المقالات

07 أغسطس 2023

العذراء فرح الأجيال عرض لأوصاف السيدة العذراء في ثيئوتوكية الأحد ( شیری نی ماریا )

اختار الله السيدة العذراء ليتجسد منهـا ، وهـو الـذي أعطاها هذه الكرامة ووشحها بهذا المجد ، والكنيسة فيما تكرم العذراء لا تأخذ مما الله وتعطيها ، وإنما تقدم للمسـيح عبـادة وللعذراء تكريما . ولا شك أن الكنيسة اهتمت بالأكثر بإعطاء العذراء مكانتها اللائقة بعد مجمع أفسـس ( 431 م ) ، ولكـن جميع أوصاف العذراء ورموزها والإشارات إليها موجـودة في ضمير الكنيسة والآباء منذ عصر الرسل ، وكتاباتهم مليئة - بمهارة – بالربط بين العذراء وماورد عنهـا فـي العهـد القديم ، وما حدث عند التجسد ، وعلاقتها بالسيد المسيح خلال فترة تجسده وحتى صعوده ، ثم انتقالها للإقامة في أفسس مع القديس يوحنا بحسب وصية الرب .وتوصف السيدة العذراء بمئات الصفات الجليلة ، مـن جميع الكنائس الرسـولية ( مثـل : القبطيـة والكاثوليكيـة والبيزنطية والأرمينية والحبشية والروسية وغيرها ) ، كما أن لها مئات الألحان والقطع الشعرية التـي تصـف فضـائلها ، يحفظها أكثر الشعب ويحبون ترديدها ، وبعض هـذه القطع محفوظ عن ظهر قلب ، لا سيما القطعة التي نحن بصـددها : " شیری نی ماريا " . وتحظى السيدة العذراء بحب ودالة تفوق الوصف لدى الأقباط : تنتشر أيقوناتها وصورها فـي الكنائس والمنـازل والمحال والمصانع وعند كثير من المسلمين ، ويربـو عـدد الكنائس التي على اسمها على نصف عددها الكلي في مصر والخارج ، ولصومها ونهضاتها وتماجيدها وترانيمـهـا طعـم خاص لدى الشعب ، وفي التذاكيات يسترسـل الشـعب فـي تسبيح طويل بكثير من العاطفة والاستعذاب .قيل عن المتنيح الأب فليمون المقاري إنه كان يتوسل إلى الآباء في الكنيسة أن يتركوا له هذه القطعة ( شيرى في ماريا ) ليقولها ، حيث كان يفعل ذلك بكثير من كما كان المتنيح الراهب صليب البرموسي ( وكان كفيفا ) العاطقة والتأثر بدموع ، يتجه عندما يبدأ الآباء في تسبيح هذه القطعة إلى أيقونة العذراء ليقف أمامها متوسلا حتى ينتهي الآباء منها . نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوزيعها عن كتاب العذراء فرح الاجيال
المزيد
12 أكتوبر 2022

القلب الكبير

لا يكن قلبك ضيقًا يتأثر بسرعة، ويتضايق بسرعة، ويندفع للانتقام لنفسه بل كن كبيرًا في قلبك، وواسع الصدر، تحتضن في داخلك جميع المسيئين إليك.وحينئذ ستشعر بالسلام الداخلي، وتدرك بركة القلب الكبير القلب الكبير لا تتعبه إساءات الناس، ولا يقابل الإساءة بالإساءة. إنما تذوب جميع الإساءات في خضم محبته وفي لجة احتماله. القلب الكبير أقوى من الشر الخير الذي فيه أقوى من الشر الذي يحاربه. ودائمًا ينتصر الخير الذي فيه.. ومهما أسيء إليه، يبقى كما هو، دائم المحبة للناس، مهما صدر منهم.. وفي إساءاتهم، نراه لا ينتقم منهم، بل يعطف عليهم إنهم مساكين، قد غلبهم الشر الذي يحاربهم.. وهم يحتاجون إلى من يأخذ بيدهم، وينقذهم من هذا الشر الذي خضعوا له في إساءاتهم لغيرهم وإذا انتقم الإنسان لنفسه، يكون الشر قد غلبه، وأخضعه لحب الانتقام، وأضاع من قلبه التسامح والاحتمال والمودة ومحبتنا للناس توضع تحت الاختبار عندما نتعرض لإساءاتهم كل إنسان يستطيع أن يحب من يحبه، ويحترم من يحترمه، ويكرم من يكرمه.. كل هذا سهل لا يحتاج إلى مجهود. ولكن نبيل هو الإنسان الذي يحب من يكرهه، ويكرم من يسئ إليه. وفي هذا يقول السيد المسيح في عظته المشهورة على الجبل: "لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم.. وإن سلمتم على أخوتكم فقط فأي فضل تصنعون؟! " أليس الخطاة أيضًا يفعلون هكذا؟! " وأما أنا فأقول لكم: أحبو أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم". هنا ولا شك تكون المحبة بلا مقابل. أي أن الإنسان المحب لم يأخذ محبة في مقابل محبته. لم يأخذ أجرًا على الأرض، ولذلك يكون كل أجره محفوظًا في السماء، إذ لم يستوف منه شيئًا على الأرض. إن القلب الكبير ليس تاجرًا: يعطى حبًا لمن يقدم له حبًا، أو يعمل خيرًا مع الذي ينقذه شكرًا إنه يصنع الخير مع الكل، بلا مقابل. يعمل الخير لأن هذه هي طبيعته. لذلك فإنه يعمل الخير مع من يستحقه، ومع الذي لا يستحقه أيضًا، مع المحب ومع المسيء، مع الصديق ومع العدو.. مثل الشمس التي تشرق على الأبرار والأشرار، ومثل السماء التي تمطر على الصالحين والطالحين بل أنه درس نتعلمه من الله نفسه، الذي يحسن إلينا حتى ونحن في عمق خطايانا إن القلب الكبير لا يعامل الناس كما يعاملونه، وإنما يعاملهم حسب سموه وحسب نبله. وهو لا يتغير في سموه وفي نبله طبقًا لتصرفات الناس حياله. إنه لا يرد الإساءة بالإساءة لأنه لا يحب أن تصدر عنه إساءة لأحد، ولو في مجال الرد. أما الضعاف فإنهم يتأثرون بتصرفات الناس، ويتغيرون تبعًا لها. وهنا نسأل ما معنى رد الإساءة بالإساءة، ومقابلة الخطأ بالخطأ؟ لقد أجاب القديسون على هذا الأمر، وشرحوه في جملة نقاط لا مانع من أن نوضحها في هذا المقال: 1- هناك إنسان يرد الإساءة بمثلها: التصرف بتصرف، والشتيمة بشتيمة، والإهانة بإهانة.. وقد يرى نفسه أنه تصرف بعدل ولم يخطئ، لأن هناك من يردون الإساءة بأشد منها، ويعللون ضمائرهم بأنهم في موقف المعتدى عليه. 2- هناك نوع آخر لا يرد الإساءة بمثلها، فلا يقابل إهانة بإهانة، أو شتيمة بشتيمة. ولكن الرد يظهر في ملامحه: في نظرة احتقار، أو تقلب الشفتين بازدراء، أو في صمت قاتل.. إلخ. 3- وقد يوجد من لا يفعل شيئًا من هذا، ولكن رده يكون داخليًا، في قلبه وفي نيته. ويتصور في قلبه أشياء تحمل معنى رد الإساءة أو أشد، ولكنها مخفاة.. 4- و يوجد إنسان قد لا يفعل في الداخل من الإساءة. ولكنه إذا سمع أن المسيء أصابه مكروه يفرح بالخبر، ويرى أن الله قد انتقم له. وبهذا لا يكون قلبه نقيًا تجاه من أساء إليه.. 5- وقد يوجد إنسان لا تحاربه هذه المشاعر، بل قد يحزن حقًا إذا حدث مكروه لمن أساء إليه، ولكنه في نفس الوقت لا يفرح إذا حدث خير لهذا المسيء. إذ يرى انه لا يستحق الخير، فيتضايق لأخباره المفرحة، وبهذا لا يكون قلبه نقيًا من جهته.. 6- إنسان آخر قد لا يفعل شيئًا من هذا كله. ولكن إساءة المسيء تظل عالقة بذهنه. آه لم ينسها، لأنه لم يغفر بعد.. هذا أيضًا لم يصل بعد إلى الحب الكامل الذي ينسى الإساءة ولا يعود يذكرها. لأن المحبة – كما يقول الكتاب تستر كثرة من الخطايا. 7- وقد يوجد شخص ينسى الإساءة، ويستمر في نسيانها زمنًا. ثم تحدث إساءة جديدة من نفس الشخص، فيرجع ويتذكر القديمة أيضًا التي كان قد نسيها، ويتضايق بسبب الاثنتين معًا.. وبهذا يدل على أنه لم يغفر الإساءة القديمة، وأنها لم تمت في قلبه، وإنما كانت نائمة ثم استيقظت. مثل جرح ربما يكون قد اندمل، ولكن موضعه ما يزال حساسًا، أقل لمسة تؤذيه إن هناك طريقتين لمواجهة الإساءة: طريقة التصرف، وطريقة الترسيب أما طريقة التصرف فهي الطريقة الروحية، التي بها يصرف الإنسان الغضب بطريقة سليمة: بإنكار الذات، بلوم النفس، بعامل المحبة، بالبساطة أما طريقة الترسيب فتشبه دواء في زجاجة يبدو صافيًا من فوق، بينما هو مترسب في أسفلها، وأقل رجه تعكر السائل كله الذي يملأ الزجاجة. إن هذا الصفاء الظاهري من فوق، ليس هو صفاءًا حقيقيًا طاهرًا ولكن لعل إنسان يقول: كيف يمكننا الوصول إلى تلك الدرجات الروحية من صفاء القلب تجاه الإساءة؟ ألا تبدو غير ممكنة..؟ إنها قد تبدو صعبة أو غير ممكنة بالنسبة إلى القلوب الضيقة التي لم تمتلئ بالمحبة بعد ولا بالاتضاع. أما القلب الكبير فإنه يتسع لكل شيء. انه لا يفكر في ذاته ولا في كرامته، بل يفكر في راحة الآخرين وفي علاجهم. لذلك لا تهزه الإساءات كذلك هو يعلم أن المسيء، إنما قبل كل شيء - يسئ إلى ذاته لا غيره. إن الذي يقترف الإساءة إنما يسئ إلى مستواه الروحي وإلى نقاوة قلبه وإلى أبديته. ولكنه لا يستطيع أن يضر غيره ضررًا حقيقيًا.. فالذي يشتم غيره مثلًا، إنما يبرهن على نوع أخلاقياته هو، دون أن يضر المشتوم في شيء. يبقى المشتوم في مستواه العالي، لا تقلل الشتيمة من جوهر معدنه الكريم، بل هي تدل على خطأ مقترفها.. والذي أصابته هذه الإهانة، إن كان قلبه نقيًا كبيرًا، فإنه لا يتأثر: يأخذ موقف المتفرج الذي يرثى لضعفات غيره، لا موقف المنفعل وهكذا تتضح أمامنا درجات روحية لمواجهة الإساءة وهي احتمال الإساءة، ومغفرة الإساءة، ونسيان الإساءة، ومحبتك لمن أساء إليك. ففي أية درجة من هذه كلها تضع نفسك أيها القارئ العزيز؟ درب نفسك على هذه الدرجات الروحية، لكي تصل إلى نقاوة القلب. وإن لم تستطع أن تصل إلى أية واحدة منها، فعلى الأقل لا تبدأ بالإساءة إلى غيرك خذ موقف المظلوم لا موقف الظالم. واعلم أن الله سيقف إلى جانبك. وأما الظالم فإنه يعادى الله قبل أن يعاديك، وسيقف الله ضده و عندما يقف الله معك ضد ظالميك، قل له كما قال السيد المسيح: "يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون"..قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
14 أغسطس 2023

شیری نی ماریا ( القطعة السابعة من ثيئوتوكية الأحد )

السلام لك يا مـريم : من الملفت أن الكنيسة تخاطبها بـ " شیری نی " ، أي : السلام لك ، لانها تؤمن أنهـا موجودة معنا ؛ ولا تخاطبها بـ شيرى ناس " ، أي : السلام لها ، وكأنها غير موجودة معنا . وتعبير " شيرى ني ماريا " يعنـي ** " الفرح لك يا مريم " ، أي : يـا لفرحـك وسـعادتك بأنـك أم المخلص ، وخلاص آدم ، وفرح حواء ... الخ . الحمامة الحسنة : وذلك في مقابـل حمامـة نـوح ( تكوين ۸ : ۱۱ ) من حيث حمل بشرى الخلاص والسلام إلى العالم الغارق في طوفان الخطية ، ولكنها تتميز بأنها " الحسنة " لأنها حملت أعظم بشرى في التاريخ البشري .. هذا ويرد في کتاب قدیم ( كتاب البداية ليعقوب ) أن العـذراء كانـت مـثـل " يمامة في الهيكل " من جهة وداعتها وهدوءها ، وفي كتـاب " طفولة مريم " ورد أن عصا يوسف عندما أزهـرت نزلـت يمامة من السماء واستقرت عليها . ويرد فـي لـبش تذاكيـة السبت ( الشيرات الثانية – الربع الثاني ) : " السـلام للحمامـة الحسنة التي بشرتنا بسلام الله الذي صار للبشر " . التي ولدت لنا الله الكلمة : إذا فهي " الثيئوتوكـوس " ، لم تلد إنسانا فقط ، ولم تلد إلها فقط ، ولكـن " الله الكلمة " ، أو " الكلمة المتجسد " .. وليست ( خريستوتوكوس ) أي والدة المسيح . وتسمى في ليتورجية الكنيسة " تي ماسـنوتي " ، و " تي ريف اجفي إنتي إفنوتي بي لوغـوس " هي ، وترد العبارة كما في مجمع القداس الإلهي : " وبالأكثر القديسة المملوءة مجـدا ، العذراء كل حين ، القديسة مريم التي ولدت لنا الله الكلمـة بالحقيقة " . أنت زهرة البخور التي أينعت من أصل يسـى : لأن منها جاء المسيح ، الذبيحة الحقيقية التي اشـتم الآب رائحـة السرور منها على الجلجثة .. والمسيح من نسل داود : « کتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داؤد ابن إبـراهيم » ( متـي 1 : 1 ) ، وكان اليهود بحسب النبوات والتقليـد يتوقعـون أن يكـون المسيح من نسل داود : « فبهت كل الجموع وقالوا : " ألعل هـذا هو ابن داود ؟ " » ( متي ١٢ : ٢٣ ) ، ويتحدث الرسـول بـولس عن الإله المتجسد : « عن ابنه . الذي صار من نسل داود مـن جهة الجسد » ( رومية 1 : 3 ) . وفي رفع البخور في العشيات نصلي إلى المسيح قائلين : " لأنك أنت هـو ذبيحـة المسـاء الحقيقية " ، والذبيحة المقصودة هنا في العشية هي البخور . عصا هرون التي أزهرت بغير غرس ولا سقي هي مثال لك : والقصة جاءت في تمرد قورح وداثان ومحاولتهما تأميم الكهنوت ، حيث أمر الرب من ثم أن يقدم كـل سـبط عصا تكتب عليها اسمه بينما تكتب على عصا هرون اسـم لاوي ، ولما وضع موسى النبي العصي كلها أفرخت عصـا هرون زهرا ولوزا ، وهي إشارة إلى الكهنوت . وبينما كـان كل رئيس كهنة في العهد القديم يشير إلـى رئيس الكهنـة الحقيقي يسوع المسيح ، فإن العذراء هي عصا هرون التـي أفرخت المسيح رئيس الكهنة الأعظم ( الأعظم مقارنة برئيس الكهنة العظيم أو عظيم الكهنـة ) . راجـع ( عـدد 16 و ۱۷ ، وعبرانيين 9 : 4 ) . هذا وقد استخدم الكثير من آباء الكنيسـة هذا التشبيه للسيدة العذراء ، منهم القديس أمبروسيوس أسـقف ميلان .القبة الثانية التي للأقداس : تسمى السيدة العـذراء قدس الأقداس ، والمسكن ، والشاكيناه ، والخدر ؛ وكلها تعبيرات تشير إلى مسكن الله الخاص الذي حل فيه ، وهو المكان الذي كان يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة لينضح من الدم على غطاء التابوت ، ولكن الأمر احتاج لتكرار ، بينما دخـل المسيح الأقداس مرة واحدة ولم يحتج أن يقدم ذبائح عن نفسه بل قدم ذبيحة نفسه عن البشر ( راجـع خـروج ٢٥ : ۱۷ ، وعبرانيين 5 : 1 ، و 8 : 3 ) . « وأما المسيح ، وهو قـد جـاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة ، فبالمسكن الأعظـم والأكمـل غير المصنوع بيد » ( عبرانيين ۹ : ۱۱ ) . أنت مشتملة بالطهارة ، من داخل ومن خارج ، أيتها القبة النقية ، مسكن الصديقين : استخدم هذا التشبيه كثيـرا القديس بـروكلس بطريرك القسطنطينية ، وفيه إشـارة إلـى التابوت المصفح بالذهب من الداخل والخارج ، فهو من جهة يشير إلى طهارة العذراء ، ولكن طهارتها ليست مـن ذاتهـا لأنها بشر أيضا ، بل يرجع ذلك لحلول الله فيها ، حيث يشـير الذهب إلى اللاهوت ، والخشب الذي لا يسوس إلى الناسوت ، لقد اغتنى الخشب بمجد الذهب ، ولكن أحدهما لم يتحول إلـى الآخر . نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوزيعها عن كتاب العذراء فرح الاجيال
المزيد
31 أغسطس 2022

أنصاف الحقائق

هناك موضوع معين يتسبب في كثير من المشاكل، وفي كثير من الخصومات ويخلق جوًا من النزاع، ومن سوء التفاهم بين الناس ليتنا نحلل هذا الموضوع لكي نصل إلى حله.. إنه مشكلة أنصاف الحقائق. إن الحقيقة هي كل متكامل، وليست جزءًا قائمًا بذاته. وأنصاف الحقائق ليست كلها حقائق و كثير من الناس يشوهون الحقيقة، ولا يقدمون لها صورة سليمة، بسبب استخدامهم أنصاف الحقائق وفى كل قضية تقدم إلى المحاكم، كل طرف من المتنازعين يقدم نصفًا للحقيقة، يصورها تصويرًا خاصًا، ويقدم الطرف الآخر النصف الآخر، ولا تظهر الحقيقة إلا باجتماع النصفين معًا. لأن الذي يقدم نصف الحقيقة لا يكون منصفًا. فتقديم الأنصاف ليس فيه إنصاف قد تشرح إساءة الناس إليك، دون أن تشرح الأسباب التي دفعتهم إلى هذه الإساءة، وتكون في حديثك عن إساءاتهم، مهما كان كلامك صادقًا، مجرد معبر عن نصف الحقيقة. وعندما تجلس إليهم وتناقشهم في اتهاماتك لهم، ويدافعون عن أنفسهم، حينئذ يقدمون لنا النصف الآخر من الحقيقة الذي لم تذكره أنت ليتك كلما تتهم إنسانًا، تنصفه أيضًا بأن تذكر النصف الآخر من الحقيقة الذي يدافع به هو عن نفسه ففي دفاعك نوع من النبل ومن محبة الحق، ومن الإنصاف.. وليتك تدافع عنه أمام نفسك قبل أن تتهمه، فربما هذا الدفاع يمنعك من الاتهام كثيرًا ما سمعت زوجات وأزواجًا في مشاكل عائلية قد تتطور إلى طلاق، فأسمع أنصاف حقائق. استمع إلى الزوجة فتشعرني بأن زوجها وحش كاسر، قاسى الطبع سيئ المعاملة، واستمع إلى الزوج، فيشعرني بأن الزوجة مستهترة أو مقصرة في واجباتها. ويندر أن يذكر واحد من الطرفين حجج الآخر وبسبب أنصاف الحقائق قد يحدث سوء تفاهم بين الناس. وسنضرب لذلك أمثلة.. قد يشكو ابن من أن والده لا يقوم باحتياجاته ولوازمه ولا يصرف عليه، وربما يكون النصف الآخر من الحقيقة أن الأب لا يملك ما يصرفه على ابنه، ولو كان يملك ما قصر في حقه.. وقد تشكو سيدة من أن صديقة لها أخلفت موعدها معها. وربما يكون النصف الآخر أن هذه الصديقة معذورة، وقد منعها زوجها من الذهاب وهى لا تستطيع أن تصرح بهذا لأسباب خاصة وقد نحكم على طالب بأنه فاشل في دراسته، ونقسو عليه في حكمنا. وربما يكون النصف الآخر من الحقيقة أن ظروفه العائلية قاسية جدًا، لا تساعده إطلاقًا على الاستذكار، أو أن ظروفه المالية لا تساعده على شراء الكتب اللازمة ليتنا نكون مترفقين في أحكامنا، فنحن قد نرى الخطأ فقط، دون أن نرى أسبابه ودوافعه وظروفه.لقد خلق الإنسان محبًا للخير بطبيعته، وما الشر إلا دخيل عليه. وللشر في حياة الإنسان أسباب كثيرة، ربما يكون بعضها خارجًا عن إرادته. وقد يرجع بعضها إلى عوامل بيئية، أو وراثية، أو لأمور ضاغطة يعلمها الله وحده. لذلك كونوا مترفقين بالناس.. وقد يكسر إنسان قانونًا من القوانين، أو نظامًا من الأنظمة. وربما يكون هذا الكسر هو نصف الحقيقة، ويكون النصف الآخر هو خطأ في هذا القانون أو في هذا النظام يحتاج إلى تعديل.. لهذا كانت كثير من الدول تعدل في أنظمتها، وتطور في قوانينها لأن المشرعين ليسوا آلهة. ولهذا أيضًا كان المنصفون ينظرون دائمًا إلى روح القانون وليس إلى حرفيته إن الذين يتمسكون بحرفية القوانين وينسون روحها، لا يكونون عادلين في أحكامهم.. ومن أمثال هؤلاء الذين يتمسكون بحرفية وصية من وصايا الله، دون أن يدخلوا إلى روح الدين وعمقه، ودون أن يتكشفوا الأسباب والأهداف التي من أجلها وضع الله تلك الوصية والذين يتمسكون بأنصاف الحقائق، إما يفعلون ذلك عن جهل أو عن عمد وعن معرفة.. فإن فعلوا ذلك عن معرفة يكونون مدانين، لأنهم أخفوا الحقيقة، وقد يكون وراء الإخفاء خطأ آخر أبشع.. ولذلك تطلب غالبية المحاكم من الشهود أن يقولوا: "الحق، كل الحق، ولا شيء غير الحق" فعبارة: "كل الحق " عبارة لها وزنها ولها عمقها ومشكلة أنصاف الحقائق بدأ النقاد المنصفون يتحاشونها.. كان الناقد قديمًا يكتفي بذكر العيوب والنقائص فقط. وهكذا كان ينقص بدلًا من أن ينقد.. أما الناقد المنصف فهو الذي يحلل الأمر تحليلًا، ويذكر ما فيه من مزايا ومن عيوب، من نواحي قوة ونواحي ضعف. وقد يُرجع كل شيء إلى أسبابه، في صدق، وفي إنصاف وقد يقع الإنسان في أنصاف الحقائق نتيجة لكراهية أو تعصب أو تحيز أو ميل خاص.. مثال ذلك مدير عمل لا يذكر موظفًا معينًا إلا بالإساءة والتجريح، ولا يذكر موظفًا آخر إلا بالتقدير والإطراء، ويكون لكل منهما ما له وما عليه.. ولكنها أنصاف الحقائق وقد تدخل مشكلة أنصاف الحقائق في الرئاسة والإرادة.. فلا يتذكر المدير أو الرئيس إلا سلطته فقط، وكيف أنه صاحب حق في أن يأمر وينهى، ويعين ويعزل، كأنه متسلط في مصائر الناس. وفى ذلك ينسى النصف الآخر من الحقيقة، وهي آن الرئاسة محدودة بقانون وبضمير وبمسئولية أمام الله، وبواجبات من الرعاية الحقة وينبغي أن يحيط بها كل رئيس عمل جميع من تشملهم إدارته ومسئوليته وقد تدخل مشكلة أنصاف الحقائق في حياتنا الروحية، حينما نعمل لدنيانا فقط، وننسى حياتنا الأخرى.. حينما نهتم بكيف نعيش ههنا على الأرض، وننسى النصف الآخر من الحقيقة وهو أننا سنقدم عن حياتنا هذه حسابًا أمام الله في اليوم الأخير، يوم لا يجدي عذر، ولا ينفع شفيع وقد تدخل أنصاف الحقائق هذه في مسائل التربية.. فيظن الأب المسكين أن كل واجبه هو مستقبل أبدى من حيث تعليمه وتوظيفه، وأكله وشربه وصحته وكافة احتياجاته المادية. وينسى النصف الآخر من الحقيقة وهو واجبه حيال أبدية هذا الابن وروحياته وعلاقته بالله ومشكلة أنصاف الحقائق هذه قد تدخل في الحياة الاجتماعية، وتسبب متاعب كثيرة وبخاصة في الفهم الخاطئ للحرية. فقد يقول إنسان: "أنا حر. أفعل ما أشاء" وينسى النصف الآخر من الحقيقة وهو أن عليه أن يمارس حريته بشرط ألا يتعدى على حريات غيره من الناس فالذي يقيم حفلة ويرفع مكبرات الصوت فيها كما يشاء، وينتشر هذا الصوت العالي في كل مكان، مدعيًا بأنه حر. إنما ينسى حريات الآخرين، وكيف أن هذا الصوت قد يزعج نائمًا في فراشه، أو مريضًا محتاجًا إلى الراحة، أو تلميذًا يذاكر دروسه، أو قومًا يتحدثون في موضوع ما أو أي شخص يريد أن يستغل وقته في شيء آخر غير سماع هذا الحفل ليتنا ننظر إلى الحقائق كاملة.. ولا نكتفي بأنصاف الحقائق، لئلا تضللنا.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
16 مايو 2022

قومي استنيري...

«قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ» (إش60: 1)كان خروج بني إسرائيل من أرض مصر، وتحررهم من عبودية فرعون، إشارة إلى تحررنا من عبودية الشيطان بصليب السيد المسيح وقيامته.كما كانت عودة اليهود من السبي، رمزًا للقيامة من الموت. فالسبعين عامًا التي قضوها في مذلة السبي، ترمز إلى ظلمة القبر، وبالعودة من السبي تمتعوا بنور الحياة والحرية. أمّا أورشليم الجديدة، فقد تمتعت بما هو أعظم من حرية العودة من السبي. فبالقيامة فُتِح لنا الطريق للحياة الأبدية، باتحادنا بالسيد المسيح الذي هو القيامة والحياة (يو11: 25). كذلك كانت شريعة تطهير الأبرص رمزًا للقيامة (لا14: 4 -76)، فالشفاء والتطهير مصدر للفرح والاستنارة.الله هو النور الحقيقيّ الأزلي (يو1: 9؛ 8: 12)، باتحادنا به نلنا قبسًا من هذا النور، بل وأصبحنا نحن نورًا للعالم (مت5: 14)، من قِبَل الاستنارة التي حصلنا عليها كنعمة وبركة من بركات القيامة «لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا» (مز36: 9). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة فصحية: [الآن أضاءت علينا إشعاعات من نور المسيح المقدس، وأشرقت علينا أضواء صافية من الروح القدس وانفتحت علينا كنوز سماوية من المجد. لقد اُبتُلِع الليل الكثيف الحالك وانقشع الظلام الدامس، واختفى ظل الموت الكئيب... إنه الفصح العجيب، إبداع فضيلة الله وفعل قوته] (رسائل آباء الكنيسة4: 29). إن ما نعنيه بالاستنارة يختلف عن إعمال العقل، فالاستنارة من عطايا القيامة لنا. يقول القديس مقاريوس المصريّ: [الذي عنده استنارة، هو أعظم من الذي له عقل ومعرفة، لأن الإنسان المستنير قد نال عقله استنارة أكثر من الإنسان الذي له معرفة فقط] (عظة 7: 5).إن القيامة هي حجر الزاوية في الإيمان المسيحي «وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ» (1كو15: 14)، فقد كانت الكنيسة الأولى تعيش بالفعل حالة يقين الإيمان بالقيامة، ليس فقط كمبدأ إيمانيّ أو مجرد عقيدة لاهوتية، لكنها كانت تعيش في حالة قوة القيامة كحقيقة مُعاشة. بقيامة السيد المسيح من الأموات، وتحطيمه لمملكة الشيطان، وهبنا حياة جديدة لن يغلبها الموت، بل وجعل من الموت جسرًا للحياة. لذا يدعونا القديس بولس الرسول أن نعيش القيامة «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ بين الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أف5: 14). إن المسيح القائم هو الطريق والمصدر الوحيد للاستنارة، إن الليتورجية الكنسية تجسد لنا ذلك، حينما تُطفَأ الأنوار، وتُصلّى "تمثيلية القيامة"، ويعقبها إنارة الكنيسة بالشموع، التي تًضاء جميعها من على المذبح من الشمعدانين المحيطين بالدفنة، أي أن مصدر استنارتنا مُستمَّد من المسيح القائم. وكما كان الطريق إلى القيامة هو الصليب، الذي عن طريقه ذاق السيد المسيح الموت بالجسد. هكذا السبيل للتمتع باستنارة القيامة، بعدما مشاركة رحلة الآلام والقيامة، عن طريق التمتع بالتمتع بالأسرار الكنسية: «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا اقِمْتُمْ ايْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي اقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (كو2: 12)، وبذلك صرنا خليقة جديدة (2كو5: 17) نلنا فيها استنارة سمائية جديدة. علينا أن نكمل في طريق الإماته لكي نحصل على نور القيامة عن طريق رفض العالم (لو14: 33)، ونكران النفس (لو9: 23)، والانفصال عن الخطيئة (كو3: 5). إننا لا نأخذ الاستنارة بصورة كاملة مرة واحدة، أو يحصل عليها الجميع بقدر متساوٍ، بل بقدر ما يجاهد الإنسان في حياة التوبة والنقاوة، بقدر ما تفتقد النعمة الإنسان، وذلك لكي تمتحن قصد الإنسان لترى مدى حفظه للمحبة الإلهية. لذلك نرتل في توزيع الخماسين المقدسة، كدعوة للإستنارة، قائلين: "أضيئي واستنيري يا أورشليم، لأنه قد جاء نوركِ. لأن ربنا يسوع المسيح، الحمل الحقيقي، قام من بين الأموات" (لحن كل الصفوف: 3). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
10 أغسطس 2022

النعمة

بمناسبة صوم القديسة العذراء مريم نتذكر أن الملاك خاطبها بقوله: "السلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة"، العذراء كانت ممتلئة نعمة. ما هي النعمة؟ النعمة هي ما أنعم الله به على الإنسان. فكل شيء يأتي بركة للإنسان يكون نعمة من الله ونحن من اهتمامنا بهذه النعمة، نختم كل اجتماع روحي بكلمة "محبة الله الآب، ونعمة ابنه الوحيد، وشركة وموهبة الروح القدس، تكون مع جميعكم" وفي الحقيقة كل حياتنا سببها النعمة، أي مجرد أننا موجودين نعمة من الله فالوجود نعمة من الله، بل الخليقة كلها هي نتاج نعمة الله. يشرق شمسه على الأبرار والأشرار:- ونعمة الله للكل. ليست للأبرار فقط، بل حتى للأشرار أيضًا أي لولا النعمة التي يعطيها الله للإنسان الشرير، ما كان يتوب ولولا نعمة الله مع غير المؤمن، ما كان يؤمن فالشرير بنعمة الله يستطيع أن يتوب "تَوِّبْنِي يا رب فَأَتُوبَ" (سفر إرميا 31: 18). وغير المؤمن بنعمة من الله يصبح مؤمنًا. النعمة تعمل مع الكل:- النعمة عملت مع لونجينوس قائد المئة عندما ضرب المسيح بالحربة في جنبه. جاءت له نعمة من الله فقال: "حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ" (إنجيل مرقس 15: 39) النعمة عملت مع شاول الطرسوسي: فجعلته بعد أن كان مضطهد للكنيسة أصبح أكبر رسول يدافع عن الإيمان، وفي الحقيقة شاول الطرسوسي هذا الله أعطاه هذه النعمة قبل أن يولد. لذلك قال في الرسالة إلى غلاطية "لما سر الله الذي أفرزني بنعمته ودعاني للكرازة باسم ابنه الوحيد....إلخ"، ونص الآية هو: "وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ.." (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 1: 15، 16) كان هذا نعمة من ربنا له. بل بنعمة ربنا قابله السيد المسيح نفسه في الطريق ودعاه. فالله يعمل بنعمته حتى مع الخطاة. النعمة عملت مع اللص اليمين:- نعمة ربنا كانت مع اللص اليمين المصلوب بجانبه فآمن بالرب وهو على خشبة الصليب وقال له "اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (إنجيل لوقا 23: 42). النعمة عملت مع ذكا العشار:- نعمة ربنا افتقدت زكا العشار الذي كان رئيس العشارين وقبل المسيح وقال له الرب: "اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت"، ونص الآية هو: "الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ" (إنجيل لوقا 19: 9). النعمة عملت مع عبدة الأوثان:- النعمة أيضًا كانت مع الأمم الذين كانوا يعبدون الأصنام فآمنوا. النعمة عملت مع الشيوعيين: نعمة ربنا كانت مع الشيوعيين بعد 70 سنة إنكار لوجود الله فآمنوا. وبعد أن كان لا يوجد من يفرح الله بإيمانه في روسيا الشيوعية، أصبح فيها الآن أكثر من 120 مليون يؤمنون بالمسيح افتقدهم ربنا وهم خطاه بنعمته. النعمة عملت حتى مع الشيطان:- بل أستطيع أن أقول أكثر من هذا. نعمة ربنا لم تترك الشيطان. كيف؟ كان من الممكن أن الله يفنيه من أول سقوطه ولكن نعمة الله أعطته البقاء والوجود وليس فقط بل أعطته قوة. لم تفارقه قوته. لذلك يقول الرسول: "إبليس الذي يضلكم يجول مثل أسد يزأر"، ونص الآية هو: "لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 5: 8). ربنا سمح حتى للشيطان بنعمته أن يبقى وتكون له حرية في العمل وسمح له أن يجرب أيوب الصديق. وسمح أن يكون له قوة وأعطاه فرصة حتى آخر الزمان حيث يقول الكتاب "وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" آمين (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 20: 10). النعمة عملت مع يهوذا الإسخريوطي:- بل أقول أن نعمة ربنا كانت حتى مع يهوذا قبل أن يهلك. نعمة ربنا اختارته تلميذ، ونعمة ربنا سمحت أن يعمل معجزات وآيات مثل باقي التلاميذ. ونعمة ربنا جعلته تغسل رجليه بواسطة الرب مثل باقي التلاميذ وقال لهم "أَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ" (إنجيل يوحنا 13: 10) ونعمة ربنا أعطته إنذارات كثيرة كثيرة لعله يتوب. ولكنه هلك لأنه لم يستخدم نعمة الله. نعمة الله تعمل حتى مع الجماد:- بل أقول لكم أكثر أن نعمة ربنا حتى تعمل في الجماد الذي لا يعقل فكما تعلمون أن يوسف الصديق خزن القمح 7 سنوات ليستخدمه في السنوات العجاف. من يقول أن قمح يخزن 7 سنوات دون أن يأتيه سوس؟! لكن نعمة الله شملت حتى هذا القمح أن لا يأتيه السوس على مدى 7 سنين أو أكثر نعمة ربنا افتقدت كوز الزيت في بيت الأرملة فلم ينقص. وكذلك طبق الدقيق نعمة ربنا عملت في الأسود في الجب حتى لا يأكلوا دانيال.ونعمة الرب عملت في النار التي رمي فيها الثلاث فتية بحيث أنها أصبحت عاجزة عن حرق الفتية أو حتى ملابسهم.نعمة ربنا تعمل حتى في العصافير التي لا تزرع ولا تحصد وتقيتها.ونعمة ربنا أيضًا منذ العهد القديم يقول الكتاب: مباركة تكون ثمرة أرضك وثمرة بطنك. فنعمة ربنا تبارك ثمرة الأرض فتتكاثر. كما قال الله بارك غلة العام السادس أصبحت غلة العام السادس تكثر وتكفي أعوام.عجيبة نعمة الله التي تعمل في كل شيء حتى في الفراشات فتعطيها جمالًا ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. النعمة ضرورية لنا جدًا:- نعمة الله ضرورية لنا جدًا. لماذا؟ لأننا كبشر خلقنا على صورة الله ومثاله لكن عندما وقعنا في الخطية أصبحت طبيعتنا ضعيفة، يستطيع الشر أن يؤثر عليها أكثر.بدليل أن الكتاب يقول إن الخطية طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء.ما دام هؤلاء القتلى غير قادرين والشيطان يغلبهم ويهزم كثيرين منهم فربنا من أجل رحمته أعطانا النعمة لكي ننتصر. ما دام عدونا قوي ونحن ضعفاء فلا بد أن نأخذ نعمة. من عدل الله أعطانا نعمة.لا يجب أن يقول أحدكم أنا أقع وأخطئ. أنت تخطئ لأنك لا تستخدم النعمة التي فيك. كيف تفتقدنا النعمة؟ | افتقاد النعمة:- النعمة تأتيك بالصلاة بمباركة الوالدين.تأتيك النعمة ببركة القديسين وتأتيك النعمة حتى دون أنت تطلب. النعمة والأسرار السبعة:- بالمعمودية: هناك نعمة أخرى تحصل عليها من الأسرار المقدسة في المعمودية. ربنا يعطيك نعمة الميلاد الجديد وأن تكون ابن الله وابن الكنيسة وان الإنسان القديم يموت والإنسان الجديد يوجد على صورة الله. وفي سر الميرون: ربنا يعطيك نعمة الثبات في الروح القدس وأن تكون هيكل للروح القدس. وفي التوبة يعطيك نعمة المغفرة. وفي التناول يعطيك الثبات في الإبن.تأخذ نعم كثيرة جدًا في الأسرار. ولكن مع ذلك توجد نعم كثيرة أنت تأخذها دون أن تطلب. ربنا يقول "من أجل شقاء المساكين الآن أنا أقوم أصنع خلاصًا"، ونص الآية هو: "مِنِ اغْتِصَابِ الْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ الْبَائِسِينَ، الآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ فِي وُسْعٍ الَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ" (سفر المزامير 12: 5) دون أن تطلب تجد الله أعطاك.الله يقول : "أنا نظرت مذلة شعبي" لم يقولوا له يا رب احنا اتزلينا أو تعبنا من طغيان فرعون، بل قال الرب: "أنا نظرت إلى مذلة شعبي، أنزل لأخلصهم"، ونص الآية هو: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي.. فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ" (سفر الخروج 3: 7، 8). لا بد أن تقبل النعمة وتشترك معها في العمل: إذًا لا بد أن نعرف كيف نشترك مع النعمة في العمل؟ الله مستعد أن يعطيك نعمة ومواهب كثيرة ولكن لا بد أن تقبل النعمة وتشترك في العمل معها ربنا أعطى نعمة لإمرأة لوط أن الملاك يمسكها ويخرجها ولكنها لم تشترك مع النعمة ولم تقبل، ونظرت إلى الوراء فصارت عمود ملح فرعون مثلًا وهو رجل وثني كان الله يعطيه نعمة أن يمنع عنه الضربات. فعندما كانت تأتيه ضربة فيصرخ ويقول "أخطأت إلى الرب" فيرفع عنه الله الضربة لكن كان فرعون قلبه قاسي ولا يقبل نعمة الله ويعود ليخطئ مرة أخرى ولذلك ضيَّع نفسه.أما أنت فكن حريصًا عندما تزورك النعمة، أن تشترك مع النعمة في العمل. والقديس أوغسطينوس قال كلمة جميلة: "الله الذي خلقك بدونك، لا يشاء أن يخلصك بدونك". أي لكي تخلص لابد أن تعمل مع النعمة.النعمة تعطيك قوة، وتعطيك رغبة في التوبة، وتعطيك حرارة، وأنت تشترك مع النعمة.أي القوة التي تُعطى لك من النعمة لا تمنع نعمة الحرية التي لك. لا توجد نعمة تلغي نعمة أخرى. نعمة المعونة لا تلغي نعمة الحرية. النعمة ترشدك للخير ولكن لا ترغمك على عمل الخير. تعطيك محبة الخير وتتركك لإرادتك الحرة. هي مجرد مرشد. العذراء الممتلئة نعمة:- الملاك قال لها: السلام لك أيتها الممتلئة نعمة فبالنعمة قبلت أن تكون أم وهي بتول لا تعرف رجلًا. قبلت هذا ولم ترفض هذا الأمر أعطاها الرب نعمة أن تحتمل نظرة الناس إليها. وأن تختفي وراء اسم يوسف النجار.الرب أعطاها نعمة أن تحتمل التعب. وتحتمل الآلام وتحتمل أن تسير على الجبال لتزور أليصابات وتخدمها إلى أن تلد. أعطاها نعمة أن تحتمل التعب في أن تذهب إلى أرض مصر 3 سنين ونصف وكلما تذهب إلى بلد تطرد منها لأن الأصنام كانت تسقط بسبب وجود الرب. فتذهب بلد أخرى وتسقط الأصنام أيضًا وتطرد.أعطاها نعمة أن تحتمل الفقر واليتم. فمن سن 8 سنين ذهبت إلى الهيكل وهي يتيمة الأبوين وعاشت في فقر. أعطاها النعمة أن تحتمل أن تلد في مزود بقر وهو مكان لا يصلح البقاء فيه أبدًا من الرائحة والقذارة.وأعطاها نعمة أن تحتمل ولادة ابنها في الشتاء القارص.أعطاها نعمة أن تحتمل رؤية ابنها المحبوب الوحيد وهو مصلوب أمامها وترى الناس يهزأون به ويتحدوه.أعطاها نعمة أن تحتمل كل هذا. ولاحتمالها كل هذا ولغيره قيل عنها أنها ممتلئة نعمة. نرجو شفاعتها وبنعمتها نحصل على نعمة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
11 أكتوبر 2022

الغضب

عندما التحق القديس موسى الأسود بالدير كراهب مبتديء، جاهد كثيرا في ضبط نفسه لا سيّما وقد كان لصاً قاتلا وقاطع طريق، فعندما تعرض للإهانة في ذات مرة لم ُيبد أي امتعاض، إذ ما أن دخل إلى المائدة ليأكل حتى صاح أحدهم قائلاّ: من أدخل هذا الغريب إلى هنا !. ولما سأله أحد الرهبان عن رد فعله أجابه: لقد تحرّك الغضب داخلي ولكنني ضبطت نفسي فلم أثر، ومرت مدة قبل أن يتعرّض لاختبار أصعب وذلك عندما جاء البابا ليرسمه كاهناً، فقد سمع من يقول داخل الكنيسة اخرج يا أسود الجلد يا رمادي اللون، فإذا به ينسحب في هدوء إلى الخارج وهو يقول لنفسه: حقا طردوك يا أسود اللون ولماذا تحسب نفسك كسائر البشر، فلما سأله الآباء عن فكره قال أنه لم يضطرب، بل مثلما كان هادئاً من الخارج كان من الداخل أيضاً. وكان الآباء يختبرون قدرته على الاحتمال. ويقول أحد الآباء أنه لم يدع الغضب " يتجاوز حلقه فما فوق " وهو يقصد بالطبع أنه احتجز الغضب داخله، وإن تصاعد فإنه في النهاية لن يسمح له بأن يتجاوز الحنجرة، بمعنى أنه لن يسمح له بأن يظهر من خلال الملامح أو الكلمات، لئلا ُيعثر أحدا، وهذا هو معنى القول الشائع: " ُغصّة في الحلق" وكأن هناك شيء ما ُمحتجزا في حلقه.وعندما قال القديس بولس: "لا تنتقموا لانفسكم أيها الأحباء بل اعطوا مكانا للغضب" (رومية 12: 19) فقد قصد أن نعطي مكانًا للغضب لكي يهدأ ويتلاشى فلا يخرج من الإنسان ويعثر الآخرين ولا يمجد الله. فمنظر الغضوب كمثل منظر الشيطان، بعكس الملامح الوديعة الهادئة التي تعكس صورة المسيح المريح، ويقول القديس الأنبا أغاثون: "ولو أن الغضوب أقام أمواتاً فما هو بمقبول عند الله ولا يأتي إليه أحد من الناس". ولا شك أن الغضب يعكس كبرياءا موجودة بداخل الإنسان، في حين أنه إذا كان متضعاً فإنه سيأتي باللوم على نفسه في كل شيء، في حين أنه في غضبه قد يخسر كثيرا وُيخطيء كثيراً ويفقد كثيراً أيضاً. ولكن هناك الغضب المقدس، وهو الغيرة المقدسة أو الغيرة التي بحسب مشيئة الله، ذلك حين يغضب شخص على نفسه بسبب خطاياه، أو يغضب شخص ويغير غيرة الرب مثل فينحاس. على أنه يجب أن يكون الغضب في هذه الحالة بعيد عن الانفعالات الطارئة أو خارج حدود اللياقة، لئلاّ ُيعثر أحداً. فمن غير المقبول أن يغضب شخص من أجل الله فيشوّه صورة الله التي فيه بغضبه، بل ليكن الغضب مقدساً وبطريقة مقدسة. وعندما سأل تلاميذ القديس باخوميوس معلمهم عن المناظر التي يراها، أجاب " أن من كان خاطئاً مثلي لا يعطَى مناظر، ولكن إن أردتم أن أدلكم على منظر تنتفعون به فهو منظر الإنسان الوديع القلب وعن أفضل من هذا المنظر لا تطلب أن تنظر". نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
14 سبتمبر 2022

عيد النيروز

ما هو عيد النيروز؟ نحتفل كل عام في مثل هذا الوقت بعيد النيروز وهو رأس السنة القبطية (أول توت) أو عيد الشهداء. والأقباط جعلوا لأنفسهم تقويم خاص بهم هو التقويم القبطي أو تقويم الشهداء والذي يبدأ بسنة 284م. وهي بداية عصر ديوقلديانوس الذي كان من أقسى عصور الاضطهاد التي مر بها الأقباط. مكانة الشهداء في الكنيسة: والكنيسة تحب الشهداء وتحب الاستشهاد وإن كنا نحتفل بعيد الشهداء في 10 سبتمبر تقريبًا فنحن نحتفل بالشهداء في كل يوم تقريبًا.والشهداء لهم عندنا مقام كبير جدًا وتبنى الكنائس على أسمائهم والأديرة أيضًا على أسمائهم وخصوصًا أديرة الراهبات.دير أبو سيفين على اسم الشهيد مارقوريوس أبو سيفين.ودير الأمير تادرس على اسم الشهيد الأمير تادرس.ودير مارجرجس في مصر القديمة ودير مارجرجس في حارة زويلة ودير القديسة دميانة على اسم الشهيدة دميانة. كلها أديرة على أسماء شهداء.فنحن نحب الشهداء ونحتفظ بأيقوناتهم ونقدس رفات أجسادهم ونسمي الكنائس بأسمائهم. استفانوس أول الشهداء: والاستشهاد في الكنيسة بدأ من أول نشأة الكنيسة.آخر شهيد في العهد القديم هو يوحنا المعمدان وأول شهيد في العهد الجديد هو استفانوس الشماس. واستفانوس الشماس نضع اسمه في المجمع قبل الآباء البطاركة. وقبل كثير من الرسل.الاستشهاد بدأ باستفانوس واستمر على مر الأيام والاستشهاد بدأ في الكنيسة في العهد الجديد، من أول استفانوس واستمر على مدى العصور المختلفة.جميع الآباء الرسل أنهوا حياتهم بالاستشهاد ما عدا يوحنا الحبيب الذي تعذب عذابات فوق الوصف ولكنه لم يستشهد. الاستشهاد اكليل: تصوروا محبة يسوع المسيح ليوحنا المعمدان عندما قال عنه في متى 11 "لم تلد النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان"، ونص الآية هو: "لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ" (إنجيل متى 11: 11).ومع ذلك أكرمه إكرامًا آخر بأن يكون شهيدًا كان يستطيع أن ينقذه بالموت ولكنه أعطى له بركة أن يكون شهيد. الاستشهاد شمل الكل وليس الرسل فقط الاستشهاد شمل حتى من كانوا أعداء للمسيحية: لونجينوس الشهيد: والاستشهاد شمل الأعداء أيضًا فلونجينوس الذي طعن المسيح بالحربة صار شهيدًا في المسيحية وله يوم في السنكسار نذكره فيه. الشيهد أريانوس والي أنصنا: وأريانوس الذي كان أقسى ولاة مصر في عهد دقلديانوس، فقد كانوا عندما يحتاروا في شخص مسيحي يسلموه لأريانوس.أريانوس هذا حدثت له معجزة وصار شهيدًا.ونقول في الكنيسة ونقول في السنكسار في مثل هذا اليوم تعيد الكنيسة لتذكار القديس أريانوس والي أنصنا. الاستشهاد شمل النساء والأطفال أيضًا: والاستشهاد شمل أيضًا الأطفال والنساء. وليس فقط الرجال.نسمع عن الأم دولاجي وأولادها. ونسمع عن الشهيدة يوليطا وابنها الشهيد قرياقوس.ونسمع عن الطفل أبانوب.الاستشهاد شمل الكل وليس الرسل فقط. الاستشهاد صار شهوة المؤمنين: الاستشهاد صار شهوة في وقت من الأوقات (شهوة الموت على اسم المسيح).فكانت طريقة تفكير المؤمنين هي ما المشكلة في ضربة سيف ثم أجد نفسي في الملكوت مع المسيح؟! فهذا هو أقصر وأضمن الطرق المؤدية للسماء.لذلك في أقوال الآباء نجد كتب كثيرة موضوعها "الحث على الاستشهاد" أصبح الاستشهاد شهوة كما قال بولس الرسول: "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 1: 23). تاريخ الكنيسة هو تاريخ الشهداء: ووجدنا تاريخ الكنيسة هو تاريخ الاستشهاد بدءًا من العصر الروماني الأول والاستشهاد الذي تم على يد نيرون والذي استشهد في عصره بطرس وبولس إلى أواخر العصر الروماني في أيام دقلديانوس.واستمر الأمر إلى سنة 313 م (هذا التاريخ هام يجب أن نحفظه جميعًا)، ففي سنة 313 م صدر قانون من قسطنطين الملك بالحرية الدينية.ولكن مع ذلك ومع الحرية الدينية استمر الاستشهاد والإرهاب الديني حتى بعد مجمع خلقيدونية. وكثير من الآباء استشهدوا من اخوتهم المسيحيين المخالفين لهم في المذهب.والسيد المسيح لم يقل لتلاميذه أنهم عندما يؤمنوا به سيسيروا في طريق مفروش بالورود، بل قال لهم: "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ" (إنجيل يوحنا 16: 33).وأيضًا في يوحنا الإصحاح السادس عشر قال لهم: "تأتي ساعة وأتت الآن يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" وفي بعض الترجمات "يقدم قربان لله"، ونص الآية هو: "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ" (إنجيل يوحنا 16: 2). القديس الشهيد يوليوس الأقفهصي: ولأن الاستشهاد يعتبر بركة نحن نشكر القديس يوليوس الأقفهصي الذي كان يكتب أسماء الشهداء وسيرتهم ويجمع أجسادهم.كان رجلًا قديسًا وحفظ لنا تاريخًا عظيمًا جدًا. الشهداء هم أعظم القديسين: الشهداء هم من أعظم القديسين. أعظم من الرهبنة وأعظم من الكهنوت. لماذا؟ لأن السيد المسيح يقول "لا يوجد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه عن أحبائه"، ونص الآية هو: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ" (إنجيل يوحنا 15: 13). والشهيد وضع نفسه عن إيمانه وبذلك يكون قدم أعظم حب.كل إنسان يجاهد ولكنه قد لا يصل للاستشهاد. فالاستشهاد هو أقصى جهاد يمكن أن يصل إليه المؤمن.والاستشهاد أيضًا كان يسبقه عذابات كثيرة ولكن الله كان يعطي الشهداء القوة على الاحتمال حتى يوصلهم إلى أن يقدموا أنفسهم بسلام. الاستشهاد دليل عمق الإيمان وعمق المحبة لله: الاستشهاد يدل على عمق المحبة لله. المحبة التي يبذل فيها الإنسان نفسه.والاستشهاد يدل على عمق الإيمان. وعمق الإيمان بالحياة الأخرى.لأن لولا الإيمان بالله والحياة الأخرى ما كان الإنسان يبذل حياته. والاستشهاد هو شهادة للدين، وهو أيضًا قدوة لكل الأجيال التي تبعت عصور الشهداء. الكنيسة تعد أولادها للإستشهاد: الكنيسة أعدت أولادها الشهداء أعدتهم بالإيمان الثابت.وأعدتهم بمجموعة من المدافعين عن الإيمان apologists، الذين كانوا يدافعوا عن الإيمان ويردوا على كل كلام الوثنيين ضد الإيمان المسيحي.وأعدتهم أيضًا بالزهد في العالم وعبارة "لا تحبوا العالم وكل ما في العالم"، ونص الآية هو: "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 15). وأعدتهم بعبارة ماران آثا Maranath (اليونانية: μαραν αθα)، أي الرب آت (ماران تعني ربنا وآثا تعني آت).والكنيسة أيضًا شجعتهم بالاهتمام بعائلاتهم. "أريد أن الجميع يكون بلا هم" نقطة هامة أريد أن تعرفوها هي عندما تكلم بولس الرسول عن عدم الزواج وقال: "أريد أن الجميع يكون بلا هم" لم يكن يقصد بكلمة "بلا هم" معنى "بلا زواج"، بل كان يقصد أن المتزوج – وخاصة أنه كان يتكلم وهو في العصر الروماني- صعب عليه أن يدخل في حياة الاستشهاد لأنه يفكر في مصير امرأته وأولاده، أي أنه يحمل هم امرأته وأولاده.فبولس الرسول عندما يقول "بلا هم" يقصد بها "أنه حتى إذا جاءت ساعة الاستشهاد لا يكون لديكم من تحملوا هم مصيره". نفسية الشهيد: وعصر الاستشهاد قد انتهى والقديس أوغسطينوس تعرض لهذه النقطة حيث قال: "نفرض أن شخص يريد أن يصبح شهيد وقد انتهى عصر الاستشهاد فماذا يفعل". قال: "الذي له نفسية الشهيد يعتبر من الشهداء حتى لو لم يستشهد" أي له نفسية الشهيد الذي لديه الاستعداد أن يبذل حياته. والذي لديه الإيمان القوي والثقة بالله. والذي عنده محبة العالم الآخر والإيمان به. الكنيسة تقوت بالاستشهاد: وأريد أن أقول أن الاستشهاد لم يضعف الكنيسة بل قوى الكنيسة.لذلك نقول أن الكنيسة بنيت على الدم وعلى الصمود وليس مجرد حياة رعوية فقط. كيف نستفيد من عيد النيروز/عيد الشهداء؟ أما الآن ونحن في عيد الشهداء فليتنا نفكر ماذا نستفيد من عيد النيروز في حياتنا.نحن نقول أننا أبناء الشهداء. فكيف تكون لنا نفسية الشهداء الذين هم آبائنا؟ كيف يكون لنا نفس مشاعرهم ونفس إيمانهم؟ في بداية عام جديد للشهداء ليت كل واحد منا يفكر كيف يبدأ هذا العيد بداية طيبة. على الأقل يكتسب فضيلة تنمو معه ويدرب نفسه عليها طوال العام. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
17 مايو 2022

قيامة المسيح هي الحدث الفريد في تاريخ الإنسانية

قام السيد المسيح له المجـد من القـبـر مـنـتـصـرا لأنه هو القـيـامـة والحياة .. والحياة تحررت من قيودها ، فقال لمرثا « أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا أيها الأولين والآخرين تمعتوا بالجزاء على حد سواء ، أيها الأغنياء والفـقـراء أطربوا مـعـافرحين ، أيهـا الذين صـامـوا والذين لم يصـومـوا إفـرحـوا اليوم ، المائدة جاهزة فتنعموا كلكم ، يخرج أحد جائعا ، تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان ، تمتـعـوا كلكم بكل غنى صلاحه ، لا يبكين أحـد زلاته في كابة لأن الغفران قـد أشـرق من القبر ، يخف أحد الموت لان موت المخلص قد حررنا « أين شـوكـتك يامـوت ؟ أين غلبتك ياهاوية ؟ قـام المسيح وأنت صـرعت ، قـام المسيح والشياطين ، تساقطت ، قام المسيح والملائكة ابتهجوا ، قام المسيح والحياة تحررت ، قام المسيح ولم يبق في القبر ميت ، لأن المسيح بقيامته من الأموات صار باركورة الراقدين ، فله المجد والعزة إلى دهر الدهور ، المسيح قـام داس الموت والذين في الـقـبـور أنعم لـهـم بـالحـيـاة الأبدية ، فـجـسـد المصلوب مات لأجلنا ، نؤمن أن لاهوته لم يفـارق ناسـوته لحظة واحـدة ولا طرفة عين فـقـيـامـتـه تـدل دلالة قاطعة على أن وداعته أعظم قوة في العالم ، لأن الموت لم يجـد قـوة وحـقـا فـيـمن يمتلئ بثـمـار روح الله ، ونحن نطلق على احتفالنا بقيامة ابن الله « العيد الكبير » لأن هذا الحدث العظيم قد أعاد لنا سلامنا مع الله وبداية موكب انتـصـار المسيح الغـالـب وراءه كل أعدائه أسرى منكسرين بينما أتباعه المؤمنون يتبـعـونه بهاتف وتهليل ، لأنه أشـركـهـم بإيمانهم بقوته المنتـصـرة ومن يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا وجلست مع أبي في عرشه ( رؤ ۲۱ : ۳ ) ليتنا نقـوم من غفلتنا ونعيش القيامة المجيدة ذات الطبيـعـة الجـديدة والانطبـاع الجديد والفاعلية الأصيلة للقـيـامـة المفرحة والمبهجة . نيافة الحبر الجليل الأنبا بسنتى أسقف حلوان والمعصرة ومدينة 15 مايو والتبين
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل