المقالات

13 ديسمبر 2023

بالتجسد ... تم الفداء

لم يهدف إلهنا العظيم بتجسده أن نتعرف عليه وحسب ، بل قصد أن يفدينا من موت الخطية ويعتقنا من سلطانها الخطير. فكيف كان ذلك ؟ سقط أبونا آدم ، وكانت سقطته غير محدودة حيث أنها كانت موجهة إلى إلهنا غير المحدود. كما أنها أورثت الجنس البشرى طبيعة فاسدة ، فلم ينتج عنها سوى المزيد من الخطايا في الأجيال المتعاقبة وهكذا صارت خطية الجنس البشرى غير محدودة من حيث نوعها وكمها . ما الحل إذن ؟ هناك أكثر من احتمال : ۱ - ينفذ الله كلمته ويميت الإنسان، وينتهي كل شيء لكن هذا معناه هزيمة الله أمام الشيطان الذى أفسد له عمل يديه . ما الحكمة من خلق الإنسان إذن ، مادام سيسقط في الموت منذ البداية ؟ ٢ - يسامح الله الإنسان، فهو محب ورحوم . ولكن هذا يعني أن تتجلى إحدى كمالات الله ( المحبة ) بينما تتضاءل صفة أخرى ( العدل ) . وهذا بالإضافة إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في مسامحة الإنسان الساقط ، ولكن في مداواة آثار السقوط ، أى فساد الطبيعة الإنسانية . ما قيمة أن يسامحنى الله عما سلف، دون أن يجدد ويقدس طبيعتي حتى تنتصر على الخطيئة وتصير في شركة مع طبيعته القدوسة ؟ ٣- إذن ، فليرسل الله فاد لفداء الإنسان ، فمن جهة ينفذ فيه حكم الموت، ومن جهة أخرى تنال البشرية الغفران . ولكن ما المطلوب من هذا الفادي ؟ مواصفات الفادى المطلوب : إن مهمة الفادى خطيرة ، فهو لابد أن تتوافر فيه صفات معينة مثل : ١ - يجب أن يكون الفادى إنساناً ، فالإنسان هو الذي سقط ،والفادى سيمثله في حمل القصاص . ٢ - ويجب أن يموت هذا الفادى ، لأن « أجرة الخطية هي موت » ( رو ٦: ٢٣ ) ، ولأن حكم الله على آدم وحواء كان هو الموت « موتاً تموتا » ( تك ۲ : ۱۸ ) . ٣- ولكن هذا الفادى يجب أن يكون غير محدود ، ليستطيع وفاء الدين غير المحدود على الإنسان ، وذلك ـ كما ذكرنا - لأن الخطية كانت موجهة ضد الله غير المحدود، ولأن البشرية كلها ساهمت بنصيب في هذا الدين فصار ضخماً جداً . ٤ - كذلك يجب أن يكون الفادى بلا خطية ، لأن فاقد الشيء لايعطيه ، إذ كيف يفدينا وهو خاطيء يحتاج لمن يفديه ؟ ه - ويجب أن يكون خالقاً لأن المطلوب منه ليس فقط الغفران ،ولكن تجديد خلقة الإنسان ، بالروح القدس .وأمام هذه المواصفات كان لابد من التجسد ، لماذا ؟ التجسد هو الحل : لأن أقنوم الكلمة ، الحكمة الإلهية، حينما إتخذ له جسداً وحل بيننا صار قادراً أن يفدى الإنسان، محققاً كل المواصفات المطلوبة : أ - فبناسوته : هو إنسان ، يموت . ب - وبلاهوته : هو غير محدود ، بلا خطية ، خالق . وهكذا إستطاع رب المجد أن يحل مشكلة فساد الطبيعة البشرية ، بأن أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له » . أى أنه حمل خطايانا ، و بررنا ببره كما أنه أخذ جسدنا بلا خطية ، وأعطانا شركة طبيعته الإلهية . هل هناك حل آخر ؟ مستحيل ! . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
11 ديسمبر 2023

بالتجسد ... عرفنا الله

لا شك أن هناك تناقض جذرى بين طبيعة الله وطبيعة الإنسان . فالله روح بسيط خالد يملأ كل مكان سرمدى ( أزلي أبدى ) غير محدود ولا مدرك ولا متغير بينما الإنسان غير ذلك تماماً . إنه مخلوق على صورة الله في الحرية والبر والعقل ويتمتع بعنصر الروح التي تفكر فيا وراء المادة والطبيعة ... لكنه محدود وله بداية .وهذا التسامي الإلهى يجعل الله فوق إدراك البشر من جهة العقل أو الحواس، ولهذا تميل كنيستنا القبطية ، واللاهوت الشرقي دوماً إلى إستخدام الإسلوب السلبي في التعبير عن إهنا العظيم أي الأسلوب الذي ينفى عن الله ما لا يتناسب مع صفاته أكثر مما يورد من صفات إيجابية عنه تعالى، فنقول في القداس الغريغورى مثلاً . « الذي لا ينطق به ، غير المرئى ، غير المحوى، غير المبتدىء، الأبدى، غير الزمني الذي لا يحد ، غير المفحوص، غير المستحيل ، خالق الكل ، مخلص الجميع » . وهنا نلاحظ التقي المتكرر، لما لا يتناسب مع الله ، وإثبات لبعض الصفات القليلة التي ينفرد بها الله كالأبدى ، الخالق ، المخلص . من هنا لزم التجسد : لأنه إذا كان الله متسامياً فوق الإدراك البشري ، بحيث أن من يدخل إليه ما يسميه اللاهوتيون ( الضباب الإلهى ) ( Divine Darkness) ... لأن نور الله يبهر العين فتبدو عمياء لا تراه . نقول ، إذا كان الله متسامياً فوق الطبيعة البشرية إلى هذه الدرجة غير المحدودة ، فهل تبقى الأمور هكذا ؟ كيف يتعرف إليه الإنسان الضعيف الحسي ؟ كيف يقترب إليه ؟ وكيف يتصاعد إلى عرشه الأعلى وهو تراب كثيف ورماد خاطيء؟ إنها بالحقيقة مشكلة هامة ! محاولات يائسة : ولقد حاول الكثيرون منذ سقوط آدم أن يقتربوا إلى الله ، فارتدوا أمام القول الرهيب : الإنسان لا يرانى و يعيش » ( خر ۳۳ : ۲۰ ) . ولما حاول موسى أن يرى مجد الرب ، خبأه الرب في مغارة ، وستر عليه بيده ، وأجاز «جودته » أمامه ، ولما إكتشف منوح أبو شمشون أنه رأى الرب في رؤيا صرخ ق خ قائلاً: « نموت لأننا رأينا الله » (قض ۱۳ : ۲۲ ) . وهكذا عاشت البشرية أجيالاً تلهث وراء هذه الرؤيا دون جدوى . وكان الله يتكلم إلى البشر قديماً عن طريق أنبيائه الذين يلهمهم بكلامه ويتراءى لهم في صور محسوسة للحظات كإمتلاء الخيمة بالضباب ، أو الصوت القادم من العليقة المشتعلة ، أو الرؤى والأحلام . وهكذا بقى الله عالياً في سمائه ، والإنسان هابطاً فى طين الأرض وظلمة الحسيات . وجاء الحل : وذلك حين تجسد الكلمة الإهية فى صورة إنسان كقول الرسول الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة ، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في إبنه ، الذى جعله وارثاً لكل شيء، الذي به أيضاً عمل العالمين ) ( عب ۱ : ۱ ، ۲ ) . ولنلاحظ هنا الفرق بين حرف الجر «ب» و « فى » . فالله كان يكلمنا بالأنبياء وأخيراً كلمنا في إبنه . أي أنه أعلن نفسه لنا جسدياً في صورة إنسان مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية . وهكذا صار الإله غير المرئى مرتباً ، وغير المحسوس محسوساً، دون أن يكف عن كونه الإله الروح الماليء كل مكان وزمان ، والمتعالى على كل الأذهان . المعلم الصالح : و يشبه القديس أثناسيوس إهنا في تجسده بالمعلم الصالح ، الذي لا ينتظر من تلاميذه أن يرتفعوا إلى مستواه ، بل ينزل هو إلى مستواهم ليعرفهم مقاصده وتعاليمه . وهذا هو الوضع المنطق والمقبول . أما أن يبقى الله في علياء سمائه، وينتظرنا حتى تتصاعد إليه رغم ضعفنا وترابيتنا ، فهذا هو عين المستحيل من هنا تجسد الرب ليقترب إلينا نحن الضعفاء ، وليتحدث إلينا باللغة التي نفهمها ، حتى يعنن لنا حبه ، و يعرفنا بشخصه ، و يقودنا بنعمته إلى سمائه . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
06 ديسمبر 2023

ما هي أهداف التجسد ؟

كانت هناك مشاكل خطيرة أساسية وفرعية - أمام البشرية بعد سقوطها، ولم يكن هناك حل آخر سوى أن يتجسد الله الكلمة ، ليحل هذه المشاكل التى يستحيل أن يحلها غير الله ذاته . وهذه المشاكل هي : ١- مشكلة التعرف على الله : فالله روح غير محدود، والإنسان ملتصق بالمادة ومحدود . فهل يبقى الله عالياً في سمائه بعيداً عن الإنسان الملتصق بالمادة والحسيات ؟ وهل من المستطاع أن يصعد الإنسان إلى سماء الله رغم محدوديته وضعفه . وهكذا تجسد « كمعلم حكيم » - بحسب تعبير القديس أثناسيوس - لبصير قريباً منا ومحسوساً لدينا . ٢- مشكلة موت الإنسان : وهي المشكلة الجوهرية والأساسية . « أجرة الخطية هي موت » ( رو ٦: ٢٣) . هذا حكم إلى لا رجعة فيه . ليس لأنه مجرد إدانة غاضبة على الشر، بل لأن هذا هو المآل الطبيعي للنفس الساقطة ، إنها في الموت تسعى وإلى الموت الأبدى تسير. من يجدد النفس والروح ؟ ومن يقيم الأجساد بعد دفنها وإنحلالها ؟ ومن يعطيها أن تتحول إلى أجساد نورانية ؟ ليس سوی الله قطعاً . ٣- فساد الطبيعة البشرية : سقط الإنسان، وتلوثت طبيعته ، وأصابها الفساد. وكان من الممكن طبعاً أن يسامحه الله رغم أنه حذره من العصيان . لكن المشكلة لم تكن في رغبة الله أن يصفح أو لا يصفح ، بل في طبيعة الإنسان ، ومن يجددها له مرة أخرى ، بعد ما أصابها من فساد. وهذا العمل يستحيل على الإنسان الساقط ، وعلى أى نبى أو ملاك ، فالكل مخلوق ومحدود ، وخلق الإنسان من جديد يحتاج إلى الخالق نفسه . ٤- مشكلة سطوة الشيطان : لقد أخضع الإنسان نفسه بنفسه تحت سطوة الشيطان ، فقبض عليه وضغط عليه، وحتى عند موت الأبرار كانوا ينزلون إلى الهاوية ، وإذا كان الفردوس مغلقاً ، وكان إبليس يقبض على نفوسهم هناك . ترى ، من يستطيع أن يطلق البشرية من قبضة إبليس ، سواء الأحياء على الأرض، أو الأرواح البارة التي في الجحيم ؟ من يستطيع أن يقتحم هذا المجهول ، ليفك أسر المسبيين ؟ يستحيل أن يفعل هذا سوى الله نفسه . فلندرس هذه الأهداف بشيء من التفصيل . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
04 ديسمبر 2023

هل التجسد يتعارض مع قداسة الله وقدرته ؟

يتصور البعض أن التجسد ربما يتعارض مع قداسة الله وقدرته ... فيقولون مثلاً : هل من المعقول أن إلهنا العظيم القدوس المتعالى ينزل إلى بطن العذراء ويأخذ جسد إنسان، ويأكل ويشرب وينام ويصير كواحد منا ؟! أليس في ذلك تلويث لقداسة الله ؟! يرد القديس أثناسيوس الرسولى - أعظم من كتب عن سر التجسد - فيشبه إلهنا العظيم بالشمس ، إذ نلمس فيها شبهاً من خالقها ، في سموها وطهرها وجبروتها ودفئها ولزومها للحياة ... فلو سطعت الشمس على كومة من القمامة ، أتتدنس الشمس، أم أنها تظهر هذه الكومة من القمامة دون أن تتلوث هي ؟! كذلك إلهنا العظيم ، حين يسكن فينا ، لن يتدنس بنا ، بل بالحرى يطهرنا بطهره ... نعم يطهرنا دون أن يتدنس ! وهذه الحقيقة لم تستجد بالتجسد الإلهى ، بل بالحرى نحياها كل يوم. فالله يشرق بنوره وبروحه القدوس ، على البشرية الخاطئة ، منذ الأزمنة السحيقة ، يعمل فيها ، ويهديها ، ويطهرها ، دون أن يتدنس . فماذا استجد إذن ؟ أليس الله فى كل مكان ، وفي كل زمان ، وفي كل إنسان مهما كان خاطئاً ؟ هل يخلو منه مكان ؟ مهما كان هذا المكان دنساً ؟ هل نسينا أن الله غير محدود ، و يستحيل أن تخلو منه أحشاء الإنسان أياً كان ؟ ألسنا به نحيا ونتحرك ونوجد ؟ إذن فالتجسد لا يتعارض مع قداسة الله الذي إذ يتخذ جسداً يظهر به لا يتدنس بل يقدسه . الجديد هو أن الله إرتأى أن يأخذ مالنا ، ليعطينا ماله. وأنه أحبنا في المسيح ، ليتحد بنا ونتحد به رضى بالسكنى وسط البشر ، وفي قلوبهم ، ليطهرهم من الخطابا، ويجدد طبيعتهم الساقطة ، ويحملهم على منكبيه فرحاً . و يعود بهم إلى السماء إذن التجسد لا يتعارض مع قداسة الله ، وفى نفس الوقت حتمى القداسة الإنسان ... كيف ؟ عظيم هو سر التقوى إن تجسد الله هو بالحقيقة سر التقوى : أى سر التقوى الإنسانية ، و بدونه لا تكون التقوى ولا القداسة . والسبب ببساطة أن طبيعتنا فسدت بعد سقوط آدم وحواء، وكان لابد من تجديدها وإعادة خلقة الإنسان وصنعه مرة ثانية. فما كان من الممكن أن يتم هذا التجديد إلا بسكنى الله في قلوبنا وتقديسه لطبيعتنا من الداخل. وهذا سر الأسرار في المسيحية ، فهي لا تكتفى بتقديم النصائح الخيرة والشرائع الطيبة والأوامر والنواهي . كلا ، هي ببساطة تجعل إلهنا العظيم الذى سنكن في أحشاء العذراء ، يسكن في أحشائنا جميعاً فيطهرنا ، ويخلصنا ثانية : « إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة » ( ۲ كوه : ( ۱۷ ) إذن فالتجسد لا يضر بقداسة الله ، ولكنه أساسي لقداستنا نحن... وهل التجسد يتعارض مع قدرة الله ؟ هذا غير معقول، لسبب بسيط ، أن الله كلى القدرة ، قادر على كل شيء . إن الشيء الوحيد الذى لا يوافق طبيعة الرب أن يعمله هو الخطية لأنها خارجة عن طبيعته ، وهو منزه عن الشر. وخارج هذا الأمر « هل يستحيل على الرب شيء ؟ » ( تك ١٤:١٨ ) .إذا كانت أرواح الصديقين تظهر لنا في أشكال حسية كما ظهرت أم النور على قباب كنيستها بالزيتون ، أفهل يكون هذا صعباً على الخالق الحافظ، القادر على كل شيء ؟ وإن كانت الملائكة تظهر للقديسين في هيئة حسية، فهل من الصعب أن يتخذ الله جسداً و يظهر لنا ؟ إن. التجسد هو سر خلاص الإنسان، وهو يتعارض مع طبيعة الله القدوسة القادرة . وهكذا يأتي السؤال :ولماذا كل هذا ؟ لماذا التجسد من الأساس ؟ أفلم يكن أمام الله حل المشكلة الإنسان خلاف التجسد ؟ ما أهداف التجسد ؟ هذا ما سنتابعه في الفصل القادم إن شاء الله . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى اسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
29 نوفمبر 2023

هل التجسد يتعارض مع طبيعة الله ؟

يتصور البعض أن التجسد يتعارض مع طبيعة الله ، لأن الله روح بسيط خالد غير مركب ، ولا مادى، ولا يصح أن يأخذ صوراً حسية ، مرئية أو مسموعة أو محسوسة ، فهل هذا التفكير سليم ؟ وما خطورة هذه الفكرة على البشرية وعلى خلاصها ؟ ۱ - نظرة خاطئة للمادة : هذه الفكرة - أن الله لا يتجسد - تخص بين طياتها نظرة خاطئة وخطيرة إلى المادة . أليست المادة بكل صورها إحدى مخلوقات الله ؟! ما الغضاضة إذن في أن يتخذ الله منها وسيلة يعلن بها عن روحانيته واختفائه وعلوه ، لبشر حسيين وضعفاء ؟! إن فكرة نجاسة المادة ليست سليمة إيمانياً، وترجع في أصولها إلى فكر وثنى وهندوسي ، يتصور أن الإنسان روح محبوسة في جسد هولها مثل سجن قابض . وهم بذلك يعذبون أجسادهم بالمسامير، وينهكونها بأصوام مفرطة متطرفة .هل يخلق الله شيئاً دنساً ؟! أليست أجسادنا من صنع يده ؟ ألا تحوى أجسادنا أدق أسرار الخلق ، وتحمل أعمق الأدلة وأصدقها على وجود الخالق الأعظم ؟ لا يصح أن ننسب إلى أعمال الله النقص أو النقيصة ، الإنسان خلق مقدماً ، وعاش مع الله فى الفردوس بنفس جسده الحالي ، ولكنه اختار أن يستمع إلى غواية الشيطان فسقط في براثنه . فالخطأ إذن دخل إلى جسده فيما بعد، وإلى روحه وكيانه كله . أما الإنسان ككل، وكخليقة الله في الأساس ، فكان « حسناً جداً » ( تك ١ : ٣١ ) ولعل هذا هو السبب في أن تتمسك كنائسنا التقليدية باستخدام المادة في الأسرار المقدسة، كالماء في المعمودية، والزيت في الميرون ومسحة المرضى، والخبز والخمر فى التناول ، لتؤكد لنا أن كل شيء خلقه الله هو مقدس ، وأن المشكلة هى فى «سوء الإستخدام» وليس فى المادة نفسها . ٢ - نظرة خاطئة إلى الله : الله بالفعل روح بسيط قدوس ، مالىء السماء والأرض والتجسد لا يغير من طبيعته ، ولا داعى لأن نخشى من التجسد على طبيعته . فالله حينها يتخذ جسداً ، أو يسمعنا صوتاً أو يرينا نوراً لا يكف عن كونه الروح البسيط الخالد القدوس ، مالىء السماء والأرض . إنه لم « يتحول » إلى جسد ... حاشا ! إنه فقط « اتخذ جسداً». فهل في هذا مشكلة ؟ أليس هو قادر على ذلك ؟ وهناك تشبيهات كثيرة لهذا الأمر: مثلاً الجو كله من حولنا يموج بالإرسال الإذاعي والتلفزيوني ، موجات مرسلة من القاهرة وتنتشر في الجوإلى كل بلاد الجمهورية . لا نراها ولا نسمعها بالعين والأذن المجردتين، ولابد من جهاز يستقبلها ويجسدها . وإذا استقبلناها في جهاز لدينا ، لا يعنى ذلك أننا إستنفذناها ، أو إحتكرناها في جهازنا هذا ، فهى لا تكف عن الإنتشار في أجواء مصر كلها . ومن هذا التشبيه نرى : ١ - أن هناك موجات موجودة ، لا نراها ولا نسمعها دون أن يلغى ذلك أنها موجودة بالفعل. والقياس مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الموجود فى كل مكان وزمان دون أن تراه بعيون الجسد . ٢ - إن هذه الموجات غير المحسوسة يمكن أن تحس وترى من خلال تجسيدها في جهاز. والقياس مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الذي هو روح سامية، ويمكن أن يتخذ صوراً حسية كالنار أو الصوت أو النور أو الجسم البشري . ٣- إن تجسد هذه الموجات في جهاز لا يعنى إنسحابها من الجو،وانحصارها في هذا الجهاز. وكذلك فإنه حين اتخذ الله جسد إنسان ، لم يكف عن كونه الإله مالىء السماء والأرض . لهذا قال السيد المسيح له المجد: « ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء إبن الإنسان الذي هو فى السماء » ( يو ٣ : ١٣ ) .وما قلناه عن الموجات الإذاعية نقوله عن الطاقه الكهربائية فهى تتجسد في مصباح دون أن يحتكرها هذا المصباح ، وهكذا إذن فالتجسد لا يتعارض مع طبيعة الله، إذ أن الله هو الذي خلق المادة مقدسة ، والمادة من تحده بأى حال إذا ما إتخذها وسيلة يعلن لنا بها عن ذاته. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
27 نوفمبر 2023

لماذا التجسد ؟

سؤال هام هو المسيحية كلها سؤال طالما أثير فى كل مكان وزمان سؤال أستدعى أن يسطر الوحي الإلهي على يدى معلمنا يوحنا الحبيب إنجيله ورسائله، ليوضح لنا حتمية التجسد لخلاص البشريه ، وإستحالة الخلاص دون الإيمان بتجسد الله الكلمة ففى إنجيل معلمنا يوحنا يستهل الوحى حديثه بالتحليق في آفاق اللاهوت العليا « فى البدء - أى فى الأصل، ومنذ الأزل - كان الكلمة ،والكلمة كان عند الله ، وكان الله الكلمة »( يو ١ : ١ ) ثم يقول : «والكلمة صار جسداً » ( أى اتخذ له جسداً فهو لم يكف عن كونه كلمة الله ) ، وحل بيننا ، « ورأينا مجده » ( يو ١ : ١٤ ) وفي رسائل معلمنا يوحنا يعتبر الرسول ( بوحى من الله طبعاً ) أن : «كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه جاء في الجسد ، هو من الله ، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه جاء في الجسد فليس من الله وهذا هو روح ضد المسيح، الذي سمعتم أنه يأتى والآن هو فى العالم » ( ١ يو : ٤ : ٣،٢) ولقد قصد الله أن يبقى يوحنا الحبيب ، الذي طالما اتكاء على صدر السيد المسيح ، حتى نهاية القرن الأول شاهداً أميناً على الفكر اللاهوتي المسيحي السليم كما تسلمه من الرب نفسه. فبينما استشهد بقية الإثني عشر وحتى بولس الرسول قبيل سنة ٧٠ ميلادية ، بقى يوحنا الحبيب حتى نهاية القرن الأول تقريباً لتثبيت العقيدة المسيحية السليمة في مواجهة العديد من الهرطقات مثل : ١- هرطقة الغنوسيين :- الذين تصوروا أن الخلاص يمكن بالمعرفة العقلانية حيث كلمة Know=Gnoses أي يعرف وقالوا أن التأمل العقلاني يطهر النفس ويخلصها وأن السيد المسيح مجرد إنسان عليه حل روح علوى وإذا سلمنا بهذا فقدنا كل شيء ، فالخلاص بالعقل يلغي ضرورة التجسد والفداء. وأن يكون المسيح إنساناً فمعنى ذلك أن من فدانا محدود ، ففداؤه ناقص . لهذا رفضت الكنيسة هذه البدعة الخطيرة . ٢ - هرطقة التهود التي سادت لفترة على حياة بعض اليهود الداخلين إلى المسيحية - حيث لم يستطيعوا التحرر بسرعة من أمجاد العبادة القديمة الشكلية وطقوسها وفرائضها الرمزية . فانبرى لهم معلمنا بولس الرسول ليوضح لهم أمجاد المسيح والمسيحية، خصوصاً في رسالته إلى العبرانيين التي مفتاحها هو كلمة « أفضل » . فالسيد المسيح أفضل من الملائكة بما لا يقاس (ص ۱ : ۲)، وأفضل من موسى ( ص3) ، ومن يشوع ( ص ٤ ) ، ومن هرون ( ص ٥ ) ، ووعده هو الأثبت (ص ٦ ) ، وذبيحته كانت ترمز إليها تـقـدمـة ملكيصادق ( ص۷) : وكهنوته أفضل من كهنوت هرون ( ص ) ، وعهده أفضل من العهد القديم ( ص ۹) ،وأقداسه أفضل من أقداس الهيكل ( ص (۱۰) ، والإيمان به هو سر خلاص الآباء (ص ۱۱) ، وناموسه أكمل من ناموس موسى ( ۱۲ ) ، ودمه أفضل من دم الذبائح ( ص ۱۰ ، ۱۳ ) . ٣- هرطقة الدوسينيين الذين تصوروا جسد السيد المسيح غازياً وخيالياً ، معتقدين أن المادة لا يليق أن ندخل إلى حياة الله . وهى البدعة التي تجددت فيما بعد بواسطة أوطاخي، وما زالت أصداؤها ترن فى التساؤلات حول التجسد إذ يتساءلون : ( أ ) هل التجسد ضد طبيعة الله ؟ ( ب ) هل التجسد ضد قداسة الله ؟ ( ج ) هل التجسد ضد قدرة الله ؟ ( د ) لماذا التجسد ... ألم يكن هناك حل آخر سواه ؟ ( هـ ) ما مدلول التجسد في حياتنا ؟ وهذه الأسئلة الهامة يجب أن نستوعب إجابات عليها لعدة أسباب : أولا : للتثبت من إيماننا الصخرى، الذى تحطمت على صخرته كل الهرطقات . ثانياً : لندعم أخوتنا في المسيح على أساس المعرفة الأساسية اللازمة للخلاص ، إذ يقول الكتاب المقدس: «هلك شعبي من عدم المعرفة » . ثالثاً : لأن التخلى عن عقيدة التجسد هو بعينه التخلى عن نصيبنا في المسيح وفي الملكوت فما دام الله يستنكف أن يتخذ له جسدا إذن ، فهو لن يسكن فينا ،وهذا هو الهلاك بعينه ، إذ كيف نحيا معه في الملكوت ونحن لا نشبهه قط لهذا قال الرسول : "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (۱ تي٣ : ١٦ ) فالتجسد إذن هو سر التقوى الإنسانية ،وبالتالي الخلاص الأبدى . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن كتاب أسئلة حول التجسد
المزيد
21 نوفمبر 2023

الكتاب المقدس وأثره في الحياة الروحية (ب)

ذكرنا في العدد الماضي أن أهمية الكتاب المقدس في حياة المؤمن تأتى من أنه كلام الله ونستكمل موضوعنا ٢- الكتاب المقدس هو تاريخ البشرية ففيه دراسة لتاريخ البشرية من بدايته إلى نهايته، وفيه نلمس معاملات الله مع النفس البشرية على اختلاف أحوالها وأنواعها، إنه مدرسة لأخذ الخبرات.فمثلاً في سفر التكوين نتعرف على خبرة آدم وحواء في خطوات السقوط، وأثار الخطية ووعد الخلاص، وفي قصة قايين نتعرف على ضرورة وإمكانية النصرة على الخطية، وعلى خطوة الخضوع لصوت العدو. وفى إبراهيم نتعرف على معنى تبعية الرب في إيمان وثقة، وفي إسحق نثق في مواعيد الله الصالحة، وفي يعقوب نتعرف على خطورة التسرع والخداع والعاطفة، كما نتعرف على أسلوب التصالح مع الناس. ومن يوسف نتعرف على حنان الله إذ يدبر خلاص الجميع، ومع يشوع نتعرف على سر النصرة في أريحا، وسر الهزيمة في عاى وفى القضاة نرى أبطال إيمان، ونتعرف على بركات الطهارة، وخطورة الانحراف في شمشون وهكذا وهكذا. مدرسة واسعة متعددة المراحل تبدأ في التكوين، وتنتهي في الرؤيا حيث صراع الكنيسة والعالم، ونصرة الله النهائية خبرات لا تنتهى نأخذها كعصارة جاهزة لبنياننا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور (اکو ۱۱:۱۰). ٣- الكتاب المقدس هو مكان لقاء واتحاد مع الله إذ أننا حينما نجلس هادئين متأملين في كلمة الله نتقابل مع الرب، وسرعان ما تتحد به أنفسنا. إن فرصة دراسة الكتاب حين تكون بروح الصلاة والحب لله تصير شبيهة بجلسة مريم عند قدمى المسيح حيث "اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها " (لو ٤٢:١٠). وما هو النصيب إلا الرب الرب لن ينزع منها، فقد اتحدت به وأحبته وتحولت بسبب كثرة الجلوس عند قدميه، إلى شبه صورته القدسية. ألم يقل الرسول: «ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرأة نتغير إلى تلك الصورة، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح» (٢كو١٩:٣) ألم يقل أيضا: «لأن الذين سبق فعرفهم سبق ليكونوا مشابهين صورة ابنه(رو ۲۹:۸) إن مداومة القراءة في كلام الله بروح الصلاة، تعطى النفس اتحادا وثباتًا شخصيا، في الرب يسوع ختامًا فلنسمع ذلك القول المأثور: يوجد أعظم رجاء لأعظم خاطئ يقرأ الكتاب المقدس ويوجد أعظم خطر على أعظم قديس يهمل الكتاب المقدس. وباختصار الكتاب المقدس يكشف لى حاجتي إلى الله وانتظار الله لى... إنه نقطة لقاء الخاطئ المسكين مع قلب الله المحب. إن فقرة واحدة قرأها أوغسطينوس كانت كفيلة بأن تخلص نفسه وتجعل منه قديسا في الكنيسة. إنها الآيات التي وردت في (رومية ١١:١-١٤) افتح كتابك الآن واقرأها بخشوع وتأمل لتدرك أثر الكتاب في حياتك، والرب معك. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
14 نوفمبر 2023

الكتاب المقدس وأثره فى الحياة الروحية

يجدر بالمسيحى أن يدرس كلمة الله بانتظام يوميا، وذلك تتميما لوصية الرب فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية (يوه: ٣٩) وقد كلامه بقوله: «الكلام الذي اكلمكم به هو روح وحياة (يو٦: ٦٣)، أما داود فقد امتدح من يلهج في ناموس الرب نهارا وليلاً ووصفه قائلاً: كشجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطى ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل (مز٣:١) من هنا لا نستغرب قول إرميا النبي: «وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي (إره١٦:١). وتأتي أهمية الكتاب المقدس في حياة المؤمن من أنه الكتاب المقدس كلام الله وحين يتكلم الله يجب أن ينصت الإنسان وهو حين يتكلم إنما يعلن لنا أسراره المقدسة ومقاصده في الخليقة والتاريخ وأعماله مع أولاده المطيعين لوصاياه بل إننا من خلال كلام الله نتعرف على شخصه الحبيب المبارك ووعوده الصادقة الأمينة، ونصائحه الغالية الخلاصية من يستطيع أن يحيا دون كلمة الله؟ إنها بالحقيقة روح وحياة إنها غذاء الروح ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. بل بكل كلمة تخرج من فم الله (مت٤:٤) لرجلی کـلامك ونور لسبیلی (مز ۱۰۵:۱۱۹) إنها السيف الحاد الذي به نبتر التعاليم الكاذبة كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين (عب ١٢:٤).ثم إنها سر الاغتسال والنقاوة، إذ يقول الرب أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به (يو ٣:١٥) الله يتكلم إلينا فننصت إليه؟ الله يعلن لنا حبه فتشيع بها - الله يعلن لنا مقاصده فلنتفهمها جيدا الله يقدم لنا مواعيده فلنتمسك بها كلام الله قوة ترفع الضعيف وتشدده. كلام الله نور يرشد النفس السائرة في البرية. كلام الله غذاء يشبع القلب بحب المسيح والنفوس كلام الله سيف يبتر التعاليم الغربية ويفرزها . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
07 نوفمبر 2023

حقائق الإيمان المسيحى ٥ - نؤمن بالفادى الوحيد

لا شك أن الفادي الوحيد هو الرب يسوع له المجد والسبب في ذلك بسيط للغاية أن الرب يسوع هو الوحيد في هذا الكون في السماء وعلى الأرض الذي استطاع أن يفى بالمواصفات المطلوبة في الفادي لقد كان هناك مشكلتان للبشرية وهما :- أ-حكم الموت "لأن أجرة الخطية هي موت "(يو ٢٣:٦) . ب- فساد الطبيعة البشرية يسبب الخطية التي ارتكبها أبوانا الأولان، والتي ورثناها منهما، وهنا تثور بعض الأمثلة ١- لماذا لم يسامح الله ادم ؟ لان هذا يتعارض مع عدل الله، وقوله لادم "يوم تأكل منها من شجرة معرفة الخير والشر موتا تموت (تك١٧:٢) وكذلك لأن مسامحة ادم لا تحل سوى نصف المشكلة عقوبة الموت، إذ ستبقى طبيعته فاسدة تنتج شرورا وتحكم عليه بالموت مرات ومرات. ٢- إذن لماذا لم يترك الله ادم لحكم الحرب ؟ لأن هذا يتعارض مع محبة الله ورحمته وبخاصة لأن ادم اغواه الشيطان حتى لو كان قد أکل بارادته وكذلك كان أماتة ادم تتعارض مع كرامة الله إذ كيف يسمح بأن ينتصر الشيطان على ادم فيخطيء ثم يموت ما الحكمة إذن لماذا خلقة؟ ولو خلق الله ادم اخر فهو معرض لنفس المصير بسبب حرية الإرادة فهل من كرامة الله ان يستمر هذا المسلسل الله يخلق الشيطان يغوى . الإنسان يسقط ويموت الله يخلق إنسانا اخر يكون له نفس المصير ٣-الحل إذن أن يفتدى الله الإنسان بمعني أن يموت شخص اخر بدلاً ادم فيوفي العقوبة والمهم أن يجدد هذا الفادي الطبيعة البشرية، ويطهرها من الفساد لتحيا في البر، وليس في السقوط ولكن ما هي المواصفات المطلوبة في الفادي مواصفات الفادي المطلوب :- ١- أن يكون إنسانا، لأن الإنسان هو الذي أخطا ٢- أن يموت لأن أجره الخطية هي موت. ٣- ان يكون غير محدود، لأن خطية ادم موجهة إلى الله غير المحدود، وعقوبتها غيرمحدودة. ٤- أن يكون بلا خطية فلو كان خاطئا لكان بحاجة إلى من يفديهد. ٥- ان يكون خالقا يستطيع تجديد الطبيعة البشرية مرة اخرى ولن يكون هذا سوى الله المتجسد. الرب يسوع الذي بناسوته أوفى المطلبين الأولين وبلاهوته أوفي المطاليب الباقية يستحيل أن تجد بديلاً أخر غيره فى كل الكون في السماء وعلى الأرض. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل