المقالات

23 يوليو 2021

لا تدنو ضربة من مسكنك ج1

هذا هو الوعد الإلهي للساكن في سِتر العَلِيِّ، وفي ظلّ الإله القدير يبيت. فكيف يتجرّأ العدو أن يضرب الساكن في الحصن الإلهي والحضن الأبوي؟ هذا هو ميراث الذين يحيون في المسيح يسوع، الذي أعطى لنا أن نتّحد به ونحتمي فيه. لقد صِرنا «أَعْضَاءَ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ» (أف5: 30)، «وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَحْتَمِي (نعتصم) إِلَى أَنْ تَعْبُرَ الْمَصَائِبُ (يعبر الاثم)» (مز57: 1) المُجرِّب لا يكُفُّ ولا يهدأ ولا ينام. ولكنّ واقع الأمر أنّ المسيح فضح خُطَطَهُ ودَحَرَهُ (دفعه بعنفٍ وطرده) وسحق قوّته وأرجعه خائبًا مذلولاً، بعد أن أكمل على جبل التجربة كلّ ما استطاع من تجارب. ولكن القدوس الذي بلا شرّ صار «مُجَرَّبًا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا،(ولكن) بِلاَ خَطِيَّةٍ... يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب4: 15، 2: 18)أنا في المسيح غالب ومنتصر والعدو ذليل.. أنا في آدم الأول مغلوب وساقط وميّت. «فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، أمَّا فِي الْمَسِيحِ فيُحْيَا الْجَمِيعُ» (1كو15: 22)لا ولم يوجد إنسان نجَّى نفسه من تجارب العدو الشرير.. ولا ولم يوجد إنسان في تاريخ البشرية لم يُسقِطْه العدو. الخطية كائنة في الطبيعة القديمة، وهيهات أن يفلت منها الإنسان. الخطيّة في الطبيعة القديمة تسبي الإنسان سَبْيًا حتى لو كان من أعظم القديسين ناموس روح الحياة في المسيح يسوع حررنا من «نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِنا» (رو7: 23). إذن إن كنت أريد أن أغلب لابد أن أتّحد بالغالب. المسيح وحده «خَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ» (رؤ6: 2) لأنّه هو وحده الذي بلا خطية.الاتحاد بالمسيح نلناه بالمعمودية، ونناله بالتناول.. الثبات في المسيح قوامه الحبّ الذي أحبَّنا به. وحِفْظ وصايا يسوع هو برهان الحُبّ الوحيد «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي» (يو14: 21).«وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ» (لو4: 13). لا يعرف أحد أعماق الشيطان ولا يتخيّل أحد قدراته وخبايا شرّه. ربنا يسوع المسيح وحده قاس أعماقه وقدراته المُخرِّبة المضادّة لكلّ ما هو خير أو صلاح.. أليس هو ضد الله، أي ضدّ الحقّ المطلق والحب المطلق. لذلك كان من خطّة خلاص الإنسان من براثن هذا العدو القَتَّال، أن يُجَرَّب المسيح، وأن يدخل إلي صميم التجارب، وينتصر عليه، وينزع سلاحه المتّكل عليه، ويُجرِّده من وهم النُّصرة الكاذبة. فالتجارب كانت فِعليّة واقعيّة بلا خيال. واستلزم الأمر في التدبير الإلهي مُدّة الأربعين يومًا التي قضاها المسيح صائمًا على جبل التجربة، بلا مأوى وبلا طعام أو شراب. فالعدو شرس قتَّال، والفِخاخ والتجارب لا حدود لها المسيح وهو حامل طبيعتنا فيه ومتّحدٌ بها اتحادًا كاملاً غير منقوص، غَلَبَ بها كلّ التجارب التي تأتي على طبيعتنا البشريّة؛ والتي لم يَنجُ منها إنسان، والتي عثر فيها كلّ إنسان، حتى أقدس الآباء والأنبياء. ولكن لماذا غلب المسيح؟ أليس هو القائل «لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ» (يو14: 30). المسيح وحده غير خاطئ.. غير مضبوط بآلام الخطايا.. «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يو8: 46) لم تكن التجارب أمرًا هيِّنًا، ولكنّها معارك ضارية، جازها المسيح لأجلنا، وسحق الشيطان وأهانه. ثم جاءت سنوات كرازة الإنجيل، أي البشارة المُفرِحة، أنّ العدو قد اِنكسر، وجاءت أزمنة الخلاص والنجاة من يد القاهر الغالب والقادر على كلّ شيء. لذلك كان المسيح يُخرج الشياطين.. «وَكَانَتْ تَصْرُخُ... فَانْتَهَرَهُمْ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ» (لو4: 41).. هذا كان ثمرة جبل التجربة ثم ما صنعه يسوع لأجلنا أعطانا إيّاه، إذ «أعْطَانَا سُلْطَانًا لِندُوسُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ» (لو10: 19). وهكذا أُؤْتُمِنَتْ الكنيسة، واستودعها المسيح سرّ النصرة على الشيطان. وقال للرسل الأطهار: «أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ... فَرَجَعَ السَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ يَارَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ» (مت10: 8، 17) فأجاب الرب وقال: «لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ (الشياطين) تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ» (مت10: 20) فصار نصيبنا في السموات هو مصدر الفرح، حيث أعادنا الرب إلى حضن الآب، بعد أن كسر شوكة العدو الذي أغوى جنسنا. على أنّ كسرة الشيطان وهزيمته لا تعني أبدًا أنّه تخلّى عن مقاومته، أو سكت عن حروبه وضلالته، أو أصابه اليأس وكفَّ عن الغواية. بل على العكس، زاد في عدم رحمته ومقاومته.. وصار «كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (1بط5: 8). ولكن الرسول يوصينا قائلاً: «فَقَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ». فهو مثل أسد ولكنّه مُصاب بجرح مميت. لذلك فهو فى هياج عالمًا أنّ له زمانًا يسيرًا. بل وأكثر من ذلك قال الرسول: «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يع4: 7)هكذا صارت لنا هذه النعمة والنصيب الصالح في المسيح يسوع: إنّنا بنعمته نُقاوم العدو فيهرب مخذولاً. وهذا ما حدث في حياة آبائنا القديسين الأبطال الذين «غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ» (رؤ12: 11)، وتقوّوا في الإيمان، وجاهدوا الجهاد الحسن، ودخلوا إلى الفرح منتصرين على هذا يتعيّن على الإنسان أن يتأكّد جدًّا من التصاقه بالربّ، وحياته فيه واتحاده به، الذي صار لنا بالمعمودية والمسحة وسرّ القربان، حتى إذا صار هذا الاتحاد حيًّا فَعَّالاً ضَمَنَ بالنعمة النُّصرة في جميع الحروب، والانفلات من جميع الفخاخ التي ينصبها العدو لينال بغيته من الإنسان ثمّة أمر آخر جدير بالاعتبار؛ أنّه كثيرًا ما يخدعنا العدو بسبب ضعف طبيعتنا، أو بسبب الإهمال، أو الكسل، أو التراخي، وتسويف العمر، فنجد أنفسنا وقد انطلت علينا حيله أو صرنا فريسة لفخاخه، أو ضرباته ذات اليمين في الافتخار والاتكال على الذات أو حب الظهور..الخ. أو الضربات الشمالية التي توقِعنا في الخطايا العمد، أو السهوات، من جهة ما هو ضدّ الروح، وضدّ وصايا المسيح، وضدّ قداسة طبيعتنا المخلوقة فينا بالنعمة. فنحن والحَال هكذا نحتاج إلى التوبة، التي هي تجديد الاتحاد، وتواصُل الثبات في المسيح، بغَسل الخطايا بدموع التوبة، وقبول روح التجديد، وقوّة القيامة من العثرة. وهكذا تصير أعمال التوبة كمعمودية متجدّدة. وهكذا يستعيد الإنسان ما فُقِد منه، ويتعافى في الروح، ويختبر ثانية فرح النصرة على العدو ومجد القيامة. فإن كان الشيطان لا ييأس في محاربتنا مهما تكرّرت مرّات خيبته، فكَم بالحري يكون الحال معنا إذا كُنّا ممسكين بالحياة الأبدية، ومتعلّقين باسم الخلاص؟ فمهما تكرّرت مرّات هفواتنا أو سقوطنا فلن نيأس، بل بالحريّ نتمسّك بمراحم الله الذي يُقيم الساقطين. ونثق أنّ النصرة بالنهاية ستكون للذي داس الموت وكسر شوكة الجحيم. (يُتّبَع) المتنيح القمّص لوقا سيداروس
المزيد
16 يوليو 2021

اسلكــــوا بالـــروح ج2

قال الروح القدس للرسل: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ....». (أع13: 2). لقد حلّ عليهم فتكلّموا بلغات، هو نطق بلسانهم. لم يكونوا همّ المتكلمين بل الروح الحالّ فيهم. تكلّموا بكلّ اللغات، أي وصلوا إلى كلّ إنسان، وتواصلوا معه، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا.في الأصل لم يكُن لهم صوتٌ، ولم يكن أحد ليسمع صوتهم «الذين لم تُسمع أصواتهم خرجت أصواتهم إلى الأرض كلها وبلغت أصواتهم مسامع المسكونة» (مز19: 3، 4). صار صوتهم وكلامهم مملوءًا بالروح.. وحيثما هَبّ الروح سُمع صوتهم، لأنّ «اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا» (يو3: 8). فحين حملوا سلام المسيح إلى كلّ بيت، حَلّ سلامه لما قالوا: السلام لهذا البيت كلامهم نَخَسَ القلوب التي كانت نائمة فاستيقظت.. كلامهم أحيا الموتى، وأرجعهم إلى الحياة. كلمتُهُم صارت أقوال الله بسبب الروح المتكلّم منهم «تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بط1: 21). ولم تأتِ كلمة منهم بإرادة الناس بل بوحي الروح.نعم تكلّمَ بهم وتكلَّمَ فيهم، فأرشدهم وقادهم وذكَّرهم بكلّ ما قاله السيد. تكلّم فيهم فسمعوه ووعوا قوله وإلهاماته. لمّا منعهم من الذهاب إلى أماكن امتنعوا، ولما دفعهم للكرازة والشهادة أطاعوا وعملوا بحسب إرادته. لما وجهّهم إلى أي جهة لم يعاندوا. صاروا آلات طيِّعة في يد الروح فعمل بهم بلا مانع. ملأهم إلى كلّ الملء فامتلأوا، إذ لم يكن فيهم معاند كقول الرسول وظلّوا يمتلئوا يومًا بعد يوم، إلى مُنتهى الأيام وكانوا يمتلئون كُلّما خدموا وكرزوا.ملأهم من الحكمة فلم يستطع أحد أن يقاوم الحكمة التي فيهم وقد صَحّ التعبير «لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ!» (1كو1: 25). ملأهم حكمة ليست من هذا الدهر، ولا تُضاهيها حكمة حكماء هذا الدهر. على أنّهم كلما زادوا في الاتضاع والمَسْكنة كلما زادوا في النعمة والحكمة، وهكذا كرزوا وعلَّموا«انْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ... بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ» (1كو1: 26، 27). صارت حكمتهم ليس نتاج رجاحة العقل والفلسفة، بل نازلة من فوق. الحِكمة البشرية تجعل الإنسان منتفِخًا مُتكبّرًا متباهيًا مُرتفعًا، وعلى العكس صارت حكمة الرسل، فاتّضعوا بالأكثر وقالوا: «أَنَا مَا أَنَا... وَلكِنْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي» (1كو15: 10) الروح بشفاعةٍ داخلية وأنَّات لا يُنطق بها ضبَط ملكاتهم، وقدس نيّاتهم، ووحّد طاقاتهم، واستخدمها الروح لتجديد الخليقة، وتقديسها بغسل الماء بالكلمة. وضْع أيديهم لنقل سِرّ الروح إلى كلّ مَن وضعوا عليه اليد. كانت الأيادي المنظورة تُخفي من ورائها سِرّ الروح الذي لا يُرى، ولكنّه العامل والفاعِل والمُستعِد والمنحدر والمنسكِب دون أن تدركه الحواس الخارجية.ملأهم الروح إلى كلّ الملء، فكرزوا للمؤمنين أن يسعوا للوصول إلى ملء قامة المسيح. كان الملء فيهم دائمًا مستديمًا بغير انقطاع بل بفيض وغزارة. كانوا في الحالة التي عبَّر عنها القديس يوحنا الرائي «لِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ» (يو2: 4). إذ كما قال القديس بولس: «أَفِي الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ» (2كو12: 2). هكذا كانوا وهكذا غيَّروا وجه الأرض. فإن كان الجسد ضعيفًا بحسب طبيعته، ولكنّ الروح جعل أرواحهم في قوّة الله. بحَسَب الجسد ذاقوا الآلام والأتعاب والأسهار، وبحسب الجسد ذاقوا مرارة الاضطهاد والتعذيب، وحتّى القيود كمذنبين، وحتّى التشريد والقمع، وأخيرًا قبلوا في أجسادهم جراحات الموت بحدّ السيف، ولكن بحسب الروح الساكن فيهم لم يعترِهم الخوف ولا الجُبن ولا الضعف بل كانوا مؤازَرين بقوة الله«شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ» (كو1: 12، 13).سلطان الظلمة، روح الظلمة، روح الضلال، الروح الشرير «فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ... » (أف6: 12، 13).إن كُنّا في العالم بحسب قول الرسول سنواجه ونصارِع مع هذه القوات الشريرة، فلا يوجَد طريق للنصرة على هذه القوى الرهيبة سوى الملء من روح الله القدوس. وإلاّ.. فكيف يَقدِر الإنسان الضعيف الترابي بحسب طبيعته أن يتفوّق على أرواح الظلمة؟ فأي شكر يجب أن نقدّمه إلى الله من أجل عطية الروح القدس الذي سكن فينا؟! منذ أن سقط الإنسان، وسلّم إرادته لعدو الخير بإطاعة مشورته، حين دخل الموت إلى العالم بحسد إبليس. منذ ذلك الحين صار روح الظلمة متسيّدًا على الإنسان لأنّه خضَع له بالإرادة. فلمّا ظهر عطف مخلّصنا الله بتجسده الإلهي، وصنع الخلاص وحرّرنا من عبودية إبليس.. «صِرْنَا عَبِيدًا لِلْبِرِّ» (رو6: 16) بحلول روح الله فينا.وفي طقس المعمودية المُقدّسة يُطرَد الروح النجس من مسكنه بقوة الله وباسم يسوع المسيح. هذا السلطان أعطاه الله للرسل، حين أعطاهم قوّة وسلطانًا على إخراج الشياطين، ونفخ في وجوههم، وأرسلهم أن يشفوا المرضى ويخرجوا الشياطين ويقيموا الموتى. هكذا بعد الصلاة ينفخ الكاهن في المُعمَّد ويقول بسلطان: "اخرج أيّها الروح النجس". وبالصبغة المقدسة وسرّ الميرون يحل الروح القدس في المُعمَّد، ويصير مسكِنًا لله بالروح.ولكن كلام المسيح فيه لنا تحذير غاية فى الخطورة والأهميّة، لابد أن يُؤخَذ مَأخذ الجدّ: «إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، يَطْلُبُ رَاحَةً وَلاَ يَجِدُ. ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ فَارِغًا مَكْنُوسًا مُزَيَّنًا. ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَأْخُذُ مَعَهُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذلِكَ الإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ» (مت12: 43–45).«إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ» (في2: 1)«أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1يو1: 3، 4). ومع هذه الشركة ينبع الفرح «لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً».في المسيح نحن شركاء في الآلام وشركاء في التعزية والمجد، شركاء في الضيق وشركاء في السعة. شركاء في الموت وشركاء في القيامة. ألسنا أعضاء جسد واحد؟ إذن هذه الشركة هي شركة حياة، شركة عملية ولا يمكن إدراكها بالفكر. هذه الشركة في الروح لأنّنا كلّنا وُلدنا من ذات الروح الواحد. ولمّا أعطانا جسده لنأكله صارت فينا شركة الجسد الواحد. كلّ مَن يحيا ويتمتّع بهذه الشركة يعيش السماء على الأرض، يدخُل إلى عمق الحبّ الإلهي الذي جَمَع المتفرّقين إلى واحد.صرنا نحب الأخوة.. بل «انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ» (1يو3: 14). الحبّ الذي سكبه الروح فينا.. لذلك نحبّ من كلّ القلب، نحبّ الله ونحبّ القريب، نحبّ الله ونحب أولاد الله، نحبّ «مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (1بط1: 22). ونكرز بهذا الحبّ العجيب. نحبّ بلا تحفُّظ.. «قَلْبُنَا مُتَّسِعٌ» (2كو6: 11).إنّ ممارسة المحبّة المسيحيّة في محيط الأسرة يُغيِّر مِن شكل الأسرة، ويجعلها مختلفة متميّزة، إذ يصير رباط أعضائها ليس رباط اللحم والدم فحسب، بل بالأكثر رباط الروح القدس الواحد. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
09 يوليو 2021

اسلكــــوا بالـــروح ج

بحسب ما تَسَلّمنا من إيمان إنّنا حينما اعتمدنا للمسيح قد لبسنا المسيح.. وبحسب ما كُتب أيضًا صِرنا هيكلاً للروح «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ... لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ» (1كو3: 16، 17)، وبحسب الإيمان أيضًا «جَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا» (1كو12: 13)، «وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ» (رو8: 11).ومِثل ذلك كثير.. والسؤال الذي يجب أن يلحّ علينا: كيف أسلك بالروح؟ أو كيف أنقاد بالروح حسب المكتوب «لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ» (رو8: 14).والواقع العملي إنّنا حصلنا على كلّ وعود الله الصادقة، والواقع العملي أيضًا أنّنا نلنا وأخذنا. فإن كان العالم واقع تحت سلطان روح الظلمة، «الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ» (أف2: 2). وهذا بالطبيعة يُثمِر كلّ أفعال الشرّ والنجاسات والطمع والكذب والخبث والحقد والقتل، وكلّ باقي الأفعال التي نراها في العالم ونسمع عنها كلّ يوم وفي كلّ مكان. فإذن الحاجة الماسة الشديدة أن يوجّد أولاد الله سالكين بالروح المضاد لروح العالم، يشهدون ضدّه، ويشهدون عليه، ويدينون أفعاله وكلّ قوّته الشريرة. «اسْلُكُوا بِالرُّوحِ... الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ» (غل5: 16، رو8: 14) لا تطفئوا الروح (هو نار غير مادية لكن ينطفئ في الهالكين). إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون (هذا هو عمل الروح). أُصلِّي بالروح (بدونه لا صلاة). لا تُحزِنوا الروح (بل على العكس فرِّح قلب الله بتوبتك). جئت لأُلقي نارًا.. وكيف تُضرَم النار (أضرِم الموهبة التي فيك). الروح يحيي (بدونه الموت حتمًا). روح الحقّ (ضد روح الضلال الذي في العالم). روح الذي أقام يسوع (يقيمنا ويحيي أجسادنا وأرواحنا). روح البنوّة (به صِرنا أبناء للآب). روح الله (مَن يقبله؟). امتلئوا بالروح (إلى كلّ ملء الله). كلّنا سُقينا روحًا واحدًا (الماء والروح). يُبكِّت العالم على خطيّة وعلى بِرّ وعلى دينونة. يأخذ مِمّا للآب ويخبركم (المسيح لم يتكلّم مِن ذاته وحدَه، بل كما سمع من الآب). ذاك يمجّدني (الآب يمجِّد الابن، والروح يمجِّد الابن، والابن يمجِّد الآب). يتكلّم بكلّ ما قلته لكم (الروح والكلمة). كيف أسلك بالروح؟ أو كيف أنقاد بالروح؟ بادئ ذي بدء قلْ لي هل تشعر بروح الله في داخلك؟ ألم يَقُل المسيح إنّه ينبع في الداخل كنبع الحياة الأبدية؟ هل تشعر بحضوره المفرح وحلوله المشبع الذي يسيطر على كلّ ما فيك؟ هل تشعر به يملأ كيانك؟ هل تستشعر عذوبة حلول الروح وعزاءه الذي لا يُعَبَّر عنه؟ هل تسمع صوته؟ هل تخضع لتلبيته عندما يَنخُس الضمير، ويوقِظ ما كان نائمًا مِن مبادئ ومُثُل، بل حينما يُقيم ما كان ميتًا من الحواس المقدسة؟ هل تستنشق أريجه الإلهي، حين يملأ الداخل بعطر القداسة ونسيم الوداعة الإلهية؟ هل تَخلُد إلى السكون العميق الذي يسدله الروح على الحواس، ويجعلها مرهَفة للإنصات؟ هل تهبّ عليك ريحه، فتسيل المياه من الداخل، فتَجري من الينبوع إلى المآقي كسواقي الله؟ هل صار الصوت الخفيف والنسيم الهادئ يلفّك من كلّ ناحية، فتشعر أنّك جزء من وجوده؟ أَم هل لحقتك النار في طرف من أطراف كيانك، فحوّلَتْ البرودة، بل وألغتها، وأشعَلَت الغِيرة والفرح؟ وهل سعدتَ بكلّ هذا، أو بعضه، وهل طلبت المزيد؟ وهل توسلتَ أن تدوم هناك؟ (يُتّبَع) المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
02 يوليو 2021

أمور تبدو صغيرة ذات مدلولات كبيرة ج2

اجتاحَت ضيقة شديدة حياةَ أحد الأحباء.. كانت نفسيّته وكأنّه أحاطتْ بها ظُلمة شديدة أو كأنّه انحبَس في فخٍّ ولا خروج، فكانت نفسُهُ مُرَّةً فيه. فلجأ إلى الصلاة بلجاجة ودموع، وطلب بصراخ الليل والنهار. وطالت به الأيام وهو في ذات الحال. وكأنَّ الصلاة تذهَب أدراج الرياح.. وكأنَّ ليس مَن يَسمع. وكانت نفسه تنزوي كلّ يومٍ وكاد يدخل في يأسٍ قاتل.قال لي: «عندي أيقونة للسيد المسيح أحبّها وأحبّ أن أتطلّع إليها. وأصلّي أمامها.. وأعلَم أنّه يَسمع لي. فكنتُ في هذه الأيام التي اكتنفتني فيها هذه الضيقة أخلدُ إلى هذه الأيقونة وأضع رأسي المُتعَب عليها. وجاءني فكرٌ داخلي قلتُهُ للربّ، ولم يكُن يخطر على بالي من قبل، كنت أقول للربّ: احتضنّي.. خُذني في حضنك. وظللت على هذه الحالة قرابة شهر كامل. وفي ليلة الأحد الماضي وأنا أقول للربّ أمام الأيقونة.. احتضنّي. راجعتُ نفسي وقلتُ كيف؟! هل ينزل الرب من السماء ليحتضنّي؟! ما هذا الذي أنا أطلبه من الرب هذه الثلاثين يومًا.. هل هذا معقول؟ ثم صليتُ ونمتُ.. قمتُ باكرًا وحضرتُ إلى الكنيسة. صليتُ القُدّاس، وشعرتُ بعزاء فوق العادة. وتناولتُ من الأسرار.. وكانت كلمات القراءات وكلمات القداس كلّها موجّهة إلى نفسي.. لم أشعر هكذا من قبل. وبعد القداس الإلهي كنت أنا وزوجتي وبعض الأحبّاء واقفين.. فسلّمتُ عليهم وجئتَ أنت إليَّ وفوجئتُ أنّك تأخذني في حضنك.. أنا وحدي دون جميع الواقفين.. ولم تكُن هذه عادتك، وعلى مدى سنوات معرفتي بك لم يحدُث هذا الأمر.احتضنتني بقوّة.. لم أملك نفسي.. ارتميتُ في حضنك وبكيتُ.. وأزال الربُّ الضيق. وقلتُ: أُعظّمك يا رب لأنّك احتضنتني.. وعلمتُ أنّ الله سمع صوت بكائي. واستجابَ طلبتي الغريبة التي كنت أتوسل إليه أن يحتضني. ولم يقف الأمر عند العمل الداخلي للنعمة، أنّ الرب آزَر نفسي وعزَّاني.. بل تجاوزه إلى الفِعل الحِسّي، عندما شعرتُ أنّ الله أرسلك لتتمّم شهوة قلبي. فتَقَوَّى إيماني بالرب، وعلمتُ أنّه يسمع صراخ المساكين».في الحقيقة لستُ أعلم ما الذي دفعني حتّى أفعل هذا.. شعرتُ وأنا أُسلّم على الرجل أنّ دافعًا أقوى مِنِّي يدفعني أن أفعل هذا؛ كأنّ شوقًا ومحبّة قويّة أريد أن أُعبِّر عنها نحوه. مع أنّ الرجل من عامّة الشعب، ولم أكُن أعلَم شيئًا عمّا يجوز فيه مِن ضيقة، أو ما هي ظروفه. فلما وجدتُه يبكي على كتفي بدون مُقدِّمات تعجّبتُ. فلمّا سألته على انفراد، حكى لي ما كان مَخفِيًّا عنّي. فمجدتُ الله الذي يعمل أكثر مِمّا نفهم أو نسأل. «وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا» (أف3: 20). المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
25 يونيو 2021

أمور تبدو صغيرة ذات مدلولات كبيرة

كنت أصلِّي القداس الإلهي يوم أربعاء.. والقداس بحسب المواعيد المعتادة يبدأ الساعة 7 صباحًا وينتهي في التاسعة. وكان يصلِّي معي أحد الآباء الكهنة. وفي غالب الأحيان نصلِّي الأواشي الكبار -التي تُقال بعد قراءة الإنجيل المقدس- نصلِّيها سِرًّا.. بسبب ضيق الوقت.أَعطيتُ الأبّ الكاهن شريكي أن يقرأ الإنجيل المقدس.. وبعد قراءة سِرّ الإنجيل أمام المنجلية.. دخلتُ إلى داخل الهيكل، وصلّيت الأواشي الكبار سِرًّا.. وأعطيتُ الشوريّة للشماس، ووقفتُ داخل الهيكل مُنصِتًا للإنجيل المقدّس. وبينما أنا كذلك جاءني هاتف في داخلي يقول: صلّ الأواشي جَهرًا بعد كمال الإنجيل. قلتُ في نفسي: لقد صلّيتُها سِرًا. جاءني ذات النداء الداخلي مرّة أخرى.. كأنّ أحدًا يتكلّم في أذني ويقول: لا صَلّها جَهرًا.. قلتُ مرّة أخرى: لقد صلّيتها.تكرّر الأمر معي مرّات.. ووجدتُ نفسي غير قادر أن أتغلّب على هذا الفكر، أو أن أفلت منه. فلمّا فرغ أبونا من قراءة الإنجيل المقدس. وكاد الشماس أن يردّ المردّ الذي يقول: أنصتوا بحكمة الله.. وبعده يقولون: بالحقيقة نؤمن. أشرتُ للشماس ألاّ يقول.وتقدّمتُ إلى المذبح وقُلت: اشليل.. وصليتُ الأواشي جَهرًا.. ثم ذهبتُ لأغسل يديّ. فبادرني الأب الكاهن قائلاً: ألم تُصَلِّ الأواشي سِرًّا.. قلت: نعم. فقال: لماذا صلّيتها جَهرًا.. قلت: لا أعلم. صلّينا القداس.. وتناولنا الأسرار المقدسة. وشكرنا الله على نعمته التي يعطيها لنا نحن غير المستحقين.. وصرفنا الشعب.وطلب إليَّ البعض أن يجلسوا معي.. بعضهم للاعتراف، والبعض يسأل أو يستفسر عن شيء، أو يطلب خدمة معيّنة كالعادة. كان من بينهم إحدى بناتي في الاعتراف. وهي سيّدة في الثلاثين من عمرها، لها ثلاثة أطفال صغار. وهي إنسانة ذات قلب نقي.. بسيطة غاية البساطة، تفحص نفسها وتقدّم للرب توبة خالصة جادّة. وتعيش بقدر إمكانها حافظة لوصايا المسيح، مُحِبة لجميع الناس ومُحتمِلة بوداعة كلّ ما يأتي عليها.فلما جلَسَتْ بجانبي وجدتُها تكاد تطير من الفرح.. متهلّلة جدًّا. وفي حال الشكر.. قالت: «أنا لي ما يقرب من شهر لم أتناول الأسرار المقدسة بحسب ظروفي ومشغولياتي.. قُمتُ في هذا الصباح وعندي شهوة عارمة وشوق لا يوصَف للتناول. ركبتُ سيارتي لأوصّل ابني للمدرسة. وكنتُ أقود السيّارة مُسرعةً. وأدرتُ تليفوني لأسمع الإرسال المباشر من الكنيسة، وكنتُ أتابع الصلاة، ولكنّي كنتُ متأخرة. وكانَتْ شهوة قلبي أن أكون في الكنيسة من أول القداس. فرفعتُ قلبي للمسيح ورجوته. وقلت له: خلِّي أبونا يصلِّي الأواشي جَهرًا. وكنتُ أطلب إلى المسيح في هذه اللحظات بكلّ قلبي حتى سال الدمع من عيني. فلمّا انتهى أبونا من قراءة الإنجيل المقدس.. وكنتُ مازلت على بُعد عشرة دقائق من الكنيسة.. وجدتُك تقدّمتَ إلى المذبح وبدأتَ تصلّى الأواشي جَهرًا. لم أمتلك نفسي من الصراخ والشكر. وتهلّلتْ نفسي بفرحٍ عجيب. وقلتُ يا ربّي إلى هذه الدرجة تسمع الصلاة وإلى هذه الدرجة تكون الاستجابة.. حقًّا إنّك إله عجيب ومُتعجَب منك بالمجد».صحيح إنّه أمر بسيط، ولكن قد زاد إيماني ورجائي وثقتي في إلهي الذي يسمع الصلاة، حتى من الخطاة والمساكين. ويُريني كَم هو قريب، وكَم هو طيّب وصالح. كنتُ أسمعها، ولم أتكلّم بشيء، ولم أُعلِّق بكلمة على الأمر. ثم قلت لها: إنتي جايّة تعترفي.. قالت: نعم. وقدّمت اعترافها للمسيح بأمانتها وتدقيقها في توبتها، وفحص نفسها، والرجوع باللوم على نفسها. وطلبَتْ إرشادًا.. فقدمتُ لها بحسب ما أعطتني النعمة أن أقول لها.. وأحنَتْ رأسها تحت يد الربّ، وقرأتُ لها التحاليل، وصرفتها بسلام. وكنتُ في داخل نفسي في ذهول.. فلم يكن الهاتف في داخلي كذبًا.. ولم يكن إلحاح الصوت عليَّ أن أصلِّي الأواشي ظَنًّا أو وَهمًا. بل كان حَقًا وصِدقًا. ولكن إلى هذه الدرجة يكون الاتصال بالله حتى من البسطاء.. وإلى هذه الدرجة يكون الردّ السماوي هكذا سريعًا وفَعّالاً. ولكن هذه هي مواعيد الله، وهكذا ممكن أن نرى تَدَخُّل الله ويده الحانية في التفاصيل الدقيقة في الحياة اليومية، إن كانت لنا العين البسيطة التي تعاين، والقلب النقي الذي يطلب فيُجاب، ويَقرع فيُفتح له. وفي آخر النهار تقابلتُ مع الأب الكاهن زميلي وقلتُ له.. هل عرفتَ السرّ لماذا صليتُ الأواشي جَهرًا؟ قال: لا. فحكيتُ له حكاية هذه الأخت وما فعلتَه. وقلت له مُداعِبًا: شوف الناس مُمكِن يشَغّلونا ب Remote Control من على بُعد.. فهُم يتّصلون بالسماء، ويستطيعون أن يحركونا بالنعمة والروح. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
24 أبريل 2021

إنجيل عشية الأحد السابع من الصوم الكبير(يو 12 : 1 – 8)

ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا، حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات. فصنعوا له هناك عشاء. وكانت مرثا تخدم، وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه. فأخذت مريم منا من طيب ناردين خالص كثير الثمن، ودهنت قدمي يسوع. ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب. فقال واحد من تلاميذه، وهو يهوذا سمعان الإسخريوطي، المزمع أن يسلمه. "لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعط للفقراء؟" قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء، بل لأنه كان سارقًا، وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يُلقى فيه. فقال يسوع: "اتركوا! إنها ليوم تكفيني قد حفظته، لأن الفقراء معكم في كل حين، وأما أنا فلست معكم في كل حين". أحد الشعانين : سكب الطيب يأتي هذا الفصل في عشية اليوم أقام الرب فيه لعازر من الموت بعد موته بأربعة أيام، وقد تحول الحزن إلى فرح والموت إلى قيامة، فكيف لا يُقدم شكر للرب على صنيعه. فأخذت مريم أخت لعازر رطل ناردين خالص كثير الثمن وسكبته على المسيح فامتلأ البيت من رائحة الطيب. كان الرب متكئًا في بيت أحبائه وكان لعازر الذي أقامه متكئًا مع الرب أو على صدر الرب. وكأن الرب كان كمثل داود الذي انتزع الغنمة من فم الأسد والدب. فقد انتهى الموت من الإجهاز على لعازر وقد شبع جسمه تحللاً وعفنًا. وهوت نفسه إلى سجن الأرواح في قبضة حفظه سجن الجحيم. ولكن "صوت الرب يزلزل القفار و يطف ئ لهيب النار، صوت الرب بقوة صوت الرب بعظيم الجلال". نادى لعازر فأطاع وخرج الميت ملفوف اليدين والرجلين ووجهه ملفوف بمنديل. قيل إن الرب صرخ بصوت عظيم ونادى لعازر باسمه ومعلوم أن الرب "وديع ومتواضع القلب... لا يصيح ولا يخاصم ولا يسمع أحد في الشوارع صوته". ولكنه صرخ في مواجهة الموت العدو الأخير. وكما انتهر الحمى، وانتهر الريح والبحر فكانت تطيعه، وحتى الشياطين حين سمعت صوته ارتعدت وصرخت قائلة: "ما لنا ولك يا يسوع الناصري أتيت لتهلكنا"!!. هكذا صرخ المسيح قدام قبر لعازر، وصرخ مرة أخرى حين أسلم الروح على الصليب، صرخ بصوت عظيم وأمال الرأس وأسلم الروح. فهو في لحظات الموت صرخ بصوت عظيم!! يا للجلال."قدوس الحي الذي لا يموت". من أين الصوت العظيم والصراخ لأحد يسلم الروح!! ولكنه الإله الحي الذي لا يموت. فإن كنا نرى الرب ينادي لعازر من كوره الموت فهذا استلزم هذا الصوت العظيم الذي حطم قوة الجحيم. صوت الرب هو كلمة الحياة الفعالة التي هي أمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والجسد والروح معًا. متى قبلها إنسان بكل القبول فإنها قادرة أن تقيمه ليس من موت الجسد بل ومن موت الخطايا وعفن قبور الشهوات. "هاأنذا أخرجكم من قبوركم يا شعبي" إن كان أحد يسمع كلمة المسيح فإنه يحيا. "تأتي ساعة حين يسمع فيها كل من في القبور صوته والذين يسمعون يحيون". ليس لعازر فقط هو الذي أقامه المسيح من الأموات ولكن نحن إذ كنا أمواتًا بالذنوب والخطايا... أحيانا مع المسيح أقامنا معه... وأقامنا فهو قيامتنا. "في آدم يموت الجميع... وفي المسيح سيحيا الجميع". كما لبسنا صورة الترابي (المائت)... سنلبس صورة السماوي (الحي). • لذلك كانت مناسبة الوليمة في بيت لعازر، كالوليمة التي عملها الأب للابن الراجع "ينبغي لنا أن نفرح لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش". هي فرح المسيح و السمائيين بخاطئ واحد يتوب... لأن الخاطئ في عرف الروح ميت... لذلك يكون فرح في الكنيسة وفي السماء بخاطئ واحد يتوب وحين يتكئ المقام من الأموات في حضن المسيح "الحياة" يكون الأمر نصرة للحياة على الموت ويتمجد المسيح الذي يصنع هذا المعروف مع الموتى. • جاءت مريم أخت لعازر، تلميذة قدمي يسوع ومحبَّة للكلمة هادئة وديعة، اختارت النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها. وهي أقدر من يعرف كيف يشكر واهب الحياة وقاهر الموت. نحن لا نملك أن نرد جميل الرب وصنيعه معنا "ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته". لا نملك سوى الشكر وقد اضطلعت مريم العابدة بهذا الأمر، فقدمت شكرها مع طيبها، وكسرت القارورة من غير تحفظ ولم تبال بشيء ولو انتقدها الآخرون. فقد كانت عيناها مركزة على الرب وليس سواه. • امتلأت الكنيسة (البيت) من رائحة الطيب، فرائحة الطيب تنتشر بدون كلام... بتلقائية سريعة هادئة. كان الكلام في الصباح "قد انتن"... أما الآن فرائحة الطيب. مع المسيح تتبدل السلبيات إلى إيجابيات، الحزن إلى فرح والموت إلى حياة، ورائحة الموت إلى رائحة المسيح الحياة. • قد يظن البعض أن في هذا إتلاف، ويقول العقلاء وهم دائمًا ينظرون وينتقدون... "لماذا هذا الإتلاف" ولكن هيهات لطيب يسكب على جسد المسيح ويُقال عنه أنه إتلاف. • إن هذا الطيب أخذ قيمته ورائحته كونه سُكب على جسد الحبيب. وحين قال الرب إن الفقراء معكم كل حين، فقد أفرد هذا العمل الذي عملته المرأة وخصه بكونه مقدم له شخصيًا. • توجد أعمال تسكب سكيبًا على قدمي المسيح وهي ما تقدمه النفس للحبيب شخصيًا خلوًا من الناس... أعمال العبادة الخاصة والشبع من السجود و الأصوام و الأسهار والدموع وكل أعمال النسك للذين صاروا أصحاب سر مع المسيح كعريس نفوسهم... وهي تختلف عن أعمال الخدمة وافتقاد المرضى والمتضايقين ورد الضالين وكل أنواع الخدم، وإن تكن مقدمة للمسيح ولكن في أشخاص المخدومين. وهذا هو الفرق بين حياة العبادة والتأمل وبين حياة الخدمة والسعي وهو الفرق بين مريم و مرثا في كل جيل. • لماذا تزعجون المرأة؟ "عملاً حسنًا صنعت بي"، هذا هو جواب المسيح فاحص القلوب. لقد استحسن عملها، وقبل شكرها وسجودها ومدح حبها ومشاعر طيب قلبها. فإن كان العمل مقدمًا شخصيًا للرب فلا نبالي بكلام كائن من كان... يكفينا مدح المسيح لعملنا. وقد سجل الرب للمرأة تخليد عملها أنه تلازم مع الكرازة بالإنجيل في كل زمان وفي كل العالم. • ومن تدبير كنيستنا الحبيبة أنها تقرأ هذا الفصل من الإنجيل في تجنيز النساء الكبار... وكأن كل سيدة عاشت في المسيح في محبة وقداسة سيرة ربت الأولاد لحساب يسوع وغسل أرجل القديسين واهتمت بكل عمل صالح... فإنها تكون بطريقة ما قد عطرت الكنيسة بسيرتها العطرة في المسيح فاستحققت ذات النصيب والمدح من فم المسيح. فهذا ما يجب أن تكون عليه المرأة في الكنيسة متعاهدة على تقوى الحياة والعبادة وثبات الإيمان والتعقل. • أما بالنسبة لأحد الشعانين فها هو ملك أورشليم الداخل إليها وديعًا متواضع القلب، منتصرًا لا على جيش ولا على أعداء– بل على العدو الأخير الذي هو الموت وها هو لعازر يقف كوسيلة إيضاح وشهادة حق "وكانوا يشهدون أنه دعا لعازر من القبر". فهو ملك خرج غالبًا ولكي يغلب... يغلب الموت ويعطي الحياة الأبدية في شخصه.ولم تكن مسحة الطيب سوى مذكّر للمسحة العلوية التي أخذها من الآب بالروح القدس لحسابنا. فهو مسيح الله ممسوح من الآب بمسحة أفضل من أصحابه أي أن مسحته تختلف جذريًا عن الذين اعتبروا مسحاءً سواء كانوا كهنة أو ملوكًا أو أنبياء. فهو قبل المسحة لا لكي يصير ويرتقي كباقي المسحاء الذين ارتقوا إلى مكانتهم بالمسحة. بل هو كما كُتب عنه أنه أحب البر "إذ هو الرب برنا"، "لذلك مسحك الله أفضل من أصحابك". فهو مسح لأنه في حال إخلائه لذاته وجد الآب مسرته فيه إذ عظم الشريعة وأكرم الناموس وأحب البر لذلك صار رأسًا للخليقة الجديدة الخاضعة للآب بعد أيام العصيان والعداوة... لذلك قبل المسحة لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه ونصير به شركاء الطبيعة الإلهية. • أما دخول المسيح إلى أورشليم وبكاؤه عليها إذ صارت هي وكهنتها ورؤساءها في حال العمى "أخفى عن عينيك" وفي حال عدم الإدراك الروحي كسكارى "لو كنت تعلمين ما هو سلامك" لذلك رفضت ملك السلام ورفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم فحرموا من النعمة وصارت مدينتهم خرابًا. • أما الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطان أولاد الله... فهم يتبعون هنا يسبحون قائلين أوصنا ويفرشون ثيابهم في الطريق ويمسكون سعف النخل وهذا بعينه سيترجم في السماء في ملكوت المسيح لتابعيه، وفي أيديهم سعف النصرة على الجسد والعالم والشيطان وعوض الأقمصة التي فرشوها في طريق مخلصهم فإنهم سيلبسون ثيابًا بيضاء وفي أفواههم تسبحة الخلاص عينها. مبارك ومقدس من له نصيب في المسيح هنا فإنه يصير شريكه في مجد ملكوته هناك. أوصنا لابن داود... أوصنا في الأعالي.مبارك الآتي باسم الرب. المتنيح القمص لوقا سيداروس (عن كتاب "تأملات فى أناجيل عشيات الآحاد")
المزيد
17 أبريل 2021

إنجيل عشية الأحد السادس من الصوم الكبير(لو 13: 22– 35)

واجتاز في مدن وقرى يعلم ويسافر نحو أورشليم، فقال له واحد: "يا سيد، أقليل هم الذين يخلصون؟" فقال لهم "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق، فإني أقول لكم: إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون.من بعد ما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب، وابتدأتم تقفون خارجًا وتقرعون الباب قائلين: يا رب، يارب! افتح لنا. يجيب، ويقول لكم: لا أعرفكم من أين أنتم!حينئذ تبتدئون تقولون: أكلنا قدامك وشربنا، وعلّمت في شوارعنا!فيقول: أقول لكم: لا أعرفكم من أين أنتم، تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم! هناك يكون البكاء وصرير الأسنان، متى رأيتم إبراهيم وإسحق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله، وأنتم مطروحون خارجًا. ويأتون من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب، ويتكئون في ملكوت الله. "و هوذا آخرون يكونون أولين، وأولين يكونون آخرين". في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له: "اخرج واذهب من ههنا، لأن هيرودس يريد أن يقتلك". فقال لهم: "امضوا وقولوا لهذا الثعلب "ها أنا أخرج شياطين، وأشفي اليوم وغدًا، وفي اليوم الثالث أكمل. بل ينبغي أن أسير اليوم وغدًا وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجًا عن أورشليم! يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا! هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا! والحق أقول لكم: إنكم لا ترونني حتى يأتي وقت تقولون فيه: مبارك الآتي باسم الرب!". عشية أحد التناصير يتكلم إنجيل العشية عن الباب الضيق المؤدي للملكوت، فعندما سأله واحد قائلاً: "يا سيد، أقليل هم الذين يخلصون؟" رد الرب على السائل قائلاً للجميع: "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق". وقال الرب: "إن كثيرين سيأتون بعدما يكون رب البيت قد أغلق الباب فلا يقدرون أن يدخلوا ولكنهم سيطرحون خارجًا حيث البكاء ورعدة الأسنان". ولكي يُفهم هذا الفصل من الإنجيل في ضوء المعمودية وأحد التناصير، نقول أن المعمودية هي باب الملكوت وهي المدخل لكل النعم والتنعم. بدون المعمودية لا دخول إلى داخل بل تظل النفس مطروحة خارجًا معذبة حيث البكاء لا ينفع وصرير الأسنان لا ينقطع. قال الرب لنيقوديموس: "الحق أقول لك إن لم يولد الإنسان من الماء والروح لن يرى ملكوت الله". وباب المعمودية باب ضيق للجسد، فالروح يشتهي ضد الجسد. وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بحسب استحقاق معموديتهم يجدون الباب الضيق ملازمًا للحياة فيدخلون بشجاعة وبلا حساب لأتعاب الجسد. باب الجسد واسع للجسدانيين فهم يعيشون في طريق رحب بلا تضييق وبلا ضوابط وبلا قانون... كحيوانات طبيعية نهايتها الصيد والهلاك. أما الذين اختاروا الباب الضيق والطريق الكربة فهم يعلمون حقًا أن النهاية حياة أبدية... فمرحبًا بالأتعاب و الجهادات إن كانت النهاية حياة أبدية. الذين يدخلون من الباب الضيق، هم داخل الملكوت والملكوت يصير داخلهم أما البرانيين فهم خارجًا. ما هو داخل لا يمكن وصفه للذين هم خارجًا... أمور لا يسوغ لإنسان أن يتحدث عنها ولا يعرفها إلا الذي يأخذ. حينما يقول الرب لمختاريه: "ادخل إلى فرح سيدك"، يعلم من ذلك أن هذا الفرح يدخل إليه ولا يتمتع به إلا الذين في داخل. إذن لا يُدرك ملكوت الله بالكلام بل بالدخول إليه!!. نحن معمدون، وصار لنا بالمسيح الذي هو باب الخراف نعمة الدخول إلى الآب "أنا هو باب الخراف... إن دخل بي أحد". في المعمودية لبسنا المسيح أي دخلنا بالمسيح وفي المسيح. هذا الدخول ليس هو إيمانًا نظريًا يدرك بالعقل ولكنه حركة دخول من خارج إلى الداخل. من صلوات المعمودية المقدسة نقول على المعمد "الداخل من الظلمة إلى النور ومن الموت إلى الحياة ومن طريق الضلالة إلى معرفة الحق". فالمعمودية دخول من خارج حيث الظلمة إلى الداخل حيث النور لا يُدني منه. المعمودية باب مؤدٍ إلى طريق كربه موصلة إلى الملكوت. فالمعمودية ليست حجابًا ولا عاصمة من الخطايا. هي مدخل لكي نخرج إلى جدة الحياة ونسعى في الطريق الكربة حتى نكمل جهادنا فننال إكليلنا من يد المسيح "من يغلب... يأخذ". صارت معمودية شعب بني إسرائيل في القديم كمدخل لطريق الأربعين سنة، انتقلوا من العبودية القياسية إلى الحرية ومن السخرية في الطين (الجسد) إلى السير في نور وجه الله حيث الطعام النازل من السماء والماء النابع من الصخرة. لم تكن المعمودية نهاية بل بداية... بداية حرب مع عماليق من دور فدور، وبداية المسيرة مع الله واختبار عجائبه، وبداية مشوار الرحلة إلى كنعان. لذلك عندما نتأمل المعمودية كباب نقول: "ها قد دخلنا منذ طفولتنا كمدعوين للسير إلى الملكوت فهل نحن مجتهدون لإكمال المسيرة حتى الجهالة؟". المعمودية كباب هي البداية بالروح. فهل بعدما بدأنا بالروح هل نحن مازلنا نكمل بالروح؟. باب المعمودية في بداية مشوار الحياة يقابله بداية الملكوت حينما يدخل العريس العذارى الحكيمات من ذات الباب ويغلق الباب إلى الأبد حيث العريس السماوي غير الزمني. هذا الباب لما بلغت إليه العذارى الجاهلات وبدأن يقرعن الباب قائلات: "ربنا افتح لنا، فأجاب وقال الحق أقول لكن إني ما أعرفكن..." اسهروا إذن!!. فمن دخلن من الباب دخولاً روحيًا حقيقيًا وسعين بحسب قانون الملكوت عابدات بالجهد النهار والليل، وخازنات زيت الروح ليوم المجيء بالكد والتعب ومالئات الآنية مع المصابيح بوقود النور في الأعمال الحسنة وفي ملء الروح القدس وأعمال المحبة والرحمة... عندما تواجهن مع باب الملكوت وهن مستعدات دخلن إلى العرس بلا مانع. أما الجاهلات فرغم دخولهن من باب المعمودية كمدعوات إلا أن الظلمة غشيتهن ومصابيحهن انطفأت لعدم الزيت، فالروح القدس نضب كأنه غير موجود. ولم يبق سوى الجسد و الجسديات والشكل ومظهر العذارى. ولكن عوض الحكمة الروحية، فقد وصفن بالجاهلات غير المستعدات. ففي جهلهن نسين دعوتهن ونسين السعي للملكوت، وخزين زيت الروح ونسين لقاء العريس الذي خرجن لأجله... ويا للحسرة!. لذلك ننبه الذهن مرة أخرى لقول الرب: "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق". فالأمر مرهون بإرادتنا وجهادنا... "كثيرون يدعون ولكن قليلين ينتخبون". الجهاد موضوع أمامنا كباب ضيق ندخله كل يوم وفي كل مناسبة. الباب الواسع مع كل إغراءاته معروض أيضًا بكثرة ووفرة في كل الميادين وكل المناسبات... اجتهد أن تختار الباب الضيق ولا تخس من الدخول فيه. الصلاة باب ضيق إذا ضيق إذا ما قورنت بأنواع التسالي والمسامرة والهرج والمزاح وأنواع المسرات العالمية. لأن وقت الصلاة لا نصيب لمسرات الجسد فيه. لذلك يعتبر باب ضيق يغصب الإنسان نفسه إليه كل حين حتى يخضع الجسد ويتعود عليه. العطاء يعتبر بابًا ضيقًا إذا ما قورن بالأخذ. فالطبيعة تحب الأخذ وتكره العطاء. فمن يدرب نفسه كل يوم للدخول إلى هذا الباب ناظرًا للملكوت يغصب نفسه على العطاء والعطاء حتى يلقى وجه المسيح فيجازيه علانية في ملكوته. وهكذا إنكار الذات باب ضيق إذا ما قورن بالكبرياء وتمجيد الذات. الاتضاع باب ضيق، القداسة والعفة باب ضيق. وعلى العموم جميع وصايا المسيح معتبرة هكذا وهي الطريق المؤدي إلى الملكوت، وطوبى للذين يسيرون فيه فإنهم أخيرًا يوضع لهم إكليل البر. ويدخلون مع رب البيت ويدخلون مع العريس حيث يغلق الباب ولا خروج إلى خارج إلى الأبد. المتنيح القمص لوقا سيداروس (عن كتاب "تأملات فى أناجيل عشيات الآحاد")
المزيد
10 أبريل 2021

إنجيل عشية الأحد الخامس من الصوم الكبير(لو 18: 1– 8)

وقال لهم أيضًا مثلاً في أنه ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يمل. قائلاً: "كان في مدينة قاضٍ لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا. وكان في تلك المدينة أرملة. وكانت تأتي إليه قائلة: انصفني من خصمي!. وكان لا يشاء إلى زمان. ولكن بعد ذلك قال في نفسه: وإن كنت لا أخاف الله ولا أهاب إنسانًا، فإني لأجل أن هذه الأرملة تزعجني، أنصفها، لئلا تأتي دائمًا فتقمعني!". وقال الرب: "اسمعوا ما يقول قاضي الظلم. أفلا ينصف الله مختاريه. الصارخين إليه نهارًا وليلاً، وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم: إنه ينصفهم سريعًا! ولكن متى جاء ابن الإنسان، ألعله يجد الإيمان على الأرض؟". إنجيل القداس : شفاء الرجل المريض الراقد 38 سنة بجوار بركة بيت حسدا. إنجيل العشية : قاضي الظلم عنصر الزمن بالنسبة للإنسان يساوي الشيء الكثير ولكن في تدبير المسيح لكل شيء تحت السماء وقت... وميعاد وموسم... فهو ينضج الثمار في حينها ويعطي كل شيء في حينه الحسن. فبعد 38 سنة أشرق المسيح على هذا المريض البائس شبه اليائس وقال له: "أتريد أن تبرأ". لما وجد بصيصًا من إرادة شفاه بعد طول انتظار... فكثيرًا ما يأتي المسيح في الهزيع الرابع... ولكن مجيئه يكون كإشراق النور بعد طول ظلام وظلمة. ويهتف الإنسان هل يوجد رجاء؟... هل ربنا مازال يسمع الصلاة؟... هل؟ وأسئلة كثيرة. ولكن بمثل قاضي الظلم يلقي الرب ضوءًا على أن الله مستعد دائمًا ومستجيب دائمًا وهو يعطي أكثر مما نسأل. ولكن قال عن قاضي الظلم لم يكن يشأ إلى زمن، ولكنه عاد فأنصفها وقضى حاجتها لأجل لجاجتها. قال الرب يسوع: "اسمعوا ما يقول قاضي الظلم... أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلاً وهو متمهل عليهم. نعم أقول لكم أنه ينصفهم سريعًا". والحق يقال إن المسيح تكلم عن النقيض ولكن مع هذا النقيض كشف لنا عن مكنونات أسرار الله وقلبه نحونا. فالقاضي الظالم لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، التجأت إليه الأرملة فهل يقارن بالآب السماوي الحنون الذي نطرح أمامه توسلنا وهو كليّ الحب والحنان. والقاضي لا يربطه بالأرملة رباط ما. أما نحن فنلجأ إلى أبينا السماوي ونسكب توسلنا لديه بدالة البنين وثقة أعطاها لنا المسيح في شخصه. والقاضي ظالم لا يعرف العدل. أما ربنا فهو الحق والعدل ذاته وعدله رحيم ورحمته عادلة، لا يقرب إليه الظلم وليس عنده تغير أو شبه ظل يدور... ساكن في النور الذي لا يُدنى منه. والقاضي لا يشاء أن يسمع، أما مسرة ربنا ولذته في أن يسمع لنا فهو سامع الصلاة الذي إليه يأتي كل بشر. لم يعط القاضي الظالم المرأة الأرملة أذنًا صاغية بل كان كأنه لا يسمع ولا يرى... إلى أن ضج من لجاجتها، أما ربنا فهو يسمع حتى أنات القلوب ويقول: "من أجل شفاء المساكين وتنهد البائسين الآن أقوم يقول الرب أصنع الخلاص علانية"... فهو مصغ لتنهد البائسين!!. لكن الأمر كما شرح المسيح أن الله "متمهل". صراخ المساكين داخل إلى قدام رب الصباؤوت. و مختارو الله الذين يسبحونه النهار والليل ويسألونه يسمع تضرعهم ويخلصهم ولا يتغاضى عن طلبتهم. إما أن يتمهل عليهم فهذه حكمة عالية عن فهم البشر، وإدراكهم. ولكن الثابت عندنا أنه يتمهل لأجل خيرنا ومصلحتنا. تمهّل على إبراهيم أبي الآباء ولكن بالنهاية أعطاه النسل الموعود به الذي فيه تتبارك جميع قبائل الأرض. وكانت صلوات إبراهيم قد بلغت مسامع القدير منذ البدء، وحين قال له إبراهيم "ماذا تعطيني؟" قال له الرب: "لا تخف أنا ترس لك... أنا أجرك العظيم جدًا". وتمهل على حنة أم صموئيل وحين جاء الوقت أنعم عليها بصموئيل النبي الذي صار نبيًا للرب وهو بعد صبي صغير. وتمهل على زكريا و اليصابات ولكن في الوقت المعيّن أرسل له جبرائيل رئيس الملائكة قائلاً: "طلبتك سُمعت". فالطلبة تُسمع حين نرفع قلوبنا إلى فوق وفي حال سؤال الصلاة ندخل طلبتنا إلى القدير. ولكن يوجد ميعاد وميقات للتنفيذ وحين يحل الميعاد تكمل الطلبة. هذا ما يتوازى مع الـ 38 سنة التي ظل فيها هذا الإنسان راقدًا... وليس له إنسان وقد حطم المرض ليس أعضاء جسده فقط بل وحتى نفسه أيضًا. ولكن منتظري الرب يجدون قوة... ولا يخزى منتظروه. لذلك يجب أن نركز رجاءنا في المسيح. مع المسيح لا مكان لليأس، ومهما تأخر لكنه حتى في الهزيع الرابع يأتي... ومتى جاء ينحسر المرض وتهرب الأوجاع. فإن كان الرب يتمهل علينا... ولكن لنتمسك بالرجاء كمرساة مؤتمنة للنفس وثابتة. كيف نطلب وماذا نطلب؟ نطلب بإيمان... لنطلب أولاً ملكوت الله وبره... لنطلب بحسب مشيئته الله وإرادته. قال الرسول يعقوب: "تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديًا"، وقال الرب: "إلى الآن لم تسألوا شيئًا باسمي... اطلبوا تأخذوا لكي يكون فرحكم كاملاً". وحين نطلب... نطلب بلا ملل... "صلوا ولا تملوا". ولتكن طلبتنا برجاء وثقة أنه مهما طلبنا ننال "كل ما تطلبونه في الصلاة آمنوا أنكم تنالونه". ونحن نطلب باسم يسوع متمسكين بوعوده "كل ما تسألونه من الآب باسمي يعطيكم إياه". ولسنا نطلب بحسب استحقاقنا ولكن من أجل احتياجنا وأمامنا هذه المرأة الأرملة وكيف نالت طلبتها. لذلك نطلب بلجاجة وبإلحاح عالمين أنه ليس لنا آخر سواء وأنه لا سبيل للحصول على النعمة التي تنقصنا سوى سؤال الصلاة والطلب والإلحاح... ونحن لا نكف عن الصلاة حتى نأخذ. لأننا نعرف أنه لا يتركنا نجرب فوق ما نحتمل بل يعطي مع التجربة المنفذ. المتنيح القمص لوقا سيداروس (عن كتاب "تأملات فى أناجيل عشيات الآحاد")
المزيد
03 أبريل 2021

إنجيل عشية الأحد الرابع من الصوم الكبير

لو22:12-31 وقال لتلاميذه: "من أجل هذا أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون، ولا للجسد بما تلبسون.الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس.تأملوا الغربان: أنها لا نزرع ولا تحصد، وليس لهـا مخدع ولا مخزن، واالله يقيتها. كم أنتم بالحرى أفضل من الطيور! ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحد؟ فإن كنتم لا تقدرون ولا على الأصغر، فلماذا تهتمون بالبواقي؟ تـأملوا الزنـابق كيف تنمو: لا تتعب ولا تغزل، ولكن أقول لكم: إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غدا في التنور يلبسه االله هكذا، فكم بالحرى يلبسكم أنـت يـا قليلي الإيمان؟ لا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا، فإن هذه كلها تطلبها أمم العالم. وأما أنتم فأبوكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه. بل اطلبوا ملكوت االله، وهذه كلها تزاد لكم . الطعام الباقي الذي للحياة الأبدية في إنجيل القداس يتقابل الرب يسوع مع المرأة السامرية بينما يذهب التلاميذ ليبتاعوا طعامـا ولمـا عادوا إليه وطلبوا قائلين: "يا معلم كل"... فقال لهم "لي طعام آخر لستم تعرفونه... طعامي أن أعمل مشـيئة الذي أرسلني وأتمم عمله"... ويتساءل التلاميذ في براءة "ألعل أحدا قد أتاه بطعام؟، إذ لم يكونوا بعد يـدركون كمال تدبيره الإلهي.لذلك يجيء إنجيل العشية كمقدمة لهذا الحوار وهو يبين قصد المسيح ويكشف عن الاهتمام بالطعـام الباقي الذي للحياة الأبدية. فقول الرب لتلاميذه هنا "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون"... عنـدما نقرئـه بإنجيـل السامرية يأخذ كما معناه الإلهي.الحياة أفضل من الطعام... يأعن الحياة الأبدية التي لا تستمد وجودها ولا قوتها مـن هـذا الطعـامالبائد. يوجد طعام آخر... هل ذقته؟ لقد شغل طعام هذا العالم قلب الإنسان وعقله من يوم أن وطأت قدماه أرض الشقاء لكي يفلحها بعرق الجبين وصار كل سعيه محصورا في الحصول على قوت الجسد وبسبب لعنة الخطية صارت تنبت له شـوكًا وحسكًا يوخز الجسد فيئن مدى الحياة.وقد دعا الرب يسوع هذا الطعام... الطعام البائد... بالمقارنة بالطعام الباقي الذي للحياة الأبدية.وفي التجربة على الجبل عندما قال المجرب للرب، قل لهذه الحجارة أن تصير خبزا، ضاربا سهمه نحو جسد الرب الجائع... فكان أن الرب رد سهمه إليه وأخرج الرب من كنف المقلاع درة من سفر التثنيـة كانت مخزونة لليوم والساعة وهي المكتوب "أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فـم الله". فارتزت في جبين العدو الشرير فسقط صريعا كجليات في القديم.لقد جاء الوقت الذي فيه يقدم المسيح للبشرية الجائعة خبز الحياة الأبدية لكـي يأكلـه الإنسـان ولا يموت... إنه طعام آخر... غير الذي يعرفه الناس. الخبز النازل من السماء لكي يأكله الإنسان ولا يمـوت...ليس هذا الخبز سوى المسيح نفسه... المأكل الحقيقي هو جسده الذي بذله عنا. المسيح طلب من السامرية أن يشرب وكان وقت الساعة السادسة وقت الصليب الذي كان حاضرا في المسيح... لأن المسيح غير زمني، فليس عنده مستقبل ولا ماضي بل هو أزلي أبدي حاضر دائما فكان الصليب ماثلاً في ذلك الساعة السادسة. ووقتها على الصليب أظهر عطشه مرة أخـرى وقـال "أنـا عطشان" ولما قدموا له خلاً ليشرب لم يرد أن يشرب لأنهم لم يفهموا أن عطش المسيح لا يرويه مـاء هذا العالم، وجوع المسيح لا يشبعه خبز هذا العالم.قال اللص على الصليب للمسيح "اذكرني" وكانت يد المسيح ممدودة إليه وهو معلق إلى جانبه، وحين صلى اللص يطلب الخلاص ارتاح قلب يسوع وارتوى إذ وجد ثمار دمه المبذول لأجل الخطاة... كان اللـص أول من ارتمى تحت قدمي الصليب ليفيض عليه رشاش الدم الإلهي... هذه كانت أول ثمرة... تشـبع قلـب يسوع وتروي عطشه... يا للسرور الذي كان موضوعا أمامه وهو على الصليب!. وهكذا السامرية لم تعطـه ليشرب من ماء بئر، بل حينما مد يده وأخرجها من عمق بئر الخطايا وظلمـة ماضـيها... ارتـوت نفسـه وارتاحت إلى خليقته الجديدة إذ رأى أنها وهي مفدية بدمه صارت حسنة جدا جدا.تُرى متى يبطل اهتمامنا بالطعام البائد وإن كان هذا كثيرا نقول تُرى متى نهتم بالطعام الآخر ونسعى إليه وما هو مقدار سعينا نحوه؟. وأين العرق الجديد للخبز الجديد؟ أين أتعابنا وسهرنا وكدنا في طلب خبز الحياة؟. قال الرب للرسل: "ارفعوا عيونكم... الحقول ابيضت للحصاد". ظاهرا حقول القمح هي خبز الجسد، ولكن المسيح يتكلم عن الحصاد الكثير. وقلة الفعلة، وينقل الذهن إلى حبات حنطة الحياة الجديدة التـي تلدها حبة الحنطة التي ماتت وأتت بثمر كثير... كان باكورة هذا الحصاد هي السامرية.لقد حان أوان قطافها... ووقعت في يد المسيح. نفوس كثيرة تحتاج كلمة... نفوس كثيـرة جـاهزة للخلاص.اطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده، فالحصاد كثير جدا.إن الوقت والجهد الذي نبذله من أجل خبز الحياة ضئيل جدا جدا إذا ما قورن بما نبذله من أجل لقمة العيش وخبز الجسد .أين ما علمنا إياه الرب في الصلاة أن نطلب خبز الغد (خبز الحياة الأبدية لأننا لا نعرف لنـا غـدا سوى حياتنا في المسيح إلى الأبد). لكي يعطيه لنا اليوم نذوقه ونتمتع به ونتغذى عليه كمن يحيا الحياة الأبدية وهو بعد على الأرض.لا يفهم هذا على أنه تقليل من شأن الجهاد والعمل في العالم بحسب ما أعطى االله، وزنات لكل واحـد إن كان للطالب في جهاده في دراسته أو عامل في عمله أو موظف في وظيفته أو مزارع في زراعـة أو أم في تربية أولادها. وكل هذه أعمال واجبة وممدوحة نؤديها بالأمانة المسيحية في كـل إخـلاص ونجني ثمرها ونشكر االله على عمله معنا وسنده إيانا. لكن الرب ينبه الذهن إلى عدم الهم وعدم القلـق التي تعمل بها هذه الأعمال "لا تهتموا... لا تقلقوا". لأن من منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد علـى قامتـه ذراعا واحدة؟ يستحيل فالهم علاوة على أنه لا يغير شيئًا فهو مؤذٍ للنفس "الهم في قلب الرجل يحنـي ظهره" (أمثال). والاهتمام تدبير أما الهم فهو عدم اتكال على االله.والأمر الثاني هو تحويل مركز اهتمامنا من الأرضيات إلى السماويات ومن خبز الجسد وضرورياته إلى خبز الحياة الأبدية والسعي الدائم نحوه. ففيما نحن نمارس أعمالنا اليومية يكون شغل قلبنـا هـو سماوي. تدريب: تدرب على أكل الكلمة الإلهية "وجد كلامك فأكلته" قال الرب لحزقيال حين عرض عليه الكلمة الإلهية مكتوبة في درج كتاب قال له: "كُل مـا تجـده،فأكله فصار في فمه كالعسل حلاوة". تدريب على التلذذ بأكل الكلمة الحية... فتحيا بها كطعام يومي. تدرب على التناول بوعي روحي وإدراك وحاسة مقدسة ومذاقة روحية... لا تنسى أنك أخذت المسيح نصيبك وحين تأكله أقضي اليوم كله متأملاً فيه، كيف أعطانا جسده لنأكله... الأمـر الـذي تشـتهي الملائكة أن تطلع عليه. كرر قول المسيح "لي طعام آخر" مرات كثيرة في اليوم ليدفعك للسعي نحو الحياة الفضلى والشبع بما هو نازل من فوق . المتنيح القمص لوقا سيداروس (عن كتاب "تأملات فى أناجيل عشيات الآحاد")
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل