المقالات
13 أكتوبر 2024
الاحد الاول من شهر بابة
تتضمن تقبيح الكذب والنهى عنه مرتبه على فصل ابراء المخلع. ( مر ۲ : ۱ - ۱۱ )
إن سيدنا له المجد قد أبرأ مخلعين: الأول عند بركة الضأن التي يقال لها بالعبرانية "بيت حسدا" والثاني أبرأه فى كفر ناحوم. وقد سمعتم خبره بالفصل الذي تلى على مسامعكم اليوم وملخصه إن السيد دخل بيتا في كفر ناحوم فاجتمع حوله كثيرون من الكتبة وغيرهم وكان يخاطبهم بالكلمة. وإذا بأربعة رجال جاءوا يحملون مفلوجا وقدموه اليه. فلما رأى إيمانهم قال للمفلوج: يا بنى مغفور لك خطاياك" ففكر الكتبة في قلوبهم قائلين: لماذا يتكلم هكذا بتجاديف. من يقدر يغفر خطايا إلا الله وحده فأظهر السيد غيرة شديدة ضدهم لم يظهر مثلها من قبل. فإن الفريسيين قد نددوا عليه قائلين: "إنه بيعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين" واليهود شتموه مرة قائلين له: "انك سامرى وبك شيطان" ولكنه لم يقاوم بمثل هذه المقاومة ولا بمثل هذه الغيرة والحمية التي قاوم بها الكتبة هذه المرة. وكانوا يستحقون أكثر من ذلك لأنهم ظنوه كاذبا وغاشا. فأراد أن يبين سلطانه على مغفرة الخطايا وقوته على إظهار الخفايا . فقال لهم: "لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم. أيما أيسر أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك. أم أن يقال قم أحمل سريرك وامش" فلم يجاوبوه فعاد قائلا لهم: "ولكن لكى تعلموا أن لابن الانسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج لك أقول قم أحمل سريرك واذهب إلى بيتك. فقام للوقت وحمل السرير قدام الكل حتى بهت الجميع ومجدوا الله قائلين: " ما رأينا مثل هذا قط" وهذه الحمية موبخاً الكتبة على خبثهم وسوء فكرهم. وكثرة نفاقهم وكذبهم. لان الكذب مبغوض ومكروه من الله. وقد نهانا عنه في شريعة التوراة بالوصية التاسعة حيث قال: "لا تشهد على قريبك "زور وفي شريعة الإنجيل قال: "ليكن كلامكم نعم نعم لا لا . وما زاد على ذلك فهو من الشرير" أراد السيد المسيح له المجد أن يعلن لنا بغضه للكذب. فظهر بهذه الغيرة ولنبين لمحبتكم نتيجة الكذب وكيف أنه مكروه من الله. وكيف يعاقب الكاذب بأشد العقوبات. فأصغوا لي بآذانكم وقلوبكم قد جاء بالعهد القديم ان فرعون كذب ثلاث مرات الأولى لما غطت الضفادع أرض مصر الثانية لما ملأ الذبان بيوته وبيوت عبيده الثالثة لما ضرب البرد الناس والبهائم في كل أرض مصر فقد وعد فرعون في كل مرة من هذه الثلاث بأنه يطلق الشعب لكى يعبدوا الرب إلهم ولكنه لم يطلقهم. فكان عقابه أنه غرق هو وكل جيشه مع مركباته وفرسانه في قاع البحر بحيث لم يبق منهم ولا واحد
وجاء به أيضاً ان نعمان الآرامي كان مريضاً بداء البرص فأتى إلى اليشع النبي فطهره من دائه ولم يقبل منه الهدايا التي أحضرها معه ليقدمها مكافأة له بعــــد تطهيره. فرأى تلميذه جيحزى وسمع كل ذلك فركض وراء نعمان ومعه أثنان من رفقائه ولما لحقه قال له: هوذا قد جاء لسيدى اثنان من بنى الانبياء في هذا الوقت وهو يقول لك أعطهما وزنة من الفضة وحلتى ثياب. فأعطاه نعمان بدل الوزنة وزنتين من الفضة مع حلتى الثياب كما طلب. فأخذ جيحزى كل ذلك ومضى فأخفاه في بيته ثم عاد فدخل على سيده أليشع ووقف أمامه فقال له: من أين يا جيحزى؟ فقال لم يذهب عبدك إلى هنا أو هناك. فقال له ألم يذهب قلبي حين رجع الرجل للقائك. أهو وقت لأخذ الفضة ولأخذ الثياب فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد فخرج من أمامه أبرص كالثلج وجاء بالعهد الجديد إن المؤمنين فى زمان الرسل كانوا بقلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له بل كان عندهم كل شئ مشتركاً وأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج ورجل اسمه حنانيا وأمرأته سفيره باع ملكا واختلس من الثمن وامرأته لها خبر ذلك وأتى بجزء ووضعه عند أرجل الرسل فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملاً الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل أنت لم تكذب على الناس بل على الله فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات وصار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك فنهض الاحداث ولفوه وحملوه خارجاً ودفنوه ثم حدث بعد مدة نحو ثلاث ساعات أن أمرأته دخلت وليس لها خبر ما جرى فأجابها بطرس قولى لى أبهذا المقدار بعتما الحقل فقالت نعم بهذا المقدار فقال لها بطرس ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب هو ذا أرجل الذين دفنوا رجلك على الباب وسيحملونك خارجاً فوقعت في الحال عند رجليه وماتت فدخل الشباب ووجدوها ميتة فحملوها خارجاً ودفنوها بجانب رجلها" فمن يسمع بمثل هذا القصاص ولا يبغض الكذب من كل قلبه ؟ !! هذا وان قلتم لماذا كان الله يقتص من مخالفى الوصايا بصرامة في الزمان العابر أما في هذه الأيام فلا شئ من ذلك؟ مع أن البشر اليوم يخالفون أكثر من سالفيهم ويعملون أردأ مما كان يحدث قبلاً بكثير ؟ أجبتكم بأنه يوجد يوم للدينونة وسيجازى كل واحد بحسب أعماله إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً أما تأديباته قديماً فإنما كانت بشدة ليعلم البشر إن الله يبغض الكذب والكاذبين ويكره النفاق والمنافقين فالكذب إذن مضر بقائليه مشين بسامعيه وناقليه لأنه يفرق الأخ من أخيه والآب من ابنه والابن من ابيه فكم من ذوى حسب ونسب وكم من رجال شرفاء وعقلاء حكماء تربوا في المهد وتعلموا العلم والحكمة وعرفوا أسرار الأمور ولكنهم لم يعرفوا كيف يتخلصوا من رذيلة الكذب فإن قلت لماذا؟ أجبتك بسبب تحكم العادة على حرية الإرادة لأن العادة إذا تمكنت من إنسان تصير كطبيعة له وليس بأمر يسير يقهرها الإنسان مهما كان بل يقهر الجسد والجام الشهوات وطلب المساعدة من الله.فسبيلنا أيها الأحباء أن لا نكون من هؤلاء بل ليكن الصدق رائدنا في جميع معاملاتنا ومحادثاتنا عملا بنواهى ربنا حتى نجوز أيام غربتنا بسلام آمنين فنصل إلى الميناء الهادئ الأمين بتعطف وتحنن فادينا له المجد إلى دهر الدهور كلها أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
06 أكتوبر 2024
الأحد الرابع من شهر توت
.تتضمن تبكيت النساء على التزين بحلى الذهب والاعراض عن التجمل بالأعمال الصالحة مرتبة على فصل الخاطئة ( لو ۷ : ٣٧-٥٠ )
إلا تنظرين ايتها المرأة إلى سيرة النساء اللواتي كن في القديم وكيف اجتهدن في تحصيل زينة النفوس الناطقة لا الأجسام البالية حتى استحقت بعضهن بذلك أن تمسك قدمى سيدنا له المجد لكنى أقول لكن أيتها الحاضرات إن أنتن فعلتن جميع ما ينبغى بحب ونشاط نلتن أعظم مما نالته غيركن لأنكن إذا أخذتن من السرائر المقدسة باستحقاق فقد وصلتن إلى أعظم المواقف السماوية وليس هذا فقط بل وستنظرن المخلص أتيا بذلك المجد الذى لا يوصف وتسمعن صوته الفرح القائل: "تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" فالأليق بك أيتها اللابسة حلى الذهب أن تضمى قونك وتتزيني بحلى أولئك إذا لا منفعة لك في أن تلبسي ثيابا فاخرة وتعلقى في عنقك الجواهر النفيسة وتتخذى الأساور ليديك والأقراط الذهب لأذنيك. وأشياء اخر كثيرة تتحلين بها مما لا تدعو الضرورة. فإن قلت أن النفس تسر بذلك وتطرب قلت إني لا أسأل عما يسر النفس الحيوانية ويطربها بل عن الضرر الحاصل بسبب لك الزينة اللحمية لأنه لا شئ في العالم أشد على النفس العاقلة من التشاغل بالأمور الفانية والاغتباط بها والتمسك بشدة عليها لأن السرور بالزائلات هو تعبد لها وإذا كنا إلى الآن تؤثر الفانيات على الباقيات فمن نوجد رافضين لها وضاحكين على المتهاتفين عليها ؟ لأن المقيمين في السجون إذا وجدوا متلذذين بحالهم تلك فكيف يكرهون المقام فيها ؟ ويتحايلون على الخروج منها وهل يطلب البقاء بها إلا الاراذل من الناس والاشقياء الذين لا بيوت لهم ولا مستقر ولكن الذين يعلمون أن لهم بيوتا مشيدة مزينة ويرون أنفسهم في السجون فإنهم يبذلون أموالهم ويصانعون الولادة والحكام ليبرروا خروجهم من هناك. يأمروا برجوعهم إلى منازلهم. وقد علمت أن الدنيا هي سجن المؤمن فكيف يجوز للعقلاء الالتذاد بالسجون إلا إذا أهملوا ذواتهم وأخربوا المنازل التي كانت لهم هناك مهيأة. فأخبريني الآن أيتها المرأة ما هي فائدة اتخاذك الحلى هنا ونحن مقيمون في السجون؟ فإن قلت أفعل هذا لكي أفوز وأظفر بالكرامة من الناظرين لي قلت وهذه علة لفساد آخر فضلا عن التشامخ والتفاخر والاعجاب وانكسار قلوب المقلين. لان الأصحاب والأقارب من النساء يتشوقن إلى مثل ذلك. فيحزن ويندبن ويشوشن بيوتهم ويرتكبن شرورا كثيرة لا نهاية لها. ويكلفن رجالهن جميع الاموال من غير وجوهها. ويحملنهم على السرقة والظلم وسائر الشرور الردية. فها قد سألتك عن المنفعة الصالحة فأجبتنى بمضرة تستلزم شرورا كثيرة تنتج من ذلك. ولقد خرجت من حين الانسانية وصرت كالنسور الطائرة نحو السماء. أو مثل الكلاب والخنازير الذين يبحثون في الأرض. ويتهافتون على الأوساخ ورمم الأموات وعظامهم. فإن قلت إنني عند المضى إلى الكنيسة أجوز بالطرق فأريد أن أكون عند الناس بزى الوقار . قلت وهذه أعظم الحالات شرا. ولهذا السبب بعينه ما كان ينبغي لك أن تلبسى ذهبا ولا حريرا لتميلي إليك أبصار الفاسقين. وتسرع اليك نواظر الزناة والاشقياء والمتنعمين فتصيرين مشهدا وملعبا . بل وتفتحين أفواه الكثيرين من الناس باللعن والسب على الأهل والأقرباء. وبناء على ذلك قد حصلت عوضا على العز على الهوان والخسران وحينئذ تدخلين الكنيسة وتخرجين بأوزار لا يحصى عددها. وتكسبين أعظم خسرات اسمعى قول الله على لسان أشعياء النبي: "من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الاعناق وغامزات بعيونهم وخاطرات في و غازات مشيهن ويشخشخن بأرجلهن يصلع السيد هامة بنات صهيون ويعرى الرب عورتهن ينزع السيد في ذلك اليوم الخلاخيل والضفائر والأهلة. والحلق والأساور والبراقع والعصائب والسلاسل والمناطق. وحناجر الشمامات والأحراز. والخواتم وخزائم الأنف. والثياب المزخرفة والعطف والأردية والأكياس. فيكون عوض الطيب عفونة وعوض المنطقة حبل وأرجوهن جميعا أن يسمعن قول بولس الرسول الموجــه لهن وهو : كذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل. لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن. بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة فلا يجوز استعمال حلى الذهب والفضة مطلقا في بيت الله ومجامع المؤمنين. لأنه ينسب لصاحبها الجفاء وقلة الانسانية. إذ أنه يكسر قلوب البائسين والملقين وأمثالهم. ويورث صلف النفس وعلوها. ويجلب الفساد والهلاك. فانظرى يا هذه كم كنت تشبعين بهذا المنظر الكاذب من بطون الجياع؟ كم كنت تسترين من أجسام العراة؟ كم كنت تطلقين من المأسورين والمعتقلين؟ كم كنت تفرحين به عن المتضايقين؟ لأنه أفضل لك كثيرا أن تنظرى في مصالح البائسين من أن تتقبى الآذان وتعلقى عدة من الأقراط مما لا يحتاج اليها. فإن كنت إنما تتخذين ذلك للمدح والشرف فانزعيها الآن واصرفيها فى مصالح المحتاجين. وانظرى كم من المديح تتقبلين من الله والناس. وكيف يتناقل شكرك بالأخبار والسير وتتشرفين وتزيدين علوا. ولو قارنوك إذ ذاك بمن لبس كثيرا من حلى الملوك لكان جمالك عند الحاضرين أكثر. لكنك والحالة هذه أنت مهيأة لكل هجو. وقد صرت سبيا لأحزان كثيرين لأنه لو سقطت لؤلؤة من عقدك على الأرض أو بين الجموع كيف كنت تشوشين بيعة الله؟ وكم يلحق الآخرين من الحزن والكآبة؟ وكم من الرجال يتعبون؟ وكم من النساء يتهمون بسببك؟ وحينذاك تكثر الضجات والمخاصمات والمحاكمات واللعنات التي لا يحصى عددها. وياليتك يا هذه لا تقولين إنك جئت لتقتربى إلى المسيح وأنت متزينة بما يأباه ويبغضه. معرضة عما يرضيه ويسره لانه لا يقدر اللابسون مثل هذه أن يدنوا عن علو مجده لأن أصل الذهب وما يتبعه إنما هو التراب وهو عائد اليه بطبعه فلا يجوز والحالة هذه الافتخار بالأرضيات. لكن إن أردت الدخول إلى الكنيسة المقدسة والاقتراب من السيد القوى. فألبسى حلل أولئك النساء الطاهرات أعنى الرحمة والمحبة والاتضاع وخشية الله والعفاف والطهارة وأمثال هذه. ولست أقول هذا لتسمع النساء فقط. بـــــل وليسمع أزواجهن أيضا ويخاطبوهن كما ينبغى. وإذا كان الافتخار بالزينة العالمية
غير لائق بالنساء. فبالأحرى أن يكون بالرجال عارا وخزيا. فسبيلنا أذن أن نبتعد عن الزينة الفانية ونحافظ على التجمل بالباقيات لنفوز بملكوت ربنا يسوع المسيح الذى له المجد دائما. آمين
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
22 سبتمبر 2024
الاحد الثانى من شهر توت
تقرأ بعد أنجيل قداس الأحد الثاني من شهر توت تتضمن الحث على محبة الله والقريب من قول الأنبا ديمتريوس بطريرك انطاكية مرتبة على قوله: "تحب الرب إلهك من كل قلبك وقريبك مثل نفسك " ( لو ١٠ : ٢٥-٢٧ )
اسمعوا يا احبائى وانصتوا : أميلوا أسماعكم وأبصاركم وحواسكم الباطنة والظاهرة إلى أقوال الرب سبحانه على ألسن أنبيائه ورسله انظروا إلى القديسين والآباء واقتدوا بطرقهم الحسنة انظروا إلى الرأفة والمحبة التي للقديسين ولنتشبه بهم وبآثارهم وحبهم لله من كل قلوبكم ومحبة القريب والبعيد لأن الرب إله المجد يعطى الطوبى لمن هذه أفعاله ويؤكد قائلا: "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع الإنسان نفسه لأجل أحبائه" فالأولى بنا ألا نشق عليهم بأذيه أبدا. ولا نسعى فيهم بشر خفى أو ظاهر . واسمعوا قول الرب في انجيله المقدس: "أحب قريبك مثل نفسك" وقال أيضاً: كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم. لان هذا هو الناموس والأنبياء" وقال السادات الرسل في تعاليمهم هكذا فيا لهذا التعاليم العظيمة المملؤة ربحاً ويا لهذه الوصايا الروحانية أن كل ما لا تريده أن يصيبك لا تفعله أنت بأحد فلنرجع يا أحبائى إلى المحبة الكاملة التي ينبغي أن نعتمدها مع الله تعالى وإلى الطاعة التامة لجلاله من كل القلب والنية وحسن الطوبة وننظر إلى أبينا أبراهيم أب الأباء الذي دعى خليل الله وكون الله امتحنه لأنه كان عارفاً بضميره. ولكنه أراد بذلك أن يشيع ذكره لجميع البشر لكي يقتدوا بأثاره الجميلة فقال له: خذ ابنك وحيدك الذى تحبه واصعده لى محرقة على أحد الجبال انظروا إلى هذا الشيخ العظيم كيف انه لم يشفق على من كان يتمنا ولم يحصل عليه إلا بعد كبره وانقطاع رجائه من الولادة ولما أمره الله بذبحه أطاعة ولم يخالفه. فعرف الله فكره وباركه وأعطاه ذكراً مؤبداً وجعله أباً لجميع الشعوب والقبائل وجعل القديسين كلهم ينتسبون إليه يا أحبائى إن كنا لا ننظر إلى أبينا أبراهيم ونتشبه به في ذبح ابنه فلنتشبه بهذه الامرأة الخاطئة التي أفرغت همتها في محبة السيد المسيح له المجد وأخذت الطيب الفائق ودهنت به قدميه حتى استحقت مغفرة خطاياها الكثيرة. أيها الاخوة من منكم له دموع حارة غزيرة مثل هذه الأمرأة. فإن السيد له المجد لم يغفر لها خطاياها فقط. بل جعل لها ذكراً شائعاً مؤبداً. والقديسون يسألون أن يكونوا مثلها فسبيلنا يا أحبائى أن نتشبه بهؤلاء ولا نرخص لانفسنا في عدم الاجتهاد في تحصيل الزاد قبل الارتحال والتأهب للأنتقال فإن الوقت قريب والموت حاضر غير بعيد وبعد الموت الحساب والمجازاة عما قدمناه نسأل ربنا وإلهنا ومتولى خلاصنا أن يسامحنا بذنوبنا ويدخلنا إلى ملكوته الابدى ويعطينا نعمته السرمدية لأن له المجد والقدرة والجبروت والعظمة والوقار مع أبيه الصالح والروح القدس.الآن وكل أوان وإلى الأبد أمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
15 سبتمبر 2024
الأحد الأول من شهر توت
تتضمن الحث على تقديم أوائل الثمرات والعشور والابكار والنذور للكنيسة مرتبة على قوله تعالى:
لم يقم فى مواليد النساء أعظم من يوحنا"( مت ۱۱:۱۱ )
إن شرف الفضيلة عظيم جداً وأن شأنها جليل للغاية، وذلك لأنها ترفع محبها إلى السماء وتسبهه بالملائكة وتمجده في المحافل وتنقله إلى أماكن النعيم وتؤهله لمدائح سيديه هذا عظم مقدارها حتى يستحق قوله : " لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان" وإذا كان هذا الذى تربى فى القفار وتأنس بالوحوش المخيفة ولم يسمع نبياً ولا مبشراً ولا سمع بزاهد ولا متقشف قد أظهر طريق الابرار وأصلح مسالك الفائزين. فالذين يسمعون العظات ويتنبهون بالتعاليم ويقتدون بالشريعة الفاضلة وهم مع ذلك متغافلون كيف لا يعاقبون ويهانون؟ وليس أنهم يطالبون بأزيد من الواجبات عليهم بل أنهم يماطلون في ذات الحقوق ويعرضون عن الفرائض اللازمة ويتمسكون بالزائلات ويستوثقون من محبة اللذات الفانية. حتى أدسى بهم ذلك إلى إهمال الحقوق الواجبة والسنن اللازمة. وإذا كان الذين يجب عيهم دفع الخراج لملوك الأرض وسلاطينها إذا أهملوا القيام بذلك يضربون ويسجنون فكيف لا نعاقب نحن ونهان إذا أهملنا القيام بما يجب علينا من حقوق ربنا. فإن قلت وما هى الحقوق اللازمة لنا المفروضة علينا ؟ أجبتك أنها العشور والنذور وأوائل الثمرات وأول فوائد المتاجر والزراعات وغير ذلك. كقوله تعالى في التوراة عشروا عشوراً من كل غلاتكم وزراعاتكم مما تغل أرضكم فـــــي كـــل سنة الله ربكم وكل بكر يولد من الناس والبهائم فإنهم لى يقول الرب. ويقول أيضا لى على لسان ملاخى النبى مبكتا بنى اسرائيل هكذا: "واما انتم يا بنى يعقوب فلم تتوبوا عن إثمكم ومنذ أبائكم إلى الأن أنتم تميلون عن وصاياى ولم تطيعوا أقوالى ولم تعملوا بها كما يجب. اقتربوا من أقترب أنا منكم. فإن قلتم بماذا نقترب إليك؟ قلت وهل تظلم الآلهة الغريبة كما تظلموني يقول الرب. وان قلتم بماذا ظلمناك؟ قلت في العشور والأبكار لأنكم تلعنون بأفواهكم وایای تظلمون ياجميع الشعوب هاتوا العشور إلى أهرائي لتصير مطعما في خزانتي وجربونى فى هذا يقول الرب القادر لأفتح لكم طاقات السماء وأصب عليكم الأرزاق صبا حتى تقولوا حسبنا حسبنا وانهى الأرضة ألا تفسد ثمار ارضكم ولا تخرب شيئا من كرومكم ويمدحكم جميع الشعوب ويقول الإنجيل المجيد الشامخ اليهود هكذا: ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع والشبت والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان، كان ينبغي أن تعلموا هذه ولا تتركوا تلك معناه انكم تتظاهرون باخراج العشور والقيام بالحقوق الواجبة فتعشرون الأشياء الحقيرة التي لا ثمن لها كثيرا كالنعنع والشبت والكمون لتتظاهروا للناس بذلك وتهملون عشور الأشياء الجليلة. ومع هذا الخصال الذميمة فانكم معرضون عن الحق والرحمة والإيمان. كان يجب عليكم أن تفعلوا الأمرين جميعا. قال الرب لهرون: "كل دسم الزيت وكل دسم المسطار والحنطة أبكارهن التي يعطونها للرب لك أعطيتها أبكار كل ما في أرضهم التي قدمونها للرب لك تكون كل محرم في اسرائيل يكون لك كل فاتح رحم من كل جسد يقدمونه للرب من الناس ومن البهائم يكون لك غير أنك تقبل فداء بكر الإنسان وبكر البهيمة النجسة ويقول إيضا في القوانين من كانت له أبكار ثمرات الأرض فليمض بها إلى الكنيسة. وأوائل البيادر وأوائل الزيت وأوائل اللبن والعسل والصوف وأوائل عمل كل إنسان . ومعنى هذا أن من يكون له بساتين أو كروم أو زراعات فأول ما يجئ من ثمارها في كل سنة يقدم منه تقدمة الله ليصلى عليها الكهنة فتكثر حينئذ خيراته وتتضاعف البركات عنده. ويأكل منها الذين يخدمون بيت الله ويفرق منها على المساكين وكذلك من له أبقار وأغنام وخلايا عسل وغير ذلك. فإنه يجب عليه في كل سنة أن يقدم الله من أول أولادها. وكذلك أول حليب البهائم وأول جزاز أصوافها. ثم ما يولد أولا من بني البشر فان الابكار الله ويجب على والديه أن يحملوا ثمنه للكنيسة بحسب ما يتراضون عليه مع الكهنة. كما وبكر كل بهيمة أيضا. أما الابقار والاغنام والمعزى فتحمل الابكار منها إلى بيت الله. وأما الحمير فيعوض عنها بخراف، فإذا كانت هذه الأمور كلها مفروضة على الاسرائيليين مع كثرة ميلانهم وعتوهم وغلاظة رقابهم. وكانوا يبكتون على أهمالهم إياها. فكيف لا يجب علينا نحن أن نتيقظ من نومنا ونتنبه من سنتنا ونقوم بأداء الحقوق الواجبة علينا. وكيف لا يقلقنا دائما قول ربنا : دائما ان لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت الله وإذا كان الشرط في دخول الملكوت الزيادة على عمل أولئك. فماذا يقال إذا للناقصين عنهم؟ ينبغى لنا أيضا أن نعلم أن الله ما فعل هذا مع الناس الا ليجرب الطائعين له من العاصين عليه. كما يفعل الآب الشفوق مع بنيه حين يعطيهم المال والثمرات وغير ذلك. ثم يسألهم أن يعطوه شيئا منها إمتحانا لهم. فالذى يبادر إليه مسرعا ويعطيه ما بيده فرحا مبتهجا فإنه يقبله إليه ويسر به ويعوضه عن ذلك أضعافا كثيرة. وإلا فهو القائل له على لسان أشعياء النبر : " السموات كرسى الأرض موطئ قدمى. أين البيت الذي تبنون لي " إن جعت فلا أقول لك لأن لي المسكونة وملأها. هــل أكل لحم الثيران أو أشرب دم التيوس ... ولا أسكن في هياكل مصنوعات الأيادي" وإنما سمح تعالى أن يكون في الدنيا أناس أغنياء وأناس فقراء ، وأمر أولئك أن يساعدوا هؤلاء قصدا منه في أصلاح الفريقين لأن الأغنياء الذين يقومون بحاجات الفقراء ويسعفون المساكين بفرح ونشاط طاعة لربهم فأنه يقبلهم في الملكوت كما قال تعالى ويسمعهم الصوت المملوء فرحا القائل: تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لانى جعت فأطعمتموني. وعطشت فسقيتموني وامثال هذه اما الفقراء الصابرون على مصاعب المسكنة. الشاكرون الله من كل قلوبهم فإنه يجزيهم سعادة الأبد. ويعوضهم عن الأموال الزائلة بما لا يزول. ويأخذون لأنفسهم الطوبى المعدة للحزاني والجياع والعطاش والباكين وغير ذلك. أرايتم مثل هذا الصنيع ؟ أشاهدتم مثل هذه المكرمة ؟ أسمعتم بمثل هذا الاحسان العظيم أعلمتم كيف يطلب السيد رحمة من العبيد ليجازيهم عن الزائل بما لا يزول ؟ وكيف يقول : " هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود أن كنت لا افتح لكم كوى السموات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع فمن يستطيع أن يصف قدر هذه المواهب، وأي لسان يستوعب شكر هذه المنن وأى عقل بفهم شرف هذه المواهب والمراحم السامية ؟ أفما كان الذي يعطيك عوضا عن الواحد مئة ضعف قادرا أن لا يجعل أخاك محتاجا إليك، لكنه لكثرة تحننه ومحبته لجنسنا يود أن تكون أنت سامعا ومطيعا ومحسنا ومتراءفا . وأن يكون الآخر المقل محتملا وصابرا وشاكرا. ويؤثر أن لا يدع قسما من أقسام الفضائل إلا ويحثنا على اقتناصه ليحسن مجازاتنا ويكثر خيراتنا ويوصلنا إلى النعيم الذى لا يزول. فإذا كنا لا نقوم بالحقوق الواجبة علينا ولا نطيع أقوال ربنا فيسلط علينا الذين يأخذون أموالنا مجانا. كما يقول الكتاب: الاموال التي لا تأكلها الاطهار يختطفها أهل بابل . ومعناه أنه إذا كنتم تنظرون في الحقوق الواجبة عليكم الله وتستكثرونها وتتغافلون عن القيام بأدائها. فإنه يسلط عليكم الذين يظلمونكم ويغشمونكم ويأخذون أموالكم ويفسدون زراعاتكم ويصيرونكم أذلاء مهانين فسبيلنا ان نسارع إلى سماع أقوال ربنا ونقوم بالحقوق الواجبة علينا ونتحنن على المساكين ونتعطف على اخواتنا البائسين لتقبل المجازاة في الملكوت الذي لا يزول . بنعمة وتعطف إلهنا يسوع المسيح الذى له المجد دائما آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
01 أكتوبر 2023
الأحد الثالث من شهر توت
تتضمن الحث على التوبة مرتبة على قوله تعالى لزكا أسرع وانزل لأنه ينبغى أن أمكث اليوم في بيتك ( لو ١٩: ١-١٠ )
قد سمعتم فصل اليوم يقول عن زكا رئيس العشارين. إنه طلب أن يرى يسوع ولم يقدر من الجمع لانه كان قصير القامة فركض متقدماً وصعد إلى جميزة لكى يراه لأنه كان مزمعاً أن يمر من هناك. فلما جاء يسوع إلى المكان نظر إلى فوق فرأه وقال له: يا زكا اسرع وانزل لأنه ينبغى أن أمكث اليوم في بيتك" فأسرع ونزل وقبله فرحاً. وبسبب ان وظيفة التعشير كانت مرذولة في ذلك الوقت وكان جباتها يعتبرون لصوصاً في أعين الشعب. لذلك تذمر الحاضرون ونددوا على السيد قائلين: "إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ ولاحظ ذلك زكا ووقف قائلاً: "هل أنا يارب أعطى نصف أموالى للمساكين. وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف" فقال له يسوع: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت علمتم من هذ أيها الأحباء أن طبيب الأرواح والأجسام حاضر وأنه في كل زمان ومكان قادر أن يشفى أمراضنا فكيف لا نقبل اليه فرحين مسرورين؟ وإذا كان ذوو الأمراض والعاهات يتركون المنازل والخلان والأهل والأوطان والأسباب والمكاسب والزراعات ويتبعون المسيح حيث كان فما بالنا نستصعب المضى إلى مجامع المؤمنين. وإذ كان أحد من الناس يتألم عضو من أعضائه. فانك تراه يلازم محل عيادة الأطباء ويبالغ فى الحمية واستعمال الأدوية حتى يعود ذلك العضو صحيحا كما كان. فكيف نهمل نحن العناية بالنفس ولعلها تكون في غالب الأوقات عليلة بضروب الأسقام ونحن لا ننظر اليها، وإذا كان الذين يشاهدون الحبوس والسجون ومراكز الولايات ينظرون إلى قوم مغلولين بالسلاسل وآخرين بالقيود وآخرين مكبلين بالخشب، وآخرين يضربون بالسياط وآخرين يعلقون وآخرين يشتمون ويهانون وغير ذلك، فيخافون الله ويحذرون الاعمال الموجبة لمضيهم إلى هناك طول عمرهم وإن كان العقاب زمنياً. فكيف لا نرهب نحن من مجلس القضاء المقبل واجتماع الأمم وجلوس الديان للمحاكمة وهول العذاب والتهاب الجحيم والخلود مع الشياطين. وإذا كان سيدنا له المجد قد بذل ذاته عنا. ومزق كتاب رقنا وغسل ادناس خطايانا. واعتنى بمداواة أمراضنا. فكيف نوجد لأوامره مخالفين؟ وإذا كان أحدنا يخطئ مرة واحدة لمن أحسن اليه فيعد شريراً وغادراً. فكيف نوجد نحن مخالفين دائماً لأوامر إلهنا وغافلين عن عميم إحسان ربنا وماذا نستحق من العذاب والعقوبة يوم الحساب ؟
فسبيلنا إذن أن تحذو حذو زكا. ونصعد إلى جميزة التأملات والصلوات الحارة فنشاهد جمال الفضيلة فنقتنيها. ونتمتع بمحاسن التوبة فنفوز بنعمة الخلاص. ونستحق سماع صوت فادينا يقول لنا. "اليوم" حصل خلاص لهذا البيت". له المجد إلى دهر الدهور كلها آمين
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
02 سبتمبر 2023
انجيل عشية يوم الأحد الرابع من شهر مسری
تتضمن دحض آراء الذين ينكرون قيامة الأمــوات مرتبة على قول الفريسيين : " متى يأتى ملكوت الله ( لو ۱۷ : ۲۰-۳۷ ) أين الذين ينكرون جهنم ومجلس القضاء الرهيب وإجتنـاع الأمـم جميعـا وجلوس الديان للمحاكمة . وإرتفاع مراتب الصالحين وسوء حال الخطـاة والنـوح والبكاء والعويل وصرير الاسنان . لأنه إذا كان الذين أتوا إلى العالم قبل المسيح ولـم يسمعوا بذكر قيامة ولا مجازاة . قد عذبوا في الدنيا بالحريق والغـرق . مثـل أهـل سدوم وعمورة والذين هلكوا بالطوفان . وهم سيعاقبون في جـهنم ايضـا بعقوبـات أخرى كثيرة . فالاجدر بنا نحن أن نعاقب بأكثر واشد من عقوبـات أولئـك . لاننـا سمعنا بتكرار إعلان تفاصيل هذه الامور كلها . ولعلك أيها العزيز تقول كيف يسوغ أن يدفع إلى جـهـنـم مـن لـم يـسـمـع بذكرها . لانه يقول لو كنت أنذرتنا بما سيصيبنا فيها من العذاب لعلنا كنا نتيقظ مـن غفلتنا . فأقول إنهم إذا كانوا لم يرتعدوا عن الخطايا بالعقوبات الحـاضرة . فـالأجدر أنهم لا يزدجرون بالسماع عن تلك . ألا تسمع قول سيدنا له المجـد : إنـهم كـانوا يأكلون ويشربون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح السفينة ؟ ولا يرتدعون بالوعـد ولا الوعيد لانه إذا كان الزاني والغاش والغاصب والخاطف وأمثالهم يقعون في أيـــدى الولاة ويعاقبون على جرائمهم بأنواع العذاب . ثم يعودون إلى تلك المعـاصى متـى خرجوا من سجونهم . وهم لا يفعلون ذلك مرة أو مرتين بل مراراً كثيرة . حتـى أن بعضهم يعذبون عذابات متنوعة ومع ذلك لا يتأدبون . والذي لا تردعه العــوارض الحاضرة كيف يزدجر بتهديد ما بعد الموت . فإن قلت وكيف يطابق عدل الله أن يعاقب على الجرائم عقوبة هنا يوقعـها الولاة وعقوبة أخرى في جهنم . أقول أنه لو أخذ بعض الولاة لصاً فتاكاً قد قتل اناساً كثيرين وارتكب أنواع المعاصي . فامر بضرب عنقه لكان الحاضرون يســتعجزون رايه . ويقولون كان الواجب أن يعذبه عذاباً شديداً ويجلده بالسياط ويتقلـه بـالقيود والاغلال ثم يأمر بقتله لانه قد قتل اناسا كثيرين فلا تكفى معاقبته بقتله دفعة واحدة . فإذا كان هذا نظرنا إلى احكام غيرنا وحكمنا على غير ذواتنـا . فلمـاذا لا نحكم على انفسنا بمثل هذا . ونتذكر اننا في كل عام بل في كل شهر بل في كل يـوم نخطئ خطايا عديدة تستوجب عقوبات كثيرة . ثم إذا أصابنا على سبيل العقاب عـن هذه المعاصي عارض من عوارض الزمان كمرض طويل أو ظلم من الولاة أو فقـد عزيز لنا . نتضجر ونتذمر ونغفل عن جرائمنا الماضيـة ولا نذكـر شـيئا منـها . ونحتسب أن ذلك قد أصابنا ظلما لا عن جرم ارتكبناه . وإذا نظرنـا إلـى خطايـا الآخرين تضبطها جيدا ونعين العقوبات الواجبة لهم . ونلوم الولاة إذا قصـروا فـي معاقبتهم . فلماذا لا ننظر إلى خطايانا ونحاسب أنفسنا عليها قبل أن يحاسبنا ربنا ؟ وإذا كان بجريرة عاقب الله أهل سدوم وعمورة ذلك العقاب العظيم . حيـث ارسل عليهم طباق السحب التي أزعجتهم بالرعود والبروق والعواصف الثائرة . ثـم أمطرت عليهم النار والصواعق وأهلكت الرجال والناس والبهائم والطيور وحشـوات الأرض . فماذا يجب على من خالف الشرع ونبذ الوصايا والســن وأتبـع دواعـى الشهوات وارتكب المعاصي الكثيرة ؟ فإن قلت وما هي أنواع المعاصي لنجتنبـها ؟ قلت : أولها تجاسرنا على تناول الاسرار المقدسة ونحن غير مستحقين لها . فإن قلـت وكيف يجب علينا الموت بسبب ذلك ؟ قلت : اسمع قول الله لموسى في التوراة عـن القربان المهيأ من شحوم الكباش والثيران وغير ذلك : إن كل نفس تقرب من هـذه المائدة وهي غير مستحقة تهلك تلك النفس من شعبها . فإذا كان الله لما تقدم ليصنـع مثالا لهذا الجسد المقدس وضع فرضاً من لحوم الحيوان وحذر من الدنو منها بغـير استحقاق هذا التحذير الرهيب . فكم يجب على من يتقدم إلى تناول الأسرار الإلهيـة وهو ملطخ بأدناس الخطايا ؟ وكم يستحق أولئك الذيـن يظلمـون الفقـراء ويأكلون طعام الارامل ؟ . المقدسة وإذا كان الذين يتأخرون عن التصدق عليهم يعاقبون . فمـاذا ينـال الذيـن يأخذون اموالهم ظلماً ؟ وماذا أقول عن الزناة والفسـاق والسكيرين واللصـوص والخاطفين والظالمين وأمثالهم من المخالفين لأوامر الله ؟ كم ضعفاً مـن العقوبـات يستحق عليهم عاجلاً أو أجلا . فسبيلنا أن نطهر انفسنا ونحاسب ذواتنا ونتوب عن خطايانا ونسارع إلى مـا يقربنا من ربنا الذي له المجد إلى الابد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
26 أغسطس 2023
انجيل عشية يوم الأحد الثالث من شهر مسری
تتضمن الحث على فهم الأقـوال الالهيـة وتـأمل معانيها ومدح الفضيلة وذم الرذيلة . مرتبة على قـول البشير : " وفيما هو يتكلم بهذا رفعت أمرأة صوتها مـن الجمـع وقالت له : طوبى للبطن الذى حملـك .. أمـا هـو فـقـال : بـل للذيـن يسمعون كلام الله ويحفظونه ' ( لو ١١ : ٢٧-٣٦ ) إذا كانت أقوال ربنا له المجد تتلى كل يوم . فما بالنا لا نتقدم إلـى سـماعها بهدوء ونشاط . ونقابلها بالتعظيم والوقار . ونبحث عن معانيها كما ينبغى . ونسـارع مجتهدين إلى العمل بموجبها . وإلا فلماذا ترتفع إلى ذروة الفضيلة ؟ وكيـف نـسـمع ربنا له المجد يعطى الطوبي للذين يسمعون الأقـوال ويغرسـونـها فـي أراضـي افهامهم . ونوجد نحن هكذا مهملين . وإذا كان الأغنياء الهائمون بأموالهم يتعـاهدون الدخـول إلـى خزائنـهم . ويتفقدون أمتعتهم . ويحفظون تلك الامتعة من فساد الارضة والسوس . ويعرضونـها تارة للندي . وترة للشمس . وتارة يقفلون الخزائن عليها . فما بـالك يـاهذا لا تفتقـد نفسك كذلك . بل تدعها هائمة خالية من الفضائل . تارة يفسدها السكر . وتـارة حـب المال . وتارة حب الرتب العالية . وتارة الاهمال والنسيان . من فيا للعجب ! كيف تصون ثيابك وتحافظ عليها من المفسدات وتـدع نفسـك الشريفة معرضة لشائر المهلكات ؟ وكيف يعجبك قبح الرذائـل ولا تنظـر حسـن صورة الفضيلة وبهاء مجدها . فأن قلت وهل للفضيلة صورة يتأملـها النـاظرون ؟ أجبتك نعم لها رأس وعينان . وفم ويدان ورجلان . وغير ذلك الاعضـاء التـى تفوق سائر الاجسام حسناً . فإن قلت وما رأس الفضيلة وباقي اجزائها ؟ قلت : خـوف بالاتضاع والعفاف . ووجهها مسفراً بالخشوع مــن خـشـية الله . وعيناهـا مكحلتان بالوقار والحياء . أما فهما فمزين بجواهر الحكم الإلهية والتسابيح وأغــانى الروح ، وقلبها ينبوع الفهم والرحمة . ويداها محليتان بالعطاء والاسعاف . وقدماهـا مجدتان بالسعي في قضاء حاجات المقلين . وزيادة المحبوســــــين وافتقـاد البائسـين واشباه ذلك . مكللاً فما بالنا نصف فلاناً بكثرة المال . وفلاناً بكثرة الحشــــم . وفلانـاً بخصـب الزراعات . وفلاناً يسعة المتاجر . وأمثال هذه الزائلات . ونهمل صانعي الفضيلـة . ونعرض الفائزين . ولم لا نقول أن فلاناً كصير الصدقات . وفلانـاً يقبـل الغربـاء . وفلاناً يقرض المعسرين . وفلاناً يفرج عن المتضايقين ؟ وننظر بعين الرحمـة إلـى عمل الحسنات . ونبتعد عن الاغتباط بالزائلات . والتشبه بأصحابها . حيث أن ذهبـهم وفضتهم قد صدئا . وثيابهم أكلتها الأرضة والسوس . وكنوزهم قـد تطـرق إليـها اللصوص . ولو أمكنني أن أريكم نفوس الأغنياء لجذبها إلى الوسط لتروها فنــهربوا من قباحتها . لأنها مظلمة مصدئة مدنسة متآكلة جهاتها . فمن هذا يظلمها حب المـلل . ومن هنا بصدئها حب الجسد . ومن هنا يثقبها عطب الزراعات . ومن هنـا خسـارة المتاجر . ومن هنا جور المظلومين . ومن هنا غصب الغاصبين . ومن هنا فوات ما الله .تربح فيه الامثال ولم يبادر اليه سريعا . اما نفوس الفقراء الطائعين الله ربهم . فأنك تراها تلمــع كـالذهب وتضـئ كالجواهر الكريمة . وتزهو كالورد . وتنتشر رائحتها مثل نشر العنبر الفائق . سـالمة من الصدأ والوسخ . متعالية عن بواعث المفسدات . لانهم حيث لا مال لهم ولا قنايـا عالمية . فلا يتسلط عليهم سوس ولا أرضه . ولا سراق ولا غاضبون ولا شئ مـن العوارض الأرضية . فالغنى ربما يقف أمام ولاة الارض وحكامها . أما الفقير فيقـف أمام ملك السماء والارض . ذاك يفرح بخدمة البشر المائتين سريعاً . وهذا يخدم الله الحي الدائم . ذاك يتصرف في اليسير من المقتنيات . أما هذا فينظر إلى العـالم كلـه كالبهاء وينزله منزلة لعبة يلعب بها الصبيان . فما الذي يكون أشرف من هذا الفق الذي يملك في السموات والأرض ؟ وما هي الحاجة إلى العبيـد والحشـم والخيـل والمراكب ؟ وهو عتيد أن يحلق في الهواء ويركب متـن السـحاب ويكـون مـع ير المسيح دائماً . فسبيلنا يا معشر المؤمنين . أن نهمل الفانيات بطبائعها . ونطلب الغني الـذي لا يزول کی نتمتع في نعيم ربنا وإلهنا يسوع المسيح . الذي له المجد دائمـاً أبـداً . امین .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
19 أغسطس 2023
انجيل عشية يوم الأحد الثاني من شهر مسری
تتضمن الحث على التواضع واجتناب الرياء . مرتبـة على مثل الفريسي والعشار . ( لو ۱۸ : ۹-۱۷ ) إذا كان ربنا له المجد لكثرة رحمته لنا ومحبته لجنسنا ينبهنا من غفلتنـاويصدنا عن الأمور المخالفة لمشيئته فيأمرنا تارة بالامتناع عن التفاخر بـــالأموال . وتارة عن الكبرياء . وتارة عن الشهوات البدنية وبالتواني عن عمل الفضيلة وأمثـال ذلك . ولهذا ضرب المثل بالخاطئ المتواضع والصالح المفتخـر . فأظـهر فضيلـة التواضع ورذيلة الكبرياء . فما بالك تجنح إلى حب المال ، وتهوى المناصب العاليـة . وتفتخر بالأمور الباطلة وتتباهى على المقلين وتتناظر مع المكثرين ؟ ولـو أمعنـت النظر جليا لرأيت طالب الرفعة على الناس أشد تعبا ونصبا . لأن الذي يطلب العلـو على الذين في الوهاد المنخفضة يسكن في قمة الجبل . فلا يلتذ بعلو المكان بقدر مـا يكايد من الخوف وحر الصيف وبرد الشتاء وعواصف الرياح وسـطوة الوحـوش الضارية ، وكذلك أقول في طالب الرئاسة والحاسد لـثروة الأغنيـاء فـإن الملـوك والعظماء وذوى الغني لا يلتذون بالنعم التي حصلوا عليها كما يتألمون مـن مشـقة تلك النعم وهمومها . لأن الملوك يتكلفون إستخدام العسـاكر وإجتـلاب المـهمات الحربية ومقاومة الاعداء وتدبير المملكة . ويخافون حتـى مـن افـراد عائلاتهم ويتوهمون في طعامهم وشرابهم . ويكونون دائما على حذر في حال نومهم وقيامـهم وجلوسهم وركوبهم . وجميع هؤلاء الآباء العظماء يمرضون بالروح مرضـا كـثـير الأعراض . كالوحوش المذكورة سابقا . فينبت لبعضهم رأس الحب الرئاسـة . ورأس للأفتخار . ورأس لحب الغلبة . ورأس للتظاهر بالصوم والصـلاة والصدقـة . ورأس للرياء والتظاهر بالزهد في الدنيا ممن يغيرون على حكامها كالذئاب الخاطفة . وهـم لأجل إبتعادهم عن الله ومخالفتهم لوصاياه . يعــدون لأنفسـهم عذابـا عظيمـا . إذ يقصدون المديح من الناس وهم في الحقيقة أهل للمذمة . والسيد له المجد يقول وأنـت إذا صليت فادخل مخدعك وصل إلى ابيك سرا . وإذا صنعت رحمة فـلا تصـوت قدامك بالبوق وإذا تصدقت فلا تعلم شمالك بما صنعت يمينك حتى تكون صلواتـك وصدقاتك الله وحده لننال الثوب الجميل في قيامة الصديقين . وأنا لا أقول هذا طلبـا لإفاء الصدقات مطلقا . بل لكي لا يكون التظاهر بها هـو الغايـة المقصـودة . وإلا فالمتحنن بضميره والمتصدق طاعة لأوامر الله ، لا طلبا للمديح من الناس . يكون لـه الثواب عند الله سواء كان ذلك سرا أم علانية . غير أن الصدقات الخفية أفضل لأنـك تطلب بها رضى الله مجردا . وتستر من تصدقت عليه من نظر الناس . وترفع عنـه الخجل من الاصحاب والمعارف . وهو قد يكون من أرباب البيوت الكبيرة المحترمة لا يريد الظهور بأخذ الصدقة فيموت جوعا ولا يرضى بمذلـة نفسـه . وإذا كـانت الصدقة منك مجردة في سبيل الله لا للافتخار . يكون ثوابك مضاعفا . لأنك لم تقبـل المجد من المادحين . ويا للعجب كيف أن الذين يتعلمون الصراع ورمي السهام وعمـل الزجـاج والخزف وغير ذلك من الصناعات يكابدون الاتعاب ويجتهدون في اعمالـهم ينالوا المديح من أرباب تلك الصنائع ! ؟ لان هذا هو الذي يعطيهم الإرتفاع وحسـن الصيت بخلاف مديح غيرهم من الذين لا يعرفون تلك الصناعة فإنه لا يفيدهم شيئا . فإذا كان هؤلاء فما بالك أنت لا تتبع مثل هذا فـي الفضيلـة . لكنـك تعـد كنوزك للصوص والخاطفين ؟ لان من يصنع الفضيلة لطلب المديح من الناس تؤخـذ أمواله مجانا بما إن الذين يراءى أمامهم بصلاته يسلبون أجر صلاته . وهؤلاء يـأخذ الذين يراءون أمامه أجر صدقاتهم . لان سيدنا له المجد يقول عن المرائيـن : الحـق أقول لكم أنهم قد أخذوا أجرهم . ومن أخذ أجرة فقد ضاع عمله باطلا . فسبيلنا أن نتجنب الإفتخار بعمل الصالحات أمام الناس . ونفكر دائمـا فـي نقائصنا لنفوز بملكوت ربنا . الذي له المجد إلى الابد آمین..
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
12 أغسطس 2023
انجيل عشية يوم الأحد الأول من شهر مسری
تتضمن الحث على التجرد لقتال السياطين لاسيما في أوقات الرحمة والصدقة . مرتبة على فصل انجي ركوب السفينة . ( مر 6 : 45-56 ) إذا كان الذين يلاقون أهوال البحار والرياح العاصفة يحتاجون إلى شـجاعة خاصة ودربه وإيمان وطيد لتدركهم المعونة الإلهية ويخلصوا . فكم بالحرى الذيـن يخوضون لجج المحاربة الشيطانية . ويتخبطون بين أمواج التجارب والمحن فأنـ يحتاجون إلى قوة الايمان وشجاعة العزم ليخلصوا من عذاب الجحيم . فما بالنا نحـن المتدرعين بسلاح المسيح لا نثابر في طريق الجهاد ؟ وما بالنا قبل الوصـول إلـى طريق المعركة نهرب من عدونا ونسلمه مفاتيح مدينتنا . إني أقول ذلك الآن مخاطبا الذين يزجرون الفقـراء وينتـهرون المسـاكين وذوى الحاجة . ويقولون إن هؤلاء كذابون محتالون متصنعون . يتكسبون من غـير احتياج لكي يذخروا الأموال . افرض يا صاح أن هذا الذي يطلب منك رغيفـا قـد كملت فيه صفات الخداعين المحتالين ولكن أنظر إليه من جهة أخرى لتـدرك قـدر إحسان خالقك إليك . إذ ترى هذا السائل شـريكك فـى البشـرية . ومسـاويك فـى الاستظلال بالسماء والاستضاءة بالشمس والقمر . وفي الانتفاع بالأمطار والأثمـار . ورفيقك في البنوية الله . وقد أتاك ذليلا خاضعا لك يطلب منك أقل جزء مما أعطـاك الله . أفما يحق عليك أن ترحمه إذا دعته الحاجة إلى الوقوف ببابك ؟ وإن كنـت لا تعطيه شيئا من مالك فلا تقابله بالشتيمة والاهانة . ولعمري ان الذين ينبهونك من منامك بطبولهم وزمورهـم ويلـهونك عـن أشغالك الضرورية . تستأنس بهم وتعطيهم منحا كثيرة . وهكذا اولئك الذيـن يغنـون ويرقصون فانهم يأخذون منك العطايا وأنت غير عـابس ولا متضجـر . ولكـن إذا قصدك فقير بائس يحتاج إلى احسانك اليه بأقل شئ مما أعطيته لأولئك فانك تقذفـه بشتى الظنون وتقابله بالشتيمة والاهانة . فإن قلت إننى أفعل ذلك به لعلمي أنه غـير محتاج إلى الصدقة . أقول وانت طالما طلبت من الله وكانت عندك ألوف كثيرة مـن الذهب والفضة وهو يعطيك . ولا يقول لك إن عندك كفايتك من الأموال . مـع أنـه يعلم ذلك يقينا لاكما تظن أنت الفقير . فإن قلت إن هذا الفقـر قـد تـعـود البطالـة . والكسل وهو صحيح الجسم يقدر على الأعمال والاتعاب . قلت وكيف تطلـب أنـت من الله وأنت خال من الاعمال ؟ . فإن قلت انني مجتهد في الاعمال نـهارا وليـلا . قلت وما هي هذه الاعمال ؟ فإن قلت البيع والشراء والاخـذ والعطـاء والمتـاجر والزراعات وغيرها . قلت أننى أسالك عن الاعمال المرضية الله . والنافعة لك النف الحقيقي ألا وهي الصلوات والصدقات والعناية بالمحتاجين والانتصار للمظلوميـن مع حصول لوازم الحيوة وأراك خاليا منها . فها أنت تركن إلـى البطالـة والكسـل وتطلب من الله الزائد عن الحاجة . أفتراه مع ذلك يقول لك انك خـال مـن عمـل الصالحات وتلتمس زيادة الارزاق . فيحجب عنك نور الشمس والقمر ويحبس عنـك مطر السماء وخصب الأرض ونسيم الرياح ؟ كلا ولكنه يفيــض عليـك خيراتـه الكثيرة حتى تشبع منها ويفضل عنك لآخرين . فإن قلت ان هذا الطالب أحيانا يكـون عبدا هاربا من مولاه . فلماذا لا يشتغل ويعيش ولا يضايق الناس ؟ فيقول لك العبـد أليس أنت أيضا هارب عن أمور مولاك ووصاياه ولست بطالا فقط ؟ بل تفعل كـل ما يغضبه تعالى . فإنه تارة يجدك زانيا . وتارة سارقا . وتارة ظالما . وتارة سكيرا . وتارة تعاشر الأشرار . وترتعش من الخمر يداك . وتحمر من السكر عيناك . فـأنت تلومني على البطالة وأنا الومك على ارتكاب هذه الشرور . هذا واني لا أقول لك ذلك على سبيل قبول عذر المتسولين في البطالة . بـل لئلا تجد أنت حجة على البطالين . وإلا فالبطالة مذمومة على كل حال من الجميـع . وقد قال بولس الرسول من لا يحب أن يعمل فلا يأكل " وهذا الكـلام موجـه إلـى المتسولين . ثم أقول لك أيها السامع انه لا يجوز أن تقابل المحتاج بالألفاظ القاســـية الجافية . وتقول له قد أعطيتك أمس أو أعطيتك اليوم دفعتين . فإن هذا مما ينبغـى ان تخاطب به نفسك ايضا . فنقول لها عندما نطلب الغذاء اما اكلت أمس مرتين أو مـا تناولت الطعام باكر ؟ لكنك بالعكس ترغب أن تشحن جوفك من الطعام بعـد نـوال الكفاف وسد الضرورة المحتاج إليها . فاسمع قول إلهنا عز وجل : من سألك فاعطـه ومن اراد أن يقترض منك فلا تمنعه ( ۱ ) . وكذلك قوله بيعوا مالكم واعطوا صدقة ( ۲ ) وبعضل القديسين يقول ليس شئ يقرب العبد إلى الله مثل رحمة المحتـاج . وبولـس الرسول يقول مادام لنا زمان فلنعمل الخير ولا نكل منه لنصل إلى زمان نحصد فيـه الباقيات ولا نمل منها ( ۳ ) . فسبيلنا ان نبادر إلى مساعدة اخوتنا المساكين في أوقات شدائدهم . ونتلقـاهم بالبشاشة والاقوال اللينة ليقبلنا سيدنا . ويعد لنا خيرات الملكوت التي لا نهاية لها ولا انقضاء لسعادتها . ونتمتع بنعمة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الابد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد