المقالات

30 أغسطس 2019

العلامات التي تسبق المجيء الثاني

سوف نعرض لسبع علامات بارزة تسبق المجيء الثاني للسيد المسيح، ثم نأتي بعد ذلك إلى أحداث المجيء الثاني نفسها؛ وهي تتضمن أيضًا علامات أخرى تصاحب هذا المجيء وتميزه عن أي مجيء آخر مزعوم مثل ما يدّعيه الأدفنتست وشهود يهوه. ومن العلامات التي تسبق المجيء الثاني ما يلي: أولًا: انتشار الإنجيل في كل العالم قال السيد المسيح: "ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتي المنتهي" (مت24: 14). ونستطيع أن نقول إن هذا قد تحقق في قارات العالم، ولنا الآن كنائس في أفريقيا وفي أمريكا الجنوبية وكل أنحاء أستراليا إلى جوار الكنائس المنتشرة في باقي أنحاء العالم، وإلى جوار الكنائس الشقيقة القديمة والكنائس التي انتشرت قبل عصر الانشقاق مثل كنائس أوروبا وآسيا وغيرها. ومما يسعدنا أن قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث قد اهتم جدًا بكل كنائس القارات الجديدة. يُضاف إلى ذلك أن الإنجيل قد طُبع حاليًا بما يزيد عن 15..لغة من لغات العالم، ولم يعد هناك إنسان لا يمكنه قراءة الكتاب المقدس- خاصة العهد الجديد- بلغته الخاصة أو على الأقل أن يستمع إلى من يقرأه له إن كان لا يعرف القراءة ومن الأمور الجميلة أيضًا أن طقوس الكنيسة القبطية قد تُرجمت إلى لغات عديدة حتى لغات الكوسا والزولو في أفريقيا. وبلا شك إلى لغات الشعوب التي توجد فيها لنا كنائس مثل بحر الكاريبي وغيرها. هذا إلى جوار أن الكنائس التي أسستها الكنيسة القبطية قديمًا في أفريقيا في إريتريا والحبشة قد استخدمت اللغة التجرينية ولغة الجيئز إلى جوار اللغة الأمهرية يضاف إلى ذلك أن كتابات قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث قد تُرجمت إلى كثير من لغات العالم المعاصر مثلما تُرجمت كتابات الآباء الأولين أمثال القديسين أثناسيوس الرسولي وكيرلس عامود الدين وتحقق في انتشار الإنجيل بهذه الصورة كلام السيد المسيح الذي أشرنا إليه وتحققت النبوة الواردة في سفر المزامير والتي ذكرها معلمنا بولس الرسول: "إلى جميع الأرض خرج صوتهم وإلى أقاصي المسكونة أقوالهم" (رو10: 18). ولكن هناك علامات أخرى وردت في كتاب العهد الجديد لا يمكننا أن نقول إنها تحققت بعد، لذلك نستكمل باقي العلامات التي تسبق المجيء الثاني. ثانيًا: إيمان اليهود لقد رفضت الأمة اليهودية -من الناحية الرسمية- السيد المسيح وأسلمته إلى الرومان مطالبة بصلبه. لذلك قال القديس يوحنا الإنجيلي "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله" (يو1: 11)وقال اليهود وقت صدور الحكم على السيد المسيح بالصلب: "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 27: 25). استمرت أجيال الأمة اليهودية تتحمل وزر صلبالسيد المسيح إلى يومنا هذا. وزادوا في غيّهم وشرّدوا سكان الأراضي المقدسة من ديارهم، سفكوا دماءً كثيرة ومازالوا يصارعون من أجل مملكة أرضية رفضها السيد المسيح ومن أجل هيكل قال عنه السيد المسيح إنه لا يترك فيه "حجر على حجر لا ينقض" (مت24: 2، مر13: 2، لو21: 6) إنهم يبكون عند حائط المبكى (وهو من بقايا سور هيرودس) لا على خطية صلبهم للسيد المسيح، ولكن على مجدهم الذي فقدوه.ولم يكتشفوا أن غضب الرب عليهم وهدم الهيكل وتشريدهم في الأرضقرابة ألفى عام، وتوقفهم عن تقديم الذبائح كان بسبب نهاية العهد القديم ولسبب صلبهم للسيد المسيح وهو الذبيحة الحقيقية التي أبطلت كل الذبائح القديمة ليتهم يتوبون فيكفوا عن الصراع وسفك الدماء ويرجعوا إلى الرب ويعترفوا بالمسيح ملكًا سمائيًا وبصليبه عرشًا مقدسًا لخلاصهم، وبمذبح العهد الجديد وبذبيحة الخبز والخمر على طقس ملكي صادق مذبحًا للرب في وسط أرض مصر وفي كل أنحاء العالم إن إيمان اليهود سيحل كثيرًا من المشاكل الدينية والسياسية الناشئة عن رفضهم الاعتراف بيسوع أنه هو المسيح. ولنا في شهادة الكتب المقدسة في العهدين القديم والجديد ما يوضح أنهم سوف يؤمنون قبل نهاية العالم في نبوة هوشع النبي يقول: "لأن بني إسرائيل سيقعدون أيامًا كثيرة بلا ملك وبلا رئيس وبلا ذبيحة.. بعد ذلك يعودبنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام" (هو3: 4، 5). والمقصود بداود هو المسيح لأن داود كان قد مات وقتما كتب هوشع نبوته وفي رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل رومية يقول "فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا هذا السر، لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء. أن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل مِلؤُ الأمم. وهكذا سيخلص جميعإسرائيل" (رو11: 25، 26). ثالثًا: النهضة الروحية أشار القديس بولس الرسول إلى النهضة الروحية التي ستصاحب توبة اليهود وإيمانهم بالمسيح وانتهاء النزاعات بينهم وبين الآخرين فقال: "إن كان رفضهم هو مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات" (رو11: 15) ما هذه الحياة من الأموات التي ستصاحب إيمان اليهود إلا نهضة روحية تعم العالم المسيحي وتدعو الجميع إلىالتوبة. والقديس بولس يقصد هنا أن رفض اليهود للمسيح قد أدى إلى اتجاه الرسل إلى الكرازة بالإنجيل للأمم الذين كان لا علاقة لهم بإبراهيم وإسحق ويعقوب وفي هذا خير كبير للأمم فكم بالحري يكون قبولهم للمسيح إلا مزيد من الخير لهذه الأمم. رابعًا: ظهور الوحش في الأيام الأخيرة سيُحَل الشيطان من سجنه كقول الكتاب "ثم متى تمت الألف السنة يُحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض" (رؤ20: 7، 8). وكان الشيطان قد تم تقييده حينما صنع السيد المسيح الفداء لمدة ألف سنة. ورقم ألف سنة يشير إلى زمن طويل وليس إلى حرفية الرقم لأن الفداء قد تم منذ ما يقرب من ألفى سنة. وقد ذكر الكتاب تقييد الشيطان كما يلي: "ورأيت ملاكًا نازلًا من السماء معه مفتاح الهاوية، وسلسلة عظيمة على يده. فقبض على التنين، الحية القديمة، الذي هو إبليس والشيطان، وقيده ألف سنة، وطرحه فيالهاوية وأغلق عليه، وختم عليه لكي لا يضل الأمم في ما بعد، حتى تتم الألف السنة. وبعد ذلك لابد أن يُحل زمانًا يسيرًا" (رؤ20: 1-3) عن هذه الفترة القصيرة التي سيُحَل فيها الشيطان من سجنه قبل نهاية العالم قيل في الكتاب "ويل لساكني الأرضوالبحر، لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم، عالمًا أن له زمانًا قليلًا" (رؤ12: 12) معنى ذلك أنه قبل نهاية العالم بفترة قصيرة نسبيًا سوف ينال الشيطان قدرة على فعل الضلال بصورة أقوى بكثير من سابقتها، بعد أن قيده السيد المسيح بعملية الفداء. وأبرز ما ذكره الكتاب من حيل الضلال التي سوف يأتي بهاالشيطان هو ظهور الوحش الذي هو إنسان، سوف يكون مجيئه بعمل الشيطان ومعه قدرات كبيرة لصنع معجزات كاذبة مدّعيًا أنه هو الإله الحقيقي والمسيح الحقيقي الذي انتظر اليهود مجيئه من قبل. وهنا يبدأ عصر الارتداد مع أناس غير الذين آمنوا ونالوا الخلاص حسب قول معلمنا بولس الرسول: "وهكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو11: 26) أما مرحلة الارتداد التي تسبق مجيء السيد المسيح فقال عنها: "لا يأتي (يقصد المسيح) إن لم يأتِ الارتداد أولًا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا، حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله.. الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم، في الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيُرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يصدِّقوا الكذب، لكي يدان جميع الذين لم يصدّقوا الحق بل سُرّوا بالإثم" (2تس2: 3، 4، 9-12) هذا الوحش هو إنسان ولكن سوف يكون مؤيدًا بقوة الشيطان،والدليل على أنه إنسان هو قول الكتاب "هنا الحكمة من له فهم فليحسب عدد الوحش، فإنه عدد إنسان، وعدده: ستمئةٍ وستةٌ وستون" (رؤ13: 18) في اللغة العربية مثلًا عندما نحسب عدد اسم إنسان فإننا نرتب الحروف على طريقة أ ب ج د ه وز ح ط ى ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت.." فالحرف "أ" يقابله رقم (1)، والحرف "ب" يقابله رقم (2)، وهكذا إلى الحرف "ى" يقابله رقم (10)، ومن بعده مباشرة الحرف "ك" يقابله رقم (20)، وهكذا إلى الحرف "ق" يقابله الرقم (100)، ومن بعده مباشرة الحرف "ر" يقابله الرقم (200) وهكذا وفي اللغة اليونانية تتبع نفس الطريقة للأبجدية اليونانية: ألفا، بيتا، جاما (غما)، دلتا.. الخ. وفي اللغة العبرية تستخدم طريقة مشابهة، وهكذا يتم حساب أرقام الحروف المكوِّنة للاسم ويتم جمعها لحساب عدد كل إنسان. وعدد الوحش هو 666 (انظر رؤ13: 18). ويمكننا أن نتأكد من شخصيته عندما يظهر بحساب رقم اسمه في ذلك الحين. خامسًا: الارتداد العام نتيجة ظهور الوحش والعجائب التي سيجريها بقوة الشيطان فإنه سيضل الساكنين على الأرض حتى يصدقوا أنه هو المسيح "ويصنع آيات عظيمة، حتى إنه يجعل نارًا تنزل من السماء على الأرض قدام الناس، ويضل الساكنين علىالأرض بالآيات التي أعطى أن يصنعها" (رؤ13: 13، 14) لهذا قال السيد المسيح محذرًا: "إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا" (مت24: 23) ولكن للأسف سيتبع كثيرون تهلكات الوحش، ويعبدونه كما هو مكتوب "وأعطى أن يعطى روحًا لصورة الوحش، حتى تتكلم صورة الوحش، ويجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يُقتلون. ويجعل الجميع: الصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد، تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم، وأن لا يقدر أحد أن يشترى أو يبيع، إلا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه" (رؤ13: 15-17). عدد اسم الوحش هو 666 كما ذكرنا وهو يشير إلى رقم ستة ثلاث مرات، ورقم ستة هو سبعة ناقص واحد أي ما ينقص عن الراحة. أما عدد ثمانية فهو سبعة زائد واحد أي ما يزيد على الراحة. لهذا فإن رقم ثمانية يرمز إلى السيد المسيح وقيامته وعهده الجديد. ويرمز إلى يوم الأحد أي يوم الرب في بداية الأسبوع الجديد. فالوحش يعمل ضد الثالوث القدوس لكي يحرم الناس من الأبدية. أما السيد المسيح فيعمل بقوة الثالوث القدوس أي بقوته مع أبيه الصالح والروح القدس لكي يمنح الناس الأبدية. لذلك يرمز البعض إلى اسم السيد المسيح برقم 888 في فترة الارتداد العام سيحدث اضطهاد عظيم على الكنيسة، أي على كل جماعة القديسين، ويقتل الوحش كثيرين منهم. ويرسل الله النبيين أخنوخ وإيليا لمساعدة الكنيسة في صراعها ضد الوحش. سادسًا: عودة أخنوخ وإيليا إلى الأرض جاء ذلك في سفر الرؤيا إذ قال الرب: "وسأعطى لشاهديَّ فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان أن يُغلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا في أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يحولاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا. ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما. وتكون جثتاهما على شارع المدينة العظيمة التي تدعى روحيًا سدوم ومصر حيث صلب ربنا أيضًا" (رؤ11: 3-8) من المنطقي طبعًا أن يكون بقاء أخنوخ وإيليا في السماء أحياء حتى الآن هو لغرض الشهادة للمسيح في مرحلة حساسة من تاريخ الكنيسة. ومن المنطقي أن ينالا إكليل الشهادة لأنه قد "وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (عب9: 27). ومن الطبيعي أن تتحقق نبوة ملاخي النبي الذي كتب قول الرب: "هأنذا أرسل إليكم إيلياالنبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف" (ملا4: 5) فكما جاء يوحنا المعمدان متقدمًا أمام الرب في مجيئه الأول بروح إيليا وقوته ثم صار شهيدًا للحق، هكذا سيأتي إيليانفسه متقدمًا أمام الرب في مجيئه الثاني المهوب والمخوف ويصير شهيدًا مع أخنوخ لم يكن يوحنا المعمدان هو إيليا شخصيًا بل يرمز إلى إيليا وقد جاء بنفس القوة الروحية التي لإيليا ونفس الأسلوب أما إيليا نفسه فقد ظهر مع السيد المسيح في مجد على جبل التجلي مع موسى النبي وكانا يكلمانه عن الخلاص الذي كان عتيدًا أن يصنعه في أورشليم ولو كان يوحنا المعمدان هو نفسه إيليا في تجسد جديد كما يدّعى أصحاب بدعة "عودة التجسد" Reincarnationلظهر يوحنا المعمدان على جبل التجلي وليس إيليا على اعتبار أنه هو آخر صورة يكون قد تجسد فيها. ولكن المسيحية المستقيمة الرأي ترفض هذه البدعة تمامًا. سابعًا: الضيق العظيم سأل التلاميذ السيد المسيح على انفراد قائلين: "قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟" (مت24: 3). فأجابهم السيد المسيح قائلًا لهم: "انظروا. لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح! ويضلون كثيرين. وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. انظروا لا ترتاعوا. لأنه لابد أن تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهي بعد. لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن. ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع" (مت24: 4-8). إن مقدمات نهاية العالم هذه التي تكلّم عنها السيد المسيح ولقّبها بلقب "مبتدأ الأوجاع"لا تنطبق على مرحلة ظهور الوحش الذي سيدّعى أيضًا أنه هو المسيح ويضل غالبية العالم في موجة الارتداد العام التي قال عنها بولس الرسول"لا يأتي (يقصد السيد المسيح) إن لم يأت الارتداد أولًا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك" (2تس2: 3) في مبتدأ الأوجاع سوف يظهر أنبياء كذبة ناسبين إلى أنفسهم اسم المسيح، وسوف تحدث اضطهادات على الكنيسةولكن ليس المنتهي بعد كذلك الحروب والزلازل والأوبئة لا تعني أن نهاية العالم قد أتت لأن النهاية لها مواصفات أخرى تحدّث عنها السيد المسيح وسوف تظهر هذه الأمور بعد تحقق المراحل الخمسة السابقة التي تحدثنا عنها. أما المرحلة السادسة فهي ضمن الأحداث التي تصاحب نهاية العالم أثناء الضيق العظيم الضيق العظيم قال عنه السيد المسيح: "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (مت24: 21) وأكمل السيد المسيح كلامه قائلًا: "ولو لم تقصّر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين تقصّر تلك الأيام" (مت24: 22) إذن من مواصفات المرحلة الأخيرة التي تسبق مجيء السيد المسيح أن الضيق الذي فيها لا يشابه ما سبق من ضيقات. فمثلًا عبرت على الكنيسة ضيقات شديدة في العصر الرسولي وما بعده، واضطهد اليهود ومن بعدهم الأباطرة الوثنيون الآباء الرسل ومن جاءوا بعدهم حتى سال الدم أنهارًا في عصور الاستشهاد في أنحاء كثيرة من العالم مثل مصر وأورشليم وأنطاكية وروما وأرمينيا والهند. في تلك الآونة استشهد مارجرجس والقديس مرقوريوس والقديسة دميانة مع راهباتها الأربعين والقديس مارمينا والقديسة كاترينا والقديس أبانوب وكثير منالقديسين والقديسات ومن قبلهم القديس اسطفانوس وأحد عشر رسولًا والقديس بولس الرسول.. كان المسيحيون أحيانًا يُساقون إلى ساحات الاستشهاد ليكونوا طعامًا للأسود الجائعة ويعذَّبون بالحديد المحمى في النار وسائر أنواع العذاب التي تقشعر لها الأبدان وسوف تتكرر هذه الأمور قبل نهاية العالم، ولكن كل هذا وذاك لا يُقارن بالضيق العظيم الذي تكلم عنه السيد المسيح والذي لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إن الوحش حينما يأتي لن يستطيع أحد أن يقهر سلطانه المدمر إلا بظهور السيد المسيح نفسه مثبتًا بهذا أن الشيطانحينما ينال حريته ويُحَل من سجنه فلن يتراجع عن شروره المريعة، بل سوف يتزايد في عداوته للكنيسة. وسوف تعاين الخليقة العاقلة كلها جسامة وخطورة أن يُحَل الشيطان من سجنه لأنه لا يمكن أن يتوب لا بالسجن ولا بالحرية. هو شر لا يُضبَط إلا بالدينونة الأبدية. ولذلك فسوف تصرخ الخليقة كلها قائلة للرب الحاكم العادل "عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين" (رؤ15: 3). لن يوجد فيما بعد من يتعاطف مع الشيطان مثل أوريجانوس ويقول أن الشيطان من الممكن أن يخلص لأن هذا منتهي الضلال. بل سوف تردد الأبدية أصداء هذه الأنشودة أن الرب عادل هو، وأن "العدل والحق قاعدة كرسيك" (مز89: 14). وبذلك يصبح الجو مهيئًا لاستعلان الدينونة الأبديةوانقضاء الدهر إن شهود يهوه والسبتيين يستكثرون على الرب مثل أوريجانوس أن يحكم بالعذاب الأبدي على الأشرار. ولكن الرب يكون قد فعل أكثر مما يمكن أن نفتكر في طول أناته على الشيطان وجنوده وكل من له شركة معه في الظلمة لا يوجد حل للشر إلا أن يلقى في الظلمة الخارجية والدينونة الأبدية في جهنم. ولا يمكن إبطال شر الوحش ومن يقويه إلا بظهور مخلصنا يسوع المسيح سوف يعرف الجميع أنه بدون المسيح لا يمكن أن يخلص جسد "لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد" (مت24: 22) لهذا قال معلمنا بولس الرسول إن الرب سوف يأتي ليبيد شر الوحش "الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه. الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم، في الهالكين" (2تس2: 8-10). لقد وعد الرب وقال: "لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ" (1كو10: 13). فلا ينبغي أن نفزع من الحديث عن نهاية العالم لأن هناك علامات لم تتحقق بعد سوف تسبق الضيق العظيم. وحتى أحباء الرب الذين سوف يعايشون الأيام الأخيرة، لاشك أن الرب سوف يؤازرهم لكي لا يهلك المختارون. لأن الرب وعد وقال عن خرافه: "أنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي" (يو10: 28)علينا فقط أن نحيا في التوبة والاستعداد طالبين سرعة مجيئه، حتى ولو كان المنتهي لم يأتِ بعد ولكن هناك أشواقًا في قلوب القديسين نحو استعلان ملكوت السماوات. وهذا الاشتياق موجود في قلوب حتى الذين رقدوا على رجاء القيامة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
28 أغسطس 2019

الكنيسة والاستعداد للمجيء الثاني

تهتم الكنيسة المقدسة جدًا بالاستعداد للمجيء الثاني للسيد المسيح. لذلك نردد في ختام قانون الإيمان المسيحيالعبارة التالية: (وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين) وذلك تحقيقًا للوصية الرسولية "منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب" (2بط 3: 12). وكذلك للتعليم الرسولي "وتنتظروا ابنه من السماء الذي أقامه من الأموات يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي" (1تس1: 10). وقول معلمنا بولس الرسول "السماوات التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح. الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى3: 20، 21). وكذلك قوله: "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح" (1تس5: 23). كذلك رتبت الكنيسة في القداس الإلهي أن يصلى الكاهن عند تقديس القرابين قائلًا: (فيما نحن أيضًا نصنع ذكرى آلامه المقدسة وقيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات وجلوسه عن يمينك أيها الآب وظهوره الثاني الآتي من السماوات المخوف المملوء مجدًا نقرب لك قرابينك من الذي لك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال) وقد يتساءل البعض: كيف نصنع ذكرى ظهوره الثاني الآتي من السماوات المخوف المملوء مجدًا؟ وهل يمكن أن نصنع ذكرى شيء لم يحدث إلى الآن؟!إن حضور السيد المسيح على المذبح في سر القربان المقدس يحمل معه كل معاني التجسد والصلب والقيامة والمجيء الثاني. إن جسده الكائن على المذبح هو نفسه الذي ولد من العذراء والذي صلب من أجلنا وقام وصعد إلىالسماوات وهو نفسه الذي سيأتي في ظهوره الثاني. ومن يتناول منه فإنه ينال عربون الحياة الأبدية (يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه). ولذلك فنحن كما نعيش ذكرى الصليب والقيامة فإننا نعيش ذكرى المجيء الثاني ونستعد بكل قلوبنا لهذا المجيء الآتي من السماوات المخوف المملوء مجدًاإننا حينما نصنع تذكار موت المسيح فإننا نصنع أيضًا تذكار مجيئه الثاني. ونردد كل يوم في تسبحة نصف الليل السابقة للقداس (عند ظهورك الثاني المخوف؛ لا نسمع برعدة إنني لست أعرفكم) لذلك يقول معلمنا بولس الرسول:"لأنني تسلّمت من الرب ما سلمتكم أيضًا إن الرب يسوع في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزًا، وشكر فكسر وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكرى. كذلك الكأس أيضًا بعد ما تعشوا قائلًا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى. فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" (1كو11: 23-26)أي أننا نصنع تذكار موت الرب على الصليب إلى أن يجيء. فالتذكار هو لموته وقيامته والانتظار هو لمجيئه الثاني. وقد ربط الرسول بولس بهذه العبارة بين الإخبار بموت الرب وانتظار مجيئه إن حضور السيد المسيح على المذبح يذكرنا بموته ويذكرنا أيضًا بمجيئه الثاني،كما أننا حينما نستعد للتناول بالتوبة والاعتراف فإننا نستعد للحياة الأبدية. أي أنالاستعداد للتناول من جسد الرب ودمه هو استعداد لمجيء المسيح وعربون للحياة الأبدية وتذوق لها. ألسنا نشترك في جسد الرب المقام من الأموات؟! كيفية الاستعداد إننى أتعجّب ممن يتكلمون عن الاستعداد لمجيء الرب بعيدًا عن أسرار الكنيسة المقدسة كيف ينال الإنسان قوة الاتحاد بالمسيح والثبات فيه بدون التناول من جسده الحقيقي ودمه الحقيقي وكيف ينال الإنسان قوة الاتحاد بالمسيح في مجيئه الثاني دون أن يقترب من المائدة متذكرًا إنها عربون للميراث الأبدي ومائدة المسيح الأبدية كثيرون يتكلمون عن الخلاص ولا خلاص إلا بدم المسيح. وأين نجد هذا الدم إلا في الكأس كما قال هو بنفسه "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى" (لو22: 20، 1كو11: 25). لقد جعل السيد المسيح الكأس الحاوية لدمه هي العهد الجديد وليس الدم بدون الكأس. لأن الكأس هو الوسيلة التي تجعل دمه -الذي للعهد الجديد والذي سفك علىالصليب- حاضرًا ومتاحًا وفاعلًا في حياتنا من خلال سر الافخارستيا إننا كلما نحضر القداس الإلهي نستعد لمجيء الرب لأنه بالفعل يحضر وسطنا سرائريًا. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
26 أغسطس 2019

أحاديث السيد المسيح عن المجئ الثاني

تحدث السيد المسيح عن مجيئه الثاني في مواضع عديدة من الكتاب المقدس سواء بحديث شخصي مباشر أو عن طريق أنبيائه ورسله القديسين.فموضوع المجيء الثاني هو من أهم المواضيع التي تكلّم عنها السيد المسيح. ولا نقصد موعد المجيء الثاني على وجه التحديد، وإنما ما يعنيه هذا المجيء، وما يقترن به، وما يؤدى إليه، وأيضًا ما هي العلامات التي تسبق هذا المجيء. وتأثير ذلك كله في حياة الكنيسة كجماعة المؤمنين الذين ينتظرون قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي. جعت فأطعمتموني نشير هنا إلى كلمات السيد المسيح عن مسألة سوف تشغله هو شخصيًا في يوم الدينونة الرهيب. قال السيد المسيح: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخرافعن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.. ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته.لأني جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تسقوني، كنت غريبًا فلم تأووني، عريانًا فلم تكسوني، مريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني.. الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا. فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 31-34، 41-43، 45، 46).والشيء الملاحظ هنا كما يقول قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث أن السيد المسيح حينما يجلس على كرسي الدينونة سوف يحاسب الناس أولًا عن أعمال الحب والرحمة التي مارسوها تنفيذًا لوصية "تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39) مسألة شرط الإيمان والمعمودية للدخول إلى الملكوت ذكرها السيد المسيح في أحاديث أخرى وهي مسألة مفهومة يدركها كل إنسان مسيحي لأن "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو3: 36). في حديث السيد المسيحعن يوم الدينونة ركّز على تجاهل الأشرار لجوع المساكين وغيرهم معتبرًا أن ما نفعله بأحد إخوته الأصاغر فبه قد فعلنا ربما يُطمئِن الإنسان نفسه بأنه قد نال العماد المقدس ويمارس التوبة والاعتراف ويحفظ الأصوام، ويحرص على التناول وينتظم في حضور الكنيسة، وله العديد من الأنشطة في خدمة الكنيسة. ولكن الموقف الرهيب هو أن كل هذه الأمور لن تعفيه من سؤال الرب عن تنفيذ وصية المحبة "تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39) ينبغي أن يواجه الإنسان نفسه على حقيقتها. هل هو متعاطف مع ذاته؟ هل يفضّل نفسه على غيره؟ هل يكتفي بأنه مرتاح ويتجاهل معاناة الآخرين؟ إن الله قادر أن يشبع الجائع وأن يروى العطشان وأن يكسو العريان وأن يشفى المريض ويطلق المحبوس.. ولكنه يضع هذه الأمور في طريقنا لاختبار محبتنا. لأن "من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجًا وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه؟" (1يو3: 17). الحب والعطاء للكل وربما يُطمئن الإنسان نفسه بأن له نشاط متسع في خدمة المحتاجين. ولكن السيد المسيح يقول: "ما فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم". أي أن إهمال فقير واحد فقط يحزن قلب السيد المسيح. الذي يخطئ في حق إنسان واحد فكأنه قد أخطأ في حق البشرية كلها، لهذا قال السيد المسيح: "أحد هؤلاء الأصاغر". واحد فقط من المساكين تجاهلناه سوف نعطى عنه حسابًا في اليوم الأخيرأليس لهذا الإنسان الواحد مشاعر؟ أليست كل دنياه هي واقعه وآلامه ومعاناته هو شخصيًا؟ إن من يضع نفسه في مكان المسكين والبائس يستطيع أن يدرك أن التاريخ والعالم والوجود كله سيقف أمام حالة واحدة. ألم يقل الكتاب "من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرمًا في الكل" (يع2:10) فما بالك بمن أهمل كثيرًا من الفقراء والأرامل والأيتام. وما بالك بمن يظلمهم أو يسلب حقوقهم ويصرخون عليه أمام الرب ما أكثر الإنذارات التي وجهها الله إلى شعبه في القديم لئلا يسلبوا حق اليتيم والأرملة وحق الكادح،وكذلك الإنذارات التي وجهها في العهد الجديد حول نفس هذه الأمور مثل قول يعقوب الرسول للأغنياء "هلم الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة. غناكم قد تهرأ، وثيابكم قد أكلها العث. ذهبكم وفضتكم قد صدئا، وصدأهما يكون شهادة عليكم، ويأكل لحومكم كنار، قد كنزتم في الأيام الأخيرة. هوذا أجرة الفعلة الذين حصدوا حقولكم المبخوسة منكم تصرخ، وصياح الحصادين قد دخل إلى أذني رب الجنود" (يع5: 1-4) لهذا ينبغي أن نراجع أنفسنا قبل فوات الأوان. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
24 أغسطس 2019

المجيء الثاني من منظور روحي

القيامة حقيقة حتمية هناك أمور يجب على كل مؤمن أن يعرفها، وهي أسرار معلنة للمؤمنين لكي يتعزّوا بها. فأولًا لابد أن نعرف أن القيامة حقيقة حتمية "إن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم" (1كو15: 13، 14). فلابد أن يقام الأموات عديمي فساد، وأن يلبس هذا الجسد الفاسد عدم فساد، وهذا المائت عدم موت فإنه لا يمكن أن يدخل هذا الجسد الذي يمرض ويتحلل ويتعفن إلى ملكوت السماوات. إذ لابد أن تتغير طبيعته أولًا. وقوة هذا التغير تكمن في تناول جسد الرب ودمه. وقد قال السيد المسيح في ذلك: "من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير لأن جسدي مأكل حق ودمى مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو6: 54-56). وكذلك نقول في القداس الإلهي: (يعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه) ففي القيامة يلبس الفاسد عدم فساد. ونحن عندما نموت يتم فينا حكم الموت، ولكن لابد أن تتم فينا طبيعة القيامة التي وهبها الرب لنا بخلاصه وفدائه العظيم. المسيح لن يأتي ليملك على الأرض في مجيئه الثاني يقول معلمنا بولس الرسول: "لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير" (1كو15: 51). ففي مجيء السيد المسيح الثاني يقوم الأموات من القبور أولًا. ثم يتغير الأحياء، وبعد ذلك يختطف الجميع لملاقاة الرب في الهواء. هناك بعض الأشخاص يعتقدون أن السيد المسيح في مجيئه الثاني سوف يأتي أولًا على الأرض ويملك ألف سنة. فهؤلاء الأشخاص يحبون الأرض ولا يريدون أن يتركوها، وذلك لأن الأرض مازالت مرتبطة بمشاعرهم، وذلك بالرغم من ادعائهم الإيمان بالسيد المسيح. أما شهادة الكتاب المقدس فهي: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس4: 16، 17). فالسيد المسيح في مجيئه الثاني لن يأتي ليملك على الأرض. بل سوف يختطفنا جميعًا لملاقاته في الهواء. والأموات في المسيح سيقومون أولًا، لأنهم أكملوا جهادهم قبلنا. ولأنهم سبقونا في حياة الروح والجهاد، ووصلوا قبلنا إلى فردوس النعيم. ولئلا يخاف الناس من الموت ويطلبوا أن يظلوا أحياء لكي يتغيروا وهم أحياء، فقد رسم الرب أن يقام الأموات أولًا عديمي فساد ثم يتغير الأحياء بعد ذلك. لكي يتشوق الإنسان أن ينطلق من هذا العالم، ويقول مع معلمنا بولس الرسول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23). ما هي الصورة التي يقُام بها الأموات؟ هناك من يسأل ما هي الصورة التي يُقام بها الأموات؟ لأن الميت عندما يوضع في التراب ويتحلل ويصبح ترابًا وسمادًا، وتُزرع زروع وتتغذى على السماد، ويطلع زرع، ويُؤكل ويذهب في المصارف والترع، وعظامه تتحلل وينتهي، ولا يبقى له أثر. فهل من الممكن أن تتم إقامة هذا التراب بعد آلاف السنين، وبعد هذا التوزيع!! وقد رد معلمنا بولس الرسول على هذه المشكلة وقال: "لكن يقول قائل كيف يقام الأموات وبأي جسم يأتون؟ يا غبي الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت" (1كو15: 35، 36). فعندما تتم زراعة شجرة، لا تُزرع الشجرة كاملة. ولكن تُزرع بذرة صغيرة، وهذه البذرة الصغيرة تحمل طبيعة الشجرة الكبيرة. هذه البذرة الصغيرة تصير شجرة، ويخرج منها أيضًا ثمر يحمل بذورًا مثل البذور التي تمت زراعتها أولًا.. فإن كانت هذه الشجرة شجرة تفاح مثلًا، فإن البذور تكون بذور تفاح أيضًا. لأن بها نفس صفات الشجرة الأصلية. فإن كنا نستطيع أن نزرع بذرة صغيرة، لكي تخرج لنا شجرة كبيرة بقدرة الله، فمن الممكن أيضًا بقدرة الله أن أي رماد أو بقايا صغيرة من أثر هذا الجسم ينتج عنه الجسم الأصلي كله. وبصورة مشابهة لما يحدث عند زرع بذور النبات في الأرض. فإن "الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت" (1كو15: 36). فتوضع البذرة في الأرض وتشرب الماء ثم ينفجر غلافها الخارجي وتفقد خصائصها كبذرة، ثم تُخرج جذرًا ثم ساقًا إلى أعلى. والبذرة نفسها تتضاءل حتى تذبل وتنتهي، ولا يبقى غير الساق والجذر، وتبدأ تخرج شجرة جديدة، فالبذرة نفسها تكون قد اندثرت وتحولت إلى شيء آخر. قال السيد المسيح: "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير" (يو12: 24). وكذلك يقول معلمنا بولس الرسول: "والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي" (1كو15: 37). الحنطة هي البذرة، وأحد البواقي هي أنواع من الشجر التي يؤخذ منها جزء من الفرع ويزرع في الأرض ليخرج شجرة أخرى. "ولكن الله يعطيها جسمًا كما أراد.. هكذا أيضًا قيامة الأموات. يُزرع في فساد ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان ويُقام في مجد. يُزرع في ضعف ويُقام في قوة. يُزرع جسمًا حيوانيًا ويُقام جسمًا روحانيًا.. هكذا مكتوب أيضًا. صار آدم الإنسان الأول نفسًا حية وآدم الأخير روحًا محييًا" (1كو15: 38-45). القديسون لا يهتمون بأجسادهم بعد الموت كان القديسون لا يهتمون بأجسادهم بعد الموت، وذلك لعلمهم أن الله قادر أن يقيمهم ويحيى من يشاء. فالقديس الأنبا أرسانيوس عندما جاء وقت نياحته قال لتلاميذه ألا يكفّنوا جسده أو يدفنوه وإنما يربطوه في حبل ويجرّوه ويتركوه طعامًا للوحوش على الجبل. وذلك لكي يوضِّح لهم مدى اهتمامه بالروح وليس بالجسد. كما أنه يؤمن أن الجسد الذي يموت في هوان سوف يقام في مجد كقول الكتاب. لماذا نكرّم أجساد القديسين؟ نحن نكرِّم أجساد القديسين لأن طبيعة القيامة تكمن فيهم. ولأنهم سوف يقومون في اليوم الأخير كقديسين في المسيح يسوع. فالبذرة تحمل طبيعة الشجرة، كما أن بقايا الجسد المائت تحمل قوة القيامة. وتوجد فيها طبيعة القداسة، ويكمن فيها نور السيد المسيح. فمع أنه جسم مات، لكنه مازال يحمل نفس الطبيعة والخصائص التي بها سوف يؤهل للقيامة بصورة جديدة ممجدة. لذلك نحن نكرِّم أجساد القديسين، ونحتفل بها، وندهنها بالأطياب. الجسد ليس هدفًا يسعى القديسون لإرضائه كان القديسون يضبطون أجسادهم، ولا يقيمون لرغبات الجسد المنحرفة أو الزائدة أي اعتبار. فقد كانوا لا ينظرون للجسد على أنه هدف يسعون لإرضائه أو إراحته أو إسعاده السعادة الوقتية الزائلة، إنما كان فرحهم وسعادتهم الحقيقية في أفراح الروح.. وفي تقديس الحياة للرب فقد كانوا يشكرون الله على عطاياه التي بها يقيتون أجسادهم. وكانوا يشكرون الله أيضًا على الهواء الذي يتنفسونه، والماء الذي يشربونه، وكذلك الأكل الذي يأكلونه. ويقول معلمنا بولس الرسول: "الذي يأكل فللرب يأكل لأنه يشكر الله. والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله.. لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن" (رو14: 6-8) فمن الممكن أن يقوت الإنسان جسده ويربيه. ولكن القديسين كانوا لا يسعون لإرضاء الجسد، بقدر ما كانوا يسعون لرفعة الروح، وسعادتها التي تدوم على الدوام وإلى الأبد. سوف يتغير الأحياء في طرفة عين في اليوم الأخير سوف يتغير الأحياء في لحظة، وفي طرفة عين. ويتحول جسد الموت والفساد والآلام إلى جسد القيامة. مثل جسد السيد المسيح القائم من الأموات، جسد غير قابل للآلام والفساد. جسد يتفق مع طبيعة الروح، جسد روحاني "كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضًا. وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو15: 48، 49). فالترابي هو آدم الأول، والسماوي هو آدم الأخير الذي هو الرب يسوع المسيح الذي نزل من السماء متجسدًا في أحشاء البتول مريم، وظهر في ملء الزمان لكي يهب الخلاص والحياة للعالم. ثم صعد إلى السماء بجسد القيامة في حالة ممجدة. جسد القديسين قريب من جسد القيامة الممجد في الجسد الروحاني، تغلب طبيعة الروح على طبيعة الجسد. فهو جسد لا تسيطر عليه غرائز شريرة، ولا شهوات رديئة. وكل ما يُسعد الروح يكون سبب سعادة وفرح له. فالقديسون في حياتهم يقتربون بأجسادهم من طبيعة جسد القيامة. فهم يظلون يتدرجون مع أنفسهم بقوة الروح القدس الساكن فيهم حتى تصبح أجسادهم أجسادًا روحانية قريبة من أجساد القيامة التي تقوم في اليوم الأخير.فمن أين أخذوا هذه الطبيعة التي هي طبيعة قريبة من طبيعة الروح؟ إنهم قد بدأوا يميتون أعمال الجسد بالروح ثم بدأت طبيعة الروح تسرى في أجسادهم فبدأت أجسادهم تكتسب طبيعة روحانية كعربون لجسد القيامة الكامل الممجد. خرافي تسمع صوتي أعطى السيد المسيح إنذارًا بقوله: "الحق الحق أقول لكم إنه تأتى ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يو5: 25). فالذين يسمعون صوت ابن الله هم الذين سمعوا صوته هنا على الأرض. "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني" (يو10: 27) فالإنسان الذي اعتاد على سماع كلام الله وإطاعة وصاياه، عندما يسمع صوت السيد المسيح في اليوم الأخير، سوف يقوم وينجذب نحوه. أما الإنسان الذي يكسر كلام الله، ويخالف وصاياه، ويعطيه القفا لا الوجه (انظر (أر 2: 27))، فإنه عندما يسمع صوت السيد المسيح في اليوم الأخير، سوف يخاف ويرتعب من مقابلة الله. وذلك لأنه كسر وصاياه، وعاش في الفساد بعيدًا عن الرب يقول معلمنا بولس الرسول: "فلا ننم إذًا كالباقين، بل لنسهر ونصحُ" (1تس5: 6). وكذلك يقول: "لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء. لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون. وأما أنتم أيها الأخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص" (1تس5: 2-4). وهذا هو الفرق بين أولاد الله وأولاد العالم بالنسبة لمجيء السيد المسيح. يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء "قال لهم يسوع: النور معكم زمانًا قليلًا بعد. فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام" (يو12: 35). يعيش أولاد الله في النور، حياتهم واضحة ومقدسة أمام الله. فعند مجيء السيد المسيح الثاني لن تكون مفاجأة بالنسبة لهم، لأنهم سوف يكونون في حالة استعداد ويقظة روحية. أما أولاد العالم وأولاد إبليس فسوف يجدهم الله غارقين في خطاياهم. لأنهم يقولون في أنفسهم لن يأتي المسيح أو لن تنتهي حياتنا فجأة، نعيش في خطايانا الآن ثم نتوب بعد ذلك. نتمتع الآن بالعالم بعيدًا عن الرب ثم نرجع بعد ذلك. وفي وسط هذه الظلمة وهذا الضياع يباغتهم فجأة ذلك اليوم (أي يوم الوفاة أو اليوم الأخير) كالمخاض للحبلى قال السيد المسيح: "كما كان في أيام نوح كذلك يكون أيضًا في أيام ابن الإنسان. كانوا يأكلون ويشربون ويزوّجون ويتزوّجون إلى اليوم الذي فيه دخل نوح الفلك وجاء الطوفان وأهلك الجميع.. هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهرابن الإنسان" (لو17: 26-30) يعيش الناس الآن بعيدين عن الله ويقولون ليس لدينا وقت لله: لدينا أشغالنا وأموالنا، وانشغالات عالمية كثيرة. فهؤلاء الأشخاص يتجاهلون وجود الله، ويهينونه في كل مناسبة صغيرة كانت أم كبيرة. وهناك أناس يجدّفون على الله ويتحدّونه، وآخرون ينكرون وجوده. وأناس آخرون غارقون في شرورهم وخطاياهم.. فكل هذه العينات من الناس يأتيها ذلك اليوم فجأة كالمخاض للحبلى فلا ينجون. ما هو رجاء من يعيش بعيدًا عن الله؟ ما هو رجاء الإنسان الذي يعيش بعيدًا عن الله في هذه الحياة؟ إن كل إنسان يعلم أن هناك يومًا سوف ينتقل فيه من هذه الحياة ويوضع في القبر "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك3: 19). فماذا بعد الموت وبعد القبر؟ وماذا يكون حال الإنسان حين لا ينفع الندم ولا ينفع البكاء؟الإنسان في هذه الحالة سيطلب يومًا واحدًا يرجع فيه إلى الله ليتوب، فيُقال له قد أُعطيت الفرصة تلو الأخرى، لقد أُعطيت فرصًا كثيرة ولكن حتى لو أُعطيت فرصة جديدة فستضيعها أيضًا.. وذلك لأنك مغلوب من طبيعتك الفاسدة المحزنة. فكم من مرات يعاهد فيها الإنسان الله أن يرجع إليه ثم يعود إلى الخطية مرة أخرى. كما يقول الكتابعن الإنسان الخاطئ الذي لا يتوب توبة حقيقية "كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة" (2بط2: 22) لهذا ينبغي أن نتذكر قول الرسول: "جميعكم أبناء نور. وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة. فلا ننم إذًا كالباقين بل لنسهر ونصحُ. لأن الذين ينامون فبالليل ينامون والذين يسكرون فبالليل يسكرون وأما نحن الذين من نهار فلنصحُ لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص. لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح. الذي مات لأجلنا حتى إذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعًا معه" (1تس5: 5-10). الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص لماذا تقول أنا مرفوض من الله ولم تعد هناك أية فائدة مني. يقول معلمنا بولس الرسول: "لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح" فالله يقول لك أنا أعدَّك لكي تعيش معي. يعطيك الله إمكانية حياة القداسة، والإمكانية الكاملة أن ترضيه في حياتك. فلماذا لا تستفيد من هذه الإمكانيات المعطاة لك وتيأس وتستسلم لليأس؟! فإن كان هناك من له إمكانيات الحرب، ومعه صواريخ ومدافع، وله جميع الإمكانيات التي يمكنه أن ينتصر بواسطتها، ومع ذلك يستسلم للعدو بكل سهولة. ويستسلم في خنوع وهو غير مصدِّق أن الأسلحة التي معه هي قادرة أن تعطيه النصرة، والغلبة في القتال. فإن هذا الإنسان يحتاج أن يصدِّق مواعيد الله، ويؤمن بعمله.. فهذا هو الإيمان الذي يستطيع أن ينقل الجبال؛ أي يستطيع أن ينقل جبال الخطية الجاثمة على قلوبنا وصدورنا كقول الرب "الحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك" (مت17: 20). هذا هو الإنسان المسيحي الذي يستطيع أن ينقل جبل الخطية، ويقول له انطرح في بحر هذا العالم المتلاطم فينطرح ويصير هو حرًا من الشر والخطية. سؤال: ما هو الاختطاف؟ وهل هو المجيء الثاني أو مجيء قبل الدينونة؟ الاختطاف Rapture سوف يحدث في المجيء الثاني للسيد المسيح، والذين سوف يختطفون لملاقاة الرب في الهواء (انظر 1تس4: 17) هم أولاد الله القديسون، والذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة. وأما الأشرار فيقال عنهم: "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض" (رؤ1: 7). "وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف" (رؤ6: 16). فهؤلاء الأشخاص سوف يكونون خجلين، ويفرُّون من وجه السيد المسيح لأنه عندما يأتي سوف يدين كل واحد بحسب أعماله سوف تُقام محكمة إلهية.. ومجرد منظر الرب الإلهي سوف يشيع الخوف في نفوس الأشرار، ويشيع فرحًا في نفوس الأبرار. وذلك مثل ما يحدث بالضبط عندما يصل مفتش أو مدير أو أي شخص له سلطة في مكان. فالذي عمل عملًا صالحًا سوف يكون فَرِحًا لأن المفتش سوف يعرف كيف تعب وكيف أنتج ويكافئه. وأما الذي عمل عملًا سيئًا فسوف يكون في هم وخوف.. وفي لحظة مجيء هذا المفتش من الممكن ألا يحتمل الوجود في مكان عمله ويحاول أن يهرب.الإنسان بمجرد أن ينظر إلى الرب القدوس: إن كان قد عاش نظير القدوس الذي دعاه فسيشتاق إليه ويجرى نحوه ويتعلق بأثره في حب واشتياق. وأما إن كان قد كسر وصاياه، ولم يرضهِ فسوف يهرب عريانًا ويخزى. فمجيء السيد المسيح الثاني سيختطف فيه الأموات عديمو الفساد، والأحياء المتغيرون أيضًا عديمو الفساد، لملاقاة الرب في الهواء وأما الأشرار فلن يستطيعوا أن يلتقوا بالرب القدوس. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
23 أغسطس 2019

المجيء الثاني

قال السيد المسيح لتلاميذه ورسله قبل صعوده إلى السماء مباشرةً: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7) وكان ذلك إجابة على تساؤلاتهم بخصوص الأمور المختصة بالمنتهي.وقد أكّد السيد المسيح على هذه الحقيقة في تعاليمه. ولكننا للأسف نجد اليوم كثيرًا من الناس يحددون السنة التي سينتهي فيها العالم وذلك بخلاف تعاليم الرب.ليت الوعاظ يوجهون اهتمامهم إلى المناداة بالتوبة وحياة الاستعداد للموت، بدلًا من أن يشغلوا الناس بأمور لا تفيدهم عن نهاية العالم، وتكهنات تحتوى على كثير من المغالطات أو تجاهل حقائق أخرى مذكورة في الكتب المقدسة. كما أنها تتخطى علامات سبق الرب وحددها لتسبق مجيئه الثاني ولم تتحقق حتى الآن إننا نعرض للمجيء الثاني من الناحية الروحية والكتابية؛ وذلك بعيدًا عن تحديد الأزمنة. كما أننا نتكلم عن أجساد القيامة وطبيعتها وعن تكريم أجساد القديسين. وهي الأمور التي ينبغي أن نعرفها عن قيامة الأبرار وعن قيامة الأشرار عند مجيء الرب للدينونة في اليوم الأخير،ثم نتكلم عن علامات المجيء الثاني التي تسبق مجيء المسيح، وعن مقار الآخرة، وعن الموت الأول والثاني، والقيامة الأولى والثانية.ليت الرب يمنحنا أن نكون مستعدين لمجيئه المجيد، صانعين مرضاته كل حين . نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
09 يوليو 2019

إرسالية السيد المسيح

قال الرب لنيقوديموس: "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم، الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يو3: 17، 18) وقال يوحنا المعمدان في حديثه عن السيد المسيح: "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو3: 36). رفع الغضب نفس المعنى تكرر في كلام السيد المسيح وفي حديث يوحنا المعمدان أن غضب الله قد حل على البشرية بسبب سقوط آدم وحواء وبالتالي نسلهما عبر الأجيال إلى أن جاء النسل الموعود به للخلاص كما قال الله للحية بعد سقوط آدم وحواء: "وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنتِ تسحقين عقبه" (تك3: 15). أي أن: نسل المرأة يسحق رأس الحية وقد شرح القديس بولس الرسول هذه الحقيقة في رسالته إلى أهل رومية فقال: "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" (رو5: 12)إذن لقد حل غضب الله على جميع البشر وصار الجميع تحت حكم الموت والهلاك الأبدي. وجاء السيد المسيح لكي يرفع هذا الغضب، ويصالح الإنسان مع الله، وينقذ الذين يؤمنون به من الهلاك الأبدي ويمنحهم قيامة الحياة الأبدية في ملكوت الله لهذا لا يستطيع اليهود مثلًا أن يقولوا أن مجيء المسيح الأول إلى العالم قد سبب لهم الهلاك لأنهم لم يؤمنوا به. بل إن الهلاك كان قائمًا وحتميًا ومحكوم به عليهم بالفعل، لولا أن أتى المسيح له المجد ليرفع هذا الهلاك ويدفع ثمن خلاص البشرية ويمنح الحياة والنجاة لمن يقبل العطية الإلهية في المسيح، ويؤمن بأن الآب قد أرسله لخلاص العالم فمعنى قول السيد المسيح: "لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص بهالعالم" (يو3: 17) هو أن إرساله إلى العالم في المجيء الأول لم يكن الهدف منه إدانة العالم، بل لخلاص العالم، وأن الدينونة والهلاك الأبدي لن يكون نتيجة لمجيئه، بل كان سيحدث بالفعل للجميع لو لم يأتِ. وحينما أتى صار الخلاص لمن آمنوا به وبهذا يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه ولا يوجد ذلك الإنسان الذي لم يحمل حكم الهلاك الأبدي سوى السيد المسيح الذي كان وحده بلا خطية، وقادرًا أن يوفى الدين الذي علينا لأنه هو هو نفسه ابن الإنسان وابن الله الوحيد القادر على كل شيء. لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم قد يتساءل البعض ويقولون: كيف يقول السيد المسيح أن الله لم يرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم، ثم يعود يقول إن الذي لا يؤمن به قد دين؟ وأيضًا يقول إن الآب قد أعطى كل الدينونة للابن مع أنه قال إنه لم يرسله ليدين العالم كما ذكرنا وللإجابة على ذلك نقول: أولًا: إن السيد المسيح كان يتكلم عن مجيئه الأول وليس عن مجيئه الثاني حينما قال: "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم" (يو3: 17) فالمجيء الأول كان لخلاص العالم وليس لدينونة العالم، لذلك أكمل بقوله: "بل ليخلُص به العالم" (يو3: 17). أما المجيء الثاني فهو للدينونة. في مجيء السيد المسيح الأول جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين.. جاء ليطلب ويخلّص ما قد هلك.. جاء ليحمل خطايا كثيرين ويشفع في المذنبين إذن في مجيئه الأول كان هو الشفيع، وكان الآب هو الديان.. بمعنى أن الابن على الصليب قد أوفى العدل الإلهي حقه. واشتم الآب رائحة الرضى والسرور في طاعة، وفي ذبيحة الابن الوحيد بعد الصعود أرسل الآب الروح القدس الذي "يبكّت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو16: 8)، وأخذ الروح القدس دور الديان. أما في المجيء الثاني للابن المتجسد فسوف يأخذ هو دور الديان ليدين المسكونة بالعدل ويجازى كل واحد كما يكون عمله. والثالوث القدوس هو الديان، ودينونة واحدة للأقانيم الثلاثة بالرغم من تمايز دور كل أقنوم منهم في هذه الدينونة. فالعدل الإلهي عدل واحد، والرحمة الإلهية رحمة واحدة، والعطية الإلهية عطية واحدة من الآب بالابن في الروح القدس لقد أخذ القاضي مكان المتهم في مجيئه الأول ليرفع عنه الدينونة. ولكنه سوف يأخذ مكانه كقاضي لكي يفهم الجميع أنه هو الديان حتى وإن كان قد قبل المذلة والامتهان حبًا لنا وسعيًا لأجل خلاصنا. لهذا قال السيد المسيح: "الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن لا يكرِم الآب الذي أرسله" (يو5: 22، 23). ثانيًا: إن الغضب الإلهي والهلاك الأبدي كان موجودًا بالفعل ومحكومًا به على البشر لأنهم أخطأوا في كسرهم للوصايا الإلهية لذلك فإن عدم الإيمان بالمسيح، ليس هو الذي يجلب الغضب الإلهي على الإنسان، بل إن "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3: 23) وصار الغضب كائنًا بالفعل. وقد جاء السيد المسيح ليرفع هذا الغضب بتقديم نفسه ذبيحة وكفارة عن خطايا البشرية. إنه أراد أن يخلّص ما قد هلك بالفعل، لا أن يجلب الغضب على من لم يؤمن به. لذلك قال "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم" (يو3: 17) وفي قول القديس يوحنا المعمدان: "الآب يحب الابن، وقد دفع كل شيء في يده. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله" (يو3: 35، 36).. يتضح أن الإيمان بالابن يرفع الغضب الإلهي، وعدم الإيمان به يترك الغضب ماكثًا على الإنسان أي أن عدم الإيمان بالمسيح ليس هو الذي يجلب غضب الله، بل أن الإيمان بالمسيح يرفع الغضب الموجود أصلًا ولكن ينبغي أيضًا أن نفهم أن الذين يسيئون التصرف إزاء دم السيد المسيح الذي سفك من أجلهم، سوف يُجلب لهم دينونة مضاعفة. لهذا فبالنسبة للمؤمنين كان خير لهم لو لم يؤمنوا من أن يسيئوا إلى دم المسيح الذي غسلهم من خطاياهم السالفة لهذا قال معلمنا بطرس الرسول: "لهذا عينه وأنتم باذلون كل اجتهاد؛ قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففًا، وفي التعفف صبرًا، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية، وفي المودة الأخوية محبة.. لأن الذي ليس عنده هذه هو أعمى قصير البصر قد نسى تطهير خطاياه السالفة،لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين لأنكم إذا فعلتم ذلك لن تزلوا أبدًا. لأنه هكذا يقدم لكم بسعة دخول إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدي" (2بط1: 5-7، 9-11) وقال القديس بولس الرسول: "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين. من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" (عب10: 26-29). المجيء الثاني في مجيء السيد المسيح الثاني لا ينطبق عليه قول السيد المسيح: "لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم" (يو3: 17)، بل ينطبق عليه قوله: "لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا، لأنه ابن الإنسان. لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة" (يو5: 26-29). وقال: "الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن" (يو5: 22) وأيضًا قال عن يوم الدينونة في مجيئه الثاني: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميّز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني. عريانًا فكسوتموني. مريضًا فزرتموني. محبوسًا فأتيتم إليَّ.. ثم يقول أيضًاللذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته.. فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت25: 31-36، 41، 46) فمن الواضح أن السيد المسيح هو الذي سيدين العالم كله في اليوم الأخير. وقد أعطاه الآب هذا الدور في الدينونة لأنه هو الذي بذل حياته من أجل خلاص البشرية، وأوفى الدين كاملًا للآب السماوي. وقد أشار السيد المسيح إلى ذلك بقوله "وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا لأنه ابن الإنسان" (يو5: 27). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
08 يوليو 2019

لأني منه وهو أرسلني

تكلّم السيد المسيح في حوار مع اليهود وأورد ذلك القديس يوحنا الإنجيلي كما يلي: "نادى يسوع وهو يعلّم في الهيكل قائلًا: تعرفونني وتعرفون من أين أنا، ومن نفسي لم آت، بل الذي أرسلني هو حق، الذي أنتم لستم تعرفونه. أنا أعرفه لأني منه وهو أرسلني" (يو7: 28، 29) قال السيد المسيح ذلك ردًا على كلام اليهود عنه: "هذا نعلم من أين هو، وأما المسيح فمتى جاء لا يعرف أحد من أين هو" (يو7: 27). لم يفهموا أن السيد المسيح قد جاء منالسماء وتجسد من السيدة العذراء بدون زرع بشر، بل اعتقدوا أنه كان ابنًا طبيعيًا للقديس يوسف وللعذراء مريم. وبذلك اعتبروا أنهم يعرفون من أين هو. وكانت معرفتهم غير سليمة. لأن سر التجسد الإلهي كان مخفيًا عن عقول الأشرار لكن السيد المسيح بالرغم من أنه لم يتكلم وقتها صراحةً عن الميلاد العذراوي، إلا أنه أشار إلى ولادته من الآب قبل كل الدهور وإلى إرسال الآب له إلى العالم أي تجسده في ملء الزمان وقد لخص السيد المسيح الحقائق المختصة بميلاده حسب لاهوته من الآب قبل كل الدهور، وولادته من العذراء مريم بحسب ناسوته في ملء الزمان بقوله عن علاقته بالآب السماوي "لأني منه، وهو أرسلني" (يو7: 29) إنها عبارة قصيرة مكونة من شطرين أقصر منها. ولكنها تحمل حقائق عقائدية في منتهي القوة والأهمية. الشطر الأول من العبارة "لأني منه"تشير إلى ولادة الابن الوحيد من الآب بنفس جوهر الآب. وهذا هو الميلاد الأول للابن الكلمة. والشطر الثاني من العبارة "وهو أرسلني"تشير إلى إرساله من قِبَل الآب إلى العالم ليتجسد من العذراء مريم.وهذا هو الميلاد الثاني للابن الكلمة. لأني منه جميل جدًا أن يقول الابن عن نفسه أنه من الآب. أي أن له نفس طبيعة الآب وجوهره وكما شرح مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث كمثال فإن العقل الذكي يلد فكرًا ذكيًا، والعقل القوى يلد فكرًا قويًا، والعقل الحكيم يلد فكرًا حكيمًا، والعقل المقدس يلد فكرًا مقدسًا. أي أن العقل يلد فكرًا له نفس جوهر العقل، أي أن جوهرهما واحد. والعقل يلد الفكر في داخله دون أن ينفصل منه، وإن خرج الفكر منطوقًا به ككلمة فإنه أيضًا لا ينفصل من العقل بل هو كائن فيه على الدوام وفي حوار السيد المسيح مع اليهود الذين قالوا إنهم يعرفون من أين هو، استنكر هو ذلك لأن مصدره هو الآب، ولم يكن اليهود يفهمون ذلك. ورد السيد المسيح على كلامهم بقوله إنهم لا يعرفون الآب، أما هو فيعرفه بالتأكيد لأنه منه "ولستم تعرفونه. وأما أنا فأعرفه" (يو8: 55)ونفس الشيء قاله معلمنا بولس الرسول عن الروح القدس: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1كو2: 10)فالابن لأنه من الآب بالولادة، فهو يعرف الآب معرفة كاملة مطلقة غير محدودة. وكذلك الروح القدس لأنه من الآب بالانبثاق، فهو يعرف الآب معرفة كاملة مطلقة غير محدودة واقتران كلام السيد المسيح عن معرفته للآب مع قوله عن ولادته من الآب "لأني منه"، يؤكد أنه كان يتحدث في هذا الشطر من العبارة عن العلاقة الفائقة التي تربط الابن بالآب في الجوهر الإلهي الواحد، أي عن أن الابن مولود من الآب بنفس جوهره وطبيعته. وهو أرسلني يقول معلمنا بولس الرسول: "لما جاء ملء الزمان؛ أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدى الذين تحت الناموس" (غلا4: 4، 5) فعبارة السيد المسيح "وهو أرسلني"تشير إلى إرسال الابن الوحيد إلى العالم مولودًا من امرأة، ليفتدى العالم من لعنة الخطية وقد كرر السيد المسيح كثيرًا في الأناجيل، وبخاصة ما سجله القديس يوحنا في إنجيله، أن الآب قد أرسله إلى العالم. وتكرر ذكر هذه الحقيقة عشرات المرات وكمثال لذلك نرى السيد المسيح يذكر إرسال الآب له عدة مرات في الأصحاح الثامن من إنجيل معلمنا يوحنا كما يلي: "أنا والآب الذي أرسلني" (يو8: 16)، "ويشهد لي الآبالذي أرسلني" (يو8: 18)، "لكن الذي أرسلني هو حق" (يو8: 26)، "والذي أرسلني هو معي" (يو8: 29)، "لأني لم آتِ من نفسي، بل ذاك أرسلني" (يو8: 42) إن تأكيد السيد المسيح على إرسال الآب له يحمل من جانب: تمجيدًا للآب السماوي، بمعنى أن كل ما يفعله الابن من أجل خلاص العالم هو بتدبير من الآب والابن والروح القدس، مثلًا نقول في التسبحة (لأنه بإرادته ومسرة أبيه والروح القدس أتى وخلصنا) (ثيئوطوكية يوم الثلاثاءqeotokia). لذلك كان السيد المسيح دائمًا يؤكد أنه لا يعمل وحده بل يعمل هو والآب الذي أرسله. فعمل الثالوث هو واحد بالرغم من تمايز دور كل أقنوم في العمل الواحد ويحمل من الجانب الآخر: إبرازًا لحقيقة صدق إرساليته وارتباطها بالآب السماوي وذلك بشهادة الآب له وحينما تكلّم السيد المسيح مع نيقوديموس عن صلبه من أجل خلاص العالم قال له: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16) إن الصليب ليس فقط تعبيرًا عن محبة المسيح لنا باعتباره ابن الله الوحيد، بل هو أيضًا تأكيدًا على محبة الآب لنا إن المحبة الصادرة من الثالوث هي محبة واحدة، وكما وصفها الآباء القديسون هي [من الآب بالابن في الروح القدس]. فالأقانيم الثلاثة يحبوننا بنفس المقدار وبنفس القوة وقد ذكر القديس إشعياء النبي اشتراك الروح القدس في إرسالية الابن الوحيد إذ سجل ذلك على لسان السيد المسيح "منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحُه(بضم الحاء)" (إش48: 16). فالروح القدس ورد في هذا النص في صيغة الفاعل وليس المفعول به، أي هو والآب قد أرسلا الابن إلى العالم ما أعظم هذه الإرسالية التي جعلتنا نتمتع بظهور الله الكلمة في الجسد. وما أروع هذا التدبير الإلهي الذي جعلنا ننعم بحضور الله معنا تحقيقًا لنبوة إشعياء النبي "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (مت1: 23)، (انظر إش7: 14)لم تعد عبارة "الله معنا" هي على سبيل التمني أو الإحساس فقط بمعونة الله، ولكنها تحولت إلى حقيقة تلامست معها البشرية فأمسكت بالحياة الأبدية. وهذا ما عبّر عنه القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة فإن الحياة أُظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا" (1يو1: 1، 2). أنا قد أتيت باسم أبي قال السيد المسيح لليهود: "مجدًا من الناس لست أقبل ولكنى قد عرفتكم أن ليست لكم محبة الله في أنفسكم. أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني. إن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه. كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعض. والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه" (يو5: 41-44). وقد ربط السيد المسيح بين مجيئه باسم أبيه وبين رفضه لمجد العالم الزائل فما معنى قوله: "أنا أتيت باسم أبي؟ ومن هو الآخر الذي سيأتي باسم نفسه؟! إنسان الخطية ابن الهلاك تحدثت الكتب المقدسة عن إنسان سوف يأتي مدعيًا أنه هو المسيح، وبسببه سوف يحدث الارتداد العام قبل نهاية العالم مباشرة. ولقّبه سفر الرؤيا باسم "الوحش" وأن عدد اسمه هو 666 وهو مجموع حروف اسمه باللغة العبرية حسب الحساب الأبجدي كتب بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي الذين تصوّروا أن المجيء الثاني للرب يسوع المسيح قد حل موعده فقال: "لا يخدعنكم أحد على طريقة ما. لأنه لا يأتي إن لم يأت الارتداد أولًا، ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك. المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله.. الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويُبطله بظهور مجيئه. الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس2: 3، 4، 8-10)ونلاحظ أن "المسيح الكاذب" أو "ضد المسيح" الذي تكلّم عنه بولس الرسول سوف يدّعى الألوهة فوق كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا. فهو لن ينكر فقط أن يسوع هو المسيح، وأن يسوع هو إله حقيقي، بل سوف يتجاهل ألوهية الآب السماوي والروح القدس. أي لن يعترف بالثالوث القدوس الإله الواحد الحقيقي، مظهرًا نفسه أنه إله فوق كل ما يدعى إلهًا أو معبودًا (انظر 2تس2: 4)هذا المسيح الكاذب سوف يأتي طبعًا باسم نفسه وليس باسم الآب، وسوف يُمجِّد نفسه ولا يمجد الآب. وسوف يأتي محاطًا بكل مظاهر العظمة والسلطان البشرى والمجد العالمي الزائل الذي أراده اليهود للسيد المسيح ولم يجدوه فيه لأنه جاء رافضًا له مرددًا مقولته المشهورة "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18: 36) المسيح الكاذب فسوف يقود العالم إلى الارتداد وإلى عبادة الأصنام. لأن الشيطان سوف يجعل تمثال الوحش يتكلم ويبهر الناس. وسوف يجعل الناس يسجدون لهذا التمثال، وسوف يضعون سمة الوحش على جباههم أو أيديهم. وقد وردت كل هذه الأشياء في سفر الرؤيا إذ كتب يوحنا الرسول يقول:"ويصنع آيات عظيمة.. وأُعطى أن يُعطى روحًا لصورة الوحش حتى تتكلم صورة الوحش. ويجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون. ويجعل الجميع.. تُصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم. وأن لا يقدر أحد أن يشترى أو يبيع إلا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه. هنا الحكمة. من له فهم فليحسب عدد الوحش فإنه عدد إنسان. وعدده ستمئة وستة وستون" (رؤ13: 13، 15-18) إذن فسوف يبهر الوحش الناس بالمعجزات والآيات الكاذبة كقول معلمنا بولس الرسول عنه "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس2: 9، 10). وللأسف فسوف ينخدع الكثير جدًا من الناس بهذه الأمور ويسجدون للمسيح الكاذب ولتمثاله (صورته) ويمجدونه كإله دون أن يمجدوا الآب السماوي لذلك قال السيد المسيح لليهود الذين رفضوا الإيمان به: "أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني. إن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه" (يو5: 43). بمعنى أن اليهود وباقي البشر الذين سوف يقبلون المسيح الكاذب قبل نهاية العالم، لهم نفس النوعية مثل اليهود الذين رفضوا قبول السيد المسيح وقيل عنهم: "إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله" (يو1: 11). منهج السيد المسيح حينما أخلى السيد المسيح نفسه من مجد الألوهة المنظور آخذًا صورة عبد، وضع منهجًا مغايرًا تمامًا لمنهج الوحش الذي مجيئه بعمل الشيطان، والذي يضع تمجيد ذاته فوق كل اعتباركان منهج السيد المسيح هو تمجيد الآب السماوي بصورة مستمرة مثلما قال للآب "أنا مجدّتك على الأرض" (يو17: 4). لذلك قال لليهود: "إن كنت أمجد نفسي فليس مجدي شيئًا. أبي هو الذي يمجّدني الذي تقولون أنتم إنه إلهكم ولستم تعرفونه. وأما أنا فأعرفه. وإن قلت إني لست أعرفه أكون مثلكم كاذبًا" (يو8: 54، 55). إذن فالسيد المسيح قد مجّد الآب ولم يمجّد نفسه، بل ترك ذلك للآب. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
05 يوليو 2019

المسيح في رؤيا يوحنا اللاهوتي

إلى جوار ما عمله الروح القدس للتلاميذ بعد يوم الخمسين فإن السيد المسيح قد شارك في إعلان أمورًا لرسله القديسين، منها ما أعلنه ليوحنا في سفر الرؤيا أو ما أراه إياه فقد كتب يوحنا الرسول إنجيلًا بوحي من الروح القدس أفاض فيه في شرح حقائق الإيمان بالثالوث القدوس. فهو الذي أوضح أن يسوع المسيح هو نفسه الله الكلمة الذي تجسد من أجل خلاصنا وأنه هو وحيد الجنس (monogenh,j مونوجينيس) المولود من الآب والكائن في حضن الآب أي أنه هو ابن الله الوحيد الذي يحمل نفس طبيعة الآب وجوهره. كما أوضح القديس يوحنا أقنومية الروح القدس (معزيًا آخر) وأنه من عند الآب ينبثق، وأنه يسمع ويتكلم ويشهد ويأخذ ويخبر ويعلم ويرشد وجاء إنجيل يوحنا في نهاية القرن الأول المسيحي ليؤكّد كل الإيمان الرسولي الذي تم تسليمه مرة للقديسين وليسجّل حقائق هذا الإيمان وليرد على الهرطقات التي بدأت تظهر في فجر المسيحية. وكان إنجيل يوحنا هو آخر ما تم كتابته من الأناجيل إلى جوار ذلك كتب القديس يوحنا الرسول ثلاث رسائل حسبت ضمن الرسائل الجامعة تحوى تعاليمًا كثيرة هامة في حياة الكنيسة وفي تفسير وتأكيد تعاليم السيد المسيح خاصة وصية المحبة التي أوصى بها تلاميذه. وكتب يوحنا في رسائله يقول أن "الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه" (1يو4: 16) ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل أراد الرب أن يستخدم تلميذه الحبيب يوحنا في إعلان أمور تخص الآخرة والحياة الأبدية ومستقبل الكنيسة ونهاية العالم بصورة نبوية رؤيوية تحوى كثيرًا من الرموز والأختام والأسرار وتدعو إلى التأمل العميق، كما تكشف أبعاد لاهوتية في منتهي القوة تسند الكنيسة في صراعها ضد الهرطقات وفي مواجهة الأيام الأخيرة الجميل في هذا الأمر أن سفر الرؤيا (أبو غالمسيس) تبدأ أحداثه بظهور السيد المسيح في مجده السمائي ليوحناليعلن له كثيرًا من الأمور التي لم يكن من الممكن أن يذكرها لتلاميذه أثناء خدمته على الأرض بل قال لهم: "إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" (يو16: 12) يقول يوحنا في رؤياه: "كنت في الروح في يوم الرب، وسمعت ورائي صوتًا عظيمًا كصوت بوق قائلًا: أنا هو الألف والياء الأول والآخر. والذي تراه، اكتب في كتاب وأرسل إلى السبع الكنائس التي في أسيا.. فالتفتُّ لأنظر الصوت الذي تكلّم معي. ولما التفتُّ رأيت سبع مناير من ذهب، وفي وسط السبع المناير شبه ابن إنسان، متسربلًا بثوب إلى الرجلين، ومتمنطقًا عند ثدييه بمنطقة من ذهب. وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج، وعيناه كلهيب نار. ورجلاه شبه النحاس النقي، كأنهما محميتان في أتون وصوته كصوت مياه كثيرة. ومعه في يده اليمنى سبعة كواكب، وسيف ماضٍ ذو حدين يخرج من فمه، ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها" (رؤ1: 10-16) الذي ظهر ليوحنا في رؤياه هو السيد المسيح بدليل قوله له: "لا تخف. أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتًا، وها أنا حي إلى أبد الآبدين" (رؤ1: 17، 18) وأوصاه السيد قائلًا: "اكتب ما رأيت، وما هو كائن، وما هو عتيد أن يكون بعد هذا" (رؤ1: 19) وبعد أن أوصاه أن يكتب رسالة حددها له إلى كل أسقف من أساقفة الكنائس السبعة ممتلئة من التعاليم الهامة والنافعة والتحذيرية، يقول القديس يوحنا: "بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء، والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلًا: اصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. وللوقت صرت في الروح، وإذا عرش موضوع في السماء، وعلى العرش جالس" (رؤ4: 1، 2) لقد اخترق يوحنا بالرؤيا حاجز الزمن بروح النبوة ليرى أمورًا مستقبلية أما الله فهو كائن في كل زمان بما في ذلك المستقبل لأن الله فوق الزمن لذلك قال ليوحنا "اصعد إلى هنا فأريكما لابد أن يصير بعد هذا"إن اللسان ينعقد أمام هذه الإعلانات الإلهية المملوءة سرًا ويقف الإنسان مبهورًا أمام روعة العمل الإلهي،وها هو السيد المسيح من السماء العليا يواصل عنايته بكنيسته المحبوبة يخاطبها ويرسل إليها الرسائل ويعلن لها أسرار الأبدية ويعمل فيها بروحه القدوس بكل قوة. حقًا ما أعجب اسمك يا رب، وعظيمة هي أعمالك يا ملك القديسين! نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
01 يوليو 2019

تسليم الإنجيل لبولس الرسول

بعد أن ظهر السيد المسيح لبولس الرسول الذي كان شاول الطرسوسي ودعاه وهو في الطريق إلى دمشق، وبعد عماده وامتلائه بالروح القدس على يد حنانيا أسقف دمشق، وهروبه من دمشق حينما حاول اليهود أن يقتلوه، ذهب إلى الصحراء العربية لمدة ثلاث سنوات حيث استلم من السيد المسيح الإنجيل والتقليد الرسولي وكيفية ممارسة الأسرار الكنسية مثل سر الافخارستيا وغيره ويتضح ذلك من سرده هو نفسه لهذا الأمر في رسالته إلى أهل غلاطية إذ قال:"وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بَشّرت به إنه ليس بحسب إنسان لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علّمته. بل بإعلان يسوع المسيح فإنكم سمعتم بسيرتي قبلًا في الديانة اليهودية أني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها. وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي. ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه فيَّ لأبشر به بين الأمم، للوقت لم أستشر لحمًا ودمًا ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت أيضًا إلى دمشق. ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليملأتعرّف ببطرس، فمكثت عنده خمسة عشر يومًا. ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب" (غل1: 11-19)إذن لقد استلم بولس الرسول الإنجيل الذي بَشّر به في كل مكان من السيد المسيحنفسه بعد صعود السيد المسيح إلى السماء، مثلما استمع باقي الرسل إلى السيد المسيح في مدة خدمته على الأرض. وقد أكد بولس الرسول هذا في رسالته إلى أهل كورنثوس في حديثه عن سر الافخارستيا (القداس الإلهي) إذ قال:"لأنني تسلّمت من الرب ما سلّمتكم أيضًا، إن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزًا وشكر فكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكرى. كذلك الكأس أيضًا بعدما تعشوا قائلًا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى. فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" (1كو11: 23-26) إننا نرى العناية الفائقة من الرب يسوع المسيح برسوله بولس إذ أنه قد قام بتسليمه كل مبادئ الإيمان والبشارة وكيفية ممارسة الأسرار الكنسية مثلما فعل قبل ذلك مع الرسل الذين عاصروا مدة خدمته على الأرض إلى اليوم الذي صعد فيه إلى السماء بعدما أوصاهم بأن لا يبرحوا أورشليم إلى أن يلبسوا قوة من الأعالي متى حل الروح القدسعليهم. ولكننا ينبغي أن نلاحظ أن بولس الرسول لم يستقل عن الكنيسة بالرغم من أنه قد تسلم من السيد المسيح كل شيء، بل كان يعتقد في جامعية الكنيسة ومجمعيتها، لذلك أكمل حديثه إلى أهل غلاطية عن باقي تفاصيل مسيرته الرسولية بعد لقائه مع بطرس الرسول ويعقوب أخا الرب "ثم بعد أربع عشرة سنة صعدت أيضًا إلى أورشليم معبرنابا آخذًا معي تيطس أيضًا. وإنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيلالذي أكرز به بين الأمم، ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلًا" (غل2: 1، 2). إن في هذا أعظم درس للذين يسيرون وراء الرؤى والإعلانات الكاذبة مثل إيلين هوايتالتي ابتدعت كثيرًا لطائفة الأدفنتست السبتيين، وأعطوها لقب نبية ورسولة واعتبروا أن الرؤى التي رأتها هي إعلانات إلهية، بينما هي تحوى على تعاليم كثيرة مضادة للتعليم الرسولي،ولم ترجعإيلين هوايت إلى خلفاء الرسل في الكنائس الأرثوذكسية لتعرف صحة الرؤى التي رأتها، وإنما تمادت في انحرافها ودعاها الأدفنتست نبية الأيام الأخيرة، وهي لم تكن نبية على الإطلاق لقد صعد بولس الرسول ليعرض الإنجيل الذي يكرز به بين الأمم على الآباء الرسل ليتأكد من صحة التعليم الرسولي الذي ائتمنه الرب عليه. وأكمل سرده لما حدث فقال "فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة؛ أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان. غير أن نذكر الفقراء. وهذا عينه كنت اعتنيت أن أفعله" (غل2: 9، 10). لقد أضافوا إلى اختصاص بولس الرسول في خدمة الأمم اهتمامه بفقراء أورشليم وهذا ما تم بالفعل. رؤيا بولس الرسول في أورشليم إلى جوار ظهور السيد المسيح لبولس الرسول في الطريق إلى دمشق، وإلى جوار إعلاناته له حينما سلّمه التقليد الرسولي في مدة السنوات الثلاثة في العربية فقد رآهبولس الرسول في الهيكل بأورشليم وسرد ذلك كما يلي: "وحدث لي بعد ما رجعت إلىأورشليم وكنت أصلى في الهيكل أني حصلت في غيبة فرأيته قائلًا لي أسرع واخرج عاجلًا من أورشليم لأنهم لا يقبلون شهادتك عنى. فقلت يا رب هم يعلمون أني كنت أحبس وأضرب في كل مجمع الذين يؤمنون بك وحين سُفك دم إسطفانوس شهيدك كنت أنا واقفًا وراضيًا بقتله وحافظًا ثياب الذين قتلوه. فقال لي: اذهب فإني سأرسلك إلى الأمم بعيدًا" (أع22: 17-21). ما أجمل هذا الحوار لإقناع بولس الرسول أن يفارق أورشليم المحبوبة ليذهب إلى كنيسة الأمم لتصير عروسًا للمسيح، لم يكن من السهل على بولس الرسول أن يترك كرازة اليهود بالإنجيل ليذهب إلى الأمم. ولكن السيد المسيح كان قد أعده للكرازة للأمم وهذا ما تحقق بالفعل فيما بعد وأعطته الكنيسة يمين الشركة للأمم لينشر الإنجيل وينضم الأمم إلى خراف السيد المسيح فتكون رعية واحدة لراعٍ واحد كما سبق ووعد بفمه الإلهي المبارك. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل