدروس الخصوصية ومشكلة الإثارة ومشكلة الجمع بين الانضباط والحريات ومشاكل أخرى اجتماعية وسياسية وفكرية كيف يمكن حلها جميعا بطريقة عملية وحضارية في نفس الوقت؟بحيث نتعاون جميعا في الحل، بغير صراع واصطدام إن مشكلة البطالة مثلًا: لا يمكن أن تحلها مهاجمة المسئولين في الحكومات المتتابعة. فكيف تحل؟لو كنت أنت أيها القارئ رئيسًا للدولة أو رئيسًا للحكومة، فماذا كنت ستفعل عمليا؟ ماذا تقترح للحل؟علي أن يكون الحل يمكن تنفيذه، ومضمونة نتائجه عمليًا وعلميًا.. هل نطرح السؤال، ونتلقى الإجابات ونصنفها ونحللها؟هل نقيم ندوات لبحث موضوع البطالة من ندوات أخرى لبحث باقي المشكلات؟ نعم، ما الحل الايجابي العملي البناء؟ قداسة مثلث الرحمات انبا شنودة الثالث
المزيد
12 سبتمبر 2018

عيد النيروز

ما هو عيد النيروز؟ نحتفل كل عام في مثل هذا الوقت بعيد النيروز وهو رأس السنة القبطية (أول توت) أو عيد الشهداء. والأقباط جعلوا لأنفسهم تقويم خاص بهم هو التقويم القبطي أو تقويم الشهداء والذي يبدأ بسنة 284م. وهي بداية عصر ديوقلديانوس الذي كان من أقسى عصور الاضطهاد التي مر بها الأقباط. مكانة الشهداء في الكنيسة:- والكنيسة تحب الشهداء وتحب الاستشهاد وإن كنا نحتفل بعيد الشهداء في 10 سبتمبر تقريبًا فنحن نحتفل بالشهداء في كل يوم تقريبًا والشهداء لهم عندنا مقام كبير جدًا وتبنى الكنائس على أسمائهم والأديرة أيضًا على أسمائهم وخصوصًا أديرة الراهبات دير أبو سيفين على اسم الشهيد مارقوريوس أبو سيفين ودير الأمير تادرس على اسم الشهيد الأمير تادرس ودير مارجرجس في مصر القديمة ودير مارجرجس في حارة زويلة ودير القديسة دميانة على اسم الشهيدة دميانة كلها أديرة على أسماء شهداء فنحن نحب الشهداء ونحتفظ بأيقوناتهم ونقدس رفات أجسادهم ونسمي الكنائس بأسمائهم. استفانوس أول الشهداء:- والاستشهاد في الكنيسة بدأ من أول نشأة الكنيسة آخر شهيد في العهد القديم هو يوحنا المعمدان وأول شهيد في العهد الجديد هو استفانوس الشماس واستفانوس الشماس نضع اسمه في المجمع قبل الآباء البطاركة. وقبل كثير من الرسل. الاستشهاد بدأ باستفانوس واستمر على مر الأيام:- والاستشهاد بدأ في الكنيسة في العهد الجديد، من أول استفانوس واستمر على مدى العصور المختلفة. جميع الآباء الرسل أنهوا حياتهم بالاستشهاد ما عدا يوحنا الحبيب الذي تعذب عذابات فوق الوصف ولكنه لم يستشهد. الاستشهاد اكليل:- تصوروا محبة يسوع المسيح ليوحنا المعمدان عندما قال عنه في متى 11 "لم تلد النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان"، ونص الآية هو: "لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ" (إنجيل متى 11: 11) ومع ذلك أكرمه إكرامًا آخر بأن يكون شهيدًا كان يستطيع أن ينقذه بالموت ولكنه أعطى له بركة أن يكون شهيد الاستشهاد شمل الكل وليس الرسل فقط الاستشهاد شمل حتى من كانوا أعداء للمسيحية:- لونجينوس الشهيد:- والاستشهاد شمل الأعداء أيضًا فلونجينوس الذي طعن المسيح بالحربة صار شهيدًا في المسيحية وله يوم في السنكسار نذكره فيه cuna[arion. الشيهد أريانوس والي أنصنا:- وأريانوس الذي كان أقسى ولاة مصر في عهد دقلديانوس، فقد كانوا عندما يحتاروا في شخص مسيحي يسلموه لأريانوس أريانوس هذا حدثت له معجزة وصار شهيدًا ونقول في الكنيسة ونقول في السنكسار في مثل هذا اليوم تعيد الكنيسة لتذكار القديس أريانوس والي أنصنا. الاستشهاد شمل النساء والأطفال أيضًا:- والاستشهاد شمل أيضًا الأطفال والنساء. وليس فقط الرجال نسمع عن الأم دولاجي وأولادها ونسمع عن الشهيدة يوليطا وابنها الشهيد قرياقوس ونسمع عن الطفل أبانوب الاستشهاد شمل الكل وليس الرسل فقط. الاستشهاد صار شهوة المؤمنين:- الاستشهاد صار شهوة في وقت من الأوقات (شهوة الموت على اسم المسيح) فكانت طريقة تفكير المؤمنين هي: ما المشكلة في ضربة سيف ثم أجد نفسي في الملكوت مع المسيح؟! فهذا هو أقصر وأضمن الطرق المؤدية للسماء لذلك في أقوال الآباء نجد كتب كثيرة موضوعها "الحث على الاستشهاد"أصبح الاستشهاد شهوة كما قال بولس الرسول: "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 1: 23). تاريخ الكنيسة هو تاريخ الشهداء:- ووجدنا تاريخ الكنيسة هو تاريخ الاستشهاد بدءًا من العصر الروماني الأول والاستشهاد الذي تم على يد نيرون والذي استشهد في عصره بطرس وبولس إلى أواخر العصر الروماني في أيام دقلديانوس واستمر الأمر إلى سنة 313 م (هذا التاريخ هام يجب أن نحفظه جميعًا)، ففي سنة 313 م صدر قانون من قسطنطين الملك بالحرية الدينية ولكن مع ذلك ومع الحرية الدينية استمر الاستشهاد والإرهاب الديني حتى بعد مجمع خلقيدونية. وكثير من الآباء استشهدوا من اخوتهم المسيحيين المخالفين لهم في المذهب والسيد المسيح لم يقل لتلاميذه أنهم عندما يؤمنوا به سيسيروا في طريق مفروش بالورود، بل قال لهم: "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ" (إنجيل يوحنا 16: 33) وأيضًا في يوحنا الإصحاح السادس عشر قال لهم: "تأتي ساعة وأتت الآن يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" وفي بعض الترجمات "يقدم قربان لله"، ونص الآية هو: "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ" (إنجيل يوحنا 16: 2). القديس الشهيد يوليوس الأقفهصي:- ولأن الاستشهاد يعتبر بركة نحن نشكر القديس يوليوس الأقفهصي الذي كان يكتب أسماء الشهداء وسيرتهم ويجمع أجسادهم كان رجلًا قديسًا وحفظ لنا تاريخًا عظيمًا جدًا. الشهداء هم أعظم القديسين:- الشهداء هم من أعظم القديسين. أعظم من الرهبنة وأعظم من الكهنوت. لماذا؟ لأن السيد المسيح يقول "لا يوجد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه عن أحبائه"، ونص الآية هو: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ" (إنجيل يوحنا 15: 13) والشهيد وضع نفسه عن إيمانه وبذلك يكون قدم أعظم حب كل إنسان يجاهد ولكنه قد لا يصل للاستشهاد. فالاستشهاد هو أقصى جهاد يمكن أن يصل إليه المؤمن والاستشهاد أيضًا كان يسبقه عذابات كثيرة ولكن الله كان يعطي الشهداء القوة على الاحتمال حتى يوصلهم إلى أن يقدموا أنفسهم بسلام. الاستشهاد دليل عمق الإيمان وعمق المحبة لله:- الاستشهاد يدل على عمق المحبة لله. المحبة التي يبذل فيها الإنسان نفسه والاستشهاد يدل على عمق الإيمان. وعمق الإيمان بالحياة الأخرى لأن لولا الإيمان بالله والحياة الأخرى ما كان الإنسان يبذل حياته والاستشهاد هو شهادة للدين، وهو أيضًا قدوة لكل الأجيال التي تبعت عصور الشهداء. الكنيسة تعد أولادها للإستشهاد:- الكنيسة أعدت أولادها الشهداء أعدتهم بالإيمان الثابت وأعدتهم بمجموعة من المدافعين عن الإيمان apologists، الذين كانوا يدافعوا عن الإيمان ويردوا على كل كلام الوثنيين ضد الإيمان المسيحي وأعدتهم أيضًا بالزهد في العالم وعبارة "لا تحبوا العالم وكل ما في العالم"، ونص الآية هو: "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 15)وأعدتهم بعبارة ماران آثا Maranath (اليونانية: μαραν αθα)، أي الرب آت (ماران تعني ربنا وآثا تعني آت) والكنيسة أيضًا شجعتهم بالاهتمام بعائلاتهم"أريد أن الجميع يكون بلا هم" نقطة هامة أريد أن تعرفوها هي:- عندما تكلم بولس الرسول عن عدم الزواج وقال: "أريد أن الجميع يكون بلا هم" لم يكن يقصد بكلمة "بلا هم" معنى "بلا زواج"، بل كان يقصد أن المتزوج – وخاصة أنه كان يتكلم وهو في العصر الروماني- صعب عليه أن يدخل في حياة الاستشهاد لأنه يفكر في مصير امرأته وأولاده، أي أنه يحمل هم امرأته وأولاده فبولس الرسول عندما يقول "بلا هم" يقصد بها "أنه حتى إذا جاءت ساعة الاستشهاد لا يكون لديكم من تحملوا هم مصيره". نفسية الشهيد:- وعصر الاستشهاد قد انتهى والقديس أوغسطينوس تعرض لهذه النقطة حيث قال: "نفرض أن شخص يريد أن يصبح شهيد وقد انتهى عصر الاستشهاد فماذا يفعل". قال: "الذي له نفسية الشهيد يعتبر من الشهداء حتى لو لم يستشهد" أي له نفسية الشهيد الذي لديه الاستعداد أن يبذل حياته. والذي لديه الإيمان القوي والثقة بالله. والذي عنده محبة العالم الآخر والإيمان به. الكنيسة تقوت بالاستشهاد:- وأريد أن أقول أن الاستشهاد لم يضعف الكنيسة بل قوى الكنيسة لذلك نقول أن الكنيسة بنيت على الدم وعلى الصمود وليس مجرد حياة رعوية فقط. كيف نستفيد من عيد النيروز/عيد الشهداء؟ أما الآن ونحن في عيد الشهداء فليتنا نفكر ماذا نستفيد من عيد النيروز في حياتنا نحن نقول أننا أبناء الشهداء. فكيف تكون لنا نفسية الشهداء الذين هم آبائنا؟ كيف يكون لنا نفس مشاعرهم ونفس إيمانهم؟ في بداية عام جديد للشهداء ليت كل واحد منا يفكر كيف يبدأ هذا العيد بداية طيبة. على الأقل يكتسب فضيلة تنمو معه ويدرب نفسه عليها طوال العام. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
05 سبتمبر 2018

كل حق يقابله واجب

كثيرون يتحدثون عن حقوقهم ويطالبون بها، أو يطالبون بما يظنونه حقوقًا، وقد لا يكون كذلك. فما أسهل أن يدعي شخص حقا له، بغير حق! وقليلون هم الذين ينشغلون بالواجبات التي ترتبط بتلك الحقوق. لأن كل حق يقابله واجب أو تقابله عدة واجبات.. فكل حق لنا عند الناس، تقابله واجبات علينا من نحوهم. الحق والنعمة:- في علاقتنا مع البشر قد نطالب بحقوق. أما مع الله فلا نطلب حقوقا. كل ما نطلبه هو عطايا أو نِعَم. وكل ما نحصل عليه هو نعمة من عنده.. فنحن نتمتع بالوجود. ولكنه لم يكن لنا حق الوجود. إنما نلنا هذا الوجود كنعمة من عند الله، ونحن نخاطب الله في الصلاة، وليس لنا من حق التحدث إليه، إنما وهبنا الله الصلاة كنعمة. كذلك من جهة الحياة: أين الحق وأين النعمة؟ من جهة الله، قد وهبنا نعمة الحياة. ومن جهة الناس، لنا عليهم كما لنا علي أنفسنا حق المحافظة علي هذه الحياة أما عن الرعاية، فهي من جهة الله نعمة نطلبها، أن يرعانا.. وأما من جهة الناس، فهي حقوق نتبادلها: نحن نرعى غيرنا ممن هم في حدود واجباتنا. ويرعانا غيرنا ممن هم مكلفون بذلك.. الحياة: مادام الله قد وهبنا نعمة الحياة، فقد أصبح من حقنا علي المجتمع أن نحيا.. ولكن هذا الحق تقابله واجبات عدة: فواجبنا أن نستخدم حياتنا في الخير وأن نحافظ علي هذه الحياة، لتكون نافعة لنا ولغيرنا. كما من واجبنا المحافظة علي حياة غيرنا. وإن أفقدنا أحدا حياته، لا نكون مستحقين لنعمة الحياة. فتؤخذ حياتنا منا، نفس تكون عوضا عن نفس. وبهذا يحكم المجتمع وينفذ.. حياتنا وديعة أودعنا الله إياها. ومن واجبنا أن نستثمرها، ولا تكون عبئا علي المجتمع، بل مصدر نفع له. وحياتنا جزء من حياة المجتمع، له فيها نصيب، ومن واجبنا أن نمنحه هذا النصيب، فلا نعيش لأنفسنا فقط، إنما نعيش للغير علي قدر ما نستطيع.. وأحيانا نري من واجبنا أن نبذل حياتنا، لأجل الغير في حب.. وهنا يكون الاستشهاد، وتكون التضحية.. والذين سجل التاريخ أسماءهم، هم الذين عاشوا حياتهم لأجل غيرهم، فأدوا واجبهم نحو أوطانهم ونحو شعوبهم. الوجود: لقد وهبنا الله نعمة الوجود. وهذه النعمة تقابلها واجبات.. ومن العجب أن إنسانًا قد يظن انه موجود، بينما لا يشعر العالم بوجوده، لأنه لم يقم بواجب أو بعمل يشعر العالم به..! فهل من حق الإنسان في الوجود، أن يكون فراغا لا يمتلئ المجتمع بشيء منه؟! أم واجبه في الوجود، أن يكون له وجود فعال، وفعال في الخير.. هناك أشخاص امتدت فاعليتهم حتى بعد وفاتهم.. ظلوا موجودين فيما تركوه من أثر باق... يظن البعض انه يظل موجودا في أولاده، في أسمائهم وفي عملهم.. ولكن ماذا عن شخصه؟ هذا ما لم يفكر فيه! إن الوجود ليس مجرد أنفاس تتردد، بل هو حياة تبقي وتستمر فاعليتها. ما أعجب مذهب 'الوجوديين'، الذين يرون أن وجودهم هو شعورهم بالوجود في اللذة، حتى لو كانت حياتهم فارغة! بل أنهم أكثر من هذا، يهاجمون الله تبارك اسمه بحجة انه يحرمهم من ملاذهم الخاطئة، بوصاياه الإلهية السامية! لذلك يقول الواحد منهم: 'من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا!!'. حق العمل: كل إنسان يطالب بحقه في أن يعمل، ويذكر في ذلك أن للبطالة خطرها علي المجتمع وعلي الفرد. وهذه حقيقة. غير أننا نسأل: هل العمل هو منحة يقدمها لك المجتمع، أي فرصة للعمل؟ أم العمل هو طاقة كامنة فيك قادرة علي العمل؟ وهل طاقاتك هذه يلزمها دافع خارجي؟ أم هي طاقات خلاقة creative حيثما توجد أنت، ينبثق منك عمل؟ هل بذاتك تعمل، أم أنت أداة يأخذها غيرك ويعمل بها، ويوظفها حسبما يريد، فتصبح أنت موظفًا، ويكون من حقك أجر علي عملك، مرتب لك؟ لقد أعطانا الله أمثلة، في الكواكب التي تعمل من ذاتها، وفي أجهزة جسم الإنسان، وفي عوامل كثيرة من طبيعة الكون... حقًا، ما أجمل أن يكون العمل غريزة، وأن يكون طبعًا.. ومعروف أن الذي يحب العمل، ويؤدي عمله بلذة، لابد أن ينجح فيه، ولا يشعر بتعب مهما عمل، بعكس الذي يعمل وهو متبرم ومتضايق...علي أن هناك أشخاصا يمكنهم أن يبتكروا أعمالا لهم ولغيرهم أيضا. أولئك لهم عقول مفكرة، تستطيع أن توجد الأيدي العاملة. وهناك من لهم مواهب ومقدرات، يطلبهم الآخرون للعمل، دون أن يطلبوا هم عملا. أخيرا، إن كان من حقك أن تعمل، فواجبك الأمانة في العمل، والإنتاج والإتقان، وحسن التعامل، وتأدية واجبك بدون تراخ، وتنمية مقدراتك.. حقوق اجتماعية: من حق الإنسان الناضج أن يتزوج، وأن تكون له أسرة. ومن واجبه حسن المعاشرة، حتى لا يؤول الزواج إلي طلاق.. ومن حق الأبناء في الأسرة أن ينالوا الرعاية الكاملة من الآباء والأمهات. ومن واجبهم إكرام الوالدين، وطاعتهما في داخل محبة الله. من حق الوالدين أن يكون لهما أبناء. ومن واجبهما مراعاة تنظيم الأسرة، فلا ينجبان بأسلوب يؤدي إلي التضخم السكاني، وما يتبعه من مشاكل اقتصادية. من حق الإنسان أن يتمتع بالحب: يحب، ويحب. ومن واجبه أن يكون نزيهًا طاهرًا في محبته لغيره، وبخاصة مع الجنس الآخر. فلا يتحول حبه إلي مجرد شهوة جسدية تؤول إلي نجاسة! ومن واجب الإنسان أن يبعد عن الأنانية في محبته. بل يحب الآخرين ويبذل من أجلهم، ويحتمل. ويجعل محبته مشاعا للكل بلا تحيز. من حق الإنسان أن يكون له سكن يأوي إليه. ومن واجبه أن يحرص علي حسن الجوار، فلا يؤذي جاره ولا يضايقه. كما يجب عليه الحرص علي جمال ونظافة البيئة التي يعيش فيها. من حق الإنسان أن يمتلك، وأن يقتني، وأن يربح. ومن واجبه أن يكون ذلك في حدود المعقول، وفي نطاق الربح الحلال، بعيدًا عن الجشع والاحتكار. فله أن يملك المال، ولكن لا يسمح للمال أن يملكه، ويصبح هدفه في الحياة! كما من واجبه أيضًا أن يستخدم ماله في الخير، وأن يعطي منه للمحتاجين والمعوزين. ويحتفظ في حياته بموازنة سليمة بين الأخذ والعطاء، بل يعطي أكثر مما يأخذ. من حق الإنسان أن يتمتع بالراحة ومن واجبه انه لا يبني راحته علي تعب الآخرين، وألا تتحول راحته إلي لون من الكسل أو التراخي. كما لا يطلب الراحة علي حساب عمله والإخلاص لواجباته. وتكون الراحة في الوقت المناسب وبالقدر المناسب. حقوق سياسية أول حق سياسي للإنسان هو حق المواطنة. وواجبه هو الولاء لهذا الوطن، واحترام الدولة ومؤسساتها وقوانينها. ومن حقوقه السياسية حق الانتخاب في حدود النظام العام. ومن واجبه الذهاب إلي مكان الانتخاب، والإدلاء بصوته حسب ضميره. ومن حقوقه المساواة، في نطاق المؤهلات والكفاءة والمقدرة. من حقه أيضا الدفاع عن النفس، ومن واجبه أن يكون صادقًا وعادلًا في دفاعه عن نفسه. ولا يظلم غيره ويلقي عليه التبعة دون وجه حق. ومن حق الإنسان الحرية في حدود القانون. ومن واجبه أن يستخدم حريته، بحيث لا يعتدي علي حريات الآخرين وحقوقهم. ومن حقه إبداء رأيه ونشره، واستخدام حرية الصحافة. ولكن هذا كله يقابله واجب الحفاظ علي سمعة الآخرين وعدم التشهير بهم. وأن يحتفظ بأدب الحوار. له أن يتكلم، وواجبه أن يتكلم حسنًا. أخيرا، ما أطول موضوع الحقوق والواجبات، وكل ما ذكرناه هو مجرد مثال. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
29 أغسطس 2018

الصمت والصلاة والتأمل من فضائل القديسة مريم

كان من تدبير الله، أن تتيتَّم وأن تعيش في الهيكل وفي الهيكل تعلمت حياة الوحدة والصمت، وأن تنشغل بالصلاة والتأمل. وإذ فقدت محبة وحنان والديها، انشغلت بمحبة الله وحده. وهكذا عكفت على الصلاة والتسبحة وقراءة الكتاب المقدس، وحفظ الكثير من آياته، وحفظ المزامير. ولعل تسبحتها في بيت أليصابات دليل واضح على ذلك. فغالبية كلماتها مأخوذة من المزامير وآيات الكتاب وصار الصمت من مميزات روحياتها. فعلى الرغم من أنها في أحداث الميلاد: رأت أشياء عجيبة ربما تفوق سنها كفتاه صغيرة، وما أحاط بها من معجزات، ومن أقوال الملائكة والرعاه والمجوس .فلم تتحدث مفتخرة بأمجاد الميلاد، بل "كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها" (لو 2 : 19) إن العذراء الصامتة المتأملة، درس لنا فليتنا مثلها: نتأمل كثيرا، ونتحدث قليلا على إني أرى، إنه لما حان الوقت أن تتكلم، صارت مصدرًا للتقليد الكنسي، في بعض الأخبار التي عرفها منها الرسل وكتبوا الأناجيل، عن المعجزات والأخبار أثناء الهروب من مصر، وعن حديث المسيح وسط المعلمين في الهيكل وهو صغير (لو3 :46 ،47 ). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث من كتاب السيدة العذراء
المزيد
22 أغسطس 2018

الإيمان وعدم التذمر من فاضل القديسة مريم

في كل ما احتملته، لم تتذمر إطلاقًا وفي تهديد ابنها بالقتل من هيرودس، وفي الهروب إلى مصر، وفي ما لاقاه من اضطهاد اليهود، لم تقل وأين البشارة بأنه يجلس على كرسي داود أبيه، يملك.. ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 31، 33)! بل صبرت وكما قالت عنها أليصابات "آمنت بأن يتم لها ما قيل من قبل الرب" (لو1: 45). آمنت بأنها ستلد وهى عذراء وتحقق لها ذلك آمنت بأن "القدوس المولود هو ابن الله" (لو1: 35)على الرغم من ميلاده في مزود وتحقق لها ما آمنت به. عن طريق ما رأته من رؤى ومن ملائكة، ومن معجزات تمت على يديه آمنت بكل هذا على الرغم من كل ما تعرض له من اضطهادات آمنت به وهو مصلوب فرأته بعد أن قام من الأموات. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث من كتاب السيدة العذراء
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل