المقالات
04 سبتمبر 2019
الجحيم الهاوية
"الجحيم" كلمة معناها الهاوية، وهي ترجمة للكلمة العبرية "شِئول" وللكلمة اليونانية "هاديس ᾍδης"، وهو كمقر للانتظار كان يحوى أرواح القديسين، وأرواح الأشرار، وذلك قبل أن يتمم السيد المسيح الفداء. ولكن صار مقرًا لانتظار أرواح الأشرار فقط بعد إتمام الفداء، وفتح الفردوس ونقل أرواح القديسين إلى هناك.بالنسبة للقديسين كانت أرواحهم تتطلع إلى مجيء المخلص ليخرجها من بيت السجن حسب وعد الرب "أجعلك عهداًللشعب ونورًا للأمم لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة" (إش42:6، 7) كانت هناك رموز كثيرة للجحيم في العهد القديم مثل جب الأسود الذي ألقى فيه دانيال النبي. ففي قصة إلقاء دانيالفي الجب إشارة واضحة إلى عمل الخلاص. فالملك داريوس والحكم الذي أصدره وخَتَمه، ولا يمكن أن يتغير حتى بالرغم من محبة الملك لدانيال، كان إشارة إلى حكم الموت الذي صدر ضد البشرية ولم يكن من الممكن إلغاؤه. كان الملك يتمنى أن ينقذ دانيال من الجب، ولكن الحكم كان ينبغي أن يتم وقال الملك لدانيال: "إن إلهك الذي تَعبُدُه دائمًا هو ينجيك" (دا 6: 16) وحينما أُلقى دانيال في الجب لسبب مؤامرة أعدائه الأشرار الذين يرمزون إلى الشياطين أعداء الرب وأعداء البشرية، أرسل الله ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تمس دانيال بسوء "إلهي أرسل ملاكه وسدَّ أفواه الأسود فلم تضرني" (دا 6: 22)، وخرج دانيال من الجب حيًا إشارة إلى قيامة السيد المسيح بعد نزوله إلى الجحيم، وإلى صعوده إلى الفردوس دون أن يمسكه الجحيم ودون أن يمسكه الموت أيضًا "إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه" (أع2: 24) وبهذا تم حكم الموت دون إلغاء، ولكن أمكن العبور منه والتحرر من سلطانه. وقد تنبأ عن ذلك داود النبي فقال "لأنك لا تترك نفسي في الجحيم (الهاوية) ولا تدع قدوسك يرى فسادًا" (أع2: 27، انظر مز15: 10). وشرح القديس بطرس في عظة يوم الخمسين أن هذا الكلام قد قيل عن السيد المسيح (انظر أع 2: 25) وبهذا أكّد بطرس الرسولأن السيد المسيح قد نزل إلى الجحيم. وعاد فقال عنالسيد المسيح في رسالته الأولى إنه "ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1بط3: 19). وبذلك ربط نبوءة إشعياء (42: 6) بنبوءة داود النبي في المزمور (15: 10)موضحًا أن الجحيم كان سجنًا للأرواح كان إبليس هو صاحب سلطان الموت كما أوضحالقديس بولس الرسول في حديثه عن عمل السيد المسيح في تخليصنا منإبليس "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية" (عب2: 14، 15) إن تصوير القديس بولس هنا للموقف في رسالته إلى العبرانيين هو تصوير في غاية القوة، ربط فيه بين رفع سلطان الموت وبين إبادة إبليس أي إبادة سيطرته على أرواح البشر،وكذلك أوضح أن الخوف من النزول إلى الجحيم بعد الموت في حياة حتى الذين رقدوا على رجاء الخلاص، هو حالة من العبودية، لأن الأرواح كانت في طريقها إلى السجن هناك فيالهاوية. ولكن بالطبع كانت أرواح القديسين الراقدين في حالة أفضل من أرواح الأشرار وغير المؤمنين الذين ليس لهم رجاء على الإطلاق كان القديسون في السجن ينتظرون بالإيمان تنفيذ وعد الرب بالفداء.. كانت عبوديتهم مؤقتة سيحولها المسيح إلى بنوة.. وكان خوفهم ممتزجًا بالرجاء بعكس الآخرين الذين لا رجاء لهم وعبوديتهم لا نهاية لها كما قال أبو الآباء يعقوب في بكائه وحزنه حينما اعتقد بموت يوسف ابنه "إنى أنزل إلى ابني نائحًا إلى الهاوية" (تك37: 35). ولكنه قبيل موته حينما كان يتنبأ أمام أبنائه قال: "لخلاصك انتظرت يا رب" (تك49: 18). "ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه إلى السرير وأسلم الروح وانضم إلى قومه" (تك49: 33) وحينما قاوم قورح ومعه داثان وأبيرام وأولادهم موسى وهرون وقدموا بخورًا في مجامرهم، عاقبهم الرب بأن هبطوا أحياء إلى الهاوية إذ "انشقت الأرض التي تحتهم وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورحمع كل الأموال. فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية وانطبقت عليهم الأرض فبادوا من بين الجماعة" (عد16: 31-33). ومعنى نزولهم أحياء إلى الهاوية أي أنهم نزلوا إلى أقسام الأرض السفلى أحياء وماتوا هناك حيث يوجد الجحيم وقد ذكر السيد المسيح أن الجحيم له أبواب فقال عن الكنيسة: "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16: 18) وكذلك قيل عن حزقيا الملك "كتابة لحزقيا ملك يهوذا إذ مرض وشفى من مرضه، أنا قلت في عز أيامي أذهب إلىأبواب الهاوية. قد أُعدمت بقية سِنِيَّ" (إش38: 9، 10) وقد حطّم السيد المسيح متاريس الجحيم حينما نزل إليه من قبل الصليب ليحرر المسبيين الذين رقدوا على الرجاء ويصعد بهم من الجحيم إلى الفردوس كما هو مكتوب "سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا. وأما أنه صعد فما هو إلا إنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى" (أف4: 8، 9) وتنبأ داود النبي عن ذلك فقال في المزمور "أعظمك يا رب لأنك احتضنتني ولم تشمت بي أعدائي أيها الرب إلهي صرخت إليك فشفيتني. يا رب أصعدت من الجحيم نفسي. وخلصتني من الهابطين في الجب.. أية منفعة في دمى إذا هبطت إلى الجحيم.. حوّلت نوحي إلى فرح لي. مزّقت مسحي ومنطقتني سرورًا، لكي ترتل لك نفسي ولا يحزن قلبي. أيها الرب إلهي إلى الأبد أعترف لك" (مز29).
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
03 سبتمبر 2019
مقار الآخرة
مقار الآخرة هي أربعة: الفردوس، والجحيم، وملكوت السماوات، وجهنم، منها مؤقت أي الفردوس والجحيم، ومنهاأبدي أي ملكوت السماوات وجهنم. والمقار المؤقتة هي لانتظار الأرواح بعد الوفاة إلى يوم الدينونة الأخير، أما المقار الدائمة فهي للأرواح والأجساد معًا فيما بعد الدينونة أي بعد مجيء المسيح الثاني حيث "يخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة" (يو5: 29) فأجساد الموتى سوف تقوم في اليوم الأخير حيث تعود الأرواح إلى الأجساد وتتحد بها مرة أخرى لكي تدان الأرواح مع الأجساد. ولكن الجسد بعد القيامة العامة سوف تكون له خصائص جديدة تختلف عن خصائصه الحالية، وليس بمعنى أن الأجساد سوف تفنى ولكنها ستتغير عند القيامة وهذا ما سوف نشرحه بمشيئة الرب بتفصيل أكثر من واقع تعاليم الكتاب المقدس.
الفردوس
الجحيم الهاوية
ملكوت السماوات
جهنم
أولًا: الفردوس
الفردوس حاليًا ليس على الأرض مثلما كان وقت خلق آدم ثم حواء. إذ أن ذلك الفردوس أي الجنة كان يحوى أشجارًا وثمارًا وحيوانات. وقد وضع الرب الإله آدم في الجنة ليعملها وحينما أخطأ الإنسان بعدم طاعته للوصية الإلهية، نُفى من الفردوس أي أن الرب قد أخرجه من الفردوس لئلا يمد يده ويأكل من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد في خطيته ولا توجد له فرصة لإدراك خطورة الخطية وعواقبها من حيث إن أجرة الخطية هي موت. وصار موت الجسد هو الدليل الواضح على أن الخطية قد أساءت إلى الإنسان وصار محتاجًا إلى الخلاص بصلب المسيح وموته وقيامته من الأموات، وذلك مثلما قال قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن السيد المسيح: "بالصليب حل الرب مشكلة الخطية (إذ أوفى الدين الخاص بها) وبقيامته حل مشكلة الموت الناتج عن الخطية" الفردوس الحالي صار مقرًا للروح فقط بدون الجسد، وليس فيه أشياء مادية مثل الأشجار والثمار والمزروعات والأنهار. وبالطبع ليس فيه حيوانات على الإطلاق مثل الحمير والبغال والغزلان والفيلة..الخ. لأن الحيوانات ليس لها أرواح خالدة مثل البشر، بل إن نفس الحيوان هي دمه "لأن نفس كل جسد دمه هو بنفسه" (لا 17: 14). وبمجرد موت الحيوان يذهب إلى الأرض وليس له روح تذهب إلى مقار الآخرة على الإطلاق أما ما رآه القديس يوحنا الرسول وكتب عنه في سفر الرؤيا من جهة الأربعة أحياء غير المتجسدين، فهذه كائنات حية روحية من طغمة الملائكة الكاروبيم ومنظرها الذي رآه هو منظر رمزي له مدلول روحي. فوجه الإنسان يرمز إلى تجسد الرب، ووجه العجل يرمز إلى ذبيحة الصليب، ووجه الأسد يرمز إلى القيامة، ووجه النسر يرمز إلى الصعود. كما أنها ترمز إلى الأناجيل الأربعة متى ولوقا ومرقس ويوحنا. بنفس هذا الترتيب. وذلك حسب طقس الأيقونات القديمة في الكنائس الأرثوذكسية جميعًا الفردوس الحالي ذكرهالسيد المسيح وهو معلّق على الصليب حينما طلب إليه اللص اليمين قائلًا: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو23: 42) فأجابه السيد المسيح مصححًا له طلبته: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي فيالفردوس" (لو23: 43) قال السيد المسيح ذلك لأن أرواح الأبرار تذهب إلى الفردوس أولًا وتنتظر هناك في شركة روحية مع المسيح إلى يوم الدينونة الأخير حيث تقف أمام كرسي المسيح بعد عودتها إلى الجسد المقام من الأموات، ثم يضعها السيد المسيح عن يمينه وبعد ذلك يدعوها إلى ميراث ملكوت السماوات وقد قصد السيد المسيح أن يعلن للص اليمين إنه لن ينتظر طويلًا لكي يلتقي به، وذلك بعد مجيئه الثاني واستعلانملكوت السماوات، بل إنه سوف يلتقي به سريعًا بعد خروج روحه من الجسد حيث يكون السيد المسيح قد فتح بابالفردوس مرة أخرى لتنتقل إليه أرواح الأبرارأما أرواح الأبرار الذين رقدوا على رجاء الخلاص وكانت تنتظر في السجن، فقد ذهب إليها السيد المسيح بروحه الإنساني المتحد باللاهوت وبشّرها بإتمام الفداء وأخرجها من السجن ونقلها إلى الفردوس أي أنه قد (رد آدموبنيه إلى الفردوس( مثلما نقول في قسمة عيد القيامة.وقد وردت أقوال في الكتاب المقدس تؤكد أن السيد المسيح قد فعل ذلك مثل قول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "لذلك يقول: إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا،وأما أنه صعد فما هو إلا إنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى، الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل" (أف4: 8-10). وقد صعد السيد المسيح بروحه من الجحيمإلى الفردوس بعد نزوله إلى الجحيم آخذًا معه أرواح الأبرار. كما أنه صعد إلى السماوات العليا حيث عرش الآب بعد 40 يوم من قيامته من الأموات وفي هذا الصعود لم يأخذ معه أحدًا من البشر إلى أن يأتي للدينونة وقد تكلم أيضًا القديس بطرس الرسول عن عمل السيد المسيح في نزوله بالروح إلى الجحيم للكرازة بإتمام الفداء وفي نقل أرواح الأبرار إلى الفردوس فقال: "فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله مماتًا في الجسد ولكن محيىً في الروح، الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي فيالسجن" (1بط3: 18، 19) وقد سبق إشعياء النبي فقال بفم الله الآب: "أجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم، لتفتح عيون العمى، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن" (إش42: 6، 7). والكنيسة في صلاتها على الراقدين تقول: [هذه النفس التي اجتمعنا بسببها اليوم، يا رب افتح لها باب الفردوس كما فتحته للص اليمين. افتح لها باب الراحة لتدخل وتتنعم هناك وتشارك جميع القديسين..].
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
02 سبتمبر 2019
أحداث المجيء الثاني
قال السيد المسيح لتلاميذه: "وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطى ضوءه والنجوم تسقط منالسماء وقوات السماوات تتزعزع. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرضويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلى أقصائها" (مت 24: 29-31).
إظلام الشمس
كما أظلمت الشمس في يوم صلب السيد المسيح بصورة معجزية، سوف تُظلِم أيضًا ولكن بصورة نهائية في مجيئه الثاني. تنبأ ملاخي النبي عن يوم الصلب وأيضًا عن المجيء الثاني وكتب أن الرب يقول "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها.. هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب، اليوم العظيم والمخوف" (ملا4: 2، 5) حينما تظلم الشمس الطبيعية، تشرق شمس البر أي السيد المسيح
في المجيء الأول: أشرقت شمس الخلاص عندما بسط السيد المسيح ذراعيه على خشبة الصليب. وبهذا كان الشفاء في أجنحة السيد المسيح وهو معلّق في الجو مثل الطائر أو مثل النسر الذي يفتح جناحيه أو يبسط ذراعيه يدعو الجميع إلى أحضانه التي فيها الخلاص.
في المجيء الثاني: حينما تظلم الشمس، تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. فكيف تظهر في الظلمة بدون الشمسوالقمر والنجوم إن لم تكن منيرة؟فالاحتمال الأغلب هو أن تكون العلامة هي علامة الصليب المنيرة. لأن الصليب هو علامة المسيحية في كل مكان. وقال معلمنا بولس الرسول: "كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1كو1: 18). وقال أيضًا: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" (غل3: 1).
وهذا معناه أن الإنسان المسيحي يرتسم أمام عينيه باستمرار صليب المسيح.
علامة ابن الإنسان
لذلك فالأغلب أن تكون علامة ابن الإنسان هيعلامة الصليب. وأن تكون مضيئة بقوة حتى يراها الجميع قبل مجيء يوم الرب العظيم والمخوف. وهذا ما تسلّمناه من تقليد الكنيسة أن الصليب هو علامة ورمز المسيحية،تتزين به الكنائس وبه تتم مباركة كل الأشياء.. فهو علامة المسيحية وعلامة البركة والخلاص والتقديس. يعقب ظهور علامة ابن الإنسان أن يظهر السيد المسيح نفسه "آتيًا على سحاب السماءبقوة ومجد كثير" (مت24: 30).
مجيء ابن الإنسان
قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب" (مت25: 31، 32)،وقال أيضًا: "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت16: 27).
وقد وصف السيد المسيح عمدًا مجيئه الثاني مرة بقوله "في مجد أبيه"، ومرة أخرى "في مجده"كما أوردنا في الآيتين السابقتين، وذلك ليؤكد لنا أن مجده هو مجد أبيه. فللأقانيم الثلاثة مجد واحد ومُلك واحد وقدرة إلهية واحدة. لأن الجوهر الإلهي واحد غير منقسم بالإضافة إلى ذلك فإنه قد استخدم لقب "ابن الإنسان" في حديثه عن مجد أبيه السماوي ليؤكد أن "ابن الإنسان" هو هو نفسه "ابن الله" أي أن المولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته هو هو نفسه الذي تجسد في ملء الزمان وولد من العذراء القديسة مريم بحسب ناسوته وصار ابنًا للإنسان دون أن يتغير عن ألوهيته جاعلًا ناسوته واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير هذا ما نردده في التسبحة المقدسة عن أن ابن الله هو نفسه صار ابنًا للإنسان بقولنا (لم يزل إلهًا، أتى وصار ابن بشر. لكنه هو الإله الحقيقي أتى وخلّصنا( (ثيئوطوكية يوم الخميس qeotokia) نعود إلى حديث السيد المسيح عن مجيئه في مجده أو في مجد أبيه فنقول إن هذا المجيء المملوء مجدًا سوف يكون مفرحًا للأبرار لأن به نجاتهم من الضيق العظيم ولكنه سوف يكون مخيفًا ومرعبًا للأشرار. لذلك قال: "تنوح جميع قبائل الأرض" (مت24: 30). وتتحقق النبوة "فينظرون إليَّ الذي طعنوه" (زك12: 10) لن يكون خوف الأشرار هو نوع من التوبة. لأن التوبة ينبغي أن تقترن بمشاعر الحب للرب والعرفان بقيمة دمه المسفوك من أجل غفران الخطايا لكل من يؤمن ويتوب ويتبرر.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
01 سبتمبر 2019
ما بين المجيء الأول والمجئ الثاني للسيد المسيح
نأتى الآن إلى تساؤل لماذا يختلف المجيء الأول للسيد المسيح عن مجيئه الثاني؟!
جاء السيد المسيح في ظهوره الأول ليخلص العالم باعتباره هو الله الظاهر في الجسد. ولكن كان ينبغي أن يخفى مجده المنظور لكي يكون من الممكن إتمام الفداء لو ظهر السيد المسيح في ملء مجده لما احتمل البشر النظر إليه. فلا تلاميذه كان من الممكن أن يقتربوا منه ويتتلمذوا على يديه، ولا الأشرار من اليهود أو من الرومان كان من الممكن أن تمتد أيديهم إليه ليسمّروه على الصليب لقد أخلى الله الكلمة ذاته "آخذًا صورة عبد.. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موتالصليب" (في 2: 7، 8). هزم السيد المسيح كبرياء الشيطان بتواضعه وطاعته للآب السماوي كذلك حرر البشر من خطية الكبرياء، وعلّم تلاميذه: "تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29) لقد أظهر لنا السيد المسيح أن في الكبرياء ضعف، وفي التواضع قوة. لهذا تتغنى الكنيسة في لحن أومونوجينيس "O Monogenhc" الذي يقال في الجمعة العظيمة، وفي تقديس الميرون، وفي سيامة الأب البطريرك وتقول (قدوس الله الذي أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة).
ظهوره الثاني المخوف المملوء مجدًا
أما المجيء الثاني فهو للدينونة في نهاية العالم. لذلك فسوف يأتي السيد المسيح في مجد أبيه مع ملائكته القديسين ويدين الجميع ويحاسب الأشرار على شرورهم لقد أعطاهم الفرصة للخلاص وانتهي زمان التوبة. وكما دفع ثمن الخطية على الصليب فسوف يأتي ليطالب بثمن الدم الذي سفكه حبًا في خلاصنا قال معلمنا بولس الرسول: "من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" (عب10: 28، 29) في المجيء الأول احتمل العار لأجلنا، وفي مجيئه الثاني سوف يطالبنا بثمرة محبته وإلا فسنحمل نحن عار أنفسنا لذلك قيل في مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا إن الأشرار سوف "يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش" (رؤ6: 16) وقيل في نبوة زكريا النبي "فينظرون إليَّ الذي طعنوه" (زك12: 10).بمعنى أنهم سيتعجبون من مجده العظيم بالرغم من أنه هو نفسه الذي طعنوه في جنبه بالحربة ليتأكدوا من موته.
وقيل أيضًا في مجيئه الثاني "تنوح جميع قبائل الأرض" (مت24: 30). بمعنى أن مجده المرهوب سوف يجعلهم يبكون على موقفهم قبالته، ينوحون لأنهم يرتعبون من مصيرهم بعد الشرور التي ارتكبوها.
وليس معنى هذا النوح أنهم شعروا بمشاعر التوبة الحقيقية عند مجيء الرب لأن الكتاب يقول: "ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس، فأعطيت أن تحرق الناس بنار. فاحترق الناس احتراقًا عظيمًا، وجدّفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات، ولم يتوبوا ليعطوه مجدًا. ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش، فصارت مملكته مظلمة. وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع. وجدّفوا على إله السماء من أوجاعهم ومن قروحهم، ولم يتوبوا عن أعمالهم" (رؤ16: 8-11). بمعنى أن الضربات التأديبية من الله على الأشرار لم تقتادهم إلى التوبة بل على العكس ازدادوا زيغانًا بالرغم من الآلام التي وقعت عليهم. لذلك فإن دينونتهم الأبدية هي نتيجة لعدم توبتهم لا بواسطة الحب والرفق من قبل الله ولا بواسطة التأديبات إذ قد استمروا في عنادهم وعدم توبتهم مثل الشيطان لذلك يقول القديس يوحنا في رؤياه: "وسمعت ملاك المياه يقول: عادل أنت أيها الكائن والذي كان والذي يكون، لأنك حكمت هكذا. لأنهم سفكوا دم قديسين وأنبياء، فأعطيتهم دمًا ليشربوا، لأنهم مستحقون. وسمعت آخر من المذبح قائلًا: نعم أيها الرب الإله القادر على كل شيء حق وعادلة هي أحكامك" (رؤ16: 5-7) وقال أيضًا: "وبعد هذا سمعت صوتًا عظيمًا من جمع كثير في السماء قائلًا: هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا. لأن أحكامه حق وعادلة، إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدتالأرض بزناها، وانتقم لدم عبيده من يدها. وقالوا ثانية: هللويا ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين" (رؤ19: 1-3).
يدين المسكونة بالعدل
من الواضح أن يوم الدينونة هو يوم لاستعلان دينونة الله العادلة. بعد أن أطال أناته كثيرًا على الخطاة لعله يقتادهم إلى التوبة فمن الواجب أن نحترس من قساوة القلب التي تمنع التوبة. فالكتاب يحذر الإنسان غير التائب قائلًا: "من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رو2: 5) ينبغى أن نتذكّر باستمرار أن لطف الله إنما يقتادنا إلى التوبة وأن نكون دائمًا ساهرين على حياتنا الروحية مستعدين لاستقبال العريس كما أوصانا هو بنفسه.
النبوة التي وردت في سفر ملاخي
سفر ملاخي وهو آخر أسفار العهد القديم. يتكلم في آخر آيات منه عن مجيء الرب فيقول: "هأنذا أرسل إليكم إيلياالنبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (ملا4: 5-6) وفي بداية الأصحاح الرابع والأخير يقول: "فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلى الشر يكونون قشًا ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود: فلا يبقى لهم أصلًا ولا فرعًا. ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها.. اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام" (ملا4: 1، 2، 4)إنها كلمات رائعة لأنه يتكلم عن المجيء الأول وعن المجيء الثاني في نفس الوقت. فحينما يقول: "يوم الرب اليوم العظيم والمخوف" هذا يشير إلى المجيء الثاني بالأكثر لكن هذا لا يمنع أنه في المجيء الأول أيضًا كان هناك يوم صلب السيد المسيح يومًا عظيمًا ومخوفًا قال بطرس الرسول في عظة يوم الخمسين: "هذا ما قيل بيوئيل النبي يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنيأسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلامًا. وعلى عبيدي أيضًا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون. وأعطى عجائب في السماء من فوق وآيات على الأرضمن أسفل دمًا ونارًا وبخار دخان، تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير، ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص" (أع2: 16-21).من الواضح هنا أنه يتكلم عن يوم الصليب لأنه يقول "تتحول الشمس إلى ظلمة" وهذا حدث بالفعل في يوم الصلب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وحينما يقول: "دمًا ونارًا وبخار دخان" فالدم كان هو دم السيد المسيح، والنار لأن السيد المسيح قدّم نفسه صعيدة ومحرقة على الصليب فتنسم رائحة ذبيحته أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة، فالدم والنار وبخار الدخان تشير إلى الصعيدة التي أُصعدت واشتمها الآب رائحة رضا وسرور.ويقول معلمنا بولس الرسول في (عب9: 14) عن السيد المسيح: "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب". الروح الأزلي هو الروح القدس. وحينما أصعد السيد المسيح نفسه على الصليب بالروح القدس كان هذا هو معنى النار التي أصعدت الذبيحة.
لكن كما أن هذه الآيات تشير إلى المجيء الأول فإنها تشير إلى المجيء الثاني أيضًا. لأنه يقول عن المجيء الثاني:"منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب" (2بط3: 12). وأيضًا "سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزولالسماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط3: 10) فالمجيء الثاني سوف يكون مهوبًا ومرهوبًا ومخوفًا أكثر من الزلزلة التي حدثت في وقت الصلب. إن ما حدث في يوم الصلب كان مقدمة وإنذارًا لما سوف يحدث في المجيء الثاني حينما رأى التلاميذ إيليا وموسى على جبل التجلي سألوا السيد المسيح "فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولًا" (مت17: 10) رد السيد المسيح: "إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا" (مت17: 12) "حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان" (مت17: 13) وفي البشارة بميلاد يوحنا المعمدان قال الملاك إنه "يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو1: 17). وما قاله الملاك عن يوحنا المعمدان هو ما ورد في نبوة ملاخي "فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (ملا4: 6) وعلى الرغم من أنه في هذه الآية يؤكد على المجيء الثاني لكنها تشير رمزيًا إلى المجيء الأول، لأن يوحنا المعمدان كان يرمز إلى إيليا، وكانت له شخصية وأسلوب إيليا، أو المواهب التي يمنحها الروح القدس للأنبياء إن إيليا النبي الذي صعد حيًا إلى السماء سوف يأتي قبل مجيء الرب المخوف والمرهوب في مجيئه الثاني. هو صعد حيًا إلى ما قبل أزمنة رد كل شيء لأنه في قصد الله أن يكون لإيليا وأخنوخ رسالة معينة في مسلسل العمل الإلهي بواسطة قديسيه إن هذا التداخل -إذا صح هذا التعبير- بين العهد القديم والعهد الجديد هو أمر رائع. فقد نقل الله اثنين من أنبياء العهد القديم المميزين وحفظهم عنده في السماء أحياءً ليدخلهم في نسيج العمل الروحي والتدبير الخاص بمقاصد الله في حياة الكنيسة في العهد الجديد. وسوف تتضح الصورة في النهاية حينما تكتمل الأحداث الله يأخذ من أنبياء العهد القديم للعمل في العهد الجديد، لأنه هو إله العهدين، ولأنه يريد أن يعرفنا أن شهادة يسوع هي روح النبوة، كما قال بطرس الرسول: "الخلاص الذي فتّش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم، باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها، الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشروكم في الروح القدس المرسل من السماء، التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها" (1بط1: 10-12) أتى يوحنا المعمدان كشاهد على مسح السيد المسيح وعمّده في نهر الأردن. كان هذا كاهنًا من نسل هارون، لكنه كان شاهدًا لاستعلان المسيا في يوم الظهور الإلهي. وقال: "الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلًا ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو1: 33-34).
موسى وإيليا على جبل التجلي
هذا عن يوحنا المعمدان لكنه شيء جميل أن نرى موسى وإيليا هما أيضًا على جبل التجلي، واحد أتى بالروح والآخر روحًا وجسدًا لأنه لازال حيًا إلى الآن. جاءا ليتكلما مع السيد المسيح أمام ثلاثة من الآباء الرسل عن صلبه وتدبير الفداء والخلاص. كانت زيارة من جوف التاريخ لمعايشة الحدث في روعته في حالة من التجلي مع صوت الآب والسحابة النيرة.
قيامة أجساد الراقدين ودخولهم أورشليم
هذه الزيارات من العهد القديم هي شيء في منتهي الروعة. ويصل الموقف إلى ذروة الروعة حينما "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين" (مت 27: 52) في يوم قيامة السيد المسيح من الأموات بعد أن تمم الفداء "ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين" (مت27: 53) لكي يعلنوا إنهم نقلوا من الجحيم إلى الفردوس وإنهم يأتون الآن بالجسد والروح لكي يشهدوا للمخلص المسيح إنه رب القيامة ورب الحياة، قيامتهم المؤقتة جاءت كعربون ومقدمة للقيامة العامة في اليوم الأخير، لكي نعرف أن الراقدين بيسوع سيحضرهم أيضًا معه، كشهادة حية ملموسة لقيامة الأبرار، لئلا يظن أحد أن المسيح فقط هو الذي قام. جاء هؤلاء ليشهدوا "بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا" (1يو1: 2). وكأن الزمن قد اجتمع في نقطة واحدة. هذا نوع آخر من الاختراق من العهد القديم في العهد الجديد.
إن هذا التلاشي للفوارق الزمنية يعطينا فكرة عن خروجنا خارج دائرة الزمن حينما يأتي المسيح في مجيئه الثانيويأخذنا لنحيا معه في الأبدية.
الزيتونتان والمنارتان
تكلّمنا عن يوحنا المعمدان كحلقة اتصال بين العهدين وعن التجلي وعن قيامة القديسين الذين شهدوا بالقيامة. والآن نتأمل في الإصحاح الحادي عشر من سفر الرؤيا:
"وسأعطى لشاهديَّ فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما، وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان أن يغلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا في أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يحوّلاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا. ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد منالهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما" (رؤ11: 3-7) هناك إشارات تدل على أن أحد المذكورين في هذا الأصحاح هو إيليا النبي، لأن إيليا كان له سلطان أن يجعلالسماء لا تمطر مطرًا في أيام نبوته، ونزلت نار من السماء وأكلت أفواج الجنود الذين أرسلهم الملك إليه في كبرياء. والدليل على أنهما إيليا وأخنوخ أنه قيل "هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض". فإيلياوأخنوخ هما الأحياء والقائمين أمام رب الأرض. وأيضًا ذكر أنهما لابسين مسوحًا وهذا ما نعرفه عن إيليا النبي. أما أخنوخ فلا نعرف عنه الكثير، فقد ذكر عنه الكتاب "وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" (تك5: 24). لكن ذكر في رسالة يهوذا أن له نبوة تدل على قوته فقيل "وتنبأ عن هؤلاء أيضًا أخنوخ السابع من آدم قائلًا: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" (يه14، 15). وهو هنا يتكلم عن المجيء الثاني والنبوة أيضًا تشير إلى المجيء الأول لأن المجيء الأول فيه أيضًا ملامح للدينونة مع أنه مجيء للخلاص. فقد قيل عن الروح القدس إنه "يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو16: 8) إن دخول أخنوخ وإيليا إلى صراع الكنيسة ضد الوحش قرب نهاية الأيام هو تدبير إلهي عجيب يتواصل فيه العهد القديم مع العهد الجديد لأن الرب نفسه هو إله العهدين ولابد أن من بقى حيًا من العهد القديم أن ينال بركات العهد الجديد. ويحيا بمقتضى شريعة الكمال ويجاهد مع الكنيسة المفتداة بدم الحمل.
هل يتباطأ الرب عن موعد مجيئه؟
عالج القديس بطرس الرسول مشكلة الذين يعتبرون أن الرب قد تباطأ عن موعد مجيئه فقال إنه "سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين: أين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة.. ولكن لا يخفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء: أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماواتبضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط 3: 3، 4، 8-10).
الله فوق الزمن
بالطبع لا أحد يعرف متى سيحدث المجيء الثاني حتى بطرس الرسول نفسه الذي أوحى إليه الروح القدس بكتابة هذه التعاليم، من الواضح أنه يتكلم عن مبادئ وليس عن أوقات. بدليل قوله كما أوردنا: "أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد" وهذا شيء طبيعي لأن الله فوق الزمن أي غير زمني وحاضر في كل زمان كما أنه حاضر في كل مكان.
وقد كتب الشاعر الفرنسي دي لامارتين عبارة جميلة قال فيها: [إن كينونة يهوه لا تقاس بالشهور والأيام، فيومه يوم أزلي وهو الكائن على الدوام].
ويقول القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات في قداسه المشهور مخاطبًا ابن الله الوحيد: (أنت الكائن في كل زمان أتيت إلينا على الأرض أتيت إلى بطن العذراء).
وكتب القديس يوحنا الإنجيلي في رؤياه عن الله الكلمة: "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء" (رؤ 1: 8). بمعنى أن الرب كائن في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل الذي يأتي. لأن الرب لا يعبر زمنًا بل نحن الذين نذهب إليه عبر الزمان لنجده في انتظارنا في الأبدية.
أما عن مجيئه الثاني فيقول: "وها أنا آتي سريعًا وأجرتي معي لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر" (رؤ22: 12،13). فإن مجيئه بالجسد الممجد الذي صنع به الخلاص لأجلنا هو للدينونة في اليوم الأخير، ولكي يأخذ قديسيه ويدخل بهم إلى المجد.
وقد لخّص الله الكلمة مفهوم كينونته الدائمة غير المحدودة بزمان عند ظهوره لموسى في صورة نار مشتعلة في عليقة، والعليقة لا تحترق، إذ قال لموسى حينما سأله عن اسمه "أهيه الذي أهيه" (خر3: 14) أي "أكون الذي أكون" بمعنى الكائن على الدوام أو الكائن الذي هو كائن أي الكائن الضروري فوق حدود الزمان والمكان..
طالبين سرعة مجيء يوم الرب
بالرغم من أن القديس بطرس الرسول قد أوضح -كما أوردنا- أن الرب في مجيئه الثاني لا يشاء أن يهلك إنسان، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. بمعنى أنه يطيل أناته على العالم بصورة تؤكد عدم تسرعه في إهلاك الناس الذين يتجاهلون الدينونة العتيدة أن تأتى على العالم. كما أنه يعطى فرصة للمجاهدين ليكملوا جهادهم ولأصحاب الرسالة الروحية أن يكملوا رسالتهم.. إلا أن القديس بطرس من جانب آخر يحث المؤمنين أن ينتظروا وأن يطلبوا سرعة مجيء يوم الرب كعلامة لاشتياقهم للقاء العريس وتقديرهم لروعة الملكوت المعد للقديسين.
إن من يسلك في حياة التوبة وفي حياة القداسة لابد أن تتطلع روحه باشتياق لمجيء السيد المسيح. كذلك فإن انتظار مجيء الرب هو من علامات حياة الاستعداد المؤكدة.
لهذا قال بطرس الرسول بعدما تكلم عن زوال السماوات واحتراق الأرض والمصنوعات التي فيها "فبما أن هذه كلها تنحل، أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى؟ منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب، الذي به تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب" (2بط3: 11،12).
نبوة بالروح القدس
لم يكن ممكنًا في العصر الذي كتب فيه القديس بطرس رسالته الثانية أن يوجد من يفهم معنى الانفجار النووي وتحطيم الذرة. ولكن القديس بطرس أورد أقوالًا لا يمكن تفسيرها عمليًا إلا في ضوء المكتشفات العلمية الحديثة في عالم العناصر والذرات المكونة لها.
قال بطرس الرسول: "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط3: 10). وقال أيضًا: "تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب".
إن انحلال العناصر واحتراقها بضجيج هو أمر غير ممكن إلا عن طريق انشطار نواة الذرة للعنصر وهو الأمر الذي لا يتحقق إلاّ في التفجيرات والتفاعلات النووية وهو ما لم يكن ممكنًا في عصر بطرس الرسول.
كذلك فإن احتراق العناصر لم يكن أمرًا ممكنًا في عصر القديس بطرس الرسول. كيف يحترق الحديد أو ينحل؟ كيف يحترق الذهب أو ينحل؟ كيف يحترق الكالسيوم أو ينحل؟ وكيف تحترق الأحجار والصخور وكيف تنحل؟.. كل ذلك من الممكن أن يحدث بواسطة التفجيرات النووية التي تنحل بواسطتها العناصر محترقة وينتج عن ذلك ضجيج هائل مدوي وطاقة حرارية وإشعاعات مروعة حينما قال القديس بطرس عن الأجرام السماوية إنها سوف تنحل بضجيج ملتهبة فإن الروح القدس هو الذي أوحى إليه بهذه الكلمات التي لا تناسب على الإطلاق عصره البسيط.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
30 أغسطس 2019
العلامات التي تسبق المجيء الثاني
سوف نعرض لسبع علامات بارزة تسبق المجيء الثاني للسيد المسيح، ثم نأتي بعد ذلك إلى أحداث المجيء الثاني نفسها؛ وهي تتضمن أيضًا علامات أخرى تصاحب هذا المجيء وتميزه عن أي مجيء آخر مزعوم مثل ما يدّعيه الأدفنتست وشهود يهوه. ومن العلامات التي تسبق المجيء الثاني ما يلي:
أولًا: انتشار الإنجيل في كل العالم
قال السيد المسيح: "ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتي المنتهي" (مت24: 14). ونستطيع أن نقول إن هذا قد تحقق في قارات العالم، ولنا الآن كنائس في أفريقيا وفي أمريكا الجنوبية وكل أنحاء أستراليا إلى جوار الكنائس المنتشرة في باقي أنحاء العالم، وإلى جوار الكنائس الشقيقة القديمة والكنائس التي انتشرت قبل عصر الانشقاق مثل كنائس أوروبا وآسيا وغيرها.
ومما يسعدنا أن قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث قد اهتم جدًا بكل كنائس القارات الجديدة. يُضاف إلى ذلك أن الإنجيل قد طُبع حاليًا بما يزيد عن 15..لغة من لغات العالم، ولم يعد هناك إنسان لا يمكنه قراءة الكتاب المقدس- خاصة العهد الجديد- بلغته الخاصة أو على الأقل أن يستمع إلى من يقرأه له إن كان لا يعرف القراءة ومن الأمور الجميلة أيضًا أن طقوس الكنيسة القبطية قد تُرجمت إلى لغات عديدة حتى لغات الكوسا والزولو في أفريقيا. وبلا شك إلى لغات الشعوب التي توجد فيها لنا كنائس مثل بحر الكاريبي وغيرها. هذا إلى جوار أن الكنائس التي أسستها الكنيسة القبطية قديمًا في أفريقيا في إريتريا والحبشة قد استخدمت اللغة التجرينية ولغة الجيئز إلى جوار اللغة الأمهرية يضاف إلى ذلك أن كتابات قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث قد تُرجمت إلى كثير من لغات العالم المعاصر مثلما تُرجمت كتابات الآباء الأولين أمثال القديسين أثناسيوس الرسولي وكيرلس عامود الدين وتحقق في انتشار الإنجيل بهذه الصورة كلام السيد المسيح الذي أشرنا إليه وتحققت النبوة الواردة في سفر المزامير والتي ذكرها معلمنا بولس الرسول: "إلى جميع الأرض خرج صوتهم وإلى أقاصي المسكونة أقوالهم" (رو10: 18). ولكن هناك علامات أخرى وردت في كتاب العهد الجديد لا يمكننا أن نقول إنها تحققت بعد، لذلك نستكمل باقي العلامات التي تسبق المجيء الثاني.
ثانيًا: إيمان اليهود
لقد رفضت الأمة اليهودية -من الناحية الرسمية- السيد المسيح وأسلمته إلى الرومان مطالبة بصلبه. لذلك قال القديس يوحنا الإنجيلي "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله" (يو1: 11)وقال اليهود وقت صدور الحكم على السيد المسيح بالصلب: "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 27: 25). استمرت أجيال الأمة اليهودية تتحمل وزر صلبالسيد المسيح إلى يومنا هذا. وزادوا في غيّهم وشرّدوا سكان الأراضي المقدسة من ديارهم، سفكوا دماءً كثيرة ومازالوا يصارعون من أجل مملكة أرضية رفضها السيد المسيح ومن أجل هيكل قال عنه السيد المسيح إنه لا يترك فيه "حجر على حجر لا ينقض" (مت24: 2، مر13: 2، لو21: 6) إنهم يبكون عند حائط المبكى (وهو من بقايا سور هيرودس) لا على خطية صلبهم للسيد المسيح، ولكن على مجدهم الذي فقدوه.ولم يكتشفوا أن غضب الرب عليهم وهدم الهيكل وتشريدهم في الأرضقرابة ألفى عام، وتوقفهم عن تقديم الذبائح كان بسبب نهاية العهد القديم ولسبب صلبهم للسيد المسيح وهو الذبيحة الحقيقية التي أبطلت كل الذبائح القديمة ليتهم يتوبون فيكفوا عن الصراع وسفك الدماء ويرجعوا إلى الرب ويعترفوا بالمسيح ملكًا سمائيًا وبصليبه عرشًا مقدسًا لخلاصهم، وبمذبح العهد الجديد وبذبيحة الخبز والخمر على طقس ملكي صادق مذبحًا للرب في وسط أرض مصر وفي كل أنحاء العالم إن إيمان اليهود سيحل كثيرًا من المشاكل الدينية والسياسية الناشئة عن رفضهم الاعتراف بيسوع أنه هو المسيح. ولنا في شهادة الكتب المقدسة في العهدين القديم والجديد ما يوضح أنهم سوف يؤمنون قبل نهاية العالم في نبوة هوشع النبي يقول: "لأن بني إسرائيل سيقعدون أيامًا كثيرة بلا ملك وبلا رئيس وبلا ذبيحة.. بعد ذلك يعودبنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام" (هو3: 4، 5). والمقصود بداود هو المسيح لأن داود كان قد مات وقتما كتب هوشع نبوته وفي رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل رومية يقول "فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا هذا السر، لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء. أن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل مِلؤُ الأمم. وهكذا سيخلص جميعإسرائيل" (رو11: 25، 26).
ثالثًا: النهضة الروحية
أشار القديس بولس الرسول إلى النهضة الروحية التي ستصاحب توبة اليهود وإيمانهم بالمسيح وانتهاء النزاعات بينهم وبين الآخرين فقال: "إن كان رفضهم هو مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات" (رو11: 15) ما هذه الحياة من الأموات التي ستصاحب إيمان اليهود إلا نهضة روحية تعم العالم المسيحي وتدعو الجميع إلىالتوبة. والقديس بولس يقصد هنا أن رفض اليهود للمسيح قد أدى إلى اتجاه الرسل إلى الكرازة بالإنجيل للأمم الذين كان لا علاقة لهم بإبراهيم وإسحق ويعقوب وفي هذا خير كبير للأمم فكم بالحري يكون قبولهم للمسيح إلا مزيد من الخير لهذه الأمم.
رابعًا: ظهور الوحش
في الأيام الأخيرة سيُحَل الشيطان من سجنه كقول الكتاب "ثم متى تمت الألف السنة يُحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض" (رؤ20: 7، 8). وكان الشيطان قد تم تقييده حينما صنع السيد المسيح الفداء لمدة ألف سنة. ورقم ألف سنة يشير إلى زمن طويل وليس إلى حرفية الرقم لأن الفداء قد تم منذ ما يقرب من ألفى سنة. وقد ذكر الكتاب تقييد الشيطان كما يلي: "ورأيت ملاكًا نازلًا من السماء معه مفتاح الهاوية، وسلسلة عظيمة على يده. فقبض على التنين، الحية القديمة، الذي هو إبليس والشيطان، وقيده ألف سنة، وطرحه فيالهاوية وأغلق عليه، وختم عليه لكي لا يضل الأمم في ما بعد، حتى تتم الألف السنة. وبعد ذلك لابد أن يُحل زمانًا يسيرًا" (رؤ20: 1-3) عن هذه الفترة القصيرة التي سيُحَل فيها الشيطان من سجنه قبل نهاية العالم قيل في الكتاب "ويل لساكني الأرضوالبحر، لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم، عالمًا أن له زمانًا قليلًا" (رؤ12: 12) معنى ذلك أنه قبل نهاية العالم بفترة قصيرة نسبيًا سوف ينال الشيطان قدرة على فعل الضلال بصورة أقوى بكثير من سابقتها، بعد أن قيده السيد المسيح بعملية الفداء. وأبرز ما ذكره الكتاب من حيل الضلال التي سوف يأتي بهاالشيطان هو ظهور الوحش الذي هو إنسان، سوف يكون مجيئه بعمل الشيطان ومعه قدرات كبيرة لصنع معجزات كاذبة مدّعيًا أنه هو الإله الحقيقي والمسيح الحقيقي الذي انتظر اليهود مجيئه من قبل. وهنا يبدأ عصر الارتداد مع أناس غير الذين آمنوا ونالوا الخلاص حسب قول معلمنا بولس الرسول: "وهكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو11: 26) أما مرحلة الارتداد التي تسبق مجيء السيد المسيح فقال عنها: "لا يأتي (يقصد المسيح) إن لم يأتِ الارتداد أولًا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا، حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله.. الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم، في الهالكين، لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيُرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يصدِّقوا الكذب، لكي يدان جميع الذين لم يصدّقوا الحق بل سُرّوا بالإثم" (2تس2: 3، 4، 9-12) هذا الوحش هو إنسان ولكن سوف يكون مؤيدًا بقوة الشيطان،والدليل على أنه إنسان هو قول الكتاب "هنا الحكمة من له فهم فليحسب عدد الوحش، فإنه عدد إنسان، وعدده: ستمئةٍ وستةٌ وستون" (رؤ13: 18) في اللغة العربية مثلًا عندما نحسب عدد اسم إنسان فإننا نرتب الحروف على طريقة أ ب ج د ه وز ح ط ى ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت.." فالحرف "أ" يقابله رقم (1)، والحرف "ب" يقابله رقم (2)، وهكذا إلى الحرف "ى" يقابله رقم (10)، ومن بعده مباشرة الحرف "ك" يقابله رقم (20)، وهكذا إلى الحرف "ق" يقابله الرقم (100)، ومن بعده مباشرة الحرف "ر" يقابله الرقم (200) وهكذا وفي اللغة اليونانية تتبع نفس الطريقة للأبجدية اليونانية: ألفا، بيتا، جاما (غما)، دلتا.. الخ. وفي اللغة العبرية تستخدم طريقة مشابهة، وهكذا يتم حساب أرقام الحروف المكوِّنة للاسم ويتم جمعها لحساب عدد كل إنسان. وعدد الوحش هو 666 (انظر رؤ13: 18). ويمكننا أن نتأكد من شخصيته عندما يظهر بحساب رقم اسمه في ذلك الحين.
خامسًا: الارتداد العام
نتيجة ظهور الوحش والعجائب التي سيجريها بقوة الشيطان فإنه سيضل الساكنين على الأرض حتى يصدقوا أنه هو المسيح "ويصنع آيات عظيمة، حتى إنه يجعل نارًا تنزل من السماء على الأرض قدام الناس، ويضل الساكنين علىالأرض بالآيات التي أعطى أن يصنعها" (رؤ13: 13، 14) لهذا قال السيد المسيح محذرًا: "إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا" (مت24: 23) ولكن للأسف سيتبع كثيرون تهلكات الوحش، ويعبدونه كما هو مكتوب "وأعطى أن يعطى روحًا لصورة الوحش، حتى تتكلم صورة الوحش، ويجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يُقتلون. ويجعل الجميع: الصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد، تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم، وأن لا يقدر أحد أن يشترى أو يبيع، إلا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه" (رؤ13: 15-17). عدد اسم الوحش هو 666 كما ذكرنا وهو يشير إلى رقم ستة ثلاث مرات، ورقم ستة هو سبعة ناقص واحد أي ما ينقص عن الراحة. أما عدد ثمانية فهو سبعة زائد واحد أي ما يزيد على الراحة. لهذا فإن رقم ثمانية يرمز إلى السيد المسيح وقيامته وعهده الجديد. ويرمز إلى يوم الأحد أي يوم الرب في بداية الأسبوع الجديد.
فالوحش يعمل ضد الثالوث القدوس لكي يحرم الناس من الأبدية. أما السيد المسيح فيعمل بقوة الثالوث القدوس أي بقوته مع أبيه الصالح والروح القدس لكي يمنح الناس الأبدية. لذلك يرمز البعض إلى اسم السيد المسيح برقم 888 في فترة الارتداد العام سيحدث اضطهاد عظيم على الكنيسة، أي على كل جماعة القديسين، ويقتل الوحش كثيرين منهم. ويرسل الله النبيين أخنوخ وإيليا لمساعدة الكنيسة في صراعها ضد الوحش.
سادسًا: عودة أخنوخ وإيليا إلى الأرض
جاء ذلك في سفر الرؤيا إذ قال الرب: "وسأعطى لشاهديَّ فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان أن يُغلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا في أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يحولاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا. ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما. وتكون جثتاهما على شارع المدينة العظيمة التي تدعى روحيًا سدوم ومصر حيث صلب ربنا أيضًا" (رؤ11: 3-8) من المنطقي طبعًا أن يكون بقاء أخنوخ وإيليا في السماء أحياء حتى الآن هو لغرض الشهادة للمسيح في مرحلة حساسة من تاريخ الكنيسة. ومن المنطقي أن ينالا إكليل الشهادة لأنه قد "وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (عب9: 27). ومن الطبيعي أن تتحقق نبوة ملاخي النبي الذي كتب قول الرب: "هأنذا أرسل إليكم إيلياالنبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف" (ملا4: 5) فكما جاء يوحنا المعمدان متقدمًا أمام الرب في مجيئه الأول بروح إيليا وقوته ثم صار شهيدًا للحق، هكذا سيأتي إيليانفسه متقدمًا أمام الرب في مجيئه الثاني المهوب والمخوف ويصير شهيدًا مع أخنوخ لم يكن يوحنا المعمدان هو إيليا شخصيًا بل يرمز إلى إيليا وقد جاء بنفس القوة الروحية التي لإيليا ونفس الأسلوب أما إيليا نفسه فقد ظهر مع السيد المسيح في مجد على جبل التجلي مع موسى النبي وكانا يكلمانه عن الخلاص الذي كان عتيدًا أن يصنعه في أورشليم ولو كان يوحنا المعمدان هو نفسه إيليا في تجسد جديد كما يدّعى أصحاب بدعة "عودة التجسد" Reincarnationلظهر يوحنا المعمدان على جبل التجلي وليس إيليا على اعتبار أنه هو آخر صورة يكون قد تجسد فيها. ولكن المسيحية المستقيمة الرأي ترفض هذه البدعة تمامًا.
سابعًا: الضيق العظيم
سأل التلاميذ السيد المسيح على انفراد قائلين: "قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟" (مت24: 3). فأجابهم السيد المسيح قائلًا لهم: "انظروا. لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح! ويضلون كثيرين. وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. انظروا لا ترتاعوا. لأنه لابد أن تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهي بعد. لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن. ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع" (مت24: 4-8).
إن مقدمات نهاية العالم هذه التي تكلّم عنها السيد المسيح ولقّبها بلقب "مبتدأ الأوجاع"لا تنطبق على مرحلة ظهور الوحش الذي سيدّعى أيضًا أنه هو المسيح ويضل غالبية العالم في موجة الارتداد العام التي قال عنها بولس الرسول"لا يأتي (يقصد السيد المسيح) إن لم يأت الارتداد أولًا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك" (2تس2: 3) في مبتدأ الأوجاع سوف يظهر أنبياء كذبة ناسبين إلى أنفسهم اسم المسيح، وسوف تحدث اضطهادات على الكنيسةولكن ليس المنتهي بعد كذلك الحروب والزلازل والأوبئة لا تعني أن نهاية العالم قد أتت لأن النهاية لها مواصفات أخرى تحدّث عنها السيد المسيح وسوف تظهر هذه الأمور بعد تحقق المراحل الخمسة السابقة التي تحدثنا عنها. أما المرحلة السادسة فهي ضمن الأحداث التي تصاحب نهاية العالم أثناء الضيق العظيم الضيق العظيم قال عنه السيد المسيح: "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (مت24: 21) وأكمل السيد المسيح كلامه قائلًا: "ولو لم تقصّر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين تقصّر تلك الأيام" (مت24: 22) إذن من مواصفات المرحلة الأخيرة التي تسبق مجيء السيد المسيح أن الضيق الذي فيها لا يشابه ما سبق من ضيقات. فمثلًا عبرت على الكنيسة ضيقات شديدة في العصر الرسولي وما بعده، واضطهد اليهود ومن بعدهم الأباطرة الوثنيون الآباء الرسل ومن جاءوا بعدهم حتى سال الدم أنهارًا في عصور الاستشهاد في أنحاء كثيرة من العالم مثل مصر وأورشليم وأنطاكية وروما وأرمينيا والهند. في تلك الآونة استشهد مارجرجس والقديس مرقوريوس والقديسة دميانة مع راهباتها الأربعين والقديس مارمينا والقديسة كاترينا والقديس أبانوب وكثير منالقديسين والقديسات ومن قبلهم القديس اسطفانوس وأحد عشر رسولًا والقديس بولس الرسول.. كان المسيحيون أحيانًا يُساقون إلى ساحات الاستشهاد ليكونوا طعامًا للأسود الجائعة ويعذَّبون بالحديد المحمى في النار وسائر أنواع العذاب التي تقشعر لها الأبدان وسوف تتكرر هذه الأمور قبل نهاية العالم، ولكن كل هذا وذاك لا يُقارن بالضيق العظيم الذي تكلم عنه السيد المسيح والذي لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إن الوحش حينما يأتي لن يستطيع أحد أن يقهر سلطانه المدمر إلا بظهور السيد المسيح نفسه مثبتًا بهذا أن الشيطانحينما ينال حريته ويُحَل من سجنه فلن يتراجع عن شروره المريعة، بل سوف يتزايد في عداوته للكنيسة. وسوف تعاين الخليقة العاقلة كلها جسامة وخطورة أن يُحَل الشيطان من سجنه لأنه لا يمكن أن يتوب لا بالسجن ولا بالحرية. هو شر لا يُضبَط إلا بالدينونة الأبدية. ولذلك فسوف تصرخ الخليقة كلها قائلة للرب الحاكم العادل "عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين" (رؤ15: 3). لن يوجد فيما بعد من يتعاطف مع الشيطان مثل أوريجانوس ويقول أن الشيطان من الممكن أن يخلص لأن هذا منتهي الضلال. بل سوف تردد الأبدية أصداء هذه الأنشودة أن الرب عادل هو، وأن "العدل والحق قاعدة كرسيك" (مز89: 14). وبذلك يصبح الجو مهيئًا لاستعلان الدينونة الأبديةوانقضاء الدهر إن شهود يهوه والسبتيين يستكثرون على الرب مثل أوريجانوس أن يحكم بالعذاب الأبدي على الأشرار. ولكن الرب يكون قد فعل أكثر مما يمكن أن نفتكر في طول أناته على الشيطان وجنوده وكل من له شركة معه في الظلمة لا يوجد حل للشر إلا أن يلقى في الظلمة الخارجية والدينونة الأبدية في جهنم. ولا يمكن إبطال شر الوحش ومن يقويه إلا بظهور مخلصنا يسوع المسيح سوف يعرف الجميع أنه بدون المسيح لا يمكن أن يخلص جسد "لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد" (مت24: 22) لهذا قال معلمنا بولس الرسول إن الرب سوف يأتي ليبيد شر الوحش "الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه. الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم، في الهالكين" (2تس2: 8-10). لقد وعد الرب وقال: "لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ" (1كو10: 13).
فلا ينبغي أن نفزع من الحديث عن نهاية العالم لأن هناك علامات لم تتحقق بعد سوف تسبق الضيق العظيم. وحتى أحباء الرب الذين سوف يعايشون الأيام الأخيرة، لاشك أن الرب سوف يؤازرهم لكي لا يهلك المختارون. لأن الرب وعد وقال عن خرافه: "أنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي" (يو10: 28)علينا فقط أن نحيا في التوبة والاستعداد طالبين سرعة مجيئه، حتى ولو كان المنتهي لم يأتِ بعد ولكن هناك أشواقًا في قلوب القديسين نحو استعلان ملكوت السماوات. وهذا الاشتياق موجود في قلوب حتى الذين رقدوا على رجاء القيامة.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
28 أغسطس 2019
الكنيسة والاستعداد للمجيء الثاني
تهتم الكنيسة المقدسة جدًا بالاستعداد للمجيء الثاني للسيد المسيح. لذلك نردد في ختام قانون الإيمان المسيحيالعبارة التالية: (وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين) وذلك تحقيقًا للوصية الرسولية "منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب" (2بط 3: 12). وكذلك للتعليم الرسولي "وتنتظروا ابنه من السماء الذي أقامه من الأموات يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي" (1تس1: 10). وقول معلمنا بولس الرسول "السماوات التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح. الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى3: 20، 21). وكذلك قوله: "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح" (1تس5: 23).
كذلك رتبت الكنيسة في القداس الإلهي أن يصلى الكاهن عند تقديس القرابين قائلًا: (فيما نحن أيضًا نصنع ذكرى آلامه المقدسة وقيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات وجلوسه عن يمينك أيها الآب وظهوره الثاني الآتي من السماوات المخوف المملوء مجدًا نقرب لك قرابينك من الذي لك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال) وقد يتساءل البعض: كيف نصنع ذكرى ظهوره الثاني الآتي من السماوات المخوف المملوء مجدًا؟ وهل يمكن أن نصنع ذكرى شيء لم يحدث إلى الآن؟!إن حضور السيد المسيح على المذبح في سر القربان المقدس يحمل معه كل معاني التجسد والصلب والقيامة والمجيء الثاني. إن جسده الكائن على المذبح هو نفسه الذي ولد من العذراء والذي صلب من أجلنا وقام وصعد إلىالسماوات وهو نفسه الذي سيأتي في ظهوره الثاني. ومن يتناول منه فإنه ينال عربون الحياة الأبدية (يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه). ولذلك فنحن كما نعيش ذكرى الصليب والقيامة فإننا نعيش ذكرى المجيء الثاني ونستعد بكل قلوبنا لهذا المجيء الآتي من السماوات المخوف المملوء مجدًاإننا حينما نصنع تذكار موت المسيح فإننا نصنع أيضًا تذكار مجيئه الثاني. ونردد كل يوم في تسبحة نصف الليل السابقة للقداس (عند ظهورك الثاني المخوف؛ لا نسمع برعدة إنني لست أعرفكم) لذلك يقول معلمنا بولس الرسول:"لأنني تسلّمت من الرب ما سلمتكم أيضًا إن الرب يسوع في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزًا، وشكر فكسر وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكرى. كذلك الكأس أيضًا بعد ما تعشوا قائلًا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى. فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" (1كو11: 23-26)أي أننا نصنع تذكار موت الرب على الصليب إلى أن يجيء. فالتذكار هو لموته وقيامته والانتظار هو لمجيئه الثاني. وقد ربط الرسول بولس بهذه العبارة بين الإخبار بموت الرب وانتظار مجيئه إن حضور السيد المسيح على المذبح يذكرنا بموته ويذكرنا أيضًا بمجيئه الثاني،كما أننا حينما نستعد للتناول بالتوبة والاعتراف فإننا نستعد للحياة الأبدية. أي أنالاستعداد للتناول من جسد الرب ودمه هو استعداد لمجيء المسيح وعربون للحياة الأبدية وتذوق لها. ألسنا نشترك في جسد الرب المقام من الأموات؟!
كيفية الاستعداد
إننى أتعجّب ممن يتكلمون عن الاستعداد لمجيء الرب بعيدًا عن أسرار الكنيسة المقدسة كيف ينال الإنسان قوة الاتحاد بالمسيح والثبات فيه بدون التناول من جسده الحقيقي ودمه الحقيقي وكيف ينال الإنسان قوة الاتحاد بالمسيح في مجيئه الثاني دون أن يقترب من المائدة متذكرًا إنها عربون للميراث الأبدي ومائدة المسيح الأبدية كثيرون يتكلمون عن الخلاص ولا خلاص إلا بدم المسيح. وأين نجد هذا الدم إلا في الكأس كما قال هو بنفسه "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى" (لو22: 20، 1كو11: 25). لقد جعل السيد المسيح الكأس الحاوية لدمه هي العهد الجديد وليس الدم بدون الكأس. لأن الكأس هو الوسيلة التي تجعل دمه -الذي للعهد الجديد والذي سفك علىالصليب- حاضرًا ومتاحًا وفاعلًا في حياتنا من خلال سر الافخارستيا إننا كلما نحضر القداس الإلهي نستعد لمجيء الرب لأنه بالفعل يحضر وسطنا سرائريًا.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
26 أغسطس 2019
أحاديث السيد المسيح عن المجئ الثاني
تحدث السيد المسيح عن مجيئه الثاني في مواضع عديدة من الكتاب المقدس سواء بحديث شخصي مباشر أو عن طريق أنبيائه ورسله القديسين.فموضوع المجيء الثاني هو من أهم المواضيع التي تكلّم عنها السيد المسيح. ولا نقصد موعد المجيء الثاني على وجه التحديد، وإنما ما يعنيه هذا المجيء، وما يقترن به، وما يؤدى إليه، وأيضًا ما هي العلامات التي تسبق هذا المجيء. وتأثير ذلك كله في حياة الكنيسة كجماعة المؤمنين الذين ينتظرون قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي.
جعت فأطعمتموني
نشير هنا إلى كلمات السيد المسيح عن مسألة سوف تشغله هو شخصيًا في يوم الدينونة الرهيب.
قال السيد المسيح: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخرافعن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.. ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته.لأني جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تسقوني، كنت غريبًا فلم تأووني، عريانًا فلم تكسوني، مريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني.. الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا. فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 31-34، 41-43، 45، 46).والشيء الملاحظ هنا كما يقول قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث أن السيد المسيح حينما يجلس على كرسي الدينونة سوف يحاسب الناس أولًا عن أعمال الحب والرحمة التي مارسوها تنفيذًا لوصية "تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39) مسألة شرط الإيمان والمعمودية للدخول إلى الملكوت ذكرها السيد المسيح في أحاديث أخرى وهي مسألة مفهومة يدركها كل إنسان مسيحي لأن "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو3: 36).
في حديث السيد المسيحعن يوم الدينونة ركّز على تجاهل الأشرار لجوع المساكين وغيرهم معتبرًا أن ما نفعله بأحد إخوته الأصاغر فبه قد فعلنا ربما يُطمئِن الإنسان نفسه بأنه قد نال العماد المقدس ويمارس التوبة والاعتراف ويحفظ الأصوام، ويحرص على التناول وينتظم في حضور الكنيسة، وله العديد من الأنشطة في خدمة الكنيسة. ولكن الموقف الرهيب هو أن كل هذه الأمور لن تعفيه من سؤال الرب عن تنفيذ وصية المحبة "تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39) ينبغي أن يواجه الإنسان نفسه على حقيقتها. هل هو متعاطف مع ذاته؟ هل يفضّل نفسه على غيره؟ هل يكتفي بأنه مرتاح ويتجاهل معاناة الآخرين؟
إن الله قادر أن يشبع الجائع وأن يروى العطشان وأن يكسو العريان وأن يشفى المريض ويطلق المحبوس.. ولكنه يضع هذه الأمور في طريقنا لاختبار محبتنا. لأن "من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجًا وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه؟" (1يو3: 17).
الحب والعطاء للكل
وربما يُطمئن الإنسان نفسه بأن له نشاط متسع في خدمة المحتاجين. ولكن السيد المسيح يقول: "ما فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم". أي أن إهمال فقير واحد فقط يحزن قلب السيد المسيح.
الذي يخطئ في حق إنسان واحد فكأنه قد أخطأ في حق البشرية كلها، لهذا قال السيد المسيح: "أحد هؤلاء الأصاغر". واحد فقط من المساكين تجاهلناه سوف نعطى عنه حسابًا في اليوم الأخيرأليس لهذا الإنسان الواحد مشاعر؟ أليست كل دنياه هي واقعه وآلامه ومعاناته هو شخصيًا؟
إن من يضع نفسه في مكان المسكين والبائس يستطيع أن يدرك أن التاريخ والعالم والوجود كله سيقف أمام حالة واحدة. ألم يقل الكتاب "من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرمًا في الكل" (يع2:10) فما بالك بمن أهمل كثيرًا من الفقراء والأرامل والأيتام. وما بالك بمن يظلمهم أو يسلب حقوقهم ويصرخون عليه أمام الرب ما أكثر الإنذارات التي وجهها الله إلى شعبه في القديم لئلا يسلبوا حق اليتيم والأرملة وحق الكادح،وكذلك الإنذارات التي وجهها في العهد الجديد حول نفس هذه الأمور مثل قول يعقوب الرسول للأغنياء "هلم الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة. غناكم قد تهرأ، وثيابكم قد أكلها العث. ذهبكم وفضتكم قد صدئا، وصدأهما يكون شهادة عليكم، ويأكل لحومكم كنار، قد كنزتم في الأيام الأخيرة. هوذا أجرة الفعلة الذين حصدوا حقولكم المبخوسة منكم تصرخ، وصياح الحصادين قد دخل إلى أذني رب الجنود" (يع5: 1-4) لهذا ينبغي أن نراجع أنفسنا قبل فوات الأوان.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
24 أغسطس 2019
المجيء الثاني من منظور روحي
القيامة حقيقة حتمية
هناك أمور يجب على كل مؤمن أن يعرفها، وهي أسرار معلنة للمؤمنين لكي يتعزّوا بها. فأولًا لابد أن نعرف أن القيامة حقيقة حتمية "إن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم" (1كو15: 13، 14). فلابد أن يقام الأموات عديمي فساد، وأن يلبس هذا الجسد الفاسد عدم فساد، وهذا المائت عدم موت فإنه لا يمكن أن يدخل هذا الجسد الذي يمرض ويتحلل ويتعفن إلى ملكوت السماوات. إذ لابد أن تتغير طبيعته أولًا. وقوة هذا التغير تكمن في تناول جسد الرب ودمه. وقد قال السيد المسيح في ذلك: "من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير لأن جسدي مأكل حق ودمى مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو6: 54-56). وكذلك نقول في القداس الإلهي: (يعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه) ففي القيامة يلبس الفاسد عدم فساد. ونحن عندما نموت يتم فينا حكم الموت، ولكن لابد أن تتم فينا طبيعة القيامة التي وهبها الرب لنا بخلاصه وفدائه العظيم.
المسيح لن يأتي ليملك على الأرض في مجيئه الثاني
يقول معلمنا بولس الرسول: "لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير" (1كو15: 51). ففي مجيء السيد المسيح الثاني يقوم الأموات من القبور أولًا. ثم يتغير الأحياء، وبعد ذلك يختطف الجميع لملاقاة الرب في الهواء.
هناك بعض الأشخاص يعتقدون أن السيد المسيح في مجيئه الثاني سوف يأتي أولًا على الأرض ويملك ألف سنة. فهؤلاء الأشخاص يحبون الأرض ولا يريدون أن يتركوها، وذلك لأن الأرض مازالت مرتبطة بمشاعرهم، وذلك بالرغم من ادعائهم الإيمان بالسيد المسيح. أما شهادة الكتاب المقدس فهي: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس4: 16، 17).
فالسيد المسيح في مجيئه الثاني لن يأتي ليملك على الأرض. بل سوف يختطفنا جميعًا لملاقاته في الهواء. والأموات في المسيح سيقومون أولًا، لأنهم أكملوا جهادهم قبلنا. ولأنهم سبقونا في حياة الروح والجهاد، ووصلوا قبلنا إلى فردوس النعيم.
ولئلا يخاف الناس من الموت ويطلبوا أن يظلوا أحياء لكي يتغيروا وهم أحياء، فقد رسم الرب أن يقام الأموات أولًا عديمي فساد ثم يتغير الأحياء بعد ذلك. لكي يتشوق الإنسان أن ينطلق من هذا العالم، ويقول مع معلمنا بولس الرسول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23).
ما هي الصورة التي يقُام بها الأموات؟
هناك من يسأل ما هي الصورة التي يُقام بها الأموات؟ لأن الميت عندما يوضع في التراب ويتحلل ويصبح ترابًا وسمادًا، وتُزرع زروع وتتغذى على السماد، ويطلع زرع، ويُؤكل ويذهب في المصارف والترع، وعظامه تتحلل وينتهي، ولا يبقى له أثر. فهل من الممكن أن تتم إقامة هذا التراب بعد آلاف السنين، وبعد هذا التوزيع!!
وقد رد معلمنا بولس الرسول على هذه المشكلة وقال: "لكن يقول قائل كيف يقام الأموات وبأي جسم يأتون؟ يا غبي الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت" (1كو15: 35، 36). فعندما تتم زراعة شجرة، لا تُزرع الشجرة كاملة. ولكن تُزرع بذرة صغيرة، وهذه البذرة الصغيرة تحمل طبيعة الشجرة الكبيرة. هذه البذرة الصغيرة تصير شجرة، ويخرج منها أيضًا ثمر يحمل بذورًا مثل البذور التي تمت زراعتها أولًا.. فإن كانت هذه الشجرة شجرة تفاح مثلًا، فإن البذور تكون بذور تفاح أيضًا. لأن بها نفس صفات الشجرة الأصلية.
فإن كنا نستطيع أن نزرع بذرة صغيرة، لكي تخرج لنا شجرة كبيرة بقدرة الله، فمن الممكن أيضًا بقدرة الله أن أي رماد أو بقايا صغيرة من أثر هذا الجسم ينتج عنه الجسم الأصلي كله. وبصورة مشابهة لما يحدث عند زرع بذور النبات في الأرض. فإن "الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت" (1كو15: 36). فتوضع البذرة في الأرض وتشرب الماء ثم ينفجر غلافها الخارجي وتفقد خصائصها كبذرة، ثم تُخرج جذرًا ثم ساقًا إلى أعلى. والبذرة نفسها تتضاءل حتى تذبل وتنتهي، ولا يبقى غير الساق والجذر، وتبدأ تخرج شجرة جديدة، فالبذرة نفسها تكون قد اندثرت وتحولت إلى شيء آخر.
قال السيد المسيح: "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير" (يو12: 24). وكذلك يقول معلمنا بولس الرسول: "والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي" (1كو15: 37). الحنطة هي البذرة، وأحد البواقي هي أنواع من الشجر التي يؤخذ منها جزء من الفرع ويزرع في الأرض ليخرج شجرة أخرى. "ولكن الله يعطيها جسمًا كما أراد.. هكذا أيضًا قيامة الأموات. يُزرع في فساد ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان ويُقام في مجد. يُزرع في ضعف ويُقام في قوة. يُزرع جسمًا حيوانيًا ويُقام جسمًا روحانيًا.. هكذا مكتوب أيضًا. صار آدم الإنسان الأول نفسًا حية وآدم الأخير روحًا محييًا" (1كو15: 38-45).
القديسون لا يهتمون بأجسادهم بعد الموت
كان القديسون لا يهتمون بأجسادهم بعد الموت، وذلك لعلمهم أن الله قادر أن يقيمهم ويحيى من يشاء. فالقديس الأنبا أرسانيوس عندما جاء وقت نياحته قال لتلاميذه ألا يكفّنوا جسده أو يدفنوه وإنما يربطوه في حبل ويجرّوه ويتركوه طعامًا للوحوش على الجبل. وذلك لكي يوضِّح لهم مدى اهتمامه بالروح وليس بالجسد. كما أنه يؤمن أن الجسد الذي يموت في هوان سوف يقام في مجد كقول الكتاب.
لماذا نكرّم أجساد القديسين؟
نحن نكرِّم أجساد القديسين لأن طبيعة القيامة تكمن فيهم. ولأنهم سوف يقومون في اليوم الأخير كقديسين في المسيح يسوع. فالبذرة تحمل طبيعة الشجرة، كما أن بقايا الجسد المائت تحمل قوة القيامة. وتوجد فيها طبيعة القداسة، ويكمن فيها نور السيد المسيح. فمع أنه جسم مات، لكنه مازال يحمل نفس الطبيعة والخصائص التي بها سوف يؤهل للقيامة بصورة جديدة ممجدة. لذلك نحن نكرِّم أجساد القديسين، ونحتفل بها، وندهنها بالأطياب.
الجسد ليس هدفًا يسعى القديسون لإرضائه
كان القديسون يضبطون أجسادهم، ولا يقيمون لرغبات الجسد المنحرفة أو الزائدة أي اعتبار. فقد كانوا لا ينظرون للجسد على أنه هدف يسعون لإرضائه أو إراحته أو إسعاده السعادة الوقتية الزائلة، إنما كان فرحهم وسعادتهم الحقيقية في أفراح الروح.. وفي تقديس الحياة للرب فقد كانوا يشكرون الله على عطاياه التي بها يقيتون أجسادهم. وكانوا يشكرون الله أيضًا على الهواء الذي يتنفسونه، والماء الذي يشربونه، وكذلك الأكل الذي يأكلونه. ويقول معلمنا بولس الرسول: "الذي يأكل فللرب يأكل لأنه يشكر الله. والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله.. لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن" (رو14: 6-8) فمن الممكن أن يقوت الإنسان جسده ويربيه. ولكن القديسين كانوا لا يسعون لإرضاء الجسد، بقدر ما كانوا يسعون لرفعة الروح، وسعادتها التي تدوم على الدوام وإلى الأبد.
سوف يتغير الأحياء في طرفة عين
في اليوم الأخير سوف يتغير الأحياء في لحظة، وفي طرفة عين. ويتحول جسد الموت والفساد والآلام إلى جسد القيامة. مثل جسد السيد المسيح القائم من الأموات، جسد غير قابل للآلام والفساد. جسد يتفق مع طبيعة الروح، جسد روحاني "كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضًا. وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو15: 48، 49). فالترابي هو آدم الأول، والسماوي هو آدم الأخير الذي هو الرب يسوع المسيح الذي نزل من السماء متجسدًا في أحشاء البتول مريم، وظهر في ملء الزمان لكي يهب الخلاص والحياة للعالم. ثم صعد إلى السماء بجسد القيامة في حالة ممجدة.
جسد القديسين قريب من جسد القيامة الممجد
في الجسد الروحاني، تغلب طبيعة الروح على طبيعة الجسد. فهو جسد لا تسيطر عليه غرائز شريرة، ولا شهوات رديئة. وكل ما يُسعد الروح يكون سبب سعادة وفرح له. فالقديسون في حياتهم يقتربون بأجسادهم من طبيعة جسد القيامة. فهم يظلون يتدرجون مع أنفسهم بقوة الروح القدس الساكن فيهم حتى تصبح أجسادهم أجسادًا روحانية قريبة من أجساد القيامة التي تقوم في اليوم الأخير.فمن أين أخذوا هذه الطبيعة التي هي طبيعة قريبة من طبيعة الروح؟ إنهم قد بدأوا يميتون أعمال الجسد بالروح ثم بدأت طبيعة الروح تسرى في أجسادهم فبدأت أجسادهم تكتسب طبيعة روحانية كعربون لجسد القيامة الكامل الممجد.
خرافي تسمع صوتي
أعطى السيد المسيح إنذارًا بقوله: "الحق الحق أقول لكم إنه تأتى ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يو5: 25). فالذين يسمعون صوت ابن الله هم الذين سمعوا صوته هنا على الأرض. "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني" (يو10: 27) فالإنسان الذي اعتاد على سماع كلام الله وإطاعة وصاياه، عندما يسمع صوت السيد المسيح في اليوم الأخير، سوف يقوم وينجذب نحوه. أما الإنسان الذي يكسر كلام الله، ويخالف وصاياه، ويعطيه القفا لا الوجه (انظر (أر 2: 27))، فإنه عندما يسمع صوت السيد المسيح في اليوم الأخير، سوف يخاف ويرتعب من مقابلة الله. وذلك لأنه كسر وصاياه، وعاش في الفساد بعيدًا عن الرب يقول معلمنا بولس الرسول: "فلا ننم إذًا كالباقين، بل لنسهر ونصحُ" (1تس5: 6). وكذلك يقول: "لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء. لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون. وأما أنتم أيها الأخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص" (1تس5: 2-4). وهذا هو الفرق بين أولاد الله وأولاد العالم بالنسبة لمجيء السيد المسيح.
يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء
"قال لهم يسوع: النور معكم زمانًا قليلًا بعد. فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام" (يو12: 35). يعيش أولاد الله في النور، حياتهم واضحة ومقدسة أمام الله. فعند مجيء السيد المسيح الثاني لن تكون مفاجأة بالنسبة لهم، لأنهم سوف يكونون في حالة استعداد ويقظة روحية. أما أولاد العالم وأولاد إبليس فسوف يجدهم الله غارقين في خطاياهم. لأنهم يقولون في أنفسهم لن يأتي المسيح أو لن تنتهي حياتنا فجأة، نعيش في خطايانا الآن ثم نتوب بعد ذلك. نتمتع الآن بالعالم بعيدًا عن الرب ثم نرجع بعد ذلك. وفي وسط هذه الظلمة وهذا الضياع يباغتهم فجأة ذلك اليوم (أي يوم الوفاة أو اليوم الأخير) كالمخاض للحبلى قال السيد المسيح: "كما كان في أيام نوح كذلك يكون أيضًا في أيام ابن الإنسان. كانوا يأكلون ويشربون ويزوّجون ويتزوّجون إلى اليوم الذي فيه دخل نوح الفلك وجاء الطوفان وأهلك الجميع.. هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهرابن الإنسان" (لو17: 26-30) يعيش الناس الآن بعيدين عن الله ويقولون ليس لدينا وقت لله: لدينا أشغالنا وأموالنا، وانشغالات عالمية كثيرة. فهؤلاء الأشخاص يتجاهلون وجود الله، ويهينونه في كل مناسبة صغيرة كانت أم كبيرة. وهناك أناس يجدّفون على الله ويتحدّونه، وآخرون ينكرون وجوده. وأناس آخرون غارقون في شرورهم وخطاياهم.. فكل هذه العينات من الناس يأتيها ذلك اليوم فجأة كالمخاض للحبلى فلا ينجون.
ما هو رجاء من يعيش بعيدًا عن الله؟
ما هو رجاء الإنسان الذي يعيش بعيدًا عن الله في هذه الحياة؟ إن كل إنسان يعلم أن هناك يومًا سوف ينتقل فيه من هذه الحياة ويوضع في القبر "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك3: 19). فماذا بعد الموت وبعد القبر؟ وماذا يكون حال الإنسان حين لا ينفع الندم ولا ينفع البكاء؟الإنسان في هذه الحالة سيطلب يومًا واحدًا يرجع فيه إلى الله ليتوب، فيُقال له قد أُعطيت الفرصة تلو الأخرى، لقد أُعطيت فرصًا كثيرة ولكن حتى لو أُعطيت فرصة جديدة فستضيعها أيضًا.. وذلك لأنك مغلوب من طبيعتك الفاسدة المحزنة. فكم من مرات يعاهد فيها الإنسان الله أن يرجع إليه ثم يعود إلى الخطية مرة أخرى. كما يقول الكتابعن الإنسان الخاطئ الذي لا يتوب توبة حقيقية "كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة" (2بط2: 22) لهذا ينبغي أن نتذكر قول الرسول: "جميعكم أبناء نور. وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة. فلا ننم إذًا كالباقين بل لنسهر ونصحُ. لأن الذين ينامون فبالليل ينامون والذين يسكرون فبالليل يسكرون وأما نحن الذين من نهار فلنصحُ لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص. لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح. الذي مات لأجلنا حتى إذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعًا معه" (1تس5: 5-10).
الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص
لماذا تقول أنا مرفوض من الله ولم تعد هناك أية فائدة مني. يقول معلمنا بولس الرسول: "لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح" فالله يقول لك أنا أعدَّك لكي تعيش معي.
يعطيك الله إمكانية حياة القداسة، والإمكانية الكاملة أن ترضيه في حياتك. فلماذا لا تستفيد من هذه الإمكانيات المعطاة لك وتيأس وتستسلم لليأس؟! فإن كان هناك من له إمكانيات الحرب، ومعه صواريخ ومدافع، وله جميع الإمكانيات التي يمكنه أن ينتصر بواسطتها، ومع ذلك يستسلم للعدو بكل سهولة. ويستسلم في خنوع وهو غير مصدِّق أن الأسلحة التي معه هي قادرة أن تعطيه النصرة، والغلبة في القتال. فإن هذا الإنسان يحتاج أن يصدِّق مواعيد الله، ويؤمن بعمله.. فهذا هو الإيمان الذي يستطيع أن ينقل الجبال؛ أي يستطيع أن ينقل جبال الخطية الجاثمة على قلوبنا وصدورنا كقول الرب "الحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك" (مت17: 20).
هذا هو الإنسان المسيحي الذي يستطيع أن ينقل جبل الخطية، ويقول له انطرح في بحر هذا العالم المتلاطم فينطرح ويصير هو حرًا من الشر والخطية.
سؤال: ما هو الاختطاف؟ وهل هو المجيء الثاني أو مجيء قبل الدينونة؟
الاختطاف Rapture سوف يحدث في المجيء الثاني للسيد المسيح، والذين سوف يختطفون لملاقاة الرب في الهواء (انظر 1تس4: 17) هم أولاد الله القديسون، والذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة. وأما الأشرار فيقال عنهم: "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض" (رؤ1: 7). "وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف" (رؤ6: 16). فهؤلاء الأشخاص سوف يكونون خجلين، ويفرُّون من وجه السيد المسيح لأنه عندما يأتي سوف يدين كل واحد بحسب أعماله سوف تُقام محكمة إلهية.. ومجرد منظر الرب الإلهي سوف يشيع الخوف في نفوس الأشرار، ويشيع فرحًا في نفوس الأبرار. وذلك مثل ما يحدث بالضبط عندما يصل مفتش أو مدير أو أي شخص له سلطة في مكان. فالذي عمل عملًا صالحًا سوف يكون فَرِحًا لأن المفتش سوف يعرف كيف تعب وكيف أنتج ويكافئه. وأما الذي عمل عملًا سيئًا فسوف يكون في هم وخوف.. وفي لحظة مجيء هذا المفتش من الممكن ألا يحتمل الوجود في مكان عمله ويحاول أن يهرب.الإنسان بمجرد أن ينظر إلى الرب القدوس: إن كان قد عاش نظير القدوس الذي دعاه فسيشتاق إليه ويجرى نحوه ويتعلق بأثره في حب واشتياق. وأما إن كان قد كسر وصاياه، ولم يرضهِ فسوف يهرب عريانًا ويخزى. فمجيء السيد المسيح الثاني سيختطف فيه الأموات عديمو الفساد، والأحياء المتغيرون أيضًا عديمو الفساد، لملاقاة الرب في الهواء وأما الأشرار فلن يستطيعوا أن يلتقوا بالرب القدوس.
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
23 أغسطس 2019
المجيء الثاني
قال السيد المسيح لتلاميذه ورسله قبل صعوده إلى السماء مباشرةً: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7) وكان ذلك إجابة على تساؤلاتهم بخصوص الأمور المختصة بالمنتهي.وقد أكّد السيد المسيح على هذه الحقيقة في تعاليمه. ولكننا للأسف نجد اليوم كثيرًا من الناس يحددون السنة التي سينتهي فيها العالم وذلك بخلاف تعاليم الرب.ليت الوعاظ يوجهون اهتمامهم إلى المناداة بالتوبة وحياة الاستعداد للموت، بدلًا من أن يشغلوا الناس بأمور لا تفيدهم عن نهاية العالم، وتكهنات تحتوى على كثير من المغالطات أو تجاهل حقائق أخرى مذكورة في الكتب المقدسة. كما أنها تتخطى علامات سبق الرب وحددها لتسبق مجيئه الثاني ولم تتحقق حتى الآن إننا نعرض للمجيء الثاني من الناحية الروحية والكتابية؛ وذلك بعيدًا عن تحديد الأزمنة. كما أننا نتكلم عن أجساد القيامة وطبيعتها وعن تكريم أجساد القديسين. وهي الأمور التي ينبغي أن نعرفها عن قيامة الأبرار وعن قيامة الأشرار عند مجيء الرب للدينونة في اليوم الأخير،ثم نتكلم عن علامات المجيء الثاني التي تسبق مجيء المسيح، وعن مقار الآخرة، وعن الموت الأول والثاني، والقيامة الأولى والثانية.ليت الرب يمنحنا أن نكون مستعدين لمجيئه المجيد، صانعين مرضاته كل حين .
نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد