المقالات

29 أغسطس 2023

الحيـاة الشاهدة

طلب الرب منا بوضوح أن نكون شهوداً له، حينما قال : « أنتم شهودی » ( أش ٤٣ : ١٠)، وحينما أوصى آباءنا الرسل الأطهار: «تكونون لى شهوداً » (أع١: ٨) والشهادة من المشاهدة ، بمعنى أن الإنسان شاهد أيضاً ، فاصبح شاهداً عليه أو له والإنسان المسيحي شاهد الرب يسوع بعين الإيمان ، فأصبح شاهداً للحياة المسيحية ، ولما يمكن للرب أن يفعله بالنعمة في حياة البشر، ولذلك فالحياة الشاهدة علامة كل مسيحى ، بمعنى أن حياة الإنسان المسيحى يجب أن تكون في أفكارها ومشاعرها وسلوكياتها شهادة حية، تخبر بعمل الله في الطبيعة الإنسانية إن المؤمن عضو في جسد المسيح ، والعضو له وظيفة ودور، والكنيسة أبدأ لا تعيش بمعزل عن المجتمع والجماعة الإنسانية ، بل أن الكنيسة عليها دورهام في الحياة العامة ، فهي تمثل ضمير المجتمع ، والنور الذي يضيء للإنسان طريقه في الحياة اليومية ، ليسلك حسب وصايا الرب وروح المسيح ، وليصير كارز بالحياة والعمل قبل الكلام والوعظ . لذلك فحينما أراد الكتاب المقدس أن يشرح للمؤمن دوره في المجتمع ، استخدم عدة تشبيهات منها : ١ ـ المسيحي نور العالم : بمعنى أنه متحد بالرب يسوع ، يمتص من نوره كل يوم ما يضيء له معالم الطريق ، و يعطيه قوة الإفراز والحكمة ، و يرشده كيف يتصرف في المواقف المختلفة ، بل يجعله نوراً للذين يسلكون في الظلمة ، إذ يرشدهم إلى الطريق السليم . ومع أن الرب قال عن نفسه : « أنا هو نور العالم » ( يو٥ : ١٢ ) ، إلا أنه في محبته وعطائه قال لنا : « أنتم نور العالم » ( متى ٥ : ١٤)ولتلاحظ هنا أن المؤمن ليس نوراً في الكنيسة فقط ، بل لكل العالم أيضاً لهذا طلب منا الرب أن يضىء نورنا قدام الناس ليروا أعمالنا الحسنة فيمجدوا أبانا الذي في السموات ( مت ٥ : ١٦) والمسيحي الأمين يكتسب هذه الاستنارة من المعمودية (حيث يتجدد بالروح القدس ) ، والميرون ( حيث يصير هيكلاً لروح الله ) والتوبة ( حيث يغتسل فيها كل يوم ) ، والتناول (حيث يتحد بالنور الحقيقي ) ، والقراءة في كلمة الله والكتب الروحية (حيث ينفتح الذهن ويتعرف على ملامح طريق الملكوت ) . ٢ ـ المسيحي ملح الأرض : فهو ليس ملحاً للكنيسة فقط بل للأرض كلها ، للمجتمع كله . فالمسيحي الأمين أبيض نقى نقاوة الملح ، و يذوب في تواضع واختفاء دون أن يضيع ، تماماً كالملح ، وهكذا يحفظ العالم من الفساد ، و يعطى الحياة طعماً مقدسا . إن وجود أبناء الله في العالم أساسي لتقديم القدوة الطاهرة ، والأمانة المحبوبة ، والنموذج الذي يجب أن يحتذبه أهل العالم والملح لا يفسد إلا بالخطيئة والذاتية والكبرياء ، وإن فسد ، لا يعود يصلح لشيء ، لا لأرض ولا لمزبلة ، بل يداس من الناس هكذا كل مسيحي يترك المسيح ، ويحيا فساد هذا العالم . ٣- المسيحي سفير للمسيح : « نسعى كسفراء عن المسيح ، كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله » ( ۲کو ٥ : ٢٠) . ما أجمل أن نتأمل في سفارة المسيحي في الأرض ، فهو أصلاً من بلد غير البلد ، وطبيعة غير الطبيعة ، ولغة غير اللغة . إنه إنسان سمائی روحانی مقدس ، يحيا في الأرض شاهداً للرب ، وممثلاً له و بنشر كلمته وحبه وصفاته المقدسة بين الناس ، و يدعوهم إلى معرفة الله ، والتصالح معه !! هذا هو الإنسان المسيحي الشاهد ، الذي ينشر « رائحة المسيح الذكية » في كل مكان (۲کو: ١٥)، والذي يصير رسالة حسنة « معروفة ومقروءة من جميع الناس » ( ٢کو۳ : ۲) أخي القارىء تعال نحيا في طريق المسيح ، فما أسعد أولاد الرب به !! وشكراً لله أنه هو نفسه قد صار لنا « الطريق والحق والحياة» (يو١٤: ٦) ارتبط بالرب ، و بإنجيله ، وكنيسته ، وكن شاهدأ له في كل مكان وزمان لتحيا الأبدية في الزمن ، وتعيش السماء وأنت بعد في هذه الأرض الرب معك ،، نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن مجلة الكرازة العدد العاشر عام ١٩٨٩
المزيد
01 أغسطس 2023

حضور الاجتماعات المشبعة

يوصينا الرسول بولس ألا نترك اجتماعاتنا الروحية، بل أن نحرص على حضورها ، كوسيلة جوهرية من وسائل الشبع والنمو الروحي . لهذا ينادينا قائلاً : «غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة » (عب ١٠ : ٢٥). فالاجتماعات الروحية أساسية في الحصول على البركة والتعزية ، والتعليم ، والاحساس بالجماعة الكنسية والجسد الواحد وقد تعودت الكنيسة ـ منذ العصر الرسولى ـ أن تجتمع في مساء السبت (صلاة عشية )، حيث كان المؤمنون يفدون إلى البيعة من جميع المناطق والقرى المحيطة ، و يأكلون معاً في المساء بعد صلاة العشية، وليمة محبة ( أغابي ) ، وهي التي تحدث عنها الرسول قائلاً : « حينما تجتمعون معاً ، ليس هو لأكل عشاء الرب » ( ١کو۱۱ : ۲۰ ) ... أي أنه العشاء الذي بعده يدخل المؤمنون إلى الكنيسة و يصلون صلاة نصف الليل ، التي نقرأ في أحد أناجيلها : «جاء العريس وأغلق الباب » ( مت ٢٥ : ١٠). وبالفعل تغلق أبواب البيعة، فلقد وصل الجميع ، و يبدأون في تسبيح العريس طوال الليل ، ثم يرفعون بخور باكر، ثم القداس ، ثم التناول ، ويخرج المؤمنون بعد ذلك لأغابى أخرى ، ثم ينصرفون إلى بيوتهم وأعمالهم اجتماع مفرح ، يشعرون وكأنهم كانوا في السماء، فكلمة « هيكل » فعلاً معناها « المكان الذي صار سماء» !! فنحن في الهيكل نلتقى بالرب يسوع نفسه ، وجموع القديسين والملائكة، ونحس بوحدتنا الكاملة في جسد الرب ولكن هذا الاجتماع الروحي المشبع حول الافخارستيا ، وما يسبقه من اجتماع محبة سابق وآخر لاحق له ( الأغاني ) هذه الاجتماعات لا تلغى أهمية عقد اجتماعات تعليمية أخرى ، فالرسول يقول : « متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور، له تعليم » (١کو١٤ : ٢٦ ) إذن فهناك اجتماعات تعليمية هامة يجب أن تعقدها الكنيسة ونحضرها نحن . الاجتماعات التعليمية :- التعليم هام جدا للخلاص ، فلقد قال الرب « هلك شعبي ، من عدم المعرفة » ( هو ٤: ٦ ). لذلك تحرص الكنيسة على عقد لقاءات لكل مراحل العمر، وفئات المجتمع ، وظروف العصر فأصبحنا نجد كمثال : مدارس التربية الكنسية للأطفال والفتيان . اجتماعات الشباب : ثانوي ، جامعة ، خريجون . اجتماعات عامة للشعب ونهضات في المناسبات الكنيسة المختلفة . اجتماعات للعمال والحرفيين اجتماعات للأطباء أو المهندسين أو المعلمين إلخ . اجتماعات للمخطوبين أو المتزوجين حديثاً. اجتماعات نوعية لدراسة الكتاب المقدس ، أو اللاهوت ، أو التاريخ الكنسى ،أو العقيدة والطقس . والهدف من كل هذه الاجتماعات : ١ - تقديم التعاليم الجوهرية اللازمة للخلاص وجود الله ، الثالوث ، ألوهية السيد المسيح ، التجسد، الفداء ، الكتاب المقدس ، الكنيسة ، القيامة إلخ . ٢ - الاشباع الروحي المنتظم ، في خضم وسائل الاعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون وفديو... ٣ ـ حفظ المؤمن من الانحراف ، إذ ينمو في جماعة مقدسة ، فالإنسان اجتماعی بطبعه ، ويحتاج أن يحس بالانتماء . ٤ - المشاركة في الخدمة والنشاطات الكنسية البناءة فلا يكون المؤمن إنساناً سلبيا ، بل يحس بدوره كعضو فعال في جسد المسيح . ٥ ـ الرد على أية شكوك أو مطاعن توجه إلى إيماننا المسيحي الراسخ عبر عشرين قرناً من الزمان لذلك يجدر بالقارىء الحبيب أن يسأل نفسه : ما هو الاجتماع الأسبوعي الذي أنا منتظم فيه ؟ اجتماع اسبوعي على أقل القليل، حيث ينبغي على المؤمن التواجد الكثير بالكنيسة، لمزيد من الشبع والنمو والخدمةوالرب معك ،، نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب عن مجلة الكرازة العدد الثامن عام ١٩٨٩
المزيد
25 يوليو 2023

القراءات الروحية البناءة

القراءة الروحية أساسية من أجل الوصول إلى الشبع الروحي . كما أنها تنير الذهن، وتقدس الأفكار، وتشحذ الهمة الروحية، فيتحرك الإنسان بحماس في طريق الملكوت .كذلك فالقراءة الروحية أساسية في التعرف على معالم الطريق الروحي ، حتى لا يتوه الإنسان في مزالق كثيرة يمكن أن تقابله ، وحتى تتكون لديه نعمة الافراز، فيستطيع أن يميز الأمور المتخالفة ، ولا يسقط في فخاخ ابليس بل إنها أساسية في خدمة الآخرين ، ونحن هنا لا نقصد الخدمة في فصول التربية الكنسية والشباب فقط ، بل أيضا خدمة الوالدين لأبنائهم ، وهي من أهم وأخطر الخدمات المسيحية ، حيث يقضي الطفل في بيته ١٦٨ ساعة أسبوعياً تقريباً ، ولا يمكث في الكنيسة سوى ساعات قلائل . فإن تعرف الآباء على احتياجات أولادهم ، وسمات المراحل التي يمرون بها ، ونوعيات المشاكل التي يقابلونها ، يستطيعون بالقطع أن يقدموا التوجيه السليم لابنائهم وبناتهم . الآباء والقراءة : من هنا ينصحنا الآباء القديسون بالقراءة ، لما فيها من فوائد جوهرية لنا ولمن نشهد للمسيح أمامهم :« اتعب نفسك في قراءة الكتب ،فھی تخلصك من النجاسة» ( القديس أنطونيوس ) .« كتبي هى شكل (سيرة ) الذين كانوا قبلی ، أما إن أردت أن أقرأ ، ففى كلام الله أقرأ » ( القديس أنطونيوس ) .« قراءة الكتب، تقوم العقل الصواف » ( أحد الشيوخ ) .« کن مداوماً لذكر سير القديسين ، لكيما تأكلك غيرة أعمالهم» (القديس موسى الأسود ) . نحن والقراءة : يحسن أن يهتم الإنسان بالقراءة ، ولكي لا تنطبق عليه سمات جيل التليفزيون والفديو، من سطحية واستسلام سلبي ، يجب ان يدرب نفسه على القراءة، وهذه بعض الملاحظات التي قد تساعده على ذلك : 1 ـ التدرج : كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر، فلا داعى لأن تتمسك منذ البداية بالكتب الكبيرة لتضعها في المكتبة ، وإن كان هذا حسن، فلسوف تحتاجها حينما تنمو في القراءة، لكن ابدأ بالنبذات الصغيرة ، والكتيبات ، والكتب المتوسطة، وتدرج مع القراءة شيئاً فشيئاً . وأؤكد لك أنك عندما تشعر بالانجاز والنجاح في قراءة كتيب ، سوف تحس بحافز كبير يشجعك على المزيد . ٢ ـ التنوع : ابدأ بالتنوع ، فاقرأ في مجالات عديدة مثل : تفسير الكتاب المقدس، وسير القديسين، وتاريخ الكنيسة ، واللاهوت ، والعقائد ، والطقوس ، والثقافة العامة .. فمن المهم أن تلم بفكرة عن كل من هذه الميادين ، فهي أساس لنموك ولخدمتك .. ومن غير المعقول ألا تعيش عصرك ، وتتعرف على الأدب والفن والفكر السائد فيه، مع ملاحظة ألا تكون سلبياً ، بل يجب أن تسترشد بأبيك الروحي وخادمك ، حتى لا تنحرف بك القراءة بسبب عدم النضج والعمق والمعرفة الشاملة . 3 ـ التوازن : أياك أن تأخذك القراءة بعيداً عن الشبع الروحي ، فيصير عقلك أضخم من قلبك ، بل احرص على التوازن ، فالرسول يدعونا إلى أن تنمو في «النعمة والمعرفة » ( ۲بط ٣ : ۱۸ ) ، أي الوجدان الروحي والفهم المستنير. 4 ـ التخصص : مع النمو ، ومع الوقت ستستطيع ان تتخصص في فرع محدد من الدراسات ، وربما تأخذ فيه شهادة مناسبة ، إلى أن تكتب بنعمة الله وتشترك في إثراء غيرك . المهم أن تتحرك تحت قيادة روح الله وارشاد أبيك الروحي وخادمك والرب معك . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب عن مجلة الكرازة العدد السابع عام ١٩٨٩
المزيد
18 يوليو 2023

الشبع اليومى بالإنجيل

حينما أراد الرب أن يوضح لنا أهمية الكتاب المقدس في حياتنا ، استخدم تشبيهات عدة، يشرح لنا كل تشبيه منها زاوية من زوايا ضرورة الكتاب لحياتنا :- ۱ ـ تشبيه الخبز : « ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله » (متى ٤ : ٤ ) . « وجد كلامك فأكلته ، فكان كلامك لى للفرح ولبهجة قلبي » ( أر١٥ :١٦).الإنجيل خبز روحي ، يشبع عنصر الروح فينا، تماماً كما يشبع الخبز المادي عنصر الجسد فينا ، ومسكين الإنسان الذي يجعل كل أهتمامه نحو « لقمة العيش الجسدي » و ينسى دور كلمة الله في اشباع روحه، من خلال كلمات النعمة ، وأحداث الفداء، ووصايا المسيح ، وتعاملات الله مع أولاده على مدى العصور. ٢ ـ تشبيه المطرقة :- « أليست كلمتى كمطرقة تحطم الصخر» ( ارمیا ۲۳ : ۲۹ )وبالفعل ، فنحن حينما نقرأ كلمة الله بانتظام تجدها خير منبه لحياتنا ، حتى لا تتوه في دوامة العالم، أو تستمر في طريق الخطيئة . ولعلك تذكر أيها الحبيب كيف هزت كلمات الرسول بولس أعماق فيلكس الوالى ، حتى أنه ارتعب من الدينونة العتيدة ، أو حينما تحدث مع اغريباس الملك ، وكيف كانت كلماته قوية وفعالة. بل لعل كلمات الرسول بطرس يوم الخمسين هي أقوى دليل على الزلزال الذي تحدثه الكلمة في حياة الإنسان ، حينما يخضع لفعل روح الله القدوس ، فتتوبخ أعماله ، و يصرخ طالباً التوبة ! ٣ ـ تشبيه النار : - « أليست كلمة كنار يقول الرب وكمطرقة تحطم الصخر» ( أر٢٣ : ٢٩) إن كلمة الله كالنار فعلاً ، حينما تحرق فينا شوائب الخطيئة ، وتطهرنا من أدناسها ، ألم يقل الرب «أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به » ( یوه۱ : ۳) ؟ إن كلمة الله كالنار المطهرة ، توخز الضمير، وتدخل إلى عمق الأعماق، لتطهر كياننا الإنساني من كل انحراف ! ٤ـ تشبيه السيف :- « لأن كلمة الله حية وفعالة ، وأمضى من كل سيف ذي حدين» (عب ٤ : ۱۲) نعم فالكلمة حينما تتجه نحو قلب الإنسان ، تخترق حتى إلى الأعماق ، إلى مناطق مجهولة ربما للإنسان نفسه ، إلى مفارق النفس والروح من يستطيع أن يدخل إلى هذه المنطقة العجيبة ؟! ما بين النفس والروح ؟! وهكذا يتفجر القلب بالتوبة صارخاً طالباً الحياة الجديدة .كما أن سيف الكلمة البتار، يمكننا استخدامه لقطع كل المبادىء غير الإلهية ، التي نقابلها في حياتنا اليومية ، فلا تسير مع أهل العالم كالقطيع ، بل يكون لنا فكرنا الخاص، واسلوبنا المتميز في الحياة والسلوك . ه ـ تشبيه النور : - « سراج لرجلى كلامك، ونور لسبیلی » (مز۱۱۸ : ١٠٥ ) « الوصية مصباح ، والشريعة نور » ( أمثال ٦ : ٢٣ ) وهذا حق فالإنجيل هو دستور الحياة المسيحية، وأساس التعامل بيننا وبين الناس ، بالحب والحكمة والاتزان والبساطة والسماحة والصفح وغلبة الشر بالخير! إذن ، أيها القارىء الحبيب ، اعكف على قراءة كلمة الله ، وأقترح عليك :- ا ـ أن تقرأ اصحاحاً من العهد الجديد في الصباح ، لتتقابل مع الرب . ب ـ وثلاثة أصحاحات من العهد القديم في المساء، ليرى معاملاته أولاده عبر التاريخ . ج - وتدرس سفراً كل شهر مع كتاب تفسير کنسی هذا المنهج يجعلك تقرأ العهدين مرة سنوياً ، وتدرس ١٢ سفراً في السنة ، ويمكنك مع أبيك الروحي اختصار هذا المنهج إلى النصف والرب معك ،، نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
27 يونيو 2023

من معالم الطريق الروحي الصلوات المتنـوعـة

الصلوات سمة أساسية في الحياة الأرثوذكسية، واستجابة مستمرة لنداء الرب : « أسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة » (مت ٢٦ :٤١). وتتسم حياة العبادة في كنيستنا بالسمات التالية : ١ ـ السمة التكريسية : بمعنى أن هدفها الأساسي تكريس قلوبنا للسيد المسيح ، وتقديم كل طاقات حبنا للرب ، مصدرها الأصلي. وفي هذا يكمن خلاص الإنسان وسعادته ونموه ، وإمكانية أن يكون خادماً للملكوت . لهذا تطول العبادة في كنيستنا وتتنوع فنجد مثلاً : أ ـ الافخارستيا : قمة الصلوات الكنسية ، التي فيها يتحد الإنسان بالرب يسوع رأس الكنيسة ، و بالسمائيين أعضائها التي خرجت من الجسد، وبالمؤمنين إذ تأكل من جسد واحد ، خبزة واحدة ، ونشرب من دم واحد ، وكأس واحدة. الإفخارستيا هي فرصة الشبع بالرب ، والاتحاد بالمخلص المحبوب . إنها أقدس فرصة على الأرض ، فيها يعطينا الرب من حبه ونعمته وروحه ، و يأخذ عنا ثقل خطايانا بالتوبة والاستعداد، ونحيا معنى الكنيسة ، عروس المسيح، وجماعة المؤمنين . ب ـ المزامير : حيث توحدنا الكنيسة بالرب في أحداث حياته المتعددة ، ففي باكر تأخذ قوة قيامته ، وفي الثالثة تأخذ فعل روحه ، وفى السادسة نتحد بصليبه المقدس ، وفي التاسعة نميت معه حواسنا الجسمانية، وفي الحادية عشرة تنسحق أمام جسده النازل من على الصليب فداء عنا ، وفي الثانية عشرة ندفن خطايانا معه في القبر، وفى نصف الليل نستعد ونشتاق لمجيئه الثاني !! أناجيل هادفة ،وقطع وضعها آباؤنا القديسون ، ومزامير هي عصارة داود النبي وغيره من رجال الصلاة ، وفرصة رائعة للمثول المتكرر أمام الله ، بل حتى لوعظ النفس من خلال هذه الكلمات الإلهية المقدسة . ج ـ الصلوات السهمية : وفيها تنادي الرب بصلوات قصيرة مثل : « ياربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطيء » أو « اللهم ألتفت إلى معونتي . يارب اسرع وأعنى » ... وهي صلوات قبطية عريقة ، نصح بها القديس أنطونيوس تلاميذه . وكانت ولا تزال خير عون للمجاهدين في طريق الملكوت ، يتلونها سراً وبكثرة في كل مكان ، وزمان ، وموقف . إنها صلوات كالسهم، يخترق حجب السماء ، و يستقر أمام الله في مقادسه العليا ، فيستجيب قلب الله الحاني، للإنسان المحتاج . د ـ الصلوات التلقائية : والكنيسة تطلب منا أن نتحدث مع الله بقلب مفتوح وبساطة تامة، لكي يتحنن علينا برحمته، ويسكب علينا نعمته ، و يتدخل في كل شئون حياتنا المتنوعة ، لتختبر يمينه القدوس وقدرته اللانهائية في تسيير أمورنا بكل زواياها ، وفى سد احتياجاتنا بكل نوعياتها . ٢ - السمة الجماعية : فكلمة ليتورجيا معناها عبادة شعب « لى - لاوس = شعب ، ارج = عمل ) ... من هنا تكون عبادتنا ذات صبغة جماعية لأننا كنيسة ( اككليسيا = جماعة ) ، ومن هنا كانت مردات القداس الجماعية : « بشفاعة والدة الإله ... أنعم لنا بغفران خطايانا » ... «آمين آمين آمين بموتك يارب نبشر» ... « نسبحك نباركك نشكرك ... »إلخ . والمسيحى الأرثوذكسى لا يحس أنه فرد مستقل ، بل عضو في الجماعة المؤمنة والجسد المقدس، فنحن » أعضاء بعضنا لبعض »(رو۱۲: ه). ۳۔ السمة الطقسية : فالعبادة في كنيستنا لها طقس ( = نظام ) ، « وحسب ترتيب » ( اکو١٤ : ٤٠). فالقداس كما هو في مصر وفى المهجر، والقراءات ، والألحان ، والمناسبات ، والأعياد ، كنيسة واحدة ، نظام واحد ، وهذا جوهره أن نحيا إحساس الجماعة المتحدة بالروح .فلندخل معاً إلى العبادة الأرثوذكسية ، طريقنا إلى الشبع الحقيقي بالرب ، والاتحاد الكامل بالجسد المقدس. نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
20 يونيو 2023

أبعاد حياة الشركة (٥) أنتـم نــور العـالـم

المؤمن المتحد بالمسيح ، وبالقديسين ، و بالأخوة ، هو بلاشك يحيا البعد الرابع والأخير من أبعاد الشركة، أعنى : الاهتمام والإحساس بدور ورسالة !! أنتم نور العالم : إن الرب يسوع لم يسأل أن يأخذنا من العالم ، بل أن يحفظنا من الشرير (يو١٧: ١٥)... بمعنى أنه يريد منا أن نقوم بدور ورسالة في نشر محبته ، وكلمته ، وإنجيله ، ورسالة الخلاص الذي لنا فيه في كل مكان وزمان ومع كل إنسان ! لهذا قال لنا : « أنتم نور العالم » ( مت ٥ : ١٤ ) . « أنتم ملح الأرض » ( مت ٥ : ١٣ ) . « تلمذوا جميع الأمم » ( مت ۲۸ : ۱۹ ) . « اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل ، للخليقة كلها » (مر١٦ : ١٥). " أنتم رسالتنا ، مكتوبة في قلوبنا ، معروفة ومقروءة من جميع الناس" (۲كو۳ : ۲) واضح إذن ، منذ بداية التجسد أن الرب قد فتح الباب لجميع الأمم ، فهو الذي قيل عنه « هكذا أحب الله العالم » (يو٣ : ١٦) ، وهو الذي قال : «لى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ، ينبغي أن آتي بتلك أيضاً ، فتسمع صوتي ، وتكون رعية واحدة وراع واحد » (يو١٠ : ١٦). لذلك أوصى تلاميذه : « تكونون لي شهوداً في أورشليم وفى كل اليهودية ، والسامرة، وإلى أقصى الأرض» (أع ١: ٨). من هو المسيحي : المسيحي إذن هو الإنسان الذي يرى الناس في أعماقه شخص المسيح ، حباً ووداعة وقداسة ونقاء، وبذلاً وخدمة وعطاء إنه الإنسان الذي يحس الناس فيه بروح الرب يسوع ، وسماته ، وفكره ، فيمجدون شخص الرب إذ « يروا أعماله الحسنة» ( متی ٥ : ١٦).إنه إنجيل متحرك بين الناس ، حين يسلم أحد عليه يقرأ كورنثوس الأولى ١٣ ، وحين يفحصون أعماقه يتلامسون مع روح الله الساكن فيه، وحين يحاربه عدو الخير يسمع الجميع هتافه « يعظم انتصارنا بالذي أحبنا » ( رو٨ : ۳۷ ) .إنه الإنسان الذي يقتحم قلوب الناس بالحب ، وينشر الخير والفضيلة في كل مكان ، ويعطى الحكمة الإلهية في كل موقف ، ويصنع السلام بين المتخاصمين، وينير طريق السائرين في الظلمة .قائلاً للناس : إنه السفير المخلص الذي يطلب عن المسيح « تصالحوا مع الله » (۲کوه : ٢٠)، وهو النور الذي يشرق على ظلمات الدنيا ، فينشر رائحة زكية وتعاليم مقدسة وكلمات مملوءة حياة وحباً ، وهو الملح الذي يذوب و ينسى ذاته ، ولكنه لا يضيع هباء ، بل يقوم بدوره الأساسي في إعطاء الطعام (هذا العالم) الطعم المستساغ ، وفى حفظ الطعام ( هذا العالم أيضا ) من الفساد... ختاماً : أترك لدى القارىء الحبيب هذه التساؤلات : هل أحيا حياة الشركة المقدسة بأبعادها الأربعة ؟ هل أنا أتحد بالرب كل يوم من خلال الصلاة والإنجيل والتناول والخدمة ؟ وهل أنا أحس بالقديسين ، واتشفع بهم ، وأدرس حياتهم وتعاليمهم ، لأسير على آثار الغنم ؟ وهل أنا أحس بإخوتي في الكنيسة ، فأحبهم وأخدمهم وأتكامل معهم دون تعال أو كبرياء أو استغناء ؟ وهل أنا سفير للرب في العالم ، أقدم صورته الحلوة ومحبته المملوءة عذوبة وصفاء؟ الرب يعطينا جميعاً ... أن تكون كذلك !! نيافة الحبر الجليل الانبا موسى اسقف الشباب
المزيد
13 يونيو 2023

أبعاد حياة الشركة (٤) أعضاء كثيرة وجسد واحد

تحدثنا فيما مضى عن بعدين من أبعاد حياة الشركة وهما : أتحادنا بالسيد المسيح رأس الجسد، واتحادنا بالقديسين السمائيين الأعضاء الظافرة في الجسد المقدس ، الذي هو الكنيسة . وحديثنا اليوم عن البعد الثالث في حياة الشركة وهو: اتحادنا باخوتنا المؤمنين ، من خلال سر الأفخارستيا . سر الشركة : التناول في الكنيسة يدعى سر الافخارستيا ، أو الشكر، أو الشركة المقدسة Holy Communion ذلك لأننا من خلال هذا السر المقدس ننال نعمة الثبات في الرب ، ونشكر الرب على عطاياه الكثيرة ، ونتحد معاً في جسد واحد «كأس البركة التي نباركها، أليست هي شركة دم المسيح ؟! الخبز الذي تكسره ، أليس هو شركة جسد المسيح ؟! فإذن نحن الكثيرين خبز واحد ، جسد واحد، لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد» (اکو۱۰: ١٦ ،١٧) لهذا تحرص كنيستنا على تقديم قربانة واحدة كحمل مهما كان عدد المتناولين، وكذلك كأس واحدة لنشرب منها جميعاً ، فتحس بالوحدة التي لنا في المسيح . والحقيقة أن الأفخارستيا هي محور الحياة المسيحية والكنيسة ، لأننا فيها : ١- نتحد بالسيد المسيح إذ نتناول جسده ودمه الأقدسين . ٢ - نتحد بالسمائيين ، إذ يحضرون معنا القداس ، سواء أكانوا القديسين أو الملائكة . ٣ ـ تتحد ببعضنا البعض كمؤمنين فنصير اعضاء كثيرة ولكن جسد واحد » (اکو ۱۲ : ۲۰). العضو والفرد : هناك فرق شاسع بين الفرد والعضو فالفرد منفصل، مستقل بذاته ، أما العضو فليس له وجود ولا قيمة إلا باتصاله ببقية الأعضاء ، واتحاده بها داخل الجسد الواحد . والعضو له وظيفة محددة ، وخدمة هامة لبقية أعضاء الجسد، وإلا صار « زائدة » يستحسن استئصالها . كذلك فالعضو مختلف تماماً عن بقية الأعضاء، ولكنه يتكامل معها ، ومن مجموع الأعضاء المتنوعة يتكون الجسد .ومن المستحيل أن يرى إنسان في نفسه أنه مكتف بذاته ،فهو بهذه الطريقة يتصور أن الجسد يمكن أن يختزل إلى عضو واحد ... « لو كان كل الجسد عيناً ، فأين السمع ؟ ولو كان الكل سمعاً ، فأين الشم » ( ۱كو۱۲ : ۱۷). تطبيقات حياتية : ١- لو عاش المؤمن بهذا الإحساس ، إحساس العضوية في الجسد الواحد ، لن يسقط في الكبرياء ، لأنه سيشعر أنه محتاج إلى كل أخوته ويستحيل أن ينفصل عنهم أو يكتفى بنفسه . ٢ ـ كذلك فإنه سيحاول أن يكتشف دوره في الجسد الواحد ، ما كان الصلاة من أجل الكنيسة كالآباء النساك المتوحدين ، أو الكرازة بالكلمة كالخدام برتبهم ودرجاتهم، أو عمل المحبة والانتقاد ، أو تقديم نشاطات كثيرة متنوعة ومتكاملة . ٣- وحين يحس بهذا الدور ، فو لن يستكبر، بل سيسلك باتضاع عالماً أن دوره هذا عطية من الروح القدس ، ولا قيمة له بدون الأدوار الأخرى لغيره من الأعضاء . ٤ ـ ولن يحسد غيره لما عنده من مواهب ، لأن الرب قد خصه هو بمواهب وعطايا أخرى نافعة . ه ـ ولن يهمل في حق بقية الأعضاء الجريحة والمتألمة والفقيرة والبعيدة والمرتدة ، إذ سيحس أنها كلها تنتمى إليه، ومسئولة إنها الوحدة المقدسة التي لنا في المسيح، فهل تذوقتها أيها القاريء الحبيب أرجو ذلك لتحيا جميعا إحساس الشركة المقدسة ... والرب معك . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى اسقف الشباب
المزيد
06 يونيو 2023

أبعاد حياة الشركة ( ٣ ) شركتنا مع القديسيـن

تحدثنا في العدد الماضي عن البعد الأول والأساسي في حياة الشركة وهو: شركتنا مع الله ، وضرورة الثبات والاتحاد بالسيد المسيح من خلال الصلاة والكلمة والأسرار والخدمة . واليوم ننتقل إلى البعد الثاني في حياة الشركة وهو شركتنا مع القديسين . كورة الأحياء : ١- إن التعليم الكتابي الأكيد في هذا الموضوع أن إلهنا « إله أحياء وليس إله أموات » ( لو ۲۰ : ۳۸). والأحياء الذين عاشوا على الأرض في حالة صلاة دائمة، يستحيل أن يكفوا عن النسيم الإلهي وهم في الفردوس في معية الرب « اليوم تكون معى في الفردوس » ( لو٢٣ : ٤٣). لذلك فالحقيقة الأولى هي ان القديسين أحياء، ولا يكفون عن الصلاة والتسبيح ، كما يتضح من سفر الرؤيا أيضاً . ۲ ـ وهم أيضاً يحسون بنا ، بدليل إحساس الغنى ( رغم أنه شرير) باخوته على الأرض ... أنظر مثل الغنى ولعازر ( لوقا ١٦ : ۱۹ - ۳۱ ) بل إن مشاعر هذا الغنى الشرير رقت لدرجة أنه اهتم بأن لا يأتى أخوته إلى هذا العذاب ، عذاب الجحيم، الذي فيه ينتظر الأشرار يوم الدينونة الأبدية الرهيبة . ٣- والقديسون ـ حسب نص الإنجيل - هم «سحابة شهود محيطة بنا » (عب ۱۲: ۱)، والسحابة مرتفعة ولكنها قريبة ، كذلك القديسون في عالم الفردوس ولكنهم قريبون منا كذلك فالسحابة بيضاء رمز نقاء القديسين ، وفيها المطر والرخاء رمز عطاء القديسين وحبهم لنا . ٤- والرب نفسه طلب منا أن ننظر إلى « نهاية سيرتهم فنتمثل بإيمانهم » ( عب ١٣ : ٧ ) وهذه وصية إنجيلية هامة أن نتأمل حياة القديسين بعد أن تنتهى سيرتهم على الأرض ، وتبدأ حياتهم الأبدية في الفردوس . شركتنا معهم : مما سبق يتضح أننا نكون مع القديسين السمائيين، جسداً واحداً ، كنيسة واحدة ، يحس بعضها بالبعض الآخر، ويصلي بعضها عن البعض الآخر... لهذا نرى في كنيستنا بعض التعبيرات التي تدل على هذه الشركة مثل : ١ـ التشفع بهم إذ يختار كل منا شفيعاً أو أكثر ، يكون سنداً له ونبراساً لحياته . ٢ - الاقتداء إذ ندرس سيرهم وأقوالهم ، حسب تعبير القديس أنطونيوس : « كتبي هي شكل الذين كانوا قبلى » ، أي أنه كان لا يكف عن دراسة سير من سبقوه في الطريق المقدسة . ٣- الإحساس بحضورهم من خلال الأيقونات في الكنيسة، والتي لا تعتبرها مجرد صور تذكارية بل نرى أنها تحمل لنا حضور القديس شخصياً ، بدليل أننا ندشنها بالميرون ، ونقدم البخور أمامها ، أي أننا نطلب من صاحب الأيقونة أن يشترك معنا في الصلاة، حيث البخور رمز الصلاة المرتفعة أمام الله . كذلك فنحن نقبل الأيقونة باكرام على أساس هذا الإحساس ، أننا نقبل صاحب الأيقونة الحاضر معنا . ٤- نصلي لأجلهم تماماً كما أنهم يصلون من أجلنا من هنا كان مجمع القديسين في القداس الإلهى، والتسبحة اليومية ، والقداسات التي نرفعها باسم النفوس التي سبقتنا إلى الفردوس ، حيث نطلب لها الراحة والنياح كما طلب بولس الرسول من أجل أنيسيفورس ( ۲تی ۱ : ١٦). فهل لك ـ أيها القارىء الحبيب - شفيع محدد ؟ وهل أختبرت مساندته لك في حياتك ؟ إن كانت الملائكة أرواحاً خادمة لنا فكم بالحرى من عاشوا مثلنا في الجسد؟! اقرأ واشبع بسير القديسين لتتقدس حياتك مثلهم والرب معك . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
02 مايو 2023

الظهورات المتعددة

"وكان يظهر لهم أربعين يوما" (أع ١: ٣)لا نستطيع أن نحدد بالضبط عدد المرات التي ظهر فيها السيد المسيح للتلاميذ بعد قيامته، وحتى صعوده إلى السموات. فالكتاب يقول أنه "كان يظهر لهم أربعين يوما، دون أن يحدد عدد المرات. ولكننا من خلال هذه الظهورات المسجلة نستطيع أن نجد دليلا قويا وبرهانا أكيدا على قيامة السيد المسيح. ١. ظهورات كثيرة: فلقد سجل لنا الكتاب المقدس أحد عشر ظهورا على الأقل للسيد المسيح، ترتيبها على الأرجح، كما يلي: ١- ظهر للمجدلية بمفردها، (مر ١٦: ٩؛ یو ٢٠: ١٦). ٢- ظهر للمريمات (مت ٢٨: ٩). ٣- ظهر لتلميذي عمواس (مر ١٦: ٢؛ لو ٢٤: ١٣-٣٥). ٤- ظهر للتلاميذ في علية أورشليم يوم القيامة بدون توما (مر ١٦: ١٤؛ لو ٢٤: ٣٦-٤٢؛ يو ١٩:٢٠-٢٣). ٥- ظهر لسمعان (لو ٢٤: ٣٤). ٦- ظهر ليعقوب (١کو ١٥: ٧). ٧- ظهر مرة أخرى للتلاميذ ومعهم توما في الأحد التالي للقيامة، وذلك في العلية بأورشليم (يو ٢٤:٢٠-٢٩) (١ كو ١٥: ٧). ٨- ظهر للتلاميذ على جبل الجليل ( مت ٢٨: ١٦-١٧). ٩- ظهر لسبعة تلاميذ على بحيرة طبرية (يو ٢١: ١-٢٢). ١٠- ظهر لأكثر من خمسمائة أخ دفعة واحدة، أكثرهم عاش حوالي ربع قرن بعد صعوده، وشهد لقيامته (١كو ١٥: ٦). ١١- ظهر لتلاميذه على جبل الزيتون يوم صعوده (لو ٢٤: ٥٠-٥٣؛ أع ١: ٩-١٢) . وهذه الظهورات الكثيرة- غير التي لم تدون- تأكيد على صدق قيامة الرب، فالمرات كثيرة ومتعددة. ٢. لأشخاص كثيرين: كانت هذه الظهورات لأشخاص كثيرين، منهم النسوة والرجال، المصدقون بسهولة، والشكاكون، لشخص واحد أو لاثنين، أو لبضعة أشخاص أو لجماعة التلاميذ، أو لمئات مرة واحدة. وهذا يؤكد صدق القيامة، فكيف تتفق هذه الأعداد كلها على أمر كاذب؟ وهل للكذب أن يقف على رجليه طويلا ؟ ٣. أماكن كثيرة: تمت الظهورات في أماكن متعددة، في القبر، وخارج القبر، وفي الطريق إلى عمواس، وفي علية أورشليم، وفي بحر طبرية، وفي جبل الجليل، وفي جبل الزيتون، إذن، فقد تنقل التلاميذ كثيرا ليشاهدوا هذه الظهورات الحية، وكانوا حتما في صحو ويقظة. ٤. حوار متبادل: لقد تم في هذه الظهورات حوار متبادل طويل بين الرب وتلاميذه السلام لكم... كما أرسلني الآب أرسلكم أنا" (يو ٢٠: ٢١)... . ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت ٢٨: ٢٠). " أقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لو ٢٤: ٤٩). "وكان يتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع ١: ٣). أليست هذه كلها أحاديث صحو وانتباه؟ ٥. لمس حسي: لقد سمح الرب لهم بأن يلمسوه، مكسبا جسده النوراني أبعادا حسية حتى يتأكدوا من قيامته، بنفس الجسد الذي مات به، 'جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو ٢٤: ٣٩)، "هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا" (يو ٢٠: ٢٧)، فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له" (مت ٢٨: ٩). ٦. أكل قدامهم: وذلك عدة مرات، تأكيدا لقيامته المجيدة، بنفس الجسد الذي مات به... "أعندكم ههنا طعام؟ فناولوه جزءا من سمك مشوي، وشيئا من شهد عسل، فأخذ وأكل قدامهم" (تماما كما أكل الملاك مع إبراهيم في العهد القديم) (لو ٢٤: ٤١-٤٢). وعلى بحر طبرية سأل التلاميذ: "ياغلمان ألعل عندكم إداما"؟... ولما أعلموه بأنهم لم يصطادوا شيئا، ووهبهم سمكا كثيرا بقوة لاهوته قال لهم: قدموا من السمك الذي أمسكتم الآن.. هلموا تغدوا" (يو ٢١: ١-١٤)، وذلك بعد أن وصلوا إلى الشاطيء، ووجدوا حجرا موضوعا، وسمكا موضوعا عليه، وخبزا... تناقضات ظاهرية: ورغم هذه الظهورات الأكيدة، حاول بعض النقاد أن يجدوا بعض التناقضات، التي هي بالقطع ظاهرية، فمثلا: ١. عدد النسوة: قالوا إن القديس يوحنا تحدث عن المجدلية وحدها، بينما تحدثت الأناجيل الثلاثة الأخرى عن أكثر من امرأة، وهذا واضح جدا، فهما ظهوران لا ظهور واحد، الأول للمجدلية في القبر "انحنت إلى القبر" (يو ٢٠: ١١) والثاني خارج القبر للمريمات "فخرجنا سريعا من القبر... وفيما هما منطلقتان لتخبرا التلاميذ، إذ يسوع لاقاهما، وقال لهما سلام لكما" (مت ٢٨: ٨-٩). ٢. لا تلمسيني: قالوا بتناقض بين قوله للمجدلية "لا تلمسيني" والسماح لها بالإمساك بقدميه ( قارن يو ٢٠: ١٧، مت ٢٨: ١٠). وكما ذكرنا فهما ظهوران، في الأول لم يسمح لها بلمسه إما لأنها لم تؤمن به كما يجب وظنته البستاني. أو لأنه كان بجسد نوراني لا يلمس، وفي الثاني سمح لهما بالإمساك بقدميه تأكيدا لقيامته، إذ أكسب الجسد النوراني أبعادا حسية. ٣. الغرض من زيارة القبر: ذكر القديسان مرقس ولوقا أن الغرض كان "دهن الجسد" ( مر ١٦: ١، لو ٢٤: ١)، بينما ذكر القديس يوحنا أن نيقوديموس قام بتكفين الجسد مع الأطياب" ( يو ١٩: ٤٠). والفرق أن هذا "تكفين" كما لعادة اليهود أن يكفنوا، وذاك "دهن للجسد كتكريم إحساسا بأنه لم يأخذ الكرامة اللائقة والأطياب الكافية عند دفنه بسبب ما صاحب ذلك من زلزلة وظلام وارتباك. ٤. عدد الملائكة: قالوا إن القديس متى تحدث عن ملاك واحد جلس على الحجر بعد أن دحرجه، والقديس لوقا إنه شاب يلبس ثيابا بيضاء، والقديسان لوقا ويوحنا إنهما ملاكان، ولا تناقض في ذلك، فهي تركيزات أو لقطات من زوايا مختلفة، فمن تحدث عن ملاك واحد كشاب يلبس ثيابا بيضاء ركز على الملاك الذي تحدث إلى النسوة أما الإنجيل الذي تحدث عن ملاكين، فقد ركز على عددهم فقال إنهما كانا اثنين. التركيز الجوهري كان على حقيقة القيامة، أما هذه الأمور فهي أشبه بمصور يلتقط صورة للحدث من زاوية. بينما يلتقط الآخر صورة لنفس الحدث ولكن من زاوية أخرى. دروس روحية من الظهورات: تذخر الظهورات بدروس روحية عديدة منها: ١. أن الرب يهتم بالنفس الواحدة، فقد ظهر للمجدلية، ويعقوب، وبطرس، واحدة من أجل حبها الجبار. والثاني لأنه سيكون أسقفا لأورشليم مركز الإرساليات، والثالث ليدعم توبته ورجاءه، ويؤكد له أنه يحبه "قلن لتلاميذه ولبطرس" (مر ١٦: ٧). إن يسوع يحبك يا أخي القاريء، يحبك شخصيا، ويعرفك باسمك، وبكل ظروفك واحتياجاتك، وينتظر منك دعوة الدخول، للتطهير والتقديس والفرح. فهل تفتح له قلبك؟ ٢. إن الرب يعالج ضعفاتنا مهما كانت مخزية، فهو الطبيب الحقيقي، والراعي الصالح، ومخلص نفوسنا، لهذا ظهر خصيصا لتوما الرسول، ليداوي شكه، ومن خلال شكوكنا نحن. فهل نحن في ضعف، أي ضعف؟ إن ضعفاتنا الروحية والنفسية مكشوفة أمامه، وهو قادر أن يعالجها بحبه، ويجعلنا نهتف بعد شفائنا ربي وإلهي" ( يو ٢٠: ٢٨)، وتتقدم للشهادة لاسمه في كل مجال ومكان. ٣. وهو القادر أن يلهب قلوبنا بكلماته الإلهية.تماما كما فعل مع تلميذي عمواس، فرغم انحدارهما إلى العالم، رافقهما مفتقدا بحبه، ثم ألهب قلبيهما بصدق مواعيده، وحلاوة حديثه، ونعمة فدائه، وهكذا عادا إلى أورشليم، مدينة الأحداث والقيامة والكرازة. يسوع جاء إليهم إلى حيث هم، في ضعفهم وعبوستهم وشكهم، وخلصهم وأراحهم. وهو أيضا مستعد أن يأتي إليك يا صديقي القاريء حيث أنت، في بيتك المتواضع، وقلبك المتعثر، وإرادتك المتقهقرة... يأتي لينتشلك من أحزان الدنيا، ومرارة الخطية، ويصعدبك إلى أورشليم الفرح والنصرة... فهل تسمح له بأن يقترب إليك، ويلهب قلبك من خلال الإنجيل. ٤. وعندما يجلس إليك، ويعطيك جسده ودمه الأقدسين، وتتحد به، ستكتشف فجأة إنه اختفى من أمام عينيك، وذلك لأنه حل في أحشائك. نعم يسوع يريد أن يتحد بك يا أخي القاريء، فاحذر أن تفقد هذا النصيب ! دروس عقائدية من الظهورات: ١. إن الرب قام... بالحقيقة قام... وظهر لكثيرين.. رأوه.. ولمسوه.. وتحادثوا معه.. وأكل قدامهم. ٢. إن جسد القيامة جسد نوراني روحاني، لا يلمس ولا يحس، لا يمرض ولا يجوع، لا يخطي ولا يموت. وإننا سنلبس نفس هذا الجسد، حين نقوم مع الرب. ٣. إن للرب أحاديث طويلة عن ملكوت الله لم تدون في الأناجيل المقدسة، ولكننا تسلمناها من خلال التقليد الرسولي. وكما ان الإنجيل سلمته لنا الكنيسة كتقليد رسولي ثابت، هكذا بقية التقاليد تسلمناها في يقين يدا بيد، وهي لا تتعارض إطلاقا مع روح الإنجيل ونصوصه، وهو الفيصل النهائي في كل شيء. أخيرا يا أخي الشاب... ويا أختي الشابة... كل عام وأنت أكثر حبا للمسيح، وتكريسا لشخصه المبارك، وخدمة لإنجيله المحيي. كل عام وأنت تتقدم إلى الأمام ، رفقة المسيح الحي، الذي مات لأجلك، وقام لأجلك. وهو الآن حي يشفع فيك إلى الأبد. كل عام وأنت تنفذ دائما نداء الرب "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا" ( يو ٢٠: ٢١). فتخرج من أمام عرش النعمة كل يوم، بكلمة شهادة، وخيمة خلاص، فهذا أقوى براهين القيامة وأبقاها... والرب معك. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل